الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام

السيّد سامي البدري

الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام

المؤلف:

السيّد سامي البدري


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: ياسين
الطبعة: ١
ISBN: 964-499-093-5
الصفحات: ٥٢٧

وإمّا الانصراف إليكنَّ في عافية ، وإنّ الذي كان يرزقكنّ ويكفيني مؤنتكنّ هو الله تعالى ، وهو حيٌّ لا يموت ، أرجو ألاّ يضيعكنّ وأن يحفظني (١).

حجر ومَن معه في مرج عذراء :

كان الذين مع حجر بن عدي بن جبلة الكندي هم :

الأرقم بن عبد الله الكندي من بني الأرقم.

وشريك بن شداد الحضرمي.

وصيفي بن فسيل.

وقبيصة بن ضبيعة بن حرملة العبسي (٢).

وكريم بن عفيف الخثعمي من بني عامر بن شهران ، ثمّ من قحافة.

وعاصم بن عوف البجلي.

وورقاء بن سمي البجلي.

وكدام بن حيان ، وعبد الرحمن بن حسان العنزيان من بني هميم.

ومحرز بن شهاب التميمي من بني منقر.

وعبد الله بن حوية السعدي من بني تميم.

فمضوا بهم حتّى نزلوا مرج عذراء فحبسوا بها. ثمّ إنّ زياداً أتبعهم برجلين آخرين مع عامر بن الأسود العجلي ، بعتبة بن الأخنس من بني سعد بن بكر بن هوازن ، وسعيد بن نمران الهمداني ، ثمّ الناعطي ، فتمّوا أربعة عشر رجلاً. فبعث معاوية إلى وائل بن حجر وكثير بن شهاب فأدخلهما وفضّ كتابهما ، فقرأه على أهل الشام ، فإذا فيه : بسم الله

__________________

(١) تاريخ الطبري ٥ / ٢٦٩ سنة ٥١.

(٢) قال ابن سعد (في الطبقات ٦ / ٢٣١) : قبيصة بن ضبيعة العبسي ، روى عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وكان قليل الحديث. أقول : كل أصحاب حجر من الرواة عن علي عليه‌السلام غير أنّ كتب التراجم أهملت ترجمتهم.

١٠١

الرحمن الرحيم. لعبد الله معاوية أمير المؤمنين من زياد بن أبي سفيان. أمّا بعد ، فإنّ الله قد أحسن عند أمير المؤمنين البلاء ، فكاد له عدوه ، وكفاه مؤنة مَنْ بغى عليه. إنّ طواغيت من هذه الترابية السبئية (١) رأسهم حجر بن عدي خالفوا أمير المؤمنين ، وفارقوا جماعة المسلمين ، ونصبوا لنا الحرب ، فأظهرنا الله عليهم وأمكننا منهم ، وقد دعوت خيار أهل المصر وأشرافهم ، وذوي السن والدين منهم فشهدوا عليهم بما رأوا وعملوا ، وقد بعثت بهم إلى أمير المؤمنين ، وكتبت شهادة صلحاء أهل المصر وخيارهم في أسفل كتابي هذا.

فلمّا قرأ الكتاب وشهادة الشهود عليهم قال : ماذا ترون في هؤلاء النفر الذين شهد عليهم قومهم بما تستمعون؟ فقال له يزيد بن أسد البجلي : أرى أن تفرّقهم في قرى الشام فيكفيكهم طواغيتها.

ودفع وائل بن حجر كتاب شريح بن هانئ إلى معاوية فقرأه ، فإذا فيه : بسم الله الرحمن الرحيم ، لعبد الله معاوية أمير المؤمنين من شريح بن هانئ. أمّا بعد ، فإنّه بلغني أنّ زياداً كتب إليك بشهادتي على حجر بن عدي ، وأن شهادتي على حجر أنّه ممّن يقيم الصلاة ، ويؤتي الزكاة ، ويديم الحج والعمرة ، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، حرام الدم والمال ، فإن شئت فاقتله وإن شئت فدعه.

فقرأ كتابه على وائل بن حجر وكثير فقال : ما أرى هذا إلاّ قد أخرج نفسه من شهادتكم ، فحبس القوم بمرج عذراء ، وكتب معاوية إلى زياد : أمّا بعد ، فقد فهمت ما اقتصصت به من أمر حجر وأصحابه ، وشهادة مَنْ قبلك عليهم ، فنظرتُ في ذلك ؛ فأحياناً أرى قتلهم أفضل من تركهم ، وأحياناً أرى العفو عنهم أفضل من قتلهم. والسلام (٢).

فكتب إليه زياد مع يزيد بن حجية بن ربيعة التيمي : أمّا بعد ، فقد قرأت كتابك ،

__________________

(١) الترابية : نسبة إلى أبي تراب ، وهو لقب علي الذي أشاعه الاُمويّون. والسبائية هنا تشير إلى القبائل اليمانية.

(٢) تاريخ الطبري ٥ / ٢٧٣ سنة ٥١.

١٠٢

وفهمت رأيك في حجر وأصحابه ، فعجبت لاشتباه الأمر عليك فيهم وقد شهد عليهم بما قد سمعت مَنْ هو أعلم بهم ، فإن كانت لك حاجة في هذا المصر فلا تردّن حجراً وأصحابه إليّ.

فأقبل يزيد بن حجية حتّى مرّ بهم بعذراء ، فقال : يا هؤلاء ، أما والله ما أرى براءتكم ، ولقد جئت بكتاب فيه الذبح ، فمروني بما أحببتم ممّا ترون أنّه لكم نافع أعمل به لكم وأنطق به. فقال حجر : أبلغ معاوية أنّا على بيعتنا لا نستقيلها ولا نقيلها ، وأنّه إنّما شهد علينا الأعداء والأظنّاء. فقدم يزيد بالكتاب إلى معاوية فقرأه ، وبلغه يزيد مقالة حجر ، فقال معاوية : زياد أصدق عندنا من حجر.

وأقبل عامر بن الأسود العجلي وهو بعذراء يريد معاوية ؛ ليعلمه علم الرجلين اللذين بعث بهما زياد.

فلمّا ولّى ليمضي قام إليه حجر بن عدي يرسف في القيود ، فقال : يا عامر ، اسمع منّي (أبلغ معاوية أنّ دماءنا عليه حرام ، وأخبره أنّا قد أومنّا ، وصالحنا وصالحناه ، وأنّا لم نقتل أحداً من أهل القبلة فيحلّ له دماؤنا) (١) ، فليتق الله ولينظر في أمرنا. فقال له نحواً من هذا الكلام ، فأعاد عليه حجر مراراً.

البراءة من علي عليه‌السلام أو القتل :

فجاء رسول معاوية إليهم بتخلية ستة وبقتل ثمانية ، فقال لهم رسول معاوية :

إنّا قد أمرنا أن نعرض عليكم البراءة من علي واللعن له ، فإن فعلتم تركناكم ، وإن أبيتم قتلناكم.

وإنّ أمير المؤمنين يزعم أنّ دماءكم قد حلّت له بشهادة أهل مصركم عليكم ، غير أنّه قد عفا عن ذلك ، فابرؤوا من هذا الرجل نخلّ سبيلكم.

