الوثائق الرسميّة لثورة الإمام الحسين

عبد الكريم الحسيني القزويني

الوثائق الرسميّة لثورة الإمام الحسين

المؤلف:

عبد الكريم الحسيني القزويني


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مكتبة الشهيد الصدر
المطبعة: نمونه
الطبعة: ٣
الصفحات: ٢٦٤

فتأثر الرأي العام بالجو اللاشعوري ، أو ما يُسمّى بالسلوك الجمعي ، وإذا بالغوغائية جماعات وجماعات تخرج لحرب ابن بنت نبيّها محمّد (صلّى الله عليه وآله) ، غير ملتفتة إلى ما ينتج من هذا المصير الوخيم الذي أقبلت إليه مسرعة. وفقد الفرد سيطرته على نفسه وعقله ، وأصبح يعيش في حالة هستيرية ، لا يعي ولا يشعر لأنّه تأثّر بالعقل الجمعي وسلوكه ، وخصوصاً بعد أن قتل جماعة من النخبة الواعية أمثال ميثم التمار وغيره ، واعتقل البقيّة مثل : المختار بن أبي عبيدة الثقفي ، وسليمان بن صرد الخزاعي ، والمسيّب بن نجية وغيرهم. فقد ذكر الشيخ المظفر (رحمه الله) ما نصّه : ولمّا دخل عبيد الله بن زياد الكوفة ، وظفر بمسلم بن عقيل ، رسول الحسين وداعيته ، فأخذ يقتل مَنْ يظنّ ولاءه لأمير المؤمنين (عليه السّلام) ويحبس مَنْ يتّهمه به حتّى ملأ السجون منهم ؛ خشية أن يتسللوا لنصرة الحسين (عليه السّلام) ، ومن ثم تجد قلّة في أنصاره مع كثرة الشيعة بالكوفة ، ولقد كان في حبسه اثنا عشر ألفاً كما قيل ، وما أكثر الوجوه والزعماء فيهم ، أمثال : المختار ، وسليمان بن صرد ، والمسيّب بن نجيّة ، ورفاعة بن

١٢١

شدّاد ، وإبراهيم بن مالك الأشتر (١). وقد اختفى الآخرون ، وصفا الجو إلى ابن زياد ، حيث أخذ يلعب بالطبقة التي سمّاها أمير المؤمنين علي (عليه السّلام) بـ «الهمج الرعاع ، اتباع كلّ ناعق ، يميلون مع كلّ ريح ، لم يستنيروا بنور العلم ، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق» (٢).

٦٢ ـ التعداد الكمي للجيش الاُموي في كربلاء :

الإحصائيات التي يرويها أرباب المقاتل وبعض الكتب التاريخية عن عدد الجيش الاُموي الذي أرسله عبيد الله بن زياد إلى كربلاء لحرب الحسين (عليه السّلام) ؛ وللقضاء على ثورته المقدّسة ، وهي على حسب الترتيب الزمني.

اسم القائد

 عددها

كتيبة الحرّ بن يزيد التميمي

كتيبة شمر بن ذي الجوشن

كتيبة يزيد بن ركاب الكلبي

كتيبة الحصين بن نمير التميمي

كتيبة مغاير بن رهينة المازني

 ١٠٠٠ مقاتل

٤٠٠٠ مقاتل

٢٠٠٠ مقاتل

٤٠٠٠ مقاتل

٣٠٠٠ مقاتل

__________________

(١) تاريخ الشيعة ـ محمد حسين المظفر ص ٣٤.

(٢) نهج البلاغة ـ محمد عبده ج ٣ ص ١٧٢.

١٢٢

ذكر البلاذري المتوفي ٢٧٩ هجريه في كتابه انساب الاشراف

ان عبيدالله بن زياد سرح الى الحسين في كربلاء : ١٠٠٠ فارس بقيادة الحر و ٤٠٠٠ بقيادة عمر بن سعد و ٤٠٠٠ بقيادة حصين بن تميم و ١٠٠٠ بقيادة حجار بن ابجر العجلي و ١٠٠٠ بقيادة شيث بن ربعي ثم جعل ابن زياد يرسل العشرين والثلاثين والخمسين فلم يبق بالكوفه محتلم الاحرج ابى المعسكر بالنخيله يمد بهم عمر ابن سعد في كربلا(١)

راجع الوثيقة ٦٢ من هذا الكتاب صفحه ١٠٧

__________________

(١) انظر تفصيل ذلك في كتاب انساب الاشراف للبلاذري المجلد الاول النسخة الخطية الموجوده في مكتبة رئيس الكتاب في المكتبة السليمانيه في استانبول برقم ٩٧.

