عدم تحريف القرآن

السيّد علي الحسيني الميلاني

عدم تحريف القرآن

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-247-4
الصفحات: ٤٢

لا يمكن أن ننسب إلى السنّة كلّهم أنّهم يقولون بنقصان القرآن ، هذا لا يجوز ، كما لا يجوز للسنّي أن ينسب إلى الطائفة الشيعية الاثني عشرية أنّها تقول بنقصان القرآن ، هذا لا يجوز.

ثمّ على كلّ باحث أن يفصل بين الروايات ، وبين الاقوال ، وهذا شيء مهم جدّاً ، ففي مسألة تحريف القرآن بمعنى النقصان ، تارة نبحث عن الموضوع على صعيد الروايات ، وتارة نبحث عن الموضوع على صعيد الاقوال ، والروايات والاقوال تارةً عند السنّة ، وتارة عند الشيعة الامامية الاثني عشرية.

٢١
٢٢

التحريف بالنقصان حسب الروايات

إنّ الروايات الواردة في كتبنا نحن الامامية ، فيما يتعلّق بموضوع نقصان القرآن الكريم ، يمكن تقسيمها إلى أقسام عديدة ، وهذا التقسيم ينطبق في رأيي على روايات أهل السنة أيضاً ، لانّي أُريد أن أبحث عن المسألة بحثاً موضوعيّاً ، ولست في مقام الدفاع أو الردّ :

القسم الاول : الحمل على اختلاف القراءات

إنّ كثيراً من الروايات الواردة في كتبنا وفي كتبهم قابلة للحمل على اختلاف القراءات ، وهذا شيء موجود لا إنكار فيه ، الاختلاف في القراءات شيء موجود ، في كتبنا موجود ، في رواياتنا ، وفي روايات متعددة.

إذن ، لو أنّ شيعيّاً أراد أن يتمسّك برواية قابلة للحمل على

٢٣

الاختلاف في القراءة ليفحم الخصم بأنّك تقول بتحريف القرآن ، أو في رواياتكم ما يدلّ على تحريف القرآن ، هذا غير صحيح ، كما لا يصحّ للسنّي أن يتمسّك بهكذا روايات موجودة في كتبنا.

فهذا قسم من الروايات.

القسم الثاني : ما نزل لا بعنوان القرآن

نزل عن الله سبحانه وتعالى ، ونزل بواسطة جبرئيل ، لكن لا بعنوان القرآن ، وقد وقع خلط كبير بين القسمين ، ما نزل من الله سبحانه وتعالى على رسوله بعنوان القرآن ، وما نزل من الله سبحانه وتعالى على رسوله لا بعنوان القرآن ، وقع خلط كبير بين القسمين من الروايات ، وهذا موجود في رواياتنا وفي رواياتهم أيضاً.

القسم الثالث : ما يصحّ حمله على نسخ التلاوة

وهذا البحث بحث أصولي ، ولابدّ أنّكم درستم أو ستدرسون هذا الموضوع ، مسألة النسخ كما في الكتب الاصوليّة.

فبناءً على نسخ التلاوة ، ووجود نسخ التلاوة ، وأن يكون هناك لفظ لا يتلى إلاّ أنّ حكمه موجود.

إذ النسخ ينقسم إلى ثلاثة أقسام :

٢٤

منسوخ اللفظ والحكم.

منسوخ الحكم دون اللفظ.

ومنسوخ اللفظ دون الحكم.

هذه ثلاثة أقسام في النسخ ، يتعرضون لها في الكتب الاصوليّة ، وفي علوم القرآن أيضاً يتعرضون لهذه البحوث.

فلو أنّا وافقنا على وجود نسخ التلاوة ، فقسم من الروايات التي بظاهرها تدلّ على نقصان القرآن ، هذه الروايات قابلة للحمل على نسخ التلاوة.

القسم الرابع : الروايات القابلة للحمل على الدعاء

فهناك بعض الروايات تحمل ألفاظاً توهّم أنّها من القرآن ، والحال أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يدعو بها ، هذه أيضاً موجودة في كتبهم وفي كتبنا.

وتبقى في النتيجة أعداد قليلة من الروايات ، هي لا تقبل الحمل ، لا على نسخ التلاوة بناءً على صحّته ، ولا على الحديث القدسي ، ولا على الاختلاف في القراءات ، ولا على الدعاء ، ولا على وجه آخر من الوجوه التي يمكن أن تحمل تلك الروايات عليها ، فتبقى هذه الروايات واضحة الدلالة على نقصان القرآن.

