العبّاس عليه السلام

السيد عبد الرزاق الموسوي المقرّم

العبّاس عليه السلام

المؤلف:

السيد عبد الرزاق الموسوي المقرّم


المترجم: الشيخ محمّد الحسّون
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: منشورات الإجتهاد
الطبعة: ١
ISBN: 964-95037-0-6
الصفحات: ٣٩١

أبيك ، فعشنا معك ما عشت ، ومتنا معك إذا متّ ؛ فواللّه ، ما اُحبّ أنْ أبقى في الدُّنيا بعدك فواق ناقة ، واُقسم بالأعزّ الأجل ، إنّ عيشاً نعيشه بعدك لا هنئ ولا مرئ ولا نجيع ، والسّلام.

فكتب إليه أمير المؤمنين عليه‌السلام :

«من عبد اللّه عليٍّ أمير المؤمنين إلى عقيل بن أبي طالب :

سلامٌ عليكَ ، فإنّي أحمد إليك اللّه الذي لا إله إلاّ هو. أمّا بعد ، كلأنا اللّهُ وإيّاك كلأة مَنْ يخشاه بالغيب ، إنّه حميدٌ مجيدٌ.

وقد وصل إليّ كتابك مع عبد الرحمن بن عبيد الأزدي تذكر فيه أنّك لقيت عبد اللّه بن أبي سرح مقبلاً من (قديد) ، في نحو من أربعين فارساً من أبناء الطلقاء ، متوجّهين إلى جهة المغرب ، وإنّ ابن أبي سرح طالما كاد اللّه ورسوله وكتابه ، وصدّ عن سبيله ، وبغاها عوجاً ، فدع عنك ابن أبي سرح ، ودع عنك قريشاً وتركاضهم في الضلال ، وتجوالهم في الشقاق ، ألا وإنّ العرب قد أجمعت على حرب أخيك اليوم إجماعها على حرب النّبيِّ قبل اليوم ؛ فأصبحوا قد جهلوا حقَّه وجحدوا فضله ، وبادروه بالعداوة ونصبوا له الحرب ، وجهدوا عليه كُلّ الجهد ، وجروا إليه جيش الأحزاب. اللهمّ ، فاجزِ قريشاً عنّي الجوازي ؛ فقد قطعت رحمي وتظاهرت عليّ ، ودفعتني عن حقّي وسلبتني سلطان ابن اُمّي ، وسلّمت ذلك إلى مَن ليس مثلي في قرابتي من الرسول وسابقتي في الإسلام ، ألا يدّعي مدّعٍ ما لا أعرفه ، ولا أظنّ اللّه يعرفه ، والحمد للّه على كُلّ حال.

فأمّا ما ذكرته من غارة الضحّاك على أهل الحيرة ، فهو أقلّ

٨١

وأزلّ من أنْ يلمّ بها أو يدنو منها ، ولكنّه قد أقبل في جريدة خيل ، فأخذ على السّماوة حتّى قربوا من واقصة (١) وشراف (٢) ، والقطقطانة (٣) وما والى ذلك الصقع ، فوجّهت إليه جنداً كثيفاً من المسلمين ، فلمّا بلغه ذلك فرّ هارباً ، فأتبعوه ولحقوه ببعض الطريق وقد أمعن ، وكان ذلك حين طفلت الشمس للإياب ، فتناوشوا القتال قليلاً ، فلم يبصر إلاّ بوقع المشرفيّة ، وولّى هارباً ، وقُتل من أصحابه بضعة عشر رجلاً ، ونجا مريضاً بعد ما اُخذ منه بالمخنق ، فلأيا بلأي ما نجا.

وأمّا ما سألتني أنْ أكتب إليك برأيي فيما أنا فيه ؛ فإنّ رأيي جهاد المحلّين حتّى ألقى اللّه ، لا تزدني كثرةُ النّاس عزّةً ، ولا تفرقّهم عنّي وحشةً ؛ لأنّي محقٌّ واللّه مع الحقّ ، وواللّه ، ما أكره الموت على الحقِّ ، وما الخير كُلّه إلاّ بعد الموت لمَن كان مُحقّاً.

وأمّا ما عرضت به من مسيرك إلى بنيك وبني أبيك ، فلا حاجة لي في ذلك ، فأقم راشداً محموداً ، فواللّه ، ما اُحبُّ أنْ تهلكوا معي إنْ هلكت ، ولا تحسبنّ ابن أبيك ، لو أسلمه النّاس ، مُتخشّعاً ولا مُتضرّعاً ، إنّه لكما قال أخو بني سليم :

فَإِنْ تَسْأَلِينِي كَيْفَ أَنْتَ فَإِنَّنِي

صَبُورٌ عَلَى رَيْبِ الزَّمَانِ صَلِيبُ

__________________

(١) موضع قرب الكوفة.

(٢) منزل في طريق مكّة.

(٣) شراف : موضع قريب من مكّة.

