فرسان الهيجاء في تراجم أصحاب سيّد الشهداء عليه السلام - ج ١

الشيخ ذبيح الله المحلاتي

فرسان الهيجاء في تراجم أصحاب سيّد الشهداء عليه السلام - ج ١

المؤلف:

الشيخ ذبيح الله المحلاتي


المحقق: محمّد شعاع فاخر
الموضوع : التراجم
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدريّة
المطبعة: شريعت
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-503-145-7
ISBN الدورة:
978-964-503-144-0

الصفحات: ٤٩٥
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

عند ذلك أذن له الإمام ودخل ميدان القتال فجزر منهم خمسة عشر رجلاً بحدّ السيف ثمّ نال السعادة بالشهادة.

وفي كتاب شرح الشافية ذكره أنّه ومولاه قتلا مأة وخمسين رجلاً وأنزلاهم في قعر جهنّم من ذلك العسكر ثمّ استشهدا.

شقاء عبيدالله بن الحرّ الجعفي

قال في الناسخ وغيره : ومضى الحسين عليه‌السلام حتّى انتهى إلى قصر بني مقاتل فنزل به فإذا هو بفسطاط مضروب ، ورمح مركوز إلى جانبه ، وسيف معلّق على عمود الخيمة ومهرة عربيّة على بابه ، فقال الحسين عليه‌السلام : لمن هذا الفسطاط ؟ فقيل : لعبيدالله بن الحرّ الجعفي وهو من فوارس الكوفة وشجعانها وأهل البسالة منهم ، لا قريع له في الشجاعة ولا قرن يماثله ، فاستدعى الإمام الحجّاج بن مسروق وأمره بدعوته إليه.

فذهب إليه الحجّاج بن مسروق وسلّم عليه ، فردّ عليه‌السلام وقال : ما وراءك يا بن مسروق ؟ قال : إنّ الله تعالى ساق إليك خيراً وكرامة إن قبلتها. قال : وما هما ؟ فقال له الحجّاج : هذا الحسين بن عليّ عليهما‌السلام يدعوك لنصرته ، فإن نصرته نلت السعادة. فقال عبيدالله بن الحر : يابن مسروق ، كنت أعلم بأنّ أهل الكوفة مقاتلوه فخرجت من الكوفة لئلّا أكون من قتلته ، واعلم يابن مسروق إنّ أهل الكوفة قدّموا الدنيا الفانية على الآخرة الباقية ، وباعوا مودّة أهل بيت النبي بعطايا ابن زياد ، ولمّا كنت على غير وفاق معه ولا أُريد أن أكون عليه خرجت من الكوفة لئلّا أشهد الموقعة وانتبذت ناحية بانتظار ما يقدّره الله تعالى.

فرجع الحجّاج إلى الحسين عليه‌السلام واخبره بما قال عبيدالله ، فقال الحسين عليه‌السلام : إنّ من الأرجح أن أذهب إليه بنفسي وأُقيم الحجّة عليه ، ثمّ قام قائماً إليه وفي رواية

١٤١
 &

الدرّ النظيم : ومعه جماعة من فتيان بني هاشم ، فأقبل نحو مضارب عبيدالله فخرج لاستقباله وطرح وسادة وجلس بين يديه ، وقال : يابن الحر ، إنّ أهل مصركم كتبوا إليّ أن هلمّ ، وعاهدوني النصرة وعدم الخذلان وأن يجاهدوا معي حقّ الجهاد ، والآن جائني خبر خذلانهم إيّاي وأنّهم استدبروا الحقّ واستقبلوا الباطل ، وأنت يا بن الحرّ على علم بأنّ للخير جزاء وللشرّ مثله ، مثوبة وعقوبة ، وسوف يُسئل المرء عن أقواله وأفعاله ، فأدعوك اليوم إلى نصرتي إن أجبتني وسوف يكون ذلك كفّارة لذنوبك وأجراً عمّا فاتك من الثواب ، وفي القيامة يُسرّ جدّي بك.

فقال عبيدالله بن الحر : إنّي لأعلم علماً يقيناً أنّ من أطاعك واتّبعك تكون جزائه الجنّة ولكن أهل الكوفة خذلوك ورفع ألوية الغدر بك ، وقد وجّه إليك يزيد بجيش لا يعدّ ولا يحصى وهم ظاهرون على أصحابك ، والنصر لهم عليك ، وفي مثل هذه المواقف الصعبة ماذا يصنع مثلي وهو فرد ، فأرجو أن تعفيني من ذلك ولك هذه الفرس الملحقة ، ما فاتها سابق ولا أدركها لاحق ، وأعطيك سيفي هذا القاطع وهو أحد من أنياب الليث فاقبله منّي ولا تحملني على خطّة لا أطيقها.

