العبّاس عليه السلام

السيد عبد الرزاق الموسوي المقرّم

العبّاس عليه السلام

المؤلف:

السيد عبد الرزاق الموسوي المقرّم


المترجم: الشيخ محمّد الحسّون
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: منشورات الإجتهاد
الطبعة: ١
ISBN: 964-95037-0-6
الصفحات: ٣٩١

السّدانة

السّدانة : هي خدمة المعبد والقيام بشؤونه ولوازمه ، وتحرّي كلاءته عن أي عادية ، وقد اتّخذت العرب بيوتاً تُعظّمها كتعظيم الكعبة ، وجعلوا لها حُجَّاباً وسدنة ، وكانوا يهدون إليها كما يهدون إلى الكعبة ، ويطوفون كما يطوفون بالكعبة ، وينحرون بها مثلها. كلّ ذلك مع معرفتهم فضل البيت الحرام والكعبة المُشرّفة ؛ لأنّها بناء الخليل (١).

فالبيت المُعظّم الذي يُتَّخذ معبداً ومأوى للوفود والزائرين ، ومحلاً للدعاء والابتهال ، لا بّد وأنْ يُجعل له حَجبة وسدنة يرعون حُرمته ، فنصبُ السَّادنِ من لوازم جلالة المحلِّ ووجود المثمنات فيه ، فلنْ تجد محلاً له شأنٌ إلاّ ورأيتَ له خدمة.

وبمناسبة منعة المحلّ لا يُقيّض له منْ سوقةِ النَّاسِ ومَن لا كفاءة له بالقيام بالخدمة ؛ لأنّ فيه حطّاً من كرامته ، وتحطيماً لمكانته ، فمِن حقِّ المقام أنْ يكونَ السّادنُ شريفَ قومه وكريم

__________________

(١) البداية والنهاية لابن كثير ٢ / ٢٤٣ ، السّيرة النبويّة لابن هشام ١ / ٥٤ ، تفسير ابن كثير ٤ / ٢٧١.

٣٤١

بيته ، لا يُسبق بمجدٍ ولا يُلحق بشرف.

ومن هنا نشاهد السَّدانة في حرم أبي الفضل عليه‌السلام يتولاّها شريفٌ بعد شريف ، حتّى انتهى الأمر إلى الهاشمي المُبجّل السيّد مصطفى ، ومنه إلى خلفه الشهم الهُمام السيّد مرتضى الذي لا تُعدُّ مآثره ولا آثاره ، وأياديه الجميلة ومساعيه المشكورة حول خدمة الحرم وعمارته ، وتنويره وتزيينه ، وكان كما يهواه السُّؤدد والخطر ، وتختاره طهارة العنصر ونزاهة الأعراق ، ويرتئيه المجد الهاشمي والمولد العلوي.

وقام نجله الزكي السيّد محمّد حسن بكُلِّ ما يستطيعه من خدمة الحرم.

٣٤٢

حامي الجوار

لقد عرف العلماء مكانة أبي الفضل عند الله سبحانه وتعالى ، وما حباه به وأعدّه له من جزيل الفضل ؛ تقديراً لأعماله وما قاساه من فوادح وآلام ، فكان ملجأ الخائف ، ولهف اللاجىء ، وغوث الصريخ وحِمى المُستجير ، فلاذوا بجنابه عند الممات ، وجاوروا مرقده الأطهر ، والتجأوا إلى كهفه المنيع ليمنحهم الشفاعة فيفوزوا بالخلد ، ويتقلّبوا على أسرّة النّعيم الدائم ، وحاشا أبو الفضل أنْ يخفر الجوار ويتباعد عمّن عقل ناقته بفنائه.

ومن هؤلاء الأعلام ، ما في الذريعة إلى مصنّفات الشيعة ٣ / ١٩٩ : إنّ الحاج السيّد محمّد بن محسن الزنجاني توفّي بزنجان سنة ١٣٥٥ هـ ، وحُمل إلى جوار أبي الفضل العبّاس بوصيّة منه.

وفيه ص ٣٢٣ : إنّ الشيخ علي بن زين العابدين البارجيتي اليزدي الحائري ، صاحب كتاب (إلزام الناصب في أحوال الحجّة الغائب) ، دُفن في صحن العبّاس عليه‌السلام.