قالوا : اللّهمّ إنّا لسنا فاعلي ذلك.

__________________

(١) ابن الأثير ٣ / ٤٨٤.

١٠٣

فأمر بقبورهم فحُفرت ، وأُدنيت أكفانهم ، وقاموا الليل كلّه يصلّون.

فلمّا أصبحوا قال أصحاب معاوية : يا هؤلاء ، لقد رأيناكم البارحة قد أطلتم الصلاة وأحسنتم الدعاء ، فأخبرونا ما قولكم في عثمان؟ قالوا : هو أوّل مَنْ جار في الحكم ، وعمل بغير الحق. فقال أصحاب معاوية : أمير المؤمنين كان أعلم بكم.

ثمّ قاموا إليهم فقالوا : تبرؤون من هذا الرجل؟ قالوا : بل نتولاّه ونتبرأ ممّن تبرّأ منه.

فأخذ كلّ رجل منهم رجلاّ ليقتله ، ووقع قبيصة بن ضبيعة في يدي أبي شريف البدّي ، فقال له قبيصة : إنّ الشرّ بين قومي وقومك آمن ، فليقتلني سواك. فقال له : برَّتك رحِم. فأخذ الحضرمي فقتله ، وقتل القضاعي قبيصة بن ضبيعة.

وقال عبد الرحمن بن حسان العنزي ، وكريم بن عفيف الخثعمي : ابعثوا بنا إلى أمير المؤمنين فنحن نقول في هذا الرجل مثل مقالته. فبعثوا إلى معاوية يخبرونه بمقالتهما ، فبعث إليهم : أن ائتوني بهما.

فلمّا دخلا عليه قال الخثعمي : الله الله يا معاوية! فإنّك منقول من هذه الدار الزائلة إلى الدار الآخرة الدائمة ، ثمّ مسؤول عمّا أردت بقتلنا ، وفيم سفكت دماءنا.

فقال معاوية : ما تقول في علي؟

قال : أقول فيه قولك ، أتبرأ من دين علي الذي كان يدين الله به؟ فسكت ، وكره معاوية أن يجيبه ، وقام شمر بن عبد الله من بني قحافة فقال : يا أمير المؤمنين ، هب لي ابن عمّي. قال : هو لك ، غير أنّي حابسه شهراً. فكان يرسل إليه بين كلّ يومين فيكلّمه ، وقال له : إنّي لأنفس بك على العراق أن يكون فيهم مثلك. ثمّ إنّ شمراً عاوده فيه الكلام ، فقال : نمرُّك على هبة ابن عمّك. فدعاه فخلّى سبيله على ألاّ يدخل إلى الكوفة ما كان له سلطان. فقال : تخيَّر أي بلاد العرب أحبّ إليك أن أسيّرك إليها؟ فاختار الموصل ، فكان يقول : لو قد مات معاوية قدمت المصر. فمات قبل معاوية بشهر.

١٠٤

ثمّ أقبل على عبد الرحمن العنزي فقال : إيه يا أخا ربيعة! ما قولك في علي؟ قال : دعني ولا تسألني فإنّه خير لك. قال : والله لا أدعك حتّى تخبرني عنه. قال : أشهد أنّه كان من الذاكرين الله كثيراً ، ومن الآمرين بالحقّ ، والقائمين بالقسط ، والعافين عن الناس.

قال : فما قولك في عثمان؟ قال : هو أوّل مَنْ فتح باب الظلم ، وارتج أبواب الحقّ. قال : قتلت نفسك. قال : بل إياك قتلت ولا ربيعة بالوادي ـ يقول حين كلم شمر الخثعمي في كريم بن عفيف الخثعمي ، ولم يكن له أحد من قومه يكلمه فيه ـ فبعث به معاوية إلى زياد ، وكتب إليه : أمّا بعد ، فإنّ هذا العنزي شرّ مَنْ بعثت ، فعاقبه عقوبته التي هو أهلها ، واقتله شرّ قتلة. فلمّا قدم به على زياد بعث به زياد إلى قس الناطف فدُفن به حيّاً (١).

قال أبو مخنف : ولمّا حمل العنزي والخثعمي إلى معاوية قال العنزي لحجر : يا حجر ، لا يبعدنّك الله ، فنعم أخو الإسلام كنت. وقال الخثعمي : لا تبعد ولا تفقد ، فقد كنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر. ثمّ ذُهب بهما.

وروى أحمد في الزهد والحاكم (٢) من طريق ابن سيرين أنّ حجراً قال : لا تطلقوا عنّي حديداً ، ولا تغسلوا عنّي دماً ؛ فإنّي لاق معاوية بالجادة وإنّي مخاصم.

قال البلاذري : حدّثني هشام بن عمّار ، عن شرحبيل بن مسلم قال : أوصى حجر ، قال : ادفنوني وما أصاب الأرض من دمي ، ولا تطلقوا حديدي ؛ فإنّي سألقى معاوية غداً ، إنّي والله ما قتلت أحداً ، ولا أحدثت حدثاً ، ولا آويت محدِثاً (٣).

أصداءُ قتل حجر :

روى ابن أبي الدنيا والحاكم ، وعمر بن شبة من طريق ابن عون ، عن نافع ، قال : لمّا

__________________

(١) تاريخ الطبري ٥ / ٢٧٧ ، حوادث سنة ٥١.

(٢) ‏في المستدرك ٣ / ٥٣٣.

(٣) أنساب الأشراف / القسم الرابع ، الجزء الأول / ٢٦٢.

١٠٥

انطُلق بحجر بن عدي كان ابن عمر يتخبّر عنه ، فأُخبر بقتله وهو بالسوق ، فأطلق حبوته وولّى وهو يبكي (١).

وروى الطبري وغيره : أنّ معاوية حين حجّ سنة ٥٦ هجرية مرّ على عائشة ، فاستأذن عليها فأذنت له ، فلمّا قعد قالت له : يا معاوية ، أأمنت أن اُخبِّئ لك مَنْ يقتلك؟! قال : بيت الأمن دخلت. قالت : يا معاوية ، أما خشيت الله في قتل حجر وأصحابه؟! قال : لست أنا قتلتهم ، إنّما قتلهم مَنْ شهد عليهم.

وفي رواية ابن عساكر : فقال لها : يا أمّ المؤمنين ، إنّي رأيت قتلهم صلاحاً للأمّة ، وأنّ بقاءهم فساداً للأمّة. فقالت : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «سيُقتل بعذراء أُناس يغضب الله لهم وأهل السماء» (٢).

وكانت عائشة تقول في حجر : أما والله ، إن كان ما علمت لمسلماً حجاجاً معتمراً (٣).

وروى عن عثمان البري قال : كان الحسن (البصري) إذا ذكر معاوية قال : ويل معاوية من حجر وأصحاب حجر! يا ويله (٤)!

قال ابن سيرين : بلغنا أنّ معاوية لمّا حضرته الوفاة جعل يقول : يومي منك يا حجر طويل (٥).

