الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام

السيّد سامي البدري

الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام

المؤلف:

السيّد سامي البدري


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: ياسين
الطبعة: ١
ISBN: 964-499-093-5
الصفحات: ٥٢٧

وثب بنو حرب وبنو مروان فابتزّوها وتداولوها ، واستأثروا بها ، وظلموا أهلها ، فأملى الله لهم حيناً ، فلمّا آسفوه (١) انتقم منهم بأيدينا ، وردّ علينا حقّنا ، فأنا السفاح المبيح ، والثائر المبير (٢).

وكان موعوكاً فاشتدت عليه الوعكة ، فجلس على المنبر ولم يستطع الكلام.

فقام عمّه داود بن علي (وكان بين يديه) ، فقال : يا أهل العراق ، إنّا والله ما خرجنا لنحفر نهراً ، ولا لنكنز (لجيناً ولا عقياناً) ، وإنّما أخرجتنا الأنفة من ابتزاز الظالمين حقّنا. ولقد كانت اُموركم تتصل بنا فترمضنا ونحن على فرشنا ، لكم ذمّة الله وذمّة رسوله وذمّة العباس أن نحكم فيكم بما أنزل الله ، ونعمل فيكم بكتاب الله ، ونسير فيكم بسنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. واعلموا أنّ هذا الأمر ليس بخارج عنّا حتّى نسلّمه إلى عيسى بن مريم.

يا أهل الكوفة ، إنّه لم يخطب على منبركم هذا خليفة حقّ إلاّ علي بن أبي طالب وأمير المؤمنين هذا ، فاحمدوا الله الذي ردّ إليكم أموركم. ثمّ نزل.

وقد روى حديث خطبة داود بن علي برواية أخرى ، وهي الأشهر ، قالوا : لمّا صعد أبو العباس منبر الكوفة ، حصر فلم يتكلّم ، فقام داود بن علي ، وكان تحت منبره حتّى قام بين يديه تحته بمرقاة ، فاستقبل الناس ، وقال : أيّها الناس ، إنّ أمير المؤمنين يكره أن يتقدّم قوله فعله ، ولأثر الفعال أجدى عليكم من تشقيق المقال ، وحسبكم كتاب الله تمثلاً فيكم ، وابن عمّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خليفة عليكم. أقسم بالله قسماً برّاً ، ما قام هذا المقام أحد بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أحقّ به من علي بن أبي طالب وأمير المؤمنين هذا ، فليهمس هامسكم ، ولينطق ناطقكم. ثمّ نزل.

ومن خطب داود التي خطب بها بعد قتل مروان :

شكراً شكراً! أظنّ عدو الله أن لن يظفر به ، أرخى له في زمامه حتّى عثر في فضل

__________________

(١) آسفوه : أغضبوه.

(٢) المبير : المهلك ، وقد وردت هذه الخطبة برواية أوسع من هذه في الطبري.

٣٦١

خطامه ، فالآن عاد الحقّ إلى نصابه ، وطلعت الشمس من مطلعها ، وأخذ القوس باريها ، وصار الأمر إلى النزعة (١) ، ورجع الحقّ إلى مستقرّه ، أهل بيت نبيّكم ، أهل الرأفة والرحمة.

وخطب عيسى بن علي بن عبد الله بن العباس ، لمّا قُتل مروان ، فقال : الحمد لله الذي لا يفوته مَنْ طلب ، ولا يعجزه مَنْ هرب ، خدعت والله الأشقر نفسه ، إذ ظنّ أنّ الله ممهله ، ويأبى الله إلاّ أن يتم نوره ولو كره الكافرون. فحتى متى وإلى متى؟! أما والله لقد كرهتهم العيدان (٢) التي افترعوها (٣) ، وأمسكت السماء درها (٤) ، والأرض ريعها (٥) ، وقحل (٦) الضرع ، وحفز الفنيق (٧) ، وأسمل (٨) جلباب الدين ، وأُبطلت الحدود ، وأُهدرت الدماء ، وكان ربّك بالمرصاد ، فدمدم (٩) عليهم ربّهم بذنبهم فسوّاها ، ولا يخاف عقباها ، وملكنا الله أمركم. عباد الله ، لينظر كيف تعملون ، فالشكر الشكر ؛ فإنّه من دواعي المزيد ، أعاذنا الله وإياكم من مضلاّت الأهواء ، وبغتات الفتن ، فإنّما نحن به وله.

لمّا أمعن داود بن علي قتل بني اُميّة بالحجاز قال له عبد الله بن الحسن : يابن عمّي ، إذا أفرطت في قتل أكفائك فمَنْ تباهي بسلطانك؟! وما يكفيك منهم أن يروك غادياً ورائحاً فيما يسرّك ويسوؤهم؟!

كان داود بن علي مثل ببني اُميّة ، يسمل العيون ، ويبقر البطون ، ويجدع الأنوف ، ويصطلم الآذان.

__________________

(١) النزعة : جمع نازع ، وهو الرامي يشدّ إليه السهم ، يريد : رجع الحقّ إلى أهله.

(٢) العيدان : يريد أعواد المنابر.

(٣) وافترعوا : اعتلوها.

(٤) درّها ، أي مطرها.

(٥) الريع : النماء.

(٦) قحل : يبس جلده على لحمه.

(٧) الفنيق : الفحل المكرم لا يؤذي لكرامته ، والحفز : السرعة في المشي.

(٨) أسمل : خلق وبلى.

(٩) دمدم عليهم : طحنهم فأهلكهم.

٣٦٢

وكان عبد الله بن علي بنهر أبي فطرس يصلبهم منكسين ، ويسقيهم النورة والصبر ، والرماد والخل ، ويقطع الأيدي والأرجل. وكان سليمان بن علي في البصرة يضرب الأعناق.

خطب السفاح في الجمعة الثانية بالكوفة ، فقال :

يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ، والله لا أعدكم شيئاً ولا أتوعدكم إلاّ وفيت بالوعد والوعيد ، ولأعملنّ اللين حتّى لا تنفع إلاّ الشدّة ، ولأغمدنّ السيف إلاّ في إقامة حدّ ، أو بلوغ حقّ ، ولأعطينكم حتّى أرى العطية ضياعاً. إنّ أهل بيت اللعنة والشجرة الملعونة في القرآن كانوا لكم أعداء ، لا يرجعون معكم من حالة إلاّ إلى ما هو أشدّ منها ، ولا يلي عليكم منهم والٍ إلاّ تمنيتم مَنْ كان قبله ، وإن كان لا خير في جميعهم ، منعوكم الصلاة في أوقاتها ، وطالبوكم بأدائها في غير وقتها ، وأخذوا المدبر بالمقبل والجار بالجار ، وسلّطوا شراركم على خياركم ، فقد محقّ الله جورهم ، وأزهق باطلهم بأهل بيت نبيّكم ، فما نؤخر لكم عطاء ، ولا نضيع لأحد منكم حقّاً ، ولا نجهزكم في بعث ، ولا نخاطر بكم في قتال ، ولا نبذلكم دون أنفسنا ، والله على ما نقول وكيل بالوفاء والاجتهاد ، وعليكم بالسمع والطاعة. ثمّ نزل.

