الدّرر النجفيّة - ج ٢

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الدّرر النجفيّة - ج ٢

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٢١

(٢٩)

درّة نجفيّة

اختلاف علماء الرجال في إسحاق بن عمّار

اختلف متأخّر وعلمائنا ـ رضوان الله عليهم ـ في إسحاق بن عمار الواقع في طرق الأخبار في اتّحاده وتعدّده ، فالأكثر ، ومنهم العلّامة في (الخلاصة) (١) والميرزا محمد الأسترابادي في كتاب (الرجال) (٢) والشيخ عبد النبي الجزائري في (الحاوي) (٣) وشيخنا العلّامة أبو الحسن الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني في (حواشي الخلاصة) (٤) وشيخنا المجلسي (٥) ـ عطر الله مراقدهم ـ على القول بالاتّحاد. وذهب جماعة منهم شيخنا البهائي في كتاب (مشرق الشمسين) (٦) وتلميذه المحدّث الشيخ علي بن سليمان البحراني (٧) في حواشي كتب الحديث إلى التعدّد ، وأنّهما اثنان :

أحدهما : إسحاق بن عمار بن موسى الساباطي ، وهو فطحي.

والثاني : إسحاق بن عمار بن حيان ، إمامي.

__________________

(١) خلاصة الأقوال : ٣١٧ / ١٢٤٤.

(٢) المصدر غير متوفّر لدينا ، ولم ينقله عنه أحد ممّن سبق المصنّف رحمه‌الله فيما بين أيدينا ، لكن نقله عنه في منتهى المقال ٢ : ٢٥.

(٣) حاوي الأقوال ٣ : ١٧١ / ١١٣٣.

(٤) المصدر غير متوفّر لدينا ، وقد ذكره في كتابه معراج أهل الكمال : ٢١٩.

(٥) الوجيزة : ١٠٨ / ١٧٣.

(٦) مشرق الشمسين : ٩٥.

(٧) عنه في معراج أهل الكمال : ٢١٩.

١٨١

حتى إن الشيخ عليّا المذكور قدس‌سره صرّح في حواشي كتب الحديث بأنه متى وردت رواية إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، فهو ابن حيان الثقة الإمامي.

ويفهم منه أن إسحاق بن عمار الساباطي لم يدرك الصادق عليه‌السلام. وحينئذ ، فاحتمال الاشتراك إنما يحصل فيما إذا روى إسحاق بن عمار عن الكاظم عليه‌السلام.

أقول : والأظهر عندي هو التعدد كما هو المستفاد من التتبّع لكتب الرجال ، والمعلوم من القرائن والأمارات الواردة في هذا المجال. والظاهر أن منشأ الشبهة عند من ذهب إلى الاتّحاد ، هو كلام العلّامة في (الخلاصة) حيث إنه جمع بين عبارتي النجاشي و (الفهرست) على وجه كأنهما عبارة واحدة ، والعبارتان عند الرجوع إلى الكتابين على غاية من التباعد والتنافي ؛ إذ الموجود في (الفهرست) ، هو إسحاق بن عمار الساباطي الفطحي ، والمذكور في (كتاب النجاشي) هو أبو حيان الصيرفي الإمامي.

قال النجاشي في كتابه : (إسحاق بن عمار بن حيان مولى بني تغلب أبو يعقوب الصيرفي ، شيخ من أصحابنا ، ثقة ، وإخوته يونس ويوسف وقيس وإسماعيل. وهو في بيت كبير من الشيعة. وابنا أخيه : علي بن إسماعيل ، وبشر بن إسماعيل كانا من وجوه من روى الحديث. روى إسحاق عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما‌السلام) (١) انتهى.

وقال الشيخ في (الفهرست) : (إسحاق بن عمار الساباطي : له أصل ، وكان فطحيا إلّا إنه ثقة ، وأصله معتمد) (٢) انتهى.

والعلّامة في (الخلاصة) جمع بين ما أخذه من العبارتين ، فقال : (إسحاق بن عمار مولى بني تغلب أبو يعقوب. كان شيخا في أصحابنا ، ثقة. روى عن

__________________

(١) رجال النجاشي : ٧١ / ١٦٩.

(٢) الفهرست : ٥٤ / ٥٢.

١٨٢

الصادق ، والكاظم عليهما‌السلام ، وكان فطحيا. قال الشيخ : (إلّا إنه ثقة ، وأصله معتمد عليه). وكذا قال النجاشي ؛ فالأولى عندي التوقف فيما ينفرد به) (١) انتهى (٢).

ومن هذه العبارة ، سرى الوهم والاشتباه عند من عند تأخّر عنه ممن لم يحقّق الحال ، ولم يتدبر في قرائن الأحوال التي هي المدار في باب علم الرجال.

ومما يدل على التعدّد أن المذكور في (رجال النجاشي) إسحاق بن عمار بن حيان ، وأنه صيرفي ، وأن له إخوة وأبناء إخوة مشاركين له في النسب والنسبة ، والمذكور في (الفهرست) ابن عمار بن موسى الساباطي. ولعمار إخوة أيضا متصفون بهذه النسبة ، ولم يذكر في ترجمة أحد من ولد عمار بن حيان ، مع تعدّدهم في كتب الرجال وروايتهم للأخبار أنه ساباطي ، ولا في أحد من ولد عمار بن موسى أنه صيرفي ، مع استقصاء علماء الرجال لذكر الصفات المميّزة.