وقال سفيان الثوري : قال معاوية : ما قتلت أحداً إلاّ وأنا أعلم فيم قتلته إلاّ حجر

__________________

(١) الاستيعاب ـ ترجمة حجر.

(٢) أنساب الأشراف ـ القسم الرابع ، الجزء الأوّل / ٢٦٦ ، تهذيب تاريخ دمشق ـ لابن عساكر ٦ / ٢٤١ ، ترجمة حجر. وفيه أيضاً وفي دلائل البيهقي ، وتاريخ يعقوب بن سفيان عن عبد الله بن زرير الغافقي قال : سمعت علي بن أبي طالب يقول : «يا أهل العراق ، سيُقتل منكم سبعة نفر بعذراء ، مثلُهم كمثل أصحاب الاُخدود».

(٣) تاريخ الطبري ٥ / ٢٧٩.

(٤) البلاذري ق ٤ ج ١ / ٢٦٥ ، الطبري ، ابن الأثير.

(٥) ابن الأثير ٣ / ٤٨٨.

١٠٦

فإنّي لا أعرف فيم قتلته (١).

قيل لأبي إسحاق السبيعي : متى ذلّ الناس؟ قال : حين مات الحسن وادّعي زياد وقّتل حجر (٢).

أقول : بموت الحسن عليه‌السلام دخل الذلّ على كلّ الأقطار حين سنّ معاوية سنّة لعن علي عليه‌السلام وسبّه على المنابر ، والكوفة عاشت الذلّ الخاصّ بكونها مركز نصرة علي عليه‌السلام.

أمّا الذلّ الذي دخل الكوفة بسبب استلحاق زياد ، فهو أن يكون الوالي عليها ، وإمام جمعتها ابن زنا ، وهذا الذلّ تشترك فيه مع البصرة.

أمّا الذلّ الذي دخل عليها بعد قتل حجر ، فهو لعن علي عليه‌السلام أو القتل صبراً ، وهو أشدّ أنواع الذلّ التي مرّت به الكوفة ، وقد بدأ بقتل حجر إذ لم يقُتل أحد بسبب ذلك قبله.

قال البلاذري : قال الربيع بن زياد وكان بناحية خراسان لمّا قُتل حجر : هل من ثائر؟ هل من معين؟ هل من منكر؟ قال ذلك مراراً فلم يجبه أحد ، فقال : أمّا إذا أبيتم فستبتلون بالقتل صبراً على الظلم (٣).

قال الطبري : قال علي : وأخبرني محمّد بن الفضل ، عن أبيه ، قال : بلغني أنّ الربيع بن زياد ذكر يوماً بخراسان حجر بن عدي ، فقال : لا تزال العرب تُقتل صبراً بعده ، ولو نفرت عند قتله لم يُقتل رجل منهم صبراً ، ولكنّها أقرّت فذلّت. فمكث بعد هذا الكلام جمعة (٤) ومات في العام الذي مات فيه ابن زياد.

أقول :

كلام الربيع كلام مَنْ لم يعرف خطّة معاوية ، ولا خطّة الحسين عليه‌السلام في مواجهتها.

__________________

(١) تاريخ دمشق ٦ / ٢٤٢.

(٢) شرح النهج ، الطبري.

(٣) أنساب الأشراف / القسم الرابع ، الجزء الأوّل / ٢٦٧.

(٤) تاريخ الطبري ٥ / ٢٧٩.

١٠٧

أمّا معاوية : فقد كان يريد بكلّ وسيلة أن يتورّط المخلصون من شيعة علي في الكوفة بشيء من هذا القبيل حتّى يقتلهم بتهمة الخروج (١) ، وتطغى على تهمة الولاء لعلي عليه‌السلام.

وقد كانت خطّة الحسين عليه‌السلام في قبال ذلك أن يصبر الشيعة ، ويواصلون نشر فضائل علي عليه‌السلام ولو كانوا على أعواد المشانق (٢) ، وأن يفوِّتوا على معاوية خطّته في استدراج الشيعة ؛ ليكونوا خوارج على السلطة ، ومن ثمّ يسفك دماءهم بلا كلفة عليه ، وسيأتي تفصيل ذلك.

الكوفة بعد قتل حجر رحمه‌الله :

بقي زياد بعد قتل حجر وأصحابه ما يقرب من ثلاث سنوات ، جَدَّ فيها بوحشية منقطعة النظير في تصفية الوجوه البارزة من شيعة علي عليه‌السلام التي تصدّت للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لسانيّاً ، تنكر اللعن ، وتنشر فضائل علي عليه‌السلام ، وتترحّم عليه.

قال سُلَيم : اشتدّ البلاء بالأمصار كلّها على شيعة علي عليه‌السلام وأهل بيته ، وكان أشدّ الناس بليّة أهل الكوفة ؛ لكثرة مَنْ بها من الشيعة. واستعمل عليها زياداً.

وجمع له العراقين ، كان يتتبّع الشيعة … فقتلهم على التّهم والظنّ والشبهة تحت كلّ كوكب ، وتحت كلّ حجر ومدر ، وأحلأهم وأخافهم ، وقطع الأيدي والأرجل منهم ، وصلبهم على جذوع النخل ، وسمل أعينهم ، وطردهم وشرّدهم (٣).

__________________

(١) خرج على زياد سنة ٥٢ زياد بن خراش العجلي في ثلاثمئة ، فأتى أرض مسكن من السواد ، فسيّر إليه زياد سعد بن حذيفة أو غيره فقتلوهم. وخرج عليه أيضاً معاذ الطائي ، فأتى نهر عبد الرحمن بن أمّ الحكم سنة ٥٢ ، فبعث إليه زياد مَنْ قتله. (ابن الأثير) وفي سنة ٥٣ خرج قريب وزحاف في سبعين بالكوفة ، وزياد بالبصرة ، وخرج آخرون ....

(٢) كما صنع مع رشيد الهجري ، وميثم التمار ، وجويرية بن مسهر ونظرائهم.

(٣) شرح النهج ١٥ / ٤٣.

١٠٨

قال ابن أبي الحديد : وقد روي عن أبي جعفر محمّد الباقر عليه‌السلام أنّه قال لبعض أصحابه : يا فلان ، قُتلت شيعتنا بكلّ بلدة ، وقُطعت الأيدي والأرجل على الظنّة ، وكان مَنْ يُذكر بحبّنا والانقطاع إلينا سُجن ، أو نُهب ماله ، أو هُدمت داره (١).

بدأ ابن زياد بالذين حصبوه في صلاة الجمعة يوم كان حجر على رأسهم ، وقطع أيدي ثلاثين ، وقيل : ثمانين (٢) ، ثمّ نفى صعصعة بن صوحان إلى الجزيرة أو إلى البحرين ، وقيل : إلى جزيرة بني كاوان فمات بها (٣).

وسيَّرَ آمنة بنت الشريد زوجة عمرو بن الحمق الخزاعي (٤) إلى معاوية فسجنها ، ولمّا أُلقي القبض على عمرو بن الحمق في الموصل بعد اختفاء طويل وقُتل ، أرسل زياد رأسه

__________________

(١) شرح النهج ١٥ / ٤٣.