٢٥

البحث في سند الروايات :

حينئذ تصل النوبة إلى البحث عن سند تلك الروايات ، لانّ الرواية إنّما يصحّ الاستناد إليها في مسألة من المسائل ، في أي باب من الابواب ، إنّما يصحّ التمسّك برواية إذا ما تمّ سندها ، وتمّت دلالتها على المدعى.

فلو فرضنا أنّ الرواية لا تقبل الحمل على وجه من الوجوه المذكورة وغيرها من الوجوه ، فحينئذ تبقى الرواية ظاهرة في الدلالة على نقصان القرآن ، فتصل النوبة إلى البحث عن سندها.

هنا نقطة الخلاف بيننا وبين أهل السنّة ، ومع الاسف فإنّنا وجدنا الروايات التي تدلّ دلالة واضحة على نقصان القرآن ولا تقبل الحمل على شيء من الوجوه الصحيحة أبداً ، وجدنا تلك الروايات كثيرةً عدداً وصحيحة سنداً في كتب أهل السنّة.

اللهمّ ، إلاّ أن نجد في المعاصرين ـ كما نجد مَن يقول بما نقول ـ بأنْ لا كتاب صحيح عند السنّة من أوّله إلى آخره أبداً ، ونحن أيضاً منذ اليوم الاوّل قلنا بالنسبة إلى كتبهم : إنّهم تورّطوا عندما قالوا بصحّة الكتب الستة ولا سيّما الصحيحين ، ولاسيّما البخاري ، بناءاً على المشهور بينهم حيث قدّموه على كتاب مسلم ، وقالوا بأنّه

٢٦

أصحّ الكتب بعد القرآن المجيد ، تورّطوا في هذا.

نعم ، نجد الان في ثنايا كتب المعاصرين ، وفي بعض المحاضرات التي تبلغنا عن بعضهم ، أنّهم ينكرون أو ينفون القول بصحّة الكتابين أيضاً ، وهذا يفتح باباً لهم ، كما يفتح باباً لنا.

وأمّا بناءاً على المشهور بينهم من صحّة الصحيحين والكتب الاربعة الاُخرى ، بالاضافة إلى كتب وإن لم تسمّ بالصحاح إلاّ أنّهم يرون صحّتها ككتاب المختارة للضياء المقدسي ، الذي يرون صحّته ، والمستدرك على الصحيحين ، حيث الحاكم يراهُ صحيحاً ، وغيره أيضاً ، ومسند أحمد بن حنبل الذي يصرّ بعض علمائهم على صحّته من أوّله إلى آخره ، وهكذا كتب أُخرى.

فماذا يفعلون مع هذه الروايات؟ وماذا يقولون؟ روايات لا ريب في دلالتها على التحريف ، يعني كلّما حاولنا أن نحملها على بعض المحامل الصحيحة ونوجّهها التوجيه الصحيح ، لا نتمكّن ...

أمّا نحن ، فقد تقرّر عندنا منذ اليوم الاوّل ، أنْ لا كتاب صحيح من أوّله إلى آخره سوى القرآن ، هذا أوّلاً.

وثانياً : تقرّر عندنا أنّ كلّ رواية خالفت القرآن الكريم فإنّها تطرح ... نعم ، كلّ خبر خالف الكتاب بالتباين فإنّه يطرح ، إن لم يمكن تأويله ، وفرضنا أنّ هذا القسم الاخير لا يمكن تأويله.

٢٧

نعم في رواياتنا ـ ونحن لا ننكر ـ توجد روايات شاذة ، قليلة جدّاً ، هذه لا يمكن حملها على بعض المحامل.

لكن هذه الروايات أعرض عنها الاصحاب ، السيّد المرتضى رحمة الله عليه المتوفى قبل ألف سنة تقريباً يدّعي الاجماع على عدم نقصان القرآن ، مع وجود هذه الروايات الشاذة ، يدّعي الاجماع على ذلك ، فيدلّ على إعراضهم عن هذه الروايات وعدم الاعتناء بها ، وكذلك الطبرسي في مجمع البيان ، والشيخ الطوسي في التبيان ، وهكذا كبار علمائنا (١).