١٢٣

كتيبة نصر بن حرشة

كتيبة كعب بن طلحة

كتيبة شبث بن ربعي الرياحي

كتيبة حجّار بن أبجر

المجموع وقدره

٢٠٠٠ مقاتل

٣٠٠٠ مقاتل

١٠٠٠ فارس

١٠٠٠ فارس

٢٥٠٠٠ خمسة وعشرون الف مقاتل

وما زال عبيد الله بن زياد يرسل إليه الخيل والرجال حتّى تكامل عنده ثلاثون ألفاً ما بين فارس وراجل (١) ، على رواية الإمام جعفر بن محمّد الصادق (عليه السّلام).

كما أنّ بقية الجيوش الاُمويّة كانت في حالة إنذار واستنفار عام كما يُقال.

٦٣ ـ كتاب ابن زياد إلى عمر بن سعد : (٢)

ثمّ إنّ عبيد الله بن زياد أرسل كتاباً إلى عمر بن سعد جاء فيه : «أمّا بعد ، إنّي لم أجعل لك علّة في كثرة الخيل والرجال ، فانظر لا أصبح ولا أمسي إلاّ وخبرك عندي غدوة وعشية» (٣).

__________________

(١) انظر ، تفصيل ذلك في مقتل الحسين ـ محسن الأمين ص ٩٤ ـ ٩٥ ، ومقتل الحسين ـ عبد الرزاق المقرّم ص ٢٤١ ، تاريخ الطبري ج ٤ ص ٣٠٩.

(٢) مقتل الحسين ـ للإمام كاشف الغطاء ص ١٤.

(٣) مقتل الحسين للسيد الامين ص ٩٥.

١٢٤

وكان يستحثّه لستة أيام مضين من المحرّم سنة ٦١ هجرية.

٦٤ ـ حبيب بن مظاهر الأسدي :

ثمّ إنّ حبيب بن مظاهر الأسدي لمّا رأى كثرة الأعداء وقد أحاطوا بالحسين (عليه السّلام) من كلّ جانب ، جاء إلى الحسين (عليه السّلام) قائلاً : يابن رسول الله ، ها هنا حي من بني أسد بالقرب منّا ، فأذن لي بالمسير إليهم لأدعوهم إلى نصرتك ، فعسى الله أن يدفع عنك. فأذن له الحسين (عليه السّلام) ، فخرج إليهم حبيب في جوف الليل ، وعرّفهم بنفسه ، وقال : «إنّي قد أتيتكم بخير ما أتى به وافد إلى قوم ؛ أتيتكم أدعوكم إلى نصر ابن بنت نبيّكم ، فإنّه في عصابة من المؤمنين ، الرجل منهم خير من ألف رجل ، لن يخذلوه ولن يسلموه أبداً. وهذا عمر بن سعد قد أحاط به ، وأنتم قومي وعشيرتي ، وقد أتيتكم بهذه النصيحة ، فأطيعوني اليوم في نصرته تنالوا بها شرف الدنيا والآخرة ؛ فإنّي أقسم بالله ، لا يُقتل أحد منكم في سبيل الله مع ابن بنت رسول الله صابراً محتسباً إلاّ كان رفيقاً لمحمّد (صلّى الله عليه وآله) في عليّين» (١).

__________________

(١) مقتل الحسين ـ محسن الأمين ص ٩٥.

١٢٥

فقام إليه عبد الله بن بشر وقال : أنا أوّل مَنْ يجيب إلى هذه الدعوة. ثمّ تبادر رجال الحي حتّى أكملوا التسعين ، وأقبلوا إلى الحسين (عليه السّلام). وخرج رجل إلى ابن سعد وأخبره بهم ، فبعث عمر بن سعد أربعمئة فارس مع الأزرق فالتقوا معهم قبل وصولهم إلى الحسين (عليه السّلام) ، فتناوشوا واقتتلوا ، ثمّ انهزموا إلى حيّهم لأنّهم علموا أن لا طاقة لهم بالقوم (١).

