فرسان الهيجاء في تراجم أصحاب سيّد الشهداء عليه السلام - ج ١

الشيخ ذبيح الله المحلاتي

فرسان الهيجاء في تراجم أصحاب سيّد الشهداء عليه السلام - ج ١

المؤلف:

الشيخ ذبيح الله المحلاتي


المحقق: محمّد شعاع فاخر
الموضوع : التراجم
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدريّة
المطبعة: شريعت
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-503-145-7
ISBN الدورة:
978-964-503-144-0

الصفحات: ٤٩٥
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

فلمّا سمع ابن زياد ذلك منه غلت الدماء في شرايينه لشدّة غضبه وانتفخت أوداجه ، فقام إليه الشُّرط والجلاوزة والأعوان وحُرّاس ابن زياد ليقبضوا على ابن عفيف فنادى بشعار الأزد فانتدب إليه أشراف من قبيلته من ورائه فخلّصوه من أيديهم وأخرجوه من باب المسجد وأوصلوه إلى منزله فأمر ابن زياد بالقبض عليه قائلاً : أسرعوا إلى هذا الأعمى وأتوني به ، أعمى الله قلبه كما أعمى عينيه ، فقام جلاوزته إليه ، فلمّا سمع الأزد بذلك ثاروا للدفاع عنه ولحق بهم أحلافهم من أهل اليمن ولم تكن بالجلاوزة قوّة على القتال ، ونمى الخبر إلى ابن زياد فطلب محمّداً بن الأشعث وأمّره على جماعة من رجال مضر وأذن له بالحرب والقتال حتّى القبض على ابن العفيف.

__________________

= وقد زالت الأطواد من عظم قتله

وأضحى له * سامي الشناخيب هاويا

* [ صمّ ].

وقد كسف * شمس الضحى لمصابه

وأضحت له الآفاق جهراً بواكيا

* (كسفت).

فيا أُمّة ضلّت عن الحقّ والهدى

أنيبوا قال فإنّ الله في الحكم عاليا

وتوبوا إلى التوّاب من سوء فعلكم

وإن لم تتوبوا تدركون المخازيا

وكونوا ضراباً بالسيوف وبالقنا

تفوزوا كما فاز الذي كان ساعيا

وإخواننا كانوا إذا الليل جنّهم

تلوا طوله القرآن ثمّ المثانيا

أصابهم أهل الشقاوة والغوى

فحتّى متى لا يبعث الجيش عاديا

عليهم سلام الله ما هبّت الصبا

وما لاح نجم أو تحدّر هاديا

فلمّا فرغ من شعره أمر (به ابن زياد لعنه الله فضربت) بضرب عنقه فضُربت عنقه وصلب رحمة الله عليه على باب المسجد. (مقتل أبي مخنف ، ص ١٠٦ و ١٠٧ و ١٠٨ و ١٠٩). (منه رحمه‌الله) وبين النصّين اختلاف يسير وفرّقنا بين ما انفرد به أبو مخنف بالقوسين والمؤلّف بالمركنتين.

نجات يافت از اين دامگاه رنج و عنا

نزول کرد به گلزار جنّة المأوى

مباراة الشعر :

نجى من شباكٍ ليس فيه سوى العنا

إلى روضة غنّاء في جنّة المأوى

٣٤١
 &

فهجم ابن الأشعث عليهم وشرع يقاتلهم فقتل جمع من العرب واندحر الأزد واستطاع جيش ابن زياد الوصول إلى بيت عبدالله بن عفيف فصاحت ابنة له : يا أبتاه ، أتاك القوم ، فقال لها : لا تخافي يا بنيّة وناوليني سيفي ، ولمّا اخذ السيف أنشأ يقول :

أنا ابن ذي الفضل العفيف الطاهر

عفيف شيخي وابن أُمّ عامر

كم دارع من جمعكم وحاسر

وبطل جدّلته مغادر

فقالت ابنته : يا ليتني كنت رجلاً أُقاتل بين يديك هؤلاء الفجرة قاتل العترة البررة (١).

قال : وجعل القوم يدورون عليه من كلّ جهة وهو يذبّ عن نفسه فلم يقدر عليه أحد ، وكلّما جاؤوا من جهة قالت ابنته : يا أبت ، جاؤوك من جهة كذا (وهو يحمل عليهم بالسيف ويبعدهم عنه) حتّى تكاثروا عليه وأحاطوا به ، فقالت ابنته : وا ذلّاه ! يحاط بأبي وليس له ناصر يستعين به ، فجعل يدير سيفه (وفي رواية الناسخ : قتل منهم خمسين فارساً وثلاثة عشرين راجلاً) فما زالوا به حتّى أخذوه ، ثمّ حُمِل فأُدخل على ابن زياد ، فلمّا رآه قال : الحمد لله الذي أخزاك ، فقال له عبدالله بن عفيف : يا عدوّ الله ! وبماذا أخزاني الله ؟

والله لو يكشف لي عن بصري

ضاق عليكم موردي ومصدري

فقال ابن زياد : يا عدوّ الله ، ما تقول في عثمان بن عفّان ؟ (وكان يفتعل الحجج عليه ليقتله لعلمه بأنّ عبدالله شيعة لعليّ عليه‌السلام ، فأراد أن يُسيء القول في عثمان ليستبيح دمه فلا يلومه أحد ، فأجابه ابن عفيف) : يا عبد بني علاج ، يابن مرجانة ـ وشمته ـ ما أنت وعثمان ؟ إن أساء أو أحسن وأصلح أم أفسد ؟ والله تعالى وليّ

__________________

(١) راجع مثير الأحزان ، ص ٧٢ ؛ والبحار ، ج ٤٥ ص ١٢٠ ؛ العوالم ، ص ٣٨٨ وغيرهما.

٣٤٢
 &

خلقه يقضي بينهم وبين عثمان بالعدل والحقّ ، ولكن سلني عن أبيك وعنك وعن يزيد وأبيه.

فقال ابن زياد : والله لا سألتك عن شيء أو تذوق الموت (غصّة بعد غصّة).

