الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام

السيّد سامي البدري

الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام

المؤلف:

السيّد سامي البدري


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: ياسين
الطبعة: ١
ISBN: 964-499-093-5
الصفحات: ٥٢٧

به إلى معاوية. فقال له سعد : عليك لعنة الله! أثب على ابن بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأوثقه! بئس الرجل أنت! (١)

وروى ابن عساكر : بسنده عن يعقوب بن سفيان (صاحب كتاب المعرفة والتاريخ) ، حدّثني أبو عثمان (يحيى بن سعيد الأموي ت سنة ١٩٤ هجرية) ، أخبرنا أبي سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص الأموي ، أخبرنا مجالد (ت سنة ١٤٤ هجرية) ، عن عامر الشعبي قال : كنت أجالس الأحنف بن قيس فاُفاخر أهل البصرة بأهل الكوفة ، فبلغ منه كلامي ذات يوم وأنا لا أدري ، فقال : يا جارية ، هاتي ذلك الكتاب. فجاءت به ، فقال : اقرأ ، (وما يدري أحد من القوم ما فيه). قال : فقرأته فإذا فيه ، بسم الله الرحمن الرحيم ، من المختار بن أبي عبيد إلى الأحنف بن قيس ومَنْ قبله من ربيعة ومضر ... ولقد بلغني أنّكم تكذّبوني وتؤذون رُسلي ، وقد كُذّبت الأنبياء واُوذوا من قبلي ، فلست بخير من كثير منهم ، والسلام. فلمّا قرأته قال : أخبرني عن هذا ، من أهل البصرة أو من أهل الكوفة؟ قلت : يغفر الله لك أبا بحر ، إنّما كنّا نمزح ونضحك. قال : لتخبرني مَنْ هو؟ قلت : يغفر الله لك يا أبا بحر. قال : لتخبرني. قلت : من أهل الكوفة. قال : فكيف تفاخر أهل البصرة وهذا منكم؟! (٢)

وقال الذهبي : المختار بن أبي عبيد الثقفي الكذّاب ، كان من كبراء ثقيف ، وذوي الرأي والفصاحة ، والشجاعة والدهاء وقلّة الدين ، وقد قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : يكون في ثقيف كذّاب ومبير (٣) ، فكان الكذّاب هذا. ادّعى أنّ الوحي يأتيه ، وأنّه يعلم الغيب ، (وكان المبير الحجّاج) قبحهما الله (٤).

__________________

(١) تاريخ الطبري ـ الطبري ٤ / ١٢١.

(٢) تاريخ مدينة دمشق ـ ابن عساكر ٤٣ / ٤٨٤.

(٣) أخرجه مسلم (٢٥٤٥) في فضائل الصحابة من حديث أسماء بنت أبي بكر ، وأخرجه أحمد ٢ / ٦٢ ، والترمذي (٢٢٢٠) و(٣٩٤٤) من حديث ابن عمر.

(٤) سير أعلام النبلاء ـ الذهبي ٣ / ٥٣٨.

٢٨١

وقال : المختار بن أبي عبيد الثققي الكذّاب ، لا ينبغي أن يروى عنه شيء ؛ لأنّه ضالّ مضلّ ، كان يزعم أنّ جبرائيل عليه‌السلام ينزل عليه ، وهو شرّ من الحجاج أو مثله (١).

قال أحمد بن حنبل : حدّثنا ابن نمير ، حدّثنا عيسى بن عمر ، حدّثنا السدي ، عن رفاعة الفِتْياني قال : دخلت على المختار ، فألقى لي وسادة ، وقال : لولا أنّ جبريل قام عن هذه ، لألقيتها لك ، فأردت أن أضرب عنقه ، فذكرت حديثاً حدثنيه عمرو بن الحمق ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أيّما مؤمن أمّن مؤمناً على دمه فقتله ، فأنا من القاتل برئ» (٢).

المختار يكمل بقية الأشواط في خطّة الحسين عليه‌السلام :

إنّ الروايات الآنفة الذكر وأمثالها التي تطعن بالمختار كلّها مطعون بسندها ، ومضامينها افتراء مبين.

إنّ سبب هذا التشويه على المختار هو أنّه رحمه‌الله وفِّق لإكمال شوطين مقطعيين مهمّين في خطّة الحسين عليه‌السلام ، الخطّة التي كانت ترمي إلى إحياء مدرسة علي عليه‌السلام الفكرية والسياسية في الأمّة.

الشوط الأوّل : إقامة الحكم العادل نظير حكم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي عليه‌السلام في الكوفة ؛ لينفتح الجيل الجديد فيها ، الذي حُرم في عهد معاوية من معرفة السنّة النبويّة الصحيحة ، وحقائق التاريخ الإسلامي.

الشوط الثاني : محاربة الطغمة الاُمويّة في الشام رأس الضلالة والإطاحة بها ومن الطبيعي إنّ الحسين عليه‌السلام كان قد أطلع خواص أصحابه ، ومنهم المختار وسليمان بن صرد على مفاصل خطّته ، وأشواطها العملية ، كما أطلعهم على مصير الشهادة المحتوم له

__________________

(١) في ميزان الاعتدال ـ الذهبي ٤ / ٨٠.

(٢) المسند ٥ / ٢٢٣ ، وأخرجه أحمد ٥ / ٢٢٢ ، وابن ماجة (٢٦٨٨) من طريقين ، عن عبد الملك بن عمير ، عن رفاعة بن شداد الفتياني.

٢٨٢

ولأهل بيته وأصحابه الذي يكونون معه ، كما أطلع المختار وبقيّة الخواص على دوره في إنفاذ الشوطين الباقيين ، وإنّ الخطّة لا تتعطّل بشهادته عليه‌السلام. وقد مرّ علينا آنفاً قول ميثم التمّار للمختار لمّا كانا في حبس عبيد الله بن زياد بأنّه يفلت ، ويخرج ثائراً بدم الحسين عليه‌السلام (١) ، وأنّه يقتل عبيد الله.

وقد نهض المختار بالشوط الثاني ، وقدِّر له أن يقتل قتلة الحسين عليه‌السلام ، ويقتص منهم فعلاً بفعل ، وحركة بحركة ، ويحقّق انتصاراً عظيماً لمدرسة علي عليه‌السلام في الكوفة ومدنها ، والجزيرة ، وفي شمال العراق وقراها مدّة ستة عشر شهراً ، انبعثت فيها أحاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الصحيحة في أهل بيته ، وانتشرت الحقائق الصحيحة عن السيرة وتاريخ الخلفاء وسيرة علي عليه‌السلام.

