الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام

السيّد سامي البدري

الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام

المؤلف:

السيّد سامي البدري


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: ياسين
الطبعة: ١
ISBN: 964-499-093-5
الصفحات: ٥٢٧

١
٢

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسّلام على محمّد وآله الطاهرين.

الإهداء

إلى الذين جعلوا الحسين عليه‌السلام عنوان مسيرتهم إلى الله تعالى ، وحملوا تراث النبوّة الخاتمة عن الأئمّة التسعة من ذرّية الحسين عليه‌السلام.

وإلى شيعة علي عليه‌السلام في العراق خاصّة الذين أثبتوا للعالم أجمع اليوم ، وخلال العهود المتطاولة ، أنّهم أوفياء لهذا المنهج ، ودفعوا الثمن غالياً لأجله.

أهدي هذا الجهد المتواضع أبتغي به الإسهام في خدمتهم ، وبلسمة جراحاتهم قربة إلى ربِّ الحسين ، ورغبة في شفاعة الحسين وجدّه وأبيه واُمّه وأخيه والتسعة من بنيه (صلوات الله عليهم أجمعين).

صغير شيعة علي عليه‌السلام

سامي البدري

٣
٤

          عن أبي حمزة الثمالي ، قال الصادق عليه‌السلام : «قل إذا زرت الحسين عليه‌السلام :

اللّهمّ إنّي أَشهَدُ أنّ هذا قبرُ ابنِ حبيبِك ، وصَفوتِك من خلقِك ، وأنّه الفائزُ بكرامتِك ، أكرمتَه بكتابِك ، وخصَصْتَه وائتمَنْتَه على وحيك ، وأعطيتَه مواريثَ الأنبياء ، وجعلته حجّة على خلقِك ، فأعذرَ في الدعاء ، وبذَل مُهجتَه فيك ؛ ليستنقذ عبادَك من الضلالة والجهالة والعَمى ، والشك والارتياب إلى باب الهدى».

رواه ابن قولويه في كتابه كامل ‏الزيارات (ص : ٢٢٣) ، قال : حدّثني أبو عبد الرحمن محمّد بن أحمد بن الحسين العسكري ، ومحمد بن الحسن جميعاً عن الحسن بن علي بن مهزيار ، عن أبيه علي بن مهزيار ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن محمّد بن مروان :

(وأعطيته مواريث الأنبياء) : أي تسلّم الحسين عليه‌السلام مواريث الأنبياء بعد موت أخيه الحسن عليه‌السلام ، فهو وأخوه وأبوهما من قبل والتسعة من ذرّيته عليهم‌السلام من بعدهم المذكورون في قوله تعالى : (ثمّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُو الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) (فاطر / ٣٢).

(فأعذر في الدعاء) : أي بذل جهده في الدعوة إلى الله تعالى.

٥
٦

نظرة إجمالية لبحوث الكتاب

الباب الأوّل : بحوث تمهيديّة

١ ـ الاُطروحات الأساسية التي عرّفت بالحسين عليه‌السلام.

٢ ـ كتاب أبي مخنف حول قتل الحسين عليه‌السلام وحركة المختار.

٣ ـ الوظيفة الإلهيّة للأئمّة الاثني عشر عليهم‌السلام.

٤ ـ خلاصة بالواقع التاريخي لسير النبي وعلي والحسن (صلوات الله عليهم أجمعين) في أداء وظيفتهم الإلهيّة قبل حركة الحسين عليه‌السلام.

الباب الثاني : الانقلاب الاُموي

الفصل الأوّل : معاوية ينقض عهده مع الحسن عليه‌السلام.

الفصل الثاني : خطّة معاوية لتصفية التشيّع في الكوفة.

الفصل الثالث : مقتل حجر بن عدي وأصحابه (رضوان الله عليهم).

الفصل الرابع : اُطروحة معاوية للحكم.

