الوثائق الرسميّة لثورة الإمام الحسين

عبد الكريم الحسيني القزويني

الوثائق الرسميّة لثورة الإمام الحسين

المؤلف:

عبد الكريم الحسيني القزويني


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مكتبة الشهيد الصدر
المطبعة: نمونه
الطبعة: ٣
الصفحات: ٢٦٤

ب ـ الإرادة الاُمويّة :

وهي التي تتمتّع بالملك والسيطرة والمال ، والكثرة في العدد والعدّة ، مع إباحة جميع وسائل الإغراء والتمويه والتضليل لأنّها تبرّر وسائلها بغايتها ، والغاية تبرّر الوسيلة. واصطدمت الإرادتان في مواقف عديدة فلم تُفلح الإرادة الاُمويّة بنجاح ، واستعملت كلّ طاقاتها وإمكانيّاتها لكي تُثني الإرادة الحسينيّة عن المُضي والاستمرار في هدفها وغايتها ، ولكنّها مُنيت بالفشل والخسران والهزيمة.

وبقيت الإرادة الحسينيّة صامدة أمام تحدّيات الإرادة الاُمويّة ، ولكنّ الإرادة الاُمويّة جاءت لتجبر هزيمتها وخسارتها ، فاستعملت سلاحها وقوتها بكلّ حقد وضعة ووحشية ؛ فقتلت الرجال ومثّلت بهم حقداً وتشفيّاً.

ومع هذا كلّه بقيت إرادة الحسين (عليه السّلام) وشهدائه حيّة صامدة تهزأ بالعرش الأموي وجبروته ، وتُضعضع أركانه بين حين وآخر حتّى قضت على معنويته ووجوده وإرادته.

وهكذا كان النصر والفتح للحسين كما تنبّأ هو (عليه السّلام) في كتابه إلى بني هاشم قائلاً :

٤١

أمّا بعد ، فإنّه مَنْ لحق بي منكم استشهد ، ومَنْ تخلّف لم يبلغ مبلغ الفتح ، والسّلام(١).

وقال تعالى : (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ)(٢).

وأخيراً يا سيدي يا أبا عبد الله ، سلام الله عليك يوم ولدت ، ويوم استُشهدت من أجل الحقّ ، ويوم تُبعث حياً ، وسلام الله على المستشهدين بين يديك من أهلك وأصحابك.

١ ـ إعلان الحسين (عليه السّلام) لثورته :

وهو أوّل بيان للحسين (عليه السّلام) للثورة على يزيد بن معاوية ، وذلك عندما طلب منه والي يزيد على المدينة ـ الوليد بن عتبة بن أبي سفيان ـ مبايعة

__________________

(١) انظر الوثيقة رقم ١٨ من هذا الكتاب.

(٢) سورة البقرة ص ١٥٤.

٤٢

يزيد بالخلافة بعد هلاك معاوية ، فقال له الحسين (عليه السّلام) :

«أيّها الأمير ، إنّا أهل بيت النبوّة ، ومعدن الرسالة ، ومختلف الملائكة ، بنا فتح الله وبنا ختم. ويزيد رجل فاسق ، شارب للخمر ، قاتل النفس المحترمة ، معلن للفسق ، ومثلي لا يبايع مثله ، ولكن نصبح وتصبحون ، وننظر وتنظرون أيّنا أحقّ بالخلافة والبيعة» (١).

٢ ـ بين مروان ووالي يزيد

لمّا أبى الحسين (عليه السّلام) مبايعة يزيد ، قال مروان للوليد احبس حسيناً ، ولا يخرج من عندك حتّى يبايع أو تضرب عنقه. فوثب الحسين (عليه السّلام) قائلاً : «يابن الزرقاء ، أنت تقتلني أم هو؟! كذبت والله وأثمت». ثمّ خرج (عليه السّلام) ، فقال مروان للوليد :

عصيتني! لا والله لا يمكنك من مثلها من نفسه أبداً.

الوليد :

وبخ غيري يا مروان ، إنّك اخترت لي التي

__________________

(١) مقتل الحسين ـ محسن الأمين ص ٢٣.