فرجع حبيب إلى الحسين وأخبره بخبرهم ، فقال الحسين : «لا حول ولا قوّة إلاّ بالله».

٦٥ ـ التعداد الكمّي للجيش الحسيني :

وأمّا التعداد الكمّي للجيش الحسيني الذي قاتل مع الحسين (عليه السّلام) أعداءه ، فقد اختلف الرواة وأرباب المقاتل في تحديده الكمّي ؛ فقد ذكر الشيخ المفيد في الإرشاد ، وابن الأثير في تاريخه الكامل(٢) وغيرهم ، أنّهم اثنان وثلاثون

__________________

(١) مقتل الحسين ص ٩٦ للامين.

(٢) انظر : الإرشاد ـ الشيخ المفيد ، الكامل ـ ابن الأثير ج ٣ ص ٢٨٦ ، مقتل الحسين ـ عبد الرزاق المقرّم ص ٢٧٥.

١٢٦

فارساً ، وأربعون راجلاً ، وبعضهم قال بأكثر من هذا العدد ، وآخرون قالوا بأقل.

ولكنّي قمت بعملية جرد لإحصاء جميع أسماء أصحاب الحسين (عليه السّلام) وأهل بيته الذين حاربوا معه في يوم العاشر من محرّم ، وقد ذكرهم بأسمائهم المرحوم الشيخ محمّد السماوي (١) ، فكان عددهم لا يتجاوز المئة وعشرة أنفار ؛ راجلاً وفارساً. وسنذكر أسماءهم جميعاً في القسم الثاني من كتابنا (٢).

وهم على طائفتين :

١ ـ من بني هاشم وعددهم ستة عشر (١٦) نفراً.

٢ ـ من الأنصار ، وهم من مختلف القبائل والأجناس ، وعددهم أربعة وتسعون (٩٤) نفراً.

ثمّ إنّ الحسين (عليه السّلام) صفّ رجاله وفرسانه إلى جبهات ثلاث : جبهة الميمنة : وعليها زهير بن القين ومعه

__________________

(١) انظر التفصيل مع الترجمة في كتابه إبصار العين في أنصار الحسين.

(٢) الوثائق الرسميّة لنتائج ثورة الحسين لم يطبع.

١٢٧

عشرون رجلاً. جبهة الميسرة : وعليها حبيب بن مظاهر ، وقيل : هلال بن نافع البجلي ، ومعه عشرون فارساً. جبهة القلب : ووقف فيه هو (عليه السّلام) وأهل بيته وبقيّة أصحابه ، وأعطى رايته بيد أخيه أبي الفضل العباس (عليه السّلام) (١).

٦٦ ـ كتاب ابن زياد إلى عمر بن سعد :

ثمّ إنّ عبيد الله بن زياد أخذ يرسل الكتاب تلو الكتاب والرسل يحثّ عمر بن سعد على مقاتلة الحسين (عليه السّلام) ، فبعث إليه كتابا آخر جاء فيه :

«أمّا بعد ، فحل بين الحسين وأصحابه وبين الماء ، ولا يذوقوا منه قطرة كما صُنع بالتقي الزكي المظلوم أمير المؤمنين عثمان بن عفان» (٢).

ولما وصل الكتاب الى عمر بن سعد أمر عمرو ابن الحجاج ومعه خمسمائة فارس. فنزلوا على

__________________

(١) مقتل أبي مخنف ص ٦٣ ، مقتل الحسين ـ للمقرّم ص ٢٧٥ ، الطبري ج ٤ ص ٣٢٠.

(٢) تاريخ الطبري ج ٤ ص ٣١١.

١٢٨

الشريعة وحالوا بين الحسين وأصحابه وبين الماء ولم يسقوا منه قطرة ، وذلك في اليوم السابع من محرّم.(١)

نذالة عبد الله بن أبي الحصين الأزدي :

ثمّ إنّ عبد الله بن أبي الحصين الأزدي نادى في لؤم وخسة نفس ، وخبث سريرة : يا حسين ، أما تنظر إلى الماء كأنّه كبد السماء ، والله لا تذوق منه قطرة حتّى تموت عطشاً.

فتأثّر الحسين (عليه السّلام) من كلامه وقال : «اللّهمّ اقتله عطشاً ، ولا تغفر له أبداً». فمرض فجُعل يُسقى ماء فلا يرتوي حتّى مات على هذا الحال عطشاً (٢).