الباب الثالث : حركة الحسين عليه‌السلام في مواجهة الانقلاب الاُموي

الفصل الأوّل : السكوت والعمل السري في عهد معاوية.

الفصل الثاني : نهضة الحسين عليه‌السلام للتغيير بعد موت معاوية.

الفصل الثالث : طرف من أخبار شهادة الحسين عليه‌السلام وأصحابه وأهل بيته.

الباب الرابع : آثار نهضة الحسين عليه‌السلام وشهادته

الفصل الأوّل : ردود الفعل السريعة لمقتل الحسين عليه‌السلام.

الفصل الثاني : تتابع الثورات وانهيار الحكم الاُموي.

الفصل الثالث : إعادة انتشار أحاديث النبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في أهل بيته عليهم‌السلام ، والروايات الصحيحة عن السيرة والتاريخ.

الفصل الرابع : حركة الأئمّة من ذرّية الحسين عليهم‌السلام.

الباب الخامس : خلاصة وخاتمة

٧
٨

المقدّمة

الحمد لله ربّ العالمين

والصلاة والسلام على رسوله محمّد وعلى آله الطاهرين

قارئي الكريم ، بين يديك المجموعة الاُولى من البحوث عن الإمام الحسين عليه‌السلام ، ويليها إن شاء الله تعالى مجموعة ثانية أعتبرها حصيلة عهد تمَّ بيني وبين نفسي عندما اقتربت من العشرين ، حيث عزمت على أن أتعامل مع موسم المحرّم ، وبخاصّة الأيام العشرة الأولى ، على أنّها موسم تفكير وبحث في قضية الحسين عليه‌السلام ، وآثارها الفكرية والسياسية والاجتماعية التي امتدّت إلى أربعة عشر قرناً تقريباً وإلى ما شاء الله. ويكفينا ما يمكن تسميته بالظاهرة الحسينيّة التي يشهدها المسلمون كلّ عام ، وبدأ يشهدها العالم كلّه من خلال انتشار الشيعة في العالم ، ومن خلال القنوات الفضائية التي تبنّت نشر بعض أخبارها في الموسم نفسه. فإنّ أيّ مشاهد لما يبديه الشيعة يوم العاشر من المحرّم من مظاهر الحزن ، والتفاعل العميق مع الحدث الذي مضى عليه أربعة عشر قرناً تقريباً يفرض عليه أن يفكّر ، ويتساءل عن سرّ هذا الارتباط ودوافعه ، وبالتالي لا بد من البدء بدراسة الحدث وكما ترويه كتب التاريخ ، ثمّ تقييم الظاهرة بعد ذلك ، وما تكشف عنه من حقائق.

إنّ المجموعة الأولى من البحوث استهدفت دراسة الحدث الحسيني ، وأحسبني أنّني آثرت بعض الأفكار الجديدة على الرغم من كثرة البحوث التي أُنجزت من باحثين قبلي ، وأنا على يقين أنّ الباب سيبقى مفتوحاً للجديد في هذا الموضوع. لقد استهدفتُ أساساً

٩

أن اُسلّط الضوء على الأثر الفكري للحركة الحسينيّة الذي كان انبعاثاً لتراث النبوّة الخاتمة من جديد بعد أن بذل الاُمويّون كلّ جهدهم لتحريفه ؛ حيث فرّغوا الإسلام من محتواه الأصيل ، واستبدلوه بكذب في الطعن على علي عليه‌السلام ، ليس فقط لتغييب إمامته الدينية بل لتحويله إلى رمز للإلحاد يُلعن ويُتبرأ منه ، وفي قباله يكون القائد إلى الله الذي تكون طاعته قربى وزلفى تقود إلى الجنّة هم بنو اُميّة. وقد تناولت بحوث الكتاب هذه المسألة بشكل تفصيلي ، وأثبتت انبعاث التراث النبوي الصحيح من جديد بنهضة الحسين عليه‌السلام ، وأنّ شهادته كانت الباب الأوسع لكي يكتمل انبعاث ذلك التراث ، وتنكشف تلك الضلالة ، ويكون رموزها موضع لعن وبراءة إلى يوم الدين.

