الدّرر النجفيّة - ج ٢

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الدّرر النجفيّة - ج ٢

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٢١

(٢٦)

درّة نجفيّة

في قراءة القرآن والدعاء بغير العربية

روى الثقة الجليل عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب (قرب الإسناد) عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة قال : سمعت جعفر بن محمد عليهما‌السلام يقول :«إنك قد ترى من المحرم من العجم لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح ، وكذلك الأخرس في القراءة في الصلاة والتشهد وما أشبه ذلك فهذا بمنزلة العجم ، المحرم لا يراد منه ما يراد من العاقل المتكلم الفصيح. ولو ذهب العالم المتكلّم الفصيح حتى يدع ما قد علم أنه يلزمه ويعمل به وينبغي له أن يقوم به حتى يكون ذلك منه بالنبطية والفارسية ، لحيل بينه وبين ذلك بالأدب ، حتى يعود إلى ما قد علمه وعقله».

قال : «ولو ذهب من لم يكن في مثل حال [الأعجمي] (١) المحرم ففعل فعال الأعجمي والأخرس على ما قد وصفنا إذا لم يكن أحد فاعلا لشي‌ء من الخير ولا يعرف الجاهل من العالم» (٢).

أقول : في هذا الخبر فوائد :

الأولى : قال في (النهاية) فيه : (فأرسل إليّ ناقة محرمة) المحرمة : هي

__________________

(١) من المصدر ، وفي «ح» : الاعجم ، وفي «ق» : العجم.

(٢) قرب الإسناد : ٤٩ / ١٥٨.

١٦١

التي لم تركب ولم تذلل (١).

وفي (الصحاح) : (جلد محرّم ، أي لم تتم دباغته ، وسوط محرم لم يليّن بعد ، وناقة محرّمة ، أي لم تتمّ رياضتها بعد) (٢).

وقال : (كل من لا يقدر على الكلام أصلا ، فهو أعجم ومستعجم ، والأعجم : الذي لا يفصح ولا يبين كلامه) (٣) انتهى.

وحينئذ ، فإطلاق المحرم على بعض العجم الذي لا يمكنه الإتيان بالقراءة ونحوها على وجهها من إخراج الحروف من مخارجها ولا يفصح بالكلام ؛ لشبهه بالدابة ونحوها في عدم لين لسانه وتذليله بالنطق بالعربية. وقد صرّح الخبر بأنه يجزيه ما يأتي به من القراءة والتشهد ، ونحوهما من التلبيات مثلا والعقود الشرعية ، وإن لم يكن على نهج العربية إعرابا ونطقا ، وينبغي أن يقيد بما إذا ضاق وقته عن التعلم كما ذكره الأصحاب ـ رضوان الله عليهم ـ في حكم القراءة في الصلاة أو عدم إمكان الإصلاح بالكلية كالألكن والألثغ (٤).

الثانية : يفهم من هذا الخبر وجوب إخراج الحروف في القراءة والأذكار الواجبة من مخارجها المقررة. وبيانه أن القول في ذلك لا يخلو عن أحد أمرين :

أحدهما : أنّه يجوز لكل أحد من عربي أو عجمي أن يقرأ بما جرى به لسانه من المخارج. وهذا قد صرّح الخبر برده ، فأوجب على الفصيح المتكلم الغير الأعجمي أن يأتي بما علمه وعقله من المخارج المقررة والقراءة المعتبرة ، وإنما اغتفر المخالفة فيها للأعجمي من حيث العذر ، وعدم انطلاق لسانه بذلك.

فلم يبق إلّا الأمر الثاني الذي أوجبه عليه‌السلام على المتكلم الفصيح القادر على إخراج

__________________

(١) النهاية في غريب الحديث والأثر ١ : ٣٧٤ ـ حرم.

(٢) الصحاح ٥ : ١٨٩٦ ـ حرم.

(٣) الصحاح ٥ : ١٩٨٠ ـ ١٩٨١ ـ عجم.

(٤) في «ح» بعدها : ونحوهما.

١٦٢

الحروف من مخارجها المقررة. واحتمال أن يكون هنا مخارج مقررة غير ما قرره علماء الفن رمي في الظلام ، ونفخ في غير ضرام ، وإحالة على ما لا تقبله الأفهام. وبذلك يظهر لك ما في الاستشكال بعض الأعلام في وجوب إخراج الحروف من تلك المخارج التي ذكرها علماء الفن في المقام.

الثالثة : المشهور بين الأصحاب ـ رضوان الله عليهم ـ اشتراط اللغة العربية في العقود ، فلا تجزي الترجمة. واستدل على ذلك بأن الشارع عربي ، والعقود اللازمة الناقلة شرعية ، ويتوقف النقل على ما عهد من الشارع ، وإلّا فالأصل عدم النقل.

وأورد عليه بأن الشارع لم ينصّ في العقود على لفظ خاص ، فالتعيين يحتاج إلى دليل خصوصا في مثل البيوع والصلح والهبات ، ونحو ذلك ممّا جرى بين الناس من العرب والعجم العاملة به من غير نكير.