لمّا صعد السفّاح منبر الكوفة يوم بيعته وخطب الناس ، قام إليه السيد الحميري فأنشده :

دونكموها يا بني هاشمٍ

فجدّدوا من آيها الطامسا (١)

دونكموها لا علا كعبُ

مَن أمسى عليكم مُلكَها نافسا

دونكموها فالبسوا تاجَها

لا تعدموا منكم له لابسا

خلافةُ الله وسلطانُه

وعنصرٌ كان لكم دارسا

قد ساسها من قبلكم ساسةٌ

لم يتركوا رطباً ولا يابسا

__________________

(١) الأبيات في الأغاني ٧ / ٢٤٠ ، طبع الدار.

٣٦٣

لو خُيّر المنبرُ فرسانَه

ما اختار إلاّ منكم فارسا

والملك لو شوور في سائسٍ

لما ارتضى غيركم سائسا

لم يُبقِ عبد الله بالشام من

آل أبي العاص امرأً عاطسا

فلست من أن تملكوها إلى

هبوط عيسى منكم آيسا

ما استوثق الأمر لأبي العباس السفّاح وفد إليه عشرة من أمراء الشام فحلفوا له بالله ، وبطلاق نسائهم ، وبأيمان البيعة بأنّهم لا يعلمون ـ إلى أن قُتل مروان ـ أنّ لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أهلاً ولا قرابة إلاّ بني اُميّة.

وروى أبو الحسن المدائني ، قال : حدّثني رجل قال : كنت بالشام ، فجعلت لا أسمع أحداً يسمّي أحداً أو يناديه : يا علي ، ويا حسن ، أو يا حسين ، وإنّما أسمع معاوية ، والوليد ، ويزيد ، حتّى مررت برجل فاستسقيته ماء ، فجعل ينادي : يا علي ، يا حسن ، يا حسين. فقلت : يا هذا ، إنّ أهل الشام لا يسمّون بهذه الأسماء! قال : صدقت ، إنّهم يسمّون أبناءهم بأسماء الخلفاء ، فإذا لعن أحدهم ولده أو شتمه فقد لعن اسم بعض الخلفاء ، وأنا سمّيت أولادي بأسماء أعداء الله ، فإذا شتمت أحدهم أو لعنته فإنّما ألعن أعداء الله.

كانت أمّ إبراهيم بن موسى بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس اُمويّة من ولد عثمان بن عفان ، قال إبراهيم : فدخلت على جدّي عيسى بن موسى مع أبي موسى ، فقال لي جدّي : أتحبّ بني اُميّة؟ فقال له موسى (أبي) : نعم ، إنّهم أخواله.

فقال : والله لو رأيت جدّك علي بن عبد الله بن العباس يضرب بالسياط ما أحببتهم ، ولو رأيت إبراهيم بن محمد يُكره على إدخال رأسه في جراب النورة لما أحببتهم ، وسأحدّثك حديثاً إن شاء الله أن ينفعك به نفعك : لمّا وجّه سليمان بن عبد الملك ابنه أيوب بن سليمان إلى الطائف وجّه معه جماعة ، فكنت أنا ومحمد بن علي بن عبد الله جدّي معهم ، وأنا حينئذ حديث السنّ ، وكان مع أيوب مؤدّب له يؤدّبه ، فدخلنا عليه

٣٦٤

يوماً أنا وجدّي ، وذلك المؤدّب يضربه ، فلمّا رآنا الغلام ، أقبل على مؤدّبه فضربه ، فنظر بعضنا إلى بعض ، وقلنا : ما له قاتله الله؟! حين رآنا كره أن نشمت به ، ثمّ التفت أيوب إلينا ، فقال : ألا أخبركم يا بني هاشم بأعقلكم وأعقلنا؟!

أعقلنا مَنْ نشأ منّا يبغضكم ، وأعقلكم مَنْ نشأ منكم يبغضنا ،

وعلامة ذلك أنّكم لم تسمّوا بمروان ، ولا الوليد ، ولا عبد الملك ،

ولم نسمِّ نحن بعلي ولا بحسن ولا بحسين (١).

خطب أبو مسلم بالمدينة في السنّة التي حجّ فيها في خلافة السفّاح ، فقال : الحمد لله الذي حمد نفسه ، واختار الإسلام ديناً لعباده ، ثمّ أوحى إلى محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من ذلك ما أوحى ، واختاره من خلقه ، نفسه من أنفسهم ، وبيته من بيوتهم ، ثمّ أنزل عليه في كتابه الناطق الذي حفظه بعلمه ، وأشهد ملائكته على حقّه ، قوله : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٢) ، ثمّ جعل الحقّ بعد محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله في أهل بيته ، فصبر مَنْ صبر منهم بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على اللأواء والشدّة ، وأغضى على الاستبداد والأثرة. ثمّ إنّ قوماً من أهل بيت الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، جاهدوا على ملّة نبيّه وسنّته بعد عصر من الزمان مَنْ عمل بطاعة الشيطان وعداوة الرحمن ، بين ظهراني قوم آثروا العاجل على الآجل ، والفاني على الباقي ، إن رتق جور فتقوه ، أو فتق حقّ رتقوه ، أهل خمور وماخور (٣) ، وطنابير (٤) ومزامير ، إن ذكّروا لم يذكروا ، أو قدّموا إلى الحقّ أدبروا ، وجعلوا الصدقات في الشبهات ، والمغانم في المحارم ، والفيء في الغي. هكذا كان زمانهم ، وبه كان يعمل سلطانهم ، وزعموا أنّ غير آل محمد أولى بالأمر منهم ،

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ٧ / ١٦٠.

(٢) سورة الأحزاب / ٣٣.

(٣) الماخور : بيت الريبة.

(٤) والطنابير : جمع طنبور ، وهو آلة من آلات الطرب ، ذو عنق طويل ، وستة أوتار من نحاس.