والاهمّ من ذلك كلّه ، لو أنّكم لاحظتم كتاب الاعتقادات للشيخ الصدوق (٢) ، فنصّ عبارته : ومن نسب إلينا أنّا نقول بأنّ القرآن أكثر من هذا الموجود بين أيدينا فهو كاذب علينا.

مع العلم بأنّ الصدوق نفسه يروي بعض الروايات الدالة على التحريف في بعض كتبه ، وقد تقرّر عندنا في الكتب العلمية أنّ الرواية أعمّ من الاعتقاد ، ليس كلّ راو لحديث يعتقد بما دلّ عليه الحديث ، يشهد بذلك عبارة الصدوق رحمة الله عليه الذي هو رئيس المحدّثين ، فإنّه قد يروي بعض الروايات التي هي بظاهرها

__________________

(١) راجع : التبيان في تفسير القرآن ١ / ٣ ، مجمع البيان في تفسير القرآن ١ / ١٥.

(٢) الشيخ الصدوق أولاً : يلقّب برئيس المحدّثين ، وثانياً : في كتابه الاعتقادات يذكر هذا المطلب ، وثالثاً : الشيخ الصدوق من قدماء علمائنا.

٢٨

تدلّ على نقصان القرآن ، لكنّه يقول : من نسب إلينا أنّا نقول بأنّ القرآن أكثر ممّا هو الان بأيدينا فهو كاذب علينا.

إذن ، لا يقول بمضامين هذه الروايات ، فهذه نقطة أُخرى.

لقد تتبّعت كتبنا منذ القديم ، كتبنا في الحديث ، كتبنا في التفسير ، كتبنا في علوم الحديث ، وفي الاصول أيضاً ، وفي الفقه أيضاً في أبواب القراءة حيث تطرح مسألة نقصان القرآن ، فلم أجد من علمائنا الكبار الذين يُرجع إليهم ويعتمد عليهم في المذهب من يقول بنقصان القرآن بعدد أصابع اليد الواحدة.

إلاّ أنّك إذا راجعت كتاب البخاري الذي التزم فيه بالصحة ، وإذا راجعت كتاب مسلم الذي التزم فيه بالصحة ، والكتب الاُخرى ، ككتاب مسند أحمد وغيره وغيره ... بل لقد ذكرت في كتابي في هذا الموضوع اسم أربعين عالماً من كبار علماء القوم ، في مختلف القرون ، يروون أحاديث التحريف ، ومن بينهم أكثر من عشرة يلتزمون بصحّة تلك الاحاديث التي رووها في كتبهم ، فلو أردنا أن ننسب هذا القول إلى قوم من المسلمين فبالاحرى أن ينسب إلى ...

أمّا نحن ، فلا نقول هكذا ، لانّه قد قلنا إنّ البحث على صعيد الاقوال يجب أن لا يختلط بالبحث على صعيد الاحاديث ، ففي

٢٩

الاقوال نجدهم أيضاً يدّعون الاجماع على عدم نقصان القرآن.

إذن ، القرآن غير ناقص ، لا عندنا ولا عندهم ، ولو كان هناك قول فهو قول شاذّ منّا ومنهم ، لكن الروايات عندهم كثيرة ، وهي عندهم صحيحة ، أكثرها عن عمر بن الخطّاب ، وعن عائشة ، وعن أبي موسى الاشعري ، وعن زيد بن ثابت ، وعن عبدالله بن العباس ، وعن جماعة آخرين من كبار القرّاء عندهم ، من أُبي بن كعب ، وعبدالله بن مسعود ، هم يروون تلك الاحاديث ، ولا يوجد عُشر أعشارها في كتبنا.

إلاّ أنّ الطريق الصحيح أن نقول ببطلان هذه الاحاديث كما يقولون ، ويبقى عليهم أن يرفعوا اليد عن صحّة الصحيحين والصحاح الستّة ، فلو رفعوا اليد عن هذا المبنى المشتهر بينهم ، وأيضاً رفعوا اليد عمّا اشتهر بينهم من عدالة الصحابة أجمعين ، فلو أنّا وجدناهم لا يقولون بعدالة الصحابة ، ووجدناهم لا يقولون بصحّة الصحيحين أو الصحاح ، ارتفع النزاع بيننا وبينهم ، لانّ النزاع سيبقى في دائرة الروايات الموجودة في كتبهم ، إذ المفروض أنّهم على صعيد الاقوال لا يقولون بتحريف القرآن ، وإنْ كنت عثرت على أقوال أيضاً منهم صريحة في كون القرآن ناقصاً.

