السيّد علي الحسيني الميلاني
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-267-9
الصفحات: ٤٧
خاتمة البحث
فائدة صغيرة :
وهنا فائدة صغيرة ، أذكرها لكم ، جاء في السيرة الحلبيّة ما نصّه : وعن أبي يوسف [أبو يوسف هذا تلميذ أبي حنيفة إمام الحنفيّة] : لا أرى بأساً أن يقول المؤذّن في أذانه : السلام عليك أيّها الامير ورحمة الله وبركاته ، يقصد خليفة الوقت أيّاً كان ذلك الخليفة.
لاحظوا بقيّة النصّ : لا أرى بأساً أن يقول المؤذّن السلام عليك أيّها الامير ورحمة الله وبركاته ، حيّ على الصلاة ، حيّ على الفلاح ، الصلاة يرحمك الله.
ولذا كان مؤذّن عمر بن عبدالعزيز يفعله ويخاطب عمر بن عبدالعزيز في الاذان الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلاّ الله ، السلام عليكم يا أيّها الامير ورحمة الله وبركاته حيّ على الصلاة ، حيّ على الصلاة ، حيّ على الفلاح ، حيّ على الفلاح ، لا أرى بأساً في هذا.
فإذا لم يكن بأس في أنْ يخاطب المؤذّن خليفة الوقت وأمير مؤمنينهم في الاذان بهذا الخطاب ، فالشهادة بولاية أمير المؤمنين حقّاً لا أرى أن يكون فيها أيّ بأس ، بل إنّه من أحبّ الاُمور إلى الله سبحانه وتعالى ، ولو تجرّأنا وأفتينا بالجزئيّة الواجبة فنحن حينئذ ربّما نكون في سعة ، لكنّ هذا القول أعرض عنه المشهور ، وكان ممّا لا يعمل به بين أصحابنا.
تصرفات أهل السنة في الاذان :
وأمّا أهل السنّة ، فعندهم تصرّفان في الاذان :
التصرف الاول : حذف «حيّ على خير العمل».
التصرف الثاني : إضافة «الصلاة خير من النوم».
ولم يقم دليلٌ عليهما.
هذا في شرح التجريد للقوشچي الاشعري (١) ، وأرسله إرسال المسلّم ، وجعل يدافع عنه ، كما أنّه يدافع عن المتعتين.
فمن هذا يظهر أنّ «حيّ على خير العمل» كان من صلب الاذان في زمن رسول الله ، وعمر منع عنه كالمتعتين.
__________________
(١) شرح التجريد للقوشچي ، مبحث الامامة.
ويدلّ على وجود «حيّ على خير العمل» في الاذان في زمن رسول الله وبعد زمنه : الحديث في كنز العمّال ، كتاب الصلاة (١) عن الطبراني : كان بلال يؤذّن في الصبح فيقول : حيّ على خير العمل.
وكذا هو في السيرة الحلبيّة (٢) ، وذكر أنّ عبدالله بن عمر والامام السجّاد عليهالسلام كانا يقولان في أذانهما حيّ على خير العمل.
وأمّا «الصلاة خير من النوم» فعندهم روايات كثيرة على أنّها بدعة ، فراجعوا (٣).
الشهادة بالولاية شعار المذهب :
بعد أن أثبتنا الجزئيّة الاستحبابيّة للشهادة الثالثة في الاذان ، فلا يقولنّ أحد أنّ هذه الشهادة في الاذان إذا كانت مستحبّة ، والمستحب يترك ، ولا مانع من ترك المستحب ، فحينئذ نترك هذا الشيء.
هذا التوهّم في غير محلّه.
لانّ هذا الامر والعمل الاستحبابي ، أصبح شعاراً للشيعة ، ومن
__________________
(١) كنز العمال ٨ / ٣٤٢.
(٢) السيرة الحلبية ٢ / ٣٠٥.
(٣) كنز العمال ٨ / ٣٥٦ ـ ٣٥٧.
هنا أفتى بعض كبار فقهائنا كالسيد الحكيم رحمة الله عليه في كتاب المستمسك بوجوب الشهادة الثالثة في الاذان ، بلحاظ أنّه شعار للمذهب ، وتركه يضرّ بالمذهب ، وهذا واضح ، لانّ كلّ شيء أصبح شعاراً للمذهب فلابدّ وأن يحافظ عليه ، لانّ المحافظة عليه محافظة على المذهب ، وكلّ شيء أصبح شعاراً لهذا المذهب فقد حاربه المخالفون لهذا المذهب بالقول والفعل.
وكم من نظير لهذا الامر ، فكثير من الاُمور يعترفون بكونها من صلب الشريعة المقدّسة ، إلاّ أنّهم في نفس الوقت يعترفون بأنّ هذا الشيء لمّا أصبح شعاراً للشيعة فلابدّ وأنْ يترك ، لانّه شعار للشيعة ، مع اعترافهم بكونه من الشريعة بالذات.