٣٦٥

فلِمَ وبِمَ أيّها الناس؟! ألكم الفضل بالصحابة دون ذوي القرابة؟ الشركاء في النسب ، والورثة في السلب (١) مع ضربهم على الدين جاهلكم ، وإطعامهم في الجدب جائعكم. والله ، ما اخترتم من حيث اختار الله لنفسه ساعة قط ، وما زلتم بعد نبيّه تختارون تيميّاً مرّة ، وعدويّاً مرّة ، واُمويّاً مرّة ، وأسديّاً مرّة ، وسفيانيّاً مرّة ، ومروانيّاً مرّة ، حتّى جاءكم مَنْ لا تعرفون اسمه ولا بيته ، يضربكم بسيفه ، فأعطيتموها عنوة وأنتم صاغرون. ألا إنّ آل محمد أئمّة الهدى ، ومنار سبيل التقى ، القادة الذادة السادة ، بنو عمّ رسول الله ، ومنزل جبريل بالتنزيل. كم قصم الله بهم من جبار طاغ ، وفاسق باغ. شيّد الله بهم الهدى ، وجلا بهم العمى ، لم يسمع بمثل العباس ، وكيف لا تخضع له الأمم لواجب حقّ الحرمة؟ أبو رسول الله بعد أبيه ، وإحدى يديه ، وجلدة بين عينيه. أمينه يوم العقبة ، وناصره بمكة ، ورسوله إلى أهلها ، وحاميه يوم حنين عند ملتقى الفئتين ، لا يخالف له رسماً ، ولا يعصي له حكماً ، إنّ في هذا أيّها الناس لعبرة لأولي الأبصار باستدراج الله إيّاهم آمنين مكره ، مطرحين صيانة الخلافة ، مستخفين بحقّ الرياسة ، ضعيفين عن رسوم السياسة ، فسلبهم الله العزّة ، وألبسهم الذلّة ، وأزال عنهم النعمة.

وقد جاءنا في بعض الروايات أنّ السفّاح لمّا أراد أن يقتل القوم الذين انضمّوا إليه من بني اُميّة جلس يوماً على سرير بهاشمية الكوفة (٢) ، وجاء بنو اُميّة وغيرهم من بني هاشم والقوّاد والكتّاب ، فأجلسهم في دار تتصل بداره ، وبينه وبينهم ستر مسدول ، ثمّ أخرج إليهم أبا الجهم بن عطية وبيده كتاب ملصق ، فنادى بحيث يسمعون : أين رسول الحسين بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام؟ فلم يتكلّم أحد. فدخل ثمّ خرج ثانية فنادى : أين رسول زيد بن علي بن الحسين؟ فلم يجبه أحد. فدخل ثمّ خرج ثالثة فنادى : أين رسول يحيى بن زيد بن علي؟ فلم يردّ أحد عليه. فدخل ثمّ خرج رابعة فنادى : أين رسول

__________________

(١) السلب : ما يسلب.

(٢) هاشمية الكوفة : مدينة بناها السفّاح.

٣٦٦

إبراهيم بن محمد الإمام؟ والقوم ينظر بعضهم إلى بعض ، وقد أيقنوا بالشرّ ، ثمّ دخل وخرج ، فقال لهم : إنّ أمير المؤمنين يقول لكم : هؤلاء أهلي ولحمي ، فماذا صنعتم بهم؟ ردّوهم إليَّ ، أو فأقيدوني من أنفسكم. فلم ينطقوا بحرف ، وخرجت الخراسانية بالأعمدة فشدخوهم عن آخرهم (١).

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ٧ / ١٦٤.

٣٦٧

الفصل الثالث : إعادة انتشار أحاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في أهل بيته عليهم‌السلام والروايات الصحيحة في السيرة والتاريخ

تحقق أهداف الحسين عليه‌السلام :

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ) (الصف / ١٤).

قال الحسين عليه‌السلام يوم عاشوراء :

اللّهمّ إن كنتَ حَبَسْتَ عنّا النصر ، فاجعلْ ذلك لما هو خير في العاقبة ، وانتقم لنا من القوم الظالمين (١).

شاء الله أن يحبس النصر عن الحسين عليه‌السلام ، فيُسْجَنَ أنصاره في الكوفة ، ويُقتل مسلم وهانئ ، ثمّ يُحاصر هو وأهل بيته وأنصاره ، ويُقتل مظلوماً مدافعاً عن نفسه وعياله ، ويُقتل معه أهل بيته وأنصاره الذين بايعوه على النصرة بين يديه ، وقد ضربوا أروع المثل في الوفاء ، ثمّ سيقت الرؤوس ونساء الحسين عليه‌السلام سبايا إلى الكوفة ثمّ إلى الشام.

__________________

(١) الطبقات ١ / ٤٧١.

٣٦٨

وفي قبال ذلك استوسق الملك ليزيد ، وصفا له الجو سنتان إلاّ سبعاً وثلاثين يوماً بعد قتل الحسين (١).

وظاهر ذلك أنّ الحسين عليه‌السلام قد فشل في تحقيق ما كان يستهدفه من هدف.

فهل كان الأمر كذلك؟ أم أنّ الحسين عليه‌السلام كان قد نجح كلّ النجاح في حركته ، وتحقّق له هدفه في حركته تلك ، واستجيبَ دعاؤه بأن يكون الخير كلّ الخير في عاقبة الحركة التي بدأها وقتل من أجلها ، مضافاً إلى انتقام الله له من الظالمين؟

ونرى من الضروري قبل الإجابة على السؤال أن نستذكر الأمر الذي استهدفه من حركته ، ودفع الحسين عليه‌السلام حياته ثمناً له ، وهو قضيتان :

القضية الأولى :

كسر الطوق المفروض على الحديث النبوي الصحيح في أهل بيته عليهم‌السلام ، وبيان عظيم منزلتهم عند الله ورسوله ، والحديث النبوي الصحيح في توهين بني اُميّة ، وكذلك الحديث الصحيح في السنن والأحكام التي خالفها الخلفاء بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ انتشار تلك الأحاديث من جديد ليأخذ أهل البيت عليهم‌السلام مقامهم في المجتمع بوصفهم أئمّة هدى منصوص عليهم ؛ ليتمكّنوا من نشر حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي كتبه علي عليه‌السلام بيده ، ثمّ ليلتفّ حولهم ويواليهم ، ويأخذ عنهم معالم الدين مَنْ شاء أن يفعل ذلك دون حرج أو خوف.

القضية الثانية :

إفهام المسلمين جميعاً أنّ طاعة بني اُميّة ليست من الدين في شيء بل على العكس من ذلك ؛ فإنّ الدين يدعو إلى البراءة منهم ، والوقوف بوجههم ، ومجاهدتهم والإطاحة بهم.