وكان هذا النصر على حساب حركة عبد الله بن الزبير وأطروحته الفكرية والسياسية ، وموقفها من علي ومدرسته في غنىً عن البيان ، وقد مرّت الإشارة إلى طرف منها. لقد اقتطع المختار الكوفة وما يتبعها من القرى والمدن من مملكة ابن الزبير ، مضافاً إلى أنّه نصر ابن الحنفيّة وابن عباس لمّا حصرهما ابن الزبير في الحرم ليضرم عليهما الحطب.

وكان أيضاً على حساب عبد الملك بن مروان في الشام وأطروحته الفكرية والسياسية ، وهي أطروحة معاوية ، وكان المختار قد بعث جيشاً لقتال أهل الشام الذين بعثهم عبد الملك بقيادة عبيد الله بن زياد ، فهزم الجيش وقتل ابن زياد.

وقد قُدِّر لابن الزبير أن يقضي على المختار وحركته ، ويقتل سبعة آلاف صبراً من الشيعة كما سيأتي ، وصارت الكوفة كلّها لابن الزبير من النصف من رمضان سنة ٦٧ هجرية إلى جمادى الأولى سنة ٧٢ ، وتحرّك الإعلام الزبيري لمدّة خمس سنوات في

__________________

(١) كما في خبر ميثم التمّار وقوله للمختار في السجن أنّه سوف يفلت ويقتل عبيد الله ، وأنّ ميثم يُرزق الشهادة.

٢٨٣

العراق والحجاز يشوّه من حركة المختار وشخصيته.

ثمّ واصل الإعلام الأموي منذ قتل مصعب حتّى نهاية بني اُميّة تلك المسيرة الإعلامية بشكل أشدّ.

ثمّ انضاف إلى ذلك الإعلام العباسي في عهد المنصور ، وبخاصّة بعد تحرّك محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن المثنى رحمهم‌الله. قال المنصور يخاطب أهل الكوفة بعد قتل إبراهيم بن عبد الله بن الحسن سنة (١٤٥) هجرية : يا أهل الكوفة ، عليكم لعنة الله وعلى بلد أنتم فيه ... سبئية (١) ، خشبية (٢) ؛ قائل يقول : جاءت الملائكة ، وقائل يقول : جاء جبريل ... (٣).

ومن ثمّ تكرّست الصورة السيئة على المختار في كتب الرواية التاريخية التي ظهرت في العهد العباسي ، وتبنت في قليل أو كثير سياسة الإعلام آنذاك ، ثمّ أخذ بتلك الروايات الكثير ممّن جاء بعدهم إلى اليوم من دون نقد وتمحيص.

وفيما يلي طرف من أخبار حركة المختار ، تنخّلناها من مجموع روايات الطبري بعد أن استبعدنا ما تحتويه من التهم والافتراءات ممّا لا نطمئن إلى صحته :

خلاصة حركة المختار :

قال الطبري : ثمّ دخلت سنة ست وستين ، ذكر الخبر عن الكائن الذي كان فيها من الأمور الجليلة ، فممّا كان فيها من ذلك وثوب المختار بن أبي عبيد بالكوفة طالباً بدم الحسين بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وإخراجه منها عامل ابن الزبير عبد الله بن مطيع العدوي.

__________________

(١) أي أتباع عبد الله بن سبأ الذي ادّعي له أنّه مبتدع الوصية لعلي عليه‌السلام المشابهة لوصية موسى ليوشع عليه‌السلام ، الذي يترتب عليها البراءة ممّن تجاوز على موقعه.

(٢) في النهاية ـ لابن الأثير : الخشبية : هم أصحاب المختار بن أبي عبيد ، ويُقال لضرب من الشيعة : الخشبية. وفي المشتبه ـ للذهبي : الخشبي : هو الرافضي في عرف السلف.

(٣) مرّت فقرات أخرى من خطبة المنصور ، ومصدرها في البحوث التمهيديّة.

٢٨٤

ذكر هشام بن محمد عن أبي مخنف : أنّ فضيل بن خديج حدّثه عن عبيدة بن عمرو وإسماعيل بن كثير من بني هند أنّ أصحاب سليمان بن صرد (رفاعة بن شداد ، والمثنى بن مخربة العبدي ، وسعد بن حذيفة بن اليمان ، ويزيد بن أنس ، وأحمر بن شميط الأحمسي ، وعبد الله بن شداد البجلي ، وعبد الله بن كامل) ، لمّا قدموا الكوفة من عين الوردة ، كتب المختار إليهم وهو محبوس : أمّا بعد ، فمرحباً بالعصبة الذين حكم الله لهم بالأجر حين رحلوا ، ورضي انصرافهم حين أقبلوا ، إنّ سليمان بن صرد رحمه‌الله قضى ما عليه وتوفّاه الله إليه ، فجعل روحه مع أرواح الأنبياء والصدّيقين والشهداء والصالحين ... أعدّوا واستعدوا ؛ فإنّي أدعوكم إلى كتاب الله وسنّة نبيّه ، والطلب بدماء أهل البيت ، والدفع عن الضعفاء ، وجهاد المحلّين. فأجابوه إلى ما دعاهم إليه ، وقالوا : إن شئت أخرجناك من محبسك. فقال : أنا أخرج من محبسي في أيامي هذه. وكانت صفية بنت عبيد أخته امرأة عبد الله بن عمر ، فكتب إلى عبد الله بن عمر يعلمه أنّ عبد الله بن يزيد وابن محمد بن طلحة حبساه لغير جناية ، فكتب إليهما يسألهما إخراجه فأخرجاه (١).

قال الطبري : ولمّا نزل المختار داره عند خروجه من السجن اختلف إليه الشيعة ، واجتمعت عليه واتفق رأيها على الرضا به ، وكان الذي يبايع له الناس وهو في السجن خمسة نفر ؛ السائب بن مالك الأشعري ، ويزيد بن أنس ، وأحمر بن شميط ، ورفاعة بن شداد الفتياني ، وعبد الله بن شداد الجشمي.