(٢) تاريخ ابن الأثير ٣ / ٤٦٢ ، الطبري ٥ / ٢٣٥.

(٣) الإصابة ـ ترجمة صعصعة. وفيه : إنّ الذي نفاه هو المغيرة ، ولكنّا نرجح أنّ الذي نفاه بأمر معاوية هو ابن زياد ؛ لِما ذكرناه من أنّ مرحلة القتل والنفي والتشريد بُدئ بها في عهد زياد لا المغيرة.

(٤) قال في الإصابة : عمرو بن الحمق (بفتح أوّله وكسر الميم بعدها قاف) ابن كاهل ـ ويُقال : الكاهن ـ ابن حبيب بن عمرو بن القين بن رزاح بن عمرو بن سعد بن كعب بن عمرو الخزاعي الكعبي. قال ابن السكن : له صحبة. وقال أبو عمر : هاجر بعد الحديبية ، وقيل : بل أسلم بعد حجّة الوداع ، والأول أصح. قال ابن حجر : قد أخرج الطبراني من طريق صخر بن الحكم ، عن عمّه ، عن عمرو بن الحمق قال : هاجرت إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فبينا أنا عنده ، فذكر قصّة في فضل علي ، وسنده ضعيف. قال أبو عمر : سكن الشام ، ثمّ كان يسكن الكوفة ، ثمّ كان ممّن قام على عثمان مع أهلها ، وشهد مع علي حروبه ، ثمّ قدم مصر. وذكر الطبري ، عن أبي مخنف : أنّه كان من أعوان حجر بن عدي ، فلمّا قبض زياد على حجر بن عدي وأرسله مع أصحابه إلى الشام هرب عمرو بن الحمق. وقال خليفة : قُتل سنة إحدى وخمسين ، وأنّ عبد الرحمن بن عثمان الثقفي قتله بالموصل وبعث برأسه. وذكر ابن السكن بسند جيد إلى أبي إسحاق السبيعي ، عن هنيدة الخزاعي قال : أوّل رأس أُهدي في الإسلام رأس عمرو بن الحمق ؛ بعث به زياد إلى معاوية.

١٠٩

إلى معاوية ، وهو أوّل رأس يحمل في الإسلام ، بعث به معاوية إلى آمنة ، فقالت : لقد نفيتموه (الصحيح غيبتموه) طويلاً ، وأهديتموه قتيلاً ، فمرحباً به من هدية غير مقلية. ونفاها معاوية إلى حمص فماتت بحمص (١).

وكان آخر ما عزم على فعله زياد في الكوفة سنة ثلاث وخمسين ، هو أن جمع الناس فملأ منهم المسجد والرحبة والقصر ؛ ليعرضهم على البراءة من علي عليه‌السلام (٢) ، فمَنْ أبى ذلك عرضه على السيف (٣).

ولكن الله تعالى قد سلط عليه الطاعون أشغله عنهم ، ومات بعدها بأيّام (٤).

رشيد الهجري :

كان ممّن صلبه زياد على باب دار عمرو بن حريث ، وقطع لسانه (٥).

__________________

(١) أنساب الأشراف ـ القسم الرابع ، الجزء الأوّل / ٢٧٣.

(٢) مختصر تاريخ دمشق ٩ / ٨٨ ترجمة زياد.

(٣) مروج الذهب ـ للمسعودي ٣ / ٢٦.

(٤) قال البلاذري (في أنساب الأشراف ق ٤ ج ١ / ٢٧٨) : كان زياد عند معاوية وقد وقع الطاعون بالعراق ، فقال له : إنّي أخاف عليك يا أبا المغيرة الطاعون. فلمّا صار إلى العراق طعن ، فمكث شهراً فمات ، قال عبد الرحمن بن السائب : فإنّي لمع نفر من الأنصار والناس في أمر عظيم ، قال : فهوّمت تهويمة (التهويم : أن يأخذ الرجل النعاس حتّى يهتز الرأس) ، فرأيت شيئاً مثل عنق البعير ، أهدب أهدل (الأهدل : الساقط الشفة ، وبعير هدِل إذا كان طويل المشفر مسترخيه) ، فقلت : ما أنت؟ قال : أنا النقّاد ذو الرقبة بُعثت إلى صاحب هذا القصر. فاستيقظت فزعاً ، فقلت لأصحابي : هل رأيتم ما رأيت؟ قالوا : لا. فأخبرتهم. قال : ويخرج علينا خارج من القصر ، فقال : إنّ الأمير يقول لكم : انصرفوا عنّي فإنّي عنكم مشغول. وإذا الطاعون قد ضربه.

فأنشأ عبد الرحمن بن السائب يقول :

ما كان منتهياً عمّا أراد بنا

حتّى تناولهُ النقّادُ ذو الرقبهْ

فأثبتَ الشقّ منه ضربةً ثبتتْ

كما تناول ظلماً صاحب الرحَبهْ

قال المسعودي : يعني بصاحب الرحبة علي بن أبي طالب عليه‌السلام (مروج الذهب ٣ / ٦).

(٥) قاموس الرجال ـ ترجمة رشيد الهجري. أنساب السمعاني : قال الهجري (بفتح الهاء والجيم) هذه النسبة إلى هجر بلدة من اليمن معروفة يُنسب إليها كثير ، منهم رشيد الهجري ، كان يؤمن بالرجعة ، قطع زياد لسانه وصلبه. وكذلك لسان الميزان ـ لابن حجر. وفي تذكرة الحفّاظ ـ للذهبي قال : قتل زياد رشيداً الهجري لتشيّعه ، فقطع لسانه وصلبه.

١١٠

روى ابن أبي الحديد قال : قال إبراهيم : وحدّثني إبراهيم بن العباس النهدي ، حدّثني مبارك البجلي ، عن أبي بكر بن عياش ، قال : حدّثني المجالد ، عن الشعبي ، عن زياد بن النضر الحارثي ، قال : كنت عند زياد وقد أُتي برشيد الهجري ، وكان من خواص أصحاب علي عليه‌السلام ، فقال له زياد : ما قال خليلك لك إنّا فاعلون بك؟ قال : تقطعون يدي ورجلي وتصلبونني.

فقال زياد : أما والله لأكذِّبَنَّ حديثه ، خلّوا سبيله. فلمّا أراد أن يخرج قال : ردّوه ؛ لا نجد شيئاً أصلح ممّا قال لك صاحبك ، إنّك لا تزال تبغي لنا سوءاً إن بقيت ؛ اقطعوا يديه ورجليه. فقطعوا يديه ورجليه ، وهو يتكلّم ، فقال : اصلبوه خنقاً في عنقه.

فقال رشيد : قد بقي لي عندكم شيء ما أراكم فعلتموه.

فقال زياد : اقطعوا لسانه. فلما أخرجوا لسانه ليقطع.

قال : نفّسوا عنّي أتكلّم كلمة واحدة ، فنفّسوا عنه.

فقال : هذا والله تصديق خبر أمير المؤمنين ، أخبرني بقطع لساني. فقطعوا لسانه وصلبوه.