٤٣

فيها هلاك ديني ، والله ما أحبّ أنّ لي ما طلعت عليه الشمس وغربت عنه من مال الدنيا وملكها وإنّي قتلت حسيناً. سبحان الله! أقتل حسيناً أن قال : لا اُبايع؟! والله إنّي لا أظنّ امرأً يحاسب بدم حسين لخفيف الميزان عند الله يوم القيامة ، ولا ينظر الله إليه ، ولا يزكيه وله عذابٌ أليم (١).

٣ ـ مروان بن الحكم والحسين (عليه السّلام) :

ولمّا كان اليوم الثاني واجه مروان الحسين (عليه السّلام) في الطريق ، وقال لأبي عبد الله : إنّي لك ناصح فأطعني ترشد وتسدّد. فقال الحسين (عليه السّلام) : «وما ذاك؟ قل حتّى أسمع». فقال مروان : أرشدك لبيعة يزيد بن معاوية ؛ فإنّها خير لك في دينك وفي دنياك فقال الحسين (عليه السّلام) :

«إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، وعلى الإسلام السّلام إذا بليت الأمّة براع مثل يزيد». ولقد سمعت جدّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول : الخلافة محرّمة على آل أبي سفيان(٢) ثم جاء اطلب من قبل رجال الوالي يطلبون حضوره لمبايعة يزيد فقال لهم الحسين (عليه السلام) أصبحوا ثم ترون ونري.

__________________

(١) الطبري ص ٣٤٠ ج ٥ طبع دار المعارف.

(٢) مقتل الحسين للامين ص ٢٤.

٤٤

٤ ـ خروج الحسين (عليه السّلام) من المدينة إلى مكة :

وكان خروجه (عليه السّلام) من المدينة ليلة الأحد ، ليومين بقيا من رجب سنة ٦٠ هـ (١) ، فإنّه (عليه السّلام) جاء إلى قبر جدّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فصلّى ركعات ، وقال : «اللّهمّ هذا قبر نبيك محمّد (صلّى الله عليه وآله) ، وأنا ابن بنت نبيّك ، وقد حضرني من الأمر ما قد علمت. اللّهمّ إنّي أحبّ المعروف وأنكر المنكر ، وأنا أسألك يا ذا الجلال والإكرام بحقّ القبر ومَنْ فيه إلاّ ما اخترت لي ما هو لك رضاً ، ولرسولك رضاً».

وفي حديث عمّار ، أنّه قال : «بأبي أنت وأمّي يا رسول الله ، لقد خرجتُ من جوارك كرهاً ، وفُرّق بيني وبينك ، واُخذت قهراً أن اُبايع يزيد ، شارب الخمور ، وراكب الفجور ، وإن فعلت كفرت ، وإن أبيت قُتلت ، فها أنا خارج من جوارك كُرهاً ، فعليك منّي السلام يا رسول الله» (١).

__________________

(١) تاريخ الطبري ص ٢٢٠ ج ٤.

(٢) مقتل أبي مخنف ص ١٥.

٤٥

٥ ـ وصية الحسين (عليه السّلام) :

وكتب (عليه السّلام) وصية إلى أخيه محمّد بن الحنفية :

«بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. هذا ما أوصى به الحسين بن علي بن أبي طالب إلى أخيه محمّد المعروف بابن الحنفية :

إنّ الحسين يشهد أن لا إله إلاّ الله ، وحده لا شريك له ، وأنّ محمداً عبده ورسوله ، جاء بالحقّ من عند الحقّ ، وأنّ الجنّة والنار حقّ ، وأنَّ السّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها ، وأنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي القُبُورِ ، وإنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ، ولا مفسداً ولا ظالماً ، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي (صلّى الله عليه وآله) ؛ اُريد أن آمر بالمعروف ، وأنهى عن المنكر ، وأسير بسيرة جدّي وأبي علي بن أبي طالب ، فمَنْ قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ ، ومَنْ ردّ عليّ هذا أصبر حتّى يقضي الله بيني وبين القوم بالحقّ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِين. وهذه وصيتي يا أخي إليك ، وَما تَوْفِيقِي إِلاّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ اُنِيبُ» (١). وختمها بخاتمه الشريف.