ففي ترجمة قيس من (الخلاصة) أنه (ابن عمار بن حيان ، قريب الأمر) (٣).

وفي ترجمة إسماعيل أنه (ابن عمار الصيرفي الكوفي وأنه أخو إسحاق) (٤).

وفي الحديث أن الصادق عليه‌السلام إذا رآهما قال : «وقد يجمعهما لأقوام» (٥). يعني الدنيا والآخرة.

وفي الصحيح عن عمار بن حيان قال : خبّرت أبا عبد الله عليه‌السلام ببرّ إسماعيل ابني بي ، فقال : «لقد كنت احبه وقد ازددت له حبا» (٦).

وفي ذلك ما يشهد بجلالتهما.

__________________

(١) خلاصة الأقوال : ٣١٧ ـ ٣١٨ / ١٢٤٤.

(٢) وقال الشيخ في (الفهرست) : إسحاق .. ينفرد به ، انتهى ، من «ح».

(٣) خلاصة الأقوال : ٢٣١ / ٧٨٧.

(٤) خلاصة الأقوال : ٣١٧ / ١٢٤٣ ، وليس فيه أنه كوفي صيرفي.

(٥) اختيار معرفة الرجال ٢ : ٤٠٢ / ٧٥٢.

(٦) الكافي ٢ : ١٦١ / ١٢ ، باب البر بالوالدين ، بحار الأنوار ٧١ : ٥٥ / ١٢.

١٨٣

وفي ترجمة محمد بن إسحاق من (رجال الكشي) (١) و (الخلاصة) (٢) : (محمد ابن إسحاق بن عمار بن حيان التغلبي الصيرفي. ثقة عين).

وروى في كتاب (العلل) عن إسحاق بن عمار قال : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فخبّرته أنه ولد لي غلام ، فقال : «ألا سميته محمدا؟». فقلت : قد فعلت. فقال : «لا تشتمه ، جعله الله لك قرة عين في حياتك ، وخلف صدق بعدك» (٣).

وفي هذا الحديث المتضمن لدعاء الإمام عليه‌السلام لمحمد المذكور ما يدفع ما ذهب إليه ابن بابويه من كون محمد المذكور واقفيا (٤).

وفي ترجمة يونس من (رجال البرقي) (٥) : (يونس بن عمار الصيرفي ، تغلبي).

وفي ترجمة يوسف من (الخلاصة) أنه (ابن عمار بن حيان (٦). ثقة) (٧).

وبشر بن إسماعيل المشار إليه في ترجمة إسحاق بن عمار من (رجال النجاشي) (٨) لم تذكر له ترجمة في كتب الرجال ، لكن وقفت على حديث رواه في (التهذيب) في باب الزيادات في فقه الحج ، وفيه : فلقي إسماعيل بن حميد بشر بن إسماعيل بن عمار الصيرفي ، فأخبره (٩) ، فدخل عليه (١٠) ، فسأله عنها ،

__________________

(١) لم نعثر عليه في رجال الكشي والظاهر أنه النجاشي انظر رجال النجاشي : ٣٦١ / ٩٦٨.

(٢) خلاصة الأقوال : ٢٦٢ / ٩٢١.

(٣) علل الشرائع ٢ : ٢٤٧ ـ ٢٤٨ / ب ٣١٤ ، ح ١.

(٤) عنه في خلاصة الأقوال : ٢٦٢ / ٩٢١ ، وقد روى الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ٢ : ٢١٣ / ٢٠ ، ما يدلّ على أنه واقفي حيث قال : عن أبي مسروق : دخل على الرضا عليه‌السلام جماعة من الواقفة فيهم علي بن أبي حمزة البطائني ومحمد بن إسحاق بن عمار ..

(٥) في النسخ الخطيّة والنسخة الحجريّة : الرمز (ق) ، والظاهر ما أثبتناه ، انظر رجال البرقي : ٢٩ ، وفيه التغلبي ، بدل : تغلبي.

(٦) في المصدر : حنان.

(٧) خلاصة الأقوال : ٢٩٦ / ١١٠٢.

(٨) رجال النجاشي : ٧١ / ١٦٩.

(٩) بالمسألة التي هي مدار الحديث.

(١٠) أي على الإمام عليه‌السلام.

١٨٤

فقال : «نعم هو واجب» (١) الحديث.

وأنت خبير بأن المستفاد من جميع ذلك كون إسحاق بن عمار المذكور في (رجال النجاشي) من الشيعة الإمامية ، وأن جميع إخوته وأبناء إخوته المذكورين كذلك وإن جهل الأمر في بعض ، ولم يوصف أحدهم (٢) بالفطحية ولا بكونه ساباطيا بخلاف عمار بن موسى الساباطي ، فإنه حيث يذكر هو أو أحد من ولده أو إخوته يوصف بذلك ؛ ففي عبارة (الفهرست) في إسحاق ما عرفت (٣) ، وفي ترجمة عمار أنه (ابن موسى الساباطي) (٤).

وفي ترجمة أخيه صباح من (الخلاصة) أنه ابن موسى الساباطي (أخو عمار الساباطي. ثقة) (٥).

وفي حواشي شيخنا الشهيد الثاني على (الخلاصة) : (ولم يكن فطحيا كأخيه عمار) (٦).