٨٢

يَعِزُّ عَلَيَّ أَنْ تُرَى بِي كَآبَةٌ

فَيَشْمَتَ باغٍ أَوْ يُسَاءَ حَبِيبُ» (١)

وهذا الكتاب من عقيل ، المروي بطرق متعدّدة ، يدلّنا على أنّه كان مع أخيه الإمام عليه‌السلام في حياته غير مفارق له ؛ فإنّ الكتاب الذي كتبه إليه بعد غارة الضحّاك على أطراف أعماله ، وذلك قرب شهادة أمير المؤمنين عليه‌السلام.

اذاً فالقول بأنّ وفادة عقيل على معاوية بعد أخيه متعيّن ، كما اختاره السيّد المحقّق في الدرجات الرفيعة ، وجعله ابن أبي الحديد الأظهر عنده ، وقد وضح من ذلك أنّه لم يكن مع معاوية بصفين.

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ٢ / ١٢٠ ، الإمامة والسّياسة / ٥٤ ، بحار الأنوار ٣٤ / ٢٤ ، جواهر المطالب ١ / ٣٦٦.

٨٣

الحديدة

أمّا حديث الحديدة المحماة التي أدناها منه أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فليس فيها ما يدلّ على اقترافه إثماً أو خروجاً عن طاعة ؛ فإنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام أراد بذلك تهذيبه بأكثر ممّا تتهذّب به العامّة ، كما هو المطلوب من مثل عقيل والمناسب لمقامه.

فعرّفة (سيّد الأوصياء) إنّ إنساناً بلغ من الضعف إلى أنْ يئنّ من قرب الحديدة المحماة بنار الدُّنيا من دون أنْ تمسّه ، كيف يتحمّل نار الآخرة في لظى نزّاعة للشوى وهو مضطرم بين أوارها! فمِن واجب الإنسان الكامل التبعّد منها بكبح النّهمة ، وكسر سورة الجشع ، والمكابدة للملمّات القاسية ؛ فهي مجلبة لمرضاة الربِّ ومكسبة لغفرانه وإنْ كان غيره من أفراد الرعيّة يتبعّد عنها بترك المُحرّمات. فحقيق بمثله ـ وهو ابن بيت الوحي ورجالات عصبة الخلافة ـ التجنّب حتّى عن المكروهات ، وما لا يلائم مقامه من المباحات ، ويروّض نفسه بترك ذلك كُلّه حتّى تقتدي به الطبقات الواطئة بما يسعهم ، أو يُسلّون أنفسهم بمقاسات مثل عقيل الشدائد في دنياه ، فلا يبهضهم الفقر المُلمُّ والكرب المُدلهمُّ ، فرُبَّ مُباحٍ يُنقم عليه مِن مثله ولا يُلام مَن هو دونه بارتكابه ؛ فإنّ (حسنات الأبرار سيئات المقرّبين).

وأمير المؤمنين عليه‌السلام أراد أنْ يوقف أخاه على هذا الخطر المُمنَّع الذي حواه ، وقد ذهل عنه في ساعته تلك.

٨٤

افتراء

قال الصفدي : لقد بغَّض عقيلاً إلى النّاس ذكرُهُ مثالب قريش ، وما اُوتي من فضل وعلم بالنّسب ، والسّرعة في الجواب حتّى قالوا فيه الباطل ، ونسبوه إلى الحمق (١).

واختلقوا عليه أحاديث كان بعيداً عنها ، فوضعوا على لسان أمير المؤمنين عليه‌السلام ما ينقص مِن قدرِهِ ، ويحطُّ من كرامته ؛ زعماً منهم أنّ في ذلك تشويهاً لأهل هذا البيت الطاهر ـ بيت أبي طالب ـ بإخراجهم عن مستوى الإنسانيّة فضلاً عن الدِّين ، بعد أنْ أعوزتهم الوقيعة في سيّد الأوصياء عليه‌السلام بشيء من تلك المُفتريات ، فطفقوا يُشوّهون مقام أبيه وحامته ، ولكنْ لا ينطلي ذلك على الجيل المُنقّب حتّى كشف عن تلك النّوايا السّيئة ، وعرف الملأ افتعال الحديث وبعده عن الصواب.

قالوا في الرواية عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : «ما زلتُ مظلوماً مُنذُ ولدتني اُمّي ، حتّى إنْ كان عقيلٌ لَيُصيبه رمدٌ ، فيقول : لا تَذْرونِي حتّى تَذْروا عليّاً ، فيذْرُوني وما بي رَمدٌ» (٢).

__________________

(١) نكت الهميان / ٢٠٠.

(٢) علل الشرائع ١ / ٤٥.

