كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ١

الشيخ جعفر كاشف الغطاء

كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ١

المؤلف:

الشيخ جعفر كاشف الغطاء


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-880-5
الصفحات: ٤٠٨

ربيع الاخر ، رابعه يوم الاثنين سنة اثنتين وثلاثين ومائتين. واختاره الله بسرّمن‌رأى يوم الأحد. وقال المفيد : يوم الجمعة ثامن شهر ربيع الأوّل (١) سنة ستّين ومائتين. ودُفن إلى جانب أبيه. وأُمّه حديثة أُمّ ولد (٢).

التاسع : الإمام ولده محمّد بن الحسن القائم بالحقّ المهدي صاحب الزمان ، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، كما مُلئت ظلماً وجوراً ، بإخبار النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك التي رووها في كتبهم ولم ينكروها (٣).

وُلد بسرّمَن‌رأى يوم الجمعة ليلاً ، خامس عشر شهر شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين.

وأُمّه ريحانة ، ويقال لها : نرجس ، ويقال لها : صقيل وسوسن. وقيل : مريم بنت زيد العلويّة (٤).

وغيبته الصغرى أربع وسبعون سنة.

وكان وكلاؤه على شيعته وسفراؤه بينهم وبينه الذين ترد عليهم التوقيعات من جانبه أربعة : عثمان بن سعيد السمّان ، وابنه محمّد بن عثمان ، والحسين بن روح النوبختي ، وعليّ بن محمّد السمري.

ومن الوكلاء ببغداد : (ابن عمر السعيد) (٥) وابنه ، وحاجز ويقال له الوشّاء ، والبلالي وهو محمّد بن عليّ بن بلال ، والعطّار وهو محمّد بن يحيى ، ومحمّد بن أحمد بن جعفر.

ومن وكلائه من أهل الكوفة : العاصمي.

__________________

(١) الإرشاد : ٣٣٥.

(٢) الكافي ١ : ٥٠٣ باب مولد أبي محمد الحسن بن عليّ عليهما‌السلام ، إعلام الورى : ٣٦٧ ، تذكرة الخواص : ٣٢٤.

(٣) سنن الترمذي ٣ : ٣٤٣ ح ٢٣٣١ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٣٦٦ حديث ٤٠٨٢ مسند أحمد ١ : ٨٤ ، كنز العمال ١٤ : ٢٦١ ح ٣٨٦٥١ ٣٨٧٠٩. وهناك كتب مصنّفه في المهدي وأحاديثه عند العامّة والخاصة.

(٤) الدروس ٢ : ١٦.

(٥) بدله في «ح» : حفص بن عمرو المدعوّ بالجمّال ، عمر بن سعيد العمري.

١٠١

ومن الأهواز : محمّد بن إبراهيم بن مهزيار.

ومن قم : أحمد بن إسحاق.

ومن أهل همدان : محمّد بن صالح.

ومن الريّ : البسّامي ومحمّد بن أبي عبد الله الأسدي.

ومن أهل أذربيجان : القاسم بن العلاء.

ومن نيشابور : محمّد بن شاذان ، وغيرهم جمع كثير وهو المتيقّن ظهوره (١).

وروى أحمد بن حنبل في مسنده ، عن أنس بن مالك : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يمرّ بباب فاطمة الزهراء ستّة أشهر إذا خرج إلى صلاة الفجر ، ويقول : «الصلاة يا أهل البيت (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٢).

وفي صحيح البخاري قالت أُمّ الدرداء : دخل عليّ أبو الدرداء وهو مُغضب ، فقلت له : ما أغضبك؟ فقال : والله ما أعرف من أُمّة محمّد شيئاً إلا أنّهم يصلّون جميعاً (٣).

وروى البغويّ في كتاب «المصابيح» في حديث طويل في صفة الحوض ، قال ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

أنا فرطكم على الحوض ، من مرّ عليّ شرب ، ومن شرب منه لم يظمأ أبداً ، وليردنّ عليّ أقوام أعرفهم ويعرفوني ، ثمّ يحال بيني وبينهم ، فأقول : إنّهم أُمّتي! فيقال : إنّك ما تدري ما أحدثوا بعدك فأقول لهم : سحقاً سحقاً لمن غيّر بعدي

(٤). وقد رووا في صحاحهم من شكوى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منهم ومن

__________________

(١) انظر فرائد السمطين ٢ : ٣١٨ و ٣٢٨ ، تاريخ بغداد ٤ : ٣٨٨ ، الفصول المهمّة لابن الصبّاغ : ٢٩٢ ، تذكرة الخواص : ٣٢٥ ، سنن أبي داود ٢ : ٥٠٩ ح ٤٢٨٥ ، الإرشاد : ٣٤٦ ، كشف الغمّة ٢ : ٥٣٢.

(٢) مسند أحمد ٣ : ٢٨٥ وانظر شواهد التنزيل ٢ : ٢٧ ح ٦٦٥ وفيه أربعين صباحاً وفي حديث ٦٦٧ ثمانية أشهر ، والرواية متواترة ، المعجم الكبير للطبراني ٣ : ٥٦ ح ٢٦٧١ ، مستدرك الحاكم ٣ : ١٥٨ ، أنساب الأشراف ٢ : ١٠٤ ، سنن الترمذي ٥ : ٣٥٢ ح ٣٢٠٦ ، تفسير الطبري ٢٢ : ٥ ، الدر المنثور ٦ : ٦٠٥.

(٣) صحيح البخاري ١ : ١٦٦.

(٤) مصابيح السنّة ٢ : ١٥٢.

١٠٢

مخالفتهم له أشياء كثيرة ، لو عددناها لطال الكلام (١).

وكفاك أبين شاهد إن تجرّدت عن العصبيّة النظر في بعض المناقب التي لأمير المؤمنين عليه‌السلام ، والمثالب التي لأعدائه لعنهم الله.

وأمّا القسم الأوّل : وهي المناقب فلا تُحصى كثرةً ، روى أخطب خوارزم من الجمهور بإسناده إلى ابن عبّاس ، قال ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو أنّ الأرض أقلام ، والبحر مداد ، والجنّ حُسّاب ، والإنس كتّاب ، ما أحصوا فضائل عليّ عليه‌السلام (٢). وروى أخطب خوارزم أيضاً عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال إنّ الله تبارك وتعالى جعل لأخي عليّ بن أبي طالب فضائل لا تُحصى كثرة ، فمن ذكر فضيلة من فضائله مقرّاً بها ، غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ، ومن كتب فضيلة من فضائله ، لم تزل الملائكة تستغفر له ما بقي لتلك الكتابة رسم ، ومن استمع فضيلة من فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالاستماع ، ومن نظر إلى كتاب فيه فضيلة من فضائل عليّ غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالنظر. ثمّ قال : النظر إلى عليّ عبادة ، وذكره عبادة ، ولا يقبل الله إيمان عبدٍ إلا بولايته والبراءة من أعدائه (٣). وروى أخطب خوارزم من علماء الجمهور عن ابن مسعود أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لمّا خلق الله آدم عليه‌السلام ونفخ فيه روحه عطس فقال : الحمد لله ، فأوحى الله تعالى عبدي حمدني ، فو عزّتي وجلالي ، لولا عبدان أُريد أن أخلقهما في دار الدنيا ما خلقتك.

__________________

(١) انظر صحيح البخاري ١ : ٣٩ ، وج ٤ : ٨٥ و ٦ : ١١ ، وصحيح مسلم ٣ : ٤٥٤ ، ومسند أحمد ٣ : ٣٦٤.