جويرية بن مسهر :

وروى إبراهيم بن ميمون الأزدي ، عن حبّة العُرَني ، قال : كان جويرية بن مسهر العبدي صالحاً ، وكان لعلي بن أبي طالب عليه‌السلام صديقاً ، وكان علي يحبّه ، ونظر يوماً إليه وهو يسير ، فناداه : «يا جويرية ، الحق بي ؛ فإنّي إذا رأيتك هويتك». قال : فركض نحوه ، فقال

١١١

له : «إنّي محدّثك باُمور فاحفظها». ثمّ اشتركا في الحديث سرّاً ، فقال له جويرية : يا أمير المؤمنين ، إنّي رجل نسيّ. فقال له : «إنّي أُعيد عليك الحديث لتحفظه». ثمّ قال له في آخر ما حدّثه إيّاه : «يا جويرية ، أحبب حبيبنا ما أحبّنا ، فإذا أبغضنا فابغضه ، وابغض بغيضنا ما أبغضنا ، فإذا أحبّنا فأحبه». قال حبّة : دخل جويرية على علي عليه‌السلام يوماً وهو مضطجع ، وعنده قوم من أصحابه ، فناداه جويرية : أيها النائم استيقظ ، فلتضربنَّ على رأسك ضربة تُخضّب منها لحيتك.

قال : فتبسّم أمير المؤمنين عليه‌السلام ، قال : «واُحدّثك يا جويرية بأمرك ، أما والذي نفسي بيده لتعتلنَّ (١) إلى العتلّ الزنيم ، فليقطعنَّ يدك ورجلك ، وليصلبنَّك تحت جذع كافر».

قال : فوالله ما مضت الأيام على ذلك حتّى أخذ زياد جويرية ، فقطع يده ورجله ، وصلبه إلى جانب جذع بن مكعبر (٢) ، وكان جذعاً طويلاً ، فصلبه على جذع قصير إلى جانبه (٣).

نجاح تخطيط معاوية في الكوفة :

نجح تخطيط معاوية في الكوفة من خلال ابن زياد ، وكُبِتَ الحقّ وأهله فيها ، وتحقّق ما

__________________

(١) يُقال : عتله عتلاً ، إذا أخذه بمجامعه وجرّه جرّاً عنيفاً.

(٢) قال ابن أبي الحديد (في شرح نهج البلاغة ٥ / ٣١) : وحكى أبو عبيدة ، قال : بينا نحن على أشراف الكوفة وقوف إذ جاء أسماء بن خارجة الفزاري فوقف ، وأقبل ابن مكعبر الضبّي فوقف متنحيّاً عنه ، فأخذ أسماء خاتماً كان في يده ، فصه فيروزج أزرق ، فدفعه إلى غلامه ، وأشار إليه أن يدفعه إلى ابن مكعبر ، فأخذ ابن مكعبر شسع نعله ، فربطه بالخاتم وأعاده إلى أسماء ، فتمازحا ولم يفهم أحد من الناس ما أرادا ، أراد أسماء بن خارجة قول الشاعر :

لقد زرقت عيناك يابن مكعبرٍ

كذا كلّ ضبيٍّ من اللؤم أزرقُ

(٣) ‏ شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد ٢ / ٢٩٠.

١١٢

أخبر عنه علي عليه‌السلام حين قال لخواص أصحابه :

«أَلا وَإِنَّ أَخْوَفَ الْفِتَنِ عِنْدِي عَلَيْكُمْ فِتْنَةُ بَنِي أُمَيَّةَ ؛ فَإِنَّهَا فِتْنَةٌ عَمْيَاءُ مُظْلِمَةٌ ، عَمَّتْ خُطَّتُهَا ، وَخَصَّتْ بَلِيَّتُهَا ، وَأَصَابَ البَلاءُ مَنْ أَبْصَرَ فِيهَا ، وَأَخْطَأَ الْبَلاءُ مَنْ عَمِيَ عَنْهَا.

وَايْمُ اللَّهِ لَتَجِدُنَّ بَنِي أُمَيَّةَ لَكُمْ أَرْبَابَ سُوءٍ بَعْدِي ؛ كَالنَّابِ الضَّرُوسِ تَعْذِمُ بِفِيهَا ، وَتَخْبِطُ بِيَدِهَا ، وَتَزْبِنُ بِرِجْلِهَا ، وَتَمْنَعُ دَرَّهَا.

لا يَزَالُونَ بِكُمْ حَتَّى لا يَتْرُكُوا مِنْكُمْ إِلاّ نَافِعاً لَهُمْ ، أَوْ غَيْرَ ضَائِرٍ بِهِمْ ، وَلا يَزَالُ بَلاؤُهُمْ عَنْكُمْ حَتَّى لا يَكُونَ انْتِصَارُ أَحَدِكُمْ مِنْهُمْ إِلاّ كَانْتِصَارِ الْعَبْدِ مِنْ رَبِّهِ ، وَالصَّاحِبِ مِنْ مُسْتَصْحِبِهِ.

تَرِدُ عَلَيْكُمْ فِتْنَتُهُمْ شَوْهَاءَ مَخْشِيَّةً ، وَقِطَعاً جَاهِلِيَّةً ، لَيْسَ فِيهَا مَنَارُ هُدًى ، وَلا عَلَمٌ يُرَى نَحْنُ أَهْلَ الْبَيْتِ مِنْهَا بِمَنْجَاةٍ ، وَلَسْنَا فِيهَا بِدُعَاةٍ» (١).

عادت الكوفة بعد تهجير الآلاف ، وتصفية البارزين من شيعة علي عليه‌السلام أمثال أو كحجر وأصحابه ، بقوّة السيف بستاناً لقريش كما كانت على عهد عثمان ، وولاّها معاوية بعد ابن زياد لصديقه وخليله الضحّاك بن قيس الفهري القرشي (٢) الشامي الذي