٨٥

لا أقرأ هذا الحديث إلاّ ويأخذني العجب ، كيف رضي المُفتعل بهذه الفرية البيّنة! فإنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام ولد ولعقيل عشرون سنة ، وهل يعتقد أحدٌ أو يظنّ أنّ إنساناً له من العمر ذلك المقدار ، إذا اقتضى صلاحه شرب الدواء ، يمتنع منه إلاّ إذا شرب مثله أخوه البالغ سنة واحدة أو سنتين؟! كلاّ لا يفعله أيُّ أحد وإنْ بلغ الغاية في الخِسّة والضعف ، فكيف بمثل عقيل المُتربّي بحجر أبي طالب ، والمُرتضع درَّ المعرفة ؛ خصوصاً مع ما يشاهد من الآيات الباهرة من أخيه الإمام منذ ولادته!

نعم ، الضغائن والأحقاد حبّذت لمَن تخلّق بها التردّد في العمي ، والخبط في الضلال مِن دون رويّة أو تفكير : (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ اُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (١).

نعم ، كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول غير مرّة : «ما زلتُ مظلوماً» (٢). من دون تلك الزيادة ، يعني بذلك دفعه عن حقّه الواجب على الاُمّة القيام به والميل عنه ، وتعطيل أحكام اللّه بالأخذ من غيره ، وتقديم مَن ليس له قدمٌ ثابتٌ في كُلّ مكرمة ، ولا نصٌّ من صاحب الشريعة ، ولا فقهٌ ناجعٌ ، ولا إقدامٌ في الحروب.

وحيث إنّ في هذه الكلمة حطّاً بمَن ناوأه ، زحزحوها عنهم وألصقوها بذلك السيّد الكريم ، وما أسرع أنْ عاد السّهم فكان كالباحث عن حتفه بظلفه.

__________________

(١) سورة المجادلة / ١٩.

(٢) علل الشرائع ١ / ٤٥ ، الاعتقادات في دين الإماميّة للصدوق / ١٠٥ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٩ / ٣٠٦.

٨٦

الخلف عن عقيل

الخلف الصالح يخلّد ذكر سلفه ، فلا يزال ذكرُه حيّاً بعمره الثاني من ذكرٍ جميل ، وثناءٍ جزيل ، وترحّمٍ متواصل ، واستغفار له منه وممّن تعرّف به. وفي الحديث : «إنّ ابنَ آدم إذا مات انقطع عملُهُ من الدُّنيا إلاّ من ثلاث ...». وعدّ منها الولد الصالح.

ومن أجلى الواضحات أنّ هذا التذكير يختلف حسب تدرّج الأولاد في المآثر ، فمهما كان قسطهم منها أكثر فهم لمجد آبائهم أخلد ، وكذلك الأسلاف ، فكُلّما كانوا في الشرف والسُّؤدد أقرب فانتشار فضلهم بصالحي خلفهم أسرع.

إذاً فما ظنّك بمثل عقيل بن أبي طالب ذلك الشريف المُبجّل ، وقد خلّفه (شهيد الكوفة) ووُلدُهُ الأطائب (شُهداء الطَّفِّ) (١) ، الذين لم يسبقهم ولا يلحقهم لاحق ، فلو لَمْ يكُنْ لعقيلٍ شيءٌ من الخطر والعظمة لتسنّم بهؤلاء الأكارم أوجَ العُلا والرفعة :

وكمْ أبٍ قدْ علا بابنٍ ذُرَى شَرفٍ

كما عَلا برسولِ اللَّهِ عدنانُ

وكيف به وهو مِن أشرف عنصر في العالم كُلّه؟!

__________________

(١) في كامل الزيارات / ٢٤١ : كان عليُّ بن الحسين عليه‌السلام يميل إلى وِلدِ عقيل ، فقيل له : ما بالك تميل إلى بني عمّك هؤلاء دون آل جعفر؟ فقال عليه‌السلام : «إنّي لأذكر يومَهم مع أبي عبد اللّه الحسين عليه‌السلام ؛ فأرقّ لهم».

٨٧

ولم يزل له ذكرٌ خالد في أحفاده المُتعاقبين ؛ فإنّهم بين علماء أعاظم وفقهاء مُبرّزين ، وشعراء ومحدّثين ، واُمراء صالحين ، ونسّابين ، وقد انتشروا في مصر ونصيبين ، واليمن وحلب ، وبيروت والمدينة ، والكوفة والحلّة ، وطبرستان وخراسان ، وجرجان وكرمان ، وقم وأصفهان.

وكان القاسم بن محمّد بن عبد اللّه بن محمّد بن عقيل بن أبي طالب فاضلاً تقيّاً.

وأخوه عقيل : جليلٌ ثقةٌ ثبتٌ صاحبُ حديث ، وعمّهما عقيل بن عبد اللّه : نسّابة مُشجِّر ، وحفيد عقيل هذا جعفر بن عبد اللّه الأصفهاني : عالمٌ نسّابة ، شيخُ شبل بن نكبن ، مات سنة ٣٣٤ هجرية.

ومحمّد بن مسلم بن عقيل بن عبد اللّه بن محمّد بن عقيل بن أبي طالب ، يُعرف بابن المزينة ، كان أميرَ المدينة ، قتله ابنُ أبي السّاج.