ونحن حين ننظر إلى مجريات الحوادث في الواقع التاريخي خلال سبعين سنة بعد قتل الحسين عليه‌السلام ، نجد أنّ كلا القضيتين قد حقّق الحسين عليه‌السلام بداياتها الأساسية في الشهور

__________________

(١) قتل الحسين عليه‌السلام في ١٠محرّم سنة ٦١ هجرية ، وكانت وقعة الحرّة في الثالث من ذي الحجّة سنة ٦٣ هجرية.

٣٦٩

الخمسة من تصدّيه المعلن ، الذي انتهى بشهادته المرتقبة من قِبَله ومن قِبَل الأمّة ، ثمّ جعل الله تعالى شهادة الحسين عليه‌السلام وظلامته أوسع الأبواب لتتحرّك تلك البدايات باتّجاه تحقيق تينك القضيتين بأتمّ درجة مرجوّة. وفيما يلي بيان مختصر عن ذلك ونفضّل البدء بالحديث عن القضية الثانية أوّلاً :

تفهيم الأمّة أنّ الدّين يدعو إلى الإطاحة ببني اُميّة :

يتّضح تحقّق هذا الهدف من معرفة حال حركة الأمّة ، ووضع الدولة الاُمويّة خلال السنوات السبعين التي تلت قتل الحسين عليه‌السلام.

لقد كان حال الأجيال الجديدة آنذاك ـ وهم أكثرية الأمّة ـ قبل حركة الحسين عليه‌السلام هو التأثر بالضلال الأموي ، ومن ثمّ التعامل مع الحاكم الأموي على أنّه خليفة الله وحجّته ، وأنّ طاعته هي الدين ، ومن هؤلاء مَنْ هو رعية ، ومنهم مَنْ هو في الجيش والشرطة والإدارة.

ونموذج هذا القسم الثاني شمر بن ذي الجوشن ، إذ كان يدعو الله بعد الصلاة ليغفر له ، فيقول له صاحبه : كيف يغفر لك وقد أعنت على قتل ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟! قال : ويحك! فكيف نصنع؟ إنّ أمراءنا هؤلاء أمرونا بأمر فلم نخالفهم ، ولو خالفناهم كنّا شرّاً من هذه الحمر الشقاء (١) ، (يريد إنّ معصية خليفة الله توجب النار).

وأمّا حال الأجيال السابقة فإنّ أكثرهم يفهم الانحراف على أنّه تعطيل الأحكام والاستئثار بالفيء ، غير أنّهم يخشون صولة النظام وبطشه ، وقلّة منهم ـ وهم شيعة علي الذين صبَّ النظام الأموي جام غضبه عليهم ـ يفهمون أنّ الذي يجري إنّما هو محق لرسالة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وبإزاء هذا الوضع ليس من راية للتغيير ، أو ثائر على النظام إلاّ الخوارج ، وهؤلاء لا يتعاطف معهم أحد ؛ لأنّهم يكفِّرون كلّ الناس من جهة ، ويبادئون الأبرياء بالقتال من جهة

__________________

(١) لسان الميزان (ترجمة شمر بن ذي الجوشن).

٣٧٠

أخرى. هذا مضافاً إلى أنّ النظام الأموي كان قد تبنّى نشر أحاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله التي تدين الخوارج الذين خرجوا على علي عليه‌السلام خاصة في النهروان ، وترفع من شأن مَنْ يقاتلهم مع حذف ما يرتبط بعلي عليه‌السلام بصفته المحور في تلك الأحاديث ، وجعلها أحاديث عامّة موجّهة إلى كلّ مَنْ يخرج على الخليفة (١).

__________________

(١) من قبيل ما رواه البخاري في المختصر ٦ / ٣٥٤١ قال : حدّثنا موسى بن إسماعيل ، حدّثنا عبد الواحد ، حدّثنا الشيباني ، حدّثنا يسير بن عمر ، وقال : قلت لسهل بن حنيف : هل سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول في الخوارج شيئاً؟ قال : سمعته يقول ـ وأهوى بيده قبل العراق ـ : «يخرج منه قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية». وما رواه الطبراني في المعجم الكبير ٨ / ٢٦٨ قال : حدّثنا بشر بن موسى ، ثنا الحميدي ، ثنا سفيان ، ثنا أبو غالب قال : رأيت أبا اُمامة الباهلي أبصر رؤوس الخوارج على درج دمشق ، فقال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : كلاب أهل النار! كلاب أهل النار! كلاب أهل النار! ثمّ بكى وقال : شرّ قتلى تحت أديم السماء ، وخير قتلى مَنْ قتلوه. والرواية الأولى محرّفة بالنقيصة ، والثانية محرّفة بالزيادة. أمّا أصل الرواية فهي ما رواه أبو داود في سننه ٤ / ٢٤٤ قال : حدّثنا الحسن بن علي عليه‌السلام ، ثنا عبد الرزاق ، عن عبد الملك بن أبي سليمان ، عن سلمة بن كهيل قال : أخبرني زيد بن وهب الجهني أنّه كان في الجيش الذين كانوا مع علي عليه‌السلام الذين ساروا إلى الخوارج ، فقال علي عليه‌السلام : «أيّها الناس ، إنّي سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : يخرج قوم من أمّتي يقرؤون القرآن ، ليست قراءتكم إلى قراءتهم شيئاً ، ولا صلاتكم إلى صلاتهم شيئاً ، ولا صيامكم إلى صيامهم شيئاً ، يقرؤون القرآن يحسبون أنّه لهم وهو عليهم ، لا تجاوز صلاتهم تراقيهم ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ، لو يعلم الجيش الذين يصيبونهم ما قضي لهم على لسان نبيّهم صلى‌الله‌عليه‌وآله لنكلوا على العمل. وآية ذلك أنّ فيهم رجلاً له عضد وليست له ذراع على عضده ، مثل حلمة الثدي ، عليه شعرات بيض ، أفتذهبون إلى معاوية وأهل الشام وتتركون هؤلاء يخلفونكم في ذراريكم وأموالكم؟ والله إنّي لأرجو أن يكونوا هؤلاء القوم ؛ فإنّهم قد سفكوا الدم الحرام ، وأغاروا في سرح الناس ، فسيروا على اسم الله». قال سلمة بن كهيل : فنزلني زيد بن وهب منزلاً منزلاً حتّى مرّ بنا على قنطرة ، قال : فلمّا التقينا وعلى الخوارج عبد الله بن وهب الراسبي ، فقال لهم : ألقوا الرماح وسلّوا السيوف من جفونها ؛ فإنّي أخاف أن يناشدوكم كما ناشدوكم يوم حروراء. قال : فوحشوا برماحهم ، واستلّوا السيوف ، وشجرهم الناس برماحهم. قال : وقتلوا بعضهم على بعضهم. قال : وما أصيب من الناس يومئذ إلاّ رجلان ، فقال علي عليه‌السلام : «التمسوا فيهم المخدّج». فلم يجدوا. قال : فقام علي عليه‌السلام بنفسه حتّى أتى ناساً قد قُتل بعضهم على بعض ، فقال : «أخرجوهم». فوجدوه ممّا يلي الأرض ، فكبّر وقال : «صدق الله ، وبلغ رسوله». فقام إليه عبيدة السلماني فقال : يا أمير المؤمنين ، والله الذي لا إله إلاّ هو ، لقد سمعت هذا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. فقال : «إي والله الذي لا إله إلاّ هو» حتّى استحلفه ثلاثاً وهو يحلف.