(٢) المناقب للخوارزمي : ٣٢٨ ح ٣٤١ ، وأُنظر ينابيع المودّة ٢ : ٢٥٤ ، ومائة منقبة : ١٦٢ ح ٩٩ ، ومناقب الإمام أمير المؤمنين لابن سليمان ١ : ٥٥٧ ح ٤٩٦ وفرائد السمطين ١ : ١٦ وميزان الاعتدال ٣ : ٤٦٦ ، ولسان الميزان ٥ : ٦٢.

(٣) المناقب للخوارزمي : ٣٢ ح ٢ ، وأُنظر فرائد السمطين ١ : ١٩ ، وينابيع المودّة ١ : ٣٦٤ ، ومائة منقبة : ١٦٣ ح ١٠٠ ، وكفاية الطالب : ٢٥٢ ، وميزان الاعتدال ٣ : ٤٦٧ ، ولسان الميزان ٥ : ٦٢.

١٠٣

فقال : إلهي فيكونان منّي؟ قال : نعم يا آدم ، ارفع رأسك وانظر ، فرفع رأسه ، وإذا مكتوب على العرش : لا إله إلا الله ، محمّد نبيّ الرحمة ، وعليّ مقيم الحجّة ، من عرف حقّ عليّ زكا وطاب ، ومن أنكر حقّه لُعن وخاب ، أقسمت بعزّتي وجلالي ، أن أُدخل الجنّة من أطاعه وإن عصاني ، وأقسمت بعزّتي وجلالي أن أُدخل النار من عصاه وإن أطاعني (١). وكأنّ السرّ أنّ من أطاعه تمّت عقائده ، ولا يلزم ذلك فيمن أطاع الله.

وذكر البغوي في الصحاح ، عن أبي الحمراء قال ، قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أراد أن ينظر إلى آدم عليه‌السلام في علمه ، وإلى نوح في فهمه ، وإلى يحيى في زهده ، وإلى موسى في بطشه ، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام (٢). وروى البيهقي بإسناده إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال من أراد أن ينظر إلى آدم عليه‌السلام في علمه ، وإلى نوح عليه‌السلام في تقواه ، وإلى إبراهيم في حلمه ، وإلى موسى في هيبته ، وإلى عيسى في عبادته ، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب (٣). وروى الترمذي في صحيحه عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال أنا مدينة العلم وعليّ بابها (٤). وذكر البغويّ في الصحاح عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال أنا دار الحكمة وعليّ بابها (٥).

__________________

(١) المناقب للخوارزمي : ٣١٨ ح ٣٢٠ ، وأُنظر ينابيع المودّة ١ : ٤٨ ، ومائة منقبة : ١٠٩ ح ٥٠ ، وإحقاق الحق ٤ : ١٤٤.

(٢) انظر شواهد التنزيل ١ : ٧٨ ح ١١٦ ، وترجمة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) لابن عساكر : ٢ : ٢٨ ، وكفاية الطالب : ١٢٢ ، والرياض النضرة ٢ : ٢٩٠ ، والمناقب للخوارزمي : ٨٣ ح ٧٠ بتفاوت ، وإحقاق الحق ١٥ : ٦١٢ ، والمناقب لابن شهرآشوب : ٣ : ٢٤١ بتفاوت.

(٣) انظر الرياض النضرة ٢ : ٢٩٠ ، والمناقب للخوارزمي : ٣١١ ح ٣١٠ بتفاوت ، ومقتل الحسين للخوارزمي ١ : ٤٤ ، وكفاية الطالب : ١٢٢ ، وإرشاد القلوب ٢ : ١١ ، ونهج الحقّ : ٢٣٦.

(٤) سنن الترمذي ٥ : ٦٣٧ ح ٣٧٢٣ وفيه : أنا دار الحكمة وعليّ بابها. وأُنظر الجامع الصغير ١ : ٤١٥ ، وشواهد التنزيل ١ : ٨١ ح ١١٨ ، ونهج الحقّ : ٢٣٦.

(٥) مصابيح السنّة ٢ : ٢٠٠ ، وأُنظر سنن الترمذي ٥ : ٦٣٧ ح ٣٧٢٣ ، والمناقب لابن المغازلي : ٨٧ ، ونهج الحق : ٢٣٦ ، والرياض النضرة ٢ : ٢٥٥.

١٠٤

ورُوي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال أقضاكم عليّ عليه‌السلام (١). وإذا أردت بيان فضائله على التفصيل وحصر عددها فقد طلبت محالاً ، كما أذنت به الرواية السابقة (٢) ؛ لكن نُشير إلى بعضٍ منها.

وما أحسن قول الشافعي في هذا الباب ، حيث قيل له : صف لنا عليّاً عليه‌السلام ، فقال : ما أقول في رجل أخْفَتْ أعداؤه مناقبه حسداً ، وأولياؤه خوفاً ، وظهر من بين ذين وذين ما ملأ الخافقين» (٣).

ولقد أجاد ابن أبي الحديد المعتزلي حيث قال : ما أقول في رجل أقرّ له أعداؤه بالفضل ، ولم يمكنهم جحود مناقبه ، ولا كتمان فضائله ، وقد علمت أنّه استولى بنو أُميّة على سلطان الإسلام في شرق الأرض وغربها ، واجتهدوا بكلّ حيلة أن يطفئوا نوره ، والتحريف عليه ، ووضع المعايب والمثالب له ، ولعنوه على جميع المنابر ، وتوعّدوا مادحيه ، بل حبسوهم وقتلوهم ، ومنعوا رواية حديث يتضمّن له فضيلة أو يرفع له ذكراً ، حتّى منعوا أن يُسمى أحد باسمه ، فما زاده ذلك إلا رفعة وسموّاً ، كالمسك كلّما سُتر انتشر عرفه ، وكلّما كُتم تضوّع نَشرُه ، وكالشمس لا تُستر بالراح ، وكضوء النهار إن حجبت عنه عين واحدة أدركته عيون كثيرة أُخرى.

وما أقول في رجل تُعزى إليه كلّ فضيلة ، وتنتمي إليه كلّ فرقة ، وتجاذبه كلّ طائفة ، فهو رأس الفضائل وينبوعها وأبو عذرها ، وسابق مضمارها ، ومجلّي حليتها ، كلّ من بزغ فيها فمنه أخذ ، وله اقتفى ، وعلى مثاله احتذى وانتهى (٤).

وإن أردت تفصيل بعض فضائله : فأوّلها : الإخبار بالمغيبات ، وهو القائل سلوني قبل أن تفقدوني ، فوالله لا تسألوني عن فئة تضلّ بآية وتهتدي بآية ، إلا نبّأتكم بناعقها

__________________

(١) مجمع الزوائد ٩ : ١١٤ ، المناقب للخوارزمي : ٨١ ح ٦٦ بلفظ آخر.

(٢) أي ما رواه أخطب خوارزم في مناقبه ، وقد تقدّم آنفاً.

(٣) مقدّمة المناقب للخوارزمي : ٧ (طبع مكتبة نينوى الحديثة طهران) ، الأنوار البهيّة للمحدّث القمّي : ٧١.

(٤) شرح نهج البلاغة ١ : ١٦.