وابنه أبو القاسم أحمد بن محمّد المذكور ، كان له أدب وفضل ، مات سنة ٣٣٠ هجرية.

والعبّاس بن عيسى الأوقص ، ولي القضاء للداعي الكبير الحسن بن زيد على جرجان ، وقد أولد بكرمان (١).

ومن أحفاد عقيل العلاّمة الجليل السيّد إسماعيل بن أحمد النّوري الطبرسي ، من علمائنا الأعاظم ، شارح نجاة العباد لشيخ الطائفة المحقّق الحجّة (صاحب الجواهر) قدس‌سره ، طُبع منها جزءان إلى آخر الزّكاة ، وله كفاية المُوحّدين مطبوعة.

وكان في كربلاء المُشرَّفة بيت كبير وطائفة جليلة يُعرفون بالعقيليين ، لهم أوقاف كثيرة ، وقد انقرضوا وبقي منهم رجلٌ واحد.

__________________

(١) انظر ذلك في عمدة الطالب / ٣٥.

٨٨

الطيّار

وأمّا جعفر بن أبي طالب ، فحسبه من العظمة شهادة الرسول الأقدس صلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّه يُشبهه خَلقاً وخُلقاً ، ذلك الخُلق الكريم الموصوف في الذكر الحكيم بقوله عزّ شأنه : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُق عَظِيم) (١). وحيث لمْ ينصّ النّبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله على صفة خاصة من أخلاقه ، فلا جرم من شمول تلك الكلمة الذهبيّة : «أشبهتَ خَلقي وخُلقي». لجميع ما اتّصف به الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى الدنس من الرِّجس والآثام.

ولو تنازلنا عن القول بعموم التشبيه لهذه الخاصّة فلا بدّ من القول بتحقّق أظهر صفات المُشبَّه به للمُشبَّه ، ولا شكّ في أنّ ذلك المعنى أظهر ما في خلقه الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وغير خافٍ أنّ هذه الكلمة قالها النّبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا تنازع عنده أمير المؤمنين عليه‌السلام وجعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة في ابنة حمزة بن عبد المُطّلب ، وكان كُلّ منهم يُريد القيام بتربيتها.

وذلك أنّ النّبيَّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لما خرج من مكّة بعد انقضاء الأجل بينه وبين أهل مكّة في عمرة القضاء الواقعة في السّنة السّابعة للهجرة ، تبعته ابنة حمزة تقول : يا عم ، خذني معك. فأخذها أمير المؤمنين عليه‌السلام ودفعها إلى فاطمة عليها‌السلام ، وفي المدينة جرى ذلك النّزاع بينهم ، فقال

__________________

(١) سورة القلم / ٤.

٨٩

رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله لزيد : «أنتَ أخوها ومولانا». وقال لجعفر : «أشبهت خَلقي وخُلقي». وقال لأمير المؤمنين عليه‌السلام : «أنت منّي وأنا منّك». ثُمّ قضى بها للخالة ، وهي أسماءُ بنتُ عُميس (١).

هذا هو الحديث المذكور في الجوامع ، والنّظرة الصادقة فيه تُفيدنا معرفة السرّ في اختلاف خطاب النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مع ابنَي عمّه ، وكُلّ منهما نصح له في التلبية على الدعوى الإلهيّة ، وأخلص في المفاداة في سبيل تبليغ الرسالة خصوصاً مع معرفته بأساليب المحاورة ; لأنّه سيّد البلغاء ، (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى) (٢). فلا جرم حينئذ من كون الوجه فيه هو الإشارة إلى صفة سامية تحلّى بها أمير المؤمنين عليه‌السلام وتخلّى عنها جعفر ، وليست هي إلاّ خلافة اللّه الكبرى ؛ فإنّ عليّاً عليه‌السلام حامل ما عند رسول اللّه الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله من علم مُتدفّق وفقه ناجع ، وخبرة شاملة وتأمّل فيّاض ، وخُلق عظيم لا يستطيع البشر القيام به.

وهذا هو الذي تُفيده المنزلة في قوله : «أنت منّي وأنا منك». بعد فرض المُباينة بينهما في الحدود الشخصيّة ؛ والنّبيُّ لا ينطلق ساهياً ولا لاهياً ، فلا بدّ أنْ يكون قاصداً تلك المنزلة الكبرى التي لم يحوها جعفر وإنْ بلغ في خدمة الدِّين كُلَّ مبلغ.

وهذا النّزاع إنّما هو في الحضانة التي هي سلطنة وولاية على تربية الطفل وإدارة شؤونه ، وقد كان لابنة حمزة يومئذ أربع سنين.

وهذا القضاء ، كما يُفيدنا سقوط حضانة الاُمّ إذا تزوجت ،

__________________

(١) صحيح البخاري ٣ / ١٦٨ ، كتاب الصُّلح ـ باب إذا اصطلحوا على صلح جَور فالصُّلح مردود ، المُستدرك للحاكم ٣ / ١٢٠ ، السّنن الكبرى للنسائي ٨ / ٥ ، مجمع الزوائد للهيثمي ٩ / ٢٥٨.