فقال الإمام عليه‌السلام : ما جئتك أطلب فرسك أو سيفك وإنّما أردت أن تنال التوفيق بطاعتي وتطهّر نفسك في هذا الجهاد في سبيل الله وتبذل نفسك فيه فلا حاجة لنا بمالك وما كنت متّخذ المضلّين عضداً ، ولقد قال جدّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من سمع واعية أهل بيتي فلم يُعنهم ويلبِّ ندائهم أكبّه الله في نار جهنّم ، قال هذا وخرج من خيمة ابن الحر.

وفي رواية الدرّ النظيم : قال ابن الحرّ : والله لقد كسر قلبي الحسين حين رأيته وقد أحدق به فتيانه وعلمت أنّ السيف آخذهم.

وفي خبر آخر : إنّ عبيدالله بن الحر ندم بعد الواقعة وأخذ يقرّع نفسه ويلومها على ما فاته من نصرة الحسين عليه‌السلام وينشد هذا الشعر :

١٤٢
 &

حسين حين يطلب بذل نصري

على أهل العداوة والشقاق

غداة يقول لي بالقصر قولاً

تولّى ثمّ ودّع بانطلاق

ولو أنّي أُواسيه بنفسي

لنلت كرامة يوم التلاق

مع ابن المصطفى نفسي فداه

فويل يوم توديع الفراق

فقد فاز الأولى (١) نصروا حسيناً

وخاب الآخرون ذوو النفاق

فلو فلق التلهّف قلب حيّ

لهم اليوم قلبي بانفلاق

الإشارة إلى تاريخ عبيدالله الجعفي

أكثر علماء الرجال من ذكره باللصوصيّة وسفك الدم والفتك وذكروه بالشعر.

قال المامقاني : يقلّ الخطأ جدّاً عند النجاشي في رجاله ولكن من أخطائه ما ذكره عند عبيدالله بن الحر الجعفي قائلاً : من سلفنا الصالح (٣) مع كثرة خياناته وجناياته ، إلّا أنّه حسن العقيدة ولكنّه قضى عمره بالصعلكة ، وشارك زمن عمر ابن الخطّاب في حرب القادسيّة فأحسن البلاء ثمّ لحق بمعاوية لكي يكرمه ولم يعتن بمعاوية ، واستدعاه يوماً معاوية وقال له : يابن الحر ، ما هذه الجموع التي تغدو وتروح على باب دارك ؟ فقال : هؤلاء يحموني ويحفظوني إن أردت ظلمي والعدوان عليَّ حالوا بيني وبينك. قال : لعلّك تخبئ في نفسك اللحوق معهم بعليّ ابن أبي طالب ؟ فقال : إن فعلت ذلك فإنّه ما علمت أهل لذلك ، لأنّه على الحقّ وأنت على الباطل. فقال عمرو بن العاص : كذبت ، فقال عبيدالله بن الحر : وأنت

__________________

(١) وفي نسخة : الذي.

(٢) جاء هذا العنوان بالعربيّة عند المؤلّف.

(٣) كلّ ما قاله النجاشي عن هذا الرجل : عبيدالله بن الحرّ الجعفي الفارس الفاتك الشاعر ، له نسخة يرويها عن أمير المؤمنين. وقال عنه سأل الحسين عن خضابه. راجع : الرجال ، ص ٩.

١٤٣
 &

أكذب منّي ، ثمّ غادر المجلس غاضباً ، وخرج من الشام ومعه خمسون فارساً وكان لا يمرّ على قرية إلّا وانتهبها بمن معه ، فهب حرس الحدود وحماة الثفر لردعه فحمل عليهم وقتل جماعة منهم وفرّ الباقون حتّى نزل الكوفة إلّا أنّه لم يلاق الإمام عليه‌السلام.

وفي نفس المهموم يروي عن قمقام فرهاد ميرزا (١) أنّ عبيدالله المذكور كان عثمانيّاً وكان يعدّ من الشجعان ومن فرسان العرب ، وكان في وقعة صفّين في جيش معاوية بن أبي سفيان لما كان في قلبه من محبّة عثمان ، ولمّا قُتل أمير المؤمنين عليه‌السلام انتقل إلى الكوفة وكان بها إلى أن حضرت مقدّمات قتل الحسين عليه‌السلام فخرج منها تعمّداً لئلّا يحضر في قتله ، انتهى (٢).