إذا عرفت ذلك ، فاعلم أنه قد ورد في عدة من الأخبار وصف إسحاق بن عمار بكونه صيرفيا ، ففي باب إخراج القيمة في زكاة الفطرة من (الاستبصار) رواية إسحاق بن عمار الصيرفي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٧).

والواجب بالنظر إلى ما ذكرناه حمله على المذكور في (رجال النجاشي) ، وهو (الثقة الإمامي) ، فيكون حديثه صحيحا. وصاحب (المدارك) (٨) عده في الموثق بناء على الاتحاد ، وهو غلط محض كما عرفت.

وفي باب (من أفتى المحرم بتقليم الظفر فأدماه فعليه شاة) : زكريا المؤمن عن

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٥ : ٤٣٩ / ١٥٢٤.

(٢) في «ح» : أحد منهم.

(٣) الفهرست : ٥٤ / ٥٢.

(٤) الفهرست : ١٨٩ / ٥٢٦.

(٥) خلاصة الأقوال : ١٧٠ / ٤٩٩.

(٦) عنه في حاوي الأقوال ١ : ٤٣٨ / ٣٢٩.

(٧) الاستبصار ٢ : ٥٠ / ١٦٦.

(٨) مدارك الأحكام ٥ : ٣٣٦.

١٨٥

إسحاق بن عمار الصيرفي قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام (١) الحديث. والواجب أيضا حمله على المذكور.

وممّا ورد دالّا على روايته عن الكاظم عليه‌السلام ما رواه في كتاب (ثواب الأعمال (٢)) (٣) عن محمّد بن سليمان الديلمي عن أبيه (٤) سليمان الديلمي ، عن إسحاق بن عمار الصيرفي عن أبي الحسن الماضي عليه‌السلام.

وفي باب الصرف من كتاب (الأخبار) (٥) روايات عديدة عن إسحاق بن عمار عنه عليه‌السلام في أحكام الصرف. والواجب حمله في تلك الروايات على ابن حيان المذكور في (رجال النجاشي) (٦) ، فتكون أحاديثه مع السلامة من مطعون فيه صحيحة.

وفي حاشية كتاب (الرجال الصغير) للميرزا محمد الأسترابادي على ترجمة إسحاق بن عمار ما يدل على تفطنه للتعدّد ، بعد ذلك والعدول عما ذكره في متن الكتاب ، حيث قال : (والظاهر من التتبع أن إسحاق بن عمار اثنان : ابن عمار بن حيان الكوفي ـ وهو المذكور في (رجال النجاشي) ـ وابن عمار بن موسى الساباطي ، وهو المذكور في (الفهرست). وأن الثاني فطحي دون الأوّل) انتهى.

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٥ : ٣٣٣ / ١١٤٦ ، وسائل الشيعة ١٣ : ١٦٥ ، أبواب بقية كفارات الإحرام ، ب ١٣ ، ح ١ ، وفيهما : لأبي إبراهيم عليه‌السلام ، بدل : أبي عبد الله ، وليس فيهما : بن عمار.

(٢) كذا في «ق» و «ح» و «م» ، وفي «ع» : مواهب الأعمال ، غير أن الحديث مذكور في عقاب الأعمال. انظر الهامش التالي.

(٣) عقاب الأعمال (في ذيل ثواب الأعمال) : ٢٥٥ / ٣.

(٤) في النسختين بعدها : عن ، وما أثبتناه وفق المصدر.

(٥) تهذيب الأحكام ٧ : ١٠٣ / ٤٤٤ ، و ٧ : ١٠٧ / ٤٥٩.

(٦) رجال النجاشي : ٧١ / ١٦٩.

١٨٦

(٣٠)

درّة نجفيّة

في مدلول الأمر والنهي

قد طال التشاجر بين علماء الاصول في مدلول الأمر والنهي حقيقة من أنه هو الوجوب والتحريم أو غير ذلك من الأقوال (١) التي حرروها والحجج التي سطروها ، ومدوا أطناب الإطناب في ذلك الباب بما لا يرجع إلى سنة ولا كتاب ، وزيّف كل منهم ما أورده الآخر من الاستدلال ، وأكثروا في المقام من القيل والقال ، مع أن (الكتاب) العزيز وأخبار أهل الذكر عليهم‌السلام مملوءة من الدلالة على الوجوب والتحريم بما لا يحوم حوله الإيراد ، وهي أولى بالاتباع والاعتماد ، وأظهر في الدلالة على المراد. فمنها قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا

__________________

(١) اعلم أن صيغة (افعل) تستعمل في خمسة عشر معنى على سبيل البدل :

الأوّل : الإيجاب ، كقوله تعالى (أَقِمِ الصَّلاةَ) (١).

الثاني : الندب ، كقوله تعالى (فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً) (٢).

الثالث : الإرشاد ، كقوله تعالى (وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ) (٣).

الرابع : التهديد ، كقوله تعالى (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) (٤).

الخامس : الإهانة ، كقوله تعالى (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) (٥).

السادس : الدعاء ، نحو (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا) (٦).

__________________

١ ـ الإسراء : ٧٨ ، لقمان : ١٧.

٢ ـ النور : ٣٣.

٣ ـ البقرة : ٢٨٢.

٤ ـ فصّلت : ٤٠.