وأنت خبير بأن ظاهر هذا الخبر هو التفصيل بالضرورة وعدمها ، فمع الضرورة يجزي ذلك كما يدل عليه قوله : «إنه لا يراد» من المحرم من العجم «ما يراد من العالم الفصيح» ، ومع عدمها فلا كما ينادي به قوله : «ولو ذهب العالم» إلى آخره.

وهو جمع حسن بين القولين.

وأما ما ورد في رواية وهب بن وهب عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم‌السلام قال : «كل طلاق بكل لسان فهو طلاق» (١) ، فقد قيده جمع من علمائنا بتعذر العربية ؛ لما روي من أنه لا يصحّ الطلاق إلّا بتلك الصيغة الخاصة (٢).

الرابعة : أنه هل يشترط الإعراب في ترتّب الثواب على قراءة (القرآن)

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٨ : ٣٨ / ١١٢ ، وسائل الشيعة ٢٢ : ٤٣ ، كتاب الطلاق ، ب ١٧ ، ح ١.

(٢) السرائر ٢ : ٦٧٦ ، شرائع الإسلام ٣ : ٨ ـ ٩ ، قواعد الأحكام ٣ : ١٢٧ ، وسائل الشيعة ٢٢ : ٤٣ ، كتاب الطلاق ، ب ١٧ ، ح ١.

١٦٣

واستجابة الدعاء؟ ظاهر بعض الأخبار ذلك ، كما روي عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : «ما استوى رجلان في حسب ودين قط إلّا كان أفضلهما عند الله عزوجل آدبهما». قال : قلت : جعلت فداك ، قد علمت فضله عند الناس في النادي والمجالس ، فما فضله عند الله عزوجل؟ قال : «بقراءة القرآن كما انزل ، ودعاء الله عزوجل من حيث لا يلحن ، وذلك أن الدعاء الملحون لا يصعد إلى الله عزوجل» (١).

وروى في (الكافي) في صحيحة جميل بن دراج قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «أعربوا حديثنا ، فإنا قوم فصحاء» (٢).

وأنكر الفاضل الزاهد العابد الشيخ أحمد بن فهد الحلي قدس‌سره في كتاب (عدّة الداعي) (٣) ذلك ، وبالغ وأطال في إنكاره ، وجعل صحة الدعاء وترتب استجابته إنما هو على القصد والنية.

وأجاب عن قوله في الخبر الأوّل : «إن الدعاء الملحون لا يصعد إلى الله» ، أي لا يصعد إليه ملحونا ، يشهد عليه الحفظة بما يوجبه اللحن إذا كان مغيّرا للمعنى ويجازى عليه كذلك ، بل يجازيه على قدر قصده ومراده من دعائه. واستدل بما رواه في (الكافي) عن علي بن إبراهيم عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الرجل الأعجمي من امتي ليقرأ القرآن بعجميته ، فترفعه الملائكة على عربيته» (٤).

وبقوله عليه‌السلام : «إنّ سين بلال عند الله شين» (٥).

__________________

(١) عدة الداعي : ١٨ ، وسائل الشيعة ٦ : ٢٢٠ ـ ٢٢١ ، أبواب قراءة القرآن ، ب ٣٠ ، ح ٣.

(٢) الكافي ١ : ٥٢ / ١٣ ، باب رواية الكتب والحديث ، وسائل الشيعة ٢٧ : ٨٣ ، كتاب القضاء ، ب ٨ ، ح ٢٥.

(٣) عدّة الداعي : ١٩.

(٤) الكافي ٢ : ٦١٩ / ١ ، باب أن القرآن يرفع كما انزل ، وسائل الشيعة ٦ : ٢٢١ ، أبواب قراءة القرآن ، ب ٣٠ ، ح ٤.

(٥) عدة الداعي : ٢١.

١٦٤

وروى في الكتاب المذكور أنه جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إن بلالا كان يناظر اليوم فلان فجعل يلحن في كلامه ، وفلان يعرب ويضحك من بلال. فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «يا عبد الله ، إنما يراد إعراب الكلام وتقويمه لتقويم الأعمال وتهذيبها ، ما ينفع فلان إعرابه وتقويمه لكلامه إذا كانت أفعاله ملحونة أقبح لحن؟ وما يضر فلان لحنه في كلامه إذا كانت أفعاله مقومة أحسن تقويم ومهذبة أحسن تهذيب؟» (١).

قال : (مع أنا نجد في أدعية أهل البيت عليهم‌السلام ألفاظا لا نعرف معانيها ، وذلك كثير ـ فمنه أسماء وأقسامات ؛ ومنه أغراض وحاجات ، وفوائد وطلبات ، فنسأل من الله بالأسماء ، ونطلب منه تلك الأشياء ، ونحن غير عارفين بالجميع ، ولم يقل أحد : إن مثل هذا الدعاء إذا لم يكن معربا يكون مردودا مع أن فهم العامي لمعاني الألفاظ الملحونة أكثر من فهم النحوي لمعاني دعوات عربية لم يقف على تفسيرها ولغاتها ، بل عرف مجرد إعرابها ، بل الله سبحانه يجازيه على قدر قصده ، ويثيبه على قدر نيته ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنما الأعمال بالنيات» (٢) ، وقوله : «نية العبد خير من عمله» (٣)) (٤). هذا ملخص ما ذكره قدس‌سره.