فقال عبدالله بن عفيف : الحمد لله ربّ العالمين ، أما إنّي قد كنت أسأل الله ربّي أن يرزقني الشهادة [ من ] قبل أن تلدك أُمّك وسألت الله أن يجعل ذلك على يدي ألعن خلقه وأبغضهم إليه ، فلمّا كفّ بصري يئست من الشهادة والآن [ فـ ] الحمد لله الذي رزقنيها بعد اليأس منها وعرّفني الإجابة منه في قديم دعائي (١). ثمّ ارتجل في المكان قصيدة من تسعة وعشرين بيتاً بأتمّ الفصاحة والبلاغة وكلّها في ذمّ بين أُميّة ومدح الحسين عليه‌السلام وتحريض الناس على الجهاد وترغيبهم به ودعوتهم للأخذ بثار الحسين عليه‌السلام وذمّ الذين كاتبوه ثمّ غدروا به. وكان الشعر لفصاحته القصوى حمل ابن زياد مع غطرسته أن يستحيل إلى آذان صاغية لسماع كلماته مع كون كلّ كلمة منها بمثابة رمية في فؤاد ابن زياد لعنهما الله أو أشدّ وقعاً من سمى الأفعى الناقع ، وما أن أكمل شعره حتّى أمر ابن زياد بضرب عنقه وصلبه في السبخة ثمّ أمر بالقبض على ابنته ورميها في السجن (وترجمت لها في كتابي رياحين الشريعة في ترجمة العلماء من نساء الشيعة) وكانت هذه الصبيّة في سجن ابن زياد لعنهما الله حتّى انبرى لها رجل يُدعى طارق بتدبير سليمان بن صرد الخزاعي فأطلقها من السجن وهرب إلى القادسيّة وهناك التجأ إلى قبيلة خزاعة وتزوّج الصبية محمّد بن سليمان بن صرد الخزاعي بعد وقعة عين الوردة وشهادة التوّابين فرزق منها ستّة أولاد وأربع بنات وكانوا من مقدّمي الفرسان ومن شيعة أمير المؤمنين عليه‌السلام.

__________________

(١) كان سياق المؤلّف موافقاً لسياق العوالم إلّا ما تخلّله من عبارات للمؤلّف وضعناها بين قوسين ، انظر العوالم ص ٣٨٨.

٣٤٣
 &

١٢٠ ـ عبدالله بن عليّ بن أبي طالب

عبدالله الأكبر عليه‌السلام ، أمّه أُم البنين عليها‌السلام ، كنيته أبو محمّد ، وكان له من العمر في وقعة كربلاء على المشهور خمساً وعشرين سنة ، فقد قال له قمر بني هاشم عليه‌السلام : يا أخي يا عبدالله ، تقدّم أمامي وقاتل (حتّى أحتسبك) ولمّا كان عبدالله شبلاً لأسد الله وكان يحنّ إلى القتال فقد تقدّم وقاتل قتال الأبطال وهو يقول :

أنا ابن ذي النجدة والإفضال

ذاك عليّ الخير في الفعال

سيف رسول الله ذي النكال

في كلّ قوم طاهر الأقوال

قال الشيخ المفيد في الإرشاد : فتقدّم عبدالله فقاتل قتالاً شديداً فاختلف هو وهاني بن ثبيت الحضرمي ضربتين فقتله هانئ لعنه الله (١).

قال أبو الفرج : ولا عقب له (٢).

دريغ درد که خورشيد آسمان کمال

غروب کرد زواج شرف به برج زوال

همان روح شريفش گشاد بال وبرفت

از اين نشيمن فانى به آشيان وصال

مباراة البيتين :

آهٍ على شمس سماء الكمال

قد غربت عنّا ببرج الزوال

رفرف بالجنح وعاف الدنى

من بيتها الفاني لعشّ الوصال (٣)

__________________

(١) الإرشاد ، ج ٢ ص ١٠٩.

(٢) مقاتل الطالبيّين ، ص ٨٢.

(٣) في نفس المهموم ص ١٧٢ نقلاً عن أبي حنيفة الدينوري قال : ولمّا رأى ذلك العبّاس بن عليّ قال لإخوته عبدالله وجعفر وعثمان بن عليّ عليهم‌السلام وأُمّهم جميعاً أُمّ البنين (العامريّة) : تقدّموا بنفسي أنتم فحاموا عن سيّدكم حتّى تموتوا دونه ، فتقدّموا جميعاً فصاروا أمام الحسين عليه‌السلام يقونه بوجوههم ونحورهم ، فحمل هاني ابن ثبيت الحضرمي على عبدالله بن عليّ فقتله ، ثمّ

=

٣٤٤
 &

قال الشيخ محمّد حسين القزويني في المجلس العاشر من المجلّد الثاني من رياض الشهادة ص ١٩٨ : فخرج من بعده عبدالله بن عليّ فأقبل على الإمام عليه‌السلام وقال : يابن والدي ، لم يبق في قوس الصبر منزع فراق الأحبّة والإخوان ، وبلغت روحي التراق من شدّة العطش فأذن لي حتّى ألحق بهم ، وأتحرّر من هذا العالم الفاني ، فأذن له وعينه تدمع ، فهجم عليهم عبدالله. وروي أنّه قتل في الحملة الأُولى مائة وسبعين رجلاً فأرسل هؤلاء الأشقياء إلى دار البوار هذا العدد .. الخ.

يخوض بهم بحر الوغى فكأنّه

لوارده عذب الأُجابة بارد

إذ اعتقلوا سمر الرماح وجرّدوا

سيوفاً أغارتها البطون الأساود

فليس لها إلّا الصدور مراكز

وليس لها إلّا النحور مغامد

يلقون شدّات الكُمات بأنفسٍ (١)

إذا غضبت هانت عليه الشدائد

إلى أن هووا في التُّرب صرعى كأنّهم

نخيل أمالتهنّ أيد عواضد

أُولئك أرباب الحفاظ سمت بهم

إلى الغاية القصوى النفوس المواجد

__________________

= حمل على أخيه جعفر فقتله (جعفر بن عليّ أيضاً ـ نفس المهموم) ورمى يزيد الأصبحي عثمان ابن عليّ بسهم فقتله [ ثمّ دنى ـ المؤلّف ] (ثمّ خرج ـ نفس المهموم) إليه فاحتزّ رأسه فأتى به عمر بن سعد فقال له : أُثبني ، فقال عمر : عليك بأميرك ، يعني عبيدالله بن زياد (فله ـ نفس المهموم) (فسله ـ المؤلّف) أن يثيبك. وبقي العبّاس بن عليّ عليهما‌السلام أمام الحسين يقاتل دونه ويميل معه حيث ما مال حتّى قُتل (رحمة الله عليه ـ نفس المهموم). الأخبار الطوال ، ص ٢٣٠. وقد ذكر المحدّث القمّي رحمه‌الله في الحاشية وبينه وبين الدينوري اختلاف في بعض الكلمات أشرنا إليها ، راجع الأخبار الطوال ط القاهرة سنة ١٩٦٠ ص ٢٥٧ ، ونفس المهموم ، ص ٢٩٥ و ٢٩٦.