قال : فلم تزل أصحابه يكثرون وأمره يقوى ويشتدّ حتّى عزل ابن الزبير عبد الله بن يزيد وإبراهيم بن محمد بن طلحة ، وبعث عبد الله بن مطيع على عملهما إلى الكوفة.

قال : وقدم عبد الله بن مطيع الكوفة في رمضان سنة خمس وستين يوم الخميس لخمس بقين من شهر رمضان ، وأقام على الصلاة والخراج ، وبعث على شرطته إياس بن مضارب العجلي.

__________________

(١) أنساب الأشراف ٦ / ٣٧٤.

٢٨٥

وجاء إياس بن ضارب إلى ابن مطيع فقال له : لست آمن المختار ، فابعث إليه فليأتك ، فإذا جاءك فاحبسه في سجنك حتّى يستقيم أمر الناس ، فإنّ عيوني قد أتتني فخبّرتني أنّ أمره قد استجمع له ، وكأنّه قد وثب بالمصر.

قال : فبعث إليه ابن مطيع زائدة بن قدامة ، وحسين بن عبد الله البرسمي من همدان فدخلا عليه فقالا : أجب الأمير. فتعلل لهما بوعكة أصابته ، فأقبلا إلى ابن مطيع فأخبراه بعلّته وشكواه ، فصدقهما ولَها عنه.

الثورة الشعبيّة للمستضعفين من شيعة علي عليه‌السلام :

قال الطبري : وفي هذه السنة (سنة ٦٦) وثب المختار بمَنْ كان بالكوفة من قتلة الحسين عليه‌السلام والمشايعين على قتله ، فقتل مَنْ قدر عليه منهم ، وهرب من الكوفة بعضهم فلم يقدر عليه.

اجتمع رأي المختار وأصحابه على أن يخرجوا ليلة الخميس لأربع عشرة من ربيع الأوّل سنة ست وستين.

نُمِّي الخبر إلى إياس بن مضارب العجلي ، وهو صاحب شرطة عبد الله بن مطيع ، فدخل عليه وقال له : إنّ المختار خارج عليك لا محالة ، فأرسل ابن مطيع إلى قواده وجمعهم ، وطلب منهم أن يكفي كلّ رجل منهم ناحيته.

بعث زحر بن قيس إلى جبَّانة كندة ،

وبعث شمر بن ذي الجوشن إلى جبَّانة سالم ،

وبعث يزيد بن الحارث بن رويم (أبو حوشب) إلى جبَّانة مراد ،

وبعث شبث بن ربعي إلى السَّبخة ،

وبعث غيرهم إلى أماكن أُخرى.

وأمر المختار بلأن ينادى بشعار : يا لثارات الحسين.

وخرج إبراهيم بن الأشتر بكتيبة وهو يقول :

٢٨٦

اللّهمّ إنّك تعلم أنّا غضبنا لأهل بيت نبيّك ، وثرنا لهم فانصرنا على مَنْ قتلهم ، وتمّم لنا دعوتنا.

وأقبل إبراهيم في أصحابه حتّى مرّ بمسجد الأشعث ، ثمّ مضى حتّى أتى دار المختار ، فوجد الأصوات عالية والقوم يقتتلون ، وقد جاء شبث بن ربعي من قبل السبخة ، فعبّى له المختار يزيد بن أنس.

وجاء حجَّار بن أبجر العجلي فجعل المختار في وجهه أحمر بن شميط ، فالناس يقتتلون.

وجاء إبراهيم من قبل القصر ، فبلغ حَجَّاراً وأصحابه أنّ إبراهيم قد جاءهم من ورائهم ، فتفرّقوا قبل أن يأتيهم إبراهيم وذهبوا في الأزقة والسكك ، وجاء قيس بن طهفة في قريب من مئة رجل من بني نهد من أصحاب المختار ، فحمل على شبث بن ربعي وهو يقاتل يزيد بن أنس ، فخلى لهم الطريق حتّى اجتمعوا جميعاً.

ثمّ إنّ شبث بن ربعي ترك لهم السكة ، وأقبل حتّى لقي ابن مطيع فقال : ابعث إلى اُمراء الجبابين فمرهم فليأتوك ، فاجمع إليك جميع الناس ، ثمّ انهدّ إلى هؤلاء القوم فقاتلهم ، وابعث إليهم مَنْ تثق به فليكفك قتالهم ؛ فإنّ أمر القوم قد قوي ، وقد خرج المختار وظهر واجتمع له أمره.

خرج المختار في جماعة من أصحابه حتّى نزل في ظهر دير هند ممّا يلي بستان زائدة في السبخة ، ثمّ لحق به بقية أصحابه ، فاستجمعوا له قبل انفجار الفجر ، فأصبح قد فرغ من تعبيته.

بعث ابن مطيع إلى أهل الجبابين ، فأمرهم أن ينضمّوا إلى المسجد ، وقال لراشد بن إياس بن مضارب : ناد في الناس فليأتوا المسجد ، فنادى المنادي : ألا برئت الذمّة من رجل لم يحضر المسجد الليلة ، فتوافى الناس في المسجد ، فلمّا اجتمعوا :

٢٨٧

بعث ابن مطيع شبث بن ربعي في نحو من ثلاثة آلاف.

وبعث راشد بن إياس في أربعة آلاف من الشرط ، وحجّار بن أبجر العجلي في ثلاثة آلاف ، والشمر بن ذي الجوشن في ثلاثة آلاف.

وجاء شبث حتّى أحاط بالمختار وأصحابه ، وبعث ابن مطيع يزيد بن الحارث بن رؤيم في ألفين من قبل سكّة لحام جرير ، فوقفوا في أفواه تلك السكك ، وولّى المختار يزيد بن أنس خيله ، وخرج هو في الرجّالة وهو يقول :

يا معشر الشيعة ، قد كنتم تُقتلون ، وتقطع أيديكم وأرجلكم ، وتسمل أعينكم ، وتُرفعون على جذوع النخل في حبّ أهل بيت نبيّكم ، وأنتم مقيمون في بيوتكم وطاعة عدوّكم ، فما ظنّكم بهؤلاء القوم إن ظهروا عليكم اليوم؟ إذاً والله لا يدعون منكم عيناً تطرف ، ويقتلونكم صبراً ، ولترون منهم في أولادكم وأزواجكم وأموالكم ما الموت خير منه. والله ، لا ينجيكم منهم إلاّ الصدق والصبر ، والطعن الصائب في أعينهم ، والضرب الدراك على هامهم ، فتيسروا للشدّة ، وتهيَّؤوا للحملة.