٣٧١

والذي حصل بعد حركة الحسين عليه‌السلام وشهادته هو اتضاح حقيقة الحاكم الأموي ، وأنّ طاعته ليست من الدين في شيء بل الدين يدعو إلى القيام والثورة بوجهه ، وذلك من خلال أحاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الصحيحة التي انتشرت ، واقترافه الجريمة البشعة بقتل الحسين عليه‌السلام ، الذي أخبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عنه وبكاه منذ ولادته. ومن هنا نجد ثورة أهل المدينة ضدّ يزيد ، ثمّ ثورة أهل مكّة ، وقد جاءت الطريقة المروعة التي تعامل بها الاُمويّون مع ثوار المدينة ومكة ، وغزوهم مكّة ، ورمي البيت الحرام بالمنجنيق ، ووقوع الحريق فيه مؤكّدة ؛ لما بدأه الحسين عليه‌السلام مع بني اُميّة أنّهم ليسوا من أهل الدين ، وأنّ الدين يأمر بحربهم والنهوض ضدّهم. واستمرت الثورات بعد ذلك على بني اُميّة بعد يزيد من قبل أهل العراق خاصّة كثورة سليمان بن صرد ، ثمّ ثورة المختار ، ثمّ ثورة زيد بن علي ، ثمّ ثورة عبد الله بن معاوية بن جعفر بن أبي طالب ، ثمّ ثورة العباسيِّين أخيراً الذين استطاعوا القضاء على حكم بني اُميّة بشعار الثار للحسين عليه‌السلام سنة ١٣٢.

انكسار الطوق المفروض على حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في أهل بيته عليهم‌السلام :

لقد كسر الحسين عليه‌السلام بنفسه هذا الطوق في مكّة مدّة أربعة أشهر وأيام حين لم يُعِر أهمية لقرار السلطة بالمنع عن نشر أحاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في أهل بيته عليهم‌السلام ، حيث أخذ يذكِّر ويُسمِع القادمين من الآفاق للعمرة أو للحجّ ، ثمّ يدفعهم ليسألوا من بقايا أخيار صحابة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الذين بين أظهرهم بما قاله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في أهل البيت عليهم‌السلام بشكل عام ، أو ما قاله في أبيه علي عليه‌السلام ، أو في أخيه الحسن عليه‌السلام ، أو فيه خاصة ؛ سواء في بيان عظيم منزلتهم عند الله ورسوله ، أو في بيان شهادته عليه‌السلام.

وما يجري عليه من بني اُميّة وأعوانهم الظلمة ، والثواب العظيم لمَنْ يوفّق لنصرته والقتل بين يديه. ثمّ ختمت تلك الأيام العامرة بنشاط الحسين عليه‌السلام وأصحابه فكريّاً وسياسيّاً بالخروج من مكّة اضطراراً حين علم أنّ السلطة قد دسّت إليه مَنْ يقتله في مكّة ، وكره الحسين عليه‌السلام أن تستباح به حرمة الحرم.

٣٧٢

وليس من شك فإنّ قضية إخبار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بشهادة الحسين عليه‌السلام ، وما يرتبط بها من أحاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في أهل بيته عليهم‌السلام ، سوف تكون الشغل الشاغل لهؤلاء الحجّاج ، حيث سينقلونها إلى قرباهم ومَنْ يثقون به من أصدقائهم ، ومن ثمّ سوف يترقّب الجميع تحقق النبوءة ؛ لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يكذب ، وحين يصلهم خبر تحقّقها وبشاعة ما جرى على الحسين عليه‌السلام من قبل بني اُميّة وجندهم ، وما ظهر من الحسين عليه‌السلام من إصرار على موقفه في إحياء أحاديث جدّه وتوعية الأمّة بها ، ثمّ تضحيته بكلّ غال ونفيس من أجل ذلك ، أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر ، ليس من شك أنّ ذلك سيؤدي إلى انتشار أكبر لتلك الأحاديث. ومن الطبيعي أن يكون ذلك سرّاً في بادئ الأمر ؛ تفادياً لعقوبة النظام وشراسته في هذه المسألة خاصة ، أمّا حين تتصدّع وحدة الدولة بعد موت يزيد ، ويختلف أهل الشام ، ويقتتلون فيما بينهم كما حصل بين مروان بن الحكم ومَنْ معه ، والضحاك بن قيس الفهري ومَنْ معه ، وهما من أبرز وجوه النظام العاملين على تقويمه. ويضاف إلى ذلك استقلال الحجاز والبصرة بقيادة ابن الزبير ، واستقلال الكوفة وما والاها بقيادة المختار ، واستقلال اليمن بقيادة نجدة الخارجي ، واستقلال خراسان بقيادة عبد الله بن خازم ، ليس من شك أنّ وضعاً كهذا سوف تغيب فيه رقابة السلطة على الحديث النبوي الصحيح ، ويبدأ الناس يحدّثون بما عندهم. ومن الطبيعي أن يكون الحديث المرتبط بأهل البيت وعلي عليهم‌السلام الذي كانت الدولة تلعنه على المنابر ، والحسين عليه‌السلام الذي قُتل وسُيِّر رأسه ورؤوس أهل بيته وأصحابه إلى الشام ، وإخبار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بشهادة الحسين عليه‌السلام وبكائه عليه منذ ولادته هو من أهم تلك الأحاديث.

وإذا عرفنا أنّ الدولة الاُمويّة لم تسترجع قوتها ووحدتها ، ومن ثمّ فرض سياستها السابقة كما كانت عليه زمن معاوية ويزيد إلاّ بعد عشرين سنة تقريباً ، استطعنا أن ندرك بسهولة كيف أنّ الله تعالى هيّأ لحركة الحسين عليه‌السلام التبليغيّة القصيرة جدّاً الظرف المناسب ؛ لتمتدّ وتتسع بعد شهادته مدّة عشرين سنة تقريباً في ظلّ الاختلاف السياسي الشامل

٣٧٣

الذي عمّ البلاد الإسلاميّة بعد موت يزيد. حيث أتيحت الفرصة لصحابة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ممّن حمل حديثه عنه وعن علي عليه‌السلام في مدن إقامتهم أن ينشروا أحاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في أهل بيته عليهم‌السلام خاصّة ، وكذلك الأحاديث الصحيحة في متعة الحجّ وغيرها ، وكذلك سيرة علي عليه‌السلام :

فمن الصحابة في المدينة : اُمّ سلمة (ت ٦١) ، وأبو سعيد الخدري (ت ٦٤) ، وعبد الله بن عباس (ت ٦٨) بالمدينة ومكة والطائف وتوفي بها وله نيف وسبعون سنة ، وجابر بن عبد الله الأنصاري (ت ٧٤) عن (٩٤) سنة ، وسلمة بن الأكوع (ت ٧٤) ، وسهل بن سعد الساعدي (ت ٩١).