(١) كذا هي عند المؤلّف ولا تستقيم وزناً ومعنى ، وأحسبها « الكلوم » والواقع أنّ المؤلّف لم يدلّ على مصدرها لنوازن بينهما وأنا في شكّ من بعض كلمات القطعة.

٣٤٥
 &

١٢١ ـ عبدالله بن عمير الكلبي

عدّه الشيخ الطوسي تارة من أصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام وأُخرى من أصحاب الحسين عليه‌السلام.

قال المامقاني : عبدالله بن عمير بن عبّاس بن عبدالقيس الكلبي كنيته أبو ذهب ، كان شجاعاً باسلاً قويّ الساعدين ، ينزل في الكوفة بالقرب من بئر « الجعدة » في قبيلة « همدان » امرأته من النمر بن قاسط ، خرج ذات يوم فرأى عسكراً مجرّاً يُساق نحو النخيلة ، فأسل : إلى أين يذهبون بهذا الجيش ؟ قيل له : إلى كربلاء لحرب الحسين ، فقال ابن عمير في نفسه : أُقسم بالله لأنا أشدّ حرصاً على قتال الكافرين إلّا أنّ قتال هؤلاء الذين يريدون قتل ابن النبيّ أرجو أن لا يكون أدنى ثواباً من ذاك ، ثمّ دخل بيته وكلّم زوجته بالأمر ، فقالت له : أحسنت صنعاً ولكن خذني معك.

فلمّا جنّ عليه الليل خرج وزوجته تلقاء كربلاء ووصل إلى الحضرة الحسينيّة يوم الثامن فنال شرف اللقاء للحسين عليه‌السلام. ولمّا كان يوم العاشر تقدّم بين يدي الحسين عليه‌السلام وكان ابن سعد أوّل من رمى جيش الحسين بالسهام بناءاً على ما رواه صاحب ذخيرة الدارين والناسخ وغيرهما ثمّ تقدّم يسار مولى زياد ابن أبيه إلى ميدان القتال وطلب البراز فانتدب له حبيب بن مظاهر وبرير بن خضير عليهما‌السلام ، فقال لهما الحسين : تمهّلا ، فتقدّم عبدالله بن عمير الكلبي وطلب الإذن ، فنظر إليه الحسين عليه‌السلام فرآه رجلاً آدم طويل القامة شديد الساعدين بعيد ما بين المنكبين ، فقال : أحسبه للأقران قتّالاً.

فلمّا أذن له الحسين عليه‌السلام صال على الأعداء في ميدان القتال فناداه يسار : من أنت ؟ انتسب لي حتّى أعرفك ، فانتسب له عبدالله ، فقال يسار : لست كفؤاً لي

٣٤٦
 &

ارجع وليخرج لي حبيب بن مظاهر أو برير أو زهير بن القين ، فقال عبدالله : وبك رغبة عن مبارزة الناس يابن الزانية فتختار هذا وتدع ذاك وكان الأمر إليك. قال : هذا وضربه ضربة أوصلته إلى جهنّم ، فهجم عليه سالم مولى عبيدالله بن زياد لعنهم الله فضربه ضربة اتّقاها عبدالله بيده فأبانت أصابعه فلم يعبأ به وحمل على سالم وأراده قتيلاً إلى جهنّم ، ثمّ حمل عليهم كأنّه النّمر الشرس أو الليث الغرثان يميناً وشمالاً وهو يرتجز ويقول :

إن تنكروني فأنا ابن الكلب

حسبي بيتي في عليم حسبي

إنّي امرئ ذو مرّة وعصب

ولست بالخوّار عند النكب

إنّي زعيم لك أُمّ وهب

بالطعن فيهم مقدماً والضرب

ضرب غلام مؤمن بالضرب (١)

فأخذت زوجته (أُمّ وهب) عموداً من الخيمة ثمّ أقبلت نحو زوجها تقول له : فداك أبي وأُمّي قاتل دون الطيّبين ذرّيّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأقبل إليها يردّها نحو النساء فأخذت تجاذب ثوبه ثمّ قالت : إنّي لن أُودعك دون أن أموت معك ... (٢).

يقول العلّامة السماوي في إبصار العين : (عبدالله بن عمير) وإنّ يمينه سدكت على السيف ويساره مقطوعة أصابعها فلا يستطيع ردّ امرأته ، فجاء إليها الحسين عليه‌السلام وقال : جُزيتم من أهل بيت خيراً ، ارجعي رحمك الله إلى النساء فاجلسي معهنّ فإنّه ليس على النساء قتال ، فانصرفت معهنّ (٣) فأطاعته المرأة وعادت إلى الخيمة وقاتل عبدالله حتّى استشهد « فخرجت امرأة الكلبي تمشي إلى

__________________

(١) عليم قبيلته وذو مرّة أي ذو قوّة ، عصب ـ بفتح العين وسكون الصاد ـ بمعنى الشدّة. (منه رحمه‌الله)

(٢) راجع نفس المهموم ، ص ٢٣٣ والسياق جلّه مترجم.

(٣) العلّامة السماوي ، إبصار العين ، ص ١٠٦ و ١٠٧.

٣٤٧
 &

زوجها حتّى جلست عند رأسه تمسح التراب عنه وتقول : هنيئاً لك الجنّة ، أسأل الله الذي رزقك الجنّة أن يصحبني معك. فقال شمر لغلامه رستم : اضرب رأسها بالعمود فشدخها فماتت مكانها (١).

