الشهادة بالولاية في الأذان

السيّد علي الحسيني الميلاني

الشهادة بالولاية في الأذان

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-267-9
الصفحات: ٤٧

١
٢

دليل الكتاب :

مقدّمة المركز.................................................................... ٥

تمهيد........................................................................... ٧

معنى الاذان والشهادة وولاية عليّ عليه‌السلام........................................... ١١

الاتيان بالشهادة بالولاية لا بقصد الجزئية......................................... ١٥

الاتيان بالشهادة بالولاية بقصد الجزئية المستحبة................................... ١٩

الاستدلال بالسنّة على استحباب الشهادة بالولاية في الاذان......................... ٢٥

الاستدلال بقاعدة التسامح في أدلّة السنن......................................... ٣٩

خاتمة البحث.................................................................. ٤١

فائدة صغيرة................................................................... ٤١

تصرفات أهل السنة في الاذان................................................... ٤٢

الشهادة بالولاية شعار المذهب................................................... ٤٣

٣
٤

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدّمة المركز :

لا يخفى أنّنا لازلنا بحاجة إلى تكريس الجهود ومضاعفتها نحو الفهم الصحيح والافهام المناسب لعقائدنا الحقّة ومفاهيمنا الرفيعة ، ممّا يستدعي الالتزام الجادّ بالبرامج والمناهج العلمية التي توجد حالة من المفاعلة الدائمة بين الاُمّة وقيمها الحقّة ، بشكل يتناسب مع لغة العصر والتطوّر التقني الحديث.

وانطلاقاً من ذلك ، فقد بادر مركز الابحاث العقائدية التابع لمكتب سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني ـ مدّ ظلّه ـ إلى اتّخاذ منهج ينتظم على عدّة محاور بهدف طرح الفكر الاسلامي الشيعي على أوسع نطاق ممكن.

ومن هذه المحاور : عقد الندوات العقائديّة المختصّة ، باستضافة نخبة من أساتذة الحوزة العلمية ومفكّريها المرموقين ، التي تقوم نوعاً على الموضوعات الهامّة ، حيث يجري تناولها بالعرض والنقد

٥

والتحليل وطرح الرأي الشيعي المختار فيها ، ثم يخضع ذلك الموضوع ـ بطبيعة الحال ـ للحوار المفتوح والمناقشات الحرّة لغرض الحصول على أفضل النتائج.

ولاجل تعميم الفائدة فقد أخذت هذه الندوات طريقها إلى شبكة الانترنت العالمية صوتاً وكتابةً.

كما يجري تكثيرها عبر التسجيل الصوتي والمرئي وتوزيعها على المراكز والمؤسسات العلمية والشخصيات الثقافية في شتى أرجاء العالم.

وأخيراً ، فإنّ الخطوة الثالثة تكمن في طبعها ونشرها على شكل كراريس تحت عنوان «سلسلة الندوات العقائدية» بعد إجراء مجموعة من الخطوات التحقيقية والفنيّة اللازمة عليها.

وهذا الكرّاس الماثل بين يدي القارئ الكريم واحدٌ من السلسلة المشار إليها.

سائلينه سبحانه وتعالى أن يناله بأحسن قبوله.

مركز الابحاث العقائدية

فارس الحسّون

٦

بسم الله الرحمن الرحيم

تمهيد :

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الاوّلين والاخرين.

بحثنا في الشهادة بولاية أمير المؤمنين في الاذان.

تارة نبحث عن هذه المسألة فيما بيننا نحن الشيعة الاماميّة الاثنى عشريّة ، وتارة نجيب عن سؤال يردنا من غيرنا وعن خارج الطائفة ، ويكون طرف البحث من غير أصحابنا.

فمنهج البحث حينئذ يختلف.

أمّا في أصحابنا ، فلم أجد أحداً ، لا من السابقين ولا من اللاحقين ، من كبار فقهائنا ومراجع التقليد ، لم أجد أحداً يفتي بعدم جواز الشهادة بولاية أميرالمؤمنين في الاذان ، ومن يتتبع

٧

ويستقصي أقوال العلماء منذ أكثر من ألف سنة وإلى يومنا هذا ، ويراجع كتبهم ورسائلهم العمليّة ، لا يجد فتوى بعدم جواز هذه الشهادة.