واقتتل الناس فاشتدّ قتالهم ، وقُتل راشد بن إياس وانهزم أصحابه ، وأقبل إبراهيم بن الأشتر وخزيمة بن نصر ومَنْ كان معهم بعد قتل راشد نحو المختار ، وبعث النعمان بن أبي الجعد يبشّر المختار بالفتح عليه وبقتل راشد.

قال الحارث بن كعب : إنّ إبراهيم لمّا أقبل نحونا رأينا شبثاً وأصحابه ينكصون وراءهم رويداً (١) رويداً ، فلمّا دنا إبراهيم من شبث وأصحابه حمل عليهم ، وأمرنا يزيد بن

__________________

(١) تاريخ الطبري ٦ / ٢٨ سنة ٦٦.

٢٨٨

أنس بالحملة عليهم فحملنا عليهم ، فانكشفوا حتّى انتهوا إلى أبيات الكوفة.

قال عمرو بن الحجّاج الزبيدي لابن مطيع : أيّها الرجل ، لا يسقط في خلدك ، ولا تلق بيدك ، اخرج إلى الناس فاندبهم إلى عدوّك فاغزهم ؛ فإنّ الناس كثير عددهم ، وكلّهم معك إلاّ هذه الطاغية التي خرجت على الناس ، والله مخزيها ومهلكها ، وأنا أوّل منتدب ، فاندب معي طائفة ومع غيري طائفة.

فخرج ابن مطيع ، فقام في الناس فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : أيّها الناس ، إنّ من أعجب العجب عجزكم عن عصبة منكم قليل عددها ، خبيث دينها ، ضالة مضلّة.

قال حصيرة بن عبد الله ، قال : إنّي لأنظر إلى ابن الأشتر حين أقبل في أصحابه حتّى إذا دنا منهم ، قال لهم : لا يهولنكم أن يُقال : جاءكم شبث بن ربعي وآل عتيبة بن النهاس وآل الأشعث وآل فلان وآل يزيد بن الحارث ... قال : فسمّى بيوتات من بيوتات أهل الكوفة ، ثمّ قال : إنّ هؤلاء لو قد وجدوا لهم حَرَّ السيوف قد انصفقوا عن ابن مطيع انصفاق المعزى عن الذئب.

وانتهت المعارك بهرب شبث بن ربعي ومحمد بن الأشعث ونظرائهم إلى البصرة ، وقتل المختار ثلّة من قتلة الحسين ؛ شمر وعمر بن سعد وخولّي وغيرهم ، وأخرج ابن مطيع إلى الحجاز.

بيعة عامّة الكوفيين للمختار :

قال الطبري وابن أعثم : ثمّ نادى المختار في الناس : الصلاة جامعة. فاجتمعت الناس إلى المسجد الأعظم ، وخطب فيهم وبايعوه على كتاب الله وسنّة نبيّه والطلب بدماء أهل البيت ، وجهاد المحلّين ، والدفع عن الضعفاء.

٢٨٩

المختار يولّي الولاة :

قال أبو مخنف : حدّثني حصيرة بن عبد الله الأزدي ، وفضيل بن خديج الكندي ، والنضر بن صالح العبسي ، قالوا :

أوّل رجل عقد له المختار راية عبد الله بن الحارث أخو الأشتر ، عقد له على أرمينية.

وبعث محمد بن عمير بن عطارد على آذربيجان.

وبعث عبد الرحمن بن سعيد بن قيس على الموصل.

وبعث إسحاق بن مسعود على المدائن وأرض جوخى.

وبعث قدامة بن أبي عسى بن ربيعة النصري.

وهو حليف لثقيف على بِهقُباذ الأعلى.

وبعث محمد بن كعب بن قرظة على بهقباذ الأوسط.

وبعث حبيب بن منقذ الثوري على بهقباذ الأسفل.

وبعث سعد بن حذيفة بن اليمان على حُلوان.

أمر المختار مع شريح بن هانئ :

قال ابن أبي الحديد : لمّا قام المختار بن أبي عبيد ، قال لشريح : ما قال لك أمير المؤمنين عليه‌السلام يوم كذا؟ قال : إنّه قال لي : كذا. قال : فلا والله ، لا تقعد حتّى تخرج إلى بانقيا تقضي بين اليهود ، فسيره إليها فقضى بين اليهود شهرين (١).

المختار يخلّص ابن الحنفيّة من إرهاب ابن الزبير :

قال الطبري : وفي هذه السنة قدمت الخشبية مكّة ، ووافوا الحجّ وأميرهم أبو عبد الله الجدلي (٢).

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ٤ / ٩٨.

(٢) قال في الإصابة ٥ / ١١١ : أبو عبد الله الجدلي مشهور بكنيته ، وقيل اسمه : عبد الرحمن ، قال ابن منده : هو قديم ، ثمّ ذكر في الصحابة ولا يصح. قال ابن حجر : أرسل شيئاً وهو معدود في التابعين ، ذكره ابن

٢٩٠

وكان السبب في ذلك فيما ذكر هشام عن أبي مخنف ، وعلي بن محمد ، عن مسلمة بن محارب : أنّ عبد الله بن الزبير حبس محمد بن الحنفيّة ومَنْ معه من أهل بيته ، وسبعة عشر رجلاً من وجوه أهل الكوفة بزمزم ، وكرهوا البيعة لمَنْ لم تجتمع عليه الأمّة ، وهربوا إلى الحرم ، وتوعّدهم بالقتل والإحراق ، وأعطى الله عهداً إن لم يبايعوا أن ينفذ فيهم ما توعّدهم به ، وضرب لهم في ذلك أجلاً. فأشار بعض مَنْ كان مع ابن الحنفيّة عليه أن يبعث إلى المختار ، وإلى مَنْ بالكوفة رسولاً يعلمهم حالهم وحال مَنْ معهم ، وما توعّدهم به ابن الزبير ؛ فوجّه ثلاثة نفر من أهل الكوفة إلى المختار وأهل الكوفة يعلمهم حاله وحال مَنْ معه ، وما توعّدهم به ابن الزبير من القتل والتحريق بالنار ، فقدموا على المختار.

فوجّه المختار أبا عبد الله الجدلي في سبعين راكبا من أهل القوة.

ووجه ظبيان بن عمارة أخا بني تميم ومعه أربعمئة وأبا المعتمر في مئة.