لا يخفى أنّ صاحب إبصار العين اقتصر على وهب هذا ولم يذكر آخر بهذا الاسم من قبيل وهب بن عبدالله بن حباب الكلبي مع كونه من الشهداء المشهورين وما مرّ سلفاً هو التفضيل الذي ذكره في ترجمة عبدالله بن عمير. لكنّنا نجد التفصيل ذاته مذكوراً في البحار ونفس المهموم ومنتهى الآمال والناسخ وروضة الشهداء ومهيّج الأحزان ومخزن البكاء والتحفة الحسينيّة وغيرها من الكتب في ترجمة وهب بن عبدالله بن جناب الكلبي.

ويذكر الخوارزمي في مقتله نفس الحكاية في شهادة وهب خلا أنّه لا يذكر عن عبدالله بن عمير شيئاً (٢).

والكتب المذكورة (٣) ذكرت التفصيل المتقدّم في شهادة عبدالله بن عمير أيضاً وليس من المحتمل اتّحاد الاثنين لأنّ عبدالله بن عمير من الشيعة المعروفين في الكوفة وهو مذكور في كتب الرجال وكان قد خرج من الكوفة ووصل كربلاء يوم الثامن من محرّم الحرام بخلاف وهب النصراني ، وكان معه أُمّه وحدها وفي قصر بني مقاتل في الطريق أسلم على يد الحسين عليه‌السلام مِن ثَمّ لا تجد له ذكراً في كتب

__________________

(١) إبصار العين ، ص ١٠٧.

(٢) مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ١٢ وينسب الحديث إلى أُمّه وأنّ غلام شمر قتلها حيث يقول : فجائت اليه أُمّه تمسح الدم عن وجهه .. الخ.

(٣) لا نعرف عن هذه الكتب شيئاً ، أمّا التي ذكرها سلفاً فقد قال عنها أنّها ذكرت الحادثة في ترجمة وهب بن عبدالله بن جناب الكلبي وربّما تكون كتباً أُخرى ولكن المؤلّف عوّل على شهرتها فلم يشر إليها.

٣٤٨
 &

الرجال ، وأسلم معه أُمّه وزوجته أيضاً إلى أن استشهد كما سوف تعرف عندما تأتي ترجمته.

١٢٢ ـ عبدالله بن مسلم بن عقيل عليهم‌السلام

في الزيارة الناحية والرجبيّة : « السلام على القتيل بن القتيل عبدالله بن مسلم بن عقيل لعن الله قاتله ».

وقال في نفس المهموم (١) : ولمّا قتل أصحاب الحسين عليه‌السلام ولم يبق معه إلّا أهل بيته خاصّة وهم ولد عليّ عليه‌السلام وولد جعفر وولد عقيل وولد الحسن وولده عليهم‌السلام اجتمعوا يودّع بعضهم بعضاً وعزموا على الحرب ...

برخيز تا بگرييم چون ابر در بهاران

کز سنگ ناله خيزد روز وداع ياران

مباراة الشعر :

قم لنذري الدمع منّا

كشآبيب المطر

لوداع الأهل حقّاً

قد بكى حتّى الحجر

ولقد كانت صورة الوداع التي تدمي القلب وتؤذّي الروح إلى الدرجة التي ذكر صاحب الناسخ أنّ الحسين ظلّ معهم مدّة مديدة في همّ دائب ومدمع ساكب لما همّ عليه ولما سوف يلاقونه ، وبكى معهم ساعة ثمّ قال : اللّهمّ إنّا عترة نبيّك محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد أُخرجنا وطُردنا وأُزعجنا عن حرم جدّنا رسول الله وبنو أُميّة تعدّت علينا ، اللّهمّ فخُذ لنا بحقّنا وانصرنا على القوم الظالمين.

ومجمل القول : إنّ بني هاشم لمّا ودّع بعضهم بعضاً وجرت مدامعهم الحرّى في ذلك الوادي وعزموا على الحرب فكان أوّل من برز منهم عبدالله بن مسلم بن

__________________

(١) الشيخ عبّاس القمّي ، نفس المهموم ، ص ٢٧٦.

٣٤٩
 &

عقيل ، وجاء إلى الحسين عليه‌السلام وكان الحسين عليه‌السلام يحبّه حبّاً جمّاً وله فيه تعلّق خاصّ لأنّه ابن أُخته رقيّة بنت أمير المؤمنين عليهما‌السلام ، ومن جهة أُخرى هو صهره على ابنته سكينة (١) وقد ترجمت لها في الجزء الثالث من رياحين الشريعة ، وكان زوجها الآخر هو مصعب بن الزبير ، وأخيراً لمّا طلب الإذن من الإمام عليه‌السلام قال له الإمام بناءاً على ما أورده صاحب بحر اللئالي : لم يمض طويل وقت على شهادة مسلم ولم تُمح ذكراه من قلوبنا فكيف آذن لك فخُذ يد أُمّك واخرج من هذه الوقعة المهولة إلى ناحية من النواحي ، فقال : بأبي أنت وأُمّي ، لست ممّن يترك الآخرة الباقية للدنيا الفانية ، فأنا أسألك أن ترضى بروحي لتكون فداءاً لك.

ولمّا كان الحسين هو موئل الفضل والكرم أجاب طلبه فهجم عبدالله بن مسلم عليه كالأسد الغاضب والنمر الواثب ، وهو يرتجز ويقول :

اليوم ألقى مسلماً وهو أبي

وفتية بادوا على دين النبي

ليسوا بقوم عرفوا بالكذب

لكن خيار وكرام النسب

من هاشم السادات أهل الحسب (٢)

وفي رواية ابن شهر آشوب : قتل في ثلاث حملات ثمانية وتسعين رجلاً (٣) ثمّ قتله عمرو بن صبيح الصائدي أو الصيداوي ، رماه بسهم في جبهته فاتّقاه عبدالله بيده فشكّ السهم يده إلى جبهته فلم يستطع نزعها حتّى طعنه لعين بالرمح في قلبه فخرّ صريعاً من على ظهر فرسه ثمّ أسلم الروح (٤).

__________________

(١) المعروف عند المؤرّخين أنّ زوج سيّدتنا سكينة عليها‌السلام وعبدالله بن الحسن.

(٢) نفس المهموم ، ص ٢٨٦.

(٣) ثمانية وتسعين رجلاً بثلاث حملات ، المناقب ، ج ٤ ص ١١٤.