(٢) سورة النّجم / ٣.

٩٠

يُفيدنا أولويّة الخالة على العمّة ؛ فإنّ عمّتها صفيّة كانت موجودةً يومئذ ، واُمّها سلمى متزوّجة بشدّاد بن الهادي الليثي حليف بني هاشم.

ويُرشدنا طلب أمير المؤمنين عليه‌السلام الحضانة إلى أنّ أولوية الخالة على غيرها من الأقارب إنّما هو عند المخاصمة ، وإلاّ فلم يخفِ الحكم على سيّد الوصيين عليه‌السلام ، وهو مُستقى الأحكام وينبوعه ، وقد امتزجت ذاته المُقدّسة بالمعارف الإلهيّة والأسرار الربوبيّة ، واستمدّ من اللوح المحفوظ.

ولعلّ السرّ الدقيق في مخاصمته معهما تعريفُ الاُمّة مقامه الرفيع ، ومنزلته الكبرى التي لا يُدانيها كُلّ أحد ، والواجب عليه ـ بما أنّه المُنقذ الأكبر وإمام الاُمّة ـ إرشادها إلى الطريق اللاحب بأيّ نحو من أنحاء الكلام.

لقد كان جعفر ملازماً لصاحب الرسالة ملازمة الظلّ لذيه ؛ يرقب أفعالَه وتروكَه ، ويسمع تعاليمَه وعظاتِه ، ويُبصر أعمالَه وحِكَمَه ، ويقتصّ أثرَه منذ كان يصلُ جناح الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله الأيسر في الصلاة بعد أمير المؤمنين عليه‌السلام وخديجة الكبرى.

وكانت قريش تخبط في غلواء جحوده ، وتغلي مراجل بغضائها على الصادع بالدِّين الحنيف ، وعلى كُلّ ذلك تُمرّنه التعاليم النّبويّة الخاصّة به ، وتُكهربه تهذيباتُ المُشرّع الأطهر ، ولا تدعه جاذبة الدعوة الإلهيّة يلوي يميناً ولا شمالاً.

ومن هنا ائْتَمنه صاحب الرسالة على نشر كلمة التوحيد ، وعلى ضعفاء المسلمين يوم بعثه إلى الحبشة في السّنة الخامسة من الهجرة ، فأدّى النّصيحة ، ونهض بالدعوة حتّى استمال النّجاشي إلى

٩١

الإسلام فآمن ، غير أنّ منيّته حالت دون اُمنيته.

ولو لم يكن جعفر بتلك المنزلة الرفيعة لما تعاقبت مفاخرات أئمّة الدِّين عليهم‌السلام به ، كما افتخروا بعمّه أسد اللّه وأسد رسوله في كثير من مفاخراتهم :

ففي احتجاج الطبرسي : إنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام احتجّ على أهل الشورى بأنّ أخاه جعفر ، المُزيّن بجناحين في الجنّة يحلّ فيها حيث شاء ، فلم يردّ عليه أحد ، بل قابلوه بالتسليم والقبول.

وفي نهج البلاغة فيما كتب به إلى معاوية : «إنَّ قَوْماً قُطِّعَتْ أَيْدِيهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، ولِكُلٍّ فَضْلٌ ، حَتَّى إِذَا فُعِلَ بِوَاحِدِنَا مَا فُعِلَ بِوَاحِدِهِمْ ، قِيلَ له : الطَّيَّارُ فِي الْجَنَّةِ وَذُو الْجَنَاحَيْنِ».

فلو لم يكن كفاحه عن الدِّين عن بصيرة نافذة ويقين ثابت لَما افتخر به المعصومون عليهم‌السلام ، والعارفون بمآل العباد حتّى جعلوا مواقفه في الدِّين ذريعة إلى التوسّل إلى مطلوبهم.

ولحزمهِ الثابتِ ومواقفهِ المحمودة ، وإصابته في الرأي وقديم إيمانه ؛ أمّرهُ النّبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في غزوة مؤتة على المسلمين ، ولم يجعل عليه أمير ، فإذا قُتل فالأمير زيد بن حارثة ، فإنْ قُتل فالأمير عبد اللّه بن رواحة (١).

فما ذهب إليه فريق من المؤرّخين من تقديم زيد وابن رواحة عليه ، يدفعه صحيح الأثر والاعتبار الصادق.

وهذه العظمة هي التي تركت قدومه من الحبشة ـ يوم فتح خيبر ـ أعظم موهبة منح اللّه تعالى بها نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، تعادل ذلك الفتح المبين حتّى قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ما أدري بأيّهما اُسرُّ ؛ بقدوم جعفرٍ أمْ بفتح خيبر؟!». ثُمّ قال

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب ١ / ١٧٦ ، إعلام الورى / ٢١٢.