والعلاّمة الشيخ علي اليزدي البقروئي ، من أجلاء تلامذة الأردكاني ، دُفن في البهو أمام حضرة العبّاس.

والسيّد كاظم البهبهاني ، من تلامذة المرحوم آية الله السيّد هاشم القزويني ، دُفن في الرواق.

٣٤٣

والعلاّمة السيّد عبد الله الكشميري ، من تلامذة الأردكاني ، دُفن في الحجرة الرابعة من الشرق الجنوبي.

الشيخ ملاّ عبّاس المعروف باليزدي ، المشهور بسيبويه ، وأخوه ملاّ علي المعروف بالأخفش ، لهما مكانة عالية في التدريس ، دُفنا في الحجرة المُختصّة بهم ، المُلاصقة للباب المعروفة بباب صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه).

والشيخ كاظم الهرّ ، له فضل في العلم والأدب ، تلمذ على الشيخ صادق ابن العلاّمة الشيخ خلف عسكر ، دُفن في الحجرة الأخيرة من الشرق الشمالي.

٣٤٤

المديح والرثاء

من الواضح الذي لا يرتاب فيه أنّ نظم الشعر في أيّ رجل [هو] تعريفٌ به وإحياءٌ لذكره وإقامةٌ لأمره ؛ فإنّ آثار الرجال مهما كبرت في النفوس وعظم أمرها قد يُهمل ذكرها بمرور الزمن وتباعد العهد ، فيُغفل عن تلك المآثر ويتناسى مالها من أهميّة كبرى.

ولمّا كان القول المنظوم أسرع تأثيراً من الإصاخة ؛ لرغبة الطباع إليه ، فتسير به الركبان ، وتلوكه الأشداق ، وتتحفّظ به القلوب ، وتتلقّاه جيلاً بعد جيل ، وتأخذه اُمّة بعد اُمّة حتّى يرث الله الأرض ومَن عليها ، فتلتفت إلى ذلك الفضل المُتقادم. وقد حفظ لنا الأدب العربي كثيراً من قضايا الاُمم وسيرها وحروبها في الجاهليّة والإسلام.

وبما أنّ ذكرى أهل البيت عليهم‌السلام قوام الدِّين وروح الإصلاح ، وبها تُدرس تعاليمهم وتُقتفى آثارهم ؛ طفق اُدباء هذه الاُمّة يذكرون مالهم من فضل كثار ، وما جرى عليهم من المصائب ولاقوا في سبيل إحياء الدِّين من كوارث ومحن ؛ لأنّ في ذلك إحياء أمرهم ، ورحم الله مَن أحيى أمرهم ودعا إلى ذكرهم ، وقد تواتر الحثُّ من الأئمّة المعصومين عليهم‌السلام على نظم الشعر فيهم ، مدحاً ورثاءً ؛ بحيث عُدّ من أفضل الطاعات.

٣٤٥

ولم يعهد من الأئمّة الطاهرين عليهم‌السلام ـ مع تحفّظهم على التقيَّة وإلزام شيعتهم بها ـ تثبيط الشعراء عن المكاشفة في حقِّهم ، وإظهار باطل المناوئين ، مع أنّ في الشعراء مَن لا يقرّ له قرار ولا يأويه مكان ؛ فرقاً من أعداء أهل البيت عليهم‌السلام لمحض مجاهرتهم بالولاء ، والدعوة إلى طريقة أبناء الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كالكميت ودعبل الخزاعي ونظرائهم.

بل كان الأئمّة عليهم‌السلام يؤكّدون ذلك بالتحبيذ وإدرار المال عليهم ، وإجزال الهبات لهم ، وذكر المثوبات ، وليس ذلك إلاّ لأنّ المكاشفة أدخلُ في توطيد اُسس الولاية ، وعاملٌ قويّ لنشر الخلافة الحقّة ، حتّى لا يبقى سمع إلاّ وقد طرقه الحقُّ الصراح ، ثُمّ تتلقّاه الأجيال الآتية ، كُلّ ذلك حفظاً للدّين عن الاندراس ، ولئلاّ تذهب تضحية آل اللّه في سبيله أدراج التمويهات.