(٤) هذا ما ذكره المفيد في الإرشاد ويوسف بن حاتم الفقيه الشامي في الدرّ النظيم والطبري في

=

٣٥٠
 &

كتب أبو مخنف أنّ عبدالله عليّاً الزبيدي حدّثني عن زيد بن ورقاء الجهني (١) أنّه كان يقول : لقد رميت فتًى منهم بسهم وإنّه لواضع كفّه على جبهته يتّقى النّبل فأثبت كفّه في جبهته فما استطاع أن يزيل كفّه عن جبهته (فحدّثني أبو عبدالأعلى الزبيدي أنّ ذلك الفتى عبدالله بن مسلم بن عقيل وأنّه قال حيث أثبت كفّه ..) [ فقال ذلك الفتى ] : اللّهمّ إنّهم استقلّونا واستذلّونا ، اللّهمّ فاقتلهم كما قتلونا ، وأذلّهم كما استذلّونا .. ثمّ إنّه رمى الغلام بسهم آخر فقتله فكان يقول : جئته ميّتاً فنزعت سهمي الذي قتلته به من جوفه فلم أزل أنضنض السهم من جبهته حتّى نزعته وبقي النصل في جبهته مثبتاً ما قدرت على نزعه.

قال الزاهي :

أُعاتب عيني إذا قصّرت

وأفني دموعي إذ ما جرت

لذكراكم يا بني المصطفى

دموعي على الخدّ إذ سطّرت

لكم وعليكم جفت غمضها

جفوني عن النوم واستسهرت

أمثل أجسادكم بالعراق

وفيها الأسنّة قد كسّرت

أمثلكم في عراص الطفوف

بدور تكسف إذا أقمرت

غدت أرض يثرب من جمعكم

كخطّ الصحيفة إذ أقفرت

__________________

= تاريخه والمجلسي في البحار عن محمّد بن أبي طالب ، والقمّي في نفس المهموم والسماوي في إبصار العين.

(١) أنا أنقل لك ما عثرت عليه عند أبي مخنف : وبعث المختار أيضاً عبدالله الشاكري إلى رجل من جنب يقال له زيد بن رقاد ، كان يقول : لقد رميت فتًى منهم بسهم وإنّه لواضع كفّه على جبهته يتّقي النبل فأثبت كفّه في جبهته فما استطاع أن يزيل كفّه عن جبهته. قال أبو مخنف : فحدّثني أبو الأعلى الزبيدي أنّ ذلك الفتى عبدالله بن مسلم بن عقيل وأنّه قال حين أثبت كفّه في جبهته : اللّهم ... الخ ، أبو مخنف ، مقتل الحسين ، ص ٣٧٩. ولك أن تقارن بين النصّين لتقف على الفارق بين المتن والسند الذي ساقه المؤلّف والذي ساقه أبو مخنف.

٣٥١
 &

وأضحى بكم كربلا مغرباً

كزهو النجوم إذا أغورت (١)

وأمّا قاتل عبدالله فإنّه لمّا ظهر المختار قال : عليّ بعمرو بن صبيح الصيداوي ، فلمّا قبضوا عليه وكان الوقت ليلاً وهو راقد على سطحه وسيفه تحت وسادته ، فلمّا أحضروه أمر به أن يُرجم بالسهام ثمّ أحرق جيفته.

وأمّا عبدالله بن وال وعبدالله بن مسمع الوافدان على الحسين بمكّة وكذلك سليمان بن صرد الخزاعي والمسيّب بن نجبة ، وإن كان كلّ واحد منهم فارساً في الهيجاء شجاعاً مجرّباً ومن شيعة عليّ عليه‌السلام وأصحاب الحسين عليه‌السلام فإنّهم من التوّابين وقد ظهرت منهم البطولات في عين الوردة لكنّهم لا يدخلون في موضوع الكتاب نظير عبدالله بن ضمرة العذري وعبدالله بن سليمان والمنذر بن المشمعل وعبدالله بن مطيع وعبدالله بن شداد وعبدالله بن شريك وعبدالله بن كامل الشاكري وعبدالله بن حرث النخعي وعمارة بن عبيد السلولي وهؤلاء قدوموا الكوفة مع مسلم عليه‌السلام من مكّة ، وعمران بن عبدالله الخزاعي الذي عدّه الشيخ في رجاله من أصحاب سيّد الشهداء عليه‌السلام.

والمثنّى بن مخربة العبدي من رؤساء أصحاب المختار ، ومحمّد بن كعب بن قرهنة (كذا) ومسعر بن أبي مسعر الحنفي وقيل : مسعر بن أبي مسعر والمنذر بن سليمان وورقاء بن عازد (كذا) الأسدي والوليد بن العصير الكناني وهاني بن هاني السبيعي الوافدون على الحسين من الكوفة إلى مكّة فما من ريب في تشيّع هؤلاء إلّا أنّ عاقبة أمرهم مجهولة بالنسبة لنا ونسأل الله أن يعاملنا بفضله ورحمته.

__________________

(١) المناقب لابن شهر آشوب ، ج ٣ ص ٢٦٦ مع اختلاف يسير ، والصحيح لزهر النجوم.

٣٥٢
 &

١٢٣ ـ عبدالله بن يقطر

عدّه الشيخ والعلّامة في رجالهما من أصحاب الحسين عليه‌السلام.

وفي الزيارة الرجبيّة : « السلام على عبدالله بن يقطر (١) رضيع الحسين ».

ومعناه أنّ الإمام الحسين ارتضع من ثدي أُمّه وليس العكس ، بل معناه اللدة أي أي إنّ طفلين إذا ما ولدا في أُسبوع واحد سمّى أحدهما رضيع الآخر.

ويقطر يخدم في بيت النبيّ وزوجته ميمونة في بيت أمير المؤمنين ، وهناك ولد عبدالله بعد ولادة الحسين عليه‌السلام بثلاثة أيّام مِن ثمّ دُعي رضيع الحسين عليه‌السلام.