وفي رواية الطبري : وبعد دعاء الحسين عليه قال حميد بن مسلم : والله لعُدته بعد ذلك في مرضه ، فوالله الذي لا إله إلاّ هو ، لقد رأيته يشرب حتّى بغِر ، ثمّ يقيء ، ثمّ يعود فيشرب حتّى يبغر فما يروى. فما زال ذلك دأبه حتّى لفظ غُصته ، يعني نفسه.

ولمّا اشتدّ العطش بالحسين (عليه السّلام) ومَنْ معه ، دعا أخاه العباس (عليه السّلام) فبعثه في ثلاثين فارساً وعشرين راجلاً معهم القرب ، فجاؤوا إلى النهر وملؤوا القرب بالماء ، وجاؤوا بها إلى الحسين (عليه السّلام) بعد أن حمل العباس (عليه السّلام) وأصحابه على الموكّلين بالشريعة وأزاحوهم عنها.

__________________

(١) تاريخ الطبري ص ٣١٢ ج ٤.

(٢) الكامل في التاريخ ـ ابن الأثير ج ٣ ص ٢٨٣ ، تاريخ الطبري ج ٤ ص ٣١٢.

١٢٩

٦٧ ـ محاورة بين الحسين وعمر بن سعد في كربلاء :

ولمّا تأزّم الموقف وتدهور ، أرسل الحسين (عليه السّلام) عمر بن قرضة الأنصاري إلى عمر بن سعد يستدعيه للقائه ، وقال (عليه السّلام) له : «أن ألقني هذه الليلة بين عسكري وعسكرك». فجاء الحسين وعمر بن سعد وجلسا بين العسكرين (١).

فقال له الحسين : «ويلك يابن سعد! أما تتقي الله الذي إليه معادك؟! أتقاتلني وأنا ابن مَنْ علمت؟! ذر هؤلاء القوم وكن معي ، فإنّه أقرب لك إلى الله».

عمر بن سعد : أخاف أن يهدم داري.

الحسين : «أنا أبنيها لك».

عمر بن سعد : أخاف أن تؤخذ ضيعتي.

الحسين : «اُخلف عليك خيراً منها من مالي بالحجاز».

عمر بن سعد : لي عيال وأخاف عليهم. ثمّ سكت عنه ولم يجبه.

__________________

(١) تاريخ الطبري ج ٤ ص ٣١٢ ، الكامل في التاريخ ـ ابن الأثير ج ٣ ص ٢٨٣ ، مقتل الحسين ـ محسن الأمين ص ١٠٠.

١٣٠

فانصرف عنه الحسين (عليه السّلام) وهو يقول : «ما لك! ذبحك الله على فراشك عاجلاً ، ولا غفر لك يوم حشرك. فوالله إنّي لأرجو أن لا تأكل من برّ العراق إلاّ يسيراً».

فقال عمر بن سعد مستهزئاً : في الشعير كفاية عن البرّ(١).

٦٨ ـ كتاب عمر بن سعد إلى ابن زياد يفتري فيه على الحسين (عليه السّلام) (٢)

وقيل : إنّ عمر بن سعد اجتمع مرّة أخرى مع الحسين (عليه السّلام) ، وأسفر اجتماعهما عن كتاب أرسله عمر بن سعد إلى ابن زياد يفتري فيه على الحسين (عليه السّلام). وذلك ظنّاً منه أن لا يصطدم بقتال مع الحسين (عليه السّلام) مع محافظته على ولاية الرّي. فقد حاول أن يجمع بين الاثنين ؛ عدم التورّط بدم الحسين (عليه السّلام) ، مع التقرّب إلى عبيد الله بن زياد ليؤمّره على الرّي ؛ فلهذا افترى هذه الفرية على الحسين (عليه السّلام) بإرساله هذا الكتاب إلى ابن زياد ، وهذا نصّه.

__________________

(١) الكامل في التاريخ ـ ابن الأثير ج ٣ ص ٢٨٤ ، تاريخ الطبري ج ٤ ص ٣١٣.

