أعلام الهداية الإمام الحسين سيد الشهداء

المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام

أعلام الهداية الإمام الحسين سيد الشهداء

المؤلف:

المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام
المطبعة: ليلى
الطبعة: ١
ISBN: 964-5688-21-3
الصفحات: ٢٤٤

١

٢

٣

٤

فهرس إجمالي

كلمة المجمع العالمي لأهل البيت عليهم‌السلام........................................... ٧

الباب الأول :

الفصل الأول : الإمام الحسين عليه‌السلام في سطور.............................. ١٧

الفصل الثاني : انطباعات عن شخصيته عليه‌السلام............................... ٢٥

الفصل الثالث : مظاهر من شخصيته عليه‌السلام................................. ٣٧

الباب الثاني :

الفصل الأول : نشأة الإمام الحسين عليه‌السلام.................................. ٥١

الفصل الثاني : مراحل حياة الإمام الحسين عليه‌السلام............................ ٥٧

الفصل الثالث : الإمام الحسين عليه‌السلام من الولادة إلى الإمامة.................. ٥٩

الباب الثالث :

الفصل الأول : عصر الإمام الحسين عليه‌السلام.................................. ٩١

الفصل الثاني : مواقف وإنجازات الإمام عليه‌السلام............................. ١١١

الفصل الثالث : نتائج الثورة الحسينيّة.................................... ٢٠٧

الفصل الرابع : من تراث الإمام الحسين عليه‌السلام............................ ٢١٣

٥
٦

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي أعطى كلّ شيء خلقه ثمّ هدى ، ثمّ الصلاة والسّلام على مَنْ اختارهم هداةً لعباده ، لاسيّما خاتم الأنبياء وسيّد الرسل والأصفياء أبو القاسم المصطفى محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى آله الميامين النجباء.

لقد خلق الله الإنسان وزوّده بعنصري العقل والإرادة ، فبالعقل يبصر ، ويكتشف الحقّ ويميّزه عن الباطل ، وبالإرادة يختار ما يراه صالحاً له ومحقّقاً لأغراضه وأهدافه.

وقد جعل الله العقل المميِّز حجّةً له على خلقه ، وأعانه بما أفاض على العقول من معين هدايته ؛ فإنّه هو الذي علّم الإنسان ما لم يعلم ، وأرشده إلى طريق كماله اللائق به ، وعرّفه الغاية التي خلقه من أجلها ، وجاء به إلى هذه الحياة الدنيا من أجل تحقيقها.

وأوضح القرآن الحكيم بنصوصه الصريحة معالم الهداية الربّانية وآفاقها ومستلزماتها وطرقها ، كما بيّن لنا عللها وأسبابها من جهة ، وأسفر عن ثمارها ونتائجها من جهةٍ اُخرى.

قال تعالى :

٧

(قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى) (الأنعام (٦) : ٧١).

(يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (البقرة (٢) : ٢١٣).

(وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) (الأحزاب (٣٣) : ٤).

(وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (آل عمران (٣) : ١٠١).

(قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاّ أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (يونس (١٠) : ٣٥).

(وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) (سبأ (٣٤) : ٦).

(وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ) (القصص (٢٨) : ٥٠).

فالله تعالى هو مصدر الهداية ، وهدايته هي الهداية الحقيقية ، وهو الذي يأخذ بيد الإنسان إلى الصّراط المستقيم وإلى الحقّ القويم. وهذه الحقائق يؤيّدها العلم ، ويدركها العلماء ويخضعون لها بملء وجودهم.

ولقد أودع الله في فطرة الإنسان النزوع إلى الكمال والجمال ، ثمّ مَنّ عليه بإرشاده إلى الكمال اللائق به ، وأسبغ عليه نعمة التعرّف على طريق الكمال ، ومن هنا قال تعالى : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ) (القصص (٥١) : ٥٦). وحيث لا تتحقّق العبادة الحقيقية من دون المعرفة ؛ إذ كانت المعرفة والعبادة طريقاً منحصراً وهدفاً وغايةً موصلةً إلى قمّة الكمال.