أقول : لا يخفى أن الظاهر من الخبر المنقول خلاف ما ذكره قدس‌سره ؛ لأن ظاهره أن المراد من العالم الفصيح القادر على الإتيان بالقراءة والدعاء ونحوهما على وجوهها من إعراب وغيره لا يجزيه غير ذلك ، وجهله لا يكون عذرا شرعيا

__________________

(١) عدّة الداعي : ٢١ ـ ٢٢.

(٢) الأمالي (الطوسي) : ٦١٨ / ١٢٧٤ ، وسائل الشيعة ١ : ٤٨ ، أبواب مقدّمة العبادات ، ب ٥ ، ح ٦ ، وليس فيه : إنما.

(٣) الكافي ٢ : ٨٤ / ٢ ، باب النيّة ، وسائل الشيعة ١ : ٥٠ ، أبواب مقدمة العبادات ، ب ٦ ، ح ٣ ، وفيهما : المؤمن ، بدل : العبد.

(٤) عدّة الداعي : ٢١ ـ ٢٢.

١٦٥

موجبا لصحة قراءته ، ولا استجابة دعائه. وهذا هو صريح الخبر الذي نقلناه عن أبي جعفر عليه‌السلام فإنه عليه‌السلام جعل فضل ذلك الرجل عند الله سبحانه بقراءة (القرآن) كما انزل ، ودعاء الله عزوجل من حيث لا يلحن. وجميع ما أورده من الأدلة والتأويلات محل نظر ظاهر : أما قوله ـ في معنى قوله عليه‌السلام : «إنّ الدعاء الملحون لا يصعد إلى الله» ـ : (أي لا يصعد إليه ملحونا) ـ إلى آخره ـ ففيه أن محلّ الاستدلال إنما هو ما ذكرناه من بيانه عليه‌السلام لفضل ذلك الرجل ، فجعل فضله من حيث إنه يقرأ (القرآن) كما انزل ، ويدعو الله عزوجل من حيث لا يلحن. وحينئذ ، فلو لم يقرأ (القرآن) كما انزل ولحن في دعائه لم يكن له فضل. والمراد بالفضل عند الله سبحانه هو الثواب كما لا يخفى.

وحينئذ ، فقوله عليه‌السلام بعد ذلك : «إن الدعاء الملحون لا يصعد» إنما هو تعليل لوجه الفضل في دعائه من حيث لا يلحن ، ففيه حث وتأكيد على الأمر بالإعراب في الدعاء والقراءة كما لا يخفى.

وأمّا استدلاله برواية السكوني فليس في محله ؛ لأنها أخص من المدعى ، ونحن لا نمنع أنه مع تعذر الإعراب عليه ، وإخراج الحروف من مخارجها فإن قراءته صحيحة ، ودعاءه صحيح مستجاب ، وكله مخصوص بعدم الإمكان. ومثله حديث : «إن سين بلال عند الله شين» ، بمعنى أنه يتعذّر عليه إخراج الشين من مخرجها الحقيقي ويخرجها سينا مهملة.

وأما الحديث الذي نقله عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في مناظرة بلال لذلك الرجل ، وقول أمير المؤمنين عليه‌السلام ما قال ، فهو بالدلالة على خلاف ما يدعيه أنسب ، وذلك فإن ظاهر الخبر أن ذلك الرجل الذي كان يناظر بلالا إنما كان من المخالفين

١٦٦

لأمير المؤمنين عليه‌السلام ، وهو عليه‌السلام قد ذكر بأنّه : «إنما يراد إعراب الكلام وتقويمه ، لتقويم الأعمال وتهذيبها».

وهذا ممّا ينادي بظاهره على اشتراط الإعراب في قراءة (القرآن) والدعاء والأذكار ونحوها ، وأن تقويمها الموجب لتقويم الأعمال وتهذيبها ـ أي قبولها عند الله عزوجل ـ إنما يحصل به. ثم أخبر عليه‌السلام عن ذلك الرجل بأن أفعاله لمّا كانت غير مقبولة عند الله سبحانه لقبح ما هو عليه ، فهي ملحونة أقبح لحن لا يؤثر في رفع لحنها (١) تقويمه لكلامه بالإعراب في قراءة ولا دعاء ولا نحوهما.

وأما بلال فهو بالعكس ، فلا يضره عدم تقويم كلامه وإن كان غير جائز إلّا إنه لا يؤثر في حسن أعماله ولا يقبّحها ، بل هو مكفر بتلك الحسنات التي له (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) (٢).