٥ ـ الدخان : ٤٩.

٦ ـ البقرة : ١٤٧.

١٨٧

الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (١) ، وليس الطاعة إلّا الانقياد لما يقوله الآمر من الأمر والنهي ، كما صرّح به أرباب اللغة (٢) ، وترك الطاعة عصيان ، لنص أهل اللغة (٣) على ذلك. والعصيان حرام لقوله سبحانه (مَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ) (٤).

__________________

السابع : الإباحة ، كقوله تعالى (فَاصْطادُوا) (١).

الثامن : الامتنان ، كقوله تعالى (كُلُوا مِمّا رَزَقَكُمُ اللهُ) (٢).

التاسع : الإكرام ، كقوله تعالى (ادْخُلُوها بِسَلامٍ) (٣).

[...] (٤).

الحادي عشر : التعجيز ، كقوله تعالى (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) (٥).

الثاني عشر : التسوية ، كقوله تعالى (فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا) (٦).

الثالث عشر : التمنّي :

ألا (٧) أيها الليل الطويل ألا انجل

بصبح وما الإصباح منك بأمثل (٨)

الرابع عشر : الاحتقار (أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ) (٩).

الخامس عشر : التكوين ، كقوله تعالى (كُنْ فَيَكُونُ) (١٠) ... (٢) ، (هامش «ح»).

(١) النساء : ٥٩.

(٢) العين ٢ : ٢٠٩ ـ عطو ، جمهرة اللغة ٣ : ١٠٧ ـ طعو ، الصحاح ٣ : ١٢٥٥ ـ طوع.

(٣) الصحاح ٦ : ٢٤٢٩ ـ عصا ، لسان العرب ٩ : ٢٥١ ـ عصا ، القاموس المحيط ٤ : ٥٢٦ ـ العصيان.

(٤) الجن : ٢٣.

__________________

١ ـ المائدة : ٢.

٢ ـ المائدة : ١٤٢.

٣ ـ الحجر : ٤٦ ، وق : ٣٤.

٤ ـ لم يذكر المحشّي رحمه‌الله المعنى العاشر ، بل تجاوزه إلى المعنى الحادي عشر. وقد أوصل بعض علماء الاصول مفادات الأمر إلى أكثر من ذلك ، فقد أضافوا (التسخير والاذن والتأديب والالتماس والتفويض والتعجب والتكذيب والاعتبار والمشورة والإنعام). انظر : مفاتيح الاصول : ١١٠ ، الإبهاج في شرح المنهاج ٢ : ١٥ ـ ١٦.

٥ ـ البقرة : ٢٣.

٦ ـ الطور : ١٦.

٧ ـ في المخطوط بعدها : يا.

٨ ـ البيت من الطويل ، وهو لامرئ القيس. انظر : شرح المعلّقات السبع : ٢٩.

٩ ـ يونس : ٨٠. ١٠ ـ البقرة : ١١٧ ، وغيرها.

١٨٨

ومنها قوله تعالى (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) (١) ، والتقريب ما تقدم.

ومنها قوله تعالى (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٢).

ومنها قوله تعالى (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (٣).

ومن الأخبار الدالة على ذلك ما استفاض من وجوب طاعة الأئمَّة عليهم‌السلام وأن طاعتهم كطاعة الله عزوجل ورسوله. وقد عقد له في (الكافي) بابا عنونه (باب فرض طاعة الأئمَّة عليهم‌السلام) (٤).

ومن أخباره حسنة الحسين بن أبي العلاء قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الأوصياء طاعتهم مفترضة؟ قال : «نعم ، هم الذين قال الله تعالى (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (٥)» (٦) الحديث.

وصحيحة الكناني قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «نحن قوم فرض الله طاعتنا» (٧) الحديث.

ورواية الحسين بن المختار عن أبي جعفر عليه‌السلام في قول الله تعالى (وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) (٨) قال : «الطاعة للإمام» (٩).

__________________

(١) النساء : ٨٠.

(٢) النور : ٦٣.

(٣) الحشر : ٧.

(٤) الكافي ١ : ١٨٥ / ١٩٠ ، باب فرض طاعة الأئمَّة.

(٥) النساء : ٥٩.

(٦) الكافي ١ : ١٨٩ / ١٦ ، باب فرض طاعة الأئمَّة.

(٧) الكافي ١ : ١٨٦ / ٦ ، باب فرض طاعة الأئمة.

(٨) النساء : ٥٤.

(٩) الكافي ١ : ١٨٦ / ٤ ، باب فرض طاعة الأئمَّة.

١٨٩

إلى غير ذلك من الأخبار المذكورة في ذلك الباب وغيره (١).

ومن الأخبار الدالة على أصل المدّعى صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم ، قالا : قلنا لأبي جعفر عليه‌السلام ما تقول (٢) في صلاة السفر ؛ كيف هي؟ وكم هي؟ فقال : «إنّ الله عزوجل يقول (إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) (٣) ، فصار القصر من الصلاة واجبا كوجوب التمام في الحضر». قال : قلنا : إنما قال الله عزوجل (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا) ، ولم يقل افعلوا ، فكيف أوجب ذلك كما أوجب التمام في الحضر؟ فقال عليه‌السلام : «أو ليس قد قال الله عزوجل : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) (٤)؟ ألا ترون أن الطواف بهما واجب مفروض؟» (٥) الحديث.