وبعد أن زوّد الله الإنسان بطاقتي الغضب والشهوة ؛ ليحقّق له وقود الحركة نحو الكمال ، لم يؤمَن عليه من سيطرة الغضب والشهوة والهوى الناشئ منها والملازم لها ؛ فمن هنا احتاج الإنسان ـ بالإضافة إلى عقله وسائر

٨

أدوات المعرفة ـ إلى ما يضمن له سلامة البصيرة والرؤية ؛ كي تتمّ عليه الحجّة ، وتكمل نعمة الهداية ، وتتوفّر لديه كلّ الأسباب التي تجعله يختار طريق الخير والسعادة ، أو طريق الشرّ والشّقاء بملء إرادته.

ومن هنا اقتضت سُنّة الهداية الربّانية أن يُسند عقل الإنسان عن طريق الوحي الإلهي ، ومن خلال الهُداة الذين اختارهم الله لتولِّي مسؤولية هداية العباد ، وذلك عن طريق توفير تفاصيل المعرفة ، وإعطاء الإرشادات اللازمة لكلّ مرافق الحياة.

وقد حمل الأنبياء وأوصياؤهم مشعل الهداية الربّانية منذ فجر التاريخ وعلى مدى العصور والقرون ، ولم يترك الله عباده مهملين دون حجّة هادية ، وعلم مرشد ونور مُضيء ، كما أفصحت نصوص الوحي ـ مؤيّدةً لدلائل العقل ـ بأنّ الأرض لا تخلو من حجّة لله على خلقه ؛ لئلاّ يكون للناس على الله حجّة.

فالحجّة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق ، ولو لم يبقَ في الأرض إلاّ اثنان لكان أحدهما الحجّة. و [قد] صرّح القرآن بشكل لا يقبل الريب قائلاً : (إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) (الرعد (١٣) : ٧).

ويتولّى أنبياء الله ورسله وأوصياؤهم الهداة المهديّون مهمّة الهداية بجميع مراتبها ، والتي تتلخّص في :

١ ـ تلقِّي الوحي بشكل كامل ، واستيعاب الرسالة الإلهية بصورة دقيقة.

وهذه المرحلة تتطلّب الاستعداد التام لتلقّي الرسالة ؛ ومن هنا يكون الاصطفاء الإلهي لرسله شأناً من شؤونه ، كما أفصح بذلك الذكر الحكيم قائلاً : (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) (الانعام (٦) : ١٢٤) و (اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ) (آل عمران (٣) : ١٧٩).

٩

٢ ـ إبلاغ الرسالة الإلهية إلى البشرية ولمَنْ اُرسلوا إليه ، ويتوّقف الإبلاغ على الكفاءة التامّة التي تتمثّل في «الاستيعاب والإحاطة اللازمة» بتفاصيل الرسالة وأهدافها ومتطلّباتها ، و «العصمة» عن الخطأ والانحراف معاً ، قال تعالى : (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) (البقرة (٢) : ٢١٣).

٣ ـ تكوين اُمّة مؤمنة بالرسالة الإلهية ، وإعدادها لدعم القيادة الهادية من أجل تحقيق أهدافها وتطبيق قوانينها في الحياة.

وقد صرّحت آيات الذكر الحكيم بهذه المهمّة مستخدمةً عنواني التزكية والتعليم ، قال تعالى : (يُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) (الجمعة (٦٢) : ٢) والتزكية هي التربية باتّجاه الكمال اللائق بالإنسان. وتتطلّب التربية القدوة الصالحة التي تتمتّع بكلّ عناصر الكمال كما قال تعالى : (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (الأحزاب (٣٣) : ٢١).

٤ ـ صيانة الرسالة من الزيغ والتحريف والضياع في الفترة المقرّرة لها. وهذه المهمة أيضاً تتطلّب الكفاءة العلمية والنفسية والتي تُسمّى العصمة.

٥ ـ العمل لتحقيق أهداف الرسالة المعنوية ، وتثبيت القيم الأخلاقية في نفوس الأفراد وأركان المجتمعات البشرية ، وذلك بتنفيذ الاُطروحة الربّانية ، وتطبيق قوانين الدين الحنيف على المجتمع البشري من خلال تأسيس كيان سياسيٍّ يتولّى إدارة شؤون الاُمّة على أساس الرسالة الربّانية للبشرية ، ويتطلّب التنفيذ قيادةً حكيمةً ، وشجاعةً فائقةً ، وصموداً كبيراً ، ومعرفةً تامّةً بالنفوس وبطبقات المجتمع ، والتيارات الفكرية والسياسية والاجتماعية ، وقوانين الإدارة والتربية وسنن الحياة ، ونلخّصها في الكفاءة العلمية لإدارة دولة عالمية دينية ، هذا فضلاً عن العصمة التي تعبّر عن الكفاءة النفسية التي تصون القيادة

١٠

الدينية من كلّ سلوك منحرف ، أو عمل خاطئ بإمكانه أن يؤثّر تأثيراً سلبيّاً على مسيرة القيادة وانقياد الاُمّة لها ، بحيث يتنافى مع أهداف الرسالة وأغراضها.