٣٠

كتاب فصل الخطاب :

إلاّ أنّهم ما زالوا يواجهون الطائفة الشيعية بكتاب فصل الخطاب للميرزا النوري ، صحيح أنّ الميرزا نوري من كبار المحدّثين ، إنّنا نحترم الميرزا النوري ، الميرزا النوري رجل من كبار علمائنا ، ولا نتمكّن من الاعتداء عليه بأقل شيء ، ولا يجوز ، وهذا حرام ، إنّه محدّث كبير من علمائنا ، لكنّكم لم تقرأوا كتاب فصل الخطاب ، لربّما قرأتم كتباً لبعض الهنود ، أو الباكستانيين ، أو بعض الخليجيين ، أو بعض المصريين ، الذين يتهجّمون على الشيعة ، ولا يوجد عندهم في التهجّم إلاّ نقاط منها مسألة تحريف القرآن ، وليس عندهم إلاّ الميرزا النوري وكتاب فصل الخطاب ، هذا تقرؤونه ، وما زالوا يكرّرون هذا ، ما زالوا وحتّى يومنا هذا ، بعضهم يحاول أن ينسب إلى الطائفة هذا القول من أجل كتاب فصل الخطاب ، ولكنّكم لو قرأتم كتاب فصل الخطاب لوجدتم خمسين بالمائة من رواياته من أهل السنّة أو أكثر من خمسين بالمائة ، ولوجدتم أنّ فصل الخطاب يشتمل على الروايات المختلفة التي تقبل الحمل على اختلاف القراءات ، وتقبل الحمل على الحديث القدسي ، وتقبل الحمل على الدعاء ، ولا يبقى هناك إلاّ القليل الذي

٣١

أشرت إليه من قبل ، والذي يجب أن يدرس من الناحية السندية.

وحتّى أنّي وجدت كتاباً قد أُلّف من قبل بعضهم ، نظير كتاب فصل الخطاب ، إلاّ أنّ الحكومة المصريّة صادرت هذا الكتاب وأحرقته بأمر من مشيخة الازهر ، وحاولوا أن يغطّوا على هذا الامر ، فلا ينتشر ولا يسمع به أحد ، إلاّ أنّ الكتاب موجود عندنا الان في قم ، كتاب صادرته الحكومة المصريّة.

والفرق بيننا وبينهم ، أنّا إذا طبع عندنا كتاب فصل الخطاب مرّةً واحدة منذ كذا من السنين ، ليست هناك حكومة تصادر هذا الكتاب ، إلاّ أنّهم لو أنّ باحثاً كتب شيئاً يضرّ بمذهبهم بأيّ شكل من الاشكال حاربوه وطاردوه وصادروا كتابه وحرّقوه وحكموا عليه بالسجن ، والكتاب الذي أشرت إليه موجود عندنا في قم ولا يجوز لي إظهاره لكم ، وقد ذكرت لكم من قبل إنّا لا نريد أن نطرح المسألة بحيث تضرّ بالاسلام والقرآن.

وعلى الجملة ، فإنّ هذا الموضوع يجب أن يبحث عنه في دائرة البحث العلمي الموضوعي ، وعلى صعيدي الاقوال والروايات كلاًّ على حدة ، بحيث يكون بحثاً موضوعيّاً خالصاً بحتاً ، ولا يكون هناك تهجّم من أحد على أحد ، ولو أنّ السنّي أراد أن يواجه شيعيّاً عالماً مطّلعاً على هذه القضايا لافحم في أوّل

٣٢

لحظة ، ولكنّهم ينشرون كتبهم على مختلف اللغات وبأشكال مختلفة ، ولربّما حتّى في موسم الحجّ يوزّعون كتبهم على الحجّاج ، حتّى ينتشر هذا الافتراء منهم على هذه الطائفة ، إلاّ أنّ واحداً منهم لا يستعد لانْ يباحث في مثل هذا الموضوع الحسّاس الذي طالما حاولوا أن يخصموا به هذه الطائفة المظلومة منذ اليوم الاوّل.

إنّ الفرق بيننا وبينهم هو أنّهم دائماً يحاولون أن يغطّوا على مساويهم وسيّئاتهم ، ثمّ يتهجّمون على الاخرين بالافتراء والشتم ، ولست بصدد التهجّم على أحد ، وإنّما البحث ينجرّ أحياناً وينتهي إلى ما لا يقصده الانسان.

