الوثائق الرسميّة لثورة الإمام الحسين

عبد الكريم الحسيني القزويني

الوثائق الرسميّة لثورة الإمام الحسين

المؤلف:

عبد الكريم الحسيني القزويني


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مكتبة الشهيد الصدر
المطبعة: نمونه
الطبعة: ٣
الصفحات: ٢٦٤

عنكم ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته» (١).

٤٧ ـ الحسين (عليه السّلام) يستشهد بأبيات :

ثمّ سار الحسين (عليه السّلام) والحرّ يسايره أيضاً ، وهو يشدّد ويضيّق الخناق عليه في سيره ، ثمّ قال للحسين : إنّي أذكرك الله في نفسك ؛ فإنّي أشهد لئن قاتلت لتُقتلن ، ولئن قوتلت لتهلكن فيما أرى. فقال له الحسين (عليه السّلام) : «أفبالموت تخوّفني؟ وهل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني؟! ما أدري ما أقول لك ، ولكن أقول كما قال أخو الأوس لابن عمّه عندما أراد نصرة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، فقال : تذهب فإنّك مقتول. فقال :

سأمضي وما بالموتِ عارٌ على الفتى

إذا ما نوى حقّاًً وجاهدَ مسلما

وآسى رجالَ الصالحينَ بنفسه

وفارقَ مثبوراًً وودّعَ مجرما

اُقدّم نفسي لا اُريدُ بقاءها

لتلقى خميساً في الوغى وعرمرما

__________________

(١) الكامل في التاريخ ج ٣ ص ٢٨٠ ، تاريخ الطبري ج ٤ ص ٣٠٤.

١٠١

فإن عشتُ لم أندم وإن متّ لم أُلمْ

كفى بكَ ذلاً أن تعيش وترغما»(١)

فلمّا سمع الحرّ ذلك من الحسين (عليه السّلام) تنحّى عنه ، فصار يسير في ناحية والحرّ يسير في ناحية اُخرى.

في منطقة عذيب الهجانات(٢) :

وبينما هما على هذا الحال يسيران حتّى انتهيا إلى منطقة عذيب الهجانات ، وإذا بأربعة أنفار جاؤوا لنصرة الحسين (عليه السّلام) ، وهم : نافع بن هلال الجملي ، والطرماح بن عدي ، ومجمع بن عبد الله العائذي ، وعمرو بن خالد الصيداوي ، فمنعهم الحرّ وأراد حبسهم ، فقال الحسين (عليه السّلام) : «هؤلاء أنصاري وأعواني ، لأمنعنّهم ممّا أمنع منه نفسي ، فهم أصحابي ، وهم بمنزلة مَنْ جاء معي. وقد كنتَ أعطيتني أن لا تعرض لي بشيء حتّى يأتيك كتاب من ابن زياد ،

__________________

(١) تاريخ الطبري ج ٤ ص ٣٠٥ ، مقتل الحسين ـ محسن الأمين ص ٨٤ ، الكامل في التاريخ ـ ابن الأثير ج ٤ ص ٢٨٠.

(٢) العذيب : كان النعمان بن المنذر يضع فيه هجينه لترعى.

١٠٢

فإن تمّمت عليّ ما كان بيني وبينك وإلاّ ناجزتك» (١). فخلى الحرّ سبيلهم وكفّ عنهم. فسألهم الحسين (عليه السّلام) عن الناس وما وراءهم ، فقال له مجمع بن عبد الله العائذي : أمّا أشراف الناس فقد اُعظمت رشوتهم ، وملئت غرائزهم ، ويُستمال ودّهم ، ويُستخلص به نصيحتهم ، فهم ألب واحد عليك ؛ وأمّا سائر الناس بعد ، فإنّ أفئدتهم تهوي إليك ، وسيوفهم غداً مشهورة عليك (٢).

مقتل رسول الحسين (عليه السّلام) :

ثمّ اُخبر بمقتل رسوله قيس بن مسهر الصيداوي ، فترقرقت عينا الحسين ولم يملك دمعه ، وقال : «فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً» (٣).

ثمّ إنّ الطرماح بن عدي ناشد الحسين (عليه السّلام) أن يذهب معه إلى قومه (طي) وينزل بين أجا وسلمى ، وهما جبلان بطي ، وتكفّل له بعشرين ألف طائي يضربون بين يديه بأسيافهم. فجزاه الحسين (عليه السّلام) وقومه خيراً ،

__________________

(١ و ٢) الطبري ص ٣٠٣ ج ٤

(٣) انظر رسول الحسين مع عبيد الله بن زياد في هذا الكتاب.