__________________

(١) مقتل الخوارزمي ص ٨٨ ج ١ فصل ٩.

٤٦

٦ ـ كتاب الحسين (عليه السّلام) إلى بني هاشم :

ولمّا سار الحسين (عليه السّلام) بإخوته وبني أخيه ، وجلّ أهل بيته إلى مكة ، وجّه كتاباً إلى بني هاشم ، هذا نصّه :

«بسم الله الرحمن الرحيم. من الحسين بن علي بن أبي طالب إلى بني هاشم ، أمّا بعد ، فإنّه مَنْ لحق بي منكم استشهد ، ومَنْ تخلّف لم يبلغ مبلغ الفتح ، والسّلام» (١).

٧ ـ دخول الحسين (عليه السّلام) إلى مكة :

لمّا خرج الإمام (عليه السّلام) من المدينة سلك الطريق الأعظم ، فقيل له : لو تنكّبت عن الطريق الأعظم ، كما فعل ابن الزبير ، فقال : «لا والله لا أفارقه حتّى يقضي الله ما هو قاض». ثمّ تلا قوله تعالى : (فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ)(٢). ودخل مكّة وهو يتلو : (وَلَمّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ) (٣).

__________________

(١) انظر عبرة المؤمنين ـ جواد شبّر ص ١٧.

(٢) سورة القصص ص ٢١.

(٣) سورة القصص ص ٢٢.

٤٧

فوصل إليها ليلة الجمعة لثلاث مضين من شعبان ، وأقام (عليه السّلام) باقي شعبان وشهر رمضان ، وشوال وذي القعدة ، وثمان ليالي من ذي الحجّة (١).

٨ ـ كتب ورسل أهل الكوفة إلى الحسين (عليه السّلام) :

ولمّا وصل إلى أهل الكوفة نبأ هلاك معاوية ، ومعارضة الإمام الحسين (عليه السّلام) لحكم يزيد ، ومجيئه إلى مكة ، اجتمع نفر منهم في دار سليمان بن صرد الخزاعي (٢) ، ولمّا استقر بهم المجلس قام سليمان فيهم خطيباً ، وقال في آخر خطبته :

يا معشر الشيعة ، إنّكم قد علمتم بأنّ معاوية قد هلك وصار إلى ربّه ، وقدم على عمله ، وقد قعد في موضعه ابنه يزيد ، وهذا الحسين بن علي (عليهما السّلام) قد خالفه ، وصار إلى مكة هارباً من طواغيت آل أبي سفيان ، وأنتم شيعته وشيعة أبيه من قبله ، وقد احتاج إلى نصرتكم اليوم ؛ فإن كنتم تعلمون أنّكم ناصروه ومجاهدو عدوّه فاكتبوا إليه ، وإن خفتم الوهن والفشل فلا تغرّوا الرجل من نفسه (٣).

__________________

(١ و ٢) تاريخ الطبري ص ٢٣٣ ج ٤.

(٣) مقتل الحسين ـ محسن الأمين ص ٣٠ ، تاريخ الطبري ج ٤ ص ٢٦١.

٤٨

قال المجتمعون : بل نقاتل عدوّه ، ونقتل أنفسنا دونه. ثمّ أرسلوا وفداً منهم أبو عبد الله الجدلي يحمل كتاباً إلى الحسين (عليه السّلام) ، وهذا نصّه :

بسم الله الرحمن الرحيم. للحسين بن علي (عليهما السّلام) ، من سليمان بن صرد ، والمسيّب بن نجية ، ورفاعة بن شداد البجلي ، وحبيب بن مظاهر ، وشيعته من المؤمنين المسلمين ، سلام عليك. أمّا بعد ، فالحمد لله الذي قصم عدوّك وعدوّ أبيك من قِبل الجبّار ، العنيد الغشوم الظلوم ، الذي انتزى على هذه الأمّة فابتزّها أمرها ، وغصبها فيئها ، وتأمّر عليها بغير رضاً منها ، ثمّ قتل خيارها واستبقى شرارها ، وجعل مال الله دولة بين جبابرتها وعتاتها ، فبعداً له كما بعُدت ثمود! وإنّه ليس علينا إمام غيرك ، فاقبِل لعلّ الله أن يجمعنا بك على الهدى والحقّ. والنعمان بن بشير في قصر الإمارة ، ولسنا نجتمع معه في جمعة ولا نخرج معه إلى عيد ، ولو قد بلغنا أنّك قد أقبلت أخرجناه حتّى نلحقه بالشام إن شاء الله تعالى ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته يابن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وعلى أبيك من