والتقريب أن زرارة ومحمد بن مسلم علقا (٦) استفادة الوجوب على صيغة أفعل مجردة (٧) ، وسألا عن وجوب القصر مع عدم الصيغة المذكورة ، وهما من أهل اللسان وخواص الأئمَّة عليهم‌السلام ، والإمام عليه‌السلام قررهما على ذلك.

ومنها صحيحة عمر بن يزيد (٨) قال : اشتريت إبلا وأنا بالمدينة فأعجبتني إعجابا شديدا ، فدخلت على أبي الحسن الأول عليه‌السلام فذكرتها ، فقال : «مالك وللإبل؟ أما علمت أنها كثيرة المصائب؟».

قال : فمن إعجاب بها أكريتها ، وبعثت بها مع غلمان لي إلى الكوفة ، فسقطت كلها.

__________________

(١) الكافي ١ : ٢٠٨ ـ ٢١٠ ، باب ما فرض الله عزوجل ..

(٢) ما تقول ، ليس في «ح».

(٣) النساء : ١٠١.

(٤) البقرة : ١٥٨.

(٥) الفقيه ١ : ٢٧٨ / ١٢٦٦ ، وسائل الشيعة ٨ : ٥١٧ ـ ٥١٨ ، أبواب صلاة المسافر ، ب ٢٢ ، ح ٢.

(٦) من «ح».

(٧) من «ح».

(٨) الكافي ٦ : ٥٤٣ / ٧ ، باب اتّخاذ الإبل.

١٩٠

قال : فدخلت فأخبرته ، فقال (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (١).

ومنها ما ورد في رسالة الصادق عليه‌السلام إلى أصحابه ، المروية في (روضة الكافي) حيث قال فيها : «اعلموا أن ما أمر الله أن (٢) تجتنبوه ، فقد حرمه». إلى أن قال في أثنائها أيضا : «واعلموا أنه إنما أمر ونهى ليطاع فيما يأمر به ، ولينتهى عما نهى عنه ..

فمن اتّبع أمره فقد أطاعه ، ومن لم ينته عما نهى عنه فقد عصاه ، فإن مات على معصية أكبّه الله على وجهه في النار» (٣).

ومنها صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحجّ ؛ لأنّ الله تعالى يقول (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ) (٤)» (٥) الحديث.

وذهب جمع من المتأخّرين ومتأخريهم ، منهم المحقق الشيخ حسن ابن شيخنا الشهيد الثاني ، والسيّد السند صاحب (المدارك) ـ بل الظاهر أنه أوّل من ذهب إلى ذلك فيما أعلم ـ إلى منع دلالة صيغة الأمر والنهي على الوجوب والتحريم في كلام الأئمَّة عليهم‌السلام وإن كانت كذلك في كلام الله تعالى وكلام الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، مستندين إلى كثرة ورود الأوامر والنواهي عنهم عليهم‌السلام ، للاستحباب والكراهة وشيوعها إلى ذلك.

قال في كتاب (المعالم) : (فائدة : يستفاد من تضاعيف أحاديثنا المرويّة عن الأئمَّة عليهم‌السلام أن استعمال صيغة الأمر في الندب كان شائعا في عرفهم عليهم‌السلام ، بحيث صار من المجازات الراجحة المساوي احتمالها من اللفظ لاحتمال الحقيقة عند

__________________

(١) النور : ٦٣.

(٢) ليست في «ح».

(٣) الكافي ٨ : ٦ ، ٩.

(٤) البقرة : ١٩٦.

(٥) تهذيب الأحكام ٥ : ٤٣٣ / ١٠٥٢ ، وسائل الشيعة ١٤ : ٢٩٥ ، أبواب العمرة ، ب ١ ، ح ٢.

١٩١

انتفاء المرجّح المجازي. فيشكل التعلق في إثبات وجوب أمر بمجرد ورود الأمر به منهم عليهم‌السلام) (١) انتهى.

وبمثل هذه المقالة صرّح السيد السند في موضع من (المدارك) (٢) ، ونسج على منوالهما جملة ممن تأخر عنهما ؛ منهم المولى محمد باقر الخراساني في (الذخيرة) (٣) و (الكفاية) (٤) ، ومنهم المحقّق الخونساري شارح (الدروس) (٥).

ومنهم شيخنا أبو الحسن الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني (٦) وغيرهم.

وعندي فيه نظر من وجوه :

أحدها : أن تلك الأوامر والنواهي هي في الحقيقة أوامر الله سبحانه ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا فرق بين صدورها من الله سبحانه ورسوله ولا منهم (٧) ؛ لكونهم حملة ونقلة لقولهم عليه‌السلام : «إنا إذا حدثنا حدثنا عن الله ورسوله ، ولا نقول من أنفسنا» (٨).

وحينئذ ، فحيث إن هذا القائل يسلم أن أوامر الله عزوجل ورسوله ونواهيهما الصادرة عنهما لا بواسطة واجبة الاتّباع ، فيجب عليه القول فيما كان بواسطتهم أيضا. وهل يجوز أو يتوهم نقلهم عليه‌السلام ذلك اللفظ عن معناه الحقيقي الذي

هو الوجوب أو التحريم ، واستعماله في معنى مجازي من غير نصب قرينة وتنبيه على ذلك؟ وهل هو إلّا من قبيل التعمية والألغاز ، وشفقتهم على شيعتهم وحرصهم على هدايتهم ، بل علوّ شأنهم وعصمتهم يمنع من ذلك؟

وثانيهما : أن ما استند إليه هذا القائل من كثرة ورود الأوامر والنواهي في

__________________

(١) معالم الاصول : ٧٤.