ولولا نهضةُ اُولئك الأفذاذ من رجالات الشيعة للذبِّ عن قُدس الشريعة بتعريض أنفسهم للقتل ؛ كحجر بن عدي وعمرو بن الحمق ، ورشيد وميثم التمّار وأمثالهم ، ومجاهرة الشعراء بما قدم به الأطهار من أهل البيت النبويّ عليهم‌السلام ، لَما عرفت الأجيال المُتعاقبة صراح الحقّ.

وممّا ورد من الحثّ على نظم الشعر مدحاً ورثاءً ، قولهم عليهم‌السلام : «مَن قال فينا بيتاً من الشِّعرِ بنى اللهُ له بيتاً في الجنّة». وفي آخر : «حتَّى يُؤيَّد بروحِ القُدُس» (١).

وفي ثالث : «ما قالَ فينا مؤمنٌ شِعراً يمدَحنا إلاّ بنَى اللهُ له في

__________________

(١) عيون أخبار الرضا للشيخ الصدوق ٢ / ١٥ ، وسائل الشيعة ١ / ٤٦٧ ، بحار الأنوار ٢٦ / ٢٣١ ، وورد بلفظ : «ما قالَ فينا قائلٌ بيتاً من الشّعر حتّى يُؤيّد بروحِ القُدُس».

٣٤٦

الجنَّةِ مدينةً أوسع مِنَ الدُّنيا سبعَ مرّات ، يزورُهُ فيها كُلُّ مَلكٍ مُقرَّبٍ ونبيٍّ مُرسلٍ» (١).

وقال أبو جعفر الباقر عليه‌السلام للكميت ـ لمّا أنشده :

مَن لقلبٍ مُتيّمٍ مُستهامِ.

القصيدة ـ : «لا تزالُ مُؤيّداً بروحِ القُدُس ما دُمتَ تقولُ فينَا» (٢).

وأذنَ الإمام الجواد عليه‌السلام لعبد الله بن الصلت أنْ يندبه ويندب أباه الرِّضا عليه‌السلام.

وكتب إليه أبو طالب أبياتاً يستأذنه فيها في رثاء أبيه الرِّضا عليه‌السلام ، فقطع أبو جعفر عليه‌السلام الأبيات ، وكتب إليه : «أحسنتَ وجزاكَ اللهُ خيراً» (٣).

وتقدّم في صفحة ١٧٢ مدح الصادق عليه‌السلام لمَن يرثي لهم ويمدحهم عليهم‌السلام.

وحسبُ الشاعر أنْ يترتّب على عمله البار هاتيك المثوبات الجزيلة التي تشفّ عنْ أنّ ما يصفه بعين الله سبحانه حتّى يُبوِّئه الجليل عزّ شأنه من الخلد حيث يشاء ، وتزدان به غرف الجنان ؛ ولا بدع فإنّه بهتافه ذلك معدود من أهل الدعوة الإلهيّة ، المُعلنين لكلمة الحقّ وتأييد الدِّين ، فهو بقوله الحقّ يرفع دعامة الإصلاح وتشييد مبانيه ، ويطأ نزعة الباطل بأخمص الهدى ، ويقمُّ أشواكه المُتكدّسة أمام سير المذهب ، ويلحب طريقه الواضح ، فحيّاهم الله من دعاة إلى مراضيه.

وبما أنّ أبا الفضل العبّاس من اُولئك الأطهار الذين بهم تمّت الدعوة الإلهيّة ، وعلت كلمة الله العُليا بإزهاق نفوسهم المُقدّسة

__________________

(١) عيون أخبار الرضا ٢ / ١٥ ، وسائل الشيعة ١٤ / ٥٩٧.

(٢) وسائل الشيعة ١٤ / ٥٩٨ ، بحار الأنوار ٤٧ / ٣٢٤.

(٣) وسائل الشيعة ١٤ / ٥٩٨ ، بحار الأنوار ٢٦ / ٢٣٢.