قال أبو مخنف (٢) : ولمّا بلغ الحسين بطن حاجر ويسمّى بطن الرملة أيضاً كتب كتاباً إلى أهل الكوفة فقال بعد حمد الله سبحانه : « هذا كتاب من الحسين بن عليّ إلى إخوانه من أهل الكوفة ، السلام عليكم ، فإنّي أحمد الله إليكم ، أمّا بعد ، فقد

__________________

(١) بالياء المثنّاة التحتانيّة المفتوحة والقاف الساكنة والطاء المهملة المضمومة والراء المهملة وهو رضيع الحسين عليه‌السلام يعني أنّه لدة الحسين عليه‌السلام ، واللدة الذي ولد مع الإنسان في زمن واحد وكان يقطر خادماً عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكانت زوجته ميمونة في بيت أمير المؤمنين عليه‌السلام فولدت عبدالله قبل ولادة الحسين بثلاثة أيّام وكانت حاضنة للحسين عليه‌السلام ، هذا ما ذكره القمّي في نفثة المصدور ص ٢٢ ، وقال : عبدالله بن يقطر الحميري رضيع الحسين كانت أُمّه حاضنة للحسين عليه‌السلام وكان قيس بن ذريح للحسن عليه‌السلام ولم يكن رضع عندها ولكنّه يُسمّى رضيعاً له لحضانة أُمّه له وأُمّ الفضل ابن العبّاس كانت مربّية للحسين عليه‌السلام ولم ترضعه أيضاً كما صحّ في الأخبار ، وإنّه عليه‌السلام لم يرضع من غير ثدي أُمّه فاطمة وإبهام رسول الله تارة أُخرى.

في الإصابة وأُسد الغابة والمجلّد الثالث من كتاب تجارب الأُمم لابن مسكويه وكامل ابن الأثير والأخبار الطوال للدينوري ، والإمامة والسياسة لابن قتيبة وروضة الواعظين للفتال ومثير الأحزان وإرشاد المفيد وغيرها. (منه رحمه‌الله)

(٢) لم يطابق الخبر ما في المقتل لذلك رايت بعد ترجمته نقل ما ذكره أبو مخنف في الهامش وأدع الحكم للقارئ.

٣٥٣
 &

ورد إليّ كتاب مسلم بن عقيل يخبرني بحسن رأيكم واجتماعكم على نصرتنا (وطلب حقّنا) فأسال الله تعالى أن يحسن لنا ولكم العاقبة (أسأل الله أن يحسن لكم الأجر والمثوبة على حسن عملكم ، اعلموا بأنّي قد انفصلت عن مكّة في اليوم الثامن من ذي الحجّة فإذا وصلكم رسولي هذا فكونوا يقظين فإنّي سوف أصل إليكم في هذه الأيّام إن شاء الله ... والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته) وقد جئتكم بأهلي وصحبي ، فإذا قدم إليكم رسولي هذا فاكتبوا معه بما تحتاجون ، والسلام ... » وطوى الكتاب وسلّمه إلى عبدالله بن يقطر وأمره بالعجلة.

فسار عبدالله بالكتاب يطوي السهل والجبل ، وكان على القادسيّة الحصين بن نمير يحرس الطريق ، فقبض رجاله عليه وأتوا به إليه فأمر بتفتيشه للعثور على كتاب إن كان معه ، فلمّا سمع عبدالله ذلك أخرج الكتاب ومزّقه قطعة قطعة بحيث لا يمكن الاستفادة منه فساقه الحصين مكتوفاً إلى ابن زياد فلمّا مثل بين يديه قال له ابن زياد : من أنت وما الذي جئت به ؟ فقال : أنا رجل من شيعة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب وابنه الحسين ، فقال : لم مزّقت الكتاب الذي كان معك ؟ قال : لئلّا تعلم ما فيه. قال ابن زياد : لمن أرسل الكتاب ؟ قال : من الحسين إلى جماعة من أهل الكوفة. قال : من هم ؟ قال : لا أعرف أسمائهم ، فغضب ابن زياد ، فقال : لا بدّ من ذكر أسمائهم ومن لعن الحسين وأبيه وأخيه وإلّا فإنّي سوف آمر لك بالسيف يقطعك إرباً إرباً ، فقال : أنا لا أذكر أسمائهم ولكنّي أصعد المنبر وألعن من تريد ، فأذن له ابن زياد ، فصعد المنبر وحمد الله وأثنى عليه وذكر النبيّ فصلّى عليه وصلّى على عليّ وبنيه صلاة متواترة ثمّ لعن عبيدالله بن زياد وأباه ولعن بني أُميّة الأوّل والآخر منهم ، فلم يترك أحداً منهم ، ثمّ نادى بأعلى صوته : أيّها الناس ، أنا رسول الحسين عليه‌السلام وقد خلّفته بأرض الرملة فأجيبوا إمامكم.

فأمر ابن زياد به بانزاله من المنبر وصعدوا به إلى أعلى القصر ورموه منه

٣٥٤
 &

مكتوف اليدين فتكسّرت عظامه وبقي به رمق فاجتاز به عبدالملك بن عمير اللخمي ، وكان فقيه الكوفة وقاضيها فقطع رأسه فلامه الناس على ذلك وقبّحوا عمله فقال اللعين : أردت أن أريحه .. (١).

وروى الشيخ المفيد بإسناده أنّ عبدالله بن سليمان والمنذر بن المشمعل الأسديين قالا : لمّا قضينا حجّنا لم تكن لنا همّة إلّا اللحاق بالحسين عليه‌السلام بن عليّ في الطريق لننظر (لأنّ الحسين عليه‌السلام خرج يوم التروية ـ المؤلّف) فأقبلنا ترقل بنا نياقنا حتّى لحقنا بزرود ، فلمّا دنونا منه إذا نحن برجل من أهل الكوفة قد عدل عن الطريق حين رأى الحسين عليه‌السلام فوقف الحسين عليه‌السلام كأنّه يريده ثمّ تركه ومضى ومضينا نحوه ، فقال أحدنا لصاحبه : اذهب بنا إلى هذا لنسأله فإنّ عنده خبر الكوفة ، فمضينا حتّى انتهينا إليه ، فقلنا : السلام عليك ، فقال : وعليكم السلام ، قلنا : ممّن الرجل ؟ قال : أسديّ ، قلنا : ونحن أسديّان ، فمن أنت ؟ قال : أنا بكر بن فلان ، وانتسبنا له ثمّ قلنا له : أخبرنا عن الناس وراءك ، قال : نعم ، لم أخرج من