وفي الكوفة : سليمان بن صرد قُتل سنة (٦٦) ، وزيد بن أرقم (ت ٦٨) ، وعدي بن حاتم (ت ٦٧) ، والبرّاء بن عازب (ت ٧٢) ، وعامر بن واثلة (ت ١١٠) بمكة منفيّاً من الكوفة منذ تولّي الحجّاج الكوفة ، وهو آخر مَنْ توفي من الصحابة.

وفي البصرة : مالك بن الحويرث (ت ٧٤) ، وأنس بن مالك أخذ يحدّث بفضائل علي لمّا أصابته دعوة علي عليه‌السلام (ت ٩٠).

وفي مرو وخراسان : بريدة بن الحصيب (ت ٦٢) ، وأبي برزة الأسلمي (ت ٦٤).

وفي الشام : واثلة بن الأسقع (ت ٨٥) عن ثمان وتسعين سنة ، وهو آخر مَنْ مات من الصحابة بدمشق.

ومن التابعين ، وهم بقية أصحاب علي ، وأغلبهم كوفيون ، أمثال : الحارث الأعور الهمداني (ت ٦٥) ، وسعد بن حذيفة بن اليمان (من رجال عهد المختار) ، والأصبغ بن نباتة (ت بعد سنة ٧٠) ، وحَبّة بن جوين (ت ٧٦) ، أبي البختري قُتل (٨٢) ، زاذان (ت ٨٢) ، زر بن حبيش (ت ٨١) ، عبد الله بن الحارث بن نوفل (ت ٨٤) ، عبد الرحمن بن أبي ليلى (ق ٨٢) ، فضالة بن أبي فضالة (ت ٧٠ ـ ٨٠) ، كميل بن زياد (قتله الحجّاج ٨٢) ، قيس بن عبّاد (قتله الحجّاج ٨٣) ، وزيد بن وهب الجهني (ت ٨٤ وقيل ٩٦) ، ومسلم بن صبيح (ت ١٠٠) (رحمهم الله).

٣٧٤

ومنهم بصريون ، مثل : أبي الأسود الدؤلي ، وخِلاس الهَجَري (١).

ومنهم مدنيون ، أمثال : عمر بن أبي سلمة (ت ٨٣) ، وإياس بن سلمة بن الأكوع (ت ١١٩) ، ويزيد بن أميّة (ت ٧٠ ـ ٨٠).

وهكذا يتّضح أنّ الهدف الأساس للحسين عليه‌السلام في ثورته ، وهو كسر الطوق المفروض على الحديث النبوي الصحيح ، وإنقاذه من الاندثار في المجتمع بتهيئة الجو الذي يسمح لرواتها المسنّين من الصحابة والتابعين بنشرها من جديد في الأمّة قد تحقّق على مرحلتين : الأولى : في عهد الحسين عليه‌السلام مدّة خمسة شهور. الثانية : بعد شهادته عليه‌السلام مدّة عشرين سنة تقريباً.

وفيما يلي نماذج ممّن نهض بإحياء حديث النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في أهل بيته عليهم‌السلام خاصّة :

روايات اُمّ سلمة (ت ٦١) :

فضائل الصّحابة (لأحمد بن حنبل) ٢ / ٦٤٨ : حدّثنا عبد الله ، قثنا أحمد بن عمران الأخنسي قال : سمعت محمّد بن فضيل ، قثنا أبو نضر (٢) عبد الله بن عبد الرّحمن الأنصاري ، عن مساور الحميري ، عن أمّه ، عن اُمّ سلمة قالت : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لعليّ عليه‌السلام : «لا يحبّك إلاّ مؤمن ، ولا يبغضك إلاّ منافق».

السنن الكبرى ٤ / ٢٦١ : أنبأ محمّد بن قدامة قال : جرير ، عن المغيرة ، عن أمّ موسى قالت : قالت اُمّ سلمة : والّذي تحلف به اُمّ سلمة إن كان لأقرب النّاس عهداً برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليّ عليه‌السلام. قالت : لمّا كان غداة قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أرسل إليه رسول الله وكأن أرى في حاجة أظنّه ، بعثه فجعل يقول : «جاء عليّ» ثلاث مرّات ، فجاء قبل طلوع الشّمس ، فلمّا أن جاء عرفنا أنّ له إليه حاجة ، فخرجنا من البيت ، وكنّا عدنا

__________________

(١) كان من شرطة علي عليه‌السلام ، وله صحيفة كتبها عنه يحدّث بها ، توفي قبيل المئة بتقدير الذهبي ، نقلاً عن ابن حجر في تهذيب التهذيب.

(٢) في كتاب السنّة ـ لابن مخلّد / ١٣١٩ : عن أبي نصر عبد الله بن عبد الرّحمن … : «لا يبغض عليّاً مؤمن ، ولا يحبّه منافق».

٣٧٥

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يومئذ في بيت عائشة ، فكنت في آخر مَنْ خرج من البيت ، ثمّ جلست أدناهنّ من الباب فأكبّ عليه عليّ عليه‌السلام فكان آخر النّاس عهداً جعل يسارّه ويناجيه.

التّرمذي ٥ / ٣٥٢ : حدّثنا عبد بن حميد ، حدّثنا عفّان بن مسلم ، حدّثنا حمّاد بن سلمة ، أخبرنا عليّ بن زيد ، عن أنس بن مالك : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يمرّ بباب فاطمة عليها‌السلام ستّة أشهر إذا خرج إلى صلاة الفجر يقول : الصّلاة يا أهل البيت (إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً). قال : هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه ، إنّما نعرفه من حديث حمّاد بن سلمة. قال : وفي الباب عن أبي الحمراء ، ومعقل بن يسار ، واُمّ سلمة.