٣٤٧

حتّى قضوا كراماً طيّبين ، مضافاً إلى ما حواه من صفات الجلال والجمال ممّا أوجب أنْ يغبطه الصدّيقون على ما منحه الباري سبحانه عوض شهادته ؛ بادر مَن كهربه الولاء الخالص طلباً لذلك الأجر الجزيل بنظم مديحه ورثائه ، وأوّل مَن رثاه اُمّه اُمّ البنين كما في مقاتل الطالبيِّين فإنّها كانت تخرج إلى البقيع تندب أولادها أشجى ندبة وأحرقها ، فيجتمع الناس لسماع ندبتها ، وكان مروان يجيء لذلك فلا يزال يبكي (١). فمِن رثائها فيهم :

لا تَدْعُوَنِّي وَيْكَ اُمَّ البَنينْ

تُذكّروني بليوثِ العَرينْ

كانتْ بَنون ليَ اُدعَى بِهمْ

واليومُ أصبحتُ ولا مِنْ بَنينْ

أربعةٌ مثلُ نُسورِ الرُّبَى

قد واصلُوا الموتَ بقطعِ الوتينْ

تنازعَ الخِرصانُ أشلاءَهُمْ

فكلُّهُمْ أمسَى صريعاً طعينْ

يا ليتَ شعْرِي أكما أخبرُوا

بأنَّ عبّاساً قطيعُ الوتينْ

وقولها الآخر :

يا مَنْ رأى العبّاسَ كرْ

على جماهيرِ النَّقدْ

__________________

(١) مقاتل الطالبيِّين لأبي الفرج الأصفهاني / ٥٦ ، وعنه بحار الأنوار ٤٥ / ٤٠ ، والعوالم للبحراني / ٢٨١.

٣٤٨

ووراهُ مِنْ أبناءِ حيدرِ

كلُّ ليثٍ ذي لُبَدْ

نُبِّئتُ أنَّ ابنِي اُصيبَ

برأسِهِ مقطوعَ يَدْ

ويْلِي على شِبلِي أمالَ

برأسهِ ضربُ العَمدْ

لو كانَ سيفُكَ في يدِ

يْكَ لَما دنا منهُ أحدْ

ورثاه حفيده الفضل بن محمّد بن الفضل بن الحسن بن عبيد الله بن العبّاس بن أمير المؤمنين عليه‌السلام على ما في المُجدي.

إنّي لأذكرُ للعبّاسِ مَوقِفَهُ

بكربلاءَ وهامَ القومِ يختطفُ

يحمِي الحُسينَ ويحميهِ على ظمأٍ

ولا يُولّي ولا يثنِي فيختلفُ

ولا أرَى مشهداً يوماً كمشهدِهِ

معَ الحُسينِ عليهِ الفضلُ والشَّرفُ

أكرمْ بهِ مَشهداً بانتْ فضيلتُهُ

وما أضاعَ لهُ أفعالَهُ خَلَفُ

وحكى الشيخ الجليل العلاّمة ميرزا عبد الحسين الأميني في كتاب (الغدير) ٣ / ٥ عن روض الجنان في نيل مشتهى الجنان ، المطبوع للمؤرّخ الهندي أشرف علي : أنّ الفضل بن الحسن المذكور قال في جدّه العبّاس عليه‌السلام :

٣٤٩

أحقُّ النَّاسِ أنْ يُبكَى عليهِ

فتىً أبكَى الحُسينَ بكربلاءِ

أخوه وابنُ والدِهِ عليٍّ

أبو الفضلِ المُضرَّجُ بالدِّماءِ

ومَنْ واساهُ لا يثنيهِ شيءٌ

وجادَ لهُ على عطشٍ بماءِ

وهذه الأبيات نسبها أبو الفرج في المقاتل إلى الشاعر ، ونسبها السيّد الحجّة المتتبّع السيّد عبد الله شبّر قدس‌سره في جلاء العيون إلى الحسين عليه‌السلام.

وقد رثى أبا الفضل العبّاس جماعةٌ كثيرة من الفضلاء الأدباء والعلماء البارعين ، لو جُمعت لكانت مُجلّداً ضخماً ، ولعلّ فيض أبي الفضل يشملنا فنخرجها إلى القرّاء بالقريب العاجل ، وفي هذا الكتاب نذكر ما يتحمّله منها.