__________________

(١) نهج البلاغة / الخطبة ٩٣. وأوّلها قوله عليه‌السلام : «أَيُّهَا النَّاسُ ، فَإِنِّي فَقَأْتُ عَيْنَ الْفِتْنَةِ ، وَلَمْ يَكُنْ لِيَجْتَرِئَ عَلَيْهَا أَحَدٌ غَيْرِي بَعْدَ أَنْ مَاجَ غَيْهَبُهَا وَاشْتَدَّ كَلَبُهَا ، فَاسْأَلُونِي قَبْلَ أَنْ تَفْقِدُونِي ؛ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْ‏ءٍ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ السَّاعَةِ ، وَلا عَنْ فِئَةٍ تَهْدِي مِئَةً وَتُضِلُّ مِئَةً إِلاّ أَنْبَأْتُكُمْ بِنَاعِقِهَا ، وَقَائِدِهَا ، وَسَائِقِهَا ، وَمُنَاخِ رِكَابِهَا ، وَمَحَطِّ رِحَالِهَا ، وَمَنْ يُقْتَلُ مِنْ أَهْلِهَا قَتْلاً ، وَمَنْ يَمُوتُ مِنْهُمْ مَوْتاً ... إِنَّ الْفِتَنَ إِذَا أَقْبَلَتْ شَبَّهَتْ ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ نَبَّهَتْ ، يُنْكَرْنَ مُقْبِلاتٍ وَيُعْرَفْنَ مُدْبِرَاتٍ ، يَحُمْنَ حَوْمَ الرِّيَاحِ ؛ يُصِبْنَ بَلَداً وَيُخْطِئْنَ بَلَداً ... وآخرها قوله : ثُمَّ يُفَرِّجُهَا اللَّهُ عَنْكُمْ كَتَفْرِيجِ الأَدِيمِ بِمَنْ يَسُومُهُمْ خَسْفاً ، وَيَسُوقُهُمْ عُنْفاً ، وَيَسْقِيهِمْ بِكَأْسٍ مُصَبَّرَةٍ ، لا يُعْطِيهِمْ إِلاّ السَّيْفَ ، وَلا يُحْلِسُهُمْ إِلاّ الْخَوْفَ ؛ فَعِنْدَ ذَلِكَ تَوَدُّ قُرَيْشٌ بِالدُّنْيَا وَمَا فِيهَا لَوْ يَرَوْنَنِي مَقَاماً وَاحِداً ، ولَوْ قَدْرَ جَزْرِ جَزُورٍ لأَقْبَلَ مِنْهُمْ مَا أَطْلُبُ الْيَوْمَ بَعْضَهُ فَلا يُعْطُونِيهِ».

(٢) قال ابن حجر في الإصابة : الضحّاك بن قيس الفهري ، أبو أنيس وأبو عبد الرحمن ، أخو فاطمة بنت قيس. قال البخاري : له صحبة ، وروى له النسائي حديثاً صحيح الإسناد من رواية الزهري ، عن محمّد بن

١١٣

كان مع معاوية في صفين يُقاتل ضدّ علي ، ويشنّ الغارات على أطراف الكوفة. دامت ولايته على الكوفة أربع سنوات ، واصل فيها سياسة معاوية وزياد ، وهو الخبير بهذه السياسة ، ثم احتاج إليه ليولّيه شرطته في دمشق فعزله وولّى الكوفة بعده لابن أخته عبد الرحمن بن اُمّ الحكم ، وأعاد هذا إلى ذاكرة الناس بسيرته الفاجرة إلى ذاكرة الناس سيرة الوليد بن عقبة والي عثمان من قبل ممّا فرض على معاوية أن يعزله سريعاً.

قال هشام بن الكلبي ، والهيثم بن عدي : كان سبب عزل معاوية ابن أخته اُمّ الحكم ، وهو عبد الرحمن بن عبد الله الثقفي ، أنّه قيل لمعاوية : إنّ ابن أختك خطب في يوم الجمعة

__________________

سويد الفهري عنه ، استبعد بعضهم صحة سماعه من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا بعد فيه ؛ فإنّ أقلّ ما قيل في سنّه عند موت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه كان ابن ثمان سنين. وقال الطبري : مات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو غلام يافع. وقول الواقدي : وزعم غيره أنّه سمع من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله. قال المزي : وشهد فتح دمشق ، وسكنها إلى حين وفاته ، وشهد صفين مع معاوية ، وكان على أهل دمشق يومئذ وهم القلب. وفي تاريخ الطبري ٥ / ١٣٥ ، وفيها أيضاً (أي في سنة ٣٩) وجّه معاوية الضحّاك بن قيس وأمره أن يمرّ بأسفل (واقصة) تشرح : منزل في طريق مكة بعد القرعاء نحو مكة ، وأن يغير على كلّ مَنْ مرّ به ممّن هو في طاعة علي من الأعراب ، ووجّه معه ثلاثة آلاف رجل ، فسار فأخذ أموال الناس ، وقتل مَنْ لقي من الأعراب ، ومرّ بالثعلبية فأغار على مسالح علي ، وأخذ أمتعتهم ، ومضى حتّى انتهى إلى القُطقُطانة (موقع قرب الكوفة) ، فأتى عمرو بن عميس بن مسعود ، وكان في خيلٍ لعلي عليه‌السلام ، وأمامه أهله ، وهو يريد الحجّ ، فأغار على مَنْ كان معه ، وحبسه عن المسير ، فلمّا بلغ ذلك علياً سرّح حجر بن عدي الكندي في أربعة آلاف ، وأعطاهم خمسين خمسين ، فلحق الضحّاك بتدمر فقتل منهم تسعة عشر رجلاً ، وقُتل من أصحابه رجلان ، وحال بينهم الليل فهرب الضحّاك وأصحابه ، ورجع حجر ومَنْ معه. قال ابن حجر : قال الزبير : كان الضحّاك بن قيس مع معاوية بدمشق ، وكان ولاّه الكوفة ثمّ عزله ، ثمّ ولاّه دمشق ، وحضر موت معاوية فصلّى عليه وبايع الناس ليزيد ، فلمّا مات يزيد بن معاوية ، ثمّ معاوية بن يزيد ، دعا الضحّاك إلى نفسه. وقال خليفة : لمّا مات زياد سنة ثلاث وخمسين استخلف على الكوفة عبد الله بن خالد بن أسيد ، فعزله معاوية وولّى الضحاك بن قيس ، ثمّ عزله وولّى عبد الرحمن بن اُمّ الحكم ، ثمّ ولّى معاوية الضحّاك دمشق ، فأقرّه يزيد حتّى مات ، فدعا الضحّاك إلى ابن الزبير وبايع له حتّى مات معاوية بن يزيد. وقال غيره : خدعه عبيد الله بن زياد ، فقال : أنت شيخ قريش وتبايع لغيرك؟! فدعا إلى نفسه فقاتله مروان ، ثمّ دعا إلى ابن الزبير فقاتله مروان ، فقتل الضحّاك بمرج راهط سنة أربع وستين أو سنة خمسين. وقال الطبري : كانت الوقعة في نصف ذي الحجّة سنة أربع ، وبه جزم ابن مندة.

١١٤

قاعداً ، وإنّ كعب بن بجرة رآه ، فقال : ألا ترون إلى هذا الأحمق وما فعل والله يقول : (وتركوك قائماً) (١)؟! وإنّه أشتدّ في أمر الخراج حتّى قتل ابن صلوبا. وكان صاحب شراب يشرب مع سعد بن هبار من ولد أسد بن عبد العزى بن قصي ، فقال حارثة بن بدر الغداني فيه :

نهارهُ في قضايا غيرُ عادلةٍ

وليلُهُ في هوى سعدِ بن هبّارِ

لا يسمعُ الناسَ أصواتاً لهم خفيتْ

إلاّ دويّاً دويِّ النحلِ في الغارِ

فيصبحُ القومُ أطلاحاً أضرَّ بهمْ

سيرُ المطيِّ وما كانوا بسفّارِ

لا يرقدونَ ولا تُغضي عيونُهمُ

ليلَ التمامِ وليلَ المدلجِ الساري

فبلغ الشعر خاله معاوية ، وقدم أبو بردة بن أبي موسى الأشعري على معاوية ، فقال له : أيشرب عبد الرحمن؟ فقال : لا. قال : أفيسمع الغناء؟ قال : لا. قال : فما تنقمون عليه؟ قال : إنكاره بيعة يزيد ابن أمير المؤمنين ، وظنّه أنّ الفيء له ، وأنّه أحقّ به. قال معاوية : فما تصنع بأبيات ابن همام؟ قال : كذب عليه. قال : أنشدني إيّاها إن كنت ترويها. فأنشده ، فقال معاوية : شربها والله ، أراد الخبيث ، وعزله وولّى النعمان بن بشير الأنصاري الكوفة (٢).