١٠٣

القوم قولاً لا نقدر معه على الانصراف ، فإن يدفع الله عنّا فقديماً ما أنعم علينا وكفى ، وإن يكن ما لا بدّ منه ففوز وشهادة إن شاء الله» (١).

الطرماح يحدو بالركب الحسيني :

ثمّ قال الحسين (عليه السّلام) لأصحابه : «هل فيكم مَنْ يعرف الطريق على غير الجادة؟».

فأجابه الطرماح بن عدي : أنا يابن رسول الله. فقال الحسين : «سر بين أيدينا». فسار الطرماح أمامه وهو يرتجز :

يا ناقتي لا تذعري من زجرِ

وامضِ بنا قبلَ طلوع الفجرِ

بخيرِ فتيانٍ وخيرِ سفرِ

آلِ رسولِ اللهِ آلِ الفخرِ

إلى أن يقول :

أيّد حسيناً سيدي بالنصرِ

على الطغاةِ من بقايا الكفرِ(٢)

على اللعينينِ سليلي صخرِ

يزيدَ لا زال حليف الخمرِ

وابنِ زياد العهر وابن العهرِ

__________________

(١) مقتل الحسين ـ محسن الأمين ص ٨٥.

(٢) مقتل الحسين ـ محسن الأمين ص ٨٦.

١٠٤

في قصر بني مقاتل :

ولم يزل الحسين (عليه السّلام) سائراً حتّى انتهى إلى قصر بني مقاتل فنزل ورأى فسطاطاً مضروباً فسأل عنه ، فقيل : لعبيد الله بن الحرّ الجعفي ، وهو من شجعان الكوفة. فأرسل الحسين خلفه فاسترجع وقال : والله ما خرجت من الكوفة إلاّ كراهية أن يدخلها الحسين وأنا بها. فجاءه الحسين ودعاه إلى نصرته فاستعفاه ، فقال الحسين : «فو الله لا يسمع واعيتنا أحد ثمّ لا ينصرنا إلاّ هلك». ثمّ إنّ عبيد الله الجعفي قال للحسين : خذ فرسي هذه فإنّها من جياد الخيل. فأعرض الحسين بوجهه عنه ، وقال : «لا حاجة لنا فيك ولا في فرسك» (١) ، ثمّ تلا قوله تعالى : «وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً».

٤٨ ـ الحسين (عليه السّلام) وابنه علي الأكبر :

ولمّا كان الليل أمر الحسين (عليه السّلام) التزود بالماء والرحيل ، وبينما هم سائرون إذ خفق الحسين خفقة وهو على ظهر جواده ، فانتبه قائلاً : «إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، والحمد لله ربّ العالمين» مردداً ذلك ثلاثاً.

١٠٥

علي الأكبر (عليه السّلام) : يا أبتِ جُعلت فداك! ممّ حمدت الله واسترجعت؟

الحسين (عليه السّلام) : «يا بني ، إنّي خفقت برأسي خفقة ، فعنّ لي فارس على فرس فقال : القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم ، فعلمت أنّها أنفسنا نُعيت إلينا».

علي الأكبر (عليه السّلام) : يا أبتِ لا أراك الله سوءاً ، ألسنا على الحقّ؟

الحسين (عليه السّلام) : «بلى والذي إليه مرجع العباد».

علي الأكبر (عليه السّلام) : يا أبتِ ، إذاً لا نبالي نموت محقّين. الحسين (عليه السّلام) : «جزاك الله من ولد خير ما جزى ولداً عن والده» (١).

٤٩ ـ كتاب ابن زياد إلى الحرّ :

ثمّ سار (عليه السّلام) ، ولمّا أصبح نزل وصلّى الغداة ، ثمّ عجّل بالسير ، وأخذ يتياسر والحرّ يمانعه ، وإذا برسول عبيد الله بن زياد يسلّم على الحرّ ويدفع إليه بكتاب عبيد الله بن زياد ، وهذا نصّه : «أمّا بعد ، فجعجع بالحسين حين يبلغك كتابي ، ويقدم عليك رسولي ،

__________________

(١) تاريخ الطبري ج ٤ ص ٣٠٨ ، الكامل في التاريخ ـ ابن الأثير ج ٣ ص ٢٨٢.

١٠٦

فلا تنزله إلاّ بالعراء ، في غير حصن وعلى غير ماء. وقد أمرت رسولي أن يلزمك ولا يفارقك حتّى يأتيني بإنفاذك أمري ، والسّلام» (١).