١٠٥

وسائقها وقائدها إلى يوم القيامة» فقام إليه رجل فقال : أخبرني كم على رأسي من طاقة شَعر؟ فقال له : لولا أنّ الذي سألت عنه يعسر برهانه لأخبرتك ، وإنّ في بيتك لسَخْلاً يقتل ابن بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (١) ، وكان ابنه صغيراً ، وهو الذي تولّى قتل الحسين عليه‌السلام.

وأخبر بقتل ذي الثدية من الخوارج ، وبعدم عبورهم النهروان لما أُخبر بالعبور (٢) ، وعن قاتل نفسه (٣) ، وتقطيع يدي جويريّة وصلبه ، فوقع في أيّام معاوية لعنه الله (٤).

وبصلب ميثم التمّار ، وأراه النخلة التي يصلب عليها ، فكان ذلك من عبيد الله بن زياد لعنهما الله (٥) ، وتقطيع يدي رشيد الهجري ورجليه ، فصنع به ذلك (٦) ، وبقتل قنبر ، فقتله الحجّاج (٧) ، وبأفعال الحجّاج التي صدرت منه (٨).

وأخبره الرجل بموت خالد بن عرفطة ، فقال عليه‌السلام لم يمت ، وسيقود جيش ضلالة ، صاحب لوائه حبيب بن جمّاز» فقام إليه حبيب بن جمّاز ، وقال : إنّي لك محبّ ، فقال : إيّاك أن تحمل اللّواء ، ولتحملنّها وتدخل من هذا الباب» يعني باب الفيل. فلمّا كان زمان الحسين عليه‌السلام جعل ابن زياد خالداً على مقدّمة عمر بن سعد ،

__________________

(١) مستدرك الحاكم ٢ : ١٦٦ ، ينابيع المودّة ١ : ٢٢٢ ٢٢٤ وفيهما صدر الحديث ، نهج الحق : ٢٤٢ ، كشف اليقين : ٩٠ ، شرح نهج البلاغة ٢ : ٢٨٦ ، إعلام الورى : ١٧٤ ، تهذيب التهذيب ٧ : ٣٣٨.

(٢) مروج الذهب ٢ : ٤٠٥ ، نهج الحق : ٢٤٢ ، العمدة لابن البطريق : ٤٦٤. أنساب الأشراف ٢ : ٣٧٦ ، منزل الأبرار : ٦٠.

(٣) لسان الميزان ٣ : ٤٤٠ ، مقاتل الطالبيين : ٣١ ، شرح نهج البلاغة ٦ : ١١٥ ، الغارات : ٣٠٦ ، أسد الغابة ٤ : ٣٥ ، ذخائر العقبى : ١١٢ ، مجمع الزوائد ٩ : ١٣٨.

(٤) شرح نهج البلاغة ٢ : ٢٩١ ، إعلام الورى : ١٧٥ ، بحار الأنوار ٤١ : ٣٠١.

(٥) شرح نهج البلاغة ٢ : ٢٩١ ، نقد الرجال : ٣٥٩ ، رجال الكشي ١ : ٢٩٥ ، الإصابة ٣ : ٥٠٤ ، الاختصاص : ٧٦ ، بحار الأنوار ٤٢ : ١٢٨ ، ١٢٩ إحقاق الحق ٨ : ١٥٨.

(٦) شرح نهج البلاغة ٢ : ٢٩٤ ، لسان الميزان ٢ : ٤٦٠ ، ٤٦١ ، رجال الكشي : ٢٠٩ ، ٢٩١ ، رجال العلامة الحلّي : ٧٢ ، الاختصاص : ٧٧ ، إحقاق الحق ٨ : ١٥٦.

(٧) نهج الحقّ : ٢٤٢ ، كشف الغمّة ١ : ٢٧٨ ، تفسير العيّاشي ١ : ٢٥٩ ، بحار الأنوار ٤٢ : ١٢٦ ، ١٣٥.

(٨) شرح نهج البلاغة ٢ : ٢٨٩ ، نهج الحق : ٢٤٣.

١٠٦

وحبيب صاحب لوائه (١).

وقال للبراء بن عازب : يُقتل ولدي الحسين عليه‌السلام وأنت حيّ لا تنصره» (٢) فكان ذلك.

ولمّا اجتاز بكربلاء في وقعة صفّين قال عليه‌السلام هذا والله مناخ ركابهم وموضع قتلهم» (٣). وأخبر بعمارة بغداد (٤) ، وملك بني عبّاس ، وأخذ هولاكو دولتهم ، وكان ذلك السبب في سلامة الحلّة والنجف وكربلاء منه ؛ لأنّ والد العلامة وابن طاوس وابن أبي العزّ أخذوا منه الأمان قبل الفتح ، وذهب إليه والد العلامة لطلب الأمان ، فقال : كيف تأخذ الأمان قبل الفتح؟ فقال : علمنا أنّ الفتح لك بإخبار أمير المؤمنين عليه‌السلام (٥).

وكذا الملاحم المنسوبة إليه كخطبة البصرة (٦) ونحوها ، إلى غير ذلك.

ثانيها : استجابة الدعاء ، فإنّه عليه‌السلام دعا على أنس بن مالك بالبرص حين جحد الشهادة على خبر الغدير ، فأصابه البرص (٧).

ودعا على المغيرة بالعمى ؛ لنقل أخباره إلى معاوية ، فعمي (٨).

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ٢ : ٢٨٧ ، كشف اليقين : ٧٩ ، نهج الحق : ٢٤٣.

(٢) شرح نهج البلاغة ٢ : ٥٠٨ ، نهج الحق : ٢٤٣ ، كشف اليقين : ٨٠.

(٣) ينابيع المودّة ٣ : ١٣ ، ذخائر العقبى : ٩٧ ، دلائل النبوّة : ٥٠٩ ، كشف اليقين : ٨٠ ، الصواعق المحرقة : ١١٥ ، الرياض النضرة ٢ : ٢٩٥ ، شرح نهج البلاغة ٢ : ٥٠٨ ، الفصول المهمّة لابن الصبّاغ : ١٧٣ ، إعلام الورى : ١٧٥ ، إحقاق الحق ٨ : ١٤٢.

(٤) كشف اليقين : ٨٠ ، الغيبة للنعماني : ١٦٧ ، نهج الحق : ٢٤٣ ، بحار الأنوار ٤١ : ١٢٥.

(٥) شرح نهج البلاغة ٢ : ١٢٥ ، تهذيب التهذيب ٧ : ٣٥٨ ، كشف اليقين : ٨٠ ، نهج الحق : ٢٤٣.

(٦) نهج البلاغة : ١٨٥ الخطبة ١٢٨ ، تاريخ الطبري ٦ : ٤٨ ، الملاحم والفتن : ٧٠ ، الغارات : ٦.

(٧) ذخائر العقبى : ٩٧ ، أنساب الأشراف ٢ : ١٥٦ ح ١٥٦ ، شرح نهج البلاغة ١ : ٣٦١ وج ٤ : ٣٨٨ ، نهج الحق : ٢٤٦.

(٨) في نهج الحق : ٢٤٦ البراء ، وفي كشف اليقين : ١١١ العيزار ، وفي البحار ٤١ : ١٩٨ الغيرار ، وفي إحقاق الحقّ ٨ : ٧٣٩ الغراز.

١٠٧

ودعا بردّ الشمس ، فردّت مرّتين (١) ، وروى ستّين مرّة (٢).

ودعا على الماء ، لمّا خاف أهل الكوفة الغرق ، فجفّ الماء ، حتّى ظهرت الحيتان وكلّمته ، إلا الجري والمارماهي والزمار ، فتعجّب الناس (٣).

