الدّرر النجفيّة - ج ٣

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الدّرر النجفيّة - ج ٣

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٨

الساعة يخسر المبطلون ، و (لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ) (١) ، و (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ) (٢).

قال : ثم التفتت إلى قبر أبيها فتمثلت بقول هند بنت أثاثة (٣) :

قد كان بعدك أنباء وهنبثة

لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب (٤)

أبدت رجال لنا فحوى صدورهم

لمّا قضيت وحالت دونك الترب

تجهّمتنا رجال واستخفّ بنا

إذ غبت عنّا فنحن اليوم نغتصب

قال : ولم ير الناس أكثر باك ولا باكية منهم يومئذ. ثمّ (٥) عدلت إلى مسجد الأنصار ـ وفي نسخة : ثمّ رمت بطرفها نحو الأنصار ـ فقالت : «يا معشر الشيعة (٦) وأعضاد الملّة وحصنة الإسلام ، ما هذه الفترة عن نصرتي ، والسّنة عن ظلامتي؟ أما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله [يقول] : المرء يحفظ في ولده؟ سرعان ما أحدثتم! وعجلان ما أتيتم! ألا إن مات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمتّم دينه؟ ها إنّ موته لعمري خطب جليل استوسع وهيه ، واستنهر (٧) فتقه ، وفقد راتقه ، وأظلمت (٨) الأرض له ، وخشعت الجبال ، وأكدت الآمال ، واضيع بعده الحريم ، وهتكت الحرمة ، وأذيلت المصونة ، وتلك نازلة أعلن بها كتاب الله قبل موته ، وأنبأكم بها فقال (وَما مُحَمَّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشّاكِرِينَ) (٩).

__________________

(١) الأنعام : ٦٧.

(٢) إشارة إلى الآية : ٣٩ من سورة هود.

(٣) هند بنت أثاثة بن عباد بن المطّلب بن عبد مناف. السيرة النبوية (ابن هشام) ٣ : ٥٤.

(٤) شرح نهج البلاغة ١٦ : ٢٥٠ ـ ٢٥١ ، وذكر البيت الأخير في الصفحة : ٢٥٣.

(٥) من هنا إلى نهاية الخطبة ليس في شرح النهج وقد ورد في الاحتجاج باختلاف ، غير أنه جاء فيه قبل أبيات الشعر التي استشهدت بها ، سلام الله عليها.

(٦) في «ح» : البقية.

(٧) في «ح» : واستبهر.

(٨) من «ح» ، وفي «ق» : اطلت.

(٩) آل عمران : ١٤٤.

٣٦١

أيها بني قيلة ، اهتضم تراث أبي ، وأنتم بمرأى ومسمع ؛ تبلغكم الدعوة ، ويشملكم الصوت ، وفيكم العدّة والعدد ، ولكم الدار والجنن ، وأنتم نخبة الله التي انتخب ، وخيرته التي اختار؟ باديتم العرب ، وبادهتم الامور ، وكافحتم البهم حتّى دارت بكم رحى الإسلام ، ودرّ حلبه ، وخبت نيران الحرب ، وسكنت فورة الشرك ، وهدأت دعوة الهرج ، واستوسق (١) نظام الدين ، أفتأخّرتم بعد الإقدام ، ونكصتم بعد الشدة ، وجبنتم بعد الشجاعة ، عن قوم نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم؟! (فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ) (٢).

ألا وقد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض ، وركنتم إلى الدعة ، فجحدتم الذي وعيتم ، ودسعتم الذي سوّغتم ، و (إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ) (٣).

ألا وقد قلت لكم ما قلت على معرفة منّي بالخذلة التي خامرتكم ، وخور القنا (٤).

فدونكموها فاحتقبوها ، دبرة الظهر ، ناقبة الخفّ ، باقية العار ، موسومة بالشنار ، موصولة بنار (اللهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ). فبعين (٥) الله ما تعملون (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) (٦)» (٧).

أقول : قال ابن أبي الحديد في (شرح النهج) : (قال المرتضى رضي‌الله‌عنه : وأخبرنا أبو عبد الله المرزباني قال : حدّثني علي بن هارون قال : أخبرني عبيد الله بن أحمد ابن أبي طاهر عن أبيه قال : ذكرت لأبي الحسين زيد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب عليه‌السلام كلام فاطمة عليها‌السلام عند أبي بكر ومطالبتها إياه فدك ، وقلت : إن

__________________

(١) في المصدر : واستوثق.

(٢) التوبة : ١٢.

(٣) إبراهيم : ٨.

(٤) في المصدر : القناة.

(٥) من «ح» والمصدر ، وفي «ق» : فبغير.

(٦) الشعراء : ٢٢٧.

(٧) شرح نهج البلاغة ١٦ : ٢١١ ـ ٢١٣.

٣٦٢

هؤلاء يزعمون أنه مصنوع ، وأنه من كلام أبي العيناء ؛ لأنّ الكلام منسوق البلاغة.

فقال لي : رأيت مشايخ آل أبي طالب يروونه عن آبائهم ويعلّمونه أولادهم ، وقد حدّثني [به] أبي عن جدي يبلغ [به] (١) فاطمة عليها‌السلام على هذه الحكاية ، وقد رواه مشايخ الشيعة ، وتدارسوه قبل أن يوجد جدّ أبي العيناء).