فعندها قال الحرّ للحسين (عليه السّلام) وأصحابه : هذا كتاب عبيد الله يأمرني فيه أن اُجعجع بكم في المكان الذي يصل كتابه إليّ ، وهذا رسوله لا يفارقني حتّى أنفذ أمره. فقال المهاصر أبو الشعثاء الكندي ـ أحد أصحاب الحسين (عليه السّلام) ـ إلى رسول عبيد الله بن زياد : أمالك بن النسير البدي؟ قال : نعم. فقال أبو الشعثاء : ماذا جئت فيه؟

قال رسول عبيد الله : وما جئت فيه! أطعت إمامي ، ووفيت ببيعتي. فقال له أبو الشعثاء : عصيت ربّك ، وأطعت إمامك في هلاك نفسك ، كسبت العار والنار. قال الله عزّ وجلّ : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ) فهو إمامك (٢).

__________________

(١) تاريخ الطبري ج ٤ ص ٣٠٨ ، الكامل في التاريخ ج ٣ ص ٢٨٢.

(٢) تاريخ الطبري ج ٤ ص ٣٠٨.

١٠٧

٥٠ ـ الحسين (عليه السّلام) وكربلاء(١) :

وكلّما أراد الحسين (عليه السّلام) أن يسير بركبه ، الحرّ وأصحابه يمنعونه ويحولون دونه ، فترافعا ، فقال له الحسين (عليه السّلام) : «ألم تأمرنا بالعدول عن الطريق؟». قال : بلى ، ولكن كتاب الأمير عبيد الله أمرني بالتضييق عليك ، وجعل عليّ عيناً. فقال زهير بن القين للحسين (عليه السّلام) : إنّي والله لا أرى أن يكون بعد الذي ترون إلاّ أشدّ يابن رسول الله ، وإنّ قتال هؤلاء الساعة أهون علينا من قتال مَنْ يأتينا بعدهم. فأجابه الحسين (عليه السّلام) : «ما كنت لأبدأهم بالقتال» فقال زهير :

فسر بنا يابن رسول الله حتّى ننزل كربلاء (٢) ؛ فإنّها على شاطئ الفرات فنكون هناك ، فإن قاتلونا قاتلناهم واستعنا الله عليهم.

فقال الحسين (عليه السّلام) : «اللّهمّ إنّي أعوذ بك من الكرب والبلاء». ثمّ سار والحرّ يضيّق ويشدّد الخناق على سير الحسين (عليه السّلام) حتّى وصل كربلاء يوم الخميس

__________________

(١) كربلاء : تحوير لكلمة : (كرب إيلا) أي معبد الإله ، وهو المعبد الكبير في تلك الأرض قديماً قبل الإسلام.

١٠٨

، وهو اليوم الثاني من محرّم سنة ٦١ هـ ، وقال : «أهذه كربلاء؟». قالوا : نعم يابن رسول الله. قال (عليه السّلام) : «هذا موضع كرب وبلا ، انزلوا ، ها هنا مناخ ركبانا ، ومحطّ رحالنا ، ومقتل رجالنا ، ومسفك دمائنا» (١).

فنزلوا جميعاً في جانب ، ونزل الحرّ وأصحابه في جانب آخر.

__________________

(١) تاريخ الطبري ج ٤ ص ٣٠٩.

١٠٩

١١٠

٥٢ ـ خطبة الحسين (عليه السّلام) في كربلاء :

وهي أوّل خطبة للحسين (عليه السّلام) في مدينة كربلاء بعد وصوله إليها.

فإنّه (عليه السّلام) أقبل على أصحابه ليرى رأيهم ، وما هي عليه ضمائرهم ، فقال (عليه السّلام) :

«الناس عبيد الدنيا ، والدين لعق على ألسنتهم ، يحوطونه ما درّت معائشهم ، فإذا محّصوا بالبلاء قلّ الديّانون» (١).

ثمّ حمد الله وأثنى عليه ، وصلّى على النبي وآله ، وقال : «أمّا بعد ، فقد نزل بنا من الأمر ما قد ترون ، ألا وإن الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت ، وأدبر معروفها ، ولم يبقَ منها إلاّ صبابة (٢) كصبابة الإناء ، وخسيس (٣) عيش كالمرعى الوبيل (٤).