ثالثها : شرف النسب ، وهو غنيّ عن البيان.

رابعها : فضيلة المصاهرة ، وهو الذي اختصّ ببنت رسول الله بعد أن خطبها الشيخان ، وردّهما النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما نقله الجمهور (٤) ، وخُصّ بالحسنين عليهما‌السلام ، وجُعلت منه العترة الطّاهرة.

خامسها : جامعيّة العلوم بأقسامها ، وسائر العلماء راجعون إليه ، ومتمسّكون به ومعتمدون عليه.

أمّا الشيعة فرجوعهم إليه واضح.

وأمّا المعتزلة فأوّلهم أبو هاشم ، وهو تلميذ أبيه ، وأبوه تلميذه عليه‌السلام (٥).

وأمّا الأشاعرة فينتهون إلى أبي الحسن الأشعري ، وهو تلميذ الجبائي أبي عليّ ، وأبو عليّ أحد مشايخ المعتزلة (٦) ، هذا حال المتكلّمين.

وأمّا الفقهاء الأربعة : فالحنفيّة إلى أبي حنيفة ، وهو تلميذ الصادق عليه‌السلام ، والصادق ينتهي إليه.

والشافعيّة إلى الشافعي ، وهو تلميذ محمّد بن الحسن ، ومحمّد بن الحسن تلميذ

__________________

(١) ينابيع المودة ١ : ٤١٩ ، إعلام الورى : ١٧٨ ، كشف اليقين : ١١١ ، خصائص أمير المؤمنين : ٤٢ ، روضة الواعظين للفتّال النيشابوري : ١٢٩ ، التفسير الكبير للرازي ٣٢ : ١٢٦ ، المناقب للخوارزمي : ٣٣٠ ح ٣٤٩.

(٢) المناقب لابن شهرآشوب ٢ : ٣١٦ وفيه : إنّ الشمس ردّت عليه مراراً ، وأُنظر بحار الأنوار ٤١ : ١٦٦ باب ردّ الشمس له.

(٣) روضة الواعظين للفتّال : ١١٩ ، نهج الحق : ٢٤٦.

(٤) المناقب للخوارزمي : ٣٤٢ ح ٣٦٤ ، الصواعق المحرقة : ٨٤ ، منتخب كنز العمال بهامش المسند ٥ : ٩٩ ، الرياض النضرة ٢ : ٢٣٨ ، مجمع الزوائد ٩ : ٢٠٥ ، ينابيع المودّة ٢ : ٦٢.

(٥) شرح نهج البلاغة ١ : ١٧ ، نهج الحقّ : ٢٣٨.

(٦) نهج الحق : ٢٣٨.

١٠٨

أبي حنيفة.

وأمّا الحنابلة فإلى أحمد بن حنبل ، وهو تلميذ الشافعي.

وأمّا المالكيّة فإلى مالك ، وهو تلميذ ربيعة ، وربيعة تلميذ عكرمة ، وعكرمة تلميذ ابن عبّاس ، وابن عبّاس تلميذ عليّ عليه‌السلام (١).

وأمّا المفسّرون ، فمرجعهم إمّا إليه أو إلى تلميذه ابن عبّاس (٢).

وأمّا أهل الطريقة ، فإليه ينتهون ، كما صرّح به الشبلي ، والجنيد ، والسري ، وأبو زيد البسطامي ، ومعروف الكرخي ، وغيرهم (٣).

وأمّا علماء العربيّة ، فإليه يرجعون ؛ لأنّه المؤسّس لعلم العربيّة ، حيث أملى على أبي الأسود الدؤلي جوامعه ، من جملتها : الكلام كلّه ثلاثة أشياء (٤) : اسم وفعل وحرف. ومن جملتها : تقسيم الكلمة إلى معرفة ونكرة ، وتقسيم وجوه الإعراب إلى رفع ونصب وجرّ وجزم (٥).

وأمّا الشجاعة : فإنّه عليه‌السلام أنسى ذكر من كان قبله ، ومحا اسم من يأتي بعده ، ومقاماته في الحروب مشهورة ، تضرب بها الأمثال إلى يوم القيامة.

وهو الذي ما فرّ قطّ ولا ارتاع ، ولا بارز أحداً إلا قتله ، ولا ضرب ضربة فاحتاج إلى ثانية ، وفي الحديث كانت ضرباته وتراً» (٦). وافتخر ابن الزبير بوقوفه في الصفّ المقابل لعليّ ، ومقالة معاوية لابن العاص حيث أشار عليه بمبارزة عليّ عليه‌السلام مشهورة (٧) ، ومقالة بنت عمرو بن عبدودّ :

__________________

(١) أُسد الغابة ٤ : ٢١ ، شرح نهج البلاغة ١ : ١٨ ، نهج الحق : ٢٣٧.

(٢) ينابيع المودّة ١ : ٣١٤ ، شرح نهج البلاغة ١ : ١٩ ، نهج الحق : ٢٣١.

(٣) نهج الحق : ٢٣١.

(٤) في «س» ، «م» : الكلمة ثلاث.

(٥) معجم الأُدباء ٤ : ١٧٣ ، شرح نهج البلاغة ١ : ٢٠.

(٦) النهاية لابن الأثير ٣ : ١٥٩ ، إحقاق الحق ٨ : ٣٢٨.

(٧) وقعة صفّين لنصر بن مزاحم : ٢٧٥.

١٠٩

لو كان قاتل عمرو غير قاتله

بكيته أبداً ما دمت في الأبد

لكن قاتله من لا نظير له

وكان يدعى أبوه بيضة البلد (١)

وفي القوّة يضرب به المثل ، قال ابن قتيبة : ما صارع أحداً إلا صرعه (٢) ، وهو قالع باب خيبر (٣) ، وقالع هبل من أعلى الكعبة (٤) ، وقالع الصخرة العظيمة فخرج الماء من تحتها (٥).

وله من المواقف الكريمة والمشاهد العظيمة في الغزوات في زمن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعده ما تحير به الأذهان ، وما يستحيل صدوره من سائر أفراد الإنسان.

منها : غزوة بدر ، بعد ثمانية عشر شهراً من قدومه إلى المدينة ، وروى الواقدي أنّ القتلى فيها من المشركين تسعة وأربعون ، تفرّد عليّ عليه‌السلام بثمانية عشر ، وشارك في أربعة منهم (٦). ونقل علماء العامّة والخاصّة : أنّ القتلى أكثر من ذلك ، وأنّه عليه‌السلام قتل ستّة وثلاثين منهم من الأبطال ، وأسماؤهم مرسومة في كتب التواريخ (٧).

ومنها : غزوة أُحد ، وكان عمره عليه‌السلام أقلّ من تسع وعشرين سنة ، وفيها قُتل حمزة. قالوا : وقد فرّ المسلمون إلا ثلاثة ؛ أوّلهم عليّ عليه‌السلام (٨) ، وقيل : بل فرّوا جميعاً سوى عليّ عليه‌السلام (٩).

ونقل أرباب المغازي : أنّ القتلى من المشركين اثنان وعشرون رجلاً ، وقتل

__________________

(١) مستدرك الحاكم ٣ : ٣٣.

(٢) المعارف لابن قتيبة : ٢١٠ ، إحقاق الحق ٨ : ٣٢١.