أمّا المجموعة الثانية فهي لا تدخل ضمن هذه السلسلة من البحوث التاريخيّة ، وإنّما هي بحوث تتصل بعلم الأديان المقارن والعقيدة الإسلاميّة والفكر الإسلامي ، من قبيل : بحث خبر الحسين عليه‌السلام في القرآن والتوراة والإنجيل ، بحث مجالس العزاء الحسيني تأسيس إلهي ، بحث الظاهرة الحسينية قراءة دلالية ، بحث النهضة الحسينيّة رؤى وتقييم ، وغيرها من البحوث ، وهي ناجزة ، أرجو أن تجد طريقها إلى النور قريباً.

وأودّ أنّ اُبيّن للقارئ الكريم أنّ هذا الجهد الذي يراه كما هو كان جاهزاً للطبع قبل أربع سنين تقريباً ، غير أنّي كنت أرغب في مراجعته لاستكمال النقص في بعض فصوله التي سوف يلتفت القارئ إلى أنّها بحاجة إلى استيعاب أكثر وتنظيم أدق ، ولكنّي رأيت أنّني لو بقيت أسيراً لهذه الرغبة فإنّ الكتاب سوف لن يشقّ طريقه إلى النور.

وأخيراً لا يفوتني أن أشكر ولدي وقرّة عيني السيد حسين على همّته في إخراج هذا الكتاب إلى النور.

١٠

الباب الأوّل

بحوث تمهيديّة

١ ـ الأطروحات الأساسية التي عرّفت بالحسين عليه‌السلام

٢ ـ كتاب أبي مخنف حول قتل الحسين عليه‌السلام وحركة المختار.

٣ ـ الوظيفة الإلهية للأئمّة الاثني عشر عليهم‌السلام.

٤ ـ خلاصة بالواقع التاريخي لسيرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

علي والحسن عليهما‌السلام في أداء وظيفتهم الإلهية قبل حركة الحسين عليه‌السلام.

١١
١٢

١ ـ الاُطروحات الأساسيّة التي عرَّفت بالحسين عليه‌السلام

وجدت من الناحية التاريخيّة ثلاث أطروحات تُعرّف بالحسين عليه‌السلام ونهضته تبعاً للنظرة إليه عليه‌السلام.

الاُطروحة الاُمويّة : الحسين عليه‌السلام مارق عن الدين :

تبنّى الإعلام الاُموي عرض الحسين عليه‌السلام على أنّه خارج على الدين ، وخارج على الخليفة الشرعي. وقد تبنّى بعض الكتّاب المعاصرين هذه الاُطروحة نظير الشيخ الخضري قال : وعلى الجملة ، فإنَّ الحسين أخطأ خطأً عظيماً في خروجه هذا الذي جرَّ على الأمّة وبالَ الفُرقة والاختلاف ، وزعزع عماد إلفتِها إلى يومنا هذا ... غاية الأمر أنّ الرجل طلب أمراً لم يتهيأ له ، ولم يعدّ له عدّته ، فحِيل بينه وبين ما يشتهي ، وقُتِل دونه (١). وذكر أحمد العسيري نظير هذا الكلام ، ثمّ ختمه بكلام الدكتور أحمد شلبي (٢) ولم ينسبه إليه ، قائلاً : وكانت هذه فتنة أيسر ما نقول عنها أنّها وسّعت باب الفرقة ، والتهمت الآلاف والملايين من المسلمين ، ولا يزال بابها مفتوحاً حتّى كتابة هذه السطور (٣).