وقد سلك الأنبياء السابقون وأوصياؤهم المصطفون طريق الهداية الدامي ، واقتحموا سبيل التربية الشّاق ، وتحمّلوا في سبيل أداء المهام الرسالية كلّ صعب ، وقدّموا في سبيل تحقيق أهداف الرسالات الإلهية كلّ ما يمكن أن يقدّمه الإنسان المتفاني من أجل مبدئه وعقيدته ، ولم يتراجعوا لحظة ، ولم يتلكأوا طرفة عين.

وقد توّج الله جهودهم وجهادهم المستمرّ على مدى العصور برسالة خاتم الأنبياء محمّد بن عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وحمّله الأمانة الكبرى ومسؤولية الهداية بجميع مراتبها ، طالباً منه تحقيق أهدافها.

وقد خطا الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله في هذا الطريق الوعر خطوات مدهشة ، وحقّق في أقصر فترة زمنية أكبر نتاج ممكن في حساب الدعوات التغييرية والرسالات الثورية ، وكانت حصيلة جهاده وكدحه ليل نهار خلال عقدين من الزمن ما يلي :

١ ـ تقديم رسالة كاملة للبشرية تحتوي على عناصر الديمومة والبقاء.

٢ ـ تزويدها بعناصر تصونها من الزيغ والانحراف.

٣ ـ تكوين اُمّة مسلمة تؤمن بالإسلام مبدأً ، وبالرسول قائداً ، وبالشريعة قانوناً للحياة.

٤ ـ تأسيس دولة إسلاميّة ، وكيان سياسيٍّ يحمل لواء الإسلام ، ويطبّق شريعة السّماء.

٥ ـ تقديم الوجه المشرق للقيادة الربّانية الحكيمة المتمثّلة في قيادته صلى‌الله‌عليه‌وآله.

١١

ولتحقيق أهداف الرّسالة بشكل كامل كان من الضّروري :

أ ـ أن تستمرّ القيادة الكفوءة في تطبيق الرسالة وصيانتها من أيدي العابثين الذين يتربّصون بها الدّوائر.

ب ـ أن تستمرّ عملية التّربية الصّحيحة باستمرار الأجيال على يد مربٍّ كفوء ؛ علميّاً ونفسيّاً ، حيث يكون قدوة حسنة في الخلق والسّلوك ، كالرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله يستوعب الرّسالة ويجسّدها في كلّ حركاته وسكناته.

ومن هنا كان التّخطيط الإلهيّ يحتّم على الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله إعداد الصّفوة من أهل بيته ، والتّصريح بأسمائهم وأدوارهم ؛ لتسلّم مقاليد الحركة النّبويّة العظيمة ، والهداية الربّانية الخالدة بأمر من الله سبحانه ، وصيانة للرّسالة الإلهية التي كتب الله لها الخلود من تحريف الجّاهلين وكيد الخائنين ، وتربية الأجيال على قيم ومفاهيم الشّريعة المباركة التي تولّوا تبيين معالمها ، وكشف أسرارها وذخائرها على مرّ العصور ، وحتى يرث الله الأرض ومَنْ عليها.

وتجلّى هذا التّخطيط الربّاني في ما نصّ عليه الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله : «إنّي تارك فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم بهما لنْ تضلّوا ؛ كتاب الله وعترتي ، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض».

وكان أئمّة أهل البيت (صلوات الله عليهم) خير مَنْ عرّفهم النّبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله بأمر من الله تعالى لقيادة الاُمّة من بعده.

إنّ سيرة الأئمّة الاثني عشر من أهل البيت عليهم‌السلام تُمثّل المسيرة الواقعية للإسلام بعد عصر الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ودراسة حياتهم بشكل مستوعب تكشف لنا عن صورة مستوعبة لحركة الإسلام الأصيل الذي أخذ يشقّ طريقه إلى أعماق الاُمّة بعد أن أخذت طاقتها الحرارية تتضاءل بعد وفاة الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ،

١٢

فأخذ الأئمّة المعصومون عليهم‌السلام يعملون على توعية الاُمّة وتحريك طاقتها باتّجاه إيجاد وتصعيد الوعي الرساليِّ للشّريعة ولحركة الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وثورته المباركة ، غير خارجين عن مسار السّنن الكونية التي تتحكّم في سلوك القيادة والاُمّة جمعاء.