ثمّ قال أبو الحسين زيد : (وكيف ينكرون هذا من كلام فاطمة ، وهم يروون من كلام عائشة عند موت أبيها ما هو أعجب من كلام فاطمة عليها‌السلام ويحققونه لو لا عداوتهم لنا أهل البيت؟).

ثم ذكر الكلام بطوله على نسقه ، وزاد في الأبيات بعد البيتين الأولين :

(ضاقت عليّ بلادي بعد ما رحبت

وسيم سبطاك خسفا فيه لي نصب

فليت قبلك كان الموت صادفنا

قوم تمنّوا فأعطوا كل ما طلبوا

تجهّمتنا رجال واستخفّ بنا

مذ غبت عنّا وكلّ الإرث قد غصبوا) (٢)

بيان ما لعله يحتاج إلى البيان في هذه الخطبة العليّة الشان

(إجماع أبي بكر) أي إحكامه النيّة والعزيمة على منعها.

(في لمة من حفدتها) ، اللمة ـ بضم اللام وتخفيف الميم ـ : الجماعة. قال في (النهاية الأثيرية) : (في حديث فاطمة عليها‌السلام ، أنّها (خرجت في لمة من نسائها) هي ما بين الثلاثة إلى العشرة ، وقيل : اللمة (٣) : المثل في السن والتّرب.

قال الجوهري : (الهاء عوض عن الهمزة الذاهبة من وسطه) (٤). وهو ممّا

__________________

(١) من المصدر ، وفي النسختين : بها.

(٢) شرح نهج البلاغة ١٦ : ٢٥٢ ـ ٢٥٣ ، والأبيات من البسيط.

(٣) في «ق» بعدها : في ، وما أثبتناه وفق «ح» والمصدر.

(٤) الصحاح ٥ : ٢٠٢٦ ـ لأم.

٣٦٣

اخذت عينه كـ (سه) و (مذ) ، وأصلها فعلة من الملاءمة وهي الموافقة) (١) انتهى.

قال بعض مشايخنا : (ويحتمل أن تكون بتشديد الميم) (٢).

وقال في (القاموس) : (اللّمة ـ بالضمّ ـ : الصاحب والأصحاب في السفر ، والمؤنس ، للواحد والجمع) (٣).

والحفدة ـ بالتحريك ـ : الأعوان والخدم.

(تطأ ذيولها) ، حيث كانت أثوابها طويلة تستر قدميها.

(لا تخرم مشيتها) ، أي ما ينقص مشيتها من مشيته صلى‌الله‌عليه‌وآله شيئا.

(حشد الناس) : اجتمعوا.

(ريطة بيضاء) : الريطة ـ بالفتح ـ : كلّ ملاءة إذا كانت قطعة واحدة وليست لفقتين أي قطعتين.

(قبطية) : هي ثياب رقيقة تجلب من مصر نسبة إلى القبط ـ بالكسر ـ وهم أهل مصر.

(أجهش لها القوم) ، الجهش : أن يفزع الإنسان إلى غيره ، وهو مع ذلك يريد البكاء ، كالصبي يفزع إلى أمّه وقد تهيأ للبكاء.

(فورتهم) ، فورة الشي‌ء : شدّته.

«بلا احتذاء أمثلة» ، احتذى مثاله : اقتدى به ، أي لم يخلقها على وفق صنع غيره.

«ذيادة لعباده عن نقمته ، وحياشة لهم إلى جنّته» ، الذود والذيادة ـ بالذال المعجمة ـ : السّوق والطرد والدفع. وحشت الصيد أحوشه : إذا جئته من حواليه [لأصرفه] (٤) إلى الحبالة.

__________________

(١) النهاية في غريب الحديث والأثر ٤ : ٢٧٣ ـ ٢٧٤ ـ لمه

(٢) بحار الأنوار ٢٩ : ٢٤٨.

(٣) القاموس المحيط ٤ : ٢٥٠ ـ لمه.

(٤) في النسختين : لتصرفه.

٣٦٤

«قبل أن يجتبله» ، الجبل : الخلق ، يقال : جبلهم الله ، أي خلقهم ، وجبله على الشي‌ء ، أي طبعه عليه.

«بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله عن تعب هذه الدار» ، قال بعض مشايخنا ـ رضوان الله عليهم ـ : (لعل الظرف متعلّق بالإيثار بتضمين معنى العفة ونحوها. وفي بعض النسخ :«محمّد» بدون الباء ، فتكون الجملة استئنافية أو مؤكدة للفقرة السابقة ، أو حالية بتقدير الواو. وفي بعض كتب المناقب القديمة : «فمحمد» ، وهو أظهر. وفي رواية (كشف الغمة) : «رغبة بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله عن تعب هذه الدار» (١). وفي رواية أحمد بن أبي طاهر «بأبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عزّت هذه الدار». وهو أظهر. ولعلّ المراد بالدار : دار القرار ، ولو كان المراد : الدنيا تكون الجملة معترضة. وعلى التقادير لا يخلو من تكلّف) (٢) انتهى.

«نصب أمره ونهيه» ، أي نصبكم الله لأمره ونهيه.