أقرأ لكم بعض الموارد بسرعة :
في كتاب الوجيز للغزّالي في الفقه ، وهكذا في شرح الوجيز وهو فتح العزيز في شرح الوجيز في الفقه الشافعي ، هناك ينصّون على أنّ تسطيح القبر أفضل من تسنيمه ، إلاّ أنّ التسطيح لمّا أصبح شعاراً للشيعة فلابدّ وأن يترك هذا العمل.
ونصّ العبارة : وعن القاسم بن محمّد بن أبي بكر : رأيت قبور النبي وأبي بكر وعمر مسطّحة ، وقال ابن أبي هريرة : إنّ الافضل الان العدول من التسطيح إلى التسنيم ، لانّ التسطيح صار شعاراً
للروافض ، فالاولى مخالفتهم (١).
وأيضاً : عن الزمخشري في تفسيره ، بتفسير قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ) (٢) ، يقول : إنّ مقتضى الاية جواز الصلاة على آحاد المسلمين ، هذا تصريح الزمخشري في تفسيره ، لكن لمّا اتّخذت الرافضة ذلك في أئمّتهم منعناه.
فنحن نقول : صلّى الله عليك يا أمير المؤمنين ، وكذا غير أمير المؤمنين من الائمّة ، حينما نقول هذا فهو شيء يدلّ عليه الكتاب يقول : إلاّ أنّ الشيعة لمّا اتّخذت هذا لائمّتهم منعناه.
في مسألة التختم باليمين ، ينصّون على أنّ السنّة النبويّة أنْ يتختّم الرجل باليمين ، لكنّ الشيعة لمّا اتّخذت التختم باليمين شعاراً لهم ، أصبحوا يلتزمون بالتختم باليسار.
نصّ العبارة : أوّل من اتخذ التختم باليسار خلاف السنّة هو معاوية (٣).
وبالنسبة إلى السلام على غير الانبياء يقول ابن حجر في فتح الباري ـ لاحظوا هذه العبارة ـ : تنبيه : اختلف في السلام على غير
__________________
(١) فتح العزيز في شرح الوجيز ، ط مع المجموع للنووي ٥ / ٢٢٩.
(٢) سورة الاحزاب : ٤٣.
(٣) ربيع الابرار ٤ / ٢٤.
الانبياء بعد الاتفاق على مشروعيته في تحيّة الحي ، فقيل يشرع مطلقاً ، وقيل : بل تبعاً ولا يفرد لواحد لكونه صار شعاراً للرافضة ، ونقله النووي عن الشيخ أبي محمّد الجويني (١).
في السنّة في العمامة ، في كيفيّة لفّ العمامة ، السنّة أن تلف العمامة كما كان يلفّها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، هذا تطبيق السنّة ، يقولون : وصار اليوم شعاراً لفقهاء الاماميّة ، فينبغي تجنّبه لترك التشبّه بهم (٢).
ثمّ إنّ الغرض من مخالفة السنّة النبويّة في جميع هذه المواضع هو بغض أمير المؤمنين ، المحافظ عليها والمروّج لها ، وقد جاء التصريح بهذا في بعض تلك المواضع ، كقضيّة ترك التلبية.
لاحظوا نصّ العبارة : فقد أخرج النسائي والبيهقي عن سعيد بن جبير قال : كان ابن عبّاس بعرفة ، فقال : يا سعيد مالي لا أسمع الناس يلبّون؟ فقلت : يخافون ، فخرج ابن عباس من فسطاطه فقال : لبّيك اللهمّ لبّيك وإنْ رغم أنف معاوية ، اللهمّ العنهم فقد تركوا السنّة من بغض علي (٣).
__________________
(١) فتح الباري في شرح البخاري ١١ / ١٤٢.
(٢) شرح المواهب اللدنيّة ٥ / ١٣.
(٣) سنن النسائي ٥ / ٢٥٣ ، سنن البيهقي ٥ / ١١٣.
قال السندي في تعليق النسائي : أي لاجل بغضه ، أي وهو كان يتقيّد بالسنن ، فهؤلاء تركوها بغضاً له.
فإذا كان الشيء من السنّة ، ثمّ أصبح لكونه من السنّة شعاراً للشيعة ، يلتزمون بمخالفة ذلك الشعار لكونه شعاراً للشيعة ، مع اعترافهم بكونه من السنّة.
وهكذا يكون إنكار الشهادة الثالثة محاربة للشيعة والتشيّع ، لانّ الشهادة الثالثة شعار التشيّع والشيعة ، ويكون خدمة لغير الشيعة ، ويكون متابعة لما عليه غيرالاماميّة في محاربتهم للشعائر.
وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.