فلو ادّعى أحد أنّه من علماء هذه الطائفة ، وتجرّأ على الفتوى بالحرمة ، أو التزم بترك الشهادة هذه ، فعليه إقامة الدليل العلمي القطعي الذي يتمكّن أن يستند إليه في فتواه أمام هذا القول ، أي القول بالجواز ، الذي نتمكّن من دعوى الاجماع عليه بين أصحابنا.

وكلامنا مع من هو لائق للافتاء ، وله الحق في التصدّي لهذا المنصب ، أي منصب المرجعيّة في الطائفة ، وأمّا لو لم يكن أهلاً لذلك ، فلا كلام لنا معه أبداً.

أمّا أصحابنا بعد الاتّفاق على الجواز :

منهم من يقول باستحباب هذه الشهادة في الاذان ، ويجعل هذه الشهادة جزءاً مستحبّاً مندوباً من أجزاء الاذان ، كما هو الحال في القنوت بالنسبة إلى الصلاة ، وهؤلاء هم الاكثر الاغلب من أصحابنا.

وهناك عدّة من فقهائنا يقولون بالجزئيّة الواجبة ، بحيث لو تركت هذه الشهادة في الاذان عمداً ، لم يثب هذا المؤذّن على أذانه

٨

أصلاً ولم يطع الامر بالاذان.

ومن الفقهاء من يقول بأنّ الشهادة الثالثة أصبحت منذ عهد بعيد من شعائر هذا المذهب ، ومن هذا الحيث يجب إتيانها في الاذان.

٩
١٠

معنى الاذان والشهادة وولاية عليّ عليه‌السلام

قبل الورود في البحث ، عنوان بحثنا الشهادة بولاية أمير المؤمنين في الاذان ، فما هو الاذان؟ وما هي الشهادة؟ وما المراد من ولاية علي عليه‌السلام؟

«الاذان» : هو في اللغة العربية وفي القرآن والسنّة وفي الاستعمالات الفصيحة : الاعلان ، أي الاعلام ، (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بالْحَجِّ) (١) أي أعلمهم بوجوب الحج ، وأعلن وجوب الحج (فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ) (٢) أي أعلن ونادى مناد بينهم ، وهكذا في الاستعمالات الاُخرى.

فالاذان أي الاعلان.

«الشهادة» : هي القول عن علم حاصل عن طريق البصر أو

__________________

(١) سورة الحج : ٢٧.

(٢) سورة الاعراف : ٤٤.

١١

البصيرة ، ولذا يعتبر في الشهادة أن تكون عن علم ، فالشهادة عن ظنّ وشك لا تعتبر ، فلو قال أشهد بأنّ هذا الكتاب لزيد وسُئل أتعلم؟ فإن قال : لا ، أظن ، ترد شهادته.

وهذا العلم تارةً يكون عن طريق البصر فالانسان يرى بعينه أنّ هذا الكتاب مثلاً اشتراه زيد من السوق فكان ملكه ، وتارة يشهد الانسان بشيء ولكنّ ذلك الشيء لا يرى وإنّما يراه بعين البصيرة فيشهد ، كما هو الحال في الشهادة بوحدانيّة الله سبحانه وتعالى وبالمعاد والقيامة وغير ذلك من الاُمور التي يعلم الانسان بها علماً قطعيّاً ، فيشهد بتلك الاُمور.

«ولاية أمير المؤمنين» : يعني القول بأولويّته بالناس بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلا فصل.

فإذا ضممنا هذه الاُمور الثلاثة ، لاحظوا ، إذنْ ، نعلن في الاذان ، نعلن ونخبر الناس إخباراً عامّاً : بأنّا نعتقد بأولويّة علي بالناس بعد رسول الله.

هذا معنى الشهادة بولاية علي في الاذان ، أي نقول للناس ، نقول للعالم ، بأنّا نعتقد بولاية علي ، بأولويته بالناس بعد رسول الله.

وهذا القول قول عام ، نعلن عنه على المآذن وغير المآذن ، ونسمع العالمين بهذا الاعتقاد.