وتبلورت حياة الأئمّة الرّاشدين في استمرارهم على نهج الرّسول العظيم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وانفتاح الاُمّة عليهم والتفاعل معهم كأعلام للهداية ، ومصابيح لإنارة الدّرب للسّالكين المؤمنين بقيادتهم ، فكانوا هم الأدلاّء على الله وعلى مرضاته ، والمستقرّين في أمر الله ، والتامّين في محبّته ، والذّائبين في الشّوق إليه ، والسّابقين إلى تسلّق قمم الكمال الإنسانيّ المنشود.

وقد حفلت حياتهم بأنواع الجّهاد والصبر على طاعة الله وتحمّل جفاء أهل الجفاء حتّى ضربوا أعلا أمثلة الصمود لتنفيذ أحكام الله تعالى ، ثمّ اختاروا الشّهادة مع العزّ على الحياة مع الذّل فيها حتّى فازوا بلقاء الله سبحانه بعد كفاح عظيم وجهاد كبير.

ولا يستطيع المؤرّخون والكتّاب أن يلمّوا بجميع زوايا حياتهم العطرة ، ويدّعوا دراستها بشكل كامل ؛ ومن هنا فإنّ محاولتنا هذه إنّما هي إعطاء قبسات من حياتهم ، ولقطات من سيرتهم وسلوكهم ومواقفهم التي دوّنها المؤرّخون ، واستطعنا اكتشافها من خلال مصادر الدراسة والتحقيق ، عسى الله أن ينفع بها إنّه وليّ التوفيق.

إنّ دراستنا لحركة أهل البيت عليهم‌السلام الرّسالية تبدأ برسول الإسلام وخاتم الأنبياء محمّد بن عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وتنتهي بخاتم الأوصياء ، محمّد بن الحسن العسكري المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرجه وأنار الأرض بعدله.

١٣

ويختصّ هذا الكتاب بدراسة حياة الإمام الحسين بن عليّ عليهما‌السلام ، وهو المعصوم الخامس من أعلام الهداية والثالث من الأئمّة الاثني عشر بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي روّى بدمه الطاهر ودماء أهل بيته وأصحابه الأبرار شجرة الإسلام العظيمة ، وصانها من الذّبول والانهيار ، فكان ـ كما أخبر عنه المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ مصباح الهدى وسفينة النجاة لأمّة جدّه صلى‌الله‌عليه‌وآله من طوفان الطّغاة والظّالمين.

ولا بدَّ لنا من تقديم الشّكر إلى كلّ الإخوة الأعزّاء الذين بذلوا جهداً وافراً وشاركوا في إنجاز هذا المشروع المبارك وإخراجه إلى عالم النّور ، لاسيّما أعضاء لجنة التأليف بإشراف سماحة السيّد منذر الحكيم (حفظه الله تعالى).

ولا يسعنا إلاّ أن نبتهل إلى الله تعالى بالدعاء والشّكر لتوفيقه على إنجاز هذه الموسوعة المباركة ، فإنّه حسبنا ونعم النصير.

المجمع العالمي لأهل البيت عليهم‌السلام

قم المقدسة

١٤

الباب الأول

وفيه فصول :

الفصل الأوّل :

الإمام الحسين عليه‌السلام في سطور

الفصل الثاني :

انطباعات عن شخصيته عليه‌السلام

الفصل الثالث :

مظاهر من شخصيته عليه‌السلام

١٥
١٦

الفصل الأول

الإمام الحسين الشهيد عليه‌السلام في سطور

* ـ الإمام أبو عبد الله الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهما‌السلام الشهيد بكربلاء ، ثالث أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وسيّد شباب أهل الجّنة بإجماع المحدّثين ، وأحد اثنين نسلت منهما ذرية الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأحد الأربعة الّذين باهل بهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نصارى نجران ، ومن أصحاب الكساء الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، ومن القربى الذين أمر الله بمودّتهم ، وأحد الثقلين اللّذين مَنْ تمسّك بهما نجا ، ومَنْ تخلّف عنهما ضلّ وغوى.