وأما ما ذكره من (أنا نجد في أدعية أهل البيت عليهم‌السلام) ـ إلى آخره ـ فليس في محله ؛ لأن الكلام إنما هو فيما دلت عليه تلك الأخبار من اشتراط الإعراب على القادر عليه ، وأن الجهل به لا يكون عذرا شرعيا ، والخروج عنها يحتاج إلى دليل ، وجميع ما ذكره رحمه‌الله تطويل بلا طائل.

وأما خبر : «إنما الأعمال بالنيات» ، ونحوه ، فهو لا ينافي التوقف على امور اخر خارجة عن النية إذا قام الدليل عليها ، وإلّا لصحت صلاة الجهّال بمجرد النيات وإن أخلّوا فيها بالواجبات.

ثم العجب من شيخنا المحدّث الصالح الشيخ عبد الله بن صالح قدس‌سره في كتاب (منية الممارسين في أجوبة الشيخ ياسين) (٣) أنه نقل هذا الكلام وصحّحه

__________________

(١) في «ح» : دفع قبحها ، بدل : رفع لحنها.

(٢) هود : ١١٤.

(٣) منية الممارسين : ٤٥٧ ـ ٤٦٣.

١٦٧

وارتضاه واستظهر أن الإعراب غير شرط في استجابة الدعاء مطلقا ، واكتفى بنقل كلام الشيخ المشار إليه من أوله إلى آخره من كتاب (العدة) ، وجمد عليه ، وفيه ما عرفت. وفيما حذفناه أيضا من كلامه مناقشات أعرضنا عن ذكرها والتطويل بها.

١٦٨

(٢٧)

درّة نجفيّة

هل تصدّق المرأة على نفسها في إخبارها

لو أخبرت المرأة بموت زوجها أو طلاقه لها ، فهل تصدق (١) بمجرد ذلك أم لا؟

المفهوم من كلام الأصحاب ـ رضوان الله عليهم ـ الأوّل ، وهو مقتضى قواعدهم من قبول قول من لا منازع له كما صرحوا به في مواضع عديدة ، ويؤيده إطلاق الأخبار الدالة على تصديق المرأة في الحيض والعدة ، وعدم الزوج. ففي رواية ميسر (٢) ـ وهي صحيحة ـ إليه قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ألقى المرأة في الفلاة التي ليس فيها أحد ، فأقول لها : ألك زوج؟ فتقول : لا. فأتزوجها؟ قال : «نعم هي المصدّقة على نفسها» (٣).

وفي رواية أبان بن تغلب عنه عليه‌السلام : «ليس هذا عليك إنما عليك أن تصدّقها في نفسها» (٤).

وإطلاق الجواب فيها شامل لما نحن فيه. وعلل أيضا بأن قبول قولها ليس

__________________

(١) في «ح» : الصدق.

(٢) في المصدر : ميسرة.

(٣) الكافي ٥ : ٤٦٢ / ٢ ، باب أنها مصدّقة على نفسها ، و ٥ : ٣٩٢ / ٤ ، باب التزويج بغير الولي ، وسائل الشيعة ٢٠ : ٢٦٩ ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب ٣ ، ح ٥.

(٤) الكافي ٥ : ٤٦٢ / ١ ، باب أنها مصدّقة على نفسها ، وسائل الشيعة ٢١ : ٣١ ، أبواب المتعة ، ب ١٠ ، ح ١.

١٦٩

بأبعد من قبول قول ذي اليد في انتقال مال غيره إليه ، ونحو ذلك مع اتفاقهم على قبوله ؛ ولأنه ربما مات الزوج وتعذّر مصادفته بعينه ، فلو لم يقبل ذلك منها لزم الضرر والحرج عليها المنفيان بالآية والرواية.

ويؤيده ما في رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر وغيره قال : قلت للرضا عليه‌السلام : الرجل يتزوج المرأة ، فيقع في قلبه أن لها زوجا قال : «ما عليه ، أرأيت لو سألها البينة كان يجد من يشهد أن ليس لها زوج؟» (١).

وهي صريحة في المطلوب.

أقول : ويؤيد ذلك أيضا أن الأخبار الواردة في إثبات الدعاوى بالبينات والأيمان لا عموم فيها على وجه يشمل هذه المسألة ؛ فإن موردها إنما هو النزاع بين الخصمين وحصول مدع ومنكر هنا ، كما لا يخفى على من أحاط خبرا بجميع مواردها ، وهو ظاهر في تأييد ما ذكروه من القاعدة المشار إليها آنفا. وقد ورد في النصوص مواضع عديدة حكم الشارع فيها بقبول قول المدعي إذا لم يكن له منازع.

ومنها ما رواه في (الكافي) و (التهذيب) ، عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت : عشرة كانوا جلوسا وفي وسطهم كيس فيه ألف درهم ، فسأل بعضهم بعضا : ألكم هذا الكيس؟ فقالوا كلهم : لا. وقال واحد منهم : هو لي. فلمن هو؟ قال : «هو للذي ادّعاه» (٢).