يظهر من هذه الرواية بأنّ عودته إلى الكوفة من الشام كانت بعد شهادة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وفي بعض التواريخ أنّ خروجه من الكوفة كان بعد دخول مسلم ومجيء عبيدالله بن زياد لعنهما الله ، ولمّا فرغ هذا اللعين من تصفية مسلم وهانئ عليهما‌السلام جدّ في البحث عن رجالات أهل الكوفة وأشرافهم من هؤلاء عبيدالله ابن الحر فلم يقع أحد له على أثر حتّى جاء مجلس عبيدالله اتفاقاً ، فسأله عبيدالله ابن زياد : أين كنت هذه المدّة ؟ فقال : مرضت ، فقال : في قلبك لا في جسدك ، فقال ابن الحر : لم يمرض قلبي وقد عافاني الله في جسمي. فقال ابن زياد : كذبت بل كنت مع عدوّنا ، فقال : لو كنت معه لشوهد مقامي ولم يخف مشهدي لأنّي لست مجهولاً ، وفي هذه الحال انشغل ابن زياد مع آخر يكلّمه فانتهز ابن الحرّ

__________________

(١) هذا الكتاب الشريف ترجمته إلى العربيّة مع التحقيق ونشرته دار الشريف الرضي وهو كتاب جيّد مفيد ومبارك.

(٢) نفس المهموم ، ص ١٧٨.

١٤٤
 &

الفرصة وخرج من مجلسه ، فلمّا رأى ابن زياد مكانه خالياً قال : انظروا أين ذهب ابن الحر ؟ قالوا : خرج من مجلسك الساعة ، فقال : اطلبوه عاجلاً ، فخرج جماعة من الشرط في طلبه فرأوه وقد علا صهوة فرسه ، فقالوا : أجب الأمير ، فقال : والله لا عُدت إليه مختاراً وهمز جواده فطار به وقصد منزل الأحمر بن زياد الطائي فجمع أصحابه وقصد قصد المدائن حتّى إذا خرج المختار بن أبي عبيدة الثقفي التحق بعسكره.

فلمّا بعث المختار إبراهيم لحرب ابن زياد لعنهما الله خرج عبيدالله مع إبراهيم بن مالك الأشتر النخعي وكان إبراهيم كارهاً لخروجه معه ، وأنّه قال للمختار : أخاف أن يغدر بي وقت الحاجة ، فقال له المختار : أحسن إليه واملأ عينه بالمال. وإنّ إبراهيم خرج ومعه عبيدالله بن الحر حتّى نزل تكريت وأمر بجباية خراجها ، ففرّقه وبعث إلى عبيدالله بن الحر بخمسة آلاف درهم ، فغضب فقال : أنت أخذت لنفسك عشرة آلاف درهم وما كان الحرّ دون مالك ، فحلف إبراهيم أنّي ما أخذت زيادة عليك ثمّ حمل اليه ما أخذه لنفسه فلم يرض وخرج على المختار ونقض عهده وأغار على سواد الكوفة فنهب القرى وقتل العمّال وأخذ الأموال ومضى إلى البصرة إلى مصعب بن الزبير ، وأرسل المختار إلى داره فهدمها (١) ولم يف لمصعب أيضاً فذهب من هناك إلى الشام ، وسأل عبدالملك أن يؤمّره على جند لحرب ابن الزبير ، فسيّر معه عبداللملك أربعة آلاف فارس ونحى نحو العراق حتّى إذا بلغ أطراف الموصل ومعه الجند المذكور فانفرد عن جنده وبينما هو يسير على فرسه وقد عبر جسراً هناك إذ زلّت به قدم فرسه فكبا به الفرس وهوى في النهر

__________________

(١) نفس المهموم ، ص ١٨١ و ١٨٢ نقلاً عن شرح الثار ، ص ٣٤ و ٣٥ بحار الأنوار ، ج ٤٥ ص ٣٧٩ و ٣٨٠.

١٤٥
 &

فأقبل عليه الزرّاع بمساحيهم وأخذوا يضربونه بها بدلاً من إخراجه حتّى هلك وغنموا فرسه وأسلحته ، إلّا أنّ صاحب الأخبار الطوال روى موته بشكل آخر ممّا لا حاجة بنا إلى ذكره.