وهانئ بن قيس في مئة ، وعمير بن طارق في أربعين ، ويونس بن عمران في أربعين ، وكتب إلى محمد بن علي مع الطفيل بن عامر ومحمد بن قيس بتوجيه الجنود إليه.

فخرج الناس بعضهم في أثر بعض ، وجاء أبو عبد الله حتّى نزل ذات عرق في سبعين راكباً ، ثمّ لحقه عمير بن طارق في أربعين راكباً ، ويونس بن عمران في أربعين راكباً ، فتمّوا خمسين ومئة ، فسار بهم حتّى دخلوا المسجد الحرام ، وهم ينادون : يا لثارات الحسين! حتّى انتهوا إلى زمزم ، وقد أعدّ ابن الزبير الحطب ليحرقهم ، وكان قد بقي من الأجل يومان.

فطردوا الحرس وكسروا أعواد زمزم ، ودخلوا على ابن الحنفيّة ، فقالوا له : خلّ بيننا

__________________

سعد في الطبقة الأولى من تابعي أهل الكوفة ، وروى عن سلمان الفارسي ، وعن علي عليه‌السلام ، وعائشة وغيرهم. روى عنه الشعبي ، وأبو إسحاق السبيعي ، وسعيد بن خالد الجدلي وآخرون. ووثقه أحمد وابن معين والعجلي.

٢٩١

وبين عدوّ الله ابن الزبير. فقال لهم : إنّي لا أستحلّ القتال في حرم الله.

فقال ابن الزبير : أتحسبون أنّي مخلّ سبيلهم دون أن يبايع ويبايعوا؟ فقال أبو عبد الله الجدلي : إي وربّ الركن والمقام ، وربّ الحلّ والحرام ، لتخلينّ سبيله أو لنجالدنك بأسيافنا جلاداً يرتاب منه المبطلون.

فقال ابن الزبير : والله ما هؤلاء إلاّ أكلة رأس ، والله لو أذنت لأصحابي ما مضت ساعة حتّى تقطف رؤوسهم. فقال له قيس بن مالك : أما والله إنّي لأرجو أن رمت ذلك أن يوصل إليك قبل أن ترى فينا ما تحبّ.

فكفّ ابن الحنفيّة أصحابه وحذّرهم الفتنة ، ثمّ قدم أبو المعتمر في مئة ، وهانئ بن قيس في مئة ، وظبيان بن عمارة في مئتين ومعه مال حتّى دخلوا المسجد فكبّروا : يا لثارات الحسين! فلما رآهم ابن الزبير خافهم ، فخرج محمد بن الحنفيّة ومَنْ معه إلى شعب علي وهم يسبّون ابن الزبير ، ويستأذنون ابن الحنفيّة فيه ، فيأبى عليهم ، فاجتمع مع محمد بن علي في الشعب أربعة آلاف رجل ، فقسّم بينهم ذلك المال.

الحرب مع أهل الشام :

روى الطبري عن هشام بن محمد ، عن عوانة بن الحكم : أنّ مروان بن الحكم لمّا استوسقت له الشام بالطاعة ، بعث جيشين ؛ أحدهما إلى الحجاز عليه حبيش بن دلجة القيني ، وقد ذكرنا أمره وخبر مهلكه قبل ، والآخر منهما إلى العراق عليهم عبيد الله بن زياد ، وقد ذكرنا ما كان من أمره وأمر التوابين من الشيعة بعين الوردة. وكان مروان جعل لعبيد الله بن زياد إذ وجّهه إلى العراق ما غلب عليه ، وأمره أن ينهب الكوفة إذا هو ظفر بأهلها ثلاثاً.

قال الطبري : ثمّ دخلت سنة سبع وستين ، ذكر الخبر عمّا كان فيها من الأحداث فممّا كان فيها من ذلك مقتل عبيد الله بن زياد ومَنْ كان معه من أهل الشام.

٢٩٢

ذكر هشام بن محمد عن أبي مخنف قال : حدّثني أبو الصلت ، عن أبي سعيد الصيقل قال : مضينا مع إبراهيم بن الأشتر ونحن نريد عبيد الله بن زياد ومَنْ معه من أهل الشام ، فخرجنا مسرعين لا ننثني ، نريد أن نلقاه قبل أن يدخل أرض العراق.

قال المسعودي : ثمّ التقى الجيشان بالخازر ، فكانت بينهم وقعة عظيمة قُتل فيها عبيد الله بن زياد ، والحصين بن نمير السكوني ، وشرحبيل بن ذي الكلاع ، وابن حوشب ذي الظليم ، وعبد الله بن إياس السلمي ، وأبو أشرس ، وغالب الباهلي ، وأشراف أهل الشام.

قال الطبري : قال ابن الأشتر لأصحابه : قتلت رجلاً وجدت منه رائحة المسك ، شرقت يداه وغربت رجلاه ، تحت راية منفردة على شاطئ نهر خازر ، فالتمسوه فإذا هو عبيد الله بن زياد.

المختار يحيي مدرسة علي عليه‌السلام في الكوفة :

ثار المختار في ١٤ ربيع الأوّل سنة ٦٦ ، وقُتل رحمه‌الله في ١٤ رمضان سنة ٦٧ ، وقال ابن خياط : سنة ٦٨ هـ ، فكانت مدّة ولايته ثمانية عشر شهراً (١) ، وهي قصيرة جدّاً ، غير أنّها حقّقت أعظم الإنجازات على مستوى خطّة الحسين عليه‌السلام :

١ ـ فقد أقامت تجربة حكم عادلة في الكوفة ، استعادت فيها مدرسة علي في الكوفة والبلاد التابعة لها شمالاً وشرقاً أنفاسها بعد اختناق كاد يقضي عليها دام خمس عشرة سنة تقريباً ، ونشطت البقية الباقية من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي اتبعوا علياً ، والبقية الباقية ممّن تربّى على يد علي ونهل من علمه ؛ ليثقفوا الجيل الجديد بأحاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في أهل بيته عليهم‌السلام ، وبسيرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الصحيحة وسيرة علي عليه‌السلام. وبسبب هذه الفترة القصيرة امتد البناء الثقافي العلوي للكوفة ، وعبر أخطر عملية تذويب واحتواء قام بها ابن الزبير والحجّاج من بعده في العراق ، وبقيت الكوفة تحتل الثقل الأكبر في رواية أحاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في فضل أهل البيت عليهم‌السلام ، ورواية تراث علي عليه‌السلام وخطبه.