سنن البيهقي ٧ / ٥٦ : أخبرنا أبو الحسن عليّ بن أحمد بن عبدان ، أنبأ أحمد بن عبيد الصفّار ، نا محمّد بن يونس ، ثنا الفضل بن دكين ، نا ابن أبي غنية ، عن أبي الخطّاب الهجري ، عن محدوج الذهلي ، عن جسرة ، عن اُمّ سلمة (رضي الله تعالى عنها) قالت : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فوجه هذا المسجد ، فقال : «ألا لا يحلّ هذا المسجد لجنب ، ولا لحائض إلاّ لرسول الله وعليّ وفاطمة والحسن والحسين ؛ ألا قد بيّنت لكم الأسماء أن لا تضلّوا».

المعجم الكبير ٢٣ / ٣٠٨ : حدّثنا إبراهيم بن دحيم ، ثنا موسى بن يعقوب ، حدّثني هاشم بن هاشم (١) ، عن وهب بن عبد الله بن زمعة (١) قال : أخبرتني اُمّ سلمة أنّ رسول

__________________

(١) مشاهير علماء الأمصار ١ / ١٣٨ : هاشم بن هاشم بن عتبة بن أبي وقّاص من سادات المدنيين ، وقدماء مشايخهم ، مات سنة أربع وأربعين ومئة. وفي تهذيب التهذيب ع الستة : هاشم بن هاشم بن عتبة بن أبي وقّاص الزّهري المدني ، ويُقال : هاشم بن هاشم بن هاشم وهو أصحّ ؛ لأنّ هاشم بن عتبة قُتل بصفّين سنة سبع وثلاثين ، فيبعد أن يكون صاحب التّرجمة ابنه ؛ لبعد ما بين وفاتيهما ، روى عن سعيد بن المسيّب وعامر وعائشة ابني سعد بن أبي وقاص ، وعبد الله بن وهب بن زمعة ، وعبد الله بن نسطاس ، وإسحاق بن عبد الله بن الحارث بن كنانة ، وأبي صالح مولى السّعديين ، وعنه مالك والداروردي ، ويحيى بن أبي زائدة ، وموسى بن يعقوب الزّمعي ، وأبو أسامة وأبو ضمرة ، وشجاع بن الوليد وعبد الله بن نمير ، ومروان بن

٣٧٦

الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اضطجع ذات يوم للنوم ، فاستيقظ وهو خائر النفس ، فاضطجع فرقد ، فاستيقظ وفي يده تربة حمراء يقبّلها ، فقلت : ما هذه التربة يا رسول الله؟ قال : «أخبرني جبريل أن هذا يُقتل بأرض العراق ـ وأشار إلى الحسين عليه‌السلام ـ فقلت لجبريل : أرني تربة الأرض التي يُقتل فيها ، فهذه تربتها».

روى القندوزي والسمهودي بسنده قال : أخرج بن عقدة من طريق عمرو بن سعيد بن عمرو بن جعدة بن هيبرة ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن اُمّ سلمة قالت : أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بيد عليّ عليه‌السلام بغدير خمّ ، فرفعها حتّى رأينا بياض إبطيه ، فقال : «مَنْ كنت مولاه فعليّ مولاه». ثمّ قال : «أيّها النّاس ، إنّي مخلّف فيكم الثّقلين ؛ كتاب الله وعترتي ، ولن يتفرّقا حتّى يردا عليّ الحوض». ورواه عنها السّمهودي الشّافعي في جواهر العقدين كما في ينابيع المودّة / ٤٠.

المستدرك ٤ / ٢٠ : أخبرنا أبو عبد الله الصفّار ، ثنا أحمد بن مهران ، أنبأ عبد الله بن موسى ، أنبأ إسماعيل بن نشيط قال : سمعت شهر بن حوشب قال : أتيت اُمّ سلمة أعزّيها بقتل الحسين بن عليّ.

التاريخ الكبير ٣ / ٣٢٤ ، تهذيب الكمال ٩ / ١٨٦ : واللّفظ الأخير عن أبي سعيد

__________________

معاوية وصفوان بن عيسى وإبراهيم بن حميد الرّاسبي ، وأحمد بن بشير الكوفي ومكّي بن إبراهيم. قال صالح بن أحمد ، عن أبيه : ليس به بأس. وقال بن معين والنسائي : ثقة ، ذكره ابن حبان في الثقات ، وقال : مات سنة أربع وأربعين ومئة. وقال البخاري ، عن مكي : سمعت منه سنة أربع. وقال أحمد بن حنبل ، عن مكي : سمعت منه سنة سبع وأربعين ، قلت : (وقال ابن سعد في الطبقة الخامسة من أهل المدينة : هاشم بن هاشم بن عتبة أمّه أمّ ولد ، فولد هاشم بن هاشم هاشماً ، واُمّه أمّ عمرو بنت سعد ، وقد روى هاشم عن عامر بن سعد وغيره ، وروى عنه ابن نمير وأبو ضمرة) انتهى. فكلامه محتمل لأن يكون الراوي هو هاشم بن هاشم ، أو ابنه ، وهو الأقرب ، ويترجّح ما ظنّه المؤلّف. وقال العجلي : هاشم بن هاشم بن عتبة ، مدنيّ ثقة. وقال البزّار : ليس به بأس.

(١) قال في مشاهير علماء الأمصار ١ / ٧١ : وهب بن عبد الله بن زمعة بن الأسود من عبّاد أهل المدينة قُتل يوم الحرّة.

٣٧٧

الأشج قال : حدّثنا أبو خالد الأحمر قال : حدّثني رزين (١) قال : حدّثتني سلمى قالت : دخلت على اُمّ سلمة وهي تبكي ، فقلت : ما يبكيك؟ قالت : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في المنام وعلى رأسه ولحيته التراب ، فقلت : ما لك يا رسول الله؟ قال : «شهدت قتل الحسين عليه‌السلام آنفاً».

روايات مصعب بن عبد الرّحمن بن عوف :

معرفة الثقات ٥ / ٤١١ : مصعب بن عبد الرّحمن بن عوف الزّهري القرشي ، كنيته أبو زرارة ، يروي عن أبيه ، روى عنه أهل المدينة ، قُتل يوم الحرّة سنة ثلاث وستين ، وكان على قضاء مكّة ، أمّه أمّ ولد.

الطبقات الكبرى ٥ / ١٧٥ : مصعب بن عبد الرّحمن بن عوف … وكانت وفاة مصعب بن عبد الرّحمن بمكة في سنة أربع وستين ، وكان ثقة قليل الحديث.