«أقول عودا على بدء» ، وفي بعض النسخ الاخر : «عودا أو بدءا» والمعنى واحد ، أي أولا وآخرا.

«فإن تعزوه» ، يقال : عزوته إلى أبيه ، أي نسبته إليه ، أي عرفتم نسبه ، «تجدوه أبي».

«صادعا بالنذارة» ، صدعت بالحق : إذا تكلّمت به جهارا قال الله تعالى : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) (٣) والنذارة ـ بالكسر ـ : الإنذار ، وهو الإعلام على وجه التخويف.

«آخذا بأكظامهم» ، الكظم ـ بالتحريك ـ مخرج النفس من الحلق ، وهو كناية عن مزيد التمكن ، وأنه لا يبالي بكثرتهم واجتماعهم.

__________________

(١) كشف الغمة ٢ : ١١٠.

(٢) بحار الأنوار ٢٩ : ٢٥٦ ـ ٢٥٧.

(٣) الحجر : ٩٤.

٣٦٥

«نهزة الطامع ، ومذقة الشارب ، وقبسة العجلان» ، النّهزة ـ بالضم ـ : الفرصة ، أي محلّ نهزته. والمذقة ـ بضم الميم أو فتحها ـ : الشربة من اللبن الممزوج بالماء.

والقبسة ـ بالضم ـ : شعلة من نار يقتبس من معظمها ، والمراد : أنّكم كنتم أذلّاء قليلين يتخطّفكم الناس بسهولة.

«تشربون الطّرق ، وتقتاتون الورق» ، الطرق ـ بالفتح ـ : ماء السماء الذي تبول فيه الإبل وتبعر. والورق ـ بالتحريك ـ : ورق الشجر ، وفيه وصف لهم بخباثة المشرب وجشوبة المأكل.

«بعد اللتيا والتي» ، اللتيّا ـ بفتح اللام وتشديد الياء ـ : تصغير (التي) ، وجوّز بعضهم (١) فيه ضم اللام ، وهما كنايتان عن الداهية الصغيرة والكبيرة.

«وبعد أن مني بهم الرجال وذؤبان العرب ومردة أهل الكتاب» ، يقال : مني بكذا ـ على صيغة المجهول ـ : أي ابتلي. وبهم الرجال ـ كـ (صرد) ـ : الشجعان منهم ؛ لأنهم لشدة بأسهم لا يدرى من أين يؤتون. وذؤبان العرب : لصوصهم وصعاليكهم الذين لا مال (٢) لهم ولا اعتماد عليهم. والمردة : العتاة والمتكبرون.

«أو نجم قرن للشيطان ، أو فغرت فاغرة للمشركين ، قذف أخاه في لهواتها» ، نجم الشي‌ء ـ كـ (نصر) نجوما : ظهر وطلع. وقرن الشيطان قال في (القاموس) : (وقرن الشيطان وقرناؤه : امتّه والمتبعون لرأيه ، أو قوّته وانتشاره وتسلّطه) (٣).

وفغر فاه أي فتحه. وفغرفوه أي انتفح ، يتعدّى ولا يتعدى. والفاغرة من المشركين : الطائفة العادية منهم تشبيها بالحيّة أو السبع. والقذف : الرمي ، ويستعمل في الحجارة. واللهوات : جمع [لهاة] (٤) ، وهي اللحمة في أقصى سقف الفم.

__________________

(١) انظر لسان العرب ١٢ : ٢٣٤ ـ لتا.

(٢) من «ح» ، وفي «ق» : يقال.

(٣) القاموس المحيط ٤ : ٣٦٥ ـ القرن.

(٤) في النسختين : لها.

٣٦٦

والمعنى : أنه كلّما قصده طائفة من المشركين أو عرضت له داهية بعث عليّا عليه‌السلام لدفعها وعرّضه للمهالك.

«فلا ينكفئ حتى يطأ صماخها بأخمصه» ، انكفأ ـ بالهمزة ـ أي رجع. والصّماخ ـ بالكسر ـ : خرق الاذن ؛ والاذن نفسها ، كما في (القاموس) (١) ؛ والأخمص : ما لا يصيب الأرض من باطن القدم عند المشي ، ووطئ الصماخ بالأخمص كناية عن القهر والغلبة على أبلغ وجه.

ونحوه قولها : «ويطفئ عادية لهبها بسيفه».

«مكدودا في ذات الله» ، الكدّ : التعب. وذات الله : أمره ودينه وكلّ ما يتعلق به سبحانه.

«آمنون فاكهون وادعون» قال الجوهري : (الفكاهة ـ بالضم ـ : المزاح ، و ـ بالفتح ـ : مصدر فكه الرجل ، إذا كان طيّب النفس مزّاحا) (٢). وقال : (الدعة : الخفض ، تقول : ودع الرجل فهو وديع ، أي ساكن) (٣). والمعنى : أنّكم آمنون ناعمون في راحة وسلامة.

«ظهرت حسيكة النفاق ، وسمل جلباب الدين» ، الحسيكة : [الضغن] (٤) ، قال الجوهري : (وقولهم : في صدره عليّ حسيكة وحساكة ، أي ضغن وعداوة) (٥).