وبالجملة ، فالمؤيدات لذلك كثيرة ومن أوضحها صحيحة حماد عن أبي عبد الله عليه‌السلام في رجل طلق امرأته ثلاثة فبانت منه ، فأراد مراجعتها ، فقال لها : إني أريد

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٧ : ٢٥٣ / ١٠٩٤ ، وسائل الشيعة ٢١ : ٣٢ ، أبواب المتعة ، ب ١٠ ، ح ٥.

(٢) الكافي ٧ : ٤٢٢ / ٥ ، باب نوادر كتاب القضاء ، تهذيب الأحكام ٦ : ٢٩٢ / ٨١٠.

١٧٠

مراجعتك ، فتزوّجي زوجا غيري ، فقالت : لي قد تزوجت زوجا غيرك ، وحللت لك نفسي ، أتصدّق ويراجعها؟ وكيف يصنع؟ قال : «إذا كانت المرأة ثقة صدقت في قولها» (١) ، فإنه عليه‌السلام لم يوجب عليها بينة ولا يمينا في قولها.

قال شيخنا الشهيد الثاني في (المسالك) : (وكما يقبل قولها في حق المطلق يقبل في حقّ غيره ، وكذا الحكم في كل امرأة كانت مزوّجة وأخبرت بموته أو فراقه ، وانقضاء العدة في وقت محتمل. ولا فرق بين أن يتعين الزوج وعدمه ، ولا بين إمكان استعلامه وعدمه (٢)) (٣) انتهى.

نعم ، يبقى الكلام في اشتراطه عليه‌السلام في هذا الخبر كون المرأة ثقة ، فإنه مخالف لظاهر كلام الأصحاب ، وإطلاق غيره من الأخبار الدالة [جميعها] (٤) على قبول قولها وتصديق أخبارها مطلقا ، وحملها بعض الأصحاب على الاستحباب وأن المراد بكونها ثقة ، يعني ممن يوثق بخبرها وتسكن النفس إليه ، وإن لم يحصل مع ذلك العدالة المعتبرة في قبول الشهادة. وهو متجه ، ومرجعه عدم التهمة لها في أخبارها.

وبما حققناه في المقام يظهر لك ضعف توقف الفاضل محمد باقر (٥) الخراساني قدس‌سره (٦) في كتاب (الكفاية) في المسألة المذكورة والله العالم.

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٨ : ٣٤ / ١٠٥ ، وسائل الشيعة ٢٢ : ١٣٣ ، أبواب أقسام الطلاق ، ب ١١ ، ح ١.

(٢) من «ح».

(٣) مسالك الأفهام ٩ : ١٨١.

(٤) في النسختين : جميع ذلك.

(٥) محمد باقر ، ليس في «ح».

(٦) كفاية الأحكام : ٢٠٦.

١٧١
١٧٢

(٢٨)

درّة نجفيّة

فيمن طلّق زوجته ثم راجعها ولم يبلغها خبر الرجعة

قال شيخنا المحدّث الصالح الشيخ عبد الله بن الصالح البحراني قدس‌سره ـ وقد سئل عمّن طلق زوجته ثم راجعها وأشهد على ذلك ، ولم يبلغها خبر الرجعة إلّا بعد أن انقضت العدة وتزوجت وولدت من ذلك الزوج ، بعد أن نقل عن الأصحاب أنه يحكم بها للزوج الأول (١) ، وبعد أن نقل كلام (المسالك) (٢) في المقام الدال على ذلك ، وقال بعده : (وفي الكل إشكال ، لعدم الظفر بنص في ذلك كله ، إلّا إن أصل المسألة ليس بموضع إشكال عندهم كما يعرف من كلامهم ، وإن كان عندي أيضا فيها توقف) (٣) ـ ما صورته : (وهذه هي المسألة التي وقع النزاع فيها بين الشيخ الثقة الجليل زين الدين علي بن سليمان القدمي البحراني ، والشيخ أحمد بن الشيخ محمد بن علي بن يوسف بن سعيد المقشاعي (٤) الأصبعي ، وقد حكم الشيخ أحمد بقبول الدعوى مع قبول البينة ، وألحقها بالأول ومنع الثاني ، وخالفه الشيخ علي وحكم بها للثاني ، ولم يسمع دعوى الأول ؛ احتجاجا بأن الرجوع

__________________

(١) انظر الخلاف ٤ : ٢٨٢ / المسألة : ٤٥.

(٢) مسالك الأفهام ٩ : ٢٠١ ـ ٢٠٢.

(٣) المسائل الحسينية في بعض المسائل الدينية : ١٨.

(٤) في «ح» : المشاعي ، والمقشاع : إحدى القرى البحرانية قرب الساحل الشمالي لجزيرة البحرين. أعلام الثقافة الإسلاميّة في البحرين ١ : ٤٣٣ / ٩٢.

١٧٣

لا بدّ فيه من الإعلام في العدة ، والنكاح قد وقع صحيحا مطابقا للشرع ، فلا ينتفي بالرجوع الذي لم يحصل العلم به إلّا بعد التزويج. واستفتيا فيها فقهاء العصر ، وكتبا فيها إلى سائر البلدان ، كشيراز ، وأصفهان ، فصححوا كلام الشيخ أحمد ، وخطّئوا الشيخ عليا.