__________________

(١) ‏الدولة الاُمويّة ـ الشيخ محمّد الخضري / ٣٢٧ ، دار المعرفة بيروت ١٤١٨ هجرية. والكتاب محاضرات في تاريخ الإسلام أُلقيت على طلاب الجامعة المصرية بطلب من مجلس إدارة الجامعة المصرية ، ورأت إدارة الجامعة أن تُجمع وتُطبع.

(٢) ‏موسوعة التاريخ الإسلامي ٧ / ٢٠٨ ط ٧ ـ القاهرة / ١٩٨٤.

(٣) ‏موجز التاريخ الإسلامي ـ أحمد محمود العسيري / ١٥٢ ط ١ ـ الدمام / ١٤١٧ هجرية.

١٣

الاُطروحة العباسيّة : الحسين عليه‌السلام ثائر شرعي ، غير أنّه أخطأ في تقديره الاُمور:

تبنّى الإعلام العباسي عرض الحسين عليه‌السلام على أنّه ثائر من أجل الملك ، وكان من حقّه الثورة وطلب الخلافة ، غير أنّه أخطأ مرتين :

الأولى : حين اختار الكوفة غاية لحركته من مكة رغم كثرة الناصحين له.

والثانية : حين اصطحب الأطفال والنساء معه ، وأنَّ مسؤولية قتل الحسين عليه‌السلام تقع على ابن زياد والكوفيِّين من شيعة علي عليه‌السلام. وقد كرّس أبو مخنف ونظراؤه من الرواة المعاصرين له رواياتهم لهذا التفسير ، وقد تبنّى العباسيّون هذه الاُطروحة للنهضة الحسينيّة بعد أن تعمّق الصِّراع بين الطالبيِّين والعباسيِّين ، واستحكم بعد قيام ثورة محمّد وإبراهيم ولدي عبد الله بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي عليهما‌السلام ، ثمّ القضاء عليها سنة ١٤٤ هجرية. وقد تبنّى أغلب المؤرّخين الذين كتبوا التاريخ في العهد العباسي هذه النظرة ؛ أمثال الطبري وغيره ، وحذا حذوهم أمثال الذهبي وابن كثير وغيره من القدامى ، وكثير من المعاصرين.

اُطروحة الأئمّة من ذرّية الحسين عليه‌السلام : الحسين وارث الأنبياء وإمام هدى :

عرض الأئمّة من ذرّية الحسين عليهم‌السلام الحسين عليه‌السلام على أنّه وارث الأنبياء ، وإمام الهدى ، وحجّة الله على خلقه. وهذا الموقع للحسين عليه‌السلام هو الذي نصَّت عليه الأحاديث النبويّة الصحيحة في الحسين عليه‌السلام ، وأنّه عليه‌السلام نهض لأجل هداية الناس بعد أن عمَّت ضلالة بني اُميّة. هذه الضلالة التي تمثّلت بتحريف الدين ، وطمس أحاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في أهل بيته عليهم‌السلام ، وعرض عليٍّ عليه‌السلام على أنّه رمز للفساد في الإسلام ، وعرض بني اُميّة على أنّهم أئمّة هدى ، وحجج الله على عباده. وهذا التفسير للحركة الحسينيّة يجده الباحث واضحاً جلياً في تراث أهل البيت عليهم‌السلام.

١٤

روى ابن قولويه بسنده عن أبي حمزة الثمالي ، قال : قال الصادق عليه‌السلام : «قُل ... اللّهمّ إنّي أَشهَدُ أنّ هذا قبرُ ابنِ حبيبِك وصَفوتِك من خلقِك ، وأنّه الفائزُ بكرامتِك ، أكرمتَه بكتابِك ، وخصَصْتَه وائتمَنْتَه على وحيك ، وأعطيتَه مواريثَ الأنبياء ، وجعلته حجةً على خَلقِك ، فأعذَرَ في الدعاء ، وبذَل مُهجتَه فيكَ ؛ ليستنقذَ عبادَك من الضَّلالة والجهالة ، والعَمى والشَّكِ والارتياب إلى باب الهدى.

السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله ، السلام عليك يا وارث نوح نبي الله ، السلام عليك يا وارث إبراهيم خليل الله ، السلام عليك يا وارث موسى كليم الله ، السلام عليك يا وارث عيسى روح الله ، السلام عليك يا وارث محمّد حبيب الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، السلام عليك يا وارث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وصي رسول الله ، وولي الله ، السلام عليك يا وارث الحسن بن علي الزكي ، السلام عليك يا وارث فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين ، السلام عليك أيها الصِّدِّيق الشهيد ، السلام عليك أيها الوصيّ ، السلام عليك أيها الوفيّ ، أشهد أنّك قد أقمت الصلاة ، وآتيت الزكاة ، وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر ، وعبدت الله مخلِصاً حتّى أتاك اليقين ، السلام عليك يا أبا عبد الله ورحمة الله وبركاته» (١).

وكتابنا هذا يقوم على الاُطروحة الثالثة ، فيتناول بالتفصيل :

كيف حرّف بنو اُميّة دين الله وسنّة نبيّه ، وكيف نهض الحسين عليه‌السلام بوجههم ، وكيف وفّق لتكون حركته وشهادتُه عليه‌السلام سبباًَ لهداية الناس إليه ، وسنّة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الصحيحة ، ولولا ذلك لكانت الأمّة إلى اليوم تعيش ضلالة بني اُميّة. وفي ضوء هذا التفسير تأتي ضرورة مواصلة إحياء ذكرى هذه الشهادة ؛ لأنّها مَعْلَمٌ ورايةٌ تنبِّه الغافلين من المسلمين والباحثين عن الحقيقة في تاريخ الإسلام : (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ).

__________________

(١) ‏ رواه ابن قولويه في كتابه كامل ‏الزيارات / ٢٢٣ ، قال : حدّثني أبو عبد الرحمن محمّد بن أحمد بن الحسين العسكري ومحمد بن الحسن جميعاً ، عن الحسن بن علي بن مهزيار ، عن أبيه علي بن مهزيار ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن محمّد بن مروان.

١٥

٢ ـ كتاب أبي مخنف حول مقتل الحسين عليه‌السلام وحركة المختار

قال فلهاوزن : وأَثْبَتُ حجّة … في تاريخ الشيعة طالما اتصل بالكوفة هو أبو مخنف ، والطبري يكاد لا يعتمد على غيره في ذكر أخبارهم ، وما أطولها (١).

أقول :

الطبري ليس حجّة حين يكثر من راوٍ معين في موضوع معين ، فلقد أكثَرَ في تاريخه من روايات سيف بن عمر في حروب الردّة ومقتل عثمان وحرب الجمل ، وتبيّن لدى التحقيق أنّ أكثر أخبار سيف في هذه المواضيع إمّا محرّفة ، أو موضوعة (٢).

والباحث في تاريخ الطبري يستطيع أن يكتشف أنّ الطبري كمؤرخ راعى في تأليفه لتاريخه أن يأتي منسجماً مع السياسة العباسيّة ؛ ولذا نراه يذكر الرواية العباسيّة الرسمية لقصة وفاة الإمام علي الرضا عليه‌السلام وهي : أنّه أكثر من أكل العنب فمات فجأة (٣).

__________________

(١) الخوارج والشيعة ـ يوليوس فلهوزن ، ترجمه عن الألمانية الدكتور عبد الرحمن بدوي / ١١٣ ط ٣ ، الكويت ١٩٧٨.

(٢) انظر كتب العلامة العسكري : خمسون ومئة صحابي مختلق (ثلاثة مجلدات) ، وعبد الله بن سبأ (مجلدان) ؛ فإنّها مكرّسة لدراسة أخبار سيف بن عمر وكشف الوضع والتحريف فيها.