وسمل الثوب ـ كـ (نصر) ـ صار خلقا ؛ والجلباب ـ بالكسر ـ الملحفة ، وقيل : (ثوب واسع للمرأة غير الملحفة) (٦) ، وقيل : (هو كالمقنعة تغطي به المرأة رأسها وظهرها وصدرها) (٧).

__________________

(١) القاموس المحيط ١ : ٥٢١ ـ الصماخ.

(٢) الصحاح ٦ : ٢٢٤٣ ـ فكه.

(٣) الصحاح ٣ : ١٢٦٥ ـ ودع.

(٤) في النسختين : النفاق.

(٥) الصحاح ٤ : ١٥٧٩ ـ حسك.

(٦) القاموس المحيط ١ : ١٧٣ ـ جلباب.

(٧) لسان العرب ٢ : ٣١٧ ـ جلب.

٣٦٧

«ونطق كاظم الغاوين ، ونبغ خامل الأقلين ، وهدر فنيق المبطلين» ، الكظوم : السكوت. ونبغ الشي‌ء ـ كـ (منع) و (نصر) ـ أي ظهر. والخامل : من خفي ذكره وصوته وكان ساقطا لا نباهة له. والمراد بالأقلين : الأذلّون.

وفي رواية (الكشف) : «فنطق كاظم ، ونبغ خامل ، وهدر فينق (١) الكفر» (٢).

والهدر : ترديد البعير صوته في حنجرته. والفنيق ـ بالفاء ثمّ النون ثمّ الياء ثمّ القاف ـ الفحل المكرّم من الإبل الذي لا يركب ولا يهان ؛ لكرامته على أهله.

«وأحمشكم فوجدكم (٣) غضابا». أحمشت الرجل ـ بالحاء المهلة ـ : أغضبته.

والمعنى : حملكم الشيطان على الغضب فوجدكم مغضبين لغضبه أو من عند أنفسكم.

«ثم لم تلبثوا إلّا ريث أن تسكن نفرتها ويسلس قيادها» ، ريث ـ بالفتح ـ : بمعنى قدر ، وهي كلمة يستعملها أهل الحجاز كثيرا ، وربّما يستعمل مع (ما) يقال : لم يلبث إلّا ريثما فعل كذا. ونفرة الدابة : ذهابها وعدم (٤) انقيادها. والسلس ـ بكسر اللام ـ : السهل اللين الانقياد ، وضمير المؤنث يرجع إلى فتنة وفاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ أي لم تصبروا إلى ذهاب أثر تلك المصيبة.

«وتسرّون حسوا في ارتغاء ، وتمشون لأهله وولده (٥) في الخمر والضراء ، ونصبر منكم على مثل حزّ المدى ووخز السنان في الحشا» ، الإسرار : ضد الإعلان. والحسو ـ بفتح الحاء وسكون السين المهملتين ـ : شرب المرق وغيره شيئا بعد شي‌ء.

والارتغاء : شرب الرغوة ، وهو زبد اللبن ، قال الجوهري : (الرغوة ـ مثلثة ـ : زبد

__________________

(١) في «ح» : فسق.

(٢) كشف الغمة ٢ : ١١١.

(٣) كذا في النسختين ، والذي أورده المصنّف في الحديث آنفا ، وورد في المصدر أيضا : فألفاكم. نعم ، ورد بذلك اللفظ في كشف الغمة ٢ : ١١١.

(٤) من «ح» ، وفي «ق» : لعدم.

(٥) من «ح».

٣٦٨

اللبن .. وارتغيت : شربت الرغوة. وفي المثل : يسرّ حسوا في ارتغاء ، يضرب لمن يظهر أمرا ويريد غيره) (١).

قال أبو زيد والأصمعي : (أصله الرجل يؤتى باللبن فيظهر أنه يريد الرغوة خاصة ولا يريد غيرها فيشربها ، وهو في ذلك ينال من اللبن ، يضرب لمن يريك أنه يعينك وإنّما يجر النفع إلى نفسه) (٢).

والخمر ـ بالتحريك ـ : ما واراك من شجر وغيره ، يقال : توارى الصيد عنّي في خمر الوادي. ومنه قولهم : دخل فلان في خمار الناس ـ بالضم ـ أي ما يواريه منهم. والضّراء ـ بالضاد المفتوحة والراء المخففة ـ : الشجر الملتف في الوادي ، ويقال لمن ختل صاحبه وخادعه : يدبّ له الضراء ويمشي له الخمر.

وقال الميداني : (قال ابن الأعرابي : الضراء : ما انخفض من الأرض) (٣).

والحز ـ بفتح الحاء المهملة ـ : القطع ، أو قطع الشي‌ء من غير إبانة. والمدى ـ بالضم ـ : جمع (مدية) ، وهي السكين والشفرة. والوخز : الطعن بالرمح ونحوه لا يكون نافذا.

«فدونكها مخطومة مرحولة» قال بعض مشايخنا : (الضمير راجع إلى فدك المدلول عليه بالمقام والأمر بأخذها للتهديد .. شبّهتها عليها‌السلام ـ في كونها مسلّمة له ، لا يعارضه في أخذها أحد (٤) ـ بالناقة المنقادة المهيأة للركوب (٥)) (٦).