__________________

(١) هذا ما أورده المؤلّف وعزاه إلى أبي مخنف إلّا أنّ رواية أبي مخنف تختلف عن هذا السياق كثيراً وإليك ما ذكره الرجل في المقتل : وسار الحسين حتّى بلغ الحاجز من بطن الرملة فأرسل قيس بن مسهّر الصيداوي بكتاب إلى الكوفة وفيه : « أمّا بعد ، فقد ورد إليّ كتاب مسلم بن عقيل يخبرني بحسن رأيكم واجتماعكم على نصرتنا فأسأل الله تعالى أن يحسن لنا ولكم العاقبة وقد جئتكم بأهلي وصحبي فإذا قدم إليكم رسولي هذا فاكتبوا معه بما تحتاجون ، والسلام ». قال : وسار قيس بن مسهّر طالباً الكوفة فلمّا بلغ القادسيّة أخذه الحصين بن نمير لعنه الله وأوثقه كتافاً وبعث به إلى ابن زياد لعنه الله ، فلمّا وصل إليه قال له : يا فتى ، اصعد المنبر وسبّ الكذّاب بن الكذّاب يعني الحسين ، فصعد المنبر فحمد الله واثنى عليه وذكر النبيّ فصلّى عليه ثمّ قال : أيّها الناس ، هذا الحسين قد فارقته من الحاجز من بطن الرملة وأنا رسوله إليكم فأجيبوه ، ثمّ سبّ يزيد لعنه الله وابن زياد لعنه الله وصلّى على الحسين وعلى أبيه وجدّه فأمر ابن زياد أن يُرمى من أعلى القصر فرُمي فتقطّع رضوان الله عليه ... مقتل أبي مخنف ، ص ٤١ و ٤٢.

٣٥٥
 &

الكوفة حتّى قُتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة ورأيتهما يُجرّان بأرجلهما في السوق.

فأقبلنا حتّى لحقنا بالحسين صلوات الله عليه فسايرناه حتّى نزل الثعلبيّة ممسياً ، فجئناه حين نزل فسلّمنا عليه فردّ علينا السلام فقلنا له : رحمك الله ، إنّ عندنا خبراً إن شئت حدّثناك علانية وإن شئت سرّاً ، فنظر إلينا وإلى أصحابه ثمّ قال : ما دون هؤلاء سر ، فقلنا له : رأيت الراكب الذي استقبلته عشيّ أمس ؟ قال : نعم وأردت مسألته ، فقلنا : فقد والله استتبرنا لك خبره ، وكفيناك مسألته ، وهو امرئ منّا ذو رأي وصدق وعقل ، وإنّه حدّثنا أنّه لم يخرج من الكوفة حتّى قُتل مسلم وهاني ورآهما يُجرّان في السوق بأرجلهما ، فقال : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، رحمة الله عليهما ... يكرّر ذلك مراراً (فقال الحسين : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، رحم الله مسلماً فلقد صار إلى روح الله وريحانه وتحيّته ورضوانه أمّا إنّه قد قضى ما عليه وبقي ما علينا ـ المؤلّف).

فقلنا له : ننشدك الله في نفسك وأهل بيتك إلّا انصرفت من مكانك هذا فإنّه ليس لك بالكوفة ناصر ولا شيعة بل نتخوّف أن يكونوا عليك ، فنظر إلى بني عقيل فقال : ما ترون ؟ فقد قتل مسلم ، فقالوا : والله لا نرجع حتّى نصيب ثأرنا أو نذوق ما ذاق ، فأقبل علينا الحسين عليه‌السلام وقال : لا خير في العيش بعد هؤلاء ، فعلمنا أنّه قد عزم رأيه على المسير ، فقلنا : خار الله لك ، فقال : رحمكما الله (فقال له أصحابه : إنّك والله ما أنت مثل مسلم بن عقيل ولو قدمت الكوفة لكان الناس إليك أسرع ، فسكت ثمّ انتظر حتّى إذا كان السحر قال لفتيانه وغلمانه : أكثروا من الماء .. فاستقوا وأكثروا ثمّ ارتحلوا فسار حتّى انتهى إلى زبالة ـ الإرشاد) فأتاه خبر عبدالله ابن يقطر (فتألّم الإمام كثيراً من قتل مسلم وهاني وعبدالله بن يقطر ـ المؤلّف) فأخرج إلى الناس كتاباً فقرأه عليهم :

٣٥٦
 &

« بسم الله الرحمن الرحيم ، أمّا بعد ، فإنّه قد أتانا خبر فظيع ؛ قتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة وعبدالله بن يقطر ، وقد خذلنا شيعتنا ؛ فمن أحبّ منكم الانصراف فلينصرف غير حرج ليس عليه ذمام ».

فتفرّق الناس عنه يميناً وشمالاً حتّى بقي في أصحابه الذين جاؤوا معه من المدينة ونفر يسير ممّن انضووا إليه ... (١).

١٢٤ ـ عبدالله بن يزيد بن ثبيط

في زيارة الناحية المقدّسة : « السلام على عبدالله وعبيدالله ابني يزيد بن ثبيط القيسي ».

قال ابن شهر آشوب في المناقب : ومن المقتولين في الحملة الأُولى يوم الطفّ عبدالله وعبيدالله ابنا يزيد بن ثبيط القيسي البصري. ومثله في البحار وإبصار العين وغيرهما (٢).

١٢٥ ـ عبدالله بن عبدالله بن جعفر الطيّار

قال أبو الفرج في مقاتل الطالبيّين : أُمّه الخوصاء بنت (حفصة ـ مقاتل) حفص بن ثقيف بن ربيعة (من عثمان بن ربيعة بن عائذ بن ثعلبة بن الحرث ـ مقاتل الطالبيّين) بن تيم الله (اللّات ـ مقاتل) بن ثعلبة (بن عكابة بن صعب بن عليّ ـ مقاتل) بن بكر بن وائل ، قتل مع الحسين بالطفّ (٣). ونقله أبو جعفر الطبري في تاريخه والمامقاني في رجاله وصاحب ذخيرة الدارين بنفس السياق. ونقل في

__________________

(١) الإرشاد ، ج ١ ص ٧٣ و ٧٤ و ٧٥ و ٧٦.

(٢) إبصار العين ، ص ١٨٩.

(٣) مقاتل الطالبيّين ، ص ٩١.

٣٥٧
 &

نفس المهموم أنّ عبيدالله بن عبدالله بن جعفر الطيّار قتله بشر بن [ حوط ـ المؤلّف ] (حويطر ـ نفس المهموم) القانصي (١).