(٣) المغازي للواقدي ٢ : ٦٥٥ ، تاريخ الخلفاء للسيوطي : ١٦٧ ، ينابيع المودّة ١ : ٤٢٢.

(٤) المناقب للخوارزمي : ١٢٣ ح ١٣٩ ، مستدرك الحاكم ٢ : ٣٦٧ ، وج ٣ : ٥ ، مسند أحمد ١ : ٨٤ ، الكشّاف ٢ : ٦٨٩ ، ينابيع المودّة ١ : ٤٢١.

(٥) ينابيع المودّة ١ : ٤٤٩ ، شرح نهج البلاغة ١ : ١٦ ، مناقب ابن شهرآشوب ٢ : ٢٩١ ، الثاقب في المناقب : ٢٥٨ ح ٢٢٥ ، كشف الغمّة ١ : ٣٨٤ ، إعلام الورى : ١٧٦.

(٦) المغازي للواقدي ١ : ١٤٧ ١٥٢.

(٧) انظر السيرة النبوية لابن هشام ١ : ٧١٤ ، والمغازي للواقدي ١ : ١٥٢ ١٧٤ ، ونهج الحق : ٢٤٨.

(٨) كشف الغمّة ١ : ١٩٣ ، الإرشاد للمفيد : ٤٥ ، سيرة الأئمّة الاثني عشر ١ : ٢١٥.

(٩) مناقب آل أبي طالب ٣ : ١٢٣ ، كف الغمّة ١ : ١٩٣.

١١٠

عليّ عليه‌السلام منهم تسعة (١) ، وذكر أهل السير قتلى أُحد من المشركين ، وذكروا أنّ جمهورهم قتلى عليّ وهم اثنا عشر (٢).

وروى العامّة والخاصّة ، أنّ في هذه الواقعة سُمع النداء لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا عليّ». ورواه عاصم بن ثابت (٣).

ومنها : غزوة الخندق ، وقد كان مقدامها ، وقتل فيها ابن عبد ودّ وابنه حسل ، واضطرب المشركون لقتله وقتل ابنه ، والوا إلى الشتات.

وسأل ربيعة حذيفة عن عليّ عليه‌السلام ومناقبه ، فقال حذيفة : وما تسألني؟! والذي نفسي بيده ، لو وضعت أعمال أصحاب محمّد منذ بعثه الله إلى يوم القيامة في كفّة ، ووضع عمل عليّ عليه‌السلام يوم قتل ابن عبد ودّ في كفّة أُخرى ، لرجح عمل عليّ عليه‌السلام على أعمالهم ، فقال ربيعة : هذا المدح الذي لا يقام له ولا يقعد (٤).

ومنها : غزوة بني النضير ، وهو سبب الفتح فيها ، فإنّه جاء بطل من اليهود وضرب القبّة المضروبة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورجع ، حتّى إذا جاء الليل فقدوا عليّاً عليه‌السلام فأُخبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : إنّه فيما يصلح شأنكم.

فما لبث قليلاً ، حتّى ألقى رأس اليهودي الذي ضرب القبّة بين يدي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال له : كيف ظفرت به؟ فقال : علمت أنّه شجاع ما أجرأه أن يخرج ليلاً يطلب غيره ، فكمنت له فوجدته أقبل ومعه تسعة ، فقتلته وأفلت أصحابه ، فأخذ عليّ بعض الأصحاب وتبعهم فوجدهم دون الحصن فقتلهم وأتى برؤوسهم ، وكان ذلك سبب الفتح (٥).

__________________

(١) السيرة النبويّة لابن هشام ٣ : ١٣٥ ، كشف الغمّة ١ : ١٩٥.

(٢) كشف الغمّة ١ : ١٩٦ ، الصحيح في سيرة النبيّ (ص) ٤ : ٣١٩.

(٣) الكامل في التاريخ ٢ : ٤٩ ، شرح نهج البلاغة ١٤ : ٢٥١ ، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي : ١٩٧ ، الأغاني ١٥ : ١٩٢ ، ذخائر العقبى : ٧٤ ، الفصول المهمّة لابن الصبّاغ : ٥٧ ، إعلام الورى : ١٩٣ ، الرياض النضرة ٢ : ٢٥١ ، كشف الغمّة ١ : ١٩٤.

(٤) شرح نهج البلاغة ١٩ : ٦١ ، ينابيع المودّة ١ : ٢٨٤ «بمعناه» ، نهج الحقّ : ٢٤٩.

(٥) بحار الأنوار ٢٠ : ١٧٣.

١١١

ومنها : غزوة بني قريظة ، وكان سبب فتحهم ، حيث إنّه عليه‌السلام وفد إلى حصنهم ، فقالوا : جاءكم قاتل عمرو ، فحاصرهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خمسة وعشرين يوماً فجاء الفتح (١).

ومنها : غزوة بني المصطلق ، وقتل فيها عليّ مالكاً وابنه ، وسبي عليّ جويريّة بنت الحارث بن أبي ضرار ، فجاء بها إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاصطفاها لنفسه ، فجاء أبوها إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا رسول الله إنّ ابنتي لا تُسبى ، إنّها امرأة كريمة ، فقال : «اذهب فخيّرها» ، فقال : لقد أحسنت وأجملت ، فاختارت رسول الله ، فأعتقها وجعلها في جملة أزواجه (٢).

ومنها : غزوة الحديبية ، وكان أمير المؤمنين عليه‌السلام كتب بين النبيّ وبين سهل ابن عمرو ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اكتب يا عليّ ، فكتب : بسم الله الرحمن الرحيم ، فقال سهل : هذا كتاب بيننا وبينك ، فافتتحه بما نعرفه ، واكتب باسمك اللهمّ وامح ما كتبت ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم امح يا عليّ ، فقال عليّ : لولا طاعتك لما محوتها ، فمحاها ، وكتب عليّ باسمك اللهمّ.

فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اكتب هذا ما قاضى عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال سهل : لو أجبتك في الكتاب لأقررت برسالتك ، امحُ هذا واكتب اسمك ، فأمر النبيّ عليّاً بمحوه ، فقال عليّ عليه‌السلام : إنّ يدي لا تطيع ، فأخذ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يد عليّ فوضعها عليه فمحاها. فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليّ عليه‌السلام : إنّك سَتُدعى إلى مثلها فتجيب على مضض (٣).

وفي هذه الغزوة طلب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الماء ، فكلّ من يذهب بالروايا يرجع خالياً ، حتّى ذهب عليّ عليه‌السلام فملأ الروايا وأتى بها ، وعجب الناس.

__________________

(١) الإرشاد للمفيد : ٥٨.

(٢) السيرة الحلبيّة ٢ : ٢٨٠ ، تاريخ الخميس ١ : ٤٧٤ ، البحار ٢٠ : ٢٨٩.

(٣) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٨٩ ، إعلام الورى : ١٨٩ ، الإرشاد : ٦٣ ، الكامل في التاريخ ٢ : ٩٠ بتفاوت يسير ، وفي تاريخ الطبري ٢ : ١٢٢ صدر الحديث.

١١٢

وفي هذه الغزوة أقبل سهل بن عمرو إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال للنبيّ : إنّ أرقّاءنا لحقوا بك فأرجعهم إلينا ، فغضب صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : لتنتهنّ يا معشر قريش ، أو ليبعثنّ الله عليكم رجلاً امتحن الله قلبه للإيمان ، يضرب رقابكم على الدين.