أقول : من المحتمل قريبا ـ بل لعلّه الأقرب ـ أن الضمير إنما هو للخلافة ، فإن إشارات الخطبة وعباراتها كلّها إنّما ترجع إلى ذلك ، وهذا الحمل أنسب بقولها عليها‌السلام : «تلقاك يوم حشرك».

__________________

(١) الصحاح ٦ : ٢٣٦٠ ـ رغا.

(٢) مجمع الأمثال ٣ : ٥٢٥ / ٤٦٨٠.

(٣) مجمع الأمثال ٣ : ٥٢٤ / ٤٦٧٦.

(٤) من «ح» والمصدر.

(٥) من «ح» والمصدر.

(٦) بحار الأنوار ٢٩ : ٢٨٠ ـ ٢٨١.

٣٦٩

والخطام ـ بالكسر ـ كلّ ما يوضع في أنف البعير ليقاد به. والرّجل ـ بالفتح ـ للناقة كالسرج للفرس.

«أنباء وهنبثة» ، قال في (النهاية) : (الهنبثة : واحدة الهنابث ، وهي الامور الشداد المختلفة ، والهنبثة : الاختلاط في القول). وذكر في الكتاب المذكور أن فاطمة عليها‌السلام قالت بعد موت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «قد كان بعدك أنباء» وذكر البيتين (١).

«ما هذه الفترة عن نصرتي والسّنة عن ظلامتي» ، «الفترة» ـ بالفاء المفتوحة والتاء الساكنة ـ وهو السكون. و «السّنة» ـ بالكسرة ، مصدر (وسن يوسن) كـ (علم يعلم) ، وسنا وسنة : أول النوم أو النوم الخفيف ، والهاء عوض عن الواو. والظلامة ـ بالضم ـ كالمظلمة ـ بالكسر ـ : ما أخذه الظالم منك فتطلبه عنده.

«سرعان ما أحدثتم ، وعجلان ما أتيتم» ، سرعان ـ مثلثة السين ـ وعجلان ـ بفتح العين ـ : كلاهما من أسماء الأفعال ، بمعنى (سرع) و (عجل) ، وفيهما معنى التعجّب ، أي ما أسرع وأعجل! «استوسع وهيه ، واستنهر فتقه» ، الوهي ـ كالرمي ـ : الشق والخرق ، يقال : وهى الثوب إذا بلي وتخرق. واستنهر ـ استفعل ـ : من النهر بالتحريك قال في (القاموس) : (والنهر ـ محركة ـ : السعة) (٢). وحينئذ ، فالمراد : أي اتسع فتقه ، والفتق : الشق ، والضميران يرجعان إلى الخطب.

«وأكدت الآمال ، واضيع بعده الحريم ، وهتكت الحرمة ، واذيلت المصونة» ، يقال : أكدى فلان : إذا بخل وقلّ خيره. وحريم الرجل : ما يحميه ويقاتل عنه ، والحرمة : ما لا يحلّ انتهاكه. والإذالة : الإهانة قال في (القاموس) : (وأذلته :

__________________

(١) النهاية في غريب الحديث والأثر ٥ : ٢٧٧ ـ ٢٧٨ ـ هنبث.

(٢) القاموس المحيط ٢ : ٢١١ ـ النهر.

٣٧٠

أهنته ، ولم أحسن القيام عليه) (١) انتهى.

وفي الحديث : «نهى عن إذالة الخيل» (٢) ، أي امتهانها.

«أيها بني قيلة» ـ بفتح الهمزة والتنوين ـ : بمعنى هيهات. وبنو قيلة : الأوس والخزرج قبيلتا الأنصار ، وقيلة ـ بالفتح ـ : اسم أم لهم قديمة ، بالقاف ثمّ الياء المثناة من تحت ، وهي قيلة بنت كاهل (٣).

«بادهتم الامور ، وكافحتم البهم» قال في (القاموس) : (بدهه بأمر : استقبله به ، أو بدأه به ، وبادهه به مبادهة وبداها : فاجأه به) (٤). والمراد هنا : الكناية عن ممارسة الامور ومزاولتها. والبهم : الشجعان. والمكافحة : التعرض لدفعها.

«أن قد أخلدتم إلى الخفض ، وركنتم إلى الدعة» ، أخلد إليه : ركن ومال. والخفض ـ بالفتح ـ سعة العيش ؛ والدعة : الراحة والسكون.

«ودسعتم الذي سوّغتم» ، والدسع ـ كالمنع ـ : الدفع والقي‌ء ، وساغ الشراب ـ يسوغ سوغا ـ : إذا سهل مدخله في الحلق.

«بالخذلة التي خامرتكم ، وخور القنا» «الخذلة» : ترك النصر. و «خامرتكم» : أي خالطتكم. والخور ـ بالفتح والتحريك ـ : الضعف. و «القنا» : جمع قناة ، وهي الرمح.

ولعلّ المراد بـ «خور القنا» : ضعف ما يعتمد عليه في النصر على العدو.

«فدونكموها فاحتقبوها ، دبرة الظهر ، ناقبة الخف ، باقية العار» ، الحقب ـ بالتحريك ـ : حبل يشدّ به الرحل إلى بطن البعير. يقال : احقبت الرحل ، أي شددته

__________________

(١) القاموس المحيط ٣ : ٥٥٧ ـ الذيل.