٤٩

قبلك ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم (١). فوصل الكتاب إلى الحسين (عليه السّلام) لعشر من شهر رمضان وهو في مكة ، ثمّ بعثوا إليه كتباً اُخرى بيد هاني بن هاني السبيعي ، وسعيد بن عبد الله الحنفي ، وهذا نصّها :

بسم الله الرحمن الرحيم. للحسين بن علي (عليهما السّلام) ، من شيعته من المؤمنين والمسلمين. أمّا بعد ، فحيهلا ، فإنّ الناس ينتظرونك لا رأي لهم غيرك ، فالعجل العجل ، والسّلام (٢).

ثمّ أرسل معهما شبث بن ربعي ، وحجار بن أبجر ، ويزيد بن الحارث ، ويزيد بن رويم ، وعروة بن قيس ، وعمرو بن الحجّاج الزبيدي ، ومحمّد بن عمير التميمي كتاباً أيضاً إلى الحسين (عليه السّلام) ، وهذا نصّه : أمّا بعد ، فقد أخضر الجناب ، وأينعت الثمار ، وطمث الجمام ، فإذا شئت فأقدم على جند لك مجنّدة ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته ، وعلى أبيك من قبل (٣).

__________________

(١) انظر مقتل الحسين ـ محسن الأمين ص ٣٠ ، تاريخ الطبري ج ٤ ص ٢٦٢.

(٢) تاريخ الطبري ج ٤ ص ٢٦٢ ، مقتل الحسين ـ محسن الأمين ص ٣١.

(٣) المصدران نفساهما.

٥٠

ثمّ توالت الكتب والرسائل على الحسين (عليه السّلام) حتّى بلغت اثني عشر ألف كتاب.

٩ ـ جواب الإمام الحسين (عليه السّلام) إلى أهل الكوفة :

والإمام (عليه السّلام) لم يجب على تلكم الرسائل والكتب التي وصلته إلاّ بعد أن صلّى ركعتين بين الركن والمقام ، وسأل الله الخيرة في ذلك ، ثمّ كتب كتاباً إلى أهل الكوفة ، وهو جواب على كتبهم ، وأرسله مع هاني بن عروة وسعيد بن عبد الله ، وهذا نصّه :

«بسم الله الرحمن الرحيم. من الحسين بن علي إلى الملأ من المؤمنين والمسلمين.

أمّا بعد ، فإنّ هانئاً وسعيداً قدما عليّ بكتبكم ، وكانا آخر من قدِم عليّ من رسلكم ، وقد فهمت كلّ الذي اقتصصتم وذكرتم ، ومقالة جلكم : أنّه ليس علينا إمام ، فأقبل لعلّ الله أن يجمعنا بك على الحقّ والهدى. وأنا باعث إليكم أخي وابن عمّي ، وثقتي من أهل بيتي مسلم ابن عقيل ، وأمرته أن يكتب إليّ بحالكم وأمركم ورأيكم ، فإن كتب إليّ بأنّه قد أجمع رأي ملئكم ، وذوي الفضل والحجى منكم على مثل ما قدمت عليّ به رسلكم ، وقرأت في كتبكم ، فإنّي أقدم

٥١

إليكم وشيكاً إن شاء الله ، فلعمري ما الإمام إلاّ الحاكم بالكتاب ، القائم بالقسط ، الدائن بدين الحقّ ، الحابس نفسه على ذلك لله ، والسّلام» (١). وقيل : ثمّ نادى مسلم بن عقيل (رضوان الله عليه) وأمره بالتقوى ، وكتمان أمره واللطف ، فإن رأى الناس مجتمعين مستوسقين عجّل إليه.(٢)