٩٢

له : «ألا أحبُوك؟ ألا أمنَحُكَ؟». فظنّ النّاس أنّه يُعطيه ذهباً وفضّة لما فتح اللّه عليه من خيبر ، فقال له جعفر : بلى يا رسول اللّه. فعلّمه صلاة التسبيح وهي المعروفة بصلاة جعفر (١).

وهذه الحبوَة من الرسول الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله لابن أخيه ؛ حيث علم أنّ من فرط قداسته لا يروقه إلاّ ما كان من عالم القدس ، فخلع عليه بها ، وجعله وسام شرف له ، وهي من المتواترات بين العامّة والخاصّة ، كما نصّ عليه المجلسي في البحار (٢).

ولكن شرذمة من مناوئي أهل البيت عليهم‌السلام لم يرقْ لهم ثبوتُ تلك المنحة لأخي أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وحيث لم يسعهم أنْ يلصقوها بواحدٍ منهم ، زحزحوها إلى العبّاس بن عبد المُطّلب كما في شفاء السّقام للسيّد جعفر الكتّاني صفحة ٢٠.

وقد كشفت الحقيقة عن نفسه ، وأماطت ستار التمويه بافتعال هذه النّسبة من عكرمة مولى ابن عباس الكذّاب بنصّ الذهبي في الميزان ، وياقوت في المعجم ، وابن خلكان في الوفيات بترجمته (٣).

__________________

(١) الكافي ٣ / ٣٦٥ ، من لا يحضره الفقيه ١ / ٥٥٢ ، النّوادر / ١٦٠ ، جمال الاُسبوع / ١٨٢.

(٢) بحار الأنوار ٨٨ / ٢١٢.

(٣) ميزان الاعتدال ٣ / ٩٤ ، ضعفاء العقيلي ٣ / ٣٧٣ ، تاريخ الإسلام ٧ / ١٨ ، وغيرها من المصادر.

٩٣

إخوته

إنّ حاجة الباحث في تاريخ أبي الفضل عليه‌السلام ماسّة إلى معرفة إخوته الأكارم لمناسبات هناك ؛ فإنّ منهم مَن يعدّ قربه منه فضيلة رابية ، وشرفاً باذخاً فضلاً عن الاُخوّة ، وهما الإمامان عليهما‌السلام على الاُمّة إنْ قاما وإنْ قعدا (١).

وإذا كانت بنوتهما لأمير المؤمنين عليه‌السلام معدودة من فضائله ، مع ما له من الفضائل التي لا يأتي عليها الحصر ، كما يظهر من قوله عليه‌السلام يوم الشورى : «أنشدكم باللّه ، هل فيكم أحد له سبطان مثل سبطاي الحسن والحسين ابني رسول اللّه ، وسيّدي شباب أهل الجنّة غيري؟». قالوا : لا (٢).

كما أنّه عليه‌السلام افتخر بهما يوم كتب إليه معاوية أنّ لي فضائلاً : كان أبي سيّداً في الجاهليّة ، وصرتُ ملكاً في الإسلام ، وأنا صهر رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ،

__________________

(١) كشف الغُمّة ٢ / ١٥٦ ، إعلام الورى / ٤٠٧ ، روضة الواعظين / ١٥٦ ، الإرشاد ٢ / ٣٠.

(٢) الخصال / ٥٥٥.

٩٤

وخال المؤمنين ، وكاتب الوحي.

فكتب إليه أمير المؤمنين عليه‌السلام أبياتاً سبعة ذكر فيها مصاهرته من رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّ عمّه سيّد الشهداء ، وأخاه الطيّار مع الملائكة في الجنان ، وسبقه إلى الإسلام ، وأخذ البيعة له (يوم الغدير) ، وأنّ ولديه سبطا رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله (١).

وحينئذ فاُخوّة العبّاس لهما أولى أنْ تعقد منهما مآثره وفضائله ؛ أضف إلى ذلك ما استفاده منهما من العلوم والمعارف الإلهيّة.

ومنهم مَن يجمعه وإياه جامع العقب ؛ فإنّ المُعقّبين من أولاد أمير المؤمنين عليه‌السلام الإمامان والعبّاس ومحمّد بن الحنفيّة وعمر الأطرف عليهم‌السلام.

ومنهم مَن شاركه في موقف الطَّفِّ.

ومنهم مَن يُعدّ هو وإيّاه تحت جامع الاُمومة.

ومنهم مَن شاركه في السُّمِّ.

وعليه فأولاد أمير المؤمنين عليه‌السلام الذكور ستّة عشر :

الحسن والحسين والمُحسن عليهم‌السلام ، اُمّهم سيّدة نساء العالمين عليها‌السلام.

محمّد بن الحنفيّة ، اُمّه خولة.

العبّاس وعبد اللّه وجعفر وعثمان ، اُمّهم اُمّ البنين.

عمر الأطرف والعبّاس الأصغر ، اُمّهما الصهباء.

محمّد الأصغر ، اُمّه اُمامة بنت أبي العاص.