__________________

(١) تاريخ خليفة بن خياط.

٢٩٣

٢ ـ الاقتصاص من قتلة الحسين عليه‌السلام ؛ عمر بن سعد وشمر وخولّي وعبيد الله بن زياد ونظرائهم ، ولم يفلت منهم القليل.

٣ ـ حرب رأس ضلالة بني اُميّة في الشام ، وقتل عبيد الله بن زياد ، وهزيمة الجيش الشامي.

٤ ـ نصرة ابن الحنفيّة وابن عباس في الحجاز ، وإنقاذهم من القتل الذي كان ينتظرهم ؛ وذلك لأنّ ابن الزبير كانت أطروحته الفكرية هي إحياء سيرة الشيخين في الحجّ وغيره ، وكان ابن عباس وابن الحنفيّة يفتيان بمتعة الحجّ إحياء لمدرسة علي وسنّة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم يجد ابن الزبير طريقاً لتطويق ابن عباس وابن الحنفيّة إلاّ أن يفرض عليهما بيعته ليتقيدا بسياسته ، ولم يعطياه ذلك ، فحصرهم عند زمزم ، وأمهلهم لمدّة معينة ، ثمّ فُكّ الحصار عنهما كما مرّ علينا.

وفيما يلي بعض شواهد إحياء مدرسة علي عليه‌السلام :

موقف الزبير من متعة الحج :

قال المسعودي : حدّثنا ابن عمّار ، عن علي بن محمد بن سليمان النوفلي قال : حدّثني ابن عائشة والعتبي جميعاً عن أبويهما (وألفاظهما متقاربة) قالا : خطب ابن الزبير فقال : ما بال أقوام يفتون في المتعة ، وينتقصون حواري الرسول ، واُمّ المؤمنين عائشة؟ ما بالهم أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم؟ يعرض بابن عباس.

فقال ابن عباس : يا غلام ، أصمدني صِمْدَه. فقال : يابن الزبير :

قد أنصف القَارةَ مَن راماها

إنّا إذا ما فئة نلقاها

نردّ اُولاها على أُخراها

أمّا قولك في المتعة ، فسل اُمّك تخبرك ؛ فإنّ متعة سطع مجمرها لمجمر سطع بين اُمّك وأبيك ، (يريد متعة الحج).

وأمّا قولك : (اُمّ المؤمنين) فبنا سمّيت اُمّ المؤمنين ، وبنا ضرب الله عليها الحجاب.

٢٩٤

وأمّا قولك : (حواري رسول الله) فقد لقيت أباك في الزحف مع أمام هدى ، فإن يكن على ما أقول فقد كفر بقتالنا ، وإن يكن على ما تقول فقد كفر بهربه عنّا. فانقطع ابن الزبير ودخل على اُمّه أسماء فأخبرها ، فقالت : صدق (١).

بعض روايات زيد بن أرقم (ت ٦٨) أيام المختار :

تربّى زيد بن أرقم الأنصاري الخزرجي في حجر عبد الله بن رواحة ، وتوفي النبي وهو ابن العشرينات ، شهد مع النبي سبع عشرة غزوة. (أبو عمرو ، ويُقال : أبو عامر ، ويُقال : أبو عمارة ، ويُقال : أبو أنيسة ، ويُقال : أبو حمزة ، ويُقال : أبو سعد ، ويُقال : أبو سعيد المدني) ، نزل الكوفة ، شهد صفين مع علي عليه‌السلام. قال ابن عبد البر : وكان من خواص أصحاب علي. قال خليفة بن خياط : مات بالكوفة أيام المختار سنة ست وستين. وقال الهيثم بن عدي وغير واحد : مات سنة ثمان وستين. قال المزي : روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعن علي بن أبي طالب.

روى عنه : أنس بن مالك خ فيما كتب إليه ، وإياس بن أبي رملة الشامي د س ق ، وثمامة بن عقبة المحلمي س ، وحبيب بن أبي ثابت (ت ١١٩) ، وحبيب بن يسار الكندي ت س ، وأبو عمر وسعد بن إياس الشيباني خ م د ت س ، وصبيح مولى اُمّ سلمة ت ق ، ويُقال : مولى زيد بن أرقم ، وطاووس بن كيسان م س ، وأبو حمزة طلحة بن يزيد مولى الأنصار خ د ت س ، وأبو الطفيل عامر بن واثلة الليثي ت س (ت ١٠٠) روى حديث الثقلين ، وعبد الله بن الحارث البصري نسيب بن سيرين م س ، وعبد الله بن الخليل الحضرمي الكوفي د س ، وعبد خير الهمداني د س ق ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ع ، وأبو المنهال عبد الرحمن بن مطعم خ م س ، وأبو عثمان عبد الرحمن بن مل النهدي م ت ، وعطاء بن أبي رباح د س ، وعطية العوفي ، وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي خ م د

__________________

(١) مروج الذهب ٣ / ٨١.

٢٩٥

ت س ، والقاسم بن عوف الشيباني م سي ق ، ومحمد بن كعب القرظي خ ت س ، وميمون أبو عبد الله ت س ق ، والنضر بن أنس بن مالك م د ت سي ق ، ونفيع أبو داود الأعمى ق ، ويزيد بن حيان التيمي م د س روى حديث الثقلين ، وأبو سعيد الأزدي ت ، وأبو مسلم البجلي د سي ، وأبو وقاص د ت أحد المجهولين (١).

انطلق زيد وهو ابن الثمانينات في عهد المختار يحدّث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعن علي عليه‌السلام ، وفيما يلي طرف ممّا عثرنا على أحاديثه :

قال الطبراني : حدّثنا علي بن عبد العزيز ، ثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل ، ثنا إسرائيل ، عن عثمان بن المغيرة ، عن علي بن ربيعة ، قال : لقيت زيد بن أرقم داخلاً على المختار أو خارجاً (٢) ، قال : قلت : حديثاً بلغني عنك ، سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي». قال : نعم (٣).