ومن جيّد ما رُثي به قصيدة الشاعر الشهير الحاج هاشم بن حردان الكعبي الدروقي ، المُتوفّى سنة ١٢٣١ هـ ، وهي مثبتة في ديوانه المطبوع في النّجف ، وفي كشكول الشيخ يوسف البحراني صاحب الحدائق في الفقه ٢ / ٣٩٢ ، وفي الدرّ النَّضيد للعلاّمة السيّد محسن الأمين ، ومطلعها :

هل اُمُّ طوقٍ كذاتِ الطّوقِ في السَّلمِ

تحنُّ شوقاً إلى أيّامِنا القِدَمِ

إلى أنْ يقول :

٣٥٠

يومٌ أبُو الفضلِ تدعُوا الظّامياتُ بهِ

والماءُ تحتَ شَبا الهنديةِ الخُذُمِ

والخيلُ تصطكُّ والزَّعفُ الدِّلاصُ على

فُرسانِها قَدْ غدتْ ناراً على عَلَمِ

وأقبلَ اللَّيثُ لا يلويهِ خَوفُ رَدَى

بادي البشاشةِ كالمدعوِّ للنّعمِ

يَبدُو فيغدُو صَميمُ الجَمعِ مُنصدِعاً

نصفَينِ ما بينَ مطروحٍ ومُنهَزِمِ

ورثاه العلاّمة الشيخ محسن آل الشيخ خضر ، المتوفّى حوالي سنة ١٣٠٣ هـ :

فللّه زينبُ إذْ تستغيثُ

أبا الفضلِ يا كهفَ عزِّي المُهابَا

ويا ليثَ قومِي إذا الخطبُ نابَ

وكشّرتِ الحربُ سنَّاً ونابَا

أتتركُنِي نُصبَ عينِ العدوِّ

تنتهبُ القومُ رَحلِي انتهابَا

وللّهِ مُقولُها إذْ تقولُ

ينشعبُ القلبُ منهُ انشعابَا

عذرتُكَ يابنَ أبِي فالحَميمُ

بكفَّيهِ يحمِي إذا الخطبُ نابَا

فشُلَّتْ أكفُّ علوجٍ بَرتْ

يمينَكَ إذْ يسلبونِي النِّقابَا

٣٥١

وذابَ عمودُ حديدٍ رماكَ

وأخطأ سهمٌ حشاكَ أصابَا

ورثاه شاعر أهل البيت عليهم‌السلام في عصره السيّد حيدر الحلّي ، المُتوفّى سنة ١٣٠٤ هـ ، وهي مُثبّتة في ديوانه ، مطلعها :

حلولُكَ في محلِّ الضَّيمِ دامَا

وحدُّ السَّيفِ يأبَى أنْ يُضامَا

ورثاه العلاّمة السيّد جعفر الحلّي ، المُتوفّى سنة ١٣١٥ هـ ، وقد أبدع فيها ، وهي مُثبّتة في ديوانه المطبوع في صيدا ، وفي منير الأحزان والدرّ النّضيد ، مطلعها :

وَجهُ الصَّباحِ عليَّ لَيلٌ مُظلمُ

وَربيعُ أَيَّامي عَليَّ مُحرَّمُ

وفي صفحات ٩٩ و ١٥٣ و ١٦٠ ذكرنا أبياتاً منها.

ورثاه الحاجّ محمّد رضا الأزري ، ومطلعها :

أومَا أتاكَ حديثُ وقعةِ كربلا

أنّى وقدْ بلغَ السَّماءَ قتامُهَا

طُبعتْ في مثير الأحزان للعلاّمة الشيخ شريف الجواهري ، وفي الدرّ النَّضيد.

ورثاه الإمام الحجّة الشيخ محمّد حسن كاشف الغطاء (أدام الله ظلّه) (١) :

أبا صالحٍ إنّ العزا لَمُحرَّمُ

ومنكُمْ بنو الزَّهرا استُحِلَّ بهِ الدَّمُ

__________________

(١) نقلتُها من كتاب سوانح الأفكار في منتخب الأشعار ، تأليف الفاضل المُهذّب الخطيب السيّد محمّد جواد شبّر.