فقال بعض من حضر : أبو بكر؟ قال : لا ، قيل : عمر؟ قال : لا ، ولكنّه خاصف النعل في الحجرة ، فنظروا فإذا بعليّ عليه‌السلام يخصف نعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الحجرة (١). وقد ورد هذا المضمون في عدّة روايات (٢).

منها : غزوة خيبر ، وقد روى عبد الملك بن هشام في كتاب السيرة النبويّة يرفعه إلى ابن الأكوع ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه بعث برايته إلى بعض حصون خيبر أبا بكر ، فقاتل ورجع خائباً ، ثمّ بعث عمر فكان كذلك ، فقال : لأُعطينّ الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله ، يفتح الله على يديه ، كرّاراً ليس بفرّار ، فدعا عليّاً عليه‌السلام وكان أرمد فتفل في عينيه ، ثمّ قال : خذ هذه الراية وامضِ ، حتّى يفتح الله عليك (٣).

وفيها عن أبي رافع : إنّ عليّاً عليه‌السلام لمّا دنا من الحصن ضربه يهوديّ بحجر ، فسقط ترسه من يده ، فتناول باب الحصن وتترّس به ، حتّى فتح الله على يديه وألقاه من يده ، قال : كان معي سبعة نفر وأنا ثامنهم ، فجهدنا أن نقلب الباب فلم نقدر (٤).

وقيل : وكان الذي يغلقه عشرون رجلاً وأراد المسلمون نقل الباب ، فلم ينقله إلا

__________________

(١) تاريخ بغداد ٨ : ٤٣٣ ، أُسد الغابة ٤ : ٢٦ ، خصائص أمير المؤمنين عليه‌السلام للنسائي : ٧٦ ، التاج الجامع للأُصول ٣ : ٣٣٤ ، مناقب أمير المؤمنين لابن سليمان الكوفي ٢ : ١٦ ح ٥٠٦ ، ذخائر العقبى : ٧٦ ، ينابيع المودّة ١ : ١٨٥.

(٢) مسند أحمد ٣ : ٣٣ ، تذكرة الخواص : ٤٥ ، مستدرك الحاكم ٣ : ١٢٣ ، أسد الغابة ٣ : ٢٨٢ ، سنن الترمذي ٥ : ٦٣٤ ح ٣٧١٥ ، خصائص أمير المؤمنين عليه‌السلام للنسائي : ٧٢ ، الرياض النضرة ٢ : ٢١٦ ، ٢٥٢.

(٣) السيرة النبويّة لابن هشام ٣ : ٣٤٩ ، وأُنظر ترجمة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) لابن عساكر ١ : ١٧٥ ح ٢١٩ ، ٢٢٠ ، ٢٢١ ، وتذكرة الخواص : ٢٧ ، ومناقب عليّ بن أبي طالب لابن المغازلي : ١٨٠ ، والبداية والنهاية ٧ : ٣٣٨ ، ومسند أحمد ٥ : ٣٥٣ ، وأسد الغابة ٤ : ٢١ ، والمغازي ٢ : ٦٥٤ ، وتاريخ الخلفاء : ١٧٢.

(٤) السيرة النبويّة لابن هشام ٣ : ٣٤٩ ، وأُنظر كشف الغمّة ١ : ١١١.

١١٣

سبعون رجلاً (١).

ومنها : غزوة الفتح ، وفيها أمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سعد بن عبادة بإعطاء الراية لعليّ عليه‌السلام (٢).

وفيها أرسله النبيّ لإخراج كتاب كتبه حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكّة ، يعرّفهم فيه مجي‌ء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إليهم ، وكان ابن أبي بلتعة أعطاه لجارية سوداء وأمرها أن تأخذ على غير الطريق ، وكان معه الزبير ، فطلبا المكتوب فلم يجداه ، فأراد الزبير الرجوع ، فقال علي عليه‌السلام : يخبرني رسول الله بأنّه عندها ويحلف ، معاذ الله ، فأخذ الجارية وتهدّدها بالذبح ، فأخرجت الكتاب من عقيصتها (٣)! وفيها قتل عليّ عليه‌السلام الحويرث بن نفيل ، وأراد قتل جماعة إجارتهم أُمّ هاني ؛ فشكت إلى رسول الله ، فعفا عنهم لقربها من عليّ.

ومنها : غزوة حنين ، وفيها عجب أبو بكر من كثرتهم (٤) ، حتّى نزلت فيه الآية (٥). وقد فرّ المسلمون سوى تسعة من بني هاشم ، أقدمهم عليّ عليه‌السلام ، وهو واقف بين يدي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد قتل فيها من المشركين أربعين رجلاً ، فوقع فيهم القتل والأسر.

ومنها : غزوة السلسلة ، وذلك أنّه أخبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ المشركين أرادوا تبييته في المدينة ، فاستدعى أبا بكر فأرسله إلى الوادي الذي هم فيه ، فلمّا وصلهم كمنوا له وخرجوا إليه فهزموه.

وكذلك ذهب بعده عمرو بن العاص لأنّه قال : أنا أذهب إليهم فإنّ الحرب خديعة ،

__________________

(١) الإرشاد : ٦٨ ، كشف الغمّة ١ : ٢١٥ ، بحار الأنوار ٢١ : ١٦.

(٢) السيرة النبويّة لابن هشام ٤ : ٤٩ ، السيرة الحلبيّة ٣ : ٣٥٣ ، الطبقات الكبرى ٢ : ١١١ ، خصائص أمير المؤمنين عليه‌السلام للنسائي : ٥٦ ح ١٤.

(٣) السيرة النبويّة لابن كثير ٣ : ٥٣٦ ، تفسير الطبري ٢٨ : ٣٨ ، الجامع لأحكام القرآن ١٨ : ٥٠ ، روح المعاني ٢٨ : ٣٦ ، تفسير البغوي ٤ : ٣٢٨.

(٤) الطبقات الكبرى ٢ : ١٥٠ ، سيّد المرسلين ٢ : ٥١٤.

(٥) (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ). التوبة : ٢٥.

١١٤

فذهب ورجع منهزماً ، فسار إليهم أمير المؤمنين عليه‌السلام يكمن بالنهار ويسير بالليل ، فكبسهم بالليل وهم غافلون ، فاستولى عليهم (١).

ومنها : غزوة تبوك ، وفيها خرج أمير المؤمنين عليه‌السلام فخرج لمبارزته عمرو ابن معديكرب ، فولّى منهزماً وقتل أخاه وابن أخيه وسبي امرأته ونساء غيرها.

واصطفى لنفسه جارية ، فوشوا به إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ظانّين أنّه يغضب لمكان فاطمة عليها‌السلام ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّه يحلّ لعليّ عليه‌السلام من الفي‌ء ما يحلّ لي» (٢).

وأمّا حروبه في عهد خلافته

فمنها : وقعة الجمل بينه عليه‌السلام وبين جند عائشة ، وكان رئيسهم طلحة والزبير ، وهما اللذان حرّكاها على الحرب ، وحسّنا لها الطلب بدم عثمان ، بعد أن كانت تقول : اقتلوا نَعثلاً قتله الله (٣)! فقيل لها في ذلك ، فقالت : قلت لهم وما فعلوا ، حتّى تاب وصار كسبيكة الفضّة (٤)!! ثمّ إنّه لمّا تلاقى الفريقان قتل من أصحاب الجمل ستّة عشر ألفاً وسبعمائة وتسعون ، وكانوا ثلاثين ألفاً ، وقُتل من أصحاب عليّ ألف وسبعون رجلاً ، وكانوا عشرين ألفاً ، وكان قتلى عليّ عليه‌السلام منهم ما لا يُحصى.