(٢) النهاية في غريب الحديث والأثر ٢ : ١٧٥ ـ ذيل ، وفيه : بات جبريل يعاتبني في إذالة الخيل.

(٣) النهاية في غريب الحديث والأثر ٤ : ١٣٤ ـ قيل.

(٤) القاموس المحيط ٤ : ٤٠٠ ـ بدهه.

٣٧١

به. قال بعض مشايخنا ـ عطّر الله مراقدهم ـ : (الأنسب في هذا المقام : أحقبوها ـ بصيغة الإفعال ـ أي شدّوا عليها ذلك وهيئوها للركوب ، ولكن فيما وصل إلينا من الروايات على بناء الافتعال) (١).

والدبر ـ بالتحريك ـ : الجرح في ظهر البعير. النّقب ـ بالتحريك ـ : رقة خفّ البعير.

__________________

(١) بحار الأنوار ٢٩ : ٣٠٠.

٣٧٢

في خطبتها عليها‌السلام عند موتها

خطبة اخرى لها ـ صلوات الله عليها ـ عند موتها ، نقلها الجوهري أيضا في كتاب (السقيفة) (١).

قال الشيخ عزّ الدين بن أبي الحديد في (شرح النهج) : (قال أبو بكر : وحدّثنا محمد بن زكريا). ثمّ ساق سنده إلى عبد الله بن حسن بن الحسن عن امه فاطمة بنت الحسين عليه‌السلام : (قالت : لمّا اشتدّ بفاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الوجع) ، وثقلت في علّتها اجتمع عندها نساء من نساء المهاجرين والأنصار ، فقلن لها : كيف أصبحت يا بنت رسول الله؟ قالت : «أصبحت والله عائفة لدنياكم ، قالية لرجالكم ، لفظتهم بعد أن عجمتهم ، وشنئتهم بعد أن سبرتهم ، فقبحا لفلول الحدّ وخور القنا وخطل الرأي ، وبئسما (قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ) (٢). لا جرم قد (٣) قلّدتهم ربقتها (٤) ، وشنّت عليهم غارتها ، فجدعا وعقرا ، وسحقا للقوم الظالمين.

ويحهم! أين زحزحوها عن رواسي الرسالة وقواعد النبوة ومهبط الوحي الأمين ، والظنينين (٥) بأمر الدنيا والدين؟! ألا ذلك هو الخسران المبين. وما الذي نقموا من أبي الحسن؟ نقموا منه ـ والله ـ نكير سيفه وشدّة وطأته ، ونكال وقعته ، وتنمّره في ذات الله ، ولو تكافّوا عن زمام نبذه إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لاعتقله ، وسار بهم (٦) سيرا سجحا ، لا

__________________

(١) السقيفة وفدك : ١١٧ ـ ١١٨.

(٢) إشارة إلى الآية : ٨٠ ، من سورة المائدة.

(٣) في «ح» : لقد.

(٤) من «ح» والمصدر ، وفي «ق» : رتقها.

(٥) في المصدر : والطبين.

(٦) في المصدر : ولسار إليهم.

٣٧٣

يكلم حشاشه ، ولا يتعتع راكبه ، ولأوردهم منهلا نميرا [فضفاضا] (١) تطفح ضفتاه ، ولأصدرهم بطانا ، قد تحيّر بهم [الرأي] (٢) [غير متحلّ بطائل ، إلّا بغمر الناهل ، وردعه سورة الساغب ولفتحت عليهم بركات من السماء والأرض ، وسيأخذهم الله بما كانوا يكسبون. ألا هلم فاستمع ، وما عشت أراك الدهر عجبه ، وإن تعجب فقد أعجبك الحادث ، إلى أي لجأ استندوا ، وبأي عروة تمسكوا ، لبئس المولى ولبئس العشير ، ولبئس للظالمين بدلا ، استبدلوا والله الذّنابى بالقوادم ، والعجز بالكاهل ، فرغما لمعاطس قوم يحسبون أنهم يحسنون صنعا (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ) (٣).

ويحهم! (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (٤).

أما لعمر الله لقد لقحت ، فنظرة ريثما تنتج ، ثم احتلبوها طلاع العقب دما عبيطا وذعاقا ممقرا هنالك (يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ) (٥) ، ويعرف التالون غبّ ما أسس الأولون. ثم طيبوا عن أنفسكم نفسا ، واطمئنوا للفتنة جأشا ، وابشروا بسيف صارم ، وهرج شامل ، واستبداد من الظالمين يدع فيئكم زهيدا ، وجمعكم حصيدا ، فيا حسرة عليكم ، وأنّى لكم وقد عمّيت عليكم؟ (أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ) (٦) ، والحمد الله رب العالمين ، وصلاته على محمد خاتم النبيين ، وسيد المرسلين] (٧)» (٨).

__________________

(١) من المصدر ، وفي النسختين : فضاضا.

(٢) من المصدر ، وفي «ق» : الري ، وفي «ح» : الرمي.

(٣) البقرة : ١٢.

(٤) يونس : ٣٥.