١٢

وهذا الاعتقاد الذي نحن عليه لم يكن اعتقاداً جزافياً اعتباطياً ، وإنّما هناك أدلة تعضد هذا الاعتقاد وتدعم هذا الاعتقاد ، فنعلن عن هذا الاعتقاد للعالم ، ونتّخذ الاذان وسيلة للاعلان عن هذا الاعتقاد.

١٣
١٤

الاتيان بالشهادة بالولاية لا بقصد الجزئية

إذا لم يكن إعلاننا عن ولايتنا لاميرالمؤمنين في الاذان بقصد جزئية هذه الشهادة في الاذان ، فأيّ مانع من ذلك؟

فإذن ، أوّل سؤال يطرح هنا : إنّه إذا لم يكن من قصد هذا المؤذّن أن تكون هذه الشهادة جزءاً أصليّاً ، وفصلاً من فصول الاذان ، لم يكن من قصده هذا ، وإنّما يريد أنْ يعلن للعالم عن اعتقاده بأولوية علي بالناس بعد رسول الله ، ما المانع من هذا؟ هل من مانع كتاباً؟ هل من مانع سنّة؟ هل من مانع عقلاً؟

فعلى من يدّعي المنع إقامة الدليل.

ولذا قرّر علماؤنا ، أنّ ذكر الله سبحانه بعد الشهادة الاُولى بما هو أهله ، وذكر النبي بعد الشهادة الثانية بالصلاة والسلام عليه مثلاً ، مستحب ، وأنّ تكلّم المؤذّن بكلام عادي في أثناء الاذان جائز ، ولايضر بأذانه ، فكيف إذا كان كلامه ومقصده الاعلان عن ولاية أمير

١٥

المؤمنين ، وهو يعتقد بأنّ الشهادة برسالة رسول الله إن لم تكن هذه الشهادة ملحقةً ومكمّلة بالشهادة بولاية علي ، فتلك الشهادة ناقصة؟

فهو يريد بهذا الاعلان أن يكمِّل شهادته برسالة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبأُلوهيّة الباري سبحانه وتعالى ، فإذا لم يثبت المنع ، وحتّى إذا لم يكن عندنا دليل على الجواز ، فمجرّد أصالة عدم المنع ، ومجرّد أصالة الاباحة تكفي ، تكفي هذه الاُصول العملية العقليّة والنقليّة على جواز هذا الاعلان في الاذان.

فحينئذ ، يطالب المانع والمدّعي للمنع بإقامة دليل على عدم الجواز ، وحينئذ يعود المنكر والمستنكر لذكر الشهادة بالولاية في الاذان مدّعياً بعد أن كان منكراً ، وتكون وظيفته إقامة البيّنة على دعواه ، من كتاب أو سنّة أو غير ذلك.

لقائل أن يقول : إذا كان هذا المؤذّن يرى نقصان الاذان حال كونه فاقداً للشهادة الثالثة ، ويريد أن يكمّله بهذه الشهادة ، لكون الولاية من أُصول اعتقاداته ، ويريد الاعلان عن هذا الاصل الاعتقادي في أذانه ، فليعلن عن المعاد أيضاً ، لانّ الاعتقاد بالمعاد من الاُصول ، وليعلن أيضاً عن إمامة سائر الائمّة ، لانّه يرى إمامتهم أيضاً ، لا إمامة علي فقط.

١٦

لكنّ هذا الاعتراض غير وارد :

إذْ لا خلاف ولا نزاع في ضرورة الاعتقاد بالمعاد ، كما أنّ من الواضح أنّ إمامة سائر الائمّة فرع على إمامة علي عليه‌السلام ، وإذا ثبت الاصل ثبتت إمامة بقيّة الائمّة ، وكما كان لمنكر ولاية علي دواع كثيرة على إخفاء هذا المنصب لامير المؤمنين ، فلابدّ وأن يكون لمن يثبت هذا الامر ويعتقد به ، أنْ يكون له الداعي القوي الشديد على الاعلان عنه.