وله أشعار كثيرة تدلّ على ندمه لأنّه حرم الشهادة مع الحسين عليه‌السلام ، منها قوله :

يقول أمير غادر وابن غادر

ألا كنت قاتلت الحسين بن فاطمه

فيا ندمي أن لا أكون نصرته

ألا كلّ نفس لا تُسدّد نادمه

ونفسي على خذلانه واعتزاله

وبيعة هذا الناكث العهد لائمه

سقى الله أرواح الذين تآزروا

على نصره سقياً من الغيث دائمه

وقفت على أطلالهم ومحالهم

فكاد الحشى ينقضّ والعين ساجمه

وإنّي على أن لم أكن من حماته

لدى حسرة ما إن تفارق لازمه

لعمري لقد كانوا سراعاً إلى الوغى

مصاليت في الهيجا حماة خضارمه

تأسّوا على نصر بن بنت نبيّهم

بأسيافهم آساد غيل ضراغمه

فإن يقتلوا في كلّ نفس بقيّة

على الأرض قد أضحت لذلك واجمه

وما إن رأى الراؤون أفضل منهم

لدى الموت سادات وزهر قماقمه

أيقتلهم ظلماً ويرجوا ودادنا

فدع خطّة ليست لنا بملائمه

لعمري لقد راغمتمونا بقتلهم

فكم ناقم منّا عليكم وناقمه

أهمّ مرادي أن اسير بجحفل

إلى فئة زاغت عن الحقّ ظالمه

فكفّوا وإلّا زرتكم في كتائب

أشدّ عليكم من زحوف الديالمه

فلمّا بلغ ابن زياد شعره أرسل في طلبه ففاته.

ومجمل القول أنّ له أشعاراً كثيرة يظهر فيها الندم ويلوم نفسه على ما فاته من نصرة ابن رسول الله ، ويمدح فيها أصحابه.

يقول العلّامة بحر العلوم في رجاله : فالرجل عندي صحيح الاعتقاد وسيّئ

١٤٦
 &

العمل (١). إلى أن يقول : والعجب من النجاشي كيف يعدّ هذا الرجل من سلفنا الصالح ويعتني به ويصدّر كتابه بذكره .. الخ (٢).

أقول : لا عجب من ذلك لأنّ المعصوم من عصمه الله ، إنّ الجواد قد يكبو وإنّ الصارم قد ينبو.

٤٧ ـ حجير بن جُنْدَب

جندب بضمّ الجيم وإسكان النون وفتح الدال ، وحجير على وزن زبير فقط. الحدائق الورديّة يقول في ترجمة والده جندب بن زهير بن الحارث الكندي الخولاني أنّه قتل ولده حجير في أوّل القتال.

ولا يوجد له ذكر في كتب الرجال بخلاف والده الذي كان من المشاهير كما تقدّم.

وانثنوا للوغى غضاب أُسود

عصفت في العدى بصرصر عاد

أُوردوا البيض دونه من نجيع

الهام والسمر من دم الأكباد

٤٨ ـ الحرّ بن يزيد الرياحي

ذكر نسبه أرباب الرجال على النحو التالي : الحرّ بن يزيد بن ناجية بن قعنب بن عتاب بن هرم بن رياح بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد بن مناة بن تميم ، فهو تميميّ يربوعيّ رياحيّ.

__________________

(١) الفوائد الرجالية ، ج ١ ص ٣٢٧ : وقد يرجى له النجاة بحسن عقيدته .. الخ. أقول : لو كان حسن العقيدة لما فارق الإمام ولجأ إلى معاوية وقد عاتبه الإمام على فعله عندما جاء يطلب زوجه. راجع الطبري. (المترجم)

(٢) نفسه ، ص ٣٢٤. وقد مرّ بنا قول النجاشي وهو خالٍ من هذه العبارة المنسوبة إليه. (المترجم)