١٣١

«أمّا بعد ، فإنّ الله قد أطفأ النائرة ، وجمع الكلمة ، وأصلح أمر الأمّة. هذا حسين قد أعطاني أن يرجع إلى المكان الذي منه أتى ، أو أن نسيّره إلى أيّ ثغر من ثغور المسلمين شئنا فيكون رجلاً من المسلمين ، له ما لهم ، وعليه ما عليهم ، أو أن يأتي يزيد أمير المؤمنين فيضع يده في يده فيرى فيما بينه وبينه رأيه ، وفي هذا لكم رضاً ، وللأمّة صلاح» (١).

وكيف يتفق هذا الكتاب مع (الوثيقة ١٢) للحسين (عليه السّلام) ، عندما قال لوالي يزيد على المدينة ، الوليد بن عتبة بن أبي سفيان.

«أيها الأمير ، إنّا أهل بيت النبوّة ـ إلى أن يقول : ويزيد رجل فاسق ، شارب للخمر ، قاتل النفس المحترمة ، معلن للفسق ، ومثلي لا يبايع مثله» (٢).

ثمّ إنّ خبر هذا الكتاب أشاعه الاُمويّون ، وأرادوا أن يوهموا به الناس أنّ الحسين خشع وخضع ، وحنى رأسه لسلطان يزيد. ليشوهوا بذلك الموقف البطولي

__________________

(١) الكامل ص ٢٨٤ ج ٣.

(٢) الوثيقة الاولى من هذا الكتاب ص ٣٣.

١٣٢

الذي وقفه هو وأصحابه. وقد حرص الاُمويّون وأعوانهم على إخفاء كثير من ملامح ثورة الحسين (عليه السّلام) وملابساتها ، وأذاعوا كثيراً من الأخبار المكذوبة عنها. ليوقفوا عملها التدميري في ملكهم وسلطانهم ، ولكن لم يفلحوا (١).

وقد تصدّى لتكذيب هذا الكتاب أحد أصحاب الحسين (ع) ، وهو : عقبة بن سمعان (٢)كما جاء في تاريخ الطبري. قال : صحبت حسيناً ، فخرجت معه من المدينة إلى مكّة ، ومن مكّة إلى العراق ، ولم اُفارقه حتّى قُتل. وليس من مخاطبته الناس كلمة بالمدينة ولا بمكة ، ولا في الطريق ، ولا بالعراق ، ولا في عسكر ، إلى يوم مقتله (عليه السّلام) إلاّ وقد سمعتها. لا والله ، ما أعطاهم ما يتذاكر الناس وما يزعمون من أن يضع يده في يد يزيد بن معاوية ، ولا أن يسيروه إلى ثغر من ثغور المسلمين ، ولكنّه قال : «دعوني فلأذهب في هذه الأرض العريضة حتّى ننظر ما يصير أمر الناس» (٣).

__________________

(١) ثورة الحسين ـ محمد مهدي شمس الدين ص ١٧٠.

(٢) هو الوحيد الذي نجا من انصار الحسين.

(٣) تاريخ الطبري ج ٤ ص ٣١٣ ، الكامل في التأريخ ـ ابن الأثير ج ٣ ص ٢٨٤.

١٣٣

ولمّا وصل كتاب عمر بن سعد هذا إلى عبيد الله بن زياد فرح به ، وقال : هذا كتاب رجل ناصح ، ومشفق على قومه ، ولكن شمر بن ذي الجوشن فاجأه قائلاً : أترضى منه وقد نزل بأرضك إلى جنبك؟ والله لئن رحل من بلدك ولم يضع يده في يدك ليكوننّ أولى بالقوّة والعزّ ، ولتكوننّ أولى بالضعف والعجز ؛ فلا تعطه هذه المنزلة فإنّها من الوهن ، ولكن لينزل على حكمك هو وأصحابه ؛ فإن عاقبت فأنت ولي العقوبة ، وإن غفرت كان لك. والله بلغني أنّ حسيناً وعمر بن سعد يجلسان ويتحدّثان عامّة الليل (١). فقال له عبيد الله : نِعمَ ما رأيت ، الرأي رأيك.

٦٩ ـ كتاب ابن زياد إلى عمر بن سعد ـ ٤ ـ :

ثمّ كتب كتاباً إلى عمر بن سعد ، شديد اللهجة ، وهذا نصّه :

«أمّا بعد ، فإنّي لم أبعثك إلى حسين لتكفّ عنه ، ولا لتطاوله ، ولا لتمنّيه السلامة والبقاء ، ولا لتقعد

__________________

(١) تاريخ الطبري ج ٤ ص ٣١٤ ، الكامل في التاريخ ـ ابن الأثير ج ٣ ص ٢٨٤.