* ـ نشأ الحسين مع أخيه الحسن عليهما‌السلام في أحضانٍ طاهرةٍ ، وحجورٍ طيّبةٍ ومباركةٍ ؛ اُمّاً وأباً وجدّاً ، فتغذّى من صافي معين جدّه المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله وعظيم خلقه ووابل عطفه ، وحظي بوافر حنانه ورعايته حتّى أنّه ورّثه أدبه وهديه ، وسؤدده وشجاعته ؛ ممّا أهّله للإمامة الكبرى التي كانت تنتظره بعد إمامة أبيه المرتضى وأخيه المجتبى عليهم‌السلام ، وقد صرّح بإمامته للمسلمين في أكثر من موقف بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا» ، «اللّهمّ إنّي اُحبّهما فأحبّ مَنْ يُحبّهما».

* ـ لقد التقى في هذا الإمام العظيم رافدا النبوّة والإمامة ، واجتمع فيه

١٧

شرف الحسب والنّسب ، ووجد المسلمون فيه ما وجدوه في جدّه وأبيه واُمّه من طهر وصفاء ونبل وعطاء ، فكانت شخصيّته تذكّر النّاس بهم جميعاً ؛ فأحبّوه وعظّموه، وكان إلى جانب ذلك كلّه مرجعهم الأوحد بعد أبيه وأخيه فيما كان يعترضهم من مشاكل الحياة واُمور الدين ، لاسيّما بعد أن دخلت الاُمّة الإسلاميّة حياة حافلة بالمصاعب نتيجة سيطرة الحكم الاُموي الجاهلي حتّى جعلتهم في مأزق جديد لم يجدوا له نظيراً من قبل ؛ فكان الحسين عليه‌السلام هو الشّخصية الإسلاميّة الرّسالية الوحيدة التي استطاعت أن تخلّص اُمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله خاصّة والإنسانية عامّة من براثن هذه الجاهلية الجديدة وأدرانها.

* ـ لقد كان الحسين بن عليّ عليهما‌السلام كأبيه المرتضى وأخيه المجتبى في جميع مراحل حياته ومواقفه العملية مثالاً للإنسان الرّسالي الكامل ، وتجسيداً حيّاً للخلق النبويّ الرفيع في الصبر على الأذى في ذات اللّه ، والسّماحة والجّود ، والرّحمة والشّجاعة ، وإباء الضّيم والعرفان ، والتعبّد والخشية لله ، والتواضع للحقّ والثورة على الباطل ، ورمزاً شامخاً للبطولة والجّهاد في سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، واُسوة مثلى للإيثار والتّضحية لإحياء المُثل العُليا التي اجتمعت في شريعة جدّه سيّد المرسلين ، حتّى قال عنه جدّه المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله : «حسين منّي وأنا من حسين». معبّراً بذلك أبلغ التعبير عن سموّ هذه الشخصية العظيمة التي ولدها صلى‌الله‌عليه‌وآله وربّاها بيديه الكريمتين.

* ـ بقي الحسين بن علىّ عليهما‌السلام بعد جدّه في رعاية الصدّيقة الزهراء سيّدة النساء فاطمة عليها‌السلام ، وفي كنف أبيه المرتضى سيّد الوصيّين وإمام المسلمين الذي عاش محنة الانحراف في قيادة الاُمّة المسلمة بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد حفّت بأبيه واُمّه نكبات هذه المحنة والصّراع مع الذين صادروا هذه الإمامة الكبرى بكلّ صلف ودون حجّة أو برهان ... لقد عاش الحسين

١٨

مع أخيه الحسن وأبيه عليّ واُمّه الزهراء عليهم‌السلام هذه المحنة وتجرّع مرارتها ، وهو لا يزال في سنّ الطفولة ، ولكنّه كان يعي جيّداً عمق المحنة وشدّة المصيبة.

* ـ شبَّ الإمام أبو عبد الله الحسين عليه‌السلام أيّام خلافة عمر ، وانصرف مع أبيه وأخيه عن السّياسة والتّصدي للحكم في ظاهر الأمر ، وأقبل على تثقيف النّاس وتعليمهم معالم دينهم في خطّ الرّسالة الصحيح ، والذي كان يتمثّل في سلوك والده عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ومواقفه المبدئية المشرّفة.