والحق أن هذا هو ظاهر كلام الأصحاب ، لأنّهم لم يشترطوا في صحة الرجوع الإعلام ، وليس هو من باب عزل الوكيل ، كما يجي‌ء بيانه وإن كان لي فيها تأمّل ؛ لعدم النص الصريح في المسألة) (١) انتهى كلامه زيد مقامه.

فظاهر كلامه قدس‌سره كما ترى يدل على عدم وجود نصّ في الحكم المذكور لا بنفي ولا إثبات ، وهو عجيب منه ـ طاب ثراه ـ مع ما هو عليه في الأخبار من سعة الباع وزيادة الاطّلاع. والذي وقفت عليه من الروايات المتعلّقة بالمسألة ما رواه ثقة الإسلام الكليني ـ نوّر الله تعالى مرقده ـ في (الكافي) بسند صحيح إلى المرزبان قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن رجل قال لامرأته : اعتدّي فقد خلّيت سبيلك. ثم أشهد على رجعتها بعد ذلك بأيام ، ثم غاب عنها قبل أن يجامعها ، حتى مضت لذلك أشهر بعد العدة أو أكثر ، فكيف تأمره؟ فقال : «إذا أشهد على رجعته فهي زوجته» (٢).

وهذه الرواية ـ كما ترى ـ صريحة الدلالة على أنه بالإشهاد على الرجعة في العدة ، تثبت الزوجية ؛ وهي دالّة بإطلاقها على ذلك سواء بلغها الخبر أو لم يبلغها ، ولا فرق في ذلك من تزويجها بعد العدة مع عدم بلوغها الخبر ولا عدمه.

وليس في سند الخبر من ربما يتوقف في شأنه ، سوى المرزبان ، وهو ابن

__________________

(١) المسائل الحسينية في بعض المسائل الدينيّة : ١٨.

(٢) الكافي ٦ : ٧٤ / ٢.

١٧٤

عمران بن عبد الله ، وقد ذكر النجاشي أن له كتابا (١) ، وهو ممّا يؤذن بكونه من أصحاب الاصول. وروى الكشي حديثا (٢) يشعر بحسن حاله ؛ ولهذا عد شيخنا المجلسي قدس‌سره في (الوجيزة) حديثه في الحسن (٣).

وروى في (الكافي) بسنده عن الحسن بن صالح قال : سألت جعفر بن محمد عليهما‌السلام عن رجل طلّق امرأته وهو غائب في بلدة اخرى ، وأشهد على طلاقها رجلين ، ثم إنه راجعها قبل انقضاء العدة [ولم يشهد على الرجعة ثم إنه قدم عليها بعد انقضاء العدّة] وقد تزوّجت ، فأرسل إليها : إني قد كنت (٤) راجعتك قبل انقضاء العدة ولم اشهد. قال : «لا سبيل له عليها ؛ لأنّه قد أقر بالطلاق ، وادّعى الرجعة بغير بيّنة ؛ فلا سبيل له عليها ؛ ولذلك ينبغي لمن طلق أن يشهد على الرجعة كما أشهد على الطلاق. وإن كان أدركها قبل أن تزوّج كان خاطبا من الخطاب» (٥).

وجه الدلالة فيها أن قوله : «وادّعى الرجعة بغير بينة ولا سبيل (٦) له عليها» يدل بمضمونه (٧) على أنه لو كان له بينة على الرجعة كان له السبيل عليها ، مؤكدا ذلك بالأمر لمن راجع أن يشهد على الرجعة ، كما يشهد على الطلاق حتى تثبت الزوجية في الأوّل ، كما تنتفي في الثاني.

وظاهر كلمة الأصحاب ـ رضوان الله عليهم ـ الاتّفاق على القول بأنه يملك رجعتها متى رجع وإن لم يبلغها الخبر ، وأنه بالإشهاد على الرجعة يستردّ نكاحها لو نكحت غيره ، مع عدم بلوغها الخبر.

__________________

(١) رجال النجاشي : ٤٢٣ / ١١٣٤.

(٢) رجال الكشي : ٥٠٥ / ٩٧١.

(٣) الوجيزة : ٣١٩ ـ ٣٢٠ / ١٨٤٢.

(٤) من «ح» والمصدر.

(٥) الكافي ٦ : ٨٠ / ٤ ، باب طلاق الغائب ، وسائل الشيعة ٢٢ : ١٣٧ ـ ١٣٨ ، كتاب الطلاق ، ب ١٥ ، ح ٣.

(٦) سبيل عليها ولذلك ينبغي لمن طلّق .. سبيل ، من «ح».

(٧) في «ح» : بمفهومه.

١٧٥

قال شيخنا الشهيد الثاني قدس‌سره في (المسالك) : (الرابع : أن يقع النزاع بعد ما نكحت غيره ، فإذا نكحت ثم جاء الأوّل وادّعى الرجعة سواء كان عذرها في النكاح لجهلها بالرجعة أم نسبهما إلى الخيانة والتلبيس ، نظر ؛ فإن أقام عليها بينة ، فهي زوجة الأول سواء دخل بها الثاني أم لم يدخل ، ويجب لها مهر المثل على الثاني إن دخل بها) (١) انتهى.