والنعمان بن بشير الأنصاري (٣) هذا كان معروفاً بعثمانيته ، فهو من آحاد الأنصار

__________________

(١) ‏سورة الجمعة / ١١.

(٢) أنساب الأشراف ق ٤ ج ١ / ١٣٧.

(٣) قال ابن سعد في الطبقات ٦ / ٥٣ : وكان النعمان بن بشير والي الكوفة لمعاوية بن أبي سفيان ، وأقام بها وكان عثمانياً. قال في الإصابة : قال أبو مسهر : عن شعبة بن عبد العزيز : كان قاضي دمشق بعد فضالة بن عبيد. وقال سماك بن حرب : استعمله معاوية على الكوفة. (في الجرح والتعديل : كانت ولايته لها تسعة أشهر ، وقيل : سبعة أشهر). وقال الهيثم : نقله معاوية من إمرة الكوفة إلى إمرة حمص ، وضمّ الكوفة إلى عبيد الله بن زياد. وفي تاريخ الطبري ٤ / ٤٣٠ سنة ٣٥ ، قال الطبري : حدّثني عمر قال : حدّثنا أبو الحسن قال : أخبرنا شيخ من بني هاشم ، عن عبد الله بن الحسن قال : لمّا قُتل عثمان بايعت الأنصار علياً إلاّ نفيراً يسيراً منهم حسان بن ثابت ، وكعب بن مالك ، ومسلمة بن مخلد ، وأبو سعيد

١١٥

الذين لم يبايعوا علياً ، والتحق بمعاوية حاملاً معه قميص عثمان وأصابعه ، وكان أيضاً أحد القادة الذين دفع بهم معاوية ليغيروا على أطراف الكوفة سنة ٣٩ قتلاً ونهباً ثمّ الهروب.

وكما عادت الكوفة بستاناً لقريش كذلك عادت كما كانت على عهد عمر منطقة سامعة مطيعة للخليفة تعمل بأمره وترى رؤيته.

روى الطبري قال : ودنا عمرو بن الحجّاج من أصحاب الحسين (والمعركة دائرة) يقول : يا أهل الكوفة ، ألزموا طاعتكم وجماعتكم ، ولا ترتابوا في قتل مَنْ مرق من الدين وخالف الإمام (١).

أقول : ومراده بالإمام : الخليفة يزيد.

وروى أيضاً : أنّ أصحاب الحسين عليه‌السلام طلبوا من جيش عمر بن سعد أن يكفّوا عنهم حتّى يصلّوا ، فقال لهم الحصين بن تميم : إنّها لا تُقبل (٢).

وروى أيضاً : أنّ يزيد بن معقل أحد جنود معسكر ابن سعد قال لبرير بن خضير : هل تذكر وأنا اُماشيك في بني لوذان ، وأنت تقول : إنّ عثمان بن عفان كان على نفسه مسرفاً ، وإنّ معاوية بن أبي سفيان ضالٌّ مضل ، وإنّ إمام الهدى والحقّ علي بن أبي طالب؟ فقال برير : أشهد أنّ هذا رأيي وقولي. فقال له يزيد بن معقل : فإنّي أشهد أنّك من الضالّين (٣).

وفي البحث الآتي توضيح أكثر عن هذه المسألة.

__________________

الخدري ، ومحمد بن مسلمة ، والنعمان بن بشير ، وزيد بن ثابت ، ورافع بن خديج ، وفضالة بن عبيد ، وكعب بن عجرة كانوا عثمانية. (وفي ٥ / ١٣٣) : ثمّ دخلت سنة تسع وثلاثين ، ذكر ما كان فيها من الأحداث ، فممّا كان فيها من الأحداث المذكورة ، تفريق معاوية جيوشه في أطراف علي ، فوجّه النعمان بن بشير فيما ذكر علي بن محمّد بن عوانة في ألفي رجل إلى عين التمر ، وبها مالك بن كعب مسلحة لعلي في ألف رجل ، فأذن لهم ، فأتوا الكوفة وأتاه النعمان.

(١) تاريخ الطبري ٤ / ٣٣١ ، طبعة الأعلمي ـ بيروت.

(٢) تاريخ الطبري ٤ / ٣٣٤.

(٣) تاريخ الطبري ٤ / ٣٢٨.

١١٦

الفصل الرابع : اُطروحة معاوية للحكم

الحاكم الاُموي خليفة الله :

من الحقائق الثابتة التي اتفقت كتب التاريخ على روايتها ، هي : أنّ عبد الملك ومَنْ بعده من الخلفاء الاُمويِّين وصفوا أنفسهم بأنّهم خلفاء الله في الأرض ، وفيما يلي طرف من هذه النصوص :

روى أبو داود عن سليمان الأعمش ، قال : جمَّعتُ مع الحجّاج فخطب خطبة قال فيها : فاسمعوا وأطيعوا لخليفة الله وصفيِّه عبد الملك بن مروان (١).

قال قيس بن عبد الله الرقيات يمدح عبد الملك :

وقال الفرزدق يمدح عبد الملك بن مروان :

خليفةُ اللهِ فوقَ منبرِهِ

جفّت بذلكَ الأقلامُ والكتبُ (٢)

وقال جرير :

فالأرضُ للهِ ولاّها خليفتَهُ

وصاحبُ اللهِ فيها غيرُ مغلوبِ

فأصبحَ اللهُ ولي الأمرَ خيرَهمُ

بعد اختلافٍ وصدعٍ غيرِ مَشعوبِ

وقال جرر:

__________________

(١) الفرق الإسلاميّة في بلاد الشام ـ حسن عطوان / ٢١٨.

(٢) طبقات فحول الشعراء ٢ / ٦٥٥.