١٤٧
 &

وفي كتاب سبائك الذهب في معرفة أنساب العرب ذكر أنّ من أيّام العرب يوم « طفخة » وسببه « الرادفة » فقد كانت تساوي الوزارة ، والرديف من حقّه الجلوس على يمين الملك ، وكانت الرادفة لبني يربوع ، فخذ من أفخاذ بني تميم .. وتنتقل من الآباء إلى الأبناء والأحفاد ، إلى أن تقدّم حاجب بن زرارة الدارمي التميمي إلى النعمان بن المنذر أن يعطي الرادفة إلى الحرث التميمي من بني مجاشع ، فأخبر النعمان بني يربوع بذلك وطلب منهم الرضا به ، فامتنع بنو يربوع من قبول العرض وأبوا أشدّ الإباء ، وكان منزلهم أسفل « طفخة » وهو جبل طويل أحمر اللون وفيه عيون ماء عذبة ، فعمد النعمان إلى قمعهم وأخذ الرضا منهم قهراً ، فسيّر أخويه « قابوس » (١) و « حسّان » ابني المنذر على رأس جيش لجب إلى بني يربوع وكان قابوس القائد وحسّان على مقدّمة الجيش ، وبلغ الجيش ظفخة لمنازلة بني يربوع واحتدم القتال في سفح الجبل فهزم جيش قابوس فأسروه وغنموا فرسه وأرادوا أن يجزّوا ناصيته فقال لهم قابوس : الملوك لا تُجزّ نواصيها ، وأسروا حسّاناً أيضاً وهزمت عساكره وعاد الجيش إلى النعمان بدونهما ، فحزن النعمان على أخويه فأرسل عجلاً شهاب بن قيس اليربوعي إلى بني عمّه وقال له : أسرع لتصل إلى حسّان وقابوس وتخلّصهما من الأسر وأرجع الرادفة إلى بني يربوع وأترك لهم ما غنموه وأهدر من قتلوه ، وأدفع لهم ألفي بعير ، فأقبل شهاب فوجدهما حيّين فخلّصهما من الأسر ووفى لهم بوعد الملك ، وبعد ذلك لم يعترضهم أحد على الرادفة ، وسمّي ذلك اليوم يوم طفخة ». وبعضهم قدّم الخاء على الفاء.

يقول سيّدنا الحرّ العاملي في أعيان الشيعة في ترجمة الحرّ بن يزيد الرياحي :

__________________

(١) المعروف تاريخياً أنّ قابوس بن النعمان وليس أخاه ، يقول النابغة الذبياني :

نبّئت أنّ أبا قابوس أوعدني

ولا قرار على زأر من الأسد

١٤٨
 &

كان من رؤساء بني تميم وكان ابن زياد قد أمّره على ألف فارس يستقبل بهم الحسين عليه‌السلام (١).

ويقول سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواصّ : وكان الحرّ بن يزيد الرياحي من ساداتهم وأهل الكوفة (٢).

وقال العلّامة السماوي في إبصار العين : كان الحرّ الرياحي شريفاً في قومه في الجاهليّة والإسلام فإنّ جدّه عتاب كان رديف النعمان بن المنذر .. والحرّ هو ابن عمّ الأحوص الصحابي الشاعر (٣).

ولا يخفى أنّه مع كونه من سادات الكوفة وأشرافها ورؤسائها إلّا أنّه تقلّ الأخبار عنه فلا يعلم إلى أيّ حزب ينتمي في عهد أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ويظهر من أخبار المؤرّخين أنّ عبيدالله بن زياد لعنهما الله بعثه مع الحصين بن نمير من الكوفة إلى القادسيّة وأمر الحرّ أن ينتظر الحسين في القادسيّة ، ويمنعه من دخول الكوفة ، فأقبل الحرّ في ألف فارس حتّى تلاقى مع الحسين عليه‌السلام في « ذو جشم » (٤).

أخبار الحسين من لقائه بالحرّ إلى شهادته

عن عبدالله بن سليم والمنذر (٥) بن المشمعل الأسديّين قالا : أقبل الحسين عليه‌السلام حتّى نزل « شراف » فلمّا كان في السحر أمر فتيانه فاستقوا من الماء فأكثروا ثمّ

__________________

(١) أعيان الشيعة ، ج ١ ص ٥٩٦.

(٢) تذكرة خواصّ الأُمّة ، ص ٢٢٦.

(٣) إبصار العين ، ص ١١٥.

(٤) بالمهملتين كصرد ، ويروي « حسم » بضمّتين ، ويروي بكسر الحاء وسكون السين مقصوراً ، ويروي بالجيم المعجمة والشين المعجمة على وزن عنب ، ويروي بالخاء المعجمة والشين المعجمة بعدها باء. (منه)

(٥) في تاريخ الطبري : المذري.