وقال العلّامة في (قواعد الأحكام) : (ولا يشترط علم الزوجة في الرجعة ولا رضاها ، فلو لم تعلم وتزوّجت ردّت إليه وإن دخل الثاني بعد العدة. ولا يكون الثاني أحقّ بها) (٢) انتهى.

وعبارته وإن كانت مطلقة بالنسبة إلى ثبوت الرجعة وعدمه ، إلّا إن مراده بعد الثبوت بالشهادة ؛ لما صرّح به قبيل هذا الكلام من قوله : (ويستحب الإشهاد ، وليس شرطا ، لكن لو ادّعى بعد العدة وقوعها فيها لم يقبل دعواه إلّا بالبينة) (٣) انتهى.

وقال في (التحرير) : (ولا يشترط في صحة الرجعة إعلام الزوجة ولا الشهادة ، فلو راجعها بشهادة اثنين وهو غائب في العدة صحّت الرجعة ، فإن تزوّجت حينئذ كان فاسدا سواء دخل الثاني أم لا. ولا مهر على الثاني مع عدم الدخول ولا عدة ، ومع الدخول المهر والعدّة ، وترجع إلى الأول بعدها) (٤) ، إلى غير ذلك من عباراتهم التي يقف عليها المتتبع.

ويؤيد ذلك أيضا زيادة على ما قدّمناه من الروايتين إطلاق جملة من الأخبار ، مثل قول أبي جعفر عليه‌السلام في صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم : «وإن الرجعة بغير

__________________

(١) مسالك الأفهام ٩ : ٢٠١.

(٢) قواعد الأحكام ٢ : ٦٦.

(٣) المصدر نفسه.

(٤) تحرير الأحكام ٢ : ٥٥ ـ ٥٦.

١٧٦

شهود رجعة ، ولكن ليشهد بعد فهو أفضل» (١).

وقوله عليه‌السلام في حديث (٢) محمد بن مسلم : «وإن أراد أن يراجعها أشهد على رجعتها قبل أن تنقضي أقراؤها» (٣).

وقوله عليه‌السلام أيضا في حديث آخر لمحمد بن مسلم ، وقد سئل عن رجل طلق امرأته واحدة ، ثم راجعها قبل أن تنقضي عدّتها ، ولم يشهد على رجعتها ، قال : «هي امرأته ما لم تنقض العدة (٤) ، وقد كان ينبغي له أن يشهد على رجعتها ، فإن جهل ذلك ، فليشهد حين علم. ولا أرى بالذي صنع بأسا» (٥) الحديث. إلى غير ذلك ممّا هو على هذا المنوال.

وهي كما ترى شاملة بإطلاقها ، لما لو علمت المرأة أو لم تعلم ، تزوجت أو لم تتزوج ، فإنها بمجرد الرجعة في العدة تكون زوجته شرعا واقعا ، وإنما الإشهاد على ذلك لدفع النزاع وثبوت الزوجية في ظاهر الشرع. فلو فرضنا أن الزوجة صدقته ووافقته على دعواه قبل التزويج بغيره صح نكاحه لها. فتوقّف شيخنا المحدث الصالح المتقدم ذكره في المسألة ـ لعدم النص ـ عجيب.

وأعجب منه حكم شيخنا قدوة المحدّثين ورئيس المحققين الشيخ علي بن سليمان المتقدم ذكره بعدم صحة الرجعة ، مع عدم بلوغ الخبر لها في العدة ؛ لما ذكره من التعليل. ولا ريب أن ما ذكره من التعليل قويّ متين ، لأن الأحكام

__________________

(١) الكافي ٦ : ٧٣ / ٣ ، باب الإشهاد على الرجعة ، تهذيب الأحكام ٨ : ٤٢ / ١٢٨ ، وسائل الشيعة ٢٢ : ١٣٤ ـ ١٣٥ ، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ، ب ١٣ ، ح ٣.

(٢) في «ح» : صحيحة.

(٣) الكافي ٦ : ٦٤ / ١ ، باب تفسير طلاق السنة والعدة ، وسائل الشيعة ٢٢ : ١٣٥ ، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ، ب ١٣ ، ح ٤.

(٤) في المصدر : عدّتها.

(٥) الكافي ٦ : ٧٣ / ٤ ، باب الإشهاد على الرجعة ، وسائل الشيعة ٢٢ : ١٣٥ ، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ، ب ١٣ ، ح ٦.

١٧٧

الشرعية لم تبن على ما في نفس الأمر والواقع ، والنكاح الذي وقع أخيرا وقع صحيحا بحسب ظاهر الشرع ، وإبطاله بما حصل في نفس الأمر مشكل ؛ لما ذكرناه. ولكن لمّا دلّت الأخبار ـ كما ذكرنا ـ على خلافه وجب الخروج عنه.