٣٥٢

لكُمْ بينَ أضلاعِي مواقدُ لوعةٍ

بذكرِ رزاياكُمْ تشبُّ وتُضرَمُ

تزاحمُ في فكرِي إذا رمتُ عدَّها

رزاياكُمُ الجلَّى فأبكي واُوجَمُ

وما أنسَ مِنْ شيءٍ فلا أنسَ وقعةً

تُهدُّ لهَا السَّبعُ الطِّباقُ وتُهدمُ

وقد جدّدتْ حُزنِي ولمْ يكُ مُخلقاً

غداةَ استهلَّتْ أدمُعِي والمُحرَّمُ

أصابَ بها مِنْ كربلا قلبَ أحمدٍ

وقلبَ عليٍّ والبتولةِ أسْهُمُ

غداةَ بنوهُ الغُرُّ في نصرِ دينِهِ

سرتْ ونهارُ العدلِ بالجَورِ مُظلمُ

بفتيانِ صدقٍ في الحفيظةِ يمَّمَتْ

ركابَ العُلا في ظعنِهمْ حيثُ يمَّموا

تُطالعُ أقماراً بهمْ وأهلَّةً

إذا أسفَروا في موكبٍ وتلثَّموا

وإنْ صَرَّتْ الهيجاءُ ناباً تراهُمُ

اُسوداً فأفياءُ الظُّبا تتأجّمُ

وإنْ فُلَّ حدُّ السَّيفِ أمضاهُ عزمُهُمْ

بأمضَى شَبا منهُمْ فلا يُتكتّمُ

وتهوي المنايا للهوانِ كأنَّما

الْمَنايا لها دونَ الدنيَّةِ مَغنَمُ

٣٥٣

ميامينَ يومَ السِّلمِ لكنَّ يومَهُمْ

على مَن دَنا بالشُّؤمِ منهُمْ لأشأمُ

قد ادَّرَعُوا دِرعاً جَديداً وأخَّروا

من الصَّبرِ أقوَى منهُ نَسجاً وأحكمُ

وما راعَ جيشَ الكُفرِ إلاّ عصابةٌ

حَداها مِنَ الإيمانِ جيشٌ عَرمرمُ

حجازيّةٌ نَحو العراقِ ومُنجد

ثَناهَا بأجوازِ الفيافي ومُتْهمُ

بأجسامِها في عَرصةِ الطَّفِّ عرَّسَتْ

وأرواحُها في عالمِ القُدسِ عُوَّمُ

تُضاحكُ بشْراً بالمنونِ كأنَّما

الْحياةُ عذابٌ والمنونُ تَنعَّمُ

وترقصُ شوقاً للّقاءِ قلوبُهَا

إذا أخذتْ فِي ذِكرِها تَترنَّمُ

وإنْ بَزغَ النُّورُ الإلهيُّ بينَها

ترَى البدرَ حفَّتْ فيهِ بالسَّعدِ أنجُمُ

لقدْ ثَبتُوا للذَّبِّ عنهُ بموقِفٍ

يشيبُ بهِ طفلُ القَضاءِ ويهرَمُ

وتذهلُ أملاكُ السَّماءِ لوقعِهِ

ويذبلُ منهُ يذبلٌ ويَلَمْلَمُ

ولمّا قَضَوا في حلبةِ المجْدِ حقَّها

وحقَّ لها نحو الجنانِ التَّقدّمُ

٣٥٤

تهاوَوا فقُلْ زُهرُ النُّجومِ تهافَتَتْ

وأهوَوا فقُلْ شُمُّ الرَّواسِيَ تُهدَمُ

بحربٍ على أعوانِ حَربٍ قَدْ انكَفَى

صواعقُ مِنْ قرعِ الأسنَّةِ تُضرَمُ

تعثَّر فيهِ بالجماجُمِ خيلُهُمْ

وأجسامُهُمْ للطِّيرِ والوحشِ مَطعَمُ

وتعبسُ مِنْ خوفٍ وجوهُ اُميّة

إذا كرَّ (عبّاسُ) الوغَى يَتبسّمُ

أبو الفضلِ تأبى غيرَهُ الفضلُ والإبا

أباً فهو إمّا عنهُ أو فيهِ يُرسَمُ

عليمٌ بتأويلِ المَنيّةِ سيفُهُ

نَزولٌ على مَنْ بالكرِيهةِ معلمُ

ويمضي إلى الهَيجاءَ مُستقبلَ العِدى

بماضٍ بهِ أمرُ المَنيّةِ مُبرَمُ