* ـ وقف الإمام الحسين عليه‌السلام إلى جانب أبيه عليه‌السلام في عهد عثمان ، وهو في عنفوان شبابه يعمل مخلصاً لأجل الإسلام ، ويشترك مع أبيه في وضع حدّ للفساد الذي أخذ يستشري في جسم الاُمّة والدولة معاً في ظلّ حكم عثمان وبطانته ، ولم يتعدّ مواقف أبيه عليه‌السلام طيلة هذه الفترة ، بل عمل كجندي مخلص للقيادة الشّرعية التي أناطها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بأبيه المرتضى عليه‌السلام.

* ـ وفي عهد الدولة العلوية المباركة وقف الحسين إلى جانب أبيه عليهما‌السلام في جميع مواقفه وحروبه ، ولم يتوانَ عن قتال الناكثين والقاسطين والمارقين ، بينما كان أبوه حريصاً على حياته وحياة أخيه الحسن عليه‌السلام ؛ خشية انقطاع نسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بموتهما ، وبقيا إلى جانب أبيهما حتّى آخر لحظة ، وهما يعانيان من أهل العراق ما كان يعانيه أبوهما المرتضى عليه‌السلام حتّى استشهد في بيت من بيوت الله ، وفاز بالشّهادة وهو في محراب العبادة بمسجد الكوفة ، وفي أقدس لحظات حياته ، أعني لحظة العبادة والتوجّه إلى ربّ الكعبة ، حيث خرّ صريعاً وهو يقول : «فزتُ وربِّ الكعبة».

* ـ ثمّ وقف إلى جانب أخيه الحسن المجتبى عليهما‌السلام بعد أن بايعه بالخلافة ، كما بايعه عامّة المسلمين في الكوفة من المهاجرين والأنصار

١٩

والتّابعين لهم بإحسان، ولم يتعدّ مواقف أخيه الّذي نصّ على إمامته كلّ من جدّه وأبيه عليهما‌السلام بالرغم من كلّ المغريات التي كان يستعملها معاوية لإسقاط الإمام الحسن عليه‌السلام ، وتفتيت قواه والقضاء على حكومته المشروعة.

* ـ لقد كان الحسين عليه‌السلام يعي مواقف أخيه الحسن عليه‌السلام بشكل تامّ والنتائج المترتّبة على تلك المواقف ؛ لأنّه كان يدرك حراجة الظرف الذي كان يكتنف الاُمّة الإسلاميّة آنذاك وبعد استشهاد الإمام علي عليه‌السلام بشكل خاص ، حيث انطلت ألاعيب معاوية وشعاراته الزائفة على جماعة كبيرة من السذّج والبسطاء ، ممّن كانوا يشكّلون القاعدة العظمى في مجتمع الكوفة ومركز الخلافة الإسلاميّة ، فأصبحوا يشكّون ويشكّكون في حقّانية خطّ الإمام عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام بعد ذلك التضليل الإعلامي الذي قام به معاوية وبطانته وعمّاله في صفوف الجيش المساند للإمام عليه‌السلام، ولم يستطع الإمام الحسن عليه‌السلام بكلّ ما اُوتي من حنكة سياسية وشجاعة أدبية ورصانة منطقية أن يقنع تلك القاعدة الشّعبية ، ويوقفها على زيف الشّعارات الاُموية في عدم صحّة الخضوع لشعار السّلم الذي كان قد تسلّح به معاوية لنيل الخلافة بأبخس الأثمان ؛ ممّا اضطرّ الإمام الحسن عليه‌السلام للإقدام على الصلح من موقع القوّة بعد أن نفَّذَ جميع الخطط السّياسية الممكنة ، وبعد أن سلك جميع الطرق المعقولة التي ينبغي للقائد المحنّك أن يسلكها في تلك الظروف السياسية والاجتماعية والنفسية التي كان يعيشها الإمام الحسن عليه‌السلام وشيعته ؛ فتنازل عن الخلافة ، إلاّ إنّه لم يوقّع على شرعيّة حاكميّة معاوية ، بالإضافة إلى أنّه قد اشترط شروطاً موضوعيةً تفضح واقع معاوية والحكم الاُموي على المدى القريب أو البعيد.

* ـ وهكذا أفلح الإمام الحسن عليه‌السلام بعد أن اختار الطريق الصعب ، وتحمّل ما تحمّل من الأذى والمكروه من أقرب أفراد شيعته فضلاً عن

٢٠