١٠ ـ كتاب مسلم إلى الحسين (عليه السّلام) :

ولمّا وصل مسلم (عليه السّلام) الكوفة نزل دار المختار بن أبي عبيدة الثقفي ، وأقبل الناس يختلفون إليه بالبيعة للحسين (عليه السّلام) جماعة جماعة ، وهو يقرأ عليهم كتاب الحسين فيبكون ، ثمّ قام عابس بن أبي شبيب الشاكري (رضوان الله عليه) فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : أمّا بعد ، فإنّي لا أخبرك عن الناس ، ولا أعلم ما في أنفسهم وما أغرّك منهم. والله اُحدّثك عمّا أنا موطّن نفسي عليه ، والله لأجيبنّكم إذا دعوتم ، ولأقاتلنّ معكم عدوّكم ، ولأضربنّ بسيفي دونكم حتّى ألقى الله ، لا اُريد بذلك إلاّ ما عند

__________________

(١) مقتل الحسين ـ محسن الأمين ص ٣٣ ، تاريخ الطبري ج ٤ ص ٢٦٢.

(٢) تاريخ الطبري ج ٤ ص ٢٦٣ ـ ٢٦٤.

٥٢

الله. ثمّ قام حبيب بن مظاهر (رحمة الله عليه) وقال : رحمك الله ، قد قضيت ما في نفسك بواجز من قولك. ثمّ قال : وأنا والله الذي لا إله إلاّ هو على مثل ما هذا عليه (١) ثمّ تكلّم الحاضرون بمثل ذلك. ولمّا رأى مسلم إقبال الناس عليه ومبايعتهم للحسين (عليه السّلام) ، كتب كتاباً للحسين (عليه السّلام) يقول فيه :

أمّا بعد ، فإنّ الرائد لا يكذب أهله ، وإنّ جميع أهل الكوفة معك ، وقد بايعني منهم ثمانية عشر ألفاً ، فعجّل الإقبال حين تقرأ كتابي هذا ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته (٢). وبعثه مع قيس بن مسهر الصيداوي.

١١ ـ كتاب الحسين (عليه السّلام) إلى رؤساء الأخماس والأشراف بالبصرة :

ثمّ إنّ الحسين (عليه السّلام) وجّه كتاباً آخر إلى رؤساء البصرة وزعمائها ، وأرسله مع مولى له (سليمان) يُكنّى أبا رزين ، أو مع ذراع السدوسي إلى كلّ من مالك بن مسمع البكري ، والأحنف بن قيس ، والمنذر بن الجارود

__________________

(١) تاريخ الطبري ص ٢٣٩ج ٤.

(٢) الطبري ج ٤ ص ٣٦٤.

٥٣

العبدي ، وقيس بن الهيثم ، ويزيد بن مسعود النهشلي وغيرهم ، جاء فيه :

«أمّا بعد ، فإنّ الله اصطفى محمّداً (صلّى الله عليه وآله) على خلقه ، وأكرمه بنبوّته ، واختاره لرسالته ، ثمّ قبضه الله إليه وقد نصح لعباده ، وبلغ ما أرسل به (صلّى الله عليه وآله) ، وكنّا أهله وأولياءه ، وأوصياءه وورثته ، وأحقّ الناس بمقامه في الناس ، فاستأثر علينا قومنا بذلك ، فرضينا وكرهنا الفرقة ، وأحببنا العافية ، ونحن نعلم أنّا أحق بذلك الحقّ المستحق علينا ممّن تولاّه. وقد بعثت رسولي إليكم بهذا الكتاب ، وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنّة نبيّه (صلّى الله عليه وآله) ؛ فإنّ السنّة قد اُميتت ، وإنّ البدعة قد اُحييت ، وإن تسمعوا قولي وتطيعوا أمري ، أهدكم سبيل الرشاد ، والسلام عليكم ورحمة الله» (١).

١٢ ـ جواب أهل البصرة للحسين (عليه السّلام) :

ولمّا وصل الكتاب إلى يزيد بن مسعود النهشلي ، جمع قبائل بني تميم ، وبني حنظلة ، وبني سعد ، وقال

__________________

(١) مقتل الحسين ـ عبد الرزاق المقرّم ص ١٥٩ ، تاريخ الطبري ج ٤ ص ٢٦٦.