(٣) تاريخ الطبري ٧ / ١٥. علّق اُستاذنا العلاّمة المحقّق السيد مرتضى العسكري حين قرأ هذه الصفحة من الكتاب عند زيارته إلى العراق سنة ٢٠٠٣ ، وكان نازلاً عندنا مدّة تلك الزيارة : لا يوجد مؤرخ من المتقدّمين والمتأخرين أكثر جناية على الحقّ والحقيقة عالماً عامداً مثل الطبري ؛ فقد قال في ذكر ما

١٦

تُعدُّ كتب أبي مخنف لوط بن يحي الأزدي (ت ما قبل ١٧٠هجرية) في مقتل الحسين عليه‌السلام ، وحركة التوابين ، وحركة المختار من أقدم وأشهر المصادر في موضوعه ، وقد تبنّى روايتها محمّد بن سعد في الطبقات الكبرى ، والطبري في التاريخ ، وابن أعثم في الفتوح ، والبلاذري في أنساب الأشراف ، وروى المسعودي طُرفاً منها في مروج الذهب ، ثمّ أخذ ابن الأثير في كتابه الكامل ، وابن كثير ، وابن خلدون ، والذهبي برواية الطبري ؛ لأنّه أوردها كاملة ، وعن هؤلاء أخذ المعنيون بالتاريخ الإسلامي من القدامى والمعاصرين ؛ شيعة كانوا أو سنّة.

لم يكن أبو مخنف من القائلين بالنصّ على علي عليه‌السلام ، فهو ليس شيعياً بالمعنى الخاصّ للتشيع. قال ابن أبي الحديد : وأبو مخنف من المحدّثين ، وممّن يرى صحة الإمامة بالاختيار ، وليس من الشيعة ولا معدوداً من رجالها (١).

وأكَّد ذلك الشيخ المفيد في كتابه عن حرب الجمل ، وقد أورد أخبار حرب الجمل عن أبي مخنف والواقدي وغيرهما ، قال بعدها : فهذه جملة من أخبار البصرة ، وسبب فتنتها ، ومقالات أصحاب الآراء في حكم الفتنة بها ، قد أوردناها على سبيل الاختصار ، وأثبتنا ما أثبتنا من الأخبار عن رجال العامّة دون الخاصّة ، ولم نثبت في ذلك ما روته كتب الشيعة (٢).

هذا وقد عاصر أبو مخنف أربعة من الأئمّة ؛ وهم السجاد والباقر والصادق

__________________

جرى بين الصحابي البر أبي ذر والخليفة الداهية معاوية : ... ذكروا اُموراً كثيرة كرهت ذكر أكثرها ، أمّا العاذرون معاوية فقد ذكروا قصة رواها .... وقال في ذكر ما جرى بين معاوية ومحمد بن أبي بكر ... : لا تتحمّل سماعها العامّة. أقول : فصّلنا الحديث عن منهج الطبري في كتابنا المدخل إلى دراسة مصادر السيرة والتاريخ.

(١) ‏شرح نهج البلاغة ١ / ١٤٧.

(٢) ‏الجمل / ٢٢٥.

١٧

والكاظم عليهم‌السلام ، ولم يروِ عن واحد منهم بشكل مباشر. نعم ، روى عن بعض أصحابهم بعض الروايات.

وقد وثَّقَ أبا مخنف في النقل عددٌ من أعلام الشيعة (١) ، إلاّ إنّ ذلك قابل للمناقشة ، ونحن نتَّئد على الأقل ، بل نرفض قبول فقرات مبثوثة في رواياته التي ترتبط بسيرة بعض الأئمّة عليهم‌السلام ، أو سيرة شيعتهم في الكوفة ، أو علاقة الأئمّة بهم في الفترة الواقعة من سنة حكم علي عليه‌السلام سنة ٣٥ هجرية وحروبه إلى مقتل المختار سنة ٦٧ هجرية ؛ وذلك لأنّها تُعطي رؤية تخالف الثابت عن أهل البيت عليهم‌السلام ، أو الثابت من التاريخ عن شيعتهم في الكوفة وعلاقتهم بهم.