ليس المقصود أنْ نبحث عن فصول الاذان ، وأنّ أيّ شيء من فصول الاذان ، وأيّ شيء ليس من فصوله ، لكي نأتي إلى البحث عن المعاد ونقول لماذا لا يعلن عن المعاد في الاذان مثلاً؟ وإنّما كان المقصود أن هذا المؤذن الشيعي الامامي يرى بأنّ الشهادة برسالة رسول الله بدون الشهادة بولاية علي ليست بشهادة ، إنّه يريد الاعلان عن معتقده الكامل التام ، والشهادة برسالة رسول الله بلا شهادة بولاية علي تساوي عدم الشهادة برسالة رسول الله في نظر الشيعي.

وإلى الان ظهر أنّ مقتضى الاصل ، مقتضى القاعدة الجواز والاباحة مع عدم قصد الجزئيّة.

إنّما الكلام فيما لو أتى بهذه الشهادة بقصد الجزئيّة ، حينئذ

١٧

يأتي دور مانعيّة توقيفيّة الاذان ، لانّ الاذان ورد من الشارع المقدّس بهذه الكيفيّة الخاصّة ، بفصول معيّنة وبحدود مشخصة ، فإضافة فصل أو نقص فصل من الاذان ، خلاف الشرع وخلاف ما نزل به جبرئيل ونزل به الوحي على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حينئذ يحصل المانع عن الاتيان بالشهادة الثالثة في الاذان بقصد الجزئيّة ، وعلى من يريد أن يأتي بها بقصد الجزئيّة أنْ يقيم الدليل المجوّز ، وإلاّ لكان بدعة ، لكان إتيانه بالشهادة الثالثة إدخالاً في الدين لما ليس من الدين.

١٨

الاتيان بالشهادة بالولاية

بقصد الجزئية المستحبة

ونحن الان نتكلّم عن الاتيان بالشهادة الثالثة بقصد الجزئيّة المستحبّة ، والاستحباب حكم من الاحكام الشرعيّة ، لابدّ وأن يكون المفتي عنده دليل على الفتوى بالاستحباب ، وإلاّ لكانت فتواه بلا علم ، وتكون افتراءً على الله سبحانه وتعالى ، مضافاً إلى خصوصيّة الاذان وكون الاذان توقيفيّاً.

ففي مسألتنا مشكلتان في الواقع :

المشكلّة الاُولى : إنّ المؤذّن مع الشهادة الثالثة بقصد الجزئيّة المستحبّة ، يحتاج إلى دليل قائم على الاستحباب ، وإلاّ ففتواه بالاستحباب أو عمله هذا يكون محرّماً ، لانّها فتوى بلا دليل ، كسائر المستحبّات في غير الاذان ، لو أنّ المفتي يفتي باستحباب شيء وبلا دليل ، هذا لا يجوز ، وهو إفتراء على الله عزّوجلّ.

١٩

المشكلة الثانية : في خصوص الاذان ، لانّ الاذان أمر توقيفي ، فإضافة شيء فيه أو نقص شيء منه ، تصرّف في الشريعة ، وهذه بدعة ، فيلزم على القائل بالجزئيّة الاستحبابيّة أو المستحبّة إقامة الدليل.

الدليل المخرج عن كون هذه الشهادة بدعة ، لا يخلو من ثلاثة أُمور ، أو ثلاثة طرق :

الاوّل : أن يكون هناك نصّ خاص ، يدلّ على استحباب إتيان الشهادة الثالثة في الاذان.

الثاني : أن يكون هناك دليل عام أو دليل مطلق ، يكون موردنا ـ أي الشهادة بولاية أمير المؤمنين في الاذان ـ من مصاديق ذلك العام ، أو من مصاديق ذلك المطلق.

الثالث : أن يكون هناك دليل ثانوي ، يجوّز لنا الاتيان بالشهادة الثالثة في الاذان.

أمّا النص ، فواضح ، مثلاً : يقول الشارع المقدّس : الخمر حرام ، يقول الشارع المقدّس : الصلاة واجبة ، هذا نصّ وارد في خصوص الموضوع الذي نريد أن نبحث عنه ، وهو الخمر مثلاً ، أو الصلاة مثلاً.

وأمّا الدليل العام أو المطلق ، فإنّه غير وارد في خصوص ذلك

٢٠