(٥) إشارة إلى الآية : ٧٨ ، من سورة : غافر.

(٦) هود : ٢٨.

(٧) ليست في «ح» ، وفي مصوّرة «ق» فقرة كاملة غير واضحة الكلمات ، وقد نقلناها من شرح نهج البلاغة. ويؤيده شرح ألفاظ الخطبة حيث نقل في الشرح عين الألفاظ الواردة في النص المضاف من شرح نهج البلاغة إلى المتن.

(٨) شرح نهج البلاغة ١٦ : ٢٣٣.

٣٧٤

أقول : قد روى هذه الخطبة الشريفة أيضا شيخنا الصدوق ـ عطّر الله مرقده ـ في (معاني الأخبار) بسنده إلى محمد بن زكريا الذي روى عنه أبو بكر الجوهري ، ثمّ ساق بقية السند الذي ذكره الجوهري. ورواها بسند آخر إلى علي عليه‌السلام قال : «لمّا حضرت فاطمة عليها‌السلام الوفاة دعتني ، فقالت : أمنفذ أنت وصيّتي وعهدي؟ قلت : بلى انفذها. فأوصت إلي ، وقالت : إذا متّ فادفني ليلا ، ولا تؤذن رجلين ذكرتهما».

قال : «فلمّا اشتدت علّتها اجتمع إليها نساء المهاجرين والأنصار ، فقلن : كيف أصبحت يا بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله» (١) الحديث.

ثمّ قال شيخنا الصدوق رحمه‌الله : (قال مصنّف هذا الكتاب رحمه‌الله : سألت أبا أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري عن معنى هذا الحديث ، فقال : أمّا قولها ـ صلوات الله عليها ـ : «عائفة» ، العائفة : الكارهة ، يقال : عفت الشي‌ء ، إذا كرهته ، أعافه. والقالية : المبغضة ، يقال : قليت فلان ، إذا أبغضته. وفي كتاب الله عزوجل : (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى) (٢).

وقولها : «لفظتهم» ، هو طرح الشي‌ء من الفم ؛ كراهة له.

وقولها : «بعد أن أعجمتهم (٣)». يقال : عجمت الشي‌ء ، إذا عضضت عليه ، وعود معجوم : إذا عضّ.

«وشنئتهم» : أبغضتهم ، والاسم منه الشنآن.

وقولها : «سبرتهم» ، أي امتحنتهم.

وقولها : «وقبحا لفلول الحدّ ..» ، يقال : سيف مفلول ، إذا انثلم حدّه. والخور :

__________________

(١) معاني الأخبار : ٣٥٥ ـ ٣٥٦ / ذيل الحديث : ١ ، باب معاني قول فاطمة عليها‌السلام.

(٢) الضحى : ٣.

(٣) كذا في النسختين ، والذي أورده المصنّف في الحديث : عجمتهم ، وهو الموافق للمصدر.

٣٧٥

الضعف ، والخطل : الاضطراب.

وقولها : «لقد قلّدتهم ربقتها» ، الربقة : ما يكون في عنق الغنم وغيرها من الخيوط ، والجمع : الربق.

«وشنّت» ، يقال : شننت الماء ، إذا صببته.

و «جدعا» : اسم من جدع الأنف.

«وعقرا» ، من قولك : عقرت الشي‌ء.

«وسحقا» ، أي بعدا. و «زحزحوها» ، أي نحّوها.

والرواسي : الاصول الثابتة ، وكذلك القواعد. «والظنينين» (١) : العالمين.

«وما نقموا (٢) من أبي الحسن؟» ، أي ما الذي أنكروا عليه؟

«وتنمره» أي غضبه ، يقال : تنمّر [الرجل] ، إذا غضب وتشبه بالنمر.

وقولها : «تكافّوا» ، أي كفوا أيديهم عنه ، والزمام مثل في هذا.

«لاعتلقه» : لأخذه بيده.

والسّجح : السير السهل.

«لا يكلم» لا يجرح ولا يدمى.

والحشاش : ما يكون في أنف البعير من الخشب.

«ولا يتعتع» ، أي لا يكره ولا [يقلق] (٣).

والمنهل : مورد الماء.

والنمير : الماء النامي في الجسد. [والفضفاض] (٤) : الكثير. والضفتان : جانبا النهر.

__________________

(١) في المصدر : والطبين.

(٢) كذا في النسختين والمصدر ، واللفظ الوارد في الحديث آنفا هو : وما الذي نقموا.

(٣) من المصدر ، وفي النسختين : يعلق.

(٤) من المصدر ، وفي النسختين : الفضاض.

٣٧٦

والبطان : جمع بطين ، وهو الريان.

«غير متحلّ منه (١) بطائل» ، أي كان لا يأخذ من مالهم قليلا ولا كثيرا.

«إلّا بغمر الماء» ، أي كان يشرب بالغمر ، والغمر : القدح الصغير.

«وردعة سورة الساغب» ، أي كان يأكل من ذلك قدر ما يردع ثوران الجوع.

«والذنابى» : ما يلي الذنب من الجناح.

و «القوادم» : ما تقدّم منه.

«والعجز» معروف.

والمعاطس : الانوف.

وقولها : «فنظرة» ، أي انتظروا.