إلّا إنه أيضا قد روى ثقة الإسلام ـ عطر الله مرقده ـ في (الكافي) في الصحيح ـ وإن كان المشهور عدّه في الحسن بإبراهيم بن هاشم ، إلّا إن الأظهر عندي وفاقا لجمع من أفاضل متأخّري المتأخّرين (١) نظم حديثه في الصحيح ـ عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه‌السلام ، أنه قال في رجل طلّق امرأته وأشهد شاهدين ، ثم أشهد على رجعتها سرّا منها واستكتم الشهود ، فلم تعلم المرأة بالرجعة ، حتى انقضت عدّتها ، قال : «تخيّر المرأة ، فإن شاءت زوجها وإن شاءت غير ذلك ، وإن تزوّجت قبل أن تعلم بالرجعة التي أشهد عليها وزوجها ، فليس للذي طلقها عليها سبيل ، وزوجها الأخير أحقّ بها» (٢). وهي كما ترى صريحة فيما ذهب إليه شيخنا الشيخ علي المذكور.

ولعلّ اعتماده فيما ذهب إليه كان على هذه الرواية الصحيحة الصريحة ، وإن لم ينقل ذلك عنه ، فإنه في الاطلاع على الأخبار وزيادة الفحص فيها ممّا لا ثاني له في زمانه ، حتى اشتهر في بلاد العجم تسميته بـ (أم الحديث).

ورأيت في بعض الحواشي المنسوبة إلى شيخنا العلّامة المجلسي قدس‌سره على هذا الخبر ما صورته : (ظاهره اشتراط علم الزوجة في تحقق الرجعة ، ولم أر به قائلا ،

__________________

(١) روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه ١٤ : ٢٣ ، معراج أهل الكمال : ٧٨ ، وفيه : عن الشيخ البهائي عن والده أنه سمعه يقول : إنّي أستحي ألّا أعدّ حديث إبراهيم بن هاشم من الصحاح.

(٢) الكافي ٦ : ٧٥ / ٣ ، باب أن المراجعة لا تكون إلّا بالمواقعة ، وسائل الشيعة ٢٢ : ١٣٧ ، كتاب الطلاق ، ب ١٥ ، ح ٢.

١٧٨

ويمكن حمله على ما إذا لم يثبت بالشهود ، وهو بعيد) (١) انتهى.

وبالجملة ، فالمسألة لهذه الرواية الصحيحة الصريحة قد بقيت في زاوية الإشكال ، وأصحابنا ـ رضوان الله عليهم ـ في كتبهم الفروعية الاستدلالية لم ينقلوا شيئا من الروايات بالكلية ، وفي كتب الأخبار لم يتعرّضوا للكلام في ذلك بشي‌ء ، وربما يوهم سكوتهم في الموضعين اتفاق الأدلة وكلامهم على ذلك.

والحال كما ترى. ولم يحضرني الآن أقوال العامّة في هذه المسألة.

ولعل هذه الصحيحة قد خرجت مخرج التقيّة لاتّفاق ظواهر الأخبار المتقدمة مما ذكرناه ، وكذا غيره على ما اتفقت عليه كلمة الأصحاب في هذه المسألة.

ثم إني وقفت في (كتاب سليم بن قيس) ـ وهو من الاصول المشهورة المعتمد عليها عند محققي أصحابنا ، كما صرّح به شيخنا المجلسي قدس‌سره في كتاب (البحار) (٢) ـ على رواية له عن علي عليه‌السلام يذكر فيها بدع عمر وإحداثه ، ومن جملتها قال عليه‌السلام : «وأعجب من ذلك أن أبا كنف العبدي أتاه فقال : إني طلقت امرأتي وأنا غائب ، فوصل إليها الطلاق ، ثم راجعتها وهي في عدّتها ، وكتبت إليها فلم يصل الكتاب حتى تزوجت. فكتب له : إن كان هذا الذي تزوجها دخل بها فهي امرأته ، وإن كان لم يدخل بها فهي امرأتك. وكتب له ذلك وأنا شاهد ولم يشاورني ولم يسألني ، يرى استغناءه بعلمه عني! فأردت أن أنهاه ، ثم قلت : ما ابالي أن يفضحه الله. ثم لم تعبه الناس ، بل استحسنوه واتخذوه سنة وقبلوه عنه ورأوه صوابا ، وذلك قضاء لا يقضي به مجنون» (٣).

وهذا الخبر وإن اشتمل على أن مذهب عمر كان هو التفصيل بين بلوغ الخبر

__________________

(١) مرآة العقول ٢١ : ١٢٧.

(٢) بحار الأنوار ١ : ٣٢.

(٣) كتاب سليم بن قيس : ١٣٩.

١٧٩

قبل الدخول وعدمه ، إلّا إنه نصّ في كونه بعد الدخول لا رجعة للأول منها. كما اشتمل عليه ذلك الخبر ، وإن اشتمل أيضا على الرجعة قبل الدخول. ولعلّ مذهب أوليائه وأتباعه استقر بعده على عدم الرجعة مطلقا تزوّجت أو لم تتزوج ، والله سبحانه أعلم بحقائق احكامه.

١٨٠