ألا ترون إلى الحقّ لا يُعمل به ، وإلى الباطل لا يُتناهى عنه؟ ليرغب المؤمن في لقاء الله محقّاً ؛ فإنّي

__________________

(١) مقتل الحسين ـ محسن الأمين ص ٩٠.

(٢) الصبابة : البقية من الماء ونحوه في الإناء.

(٣) الخسيس : الحقير.

(٤) الوبيل : الوخيم. والمرعى الوبيل : المرعى الوخيم.

١١١

لا أرى الموت إلاّ سعادة ، والحياة مع الظالمين إلاّ برماً (١)» (٢).

٥٣ ـ الحسين (عليه السّلام) وأصحابه :

وعندما انتهى الحسين (عليه السّلام) من خطبته التفّ حوله أصحابه ، والفدائيون عنه.

فقال زهير بن القين (رضوان الله عليه) : «قد سمعنا هداك الله يابن رسول الله مقالتك ، والله لو كانت الدنيا باقية ، وكنّا فيها مخلدين ، إلاّ أنّ فراقها في نصرك ومواساتك لآثرنا الخروج معك على الإقامة فيها» (٣).

وتكلّم برير بن خضير (رحمه الله) : «والله يابن رسول الله ، لقد منّ الله بك علينا أن نقاتل بين يديك ، وتُقطّع فيك أعضاؤنا ، ثمّ يكون جدّك شفيعنا يوم القيامة» (٤).

وقام نافع بن هلال (رضوان الله عليه) ، وقال :

__________________

(١) البرم : السأم والضجر.

(٢) تاريخ الطبري ج ٤ ص ٣٠٥ ، مقتل الحسين ـ محسن الأمين ص ٩٠.

(٣) المصدر نفسه.

(٤) المصدر نفسه.

١١٢

«سر بنا راشداً معافى ، مشرقاً إن شئت أو مغرباً ، فوالله ما أشفقنا من قدر الله ، ولا كرهنا لقاء ربّنا ، وإنّا على نيّاتنا وبصائرنا ، نوالي مَنْ والاك ، ونعادي مَنْ عاداك» (١).

فدعا الحسين (عليه السّلام) لهم خيراً ، ثمّ نظر إلى أهل بيته وإخوته وبني عمومته ، وقال :

«اللّهمّ إنّا عترة نبيّك محمد (صلّى الله عليه وآله) ، وقد اُزعجنا وطُردنا ، واُخرجنا عن حرم جدّنا ، وتعدّت بنو اُميّة علينا ، اللّهمّ فخذ لنا بحقّنا ، وانصرنا على القوم الظالمين» (٢).

٥٤ ـ كتاب الحرّ إلى ابن زياد :

ولمّا استقر المكان بالحسين (عليه السّلام) وركبه الثائر ، كتب الحرّ بن يزيد التميمي قائد الكتيبة الأولى إلى عبيد الله بن زياد يخبره بقدوم الحسين (عليه السّلام) ، ونزوله بعرصات كربلاء.

٥٥ ـ كتاب ابن زياد إلى الحسين (عليه السّلام) :

ولمّا وصل كتاب الحرّ إلى عبيد الله بن زياد ،

__________________

(١) ثورة الحسين ـ محمد مهدي شمس الدين ص ١٩٣.

(٢) مقتل الحسين ـ محسن الأمين ص ٩٢.

١١٣

وجّه كتاباً إلى الحسين (عليه السّلام) جاء فيه :

«أمّا بعد ، فلقد بلغني يا حسين نزولك بكربلاء ، وقد كتب إليّ أمير المؤمنين يزيد بن معاوية أن لا أتوسّد الوثير ، ولا أشبع من الخمير ، أو ألحقك باللطيف الخبير ، أو أن ترجع إلى حكمي ، وحكم يزيد ، والسلام» (١).

ولمّا وصل الكتاب إلى الحسين (عليه السّلام) وقرأه ألقاه من يده ، وقال : «لا أفلح قوم اشتروا مرضاة المخلوق بسخط الخالق». فقال الرسول : الجواب يا أبا عبد الله. فقال (عليه السّلام) : «ما له عندي جواب لأنّه قد حقّت عليه كلمة العذاب» (٢).

فرجع الرسول إلى عبيد الله وأخبره بما قال الحسين (عليه السّلام) عنه ، فازداد غضباً وحقداً.

٥٦ ـ خروج عمر بن سعد وبإمرته أربعة آلاف فارس لحرب الحسين (عليه السّلام) :

ثمّ إنّ ابن زياد جمع الرجال والكتائب لحرب

__________________

(١) مقتل الحسين ـ عبد الرزاق المقرّم ص ٢٣٦.