١٤٩
 &

ساروا منها فرسموا صدر يومهم حتّى انتصف النهار ، ثمّ إنّ رجلاً قال : الله أكبر ، فقال الحسين عليه‌السلام : الله أكبر ، ما كبّرت ؟ قال : رأيت النخل ، فقال له الأسديّان : إنّ هذا المكان ما رأينا به نخلة قطّ. قالا : فقال الحسين عليه‌السلام : فما تريانه رأى ؟ قلنا : نراه رأى هوادي الخيل ، فقال : وأنا والله أرى ذلك.

فقال الحسين عليه‌السلام : أما لنا ملجأ نلجأ إليه نجعله في ظهورنا ونستقبل القوم من وجه واحد ؟ فقلنا له : بلى ، هذا ذو حسم إلى جنبك تميل إليه عن يسارك فإن سبقت القوم إليه فهو كما تريد. قال : فأخذ إليه ذات اليسار ، قال : وملنا معه فما كان بأسرع من أن طلعت علينا هوادي الخيل فتبيّنّاها وعدلنا ، فلمّا رأونا وقد عدلنا عن الطريق عدلوا إلينا كأنّ رماحهم اليعاسيب وكأن راياتهم أجنحة الطير.

قال : فاستبقنا إلى ذي حسم فسبقناهم إليه ، فنزل الحسين عليه‌السلام فأمر بأبنيته فضربت ، وجاء القوم وهم ألف فارس مع الحرّ بن يزيد التميمي اليربوعي حتّى وقف هو وخيله مقابل الحسين عليه‌السلام في حرّ الظهيرة والحسين وأصحابه عليهم‌السلام معتمّون متقلّدوا أسيافهم ، فقال الحسين لفتيانه : اسقوا القوم وأرووهم من الماء ورشّفوا الخيل ترشيفاً. فقام فتيانه فرشّفوا الخيل ترشيفاً ، فقام فتية وسقوا القوم من الماء حتّى أرووهم وأقبلوا يملأون القصاع والأتوار والطساس من الماء ثمّ يدنونها من الفرس فإذا عبّ فيه ثلاثاً وأربعاً أو خمساً عزلت عنه وسقوا آخر حتّى سقوا الخيل كلّها (١).

در آن وادى که بودى آب ناياب

سوار واسب را کردند سيراب

في ذلك القفر الجديب العاري

لا يخلد الساري إلى قرار

قد سقوا الفرسان والخيولا

وأجروا الماء لهم سيولا

__________________

(١) تاريخ الطبري ، ج ٤ ص ٣٠٢.

١٥٠
 &

قال هشام : حدّثني لقيط عن عليّ بن الطعان المحاربي : كنت مع الحرّ بن يزيد فجئت في آخر من جاء من أصحابه ، فلمّا رأى الحسين ما بي وبفرسي من العطش ، قال : أنخ الراوية ـ والراوية عندي السقاء ـ ثمّ قال : ابن أخي ، أنخ الجمل ، فأنخته ، فقال : اشرب ، فجعلت كلّما شربت سال الماء من السقاء ، فقال الحسين : اخنث السقاء أي اعطفه ، قال : فجعلت لا أدري كيف أفعل ، قال : فقام الحسين فخنثه فشربت وسقيت فرسي.

قال : فلم يزل (الحر) موافقاً حسيناً حتّى حضرت الصلاة صلاة الظهر ، فأمر الحسين الحجّاج بن مسروق الجعفي أن يؤذّن فاذّن ، فلمّا حضرت الإقامة خرج الحسين في إزار ورداء ونعلين فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : أيّها الناس ، إنّها معذرة إلى الله عزّ وجلّ وإليكم ، إنّي لم آتكم حتّى أتتني كتبكم وقدمت عليَّ رسلكم أن أقدم علينا فإنّه ليس لنا إمام لعلّ الله يجمعنا بك على الهدى ، فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم ، فإن تعطوني ما أطمئنّ إليه من عهودكم ومواثيقكم أقدم مصركم ، وإن لم تفعلوا وكنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي أقبلت منه إليكم.

قال : فسكتوا عنه وقالوا للمؤذّن : أقم الصلاة (١) ، فقال الحسين عليه‌السلام للحر : أتريد أن تصلّي بأصحابك ؟ قال : لا بل تصلّي أنت ونصلّي بصلاتك. قال : فصلّى بهم الحسين ثمّ إنّه دخل واجتمع إليه أصحابه وانصرف الحرّ إلى مكانه الذي كان به فدخل خيمة قد ضربت له ، فاجتمع إليه جماعة من أصحابه وعاد أصحابه إلى صفّهم الذي كانوا فيه فأعادوه ثمّ أخذ كلّ رجل منهم بعنان دابّته وجلس في ظلّها ،

__________________

(١) جعل المؤلّف الأصل العربي في الهامش والترجمة في المتن وكان عليَّ أن المترجم أن أعكس المسألة.