(٢) انظر مدارك الأحكام ٤ : ٣٨٣.

(٣) ذخيرة المعاد : ١٠٨.

(٤) كفاية الأحكام : ٩٩.

(٥) مشارق الشموس في شرح الدروس : ١٢ ـ ١٣.

(٦) أزهار الرياض : ٩٨ ، أجوبة سليمان بن عبد الله : ٤٤ ، العشرة الكاملة : ٢١٩.

(٧) ولا فرق .. منهم ، من «ح» ، وفي «ق» بدله : ولا يفهم.

(٨) رجال الكشي : ٢٢٤ / ٤٠١ ، بحار الأنوار ٢ : ٢٥٠ / ٦٢.

١٩٢

أخبارهم للاستحباب والكراهة مردود بأنه إن كان دلالة تلك الأوامر والنواهي باعتبار قرائن قد اشتملت عليها تلك الأخبار حتى دلّت بسببها على الاستحباب والكراهة ، فهو لا يقتضي حمل ما لا قرينة فيه على ذلك ، وهل هو إلّا مع وجود الفارق؟ وإلّا فهو عين المتنازع فيه (١) ، فلا يتم الاستدلال. وهذا بحمد الله سبحانه واضح المقال (٢) لمن يعرف الرجال بالحقّ لا الحقّ بالرجال.

وثالثها : أن ما قدّمنا من الآيات والأخبار الدالة على فرض طاعتهم ووجوب متابعتهم عامة شاملة لجميع الأوامر والنواهي ، إلّا ما دلّت القرائن على خروجه.

فحينئذ ، لو حمل الأمر والنهي الوارد في كلامهم بدون القرائن الصارفة على الاستحباب والكراهة المؤذن بجواز الترك في الأول والفعل في الثاني ، لم يحصل العلم بطاعتهم ولا اليقين بمتابعتهم ، وكان المرتكب لذلك في معرض الخوف والخطر والتعرّض لحرّ (٣) سقر ؛ لاحتمال كون (٤) ما أمروا به إنما هو على وجه (٥) الوجوب والحتم ، وما نهوا عنه إنما هو على جهة التحريم والزجر. بل هو ظاهر تلك الأوامر والنواهي بالنظر إلى ما قلنا إلّا مع الصارف ، بخلاف ما إذا حملا على الوجوب والتحريم فإن المكلف حينئذ متيقن البراءة والخروج من العهدة.

ولو قيل : إن الحمل على الاستحباب والكراهة معتضد بالبراءة الأصلية ، إذ الأصل براءة الذّمة حتى يقع دليل قاطع على ما يوجب شغلها.

قلنا : فيه :

أولا : ما عرفت في مسألة (٦) البراءة الأصلية ـ كما تقدم تحقيقه في الدرّة (٧) التي

__________________

(١) من «ح».

(٢) في «ح» : المجال.

(٣) في «ح» : بحر.

(٤) في «ح» : كونها.

(٥) من «ح».

(٦) من «ح».

(٧) انظر الدرر ١ : ١٥٥ ـ ١٨٦ / الدرة : ٦.

١٩٣

في المسألة المذكورة ـ من عدم قيام الدليل عليها ، بل قيامه على خلافها.

وثانيا : أنه بعد ورود الأمر والنهي مطلقا لا مجال للتمسّك بها ؛ إذ المراد بها ؛ إما أصالة البراءة قبل تعلق التكاليف ، وحينئذ فبعد التكليف لا مجال لاعتبارها وإما أصالة البراءة ؛ لعدم الاطلاع على الدليل. والحال أن الدليل في الجملة موجود.

نعم يبقى الشكّ في الدليل ، وتردّده بين الوجوب والاستحباب والتحريم والكراهة ، وهذا أمر آخر ، فالخروج من قضية البراءة الأصلية معلوم.

وبالجملة ، فأصالة البراءة عبارة عن خلوّ الذمّة من تعلق التكليف مطلقا إيجابيا أو ندبيّا ؛ وهو هنا ممتنع بعد وجود الدليل ولو في الجملة.

ورابعها : أنه لا أقل أن يكون الحكم بالنظر إلى ما ذكرنا من الآيات والروايات من المتشابهات التي استفاضت الأخبار بالوقوف فيها على ساحل الاحتياط : «حلال ، بين وحرام بيّن وشبهات بين ذلك ، فمن تجنب (١) الشبهات نجا من الهلكات» (٢).

ومن الظاهر البيّن أن الاحتياط في جانب الوجوب والتحريم هذا.

وما اعتضد به شيخنا أبو الحسن قدس‌سره في كتاب (العشرة الكاملة) ، حيث اقتفى أثر اولئك القوم في هذه المقالة ، من أن الصدوق رحمه‌الله في كتاب (من لا يحضره الفقيه) ، قد حمل كثيرا من الأوامر على الندب (٣) ، وجمّا غفيرا من النواهي على الكراهة والتنزيه (٤) ، ففيه أنه إن كان ذلك كذلك ، فيمكن حمله على ظهور قرائن

__________________

(١) في المصدر : ترك.