(٢) مقتل الحسين ـ محسن الأمين ص ٩٢.

١١٤

الحسين (عليه السّلام) ، وبعث خلف عمر بن سعد بن أبي وقاص وكان قد كتب له عهداً على الري ، ولمّا كان من أمر الحسين (عليه السّلام) ، قال له عبيد الله : سرّ إلى الحسين ، فإذا فرغنا منه ، رجعت إلى عملك. فقال له عمر بن سعد : إن رأيت أن تعفيني. فقال عبيد الله : نعم ، على أن تردّ عهدنا.

فقال عمر بن سعد : أمهلني اليوم حتّى أنظر. وانصرف يستشير نصحاءه ، فنهوه عن الخروج إلى حرب الحسين (عليه السّلام). وجاء إليه ابن اُخته حمزة بن المغيرة بن شعبة ، فقال : «اُنشدك الله يا خال أن تسير إلى الحسين فتأثم بربّك ، وتقطع رحمك ، فوالله لئن تخرج من دنياك ومالك وسلطان الأرض كلّها لو كان لك ، خير لك من أن تلقى الله بدم الحسين».

فقال له عمر بن سعد : فإنّي أفعل إن شاء الله (١).

وبات ليلته قلقاً مضطرباً لأنّ نفسه في صراع بين الدنيا وقتل الحسين ، وسُمع يقول :

فوالله ما أدري وإنّي لحائرٌ

اُفكّر في أمري على خطرينِ

أأترك ملك الرّي والرّي منيتي

أم أرجع مأثوماً بقتلِ حسينِ

__________________

(١) تاريخ الطبري ٤ ص ٣١٠.

١١٥

وفي قتلهِ النار التي ليس دونها

حجابٌ وملكُ الرّي قرّة عيني (١)

فجاء إلى عبيد الله وقال له : إنّك ولّيتني الرّي ، وتسامع الناس به ، فإن رأيت أن تنفذ لي ذلك فافعل ، وابعث إلى الحسين من أشراف الكوفة مَنْ لست بأغنى ولا أجزأ عنك في الحرب. وسمّى له أشخاصاً ، فقال له ابن زياد : لا تعلّمني بأشراف الكوفة ، [ولست أستأمرك فيمن اُريد أن أبعث ، إن سرت بجندنا] وإلاّ فابعث إلينا بعهدنا. فلمّا رآه قد أصرّ على رأيه قال : إنّي سائر (٢).

فسار إلى الحسين (عليه السّلام) ومعه أربعة آلاف فارس حتّى نزل كربلاء في اليوم الثالث من محرّم سنة ٦١ هـ (٣).

٥٧ ـ رسول عمر بن سعد إلى الحسين (عليه السّلام) :

ثمّ طلب من عزرة بن قيس الأحمسي ، وكان من جيشه ، أن يذهب إلى الحسين (عليه السّلام) ويسأله عمّا جاء به ، وماذا يريد؟ فاستحى من أن يأتيه لأنّه ممّن كاتبوا الحسين (عليه السّلام) بالمجيء. ثمّ طلب أيضاً من الرؤساء أن يذهبوا إلى الحسين (عليه السّلام) ويسألوه عن مقدمه ، فأبوا

__________________

(١) الكامل في التاريخ ـ ابن الأثير ج ٣ ص ٢٨٣ ، مقتل أبي مخنف ص ٥١.

(٢ و ٣) تاريخ الطبري ج ٤ ص ٣١٠.

١١٦

وكرهوا لأنّهم أيضاً ممّن كاتبوه (١) بالتوجّه إليهم. فقال لقرة بن قيس الحنظلي : ويحك! القَ حسيناً واسأله ما جاء به ، وماذا يريد؟ فجاء إلى الحسين (عليه السّلام) وسلّم عليه ، وأبلغه رسالة عمر بن سعد ، فقال الحسين (عليه السّلام) : «كتب إليّ أهل مصركم هذا أن اقدم ؛ فأمّا إذ كرهوني فأنا أنصرف عنهم» (٢).

ثمّ قال حبيب بن مظاهر : ويحك يا قرة بن قيس! أنّى ترجع إلى القوم الظالمين! انصر هذا الرجل الذي بآبائه أيّدك الله بالكرامة وإيّانا معك. فقال له قرة : أرجع إلى صاحبي بجواب رسالته ، وأرى رأيي (٣).

فانصرف إلى عمر بن سعد وأخبره بما قال الحسين (عليه السّلام) ، فقال عمر بن سعد : إني لأرجو أن يعافيني الله من حربه وقتاله.