«ريثما تنتج» ، تقول : حتّى تلد.

«ثم احتلبوا طلاع القعب» أي مل‌ء القعب. والقعب : العسّ من الخشب.

والدم العبيط : الطري.

والزعاف : السم.

[والممقر] (٢) : المر.

الهرج : القتل.

والزهيد : القليل) (٣) انتهى.

__________________

(١) ليست في المصدر.

(٢) من المصدر ، وفي النسختين : المحقر.

(٣) معاني الأخبار : ٣٥٦ ـ ٣٥٧.

٣٧٧
٣٧٨

(٦٥)

درّة نجفية

في عيسى ويحيى عليهما‌السلام وتقدم أحدهما على الآخر

وجدت بخط بعض الفضلاء الأجلّاء ما صورته : (سؤال للسيد الجليل الأعظم الأفخم جمال الدين أحمد ابن المقدّس السيد زين العابدين : في الحديث : «وأوصى عيسى بن مريم إلى شمعون بن حمّون الصفا ، وأوصى شمعون إلى يحيى بن زكريا» (١). هذا بظاهره ينافي ما في (الكافي) بقوله : علي بن محمد عن بعض أصحابنا عن علي بن الحكم [عن ربيع بن محمد] عن عبد الله بن سليم العامري عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إنّ عيسى بن مريم جاء إلى قبر يحيى بن زكريا ، وكان سأل ربّه أن يحيي يحيى له ، فدعاه فأجابه ، وخرج له من القبر فقال : ما تريد منّي؟ فقال : اريد أن تؤنسني كما كنت في الدنيا ، فقال له : يا عيسى ، ما سكنت عنّي حرارة الموت ، وأنت تريد أن تعيدني [إلى الدنيا] ، وتعود إليّ حرارة الموت؟ فتركه ، فعاد إلى قبره» (٢).

وجه دفع التناقض ـ بما وصل إليه فهم أحمد بن عبد السلام البحراني ، لا زالت فضائلكم مشهورة وبيوتكم بأنوار الإفادة معمورة ـ : على تقدير تسليم الحديثين ، وأنّهما خارجان من آفاق الصدق ، وبازغان من مطالع الحق ، يمكن دفع التنافي المفهوم من ظاهرهما بأن عيسى عليه‌السلام حيث كان باقيا بنشأته الصورية في عالم

__________________

(١) الأمالي (الطوسي) : ٤٤٣ / ٩٩١ ، وفيه : خمّون ، بدل : حمّون ، بحار الأنوار ١٧ : ١٤٨ / ٤٣.

(٢) الكافي ٣ : ٢٦٠ / ٣٧ ، باب نوادر كتاب الجنائز.

٣٧٩

الأفلاك إلى آخر الزمان كانت الوصية الصادرة من عيسى إلى شمعون عليهما‌السلام من عند خروجه بقالبه الصوري إلى السماء ، وسؤاله من ربّه أن يحيي له يحيى بعد وصية شمعون عليه‌السلام (١) إليه ، وشهادته على يد الأشقياء. ولا محذور في ذلك ، بل لو لا ذلك لوقع التنافي في الحديث الثاني بعضه ببعض ، كما يظهر لك أخيرا.

إن قيل : هذا الكلام يخالف الظاهر في الحديث الثاني : أن عيسى بن مريم جاء إلى قبر يحيى بن زكريا ؛ لأنّ الظاهر من ذلك أن وقوع ذلك يوم إذ كان عيسى عليه‌السلام في العالم العنصري قبل عروجه للعالم الفلكي.

فالجواب أنّ عروجه إلى العالم الفلكي غير مانع من ذلك ، فإن المفهوم من الروايات أنه يزور قبور الأنبياء والأئمّة عليهم‌السلام (٢) ، ولا استحالة في ذلك ؛ إذ مجيئه عليه‌السلام لقبور شركائه في النبوة والولاية أقرب مدركا من الحكم بمجي‌ء الأرواح المفارقة لأجسامها في هذه النشأة ، مع ثبوت ذلك بالروايات الصحيحة الصريحة على الظاهر من الحديث أن المجي‌ء إلى القبر مجي‌ء روحاني أو مثاليّ لا صوري.

وكذا إجابة يحيى عليه‌السلام وخروجه من القبر إليه ؛ إذ لو كان ذلك محمولا على هذه النشأة العنصرية والحياة الفانية لم يكن لاستعفاء يحيى عليه‌السلام من العود المتعلّق بالقالب الصوري وجه يركن إليه ، ولم يكن لتعليقه عدم قبوله إلى التعلّق الجسماني بالخوف من حرارة الموت محلّ يعتمد عليه ؛ لأنّ حمله على ظاهره يستدعي وقوع التعلّق الجسماني وحصول المغايرة التي كانت موجودة قبل الموت ، فكيف يتحقّق الاستعفاء ممّا وقع؟ أم كيف يعلّل طلب الاستعفاء بالخوف من لحوق حرارة الموت الذي لا بدّ من وقوعه على تقدير عوده إلى حالته التي

__________________

(١) من عند خروجه .. شمعون ، سقط في «ح».

(٢) كامل الزيارات : ٣٣٤ / ٥٥٨.

٣٨٠