ومنها : وقعة صفّين ، وقد أقامت شهوراً عديدة ، وكان من عظيم مواقعها ليلة الهرير ، وكان أوّلها المسايفة ، واخرها الملاقاة بالأبدان ، وكان لعليّ عليه‌السلام فيها قتلى كثيرة ، وكلّما قتل واحداً كبّر ، فحسب له فيها خمسمائة وثلاثين أو عشرين تكبيرة ، على عداد القتلى.

وقيل : عرف قتلاه بالنهار ، فإنّ ضرباته كانت على وتيرة واحدة ، إن ضرب طولاً

__________________

(١) الإرشاد : ٨٧.

(٢) الإرشاد : ٨٦.

(٣) النهاية لابن الأثير ٥ : ٨٠.

(٤) تذكرة الخواص : ٦٦ ، المناقب للخوارزمي : ١٨٤ ذ. ح ٢٢٣.

١١٥

قدّ ، وإن ضرب عرضاً قطّ (١) ، وكانت كأنّها مكواة بالنار.

وكان من جملة من قتل مع عليّ عليه‌السلام عمّار الذي قال فيه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «تقتله الفئة الباغية» (٢).

ومنها : وقعة النهروان مع الخوارج ، وكانوا اثنى عشر ألفاً ، فكلّمهم عليّ عليه‌السلام وناظرهم ، فرجع منهم ثمانية آلاف ، وبقي أربعة آلاف ، وكان رئيسهم ذا الثدية ، فقاتلهم عليه‌السلام فقتلهم ، ولم يفلت منهم سوى تسعة : رجلان هربا إلى سجستان من خراسان ، وفيها نسلهما ، واثنان إلى بلاد عمّان وبها نسلهما ، واثنان إلى اليمن وفيها نسلهما ، وهم الإباضية وآخران إلى بلاد الجزيرة إلى قرب شاطئ الفرات ، وآخر إلى تلّ معدن. وكان عليه‌السلام هو الذي قتل فيها الأبطال وجدّل الرجال.

وكان من شجاعته أنّها تُعدّ من أعظم المعاجز ، فإنّ له من الخصائص ما لم يكن لأحد ، ولا يكون مدى الأبد ، فإنّه على كثرة حروبه وعظم مواقفه ، ما صرعه أحد ، ولا ولّى منهزماً ، ولا جرح أحداً وسلم من جراحته ، ولا قاد جيشاً إلا وكان النصر معه ، ولا جُرح جراحة أردته ، ولا هاب الأقران ، ولا خاف النِّزال ، فهو معدوم النظير في الشجاعة ، لا يماثله أحد.

وأمّا الزهد

فقد كان عليه‌السلام أزهد الخلق بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما شهد بذلك عمر بن عبد العزير (٣).

وروى سويد بن غفلة أنّه دخل عليه فوجد بين يديه صحفة فيها لبن عظيم الرائحة من شدّة الحموضة ، وفي يده رغيف يُرى قِشار الشعير في وجهه وهو يكسره بيده

__________________

(١) النهاية لابن الأثير ٤ : ٢١ ، كشف الغمّة ١ : ٢٥٣.

(٢) صحيح البخاري ١ : ١٢٢ باب التعاون في بناء المسجد ، صحيح مسلم ٥ : ٤٣٠ كتاب الفتن ح ٢٩١٦ ، مسند أحمد ٢ : ١٦٤ ، وج ٣ : ٥ ، المناقب للخوارزمي : ١٠٥ ح ١١٠ ، فرائد السمطين ١ : ٢٨٧ ح ٢٢٧ ، الفصول المهمّة لابن الصبّاغ : ١٢٢ ، مستدرك الحاكم ٣ : ٣٨٥ ، مجمع الزوائد ٩ : ٢٩٧ ، تاريخ بغداد ١٣ : ١٨٧ ، وج ٥ : ٣١٥.

(٣) تذكرة الخواص : ١٠٥ ، كشف الغمّة ١ : ١٦٢ ، منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة ٢ : ٤٠٨.

١١٦

أحياناً ، فإذا عسر عليه كسره بركبتيه (١).

وكنس بيت المال يوماً ورشّه وهو يقول : يا صفراء غرّي غيري ، يا بيضاء غرّي غيري ، ثمّ تمثّل :

هذا جناي وخياره فيه

إذ كل جان يده إلى فيه (٢)

وكان عليه‌السلام أخشن الناس مأكلاً وملبساً ، قال عبيد الله بن أبي رافع : دخلتُ عليه يوم عيد ، فقدّموا جراباً مختوماً ، فوجدنا خبز الشعير فيه يابساً مرضوضاً ، فأكل وختم ، فقلت : يا أمير المؤمنين لِم تختمه؟! فقال : «خفت هذين الولدين يعني الحسنين أن يلتّاه بسمن أو زيت» (٣).

وكان ثوبه مرقوعاً بجلد تارة وبليف أُخرى ، وكان يلبس الكرابيس الغليظة ، فإذا وجد كمّه طويلاً قطعه بشفرة ولم يخطه ، وكان لا يزال متساقطاً على ذراعيه ، حتّى يبقى سُدى بلا لحمة.

وكان يأتدم بخلّ وملح إن ائتدم ، فان ترقّى عن ذلك فببعض نبات الأرض ، فإن ارتفع عن ذلك فبشي‌ء من ألبان الإبل ، ولا يأكل إلا قليلاً. وكان عليه‌السلام يقول : «لا تجعلوا بطونكم مقابر للحيوانات» (٤).

وهو الذي طلّق الدنيا ثلاثاً ، وكانت الأموال تجي‌ء إليه ممّا عدا الشام فيفرّقها ويمزّقها ويقول :

هذا جناي وخياره فيه

إذ كلّ جان يده إلى فيه ؛(٥)

__________________

(١) المناقب للخوارزمي : ١١٨ ح ١٣٠ ، فرائد السمطين ١ : ٣٥٢ ح ٢٧٨ ، الغارات : ٥٦ ، كشف اليقين : ٨٦ ، تذكرة الخواص : ١٠٧ ، إحقاق الحق ١٧ : ٥٩٩ ، حلية الأبرار ١ : ٣٥١.

(٢) مروج الذهب ٢ : ٣٨٠ ، ينابيع المودّة ١ : ٤٤٦ و ٤٥٣ ، تذكرة الخواص : ١٠٥ ، صفة الصفوة ١ : ٣١٤ ، حلية الأولياء ١ : ٨١.

(٣) شرح نهج البلاغة ١ : ٢٦ ، وفي تذكرة الخواص : ١٠٦ ، ١٠٧ ، وحلية الأبرار ١ : ٣٥٢ بتفاوت ، ينابيع المودّة ١ : ٤٥٢.

(٤) شرح نهج البلاغة ١ : ٢٦ ، ينابيع المودّة ١ : ٤٥٢.

(٥) شرح نهج البلاغة ١ : ٢٦ ، صفة الصفوة ١ : ١٣٣ ، ينابيع المودّة ١ : ٤٥٣ ، حلية الأولياء ١ : ٨١.

١١٧

وكان يطوي يومين أو ثلاثة من الجوع ، ويشدّ حجر المجاعة على بطنه الشريف.

وكان فراشه التراب ، ووساده الحجر.