من قبيل : أنّ الحسين عليه‌السلام ندم على أخذ نسائه وبناته معه ، وأنّه تذكَّر نصيحة ابن عباس يوم العاشر لمّا ارتفعت أصواتهن يوم العاشر من المحرّم عند احتدام القتال وسقوط القتلى (٢).

أو أنّ يزيد قال لعلي بن الحسين لمّا أمر بإرجاعه والسبايا إلى المدينة : لعن الله ابن مرجانة ، أما والله لو أنّي صاحبه ما سألني خصلة أبداً إلاّ أعطيتها إيّاه ، ولدفعت الحتف عنه بكلّ ما استطعت ولو بهلاك بعض ولدي ، ولكن الله قضى ما رأيت (٣).

__________________

(١) ‏انظر معجم رجال الحديث وقاموس الرجال.

(٢) قال أبو مخنف : حدّثني عبد الله بن عاصم ، قال : حدّثني الضحاك المشرقي قال : لمّا سمع أخوات الحسين كلام الحسين يخاطب القوم يوم العاشر صحن وبكين وبكى بناته ، فارتفعت أصواتهن ، فأرسل إليهنّ أخاه العباس بن علي وعلياً ابنه ، وقال لهما : «أسكتاهنّ ؛ فلعمري ليكثرنّ بكاؤهنّ». قال : فلمّا ذهبا ليسكتاهنّ ، قال : «لا يبعد ابن عباس» ، قال : فظننا أنّه إنّما قالها حين سمع بكاؤهنّ ؛ لأنّه قد كان نهاه أن يخرج بهنّ. (الطبري ٤ / ٣٢١) وقال أبو مخنف : وحدّثني الحارث بن كعب الوالبي ، عن عقبة بن سمعان : أنّ حسيناً لمّا أجمع المسير إلى الكوفة أتاه عبد الله بن عباس وقال له : فإن كنت سائراً فلا تسر بنسائك وصبيتك ، فوالله إنّي لخائف أن تُقتل كما قُتل عثمان ونساؤه وولده ينظرون إليه. الطبري ٤ / ٢٨٧.

(٣) تاريخ الطبري ٤ / ٣٥٣.

١٨

وهناك من الرواة من أسفَّ إلى أكثر من هذا كما فعل يزيد بن روح بن زنباغ الجذامي المعاصر لأبي مخنف ؛ [حيث] يروي عن الغاز بن ربيعة الجرشي من حمير ، قال : والله إنّا لعند يزيد بن معاوية بدمشق إذ أقبل زُحَر بن قيس حتّى دخل على يزيد بن معاوية ، فقال له يزيد : ويلك! ما وراءك وما عندك؟ فقال : أبشر يا أمير المؤمنين بفتح الله ونصره ؛ ورد علينا الحسين بن علي في ثمانية عشر من أهل بيته ، وستين من شيعته ، فسرنا إليهم فسألناهم أن يستسلموا وينزلوا على حكم الأمير عبيد الله بن زياد أو القتال ، فاختاروا القتال على الاستسلام ، فَعَدَوْنا عليهم مع شروق الشمس ، فأحطنا بهم من كلّ ناحية ، حتّى إذا أخذت السيوف مأخذها من هام القوم أخذوا يهربون إلى غير وَزَر ، ويلوذون منّا بالآكام والحفر ؛ لواذاً كما لاذ الحمائم من صقر. فوالله يا أمير المؤمنين ما كان إلاّ جَزْرَ جَزور ، أو نومةََ قائل حتّى أتينا على آخرهم ، فهاتيك أجسادهم مجرّدة ، وثيابهم مرمّلة ، وخدودهم معفّرة ، تصهرهم الشمس ، وتسفي عليهم الريح ، زوارهم العقبان والرخم .... قال : فدمعت عين يزيد ، وقال : قد كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين ، لعن الله ابن سمية ، أما والله لو أنّي صاحبه لعفوت عنه ، فرحم الله الحسين (١).