فنرجع إلى ما كنّا فيه وحاصله : أمّا على صعيد الروايات ، فروايات التحريف بمعنى نقصان القرآن في كتب أولئك القوم هي أكثر عدداً وأصحّ سنداً ، ومن أراد البحث فأهلاً وسهلاً ، أنا مستعد أن أُباحثه في هذا الموضوع.

٣٣
٣٤

التحريف بالنقصان حسب الاقوال

وأمّا على صعيد الاقوال ، فنحن وهم متفقون على أنّ القرآن الكريم سالم من النقصان ، وليس فيه أي تحريف بمعنى النقصان ، ولم يقع فيه أي نقيصة ، هذا متفق عليه بين الطائفتين ، ولا يُعبأ بالشذوذ الموجود عندنا وعندهم.

فالقرآن مصون من التحريف ، سالم من النقيصة ، ليس بيننا وبين الفرق الاُخرى من المسلمين خلاف في أنّه القرآن العظيم الكريم الذي يجب أن يُتلى ، يجب أن يتّبع ، يجب أن يتحاكم إليه ، يجب أن ينشر ، يجب أن يُدرس ، وإلى آخره ، هذا هو القرآن.

إلاّ أنّ في ثنايا أحاديثهم ما يضرّ بهذا القرآن ، ممّا نقل عن عثمان بسند صحيح أنّ فيه لحناً ، وعن ابن عبّاس أنّ فيه خطأ ، وعن آخر أنّ فيه غلطاً ، وهذه الاشياء غير موجودة في رواياتنا أبداً ، والمحققون من أهل السنّة يعرضون عن هذه النقول ، وقول

٣٥

بعض الصحابة : حسبنا كتاب الله ، فالغرض منه شيء آخر ، كان الغرض من هذه المقولة عزل الاُمّة عن العترة الطاهرة ، وعزل العترة عن الاُمّة ، وعلى فرض صحّة الحديث القائل : إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وسنّتي ، فقد عزلوا السنّة عن الاُمّة والاُمّة عن السنّة أيضاً عندما قالوا : حسبنا كتاب الله ، لكنّ قولهم حسبنا كتاب الله يقصد منه شيء آخر أيضاً ، أليس الوليد قد رماه ومزّقه ، ألم يقل :

إذا ما جئت ربّك يوم حشر

فقل يا ربّ مزّقني الوليد

أليس عبد الملك بن مروان الذي هو خليفة المسلمين عندهم ، عندما أُخبر أو بُشّر بالحكم وكان يقرأ القرآن قال : هذا فراق بيني وبينك؟!

إذن ، لم يبق القرآن كما لم تبق العترة ولم تبق السنّة.

أكانت هذه الخطّة مدبّرة ، أو لا عن عمد قال القائل كذا وانتهى الامر إلى كذا ، لكنّ الله سبحانه وتعالى يقول : (أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِب عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) (١).

__________________

(١) سورة آل عمران ٣ / ١٤٤.

٣٦

ملحق البحث (١)

١ ـ حول قرآن علي عليه‌السلام :

هذا الموضوع تعرّضت له في بحثي حول تحريف القرآن (٢) ، فهو يشكّل فصلاً من فصول الكتاب ، أو شبهةً من شبهات تحريف القرآن ، صحيح أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام جمع القرآن ، وقد أشرت إلى هذا من قبل ، فالامام جاء بالقرآن إليهم ، فرفضوه ، وهذا أيضاً موجود ، كان لعلي قرآن ، هذا موجود والكل يذكره ، علي جمع القرآن الكل يذكره ، حتى جاء في فهرست النديم أيضاً أنّ قرآن علي كان موجوداً عند أحد علماء الشيعة الكبار في عصر النديم ، أتذكر يقول : رأيته عند أبي يعلى الجعفري ، فهذا القرآن الان

__________________

(١) يعقب المركز ندواته العقائدية بالاجابة على الاسئلة ، وتتميماً للفائدة نذكر في هذا الملحق الاجابة على بعض الاسئلة مع الاختصار وحذف الاسئلة والاكتفاء بوضع عنوان لكل سؤال.

(٢) التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف : ٨٩.

٣٧

موجود عند الامام الحجة عجّل الله تعالى فرجه كسائر المواريث الموجودة عنده.