١٥١
 &

فلمّا كان وقت العصر أمر الحسين أن يتهيّؤوا للرحيل ثمّ إنّه خرج فأمر مناديه فنادى بالعصر وقام فاستقدم الحسين فصلّى بالقوم ثمّ سلّم وانصرف إلى القوم بوجهه فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال عليه‌السلام :

أمّا بعد ، أيّها الناس ، فإنّكم إن تتّقوا وتعرفوا الحقّ لأهله يكن أرضى لله ، ونحن أهل البيت أولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم والسائرين فيكم بالجور والعدوان ، وإن أنتم كرهتمونا وجهلتم حقّنا وكان رأيكم غير ما أتتني كتبكم وقدمت به عليَّ رسلكم انصرفت عنكم (١).

فقال له الحرّ بن يزيد : إنّا والله ما ندري ما هذه الكتب التي تذكر.

فقال الحسين عليه‌السلام : يا عقبة بن سمعان ، أخرج الخرجين اللذين فيهما كتبهم إليّ ، فأخرج خرجين مملوئين صحفاً فنشرها بين أيديهم.

فقال الحرّ : إنّا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك وقد أُمرنا إذا نحن لقيناك أن لا نفارقك حتّى نقدمك على عبيدالله بن زياد.

فقال الحسين عليه‌السلام : الموت أدنى إليك من ذلك ، ثمّ قال لأصحابه : قوموا فاركبوا ، وانتظروا حتّى ركبت نسائهم وصبيانهم (٢) فقال لأصحابه : انصرفوا بنا ، فلمّا ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم وبين الانصراف ، فقال الحسين عليه‌السلام للحرّ : ثكلتك أُمّك ،

__________________

(١) رجعت إلى كتاب تاريخ الطبري في هذا الفصل وأنا أعترف أنّ المؤلّف أضاف إلى الرواية جملاً من عنده حين الترجمة كما يقتضي ذلك النقل من لغة أُخرى. والمؤلّف فصيح اللسانين فهو بالفارسيّة والعربيّة لا يشقّ لها غبار في الفصاحة والبلاغة وكان يلقي على النصّ المترجم ديباجة مشرقة بما أُوتي من إشراقة البيان ، ورأيت لا سبيل إلى متابعته ولا بدّ من الاقتصار على النصّ العربي من مصدره واعتاد المؤلّف على جعله في الهامش وكان عليَّ أن أردّه إلى متن الكتاب وأكتفي به عن ترجمة النصّ الفارسي الذي أخذه المؤلّف من النصّ العربي وإن كان ذلك يحرم القارئ من حلاوة كلام المؤلّف. (المترجم)

(٢) زيادة من المؤلّف.

١٥٢
 &

ما تريد ؟! قال : أما والله لو غيرك من العرب يقولها لي وهو على مثل الحال التي أنت عليها ما تركت ذكر أُمّه بالثكل أن أقوله كائناً من كان ولكن والله ما لي إلى ذكر أُمّك من سبيل إلّا بأحسن ما يقدر عليه.

فقال الحسين عليه‌السلام : فما تريد ؟ قال الحر : أُريد والله أن انطلق بك إلى عبيدالله بن زياد. فقال الحسين عليه‌السلام : إذن والله لا أتّبعك. فقال له الحر : إذن والله لا أدعك ، فترادّا القول ثلاث مرّات ، ولمّا كثر الكلام بينهما قال له الحر : إنّي لم أُؤمر بقتالك وإنّما أُمرت أن لا أُفارقك حتّى أقدمك الكوفة ، فإذا أبيت فخذ طريقاً لا تدخلك الكوفة ولا تردّك إلى المدينة لتكون بيني وبينك نصفاً حتّى أكتب إلى ابن زياد (وتكتب أنت إلى يزيد بن معاوية إن أردت أن تكتب إليه أو إلى عبيدالله بن زياد إن شئت) (١) فلعلّ الله إلى ذلك أن يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن أُبتلى بشيء من أمرك.