أو أنّ شيعة علي في الكوفة أمثال سليمان بن صرد والمسيب بن نجية وغيرهما كتبوا للحسين بالقدوم ثمّ خذلوه حتّى قُتل ، ثمّ ندموا بعد ذلك ونهضوا للأخذ بثأره.

وغير ذلك.

أقول :

إنّ الرؤية السلبية عن شيعة الكوفة رُسمت خطوطها من قبل أبي جعفر المنصور خاصّة ضمن مخطّط شامل لتطويق الكوفة وأهلها ، وتغيير الرؤية عن تاريخ علي والحسن والحسين عليهم‌السلام ؛ نكاية بالحسنيِّين الثائرين ، حيث كان هوى الثوّار من الكوفيِّين مع الحسنيِّين ، وهوى مَنْ يرى العلم والحديث مع الإمام جعفر الصادق وآبائه الأئمّة عليهم‌السلام. ثمّ

__________________

(١) ‏تاريخ الطبري ٤ / ٣٥١.

١٩

تحرّك الإعلام العباسي من خلال روايات الرواة الذين سايروا العباسيِّين في مخطّطهم رغبة في دنياهم ، فوضعوا وحرّفوا ما شاؤوا من الروايات.

أمّا كون هوى الكوفيِّين مع الحسنيِّين ، فقد قال الطبري : لمّا ظهر محمّد وإبراهيم ابنا عبد الله ، أرسل أبو جعفر (المنصور) إلى (عمّه) عبد الله بن علي وهو محبوس عنده : أنّ هذا الرجل قد خرج ، فإن كان عندك رأي فأشر به علينا ، وكان ذا رأى عندهم. فقال : ارتحل الساعة حتّى تأتي الكوفة ، فاجثُم (١) على أكبادهم فإنّهم شيعة أهل هذا البيت وأنصارُهم ، ثمّ احفُفْها بالمسالح ، فمَنْ خرج منها إلى وجه من الوجوه أو أتاها من وجه من الوجوه فاضرب عنقه (٢).

وأمّا كونهم في الفقه والحديث والعلم يتبعون للإمام جعفر الصادق وآبائه عليهم‌السلام ، فقد روى القاضي عياض (٣) الحوارَ الذي دار بين أبي جعفر المنصور ومالك بن أنس ؛ حيث عرض عليه أن يجعله مرجعاً فقهيّاً للدولة آنذاك.

قال مالك : فقلت له : ولأهل العراق قولاً تعدَّوْا فيه طورَهم.

فقال : أمّا أهل العراق فلست أقبل منهم صرفاً ولا عدلاً ، وإنّما العلم علم أهل المدينة ، فضع للناس العلم.

وفي رواية فقلت له : إنّ أهل العراق لا يرضون عِلمَنا.

فقال أبو جعفر : يضرب عليه عامَّتهم بالسيف ، وتقطع عليه ظهورهم بالسياط (٤).

وقد خطب المنصور في الكوفة سنة ١٤٤ هجرية بعد أن قبض على عبد الله بن الحسن والد محمّد وإبراهيم قبيل أن ينهضا ويثورا.

__________________

(١) جثُم يجثُم : لصق ولزم.

(٢) ‏تاريخ الطبري ٦ / ١٩٤.

(٣) انظر تفصيل ذلك في كتابنا المدخل إلى مصادر السيرة والتاريخ / ٤٧٠.

(٤) وكان المنصور قبل ذلك قد قال لأبي حنيفة : يا أبا حنيفة ، إنّ الناس قد فتنوا بجعفر بن محمّد فهيئ له من مسائلك الصعاب. الكامل في الضعفاء ـ ابن عدي ٢ / ١٣٢.

٢٠