(٢) الكافي ١ : ٦٨ / ١٠ ، باب اختلاف الحديث ، تهذيب الأحكام ٦ : ٣٠١ / ٨٤٥ ، وسائل الشيعة ٢٧ : ١٥٧ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٢ ، ح ٩.

(٣) الفقيه ١ : ٢٣٧ / ذيل الحديث : ١٠٤٢ ، و ٢ : ٢٣٧ / ذيل الحديث : ١١٢٩.

(٤) الفقيه ٢ : ٩٠ / ذيل الحديث : ٣٩٩ ، و ٢ : ٩٣ / ذيل الحديث : ٤١٦.

١٩٤

المجاز له ؛ إذ هي بالنسبة إلى مثله من أرباب الصدر الأوّل غير عزيزة. ويمكن أيضا ، أن يكون ذلك في مقام الجمع بين الأخبار ، بأن يكون في الأخبار المعارضة ما يدلّ على نفي الوجوب في الأول والجواز في الثاني مع قوته ورجحانه. وهذا من جملة القرائن الموجبة للخروج عن ذينك المعنيين الحقيقيين.

١٩٥
١٩٦

(٣١)

درّة نجفيّة

في تقليد الفقيه بمسألة مع ثبوت خلافها للمكلف

من جملة مسائل بعض الإخوان الأعلام والخلان الكرام ، قال : (موضوع الحكم الشرعي هل يجب على من عدا الفقيه أن يقلّده فيه ، كما لو ثبت استحقاق زيد مثلا للزكاة عند الفقيه ولم يثبت عند من عليه الزكاة مع معرفته بشروط الاستحقاق؟ وكذا هلال الشهر أخذا في الصوم أو في الافطار؟ وكذا جهة القبلة أو هما في ذلك سواء؟).

فكتبت له في الجواب مستمدّا منه سبحانه الهداية إلى إصابة الصواب (١) ما صورته : إن الظاهر من كلام الأصحاب (٢) ـ رضوان الله عليهم ـ في مسألة رؤية الهلال أنه يكفي حصول الثبوت عند كل من الحاكم الشرعي والمكلّف ، فلو ثبت عند الحاكم الشرعي رؤية الهلال لفطر كان أو صيام بالشهادة أو الشياع وجب على من عداه العمل بذلك ؛ وكذا لو ثبت بأحد الوجهين عند المكلف.

ويظهر من بعض أفاضل متأخّري المتأخّرين أنه لا يجب على المكلّف العمل بما ثبت عند الحاكم هنا ، بل إن حصل الثبوت عنده وجب عليه العمل بمقتضى ذلك ، وإلّا فلا. قال : لأن الأدلة الدالة على الفطر أو الصيام من الأخبار ؛ إما رؤية

__________________

(١) في «ح» : الثواب.

(٢) تحرير الأحكام ١ : ٨٢ ، مسالك الأفهام ٢ : ٥١ ، مدارك الأحكام ٦ : ١٩٦.

١٩٧

المكلف نفسه ، أو ثبوتها بالشياع ، أو السّماع من رجلين عدلين ، أو مضيّ ثلاثين يوما من شعبان أو شهر رمضان ، وإما ثبوت دليل خامس ؛ وهو حكم الحاكم ، فلم نجد له ما يعتمد عليه ويركن إليه.

وظاهر كلامه إجراء البحث في غير مسألة الرؤية أيضا. حيث قال بعد كلام له في المقام : (فلو ثبت عند الحاكم غصبية (١) الماء ، فلا دليل على أنه يجب على المكلف الاجتناب عنه وعدم التطهير به).

قال : (وكذا لو حكم بأنّه دخل الوقت في زمان معيّن ، فلا حجة على أنه يصحّ للمكلف إيقاع الصلاة فيه وإن لم يلاحظه أو لاحظه واستقر ظنّه بعدم الدخول.

ولهذا نظائر كثيرة لا يخفى على البصير المتتبع) انتهى.

أقول : والأظهر بالنسبة إلى موضوع المسألة ، هو التفصيل في المقام بأن يقال : إنه إما أن يكون الحكم ممّا يتوقف ثبوته وحصوله على الإثبات الشرعي ولو في الجملة أو لا.

والأول إما أن يكون من قبيل الحقوق التي يقع فيها التنازع بين الخصوم ، أو الحقوق التي لله سبحانه أو لا.

والأوّل من الثاني ممّا لا خلاف في اختصاصه بالفقيه.

والثاني من الثاني ، هو موضوع المسألة ومحل البحث ، وهي الأحكام التي تتعلّق بالمكلّف نفسه مع حصولها بالإثبات الشرعي ، ولو في الجملة.

والثاني من الأوّل ليس ممّا نحن فيه في شي‌ء ، وذلك مثل جهة القبلة ، فإن الشارع أوجب على كل مكلّف من فقيه ومقلد الصلاة إلى جهة القبلة مع علمها ، ومع فقد العلم يرجع إلى الظن على التفصيل المذكور في محله. ومع تعذّره يصلي

__________________

(١) في مصححة «ح» : نجاسة.

١٩٨

إلى أربع جهات على المشهور أو إلى أيّ جهة شاء على القول الآخر (١) ، ولا مدخل للشاهدين ولا للإثبات الشرعي في ذلك.