١٣٤

له عندي شافعاً. انظر ، فإن نزل حسين وأصحابه على الحكم واستسلموا فابعث بهم إليّ سلماً ، وإن أبوا فازحف إليهم حتّى تقتلهم وتمثّل بهم ؛ فإنّهم لذلك مستحقون. فإن قُتل حسين فأوطئ الخيل صدره وظهره ؛ فإنّه عاق شاق قاطع ظلوم ، وليس دهري في هذا أن يضرّ بعد الموت شيئاً ، ولكن عليّ قول لو قد قتلته فعلت هذا به. إن أنت مضيت لأمرنا فيه جزيناك جزاء السامع المطيع ، وإن أنت أبيت فاعتزل عملنا وجندنا ، وخلِّ بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر ؛ فإنّا قد أمرناه بأمرنا ، والسّلام» (١).

وأرسله بيد شمر بن ذي الجوشن ، وأقبل شمر به إلى عمر بن سعد ، ولمّا قرأه قال لشمر : «ويلك! ما لك لا قرّب الله دارك ، وقبّح الله ما قدمت به عليّ. والله إنّي لأظنّك أن ثنيته أن يقبل ما كتبت به إليه ، أفسدت علينا أمراً كنّا رجونا أن يصلح ، لا يستسلم والله الحسين ؛ إنّ نفساً أبية لبين جنبيه» (٢).

__________________

(١) تاريخ الطبري ج ٤ ص ٣١٤.

(٢) المصدر نفسه ص ٣١٥.

١٣٥

فقال له الشمر : ما أنت صانع؟ أتمضي لأمر أميرك وتقتل عدوّه ، وإلاّ فخلِّ بيني وبين الجند والعسكر. فقال عمر بن سعد : لا ، ولا كرامة لك! أنا أتولى ذلك ، وكن أنت على الرجّالة (١).

ثمّ إنّ شمراً أقبل على أصحاب الحسين وقال : أين بنو اُختنا؟ ويعني بهم : العباس وإخوته من اُمّ البنين بنت حزام الكلابية (عليهم السّلام). فخرج إليه العباس وإخوته جعفر وعثمان (عليهم السّلام) وقالوا : ما تريد؟ قال : أنتم يا بني اُختنا آمنون. قال له العباس وإخوته (عليهم السّلام) : لعنك الله ولعن أمانك لئن كنت خالنا! أتؤمننا وابن رسول الله لا أمان له (٢)؟!

٧٠ ـ برير بن خضير يصرخ بالجيش الاُموي :

وعندما ضيقوا الخناق على النهر لكي لا يتسرّب الماء إلى الحسين وأصحابه ولو قطرة ، ونال العطش من الحسين وأهله وأصحابه ، قال برير بن خضير الهمداني للحسين (عليه السّلام) : يابن رسول الله ،

__________________

(١) المصدر نفسه.

(٢) المصدر نفسه.

١٣٦

أتأذن لي أن أخطب بالقوم؟ فأذن (عليه السّلام) له ، فخرج برير (رضوان الله عليه)

ونادى بالجيش الاُموي قائلاً : «يا معشر الناس ، إنّ الله عزّ وجلّ بعث محمّداً (صلّى الله عليه وآله) بالحق بشيراً ونذيراً ، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً. وهذا ماء الفرات تقع فيه خنازير السواد وكلابه ، وقد حيل بينه وبين ابنه».

فأجابوه : يا برير ، قد أكثرت الكلام فاكفف ، والله ليعطش الحسين كما عطش مَنْ كان قبله (١).

٧١ ـ الحسين (عليه السّلام) يناشد الجيش الاُموي في كربلاء :

ولمّا سمع الحسين (عليه السّلام) جواب القوم إلى برير ، ورأى عنادهم وإصرارهم على الغي والضلال ، أراد أن يثير عاطفتهم الدينية علّهم يرجعون إلى صوابهم ورشدهم ، فقال لبرير : «اقعد». وقام متكئاً على سيفه ، وخاطبهم مناشداً إيّاهم بأسلوب عاطفي مثير ، قائلاً :

«اُنشدكم الله هل تعرفوني؟».

__________________

(١) مقتل الحسين ـ محسن الأمين ص ٩٨.