٥٤

لهم كيف ترون موضعي فيكم وحسبي منكم؟ فقالوا : بخ بخ! أنت والله فقرة الظهر ، ورأس الفخر ، حللت في الشرف وسطاً ، وتقدّمت فيه فرطاً. قال : فإنّي قد جمعتكم لأمر أريد أن أشاوركم فيه ، وأستعين بكم عليه. فقالوا : إنّا والله نمنحك النصيحة ، ونجهد لك الرأي ، فقل حتّى نسمع. فقال (رضوان الله عليه) : «إنّ معاوية مات ، فأهون به والله هالكاً ومفقوداً ، ألا وإنّه قد انكسر باب الجور والإثم ، وتضعضعت أركان الظلم ، وكان قد أحدث بيعة عقد بها أمراً ظنّ أنّه قد أحكمه ، وهيهات الذي أراد! اجتهد والله ففشل ، وشاور فخذل. وقد قام ابنه يزيد شارب الخمور ، ورأس الفجور ، يدّعي الخلافة على المسلمين ، ويتأمّر عليهم بغير رضاً منهم ، مع قصر حلم وقلّة علم ، لا يعرف من الحقّ موطئ قدميه ، فأقسم بالله قسماً مبروراً ، لجهاده على الدين أفضل من جهاد المشركين. وهذا الحسين بن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ذو الشرف الأصيل ، والرأي الأثيل ، له فضل لا يوصف ، وعلم لا ينزف ، وهو أولى بهذا الأمر ؛ لسابقته ، وسنّه ، وقدمه ، وقرابته. يعطف على الصغير ويحنوا على الكبير ، فأكرم به راعي رعية ، وإمام قوم ، وجبت لله به الحجّة ، وبلغت به الموعظة ؛ فلا تعشوا عن نور الحقّ ، ولا تسكعوا في

٥٥

وهد الباطل ، فقد كان صخر بن قيس انخذل بكم يوم الجمل ، فاغسلوها بخروجكم إلى ابن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ونصرته. والله ، لا يقصّر أحد عن نصرته إلاّ أورثه الله تعالى الذلّ في ولده ، والقلّة في عشيرته. وها أنا ذا قد لبست للحرب لامتها ، وأدرعت لها بدرعها. مَنْ لم يُقتل يمت ، ومَنْ يهرب لم يفت ، فأحسنوا رحمكم الله ردّ الجواب» (١).

فأجابته بنو حنظلة بقولها : «يا أبا خالد ، نحن نبل كنانتك ، وفرسان عشيرتك ، إن رميت بنا أصبت ، وإن غزوت بنا فتحت ، لا تخوض والله غمرة إلاّ خضناها ، ولا تلقى والله شدّة إلاّ لقيناها ، ننصرك والله بأسيافنا ، ونقيك بأبداننا إذا شئت». ثم تكلّم بنو سعد بن يزيد ، فقالوا : «يا أبا خالد ، إنّ أبغض الأشياء إلينا خلافك والخروج من رأيك ، وقد كان صخر بن قيس أمرنا بترك القتال ، فحمدنا رأيه ، وبقي عزّنا فينا ، فأمهلنا نراجع الرأي ونحسن المشهورة».

فقال يزيد بن مسعود : «والله يا بني سعد ، لئن فعلتموها لا رفع الله السيف عنكم أبداً ، ولا زال سيفكم فيكم.

ثمّ قالت بنو عامر بن تميم : يا أبا خالد ، نحن بنو أبيك

__________________

(١) مقتل الحسين ـ عبد الرزاق المقرّم ص ١٦١.

٥٦

وحلفاؤك ، لا نرضى إن غضبت ، ولا نقطن إن ظعنت ، والأمر إليك ، فادعنا نجبك ، وأمرنا نطعك ، والأمر لك إذا شئت».