ويختلف هذا القرآن عن القرآن الموجود الان في الترتيب أوّلاً ، ويختلف عن القرآن الموجود في أنّ عليّاً قد أضاف في هوامش الايات بعض الفوائد التي سمعها من النبي والمتعلّقة بتلك الايات ، ذكرها في الهوامش.

أمّا أن يكون ذلك القرآن يختلف عن هذا القرآن في ألفاظه أي في سور القرآن ومتن القرآن ، هذا غير ثابت عندنا ، غاية ما هناك أنّه يختلف مع هذا القرآن الموجود في الترتيب ، وفي أنّ فيه إضافات أمير المؤمنين تتعلّق بالايات وقد سمعها من النبي ، فكتبها في هوامش تلك الايات ، إذن ، هذا الموضوع لا علاقة له بمسألة نقصان القرآن.

وهذا القرآن موجود عند الامام الثاني عشر عليه‌السلام كما في رواياتنا.

٢ ـ موقف العلماء من الميرزا النوري وكتابه :

لقد ردّ عليه العلماء ، وكتبت ردود كثيرة على كتابه ، من المعاصرين له ومن كبار علمائنا المتأخرين عنه ، هناك كتاب في

٣٨

الرد على فصل الخطاب ، كتاب كبير وضخم ، ردّ على روايات فصل الخطاب واحده واحدة ، ونظر فيها واحداً واحداً ، وهذا المؤلّف معاصر له ، إلاّ أنّ هذا الكتاب غير مطبوع الان.

ولاحظوا أنتم كتاب آلاء الرحمن في تفسير القرآن للشيخ البلاغي الذي هو معاصر للشيخ النوري ، لاحظوا هذا الكتاب وانظروا كيف يردّ عليه بشدّة.

أمّا أنْ نكفّره ونطرده عن طائفتنا ونخرجه عن دائرتنا ، كما يطالب بعض الكتّاب المعاصرين من أهل السنّة ، فهذا غلط وغير ممكن أبداً ، وهل يفعلون هذا مع كبار الصحابة القائلين بالنقصان ، ومع كبار المحدّثين منهم الرواة لتلك الاقوال؟

هذا ، وشيخنا الشيخ آقا بزرك الطهراني تلميذ المحدّث الميرزا النوري ، في كتاب الذريعة إلى تصانيف الشيعة ، تحت عنوان فصل الخطاب ، يصرُّ على أنّ الميرزا النوري لم يكن معتقداً بمضامين هذه الروايات ، ولم يكن معتقداً بكون القرآن ناقصاً ومحرّفاً ، فهذا ما يقوله شيخنا الشيخ الطهراني الذي هو أعرف بأحوال أُستاذه وبأقواله ، وهذا كتاب الذريعة موجود ، فراجعوه.

ولو سلّمنا أنّ الشيخ النوري يعتقد بنقصان القرآن ، فهو قوله ، لا قول الطائفة ، قول الواحد لا ينسب إلى الطائفة ، وكلّ بحثنا عن

٣٩

رأي الطائفة ، ولم يكن بحثنا عن رأي الشيخ النوري ، كنّا نبحث عن مسألة التحريف على ضوء الاقوال عند الطائفة كلّها ، على ضوء الروايات عند الطائفة كلّها ، لا على رأي واحد أو اثنين ، وإلاّ لذكرت خمسين عالماً كبيراً هو أكبر من الشيخ النوري وينفي التحريف.

٣ ـ حول جمع القرآن الموجود :

إنّه لم يكن لائمّتنا عليهم‌السلام دور في جمع هذا القرآن الموجود ، إلاّ أنّهم كانوا يحفظون هذا القرآن ، ويتلون هذا القرآن ، ويأمرون بتلاوته ، وبالتحاكم إليه ، وبدراسته ، ولا تجد عنهم أقلّ شيء ينقص من شأنه.

القرآن كان مجموعاً على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، مكتوباً على الخشب والحجر وأشياء أُخرى كانوا يكتبون عليها ، وكانت هذه مجتمعةً في مكان واحد ، إلاّ أنّها غير مرتّبة ، ومبعثرة غير مدوّنة ، عند أبي بكر ، ثمّ عند عمر ، ثمّ عند حفصة ، حتّى جاء عثمان وقد حصل الترتيب على الشكل الموجود الان في زمن عثمان.

إلاّ أنّكم لو تلاحظون روايات القوم في كيفيّة جمعه وتدوينه ، لاخذتكم الدهشة ، ولا شيء من مثل تلك الروايات في كتب

٤٠