وكذا الوقت ، فإن الشارع قد جعل لدخوله علامات يعرف بها ، وأوجب على كل مكلّف العمل بها ، فإن حصل شي‌ء منها بنى عليه وإلّا بنى على الظن أو الاحتياط بالتأخير ، إلى أن يتيقن دخول الوقت.

وكذا الدفع إلى مستحق الزكاة مثلا ؛ فإن المدار فيه على اتّصاف المستحق بالفقر ، وقوله مقبول فيه اتفاقا ما لم يظهر خلافه ، سواء كان الدافع إليه الفقيه أو من عليه الزكاة ، فلا مدخل لهذه المعدودات ولا لأمثالها فيما نحن فيه.

وإنما الكلام في مثل رؤية الهلال لصوم أو فطر ، التي هي أحد أسبابها الشهادة على الرؤية ، والحكم بنجاسة الماء مثلا ، الذي أحد أسبابه الشهادة أيضا ، والحكم بعدالة شخص أو فسقه الذي هو كذلك أيضا. وأمثال ذلك أيضا ممّا هو من هذا القبيل.

فلو ثبت شي‌ء من هذه الامور عند الحاكم الشرعي ، فهل يجب على المكلف العمل به أم لا ، بل لا بدّ من سماعه هو نفسه من الشاهدين؟ لم أقف في المقام على كلام لأحد من علمائنا الأعلام سوى ما في مسألة الرؤية ، حيث إن السيد السند السيد محمدا قدس‌سره في كتاب (المدارك) نقل عن العلّامة (٢) وغيره (٣) ، أنهم صرحوا بأنّه لا يعتبر في ثبوت الهلال بالشاهدين في الصوم والفطر حكم الحاكم ، فلو رآه اثنان ولم يشهدا عند الحاكم وجب على من سمع شهادتهما وعرف عدالتهما الصوم والفطر.

__________________

(١) انظر مختلف الشيعة ٢ : ٨٤ / المسألة : ٢٨.

(٢) تحرير الأحكام ١ : ٨٢.

(٣) مسالك الأفهام ٢ : ٥١.

١٩٩

قال : (وهو كذلك ؛ لقول الصادق عليه‌السلام في صحيحة منصور بن حازم : «فإن شهد عندك شاهدان مرضيان بأنّهما رأياه فاقضه» (١).

وفي صحيحة الحلبي (١) وقد قال له : أرأيت إن كان الشهر تسعة وعشرين يوما؟ أقضي ذلك اليوم؟ قال : «لا إلّا أن يشهد لك (٢) بينة عدول ، فإن شهدوا أنّهم رأوا الهلال قبل ذلك اليوم فاقض ذلك اليوم» (٣)) (٤).

ومقتضى هذا الكلام أنه يجب العمل بحكم الحاكم بالرؤية متى ثبت عنده بالبينة وإن كان ذلك غير منحصر فيه ، بل يكفي سماع المكلّف منهما بعد معرفته بعدالتهما. وإنما يحصل التوقف عنده ، فيما لو انفرد الحاكم بالرؤية ، فهل يجب على من عداه العمل بقوله أم لا؟ حيث قال في الكتاب المذكور : (السادس : هل يكفي قول الحاكم الشرعي في ثبوت الهلال؟ فيه وجهان :

أحدهما : نعم ، وهو خيرة (الدروس) (٢) ؛ لعموم ما دلّ على أن للحاكم أن يحكم

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٤ : ١٥٧ / ٤٣٦ ، الاستبصار ٢ : ٦٣ / ٢٠٥ ، وسائل الشيعة ١٠ : ٢٨٧ ، أبواب أحكام شهر رمضان ، ب ١١ ، ح ٤.

(٢) أقول : ينبغي أن يعلم أن صحيحة الحلبي قد رواها الشيخ بطرق ثلاثة ـ منها الصحيح وغيره ـ بهذا المتن المنقول في الأصل. ورواها أيضا بطريقين آخرين عن عبد الله بن سنان : في الأوّل : «إلى أن يشهد بذلك بينة عدول» (١) ، وفي الثاني : «إلّا أن يشهد بينة عدول». ومدار الاستدلال على ما ذكرنا من الطرق الثلاثة والمتن المذكور في الأصل واضح لا يخفى. منه رحمه‌الله ، (هامش «ح»).

(٣) في «ح» : يشهدك ، بدل : يشهد لك.

(٤) تهذيب الأحكام ٤ : ١٥٦ / ٤٣٤ ، وسائل الشيعة ١٠ : ٢٦٤ ، أبواب أحكام شهر رمضان ، ب ٥ ، ح ٩.

(٥) مدارك الأحكام ٦ : ١٦٩.

(٦) فإن صورة كلامه في الدروس هكذا : (وهل يكفي قول الحاكم وحده في ثبوت الهلال؟ الأقرب نعم) (٢) انتهى. منه رحمه‌الله ، (هامش «ح»).

__________________

١ ـ تهذيب الأحكام ٤ : ١٦٣ / ٤٥٩ ، وسائل الشيعة ١٠ : ٢٦٧ ، أبواب أحكام شهر رمضان ، ب ٥ ، ح ١٩.

٢ ـ الدروس ١ : ٢٨٦.

٢٠٠