جواب ابن مسعود إلى الحسين (عليه السّلام) :

ثمّ إنّ يزيد بن مسعود (رضوان الله عليه) كتب جواباً على رسالة الحسين (عليه السّلام) جاء فيه :

«بسم الله الرحمن الرحيم. أمّا بعد ، فقد وصل كتابك ، وفهمت ما ندبتني إليه ودعوتني له من الأخذ بحظّي من طاعتك ، والفوز بنصيبي من نصرتك ، وإنّ الله لم يخل الأرض قطّ من عامل عليها بخير ، أو دليل على سبيل نجاة. وأنتم حجّة الله على خلقه ، ووديعته في أرضه ، تفرّعتم من زيتونة أحمدية هو أصلها وأنتم فرعها ، فأقدم سُعدتَ بأسعد طائر ؛ فقد ذلّلتُ لك أعناقَ بني تميم ، وتركتهم أشدّ تتابعاً في طاعتك من الإبل الظماء لورود الماء يوم خمسها ، وقد ذلّلت لك رقاب بني سعد ، وغسلت درن صدورها بماء سحابة مزن حين استهلّ برقها ، والسّلام» (١).

__________________

(١) مقتل الحسين ـ محسن الأمين ص ٣٨.

٥٧

ووصل كتابه هذا إلى الحسين (عليه السّلام) في اليوم العاشر من محرّم كما هو المعروف ، فقال (عليه السّلام) :

«ما لك! آمنك الله يوم الخوف ، وأعزّك وأرواك يوم العطش الأكبر». ثمّ إنّه أراد الخروج لنصرة الحسين (عليه السّلام) وإذا بالخبر يفاجئه بقتله ، فجزع ومات من وقته (رضوان الله عليه). وأمّا بقيّة الزعماء ، فإنّ بعضهم أجاب الإمام (عليه السّلام) جواباً بارداً لا خير فيه ، وأمّا المنذر بن الجارود ، فإنّه سلّم الكتاب والرسول إلى عبيد الله بن زياد ، فصلب الرسول ، وهو أوّل رسول يُقتل في الإسلام (١).

__________________

(١) تاريخ الطبري ج ٤ ص ٢٦٦.

٥٨

الحزب الاُموي وموقفه من الثورة

لمّا وصلت أنباء إعلان الإمام الحسين ثورته على الحكم الاُموي إلى كوادر الحزب الاُموي ، كانت ردود الفعل مختلفة بحسب وجهات نظر أعضاء الكوادر الحزبية الاُمويّة ، وهي في اتّجاهين :

الاتّجاه الأوّل : وهو الذي يمثل جانب اللين والفتور لأنّ بعض الكوادر الحزبية الاُمويّة كانت تمثّل الجانب المعتدل في الحزب ، لأنّها تعلم في قرارة نفسها أنّ يزيد لا يستحق الخلافة وغير جدير بها ؛ ولذا نراها غير متحمّسة لحكمه ، من أمثال النعمان بن بشير واليه على الكوفة ؛ فإنّه بعد أن سمع بثورة الإمام الحسين (ع) قام خطيباً ، وخطب خطبة

٥٩

لم ترضِ الحزب الاُموي ، فقام إليه أحد كوادر الحزب الاُموي قائلاً :

إنّه لا يصلح ما ترى إلاّ الغشم ، إنّ هذا الذي أنت عليه فيما بينك وبين عدوّك رأي المستضعفين.

فأجابه النعمان قائلاً :

أن أكون من المستضعفين في طاعة الله ، أحبّ إليّ من أن أكون من الأعزّين في معصية الله (١).

الاتجاه الثاني : وهو الاتّجاه المتطرّف المتعصّب ، الذي يسير وراء مصالح الاُمويِّين ، وليس لديه أيّ واقعية أو الإحساس بها ، فنرى ردّ فعله عنيفاً جدّاً ، لأنّه اتّخذ موقفاً صارماً ضدّ الثورة ؛ ولهذا نرى هذا الكادر الاُموي سارع بالكتابة إلى يزيد بن معاوية عندما دخل الكوفة رسول الثورة الحسينيّة مسلم بن عقيل ، وأقبل الناس عليه لمبايعة الحسين ،

__________________

(١) انظر الوثيقة ١٣ من هذا الكتاب.

٦٠