وقال أيضاً : حدّثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ، ثنا جعفر بن حميد ، ح حدّثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، حدّثنا النضر بن سعيد أبو صهيب قالا : ثنا عبد الله بن بكير ، عن حكيم بن جبير ، عن أبي الطفيل ، عن زيد بن أرقم قال : نزل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الجحفة ، ثمّ أقبل على الناس فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : «إنّي لا أجد لنبي إلاّ نصف عمر الذي قبله ، وإنّي أوشك أن أُدعى فأجيب ، فما أنتم قائلون؟». قالوا : نصحت. قال : «أليس تشهدون أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمداً عبده ورسوله ، وأنّ الجنّة حقّ ، والنار حقّ ، وأنّ البعث بعد الموت حقّ؟». قالوا : نشهد. قال : فرفع يديه فوضعهما على صدره ، ثمّ قال : «وأنا أشهد معكم». ثمّ قال : «ألا تسمعون؟». قالوا : نعم. قال : «فإنّي فرطكم على الحوض ، وأنتم واردون عليّ الحوض ، وإنّ عرضه أبعد ما بين صنعاء وبُصرى ، فيه أقداح عدد النجوم من فضة ، فانظروا كيف

__________________

(١) تهذيب الكمال.

(٢) المعرفة والتاريخ ، مسند أحمد ٤ / ٣٧١ ، مشكل الآثار ٤ / ٣٦٨ ، ينابيع المودّة ١ / ٣٦٨.

(٣) المعجم الكبير ٥ / ١٨٦.

٢٩٦

تخلفوني في الثقلين؟». فنادى مناد : وما الثقلان يا رسول الله؟ قال : «كتاب الله طرف بيد الله عزّ وجلّ وطرف بأيديكم ، فاستمسكوا به لا تضلوا ، والآخر عترتي ، وإنّ اللطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يتفرقا حتّى يردا عليّ الحوض ، وسألت ذلك لهما ربّي ؛ فلا تقدموهما فتهلكوا ، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ، ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم». ثمّ أخذ بيد علي (رضي الله تعالى عنه) فقال : «مَنْ كنت أولى به من نفسي فعلي وليّه ، اللّهمّ وال مَنْ والاه ، وعاد مَنْ عاداه» (١).

وقال أيضاً : حدّثنا أبو حصين القاضي ، ثنا يحيى الحماني ، ثنا أبو إسرائيل الملائي ، عن الحكم ، عن أبي سلمان المؤذّن ، عن زيد بن أرقم قال : نشد علي الناس : «أُنشد الله رجلاً سمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : مَنْ كنت مولاه فعلي مولاه ، اللّهمّ وال مَنْ والاه ، وعاد مَنْ عاداه». فقام اثنا عشر بدريّاً ، فشهدوا بذلك. قال زيد : وكنت أنا فيمَنْ كتم ، فذهب بصري (٢).

وقال أيضاً : حدّثنا علي بن عبد العزيز ، ثنا أبو نعيم ، ثنا العلاء بن صالح ، ثنا أبو سلمان المؤذّن أنّه صلّى مع زيد بن أرقم على جنازة فكبّر عليها خمس تكبيرات ، فقلت : أوهمت أم عمداً؟ فقال : بل عمداً ؛ إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يصلّيها (٣).

أقول : كان ذلك أيّام المختار ، وذلك لمّا ذكروا أنّ أبا سلمان هذا هو مؤذّن الحجّاج.

وروى أيضاً قال : حدّثنا علي بن عبد العزيز ، ثنا مسلم بن إبراهيم ، ثنا شعبة ، عن الحكم ، عن بن أبي ليلى قال : صلّيت خلف زيد بن أرقم على جنازة فكبّر عليها أربعاً ، ثمّ صلّيت خلفه على اُخرى فكبّر عليها خمساً ، فسألته ، فقال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يكبّرها (٤).

__________________

(١) المعجم الكبير ٥ / ١٦٦.

(٢) المعجم الكبير ٥ / ١٧٥.

(٣) المعجم الكبير ٥ / ١٧٤.

(٤) المعجم الكبير ٥ / ١٦٨.

٢٩٧

أقول : كان يصلّي أربعاً أيام زياد وغيره لفتوى السلطة ، وصلاّها خمساً أيام المختار إحياءً للسنّة النبويّة.

روى أحمد ، حدّثنا إبراهيم ، ثنا أبو الوليد ، ثنا شعبة عن عمر (ويعني ابن مرّة) قال : سمعت أبا حمزة يقول : سمعت زيد بن أرقم يقول : أوّل مَنْ صلى مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله علي بن أبي طالب (١).

وقال : حدّثنا علي بن الحسين ، ثنا إبراهيم بن إسماعيل ، ثنا أبي ، عن أبيه ، عن سلمة بن كهيل ، عن أبي ليلى الكندي (٢) أنّه حدّثه قال : سمعت زيد بن أرقم يقول ونحن ننتظر جنازة ، فسأله رجل من القوم ، فقال : أبا عامر ، أسمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول يوم غدير خم لعلي : «مَنْ كنت مولاه فعلي مولاه؟». قال : نعم. قال أبو ليلى : فقلت لزيد بن أرقم : قالها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ قال : نعم ، قد قالها له أربع مرّات؟

__________________

(١) الفضائل ٢ / ٦٠٩.

(٢) قال ابن حجر في تقريب التهذيب : أبو ليلى الكندي ، مولاهم الكوفي ، يُقال : هو سلمة بن معاوية ، وقيل بالعكس ، وقيل : سعيد بن بشر ، وقيل : المعلّى. ثقة من الثانية بخ د ق. تهذيب الكمال : بخ د ق أبو ليلى الكندي ، يُقال : مولاهم الكوفي ، قيل : اسمه سلمة بن معاوية ، وقيل : معاوية بن سلمة. وقال أبو حاتم ، عن زكريا بن عدي : اسمه سعيد بن أشرف بن سنان ، وقيل عن أبي سعيد الأشج : اسمه المعلّى. روى عن حجر بن عدي بن الأدبر وحريز ، (أو أبي) حريز ، وله صحبة ، وخباب بن الأرت ق ، وسويد بن غفلة د ق ، وسلمان الفارسي بخ ، وعثمان بن عفان ، وأمّ سلمة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله. روى عنه عبد الملك بن أبي سليمان ، وعثمان بن أبي زرعة الثقفي د ق ، وأبو إسحاق السبيعي ق ، وأبو جعفر الفرّاء بخ. قال أحمد بن سعد بن أبي مريم ، عن يحيى بن معين : ثقة مشهور. وفرّق الحاكم أبو أحمد بين أبي ليلى الكندي سلمة بن معاوية ، ويُقال : معاوية بن سلمة. روى عن سلمان وروى عنه أبو إسحاق ، وبين أبي ليلى الكندي ، روى عن سويد بن غفلة ، وروى عنه عثمان بن أبي زرعة. وذكر الراوي عن سويد بن غفلة ، فيمَنْ لم يقف على اسمه ، وقال : ضعّفه يحيى بن معين ، وقال : حدّثني علي بن محمد بن سختويه قال : سمعت محمد بن عثمان بن أبي شيبة قال : سمعت يحيى (يعني ابن معين) ، وسُئل عن أبي ليلى الكندي ، فقال : كان ضعيفاً. روى له البخاري في الأدب ، وأبو داود وابن ماجة. قال ابن حجر في التهذيب : قلت : وقال العجلي : أبو ليلى الكندي كوفي تابعي ثقة.