مصنّف ابن أبي شيبة ١٢ / ٦٥ الحديث رقم ١٢١٣٥ : عن عبيد الله عن طلحة بن جبير ، عن المطلّب بن عبد الله بن مصعب بن عبد الرّحمن ، عن عبد الرّحمن بن عوف قال : لمّا افتتح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مكّة انصرف إلى الطائف ، فحاصرها تسع عشرة ، أو ثمان عشرة فلم يفتحها ، ثمّ ارتحل روحة أو غدوة فنزل ثمّ هجر ، ثمّ قال : «أيّها النّاس ، إنّي فرط لكم ،

__________________

(١) رزين بن حبيب الجهني ، ويُقال : البكري الكوفي الرّماني ، ويُقال : التمّار ، ويُقال : البزاز ، بياع الأنماط ، روى عن الأصبغ بن نباتة ، وعامر الشعبي ، وأبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين ، وأبي الرقاد العبسي ، وسلمى البكرية. روى عنه إسماعيل بن زكريا ، وحبان بن عليّ العنزي ، وسفيان الثوري ، وأبو خالد سليمان بن حيان الأحمر ، وعبد الله بن المبارك ، وعبيد الله بن موسى ، وعيسى بن يونس ، وأبو نعيم الفضل بن دكين ، ومروان بن معاوية الفزاري ، ووكيع بن الجراح. قال أبو بكر الأثرم ، عن أحمد بن حنبل وإسحاق بن منصور ، عن يحيى بن معين : رزين بيّاع الرّمان ثقة. وقال أبو حاتم : صالح الحديث ، ليس به بأس ، وهو أحبّ إليّ من إسحاق بن خليد مولى سعيد بن العاص. ومنهم مَنْ فرّق بين رزين بياع الأنماط يروي عن الأصبغ بن نباته ، ويروي عنه عيسى بن يونس ، وبين رزين بن حبيب الجهني بياع الرّمان. ومنهم مَنْ جعلهما واحداً ، والله أعلم. روى له التّرمذي حديثاً واحداً.

٣٧٨

واُوصيكم بعترتي خيراً ، وإنّ موعدكم الحوض. والذي نفسي بيده لتقيمنّ الصّلاة ، ولتؤتنّ الزكاة ، أو لأبعثنّ إليكم رجلا منّي أو لنفسي فليضربنّ أعناق مقاتليهم ، وليسبينّ ذراريهم». فرأى النّاس أنّه أبو بكر أو عمر ، فأخذ بيد عليّ عليه‌السلام فقال : «هذا».

روايات أبي سعيد الخدري (ت ٦٤) :

الكامل في الضعفاء ١ / ١٦٩ : معمّر بن سهل حدّثنا أبو سمرة أحمد بن سالم ، حدّثنا شريك ، عن الأعمش ، عن عطيّة ، عن أبي سعيد ، عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «عليّ خير البريّة».

الكامل في الضّعفاء ٢ / ١٤٤ : ثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس ، ثنا إسحاق بن أبي إسرائيل ، ثنا جعفر بن سليمان ، ثنا أبو هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري قال : كان لعليّ ـ أحسبه (قال) ـ من النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مدخلاً لم يكن لأحد من النّاس.

الصّواعق المحرقة / ٨٩ : قال أخرج الدّيلمي ، عن أبي سعيد الخدري أنّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئوُلُونَ عن ولاية عليّ). قال الواحدي : روي في قوله تعالى : (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئوُلُونَ) ، أي عن ولاية عليّ.

المستدرك على الصحيحين للحسكاني / ٣٠٧ : بسنده عن خلف عن عطية العوفي ، عن أبي سعيد الخدري قال : سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن قوله تعالى : (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) قال : «ذاك أخي عليّ بن أبي طالب».

المستدرك للحسكاني / ٣٣٨ : بسنده عن فضيل بن مرزوق ، عن عطيّة ، عن أبي سعيد قال : لمّا نزلت (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) ، أعطى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لفاطمة عليها‌السلام فدكاً.

شواهد التنزيل للحسكاني / ٣٦٥ : بسنده عن الفضيل بن مرزوق ، عن عطيّة العوفي ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ : «يا أبا الحسن ، قل : اللّهمّ اجعل لي عندك عهداً ، واجعل لي في صدور المؤمنين مودّة». فنزلت هذه الآية : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدّاً). قال : «لا تلقى رجلاً مؤمناً إلاّ في قلبه حبّاً لعليّ بن أبي طالب».

٣٧٩

الدّرّ المنثور ٢ / ٢٩٨ : أخرج ابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، وابن عساكر ، عن أبي سعيد الخدري قال : نزلت هذه الآية (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم غدير خم في عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.

الدّرّ المنثور ٣ / ٢٥٩ : تفسير قوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) ، أخرج ابن مردويه ، وابن عساكر كلاهما عن أبي سعيد الخدري قال : لمّا نصّب رسول الله عليّاً يوم غدير خمّ فنادى له بالولاية ، هبط جبرائيل بهذه الآية : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ ...).

الحافظ أبو نعيم الإصبهاني المتوفّى ٤٣٠ ، روى في كتابه (ما نزل من القرآن في عليّ عليه‌السلام) قال : حدّثنا محمّد بن أحمد بن عليّ بن مخلّد (المحتسب المتوفى ٣٥٧) قال : حدّثنا محمّد بن عثمان بن أبي شيبة قال : حدّثني يحيى الحماني قال : حدّثني قيس بن الربيع ، عن أبي هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري رحمه‌الله : أن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله دعا النّاس إلى عليّ عليه‌السلام في غدير خمّ ، فأمر بما تحت الشّجرة من الشوك فقمّ وذلك يوم الخميس ، فدعا عليّاً عليه‌السلام فأخذ بضبعيه فرفعهما حتّى نظر النّاس إلى بياض إبطي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ لم يتفرّقوا حتّى نزلت هذه الآية : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) الآية. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «الله أكبر على إكمال الدّين ، وإتمام النّعمة ، ورضا الرّب برسالتي ، وبالولاية لعليّ عليه‌السلام من بعدي». ثم قال : «مَنْ كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللّهمّ وال مَنْ والاه ، وعاد مَنْ عاداه ، وانصر مَنْ نصره ، واخذل مَنْ خذله». فقال حسّان : ائذن لي يا رسول الله أن أقول في عليّ عليه‌السلام أبياتاً تسمعهن. فقال : «قل على بركة الله». فقام حسّان فقال : يا معشر مشيخة قريش ، أتبعها قولي بشهادة من رسول الله في الولاية ماضية. ثمّ قال :

يناديهم يُوم الغدير نبيُّهمْ

بخمّ فاسمع بالرسول مناديا

يقول فمَنْ مولاكمُ ووليّكم

فقالوا ولم يبدوا هناكَ التّعاميا

إلهكَ مولانا وأنت وليّنا

ولم تَرَ مِنّا في الولاية عاصيا

فقال له قم يا عليّ فإنّني

رضيتك من بعدي إماماً وهاديا

٣٨٠