١٣٧

قالوا : نعم ، أنت ابن رسول الله وسبطه.

الحسين (عليه السّلام) : «اُنشدكم الله ، هل تعلمون أنّ جدّي رسول الله؟».

الجيش الاُموي : اللّهم نعم.

الحسين (عليه السّلام) : «اُنشدكم الله ، هل تعلمون أنّ اُمّي فاطمة بنت محمّد (صلّى الله عليه وآله)؟».

الجيش الاُموي : اللّهم نعم.

الحسين (عليه السّلام) : «اُنشدكم الله ، هل تعلمون أنّ أبي علي بن أبي طالب (عليه السّلام)؟».

الجيش الاُموي : اللّهم نعم.

الحسين (عليه السّلام) : «اُنشدكم الله ، هل تعلمون أنّ جدّتي خديجة بنت خويلد أوّل نساء هذه الأمّة إسلاماً؟».

الجيش الاُموي : اللّهم نعم.

١٣٨

الحسين (عليه السّلام) : «اُنشدكم الله ، هل تعلمون أنّ سيّد الشهداء حمزة عمّ أبي؟».

الجيش الاُموي : اللّهم نعم.

الحسين (عليه السّلام) : «اُنشدكم الله ، هل تعلمون أنّ جعفر الطيار في الجنّة عمّي؟».

الجيش الاُموي : اللّهم نعم.

الحسين (عليه السّلام) : «اُنشدكم الله ، هل تعلمون أنّ هذا سيف رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنا متقلّده؟».

الجيش الاُموي : اللّهم نعم.

الحسين (عليه السّلام) : «اُنشدكم الله ، هل تعلمون أنّ هذه عمامة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنا لابسها؟».

الجيش الاُموي : اللّهم نعم.

الحسين (عليه السّلام) : «اُنشدكم الله ، هل تعلمون أنّ علياً كان أوّل القوم إسلاماً ، وأعلمهم علماً ، وأعظمهم حلماً ، وأنّه ولي كلّ مؤمن ومؤمنة؟».

الجيش الاُموي : اللّهم نعم.

الحسين (عليه السّلام) : «فبِمَ تستحلّون دمي وأبي الذائد عن الحوض يذود عنه رجالاً كما يُذاد البعير الصاد عن الماء ، ولواء الحمد في يد أبي يوم القيامة؟!».

الجيش الاُموي : قد علمنا ذلك كلّه ، ونحن غير تاركيك حتّى تذوق الموت عطشاً (١).

٧٣ ـ الجيش الاُموي يزحف لقتال الحسين (عليه السّلام) :

شعر عمر بن سعد أنّ الجو غير صاف له بعد

__________________

(١) المجالس الفاخرة ـ شرف الدين ص ٩٩ ، مقتل الحسين ـ محسن الأمين ص ٩٩.

١٣٩

أن وصله كتاب ابن زياد بيد شمر بن ذي الجوشن ، وكان فيه شيء من التلميح بعزله وتخلّيه عن قيادة الجيش كمّا ورد في بعض فقرات الكتاب : «وإن أنت أبيت فاعتزل عملنا وجندنا ، وخلِّ بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر» (١). فخشى أن تفوته الفرصة وتذهب منه قيادة الجيش ، ويُحرم من عهد ولاية الرّي ، فلهذا نراه أخيراً أخذ يتحمّس كثيراً لقتال الحسين (عليه السّلام). بينما الحسين (عليه السّلام) جالس عصر يوم التاسع من محرّم بعد صلاة العصر أمام خبائه ، ومحتبياً بسيفه وقد وضع رأسه بين ركبتيه ، وإذا بعمر بن سعد ينادي : يا خيل الله اركبي وابشري. وركب الناس معه وزحفوا نحو خيام الحسين (عليه السّلام) (٢).

٧٤ ـ زينب (عليها السّلام) توقظ الحسين (عليه السّلام)

وبينما الحسين (عليه السّلام) واضع رأسه بين ركبتيه ، سمعت الحوراء زينب بنت علي وأخت الحسين الصيحة وضجّة الخيل ، فدنت من أخيها وقالت : يا أخي ، أما

__________________

(١) انظر الوثيقة (٨٠) من هذا الكتاب.

(٢) تاريخ الطبري ج ٤ ص ٣١٥.

١٤٠