وإنْ عادَ ليلُ الحربِ بالنَّقعِ أليلاً

فيومُ عِداهُ مِنهُ بالشَّرِّ أيوَمُ

وإنْ سمعَ الأطفالَ تصرخُ للظَّما

تصارخَ منهُ الجحفلُ المُتضمِّمُ

وصالَ عليهمْ صولةَ اللَّيثِ مُغضبا

يُحمحِمُ مِنْ طولِ الطّوى ويُدمدِمُ

وراحَ لوردِ المُستقَى حاملَ السّقا

وأصدرَ عنهُ وهو بالماءِ مُفعَمُ

٣٥٥

ومُذْ خاضَ نهرَ العلقميِّ تذكّر

الْحُسينَ فولَّى عنهُ والرِّيقُ عَلقَمُ

وأضحَى ابنُ ساقِي الحوضَ سقّا ابن

أحمد يروي عطاشى المصطفى الطهرإن ظموا

ولمّا أبَى منكَ الإباءُ تأخّراً

وأنّ أبا الفضلِ الذي يتقدّمُ

بِهمْ حسمتْ يمناكَ ظُلماً ولَمْ

أخلْ يمينَ القَضا في صارمِ الشُّركِ تُحسمُ

وإنّ عمودَ الفضلِ يخسفُ هامَه

عمودُ حديدٍ للضَّلالةِ يدعمُ

وحين هَوى أهوى إليهِ شَقيقُه

يشقُّ صفوفَ المخلديْ ويُحطِّمُ

فألفاهُ مَقطوعَ اليدينِ مُعفَّراً

يُفوَّرُ مِنْ مَخسوفِ هامتِهِ الدَّمُ

فقالَ أخي قَدْ كُنتَ كبشَ كتيبَتِي

وجنّةَ بأسٍ حينَ اُدهَى واُدهَمُ

فمَنْ ناقعٌ حرَّ القلوبِ مِنَ الظَّما

ومَنْ دافعٌ شَرَّ العِدَى يومَ تهجمُ

ومَنْ يكشفُ البلوَى ومَن يحملُ اللِّوا

ومَنْ يدفعُ اللأوي ومَنْ يتقحَّمُ

رَحلتَ وقَدْ خلَّفتَني يابنَ والدِي

أغاضُ بأيدِي الظَّالمينَ واُهضَمُ

٣٥٦

أحاطتْ بيَ الأعداءُ مِنْ كُلِّ جانبٍ

ولا ناصرٌ إلاّ سنانٌ ولهذمُ

فما زالَ ينعاهُ ويندبُ عندَهُ

إلى أنْ أفاضَ البُقعةَ الدَّمعُ والدَّمُ

وأقبلَ محنيَّ الضُّلوعِ إلى النِّسا

يُكفكِفُ عنها الدَّمعَ والدَّمعُ يسجمُ

ولاحتْ عليهِ للرَّزايا دلائلٌ

تبينُ لها لكنَّهُ يَتكتّمُ

وأقدمَ فرداً للكريهةِ ليثُها

وسبعونَ ألفاً عنهُ في الكرِّ أحجمُوا

فتحسبُ عزرائيلَ صاحَ بسيفِهِ

عليهمْ ففرُّوا مِنْ يديهِ واُهزمُوا

وقُلْ غَضبَ الجبَّارُ دمدمَ صاعقاً

بمنحوسِ ذيَّاكَ الوجودِ واُعدمُوا

ولمّا أعادَ البرَّ بحراً جوادُهُ

الْسَفين به لكنّما الموجُ عندمُ

نمتْ عزمَهُ البقيا عليهِ فما انثَنَوا

ورقَّ على مَنْ لا يرقَّ ويرحمُ

وقامَ لسانُ اللّهِ يخطبُ واعظاً

فصُمُّوا لِما عنْ قُدسِ أنوارِهِ عُموا

وقال انسبونِي مَن أنَا اليومَ وانظرُوا

حلالاً لكُمْ منِّي دمِي أمْ مُحرَّمُ

٣٥٧

فمَا وَجدُوا إلاّ السِّهامَ بنحرِهِ

تراشِ جواباً والعوالِي تُقوَّمُ

ومُذْ أيقنَ السِّبطُ انمحَى دينُ جدِّهِ

ولمْ يبقَ بينَ النَّاسِ في الأرضِ مُسلمُ

فدَى نفسَهُ في نُصرةِ الدِّينِ خائضاً