ومن خبر ضرار بن ضمرة الضبابي (١) عند دخوله على معاوية ومسألته عن أمير المؤمنين ، قال فأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه ، وقد أرخى الليل سدوله ، وهو قائم في محرابه ، قابض على لحيته ، يتململ تململ السليم أي الملسوع ويبكي بكاء الحزين ، وهو يقول : «يا دنيا يا دنيا ؛ إليك عنّي ، أبي تعرّضت؟ أم إليّ تشوّقت؟ لا حان حينك ، هيهات هيهات غرّي غيري ، لا حاجة لي فيك ، قد طلّقت ثلاثاً لا رجعة لي فيك ، فعيشك قصير ، وخطرك يسير ، وأملك حقير ، آه من قلّة الزاد وطول الطريق وبُعد السفر وعظيم المورد».

فقال له معاوية لعنه الله ؛ يا ضرار ، صف لي عليّاً ، فقال له : اعفني من ذلك ، فقال : ما أعفيك يا ضرار ، قال : ما أصف منه؟! كان والله شديد القوى ، بعيد المدى ، ينفجر العلم من أنحائه ، والحكمة من أرجائه ، يستوحش من الدنيا وزهرتها ، ويأنس بالليل ووحشته.

لا يطمع القوي في باطله ، ولا ييأس الضعيف من عدله ، حسن المعاشرة ، سهل المباشرة ، خشن المأكل ، قصير الملبس ، غزير العبرة ، طويل الفكرة ، يقلّب كفّه ، ويحاسب نفسه.

وكان فينا كأحدنا ، يجيبنا إذا سألناه ، ويبتدئنا إذا سكتنا ، ونحن مع تقريبه إلينا أشدّ ما يكون صاحب لصاحبه هيبةً لا نبتدئه الكلام لعظمه ، يحبّ المساكين ، ويقرّب أهل الدين.

وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه ، وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه ، قابضاً على لحيته ، يتململ تململ السليم أي الملسوع ويبكي بكاء الحزين ، ويقول : يا دنيا يا دنيا ، غرّي غيري ، أبي تعرّضت أم إليّ تشوّقتِ ، هيهات هيهات ، قد طلّقتك ثلاثاً لا رجعة لي فيك ، فعمرك قصير ، وخطرك حقير ، آهٍ من قلّة الزاد وبعد السفر

__________________

(١) في نهج البلاغة : ٤٨٠ حكمة ٧٧ ضرار بن حمزة الضبائي ، وفي إرشاد القلوب ٢ : ٢٤ ضرار بن ضمرة اللّيثي.

١١٨

ووحشة الطريق.

فبكى معاوية لعنه الله وقال : رحم الله أبا الحسن ، كان والله كذلك ، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال : حزن من ذبح ولدها في حجرها (١). وغير ذلك كثير جدّاً.

وأمّا العبادة

فقد كان أعبد الناس ، وأكثرهم صلاةً وصوماً ، وكان يصلّي في كلّ ليلة ألف ركعة ، ومنه تَعلّم الناسُ النافلة والأوراد.

وكان يحفظ القرآن ولا حافظ هناك غيره.

وما ظنّك برجل يبلغ من محافظته على ورده أنّه يبسط له نطع بين الصفين ليلة الهرير فيصلّي عليه ورده والسهام تقع بين يديه وعن جانبيه فلا يرتاع لذلك. وبلغ في العبادة إلى حيث يؤخذ النُّشاب من جسده عند الصلاة (٢).

وكان زين العابدين عليه‌السلام يصلّي في الليل ألف ركعة ، ثمّ يلقي صحيفته ويقول : «أنّى لي بعبادة عليّ» (٣) وهو الذي كان يقول : «إلهي ما عبدتك خوفاً من نارك ، ولا طمعاً في جنّتك ، ولكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك» (٤).

وكانت جبهته كثفنة البعير ، لكثرة طول السجود.

وقيل لعليّ بن الحسين عليهما‌السلام وهو أعبد العبّاد كيف عبادتك من عبادة عليّ؟ فقال : «عبادتي منه كعبادته عليه‌السلام من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (٥).

__________________

(١) مروج الذهب ٢ : ٤٣٣ ، وج ٣ : ٢٥ ، حلية الأولياء ١ : ٨٤ ، ربيع الأبرار ١ : ٩٧ ، ٨٣٦ ، صفة الصفوة ١ : ١٣٣ من الجزء الأوّل ، ينابيع المودّة ١ : ٤٣٨ ، الفصول المهمّة لابن الصبّاغ : ١٢٩ ، ذخائر العقبى : ١٠٠ الرياض النضرة ٢ : ٢٨١ ، تذكرة الخواص : ١١٣.

(٢) كشف اليقين : ١١٨ ، إحقاق الحقّ ٨ : ٦٠٢ ، منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة ٨ : ١٥٢.

(٣) الإرشاد : ٢٥٦ ، بحار الأنوار ٤٦ : ٧٥.

(٤) الوافي ٤ : ٣٦١ أبواب جنود الإيمان باب ٤٧ ، البحار ٤١ : ١٤ ذ. ح ٤.

(٥) ينابيع المودّة ١ : ٤٥٣ ، شرح نهج البلاغة ١ : ٢٧.

١١٩

ومن تأمّل في دعواته ومناجاته وأوراده المنقولة عنه وصلاته ، ظهر ذلك له كلّ الظهور.

وأمّا الحلم

فكان عليه‌السلام أحلم الخلق وأشدّهم عفواً ، وينبئ عن ذلك : عفوه عن عائشة بعد ما فعلت فعلها الشنيع ، وعفوه عن عبد الله بن الزبير ، وكان أشد الناس له عداوة ، وعفوه عن سعيد بن العاص بعد ظفره به.

وعن أهل البصرة بعد انكسار شوكتهم ، ونادى مناديه : لا يُجهز على جريح ، ولا يُتبع مدبر ، ولا يُقتل مستأسر ، ومن ألقى سلاحه فهو أمن ، ولم يأخذ أثقالهم ، ولا سبى ذراريهم (١).

وعن عسكر معاوية ، لمّا منعوه من الماء ، فوقع عليهم وكشفهم عنه بعد المقاتلة العظيمة ، فشكوا إليه العطش ، فأمر أصحابه بتخلية الشريعة لهم ، وقال : «في حدّ السيف ما يُغني عن ذلك» (٢).

وأمّا الفصاحة

فهو إمام الفصحاء ، وسيّد البلغاء ، وفي كلامه قيل : إنّه فوق كلام المخلوقين ودون كلام الخالق (٣).

وقيل في ذلك : أنّه لو لم يكن في البرية قرآن لكان نهج البلاغة قرآنهم.

وفي النظر في خطبه ، ومواعظه ، ومناجاته ، ودعواته ، ما يغني عن البرهان.

ولما قال محقن بن أبي محقن لمعاوية : جئتك من عند أعيا العرب يعني عليّاً فقال له معاوية : ويحك ، والله ، ما سنّ الفصاحة لقريش غيره (٤).

__________________

(١) مروج الذهب ٢ : ٣٧٨ ، شرح نهج البلاغة ١ : ٢٣ ، ينابيع المودة ١ : ٤٥٠.

(٢) ينابيع المودّة ١ : ٤٥١ ، مروج الذهب ٢ : ٣٨٦.

(٣) وشرح نهج البلاغة ١ : ٢٤.

(٤) وشرح نهج البلاغة ١ : ٢٤.

١٢٠