١١٧

اللهُ طوّقكَ الخلافةَ والهدى

واللهُ ليسَ لِما قضى تبديلُ

ولّى الخلافةَ والكرامةَ أهلَها

فالملكُ أفْيَحُ والعطاءُ جزيلُ

وقال :

أنتَ الأمينُ أمينُ اللهِ لا سرفٌ

فيما وليتَ ولا هيّابة وَرَعُ

أنت المباركُ يهدي اللهُ شيعتَه

إذا تفرّقت الأهواءُ والشيعُ

يا آل مروانَ إنّ اللهَ فضّلكم

فضلاً عظيماً على مَنْ دينه البدعُ (١)

وقال جرير للوليد بن عبد الملك :

يكفي الخليفةَ أنّ اللهَ سربلَهُ

سربالَ ملكٍ به تزجى الخواتيمُ (٢)

يا آلَ مروانَ إنّ اللهَ فضّلكم

فضلاً قديماً وفي المسعاةِ تقديمُ

وقال يمدح أيوب بن سليمان بن عبد الملك :

إنّ الإمامَ الذي تُرجى نوافله

بعد الإمامِ ولي العهدِ أيوبُ

أنتَ الخليفةَ للرحمنِ يعرفه

أهلُ الزبورِ وفي التوراةِ مكتوبُ (٣)

عهد الوليد بن يزيد بن عبد الملك :

ومن أفضل الوثائق في هذا الموضوع كتاب الوليد بن يزيد بن عبد الملك إلى رعيته ، [قال] : أمّا بعد ، فإنّ الله تعالى اختار الإسلام ديناً لنفسه ، وجعله دين خيرته من خلقه ، ثمّ اصطفى من الملائكة رسلاً ومن الناس ، فبعثهم به وأمرهم به ، وكان بينهم وبين مَنْ مضى من الأمم ، وخلا من القرون قرناً فقرناً ، يدعون إلى التي هي أحسن ، ويهدون إلى صراط مستقيم ، حتّى انتهت كرامة الله في نبوّته إلى محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله على حين دروس من العلم ، وعمى من الناس ، وتشتيت من الهوى ، وتفرّق من السبل ، وطموس من أعلام الحقّ ،

__________________

(١) الفرق الإسلاميّة في بلاد الشام ـ حسن عطوان / ٢١٨.

(٢) تُزجى : تُيَسَّر.

(٣) انظر كتاب الفرق الإسلاميّة في بلاد الشام ـ د. حسين عطوان ، فقد ورد في كتابه الكثير من ذلك.

١١٨

فأبان الله به الهدى ، وكشف به العمى ، واستنقذ به من الضلالة والردى ، وأبهج به الدين ، وجعله رحمة للعالمين ، وختم به وحيه.

ثمّ استخلف خلفاءه على منهاج نبوّته حين قبض نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وختم به وحيه لإنفاذ حكمه ، وإقامة سنّته وحدوده …

فتتابع خلفاء الله على ما أورثهم الله عليه من أمر أنبيائه ، واستخلفهم عليه منه لا يتعرّض لحقّهم أحد إلاّ صرعه الله ، ولا يُفارق جماعتهم أحد إلاّ أهلكه الله ، ولا يستخفّ بولايتهم ويتّهم قضاء الله فيهم أحد إلاّ أمكنهم الله منه ، وسلّطهم عليه ، وجعله نكالاً وموعظة لغيره ، وكذلك صنع الله بمَنْ فارق الطاعة التي أمر بلزومها والأخذ بها.

فبالخلافة أبقى الله مَنْ أبقى في الأرض من عباده ، وإليها صيّره ، وبطاعة مَنْ ولاّه إيّاها سعد مَنْ أكرمها ونصرها ؛

فمَنْ أخذ بحظّه منها كان لله وليّاً ، ولأمره مطيعاً ...

ومَنْ تركها ورغب عنها ، وحاد الله فيها أضاع نصيبه ، وعصى ربّه ، وخسر دنياه وآخرته ، وكان ممّن غلبت عليه الشقوة ، واستحوذت عليه الاُمور الغاوية التي تورد أهلها أفظع المشارع ، وتقودهم إلى شرّ المصارع فيما يحلّ الله بهم في الدنيا من الذلّة والنقمة ، وصيّرهم فيما عندهم من العذاب والحسرة.

والطاعة رأس هذا الأمر ، وذروته وسنامه ، وملاكه وزمامه ، وعصمته وقوامه بعد كلمة الإخلاص التي ميّز الله بها بين العباد.

وبالطاعة نال المفلحون من الله منازلهم ، واستوجبوا عليه ثوابهم ...

وبترك الطاعة والإضاعة لها ، والخروج منها ، والإدبار عنها ، والتبذّل للمعصية بها أهلك الله مَنْ ضلّ وعتا ، وعمي وغلا ، وفارق مناهج البرّ والتقوى.

فالزموا طاعة الله فيما عراكم ونالكم وألمَّ بكم من الاُمور ، وناصِحوها واستوثقوا عليها ، وارعوا إليها وخالصوها ، وابتغوا القربة إلى الله بها ؛ فإنّكم قد رأيتم مواقع الله

١١٩

لأهلها في إعلائه إيّاهم ، وإفلاجه حجّتهم ، ودفعه باطل مَنْ حادهم وناواهم وساماهم ، وأراد إطفاء نور الله الذي معهم ، وخبرتم مع ذلك ما يصير إليه أهل المعصية من التوبيخ لهم ، والتقصير بهم ، حتّى يؤول أمرهم إلى تبار وصغار وذلّة وبوار ، وفي ذلك لمَنْ كان له رأي وموعظة عبرة ينتفع بواضحها ، ويتمسّك بحظوتها ، ويعرف خيرة قضاء الله لأهلها.

ثمّ إنّ الله وله الحمد والمنّ والفضل هدى الأمّة لأفضل الاُمور عاقبة لها في حقن دمائها ، والتئام ألفتها ، واجتماع كلمتها ، واعتدال عمودها ، وإصلاح دهمائها ، وذخر النعمة عليها في دنياها ، بعد خلافته التي جعلها لهم نظاماً ، ولأمرهم قواماً.

وهو العهد الذي ألهم الله خلفاءه (١) توكيده ، والنظر للمسلمين في جسيم أمرهم فيه ؛ ليكون لهم عند ما يحدث بخلفائهم ثقة في المفزع ، وملتجأ في الأمر ، ولمّاً للشعث ، وصلاحاً لذات البين ، وتثبيتاً لأرجاء الإسلام ، وقطعاً لنزغات الشيطان فيما يتطلّع إليه أولياؤه ، ويوثبهم عليه من تلف هذا الدين ، وانصداع شعب أهله ، واختلافهم فيما جمعهم الله عليه منه. فلا يريهم الله في ذلك إلاّ ما ساءهم ، وأكذب أمانيهم ، ويجدون الله قد أحكم بما قضى لأوليائه من ذلك عقد اُمورهم ، ونفى عنهم مَنْ أراد فيها إدغالاً … فأكمل الله بها لخلفائه وحزبه البررة الذين أودعهم طاعته أحسن الذي عوَّدهم …

فأمْرُ هذا العهد من تمام الإسلام ، وكمال ما استوجب الله على أهله من المنن العظام ، وممّا جعل الله فيه لمَنْ أجراه على يديه ، وقضى به على لسانه ، ووفقه لمَنْ ولاّه هذا الأمر عنده أفضل الذخر ، وعند المسلمين أحسن الأثر فيما يؤثر بهم من منفعته ، ويتسع لهم من نعمته ، ويستندون إليه من عزّه ، ويدخلون فيه من وزره ، الذي يجعل الله لهم به منعة ، ويحرزهم به من كلّ مهلكة ، ويجمعهم به من كلّ فرقة ، ويقمع به أهل النفاق ، ويعصمهم به من كلّ اختلاف وشقاق.

__________________

(١) يريد به ما صنعه أبو بكر حين استخلف ، وما صنعه معاوية حين استخلف ، وجرى الخلفاء من بعده على منواله.

١٢٠