٢٩٨

فقال: نعم(١)).

وروى الطبراني قال : حدّثنا علي بن عبد العزيز ، ثنا أبو نعيم ، ثنا كامل أبو العلاء قال : سمعت حبيب بن أبي ثابت يحدّث عن يحيى بن جعدة (١) ، عن زيد بن أرقم قال : خرجنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى انتهينا إلى غدير خم ، أمر بدوح فكسح في يوم ما أتى علينا يوم كان أشدّ حرّاً منه ، فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : «يا أيّها الناس ، إنّه لم يُبعث نبي قطّ إلاّ عاش نصف ما عاش الذي كان قبله ، وإنّي أوشك أن أُدعى فأجيب ، وإنّي تارك فيكم ما لن تضلوا بعده كتاب الله». ثمّ قام وأخذ بيد علي (رضي الله تعالى عنه) فقال : «يا أيّها الناس ، مَنْ أولى بكم من أنفسكم؟». قالوا : الله ورسوله أعلم. قال : «مَنْ كنت مولاه فعلي مولاه» (٢).

أقول : لم يذكر الراوي قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «وعترتي» بعد قوله «كتاب الله» ، على سبيل الإشارة للحديث ؛ إذ لم يكن بصدد ذكر تمام الرواية ، وهذا ديدن لأهل الرواية معروف.

وروى الحاكم قال : أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر البزاز ببغداد ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدّثني أبي ، ثنا محمد بن جعفر ، ثنا عوف عن ميمون أبي عبد الله ، عن زيد بن أرقم قال : كانت لنفر من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أبواب شارعة في المسجد ،

__________________

(١) الفضائل ٢ / ٦١٣.

(٢) تهذيب الكمال : د تم س ق يحيى بن جعدة بن هبيرة بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم القرشي المخزومي ، وأمّ هانئ بنت أبي طالب أخت علي بن أبي طالب جدّته أمّ أبيه. روى عن خباب بن الأرت ، وزيد بن أرقم ، وعبد الله بن عمرو بن عبد القاري س ق ، وعبد الله بن مسعود ، وعبد الرحمن بن عبد القارئ ، وكعب بن عجرة ، وأبي الدرداء ، وأبي هريرة د ، وجدّته أمّ هانئ بنت أبي طالب تم س ق. روى عنه ثوير بن أبي فاختة ، وحبيب بن أبي ثابت ، وعلي بن زيد بن جدعان ، وعمرو بن دينار مد س ق ، ومجاهد بن جبر المكي ، ومحمد بن الحارث بن سفيان بن عبد الأسد المخزومي ، وأبو العلاء هلال بن خباب تم س ق ، وأبو الزبير المكي د. قال أبو حاتم والنسائي : ثقة ، وذكره ابن حبان في كتاب الثقات. روى له أبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة.

(٣) المعجم الكبير ٥ / ١٧١.

٢٩٩

فقال يوماً : «سدّوا هذه الأبواب إلاّ باب علي». قال : فتكلم في ذلك ناس. فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : «أمّا بعد ، فإنّي اُمرت بسدّ هذه الأبواب غير باب علي ، فقال فيه قائلكم. والله ما سددت شيئاً ولا فتحته ، ولكن أمرت بشيء فاتبعته». هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه (١).

المعجم الكبير ٣ / ٤٠ حدّثنا محمد بن راشد ، ثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ، ثنا حسين بن محمد ، ثنا سليمان بن قرم ، عن أبي الجحاف ، عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن صبيح مولى اُمّ سلمة (رضي الله تعالى عنها) ، عن جدّه ، عن زيد بن أرقم قال : مرّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على بيت فيه فاطمة وعلي وحسن وحسين (رضي الله تعالى عنهم) ، فقال : «أنا حرب لمَنْ حاربتم ، وسلم لمَنْ سالمتم».

الترمذي ٥ / ٦٩٩ حدّثنا سليمان بن عبد الجبار البغدادي ، حدّثنا علي بن قادم ، حدّثنا أسباط بن نصر الهمداني ، عن السدي ، عن صبيح مولى اُمّ سلمة ، عن زيد بن أرقم : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعلي وفاطمة والحسن والحسين : «أنا حرب لمَنْ حاربتم ، وسلم لمَنْ سالمتم».

قال أبو عيسى : هذا حديث غريب ، إنّما نعرفه من هذا الوجه ، وصبيح مولى اُمّ سلمة ليس بمعروف.

أقول : (روى أحمد في مسنده) حدّثنا عبد الله ، حدّثني أبي ، ثنا تليد بن سليمان قال : ثنا أبو الحجاف ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة قال : نظر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى علي والحسن والحسين وفاطمة فقال : «أنا حرب لمَنْ حاربكم ، وسلم لمَنْ سالمكم».

المستدرك ٣ / ١٣٩ حدّثنا بكر بن محمد الصيرفي بمرو ، ثنا إسحاق ، ثنا القاسم بن أبي شيبة ، ثنا يحيى بن يعلى الأسلمي ، ثنا (تاريخ دمشق ٤٢ / ٢٤٢ بسنده عن) عمار بن زريق ، عن أبي إسحاق (المعجم الكبير ٥ / ١٩٤) ، عن زياد بن مطرف ، عن زيد بن أرقم (رضي الله تعالى عنه)

__________________

(١) المستدرك ٣ / ١٣٥ ، السنن الكبرى ٥ / ١١٨ ، فضائل الصحابة ٢ / ٥٨١.

٣٠٠