يحيى وعون ، اُمّهما أسماء بنت عُميس.

__________________

(١) روضة الواعظين / ٨٧ ، الاحتجاج ١ / ٢٦٥ ، مناقب آل أبي طالب ٢ / ١٩ ، الغدير ٢ / ٢٦ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٥٢١ ، الوافي بالوفيات ٢١ / ١٨٤ ، البداية والنّهاية ٨ / ٩.

٩٥

عبد اللّه وأبو بكر ، اُمّهما ليلى بنت مسعود.

محمّد الأوسط ، اُمّه اُمّ ولد (١).

أمّا الإمامان فالأحرى أنْ نُجعجع اليراع عن التبسّط في فضلهما وموقفهما من القداسة ، ومحلّهما من الزُّلفى ، وما اُوتيا من حول وطول ، والبسطة في العلم ؛ فإنّ الوقوف على كنه ذلك فوق مرتكز العقول.

وأما المُحسَّن ـ بتشديد السّين كما في تاج العروس بمادة شبر (٢) ، والإصابة بترجمته (٣) ـ وضمّ الميم ، وسكون الحاء كما في حاشية السيّد محمّد الحنفي على شرح ابن حجر لهمزيّة البويصري ص ٢٥١.

فعند الإماميّة أنّ النّبيَّ صلى‌الله‌عليه‌وآله سمّاه باسم ابن هارون مُشبّر كمُحدّث ، كما في القاموس (٤) وغيره ، وكان حملاً ، وبعد وفاته أسقطته فاطمة الزهراء عليها‌السلام لستّة أشهر ، والروايات التي ذكرها ابن طاووس في (الطرف) (٥) وغيره في غيرها تُساعدهم.

__________________

(١) تاريخ الطبري ٤ / ١١٩ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٣٩٨ ، مع تفاوت يسير في بعض الأبناء وأسمائهم.

(٢) تاج العروس ٣ / ٢٨٩.

(٣) الإصابة ٦ / ١٩١.

(٤) القاموس ٢ / ٥٥.

(٥) الطرف ١ / ٣٣٥.

٩٦

ابنُ الحنفيّة

وأمّا محمّد الأكبر ، الذي يجمعه وإيّاه جامع العقب ، فيُكنّى بابن الحنفيّة ، وهي اُمّه : خولة بنت جعفر بن قيس من بني الدئل بن حنيفة بن لجيم ، واُمّها بنت عمرو بن أرقم الحنفي.

واختلف في أمرها ، [فقيل :] إنّها سبيّة أيام رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا بعث عليّاً إلى اليمن فأصاب خولة في بني زبيد ، وقد ارتدّوا مع عمرو بن معد يكرب ، وكانت زبيد سبتها من بني حنيفة في غارة لهم عليهم.

وقيل : إنّ خالد بن الوليد قاتل أهلها أيام أبي بكر فسباهم ، فهي من جملة السّبايا ، فدفعها أبو بكر مِن سهمه في المغنم.

وقيل : إنّ بني أسد أغارت على بني حنيفة أيام أبي بكر فسبوا خولة وباعوها من علي عليه‌السلام ، فبلغ قومَها خبرُها ، فجاؤوا إلى علي عليه‌السلام فعرّفوه أنّها ابنتهم ، فاعتقها وأمهرها وتزوّجها (١).

وقيل : إنّها سُبيت أيام أبي بكر ، فاشتراها اُسامة بن زيد وباعها من علي عليه‌السلام.

وفي حديث أسماء بنت عُميس : إنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام اشتراها

__________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١ / ٢٤٤.

٩٧

من سوق ذي المجاز أوان مقدمه من اليمن ، فوهبها فاطمة عليها‌السلام ، فباعتها من مُكمل الغفاري ، فولدت منه عونة ، ثُمّ باعها من علي عليه‌السلام.

ويحكي ابن خلّكان في الوفيات قولاً أنّها سندية ، أمَة لبني حنيفة سوداء (١).

وحكاه الشيخ الجليل ابن إدريس الحلّي في مزار السّرائر عن ابن حبيب النّسابة ، وقال : إنّه جهل منه وقلّة تأمّل (٢).

ويروي القطب الراوندي في الخرائج : أنّها سُبيت أيام أبي بكر ، وأنّ الزُّبير وطلحة طرحا عليها ثوبيهما طلباً للاختصاص بها ، فصاحت : لا يملكني إلاّ مَن يخبرني بالرُّؤيا التي رأتها اُمّي ، وعن اللوح الذي كُتبت فيه الرُّؤيا ، وما قالته لي. فعجزوا عن معرفته إلاّ أمير المؤمنين عليه‌السلام أوضح لها في ملأ من المسلمين أمراً غيبيّاً عجب منه الحاضرون ، فعندها قالت : من أجلك سُبينا ، ولِحُبّك أصابنا ما أصابنا (٣).