٥٨ ـ كتاب عمر بن سعد إلى ابن زياد(٤) :

ثمّ إنّ عمر بن سعد كتب كتاباً إلى عبيد الله بن

__________________

(١) تاريخ الطبري ص ٣١٠.

(٢ و ٣ و ٤) تاريخ الطبري ص ٣١٠ ج ٤.

١١٧

زياد ، جاء فيه :

«بسم الله الرحمن الرحيم. أمّا بعد ، فإنّي حيث نزلت بالحسين بعثت إليه رسولي ، فسألته عمّا أقدمه ، وماذا يطلب ويسأل ، فقال : كتب إليّ أهل هذا البلاد وأتتني رسلهم ، فسألوني القدوم ففعلت ؛ فأمّا إذ كرهوني ، وبدا لهم غير ما أتتني به رسلهم ، فأنا منصرف عنهم» (١).

فلمّا قُرئ الكتاب على ابن زياد ، استشهد بهذا البيت :

الآن إذ علقت مخالبنا به

يرجو النجاةَ ولاتَ حين مناصِ(٢)

٥٩ ـ كتاب ابن زياد إلى عمر بن سعد :

ثمّ إنّ ابن زياد كتب إلى عمر بن سعد ردّاً على كتابه ، وهذا نصّه :

«بسم الله الرحمن الرحيم. أمّا بعد ، فقد بلغني كتابك ، وفهمت ما ذكرت ، فاعرض على الحسين أن

__________________

(١) تاريخ الطبري ص ٣١١ ج ٤.

(٢ و ٣) تاريخ الطبري ص ٣١١ ج ٤.

١١٨

يبايع ليزيد بن معاوية هو وجميع أصحابه ، فإذا فعل ذلك رأيْنا رأيَنا ، والسّلام» (١).

فلمّا قرأ عمر بن سعد الكتاب قال : قد حسبت أن لا يقبل ابن زياد العافية.

٦٠ ـ ابن زياد يمني الناس بالخروج لحرب الحسين (عليه السّلام) :

ثمّ إنّ ابن زياد أخذ الناس بالشدّة ، فكان يقتل على الظنّة والتهمة ، فهابه الناس وصاروا لأمره مطيعين ومنقادين ، فجمعهم في مسجد الكوفة ليمنّيهم بالمال ويغريهم به ، فقام فيهم خطيباً وقال : «أيها الناس ، إنّكم بلوتم آل أبي سفيان فوجدتموهم كما تحبّون ، وهذا أمير المؤمنين يزيد قد عرفتموه ، حسن السيرة ، محمود الطريقة ، محسناً إلى الرعية ، يُعطي العطاء في حقّه ، وقد أمنت السبل على عهده ، وكذلك كان أبوه معاوية في عصره ، وهذا ابنه يزيد يُكرم العباد ، ويُغنيهم بالأموال ، وقد زادكم في أرزاقكم مئة مئة ، وأمرني أن أوفرها عليكم ،

__________________

(١) تاريخ الطبري ج ٤ ص ٣١١.

١١٩

وأخرجكم إلى حرب عدوّه الحسين ، فاسمعوا له وأطيعوا» (١).

٦١ ـ القوات الاُمويّة تزحف إلى كربلاء :

ثمّ إنّ عبيد الله بن زياد أخذ يرسل الكتيبة تلو الكتيبة ، والفوج تلو الفوج إلى عمر بن سعد ، ويحثّ الناس على الخروج لحرب الحسين ، وزاد في عطائهم مئة مئة (٢).

ثمّ نودي في شوارع وسكك وأزقة الكوفة : «ألا برئت الذمّة ممّن وجد في الكوفة ولم يخرج لحرب الحسين». واُدخل رجل على ابن زياد ، فسأله : من أين الرجل؟ فقال : إنّي رجل من أهل الشام ، جئت لدَين لي في ذمّة رجل من أهل العراق.

فقال ابن زياد : اقتلوه ؛ ففي قتله تأديب لمَنْ لم يخرج بعد. فقُتل (٣).

__________________

(١) مقتل الحسين ـ عبد الرزاق المقرّم ص ٢٣٩.

(٢) ثورة الإمام الحسين ـ عبد الهادي الفضلي ص ١٦ ، وانظر الوثيقة (٧١) من هذا الكتاب.

(٣) إبصار العين ي أنصار الحسين ـ محمد السماوي ص ١٠.

١٢٠