عَنِ المُسلمينَ الغامراتِ ليسلَموا

وقال خُذينِي يا حتوفُ وهاكِ

يا سيوفٌ فأوصالي لكِ اليومَ مَغنَمُ

وهيهاتُ أنْ أغدو على الضَّيمِ حائماً

ولو لِي على جمرِ الأسنَّةِ مَجثَمُ

وكرٌّ وقَدْ ضاقَ الفضَا وجرَى القضَا

وسالَ بوادِي الكُفرِ سيلاً عَرمرمُ

ومُذْ خَرَّ بالتَّعظيمِ للهِ ساجداً

لهُ كَبَّروا بينَ السُّيوفِ وعظَّموا

لهُ كَبَّروا بينَ السُّيوفِ وعظَّموا

فقامَ بهِ عنهُ السِّنانُ المُقوَّمُ

فقامَ بهِ عنهُ السِّنانُ المُقوَّمُ

فأشرقَ وجهَ الأرضِ والكونُ مُظلمُ

ومُذْ مالَ قطبُ الكونِ مالَ وأوْ شكَ

انقلاباً يَميلُ الكائناتِ ويعدمُ

وحينَ ثوَى في الأرضِ قرَّ قرارُها

وعادتْ ومِنْ أوَجِ السَّما وهي أعظمُ

٣٥٨

فلهفِي لهُ فَرداً عليهِ تزاحَمتْ

جموعُ العِدَى تزدادُ جهلاً فيحلمُ

ولهفِي لهُ ضامٍ يجودُ وحولهُ

الفُراتُ جرَى طامٍ وعنهُ يُحرّمُ

ولهفِي لهُ مُلقىً وللخيلِ حافرُ

يجولُ على تلكَ الضِّلوعِ وينسمُ

ولهفِي على أعضاكَ يابنَ مُحمّدٍ

توزَّعُ في أسيافِهمْ وتُسهَّمُ

فجسمكَ ما بينَ السُّيوفِ مُوزَّعٌ

ورحلُكَ ما بينَ الأعادِي مُقسَّمُ

فلهفِي على ريحانةِ الطُّهرِ جسمُهُ

لكلِّ رجيمٍ بالحجارةِ يُرجَمُ

وللعلاّمة الشيخ محمّد حسين الأصفهاني قدس‌سره ، المتوفّى سنة ١٣٦١ هـ ذي الحجّة :

أبو الإباءِ وابنُ بجدةِ اللّقا

رقَى مِنَ العلياءَ خيرَ مُرتقَى

ذاكَ أبُو الفضلِ أخُو المعالِي

سلالةُ الجلالِ والجمالِ

شبلُ عليٍّ ليثِ غابةِ القِدمْ

ومَنْ يُشابهْ أبَهُ فما ظَلمْ

صنُو الكريمَينِ سليلَيَّ الهُدَى

عِلماً وحِلماً شَرفاً وسُؤددا

٣٥٩

وهو الزَّكِيُّ في مدارجَ الكَرمْ

هو الشَّهيدُ في معارجَ الهِمَمْ

وارثُ مَنْ حازَ مواريثَ الرُّسلْ

أبُو العُقولِ والنُّفوسِ والمُثلْ

وكيفَ لا وذاتُهُ القدسيَّهْ

مجموعةُ الفضائلِ النفسيّهْ

عليهِ أفلاكُ المعالِي دائرهْ

فإنّه قطبُ مُحيطِ الدائرهْ

لهُ مِنَ العلياءَ والمآثرِ

ما جلَّ أنْ يخطُرَ في الخواطرِ

وكيفَ وهوَ في علوِّ المَنْزِلهْ

كالرّوحِ مِنْ نُقطةِ باءِ البَسْمَلهْ

وهوَ قوامُ مُصحَفِ الشَّهادهْ

تمَّتْ بهِ دائرةُ السَّعادهْ

وهوَ لكلِّ شدَّةٍ مُلمَّهْ

فإنّهُ عنقاءُ قافِ الهمَّهْ

وهوَ حليفُ الحقِّ والحقيقَهْ

والفردُ في الخِلقَةِ والخليقَهْ

وقدْ تجلَّى بالجمالِ الباهرِ

حتَّى بدا سرَّ الوجودِ الزَّاهرِ

غُرَّتُهُ الغرَّاءُ في الظّهورِ

تكادُ أنْ تغلبَ نُورَ الطُّورِ

٣٦٠