١٢٦ ـ عبيدالله بن أمير المؤمنين عليهما‌السلام

قال المقامقاني في رجاله : أُمّه ليلى بنت مسعود بن (بني تميم ـ كذا) قتل مع أخيه في كربلاء ، صرّح بذلك جماعة من أهل السير.

وفي زيارة الرجبيّة : « السلام على عبيدالله بن أمير المؤمنين ».

وكنّاه بعضهم (أبو بكر) وهذا لا يصحّ لأنّه في الزيارة جاء : « السلام على أبي بكر » بعد السلام على « عبيدالله » مضافاً إلى أنّ اسم أبي بكر محمّد لا عبيدالله ، والعلم عند الله.

وقال في الدرّ النظيم : وكان له من ليلى بنت مسعود الدارميّة محمّد الأصغر (المكنّى أبو بكر) وعبدالله [ وكلاهما قُتل بالطفّ ] .. (٢).

وأمّا عبيدالله الذي كان في جيش مصعب وقبره الآن في « المذار » فهو ابن النهشليّة ، ونهشل طائفة من بني تميم وقد ذكرنا ذلك مفصّلاً في ترجمة أبي بكر ابن أمير المؤمنين آنفاً.

١٢٧ ـ عبيدالله بن عمرو الكندي شهيد الكوفة

قال المقامقاني في رجاله : ذكر علماء السير عن عبيدالله بن عمرو الكندي أنّه كان رجلاً شجاعاً وفارساً مغواراً من شيعة أمير المؤمنين ، وكان مع أمير المؤمنين

__________________

(١) نفس المهموم ، ص ٢٨٩.

(٢) الدرّ النظيم ، ص ٤٣٠.

٣٥٨
 &

في حرب الجمل وصفّين والنهروان وبايع مسلماً بن عقيل في الكوفة وأخذ للحسين البيعة من أهلها وعقد له مسلم على ربع كندة ، ولمّا قبض على مسلم عليه‌السلام أخذه الحصين بن نمير وسلّمه إلى ابن زياد ، ولمّا فرغ من مسلم أمر بإحضاره وسأله : من أنت ؟ ألست صاحب راية كندة وربيعة ؟ فقال : بلى ، فأمر ابن زياد لعنهما الله بضرب عنقه. ذكر ذلك صاحب الحدائق الورديّة وذخيرة الدارين وأبو مخنف بنفس السياق.

١٢٨ ـ عبيدالله بن يزيد بن ثبيط

ذكرناه في ترجمة أخيه عبدالله ، وسوف يأتي له مزيد ذكر في ترجمة أبيه إن شاء الله.

١٢٩ ـ عثمان بن أمير المؤمنين عليهما‌السلام

جاء في زيارة الناحية المقدّسة والزيارة الرجبيّة : « السلام على عثمان بن أمير المؤمنين سَميّ عثمان بن مظعون ، لعن الله راميه بالسهم خولّى بن يزيد الأصبحي الأيادي ».

قال أبو الفرج : وأُمّه أُمّ البنين أيضاً (١).

وكان يوم شهادته ابن الواحد والعشرين سنة.

ونقل عن عمدة الأنساب أنّ عثمان ولد بعد ولادة أخيه عبدالله بسنتين وبقي مع أبيه سنتين ومع أخيه الحسن أربعة عشر سنة ومع أخيه الحسين ثلاثة وعشرين سنة ، وهذا عدد سنيّ عمره عليه‌السلام.

__________________

(١) مقاتل الطالبيّين ، ص ٨٣.

٣٥٩
 &

قال أهل السير : ولمّا قتل عبيدالله أرسل قمر بني هاشم أخاه عثمان إلى ميدان القتال .. فحمل شبل حيدر الكرّار على القوم كأنّه شعلة نار على جيش الكفّار وهو يرتجز :

إنّي أنا عثمان ذو المفاخر

شيخي عليّ ذو الفعال الطاهر

هذا حسين سيّد الأخاير

وسيّد الصغار والكباير (١)

وأضاف إليه في الناسخ هذين الشطرين :

وابن عمّ للنبيّ الطاهر

بعد الرسول والوصيّ الناصر

وبعد الجلاد والجدال رماه خولّى بن يزيد الأصبحي بسهم فأرداه إلى الأرض فأقبل عليه رجلٌ من قبيلة بني أبان بن دارم مسرعاً إليه فقطع راسه وأخذه معه ، وقال أمير المؤمنين : سمّيته باسم عثمان بن مظعون (٢).

__________________

(١) لواجع الأشجان ، ص ١٧٩ « وسيّد الصغار والأكابر » ، « وسيّد الكبار والأصاغر » ـ خ ل.

(٢) مظعون ـ بطاء معجمة ساكنة ـ كان من خيار أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وزهّادهم ونسّاكهم وهو عثمان بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمع القرشي ، أسلم بعد ثلاثة عشر رجلاً وهاجر الهجرتين وشهد بدراً وكان أوّل رجل مات بالمدينة سنة اثنين من الهجرة ، وكان ممّن حرّم على نفسه الخمر في الجاهليّة ومَن أراد الاختصاء في الإسلام فنهاه رسول الله وقال له : عليك بالصيام فإنّه قاطع الجماع ، ولمّا مات جاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى بيته فقال : رحمك الله ثمّ انحنى عليه فقبّله ، فلمّا رفع رأسه كان أثر البكاء عليه ، فصلّى عليه ودفنه في بقيع الغرقد ووضع حجراً على قبره وجعل يزوره ، ثمّ مات إبراهيم ولده بعده ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الحق يا بني بفرطنا عثمان بن مظعون. ولمّا ماتت زينب بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : الحقي يا بنيّ بسلفنا الخيّر عثمان بن مظعون. (وقال المامقاني : كنيته أبو السائب وهو الزاهد العابد الذي ترك الدنيا وترك اللذّات والنساء فشكت امرأته إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فمنعه عن ذلك ، وكان أخاه من الرضاعة وقبّله بعد موته وقال فيه : كان يحبّ الله ورسوله ـ إلى أن قال : ـ فالرجل فوق مرتبة الوثاقة.

وفي منتهى الآمال تعقيباً على شهادة عثمان بن عليّ عليهما‌السلام أشار إلى ترجمة عثمان بن مظعون إلى

=

٣٦٠