ولم يعبأ السيّد المرتضى في (الشافي) بجميع ذلك ، فقال : لم تكُنْ الحنفيّة سبيّة على الحقيقة ، ولم يستبحها عليه‌السلام بالسّبا ; لأنّها بالإسلام قد صارت حُرّة مالكة أمرها ، فأخرجها من يد مَن استرقّها ، ثُمّ عقد عليها عقد النّكاح (٤).

__________________

(١) وفيات الأعيان ٤ / ١٦٩.

(٢) السّرائر ١ / ٦٥٧ والعبارة : وهذا خطأٌ منه وتغفيلٌ ، وقلّة تحصيل.

(٣) الخرائج والجرائح للراوندي ٢ / ٥٦٤ ، والكلام منقول بالمعنى في عامّة ألفاظه.

(٤) الشافي للسيّد المُرتضى ٣ / ٣٧١.

٩٨

وما ذكره هو الصحيح المقبول؛ فإنّ الردّة المزعومة لا تُوجب أحكام الكفر ، ومنع الزكاة وأمثالها على التأويل فليس فيه خروج عن ربقة الإسلام.

وأمّا ولادة محمّد ، فقيل : إنّها أيام أبي بكر ، وقيل : أيام عمر ، وخصّها ابن خلّكان بأوّل المُحرّم لسنتين بقيتا من خلافة عمر (١). وإذا علمنا أنّ عمر مات سنة ثلاث وعشرين ، كانت ولادته سنة إحدى وعشرين.

وأمّا على رأي ابن كثير في البداية ٩ / ٣٨ ، وسبط ابن الجوزي في التذكرة من وفاته سنة إحدى وثمانين عن خمس وستّين ، تكون ولادتُهُ سنة ستّة عشر للهجرة (٢).

وأمّا قبره ، فعند ابن قتيبة بالطائف (٣) ، وفي تذكرة الخواصّ بـ (إيلة) مدينة ممّا يلي الشام ، وفي حلية الأولياء ٣ / ١٧٣ (٤) ، وتهذيب التهذيب ٩ / ٣٥٥ (٥) بالمدينة المُنوّرة ، وعيّنه ابنُ كثير بالبقيع (٦).

وفي معجم البلدان ٣ / ٣٨٧ (٧) : إنّ أهل جزيرة (خارك) ـ التي هي في وسط البحر الفارسي ـ يزعمون أنّ بها قبر محمّد بن الحنفيّة. يقول الحموي : وقد زرتُ هذا القبر فيها ، ولكن التواريخ تأباه.

__________________

(١) وفيات الأعيان ٤ / ١٧٢.

(٢) البداية والنّهاية ٩ / ٤٦.

(٣) المعارف / ٩٥.

(٤) حلية الأولياء ٣ / ٢٠٥.

(٥) تهذيب التهذيب ٩ / ٣٥٤.

(٦) البداية والنّهاية لابن كثير ٩ / ٣٢.

(٧) معجم البلدان ٢ / ٣٣٧.

٩٩

واعتقاد الكيسانيّة حياته في جبل رضوى يأتيه رزقه وله عودة ، من الخرافات ; للاتّفاق على موته.

وإنّ كلمة الإمام الحسن السّبط عليه‌السلام تدلّنا على فضله الشامخ وورعه الثابت ، ونزاهته عن كُلّ دنس ، ومعرفته بالإمام الواجب اتّباعه. قال الشيخ الجليل الطبرسي ـ من أعلام القرن السّادس ـ في (إعلام الورى) :

أرسل الحسن بن أمير المؤمنين عليه‌السلام قنبراً خلف محمّد بن الحنفيّة ، فلمّا مثل بين يديه ، قال له : «اجلس ، فليس يغيبُ مثلَك عن سماعِ كلامٍ يحيا به الأمواتُ ويموتُ به الأحياء : كونوا أوعيةَ العلمِ ومصابيحَ الدُّجى ؛ فإنّ ضوءَ النّهارِ بعضُهُ أضوءَ مِنْ بعض. أما علمت أنّ اللّه عزّ وجل جعل وُلدَ إبراهيمَ عليه‌السلام أئمّة ، وفضّل بعضَهُم على بعض ، وآتى داودَ زبوراً ، وقد علمتَ بما استأثر اللّهُ تعالى محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله.

يا محمّدُ بنَ علي ، لا أخاف عليك الحسدَ ، وإنّما وصفَ اللّهُ به الكافرين ، فقال تعالى : (كُفَّاراً حَسَدًا منْ عِندِ أَنفُسِهِم من بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ) (١). ولمْ يجعل اللّهُ للشّيطانِ عليك سُلطاناً.

يا محمّدُ بنَ علي ، ألا اُخبرك بما سمعتُ من أبيك عليه‌السلام فيك؟». قال : بلى.

فقال عليه‌السلام : «سمعتُ أباكَ يقولُ يومَ البصرة : مَن أحبَّ أنْ يبرّني في الدُّنيا والآخرة فليبرّ محمّداً.

__________________

(١) سورة البقرة / ١٠٩.

١٠٠