قال : فخذ هاهنا ، فتياسر عن طريق العذيب والقادسيّة ، وبينه وبين العذيب ثمانية وثلاثون ميلاً .. (٢) ولم يكن على يسار الطريق سوى القفر والهضاب الجرداء ، فقال الحسين عليه‌السلام : من منكم يعرف الطريق ؟ فقال رجل يُدعى الطرمّاح : يابن رسول الله ، أنا أعرف الناس بطرق هذه الأرض وسالك فجاجها ، فقال : تقدّم أمامنا ودُلّنا على الطريق ، فسار الإمام بأصحابه وتقدّم الطرمّاح بين يديه وأخذ ينشد : « يا ناقتي لا تجزعي من زجري » الخ ، وستأتي في ترجمته.

فلمّا سمع الحرّ الأُرجوزة وفيها سبّ ابن زياد ويزيد تنحّى عن الحسين وابتعد

__________________

(١) هذه الجملة ليست عند المؤلّف وإنّما أعرض عنها فلسخافتها. (المترجم)

(٢) تاريخ الطبري ، ج ٤ ص ٣٠٤.

١٥٣
 &

قليلاً عن طريقة حتّى بلغوا « البيضة » (١) عند صلاة الصبح وفيها خطب الناس بعد الصلاة بناءاً على ما رواه في نفس المهموم (٢) نقلاً عن الطبري وأبي مخنف ، فقال :

أيّها الناس ، إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من رأى سلطاناً جائراً مستحلّاً لحرم الله ، ناكثاً لعهد الله ، مخالفاً لسنّة رسول الله يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يعيّر (يغيّر) عليه بفعل ولا قول كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله ، ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطّلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله ، وأنا أحقّ من عيّر (غيّر) وقد أتتني كتبكم وقدمت عليَّ رسلكم ببيعتكم أنّكم لا تسلموني ولا تخذلوني ، فإن تمّمتم عليَّ بيعتكم تصيبوا رشدكم ، فأنا الحسين بن عليّ وابن فاطمة بنت رسول الله ، نفسي مع أنفسكم ، وأهلي مع أهليكم ، فلكم فيّ أُسوة ، وإن لم تفعلوا ونقضتم عهدكم ، وخلعتم بيعتي من أعناقكم فلعمري ما هي لكم بنكر لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمّي مسلم ، والمغرور من اغترّ بكم ، فحظّكم أخطأتم ، ونصيبكم ضيّعتم ، ومن نكث فإنّما ينكث على نفسه ، وسيغني الله عنكم ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ولكن صاحب ناسخ التواريخ قال : أنّ هذه الخطبة هي كتاب كتبه الإمام عليه‌السلام من

__________________

(١) واحدة البيض ، ماء لبني دارم وهي بالكسر ما بين واقصة إلى العذيب والقادسيّة أربعة أميال ، وبين القادسيّة والكوفة خمسة عشر فرسخاً ، وواقصة بكسر القاف والصاد بينه وبين زبالة مرحلتان.

(٢) نفس المهموم ، ص ١٧٢ والمؤلّف كما جرت عادته جعل النصّ العربي في الهامش وترجمته في متن الكتاب ، وهذه طريقة خاصّة بالمؤلّف لأنّ إخوانه العلماء جروا على دمج المتن بالترجمة في أصل الكتاب.

١٥٤
 &

كربلاء وبعثه إلى أهل الكوفة حين نزوله في أرضها (١).

وصفوة القول أنّ الحرّ لان قلبه من هذه الخطبة وشعر بالحقّ ودنا من الحسين عليه‌السلام وقال له : يابن رسول الله ، إنّي أُذكّرك الله في نفسك فإنّي أشهد لئن قاتلت لتقتلنّ ، فقال الإمام عليه‌السلام : أفبالموت تخوّفني ؟ وهل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني ، وسوف يبتليكم الله بمختلف المحن والرزايا جزاءاً لكم بما فعلتم ، وإنّي سأقول كما قال أخو الأوس لابن عمّه وهو يريد نصرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فخوّفه ابن عمّه وقال : أين تذهب فإنّك مقتول ، ثمّ تمثّل الإمام بشعر قاله ومضمونه :

اگر کشته خواهد تو را روزگار

چه نيکوتر از مرگ در کارزار (٢)

إن كانت الموت مقضيّاً على رجل

فخيره أن يرى في الحرب منجدلا

قال :

سأمضي وما بالموت عارٌ على الفتى

إذا ما نوى حقّاً وجاهد مسلما

وواسى الرجال الصالحين بنفسه

وفارق مثبوراً وودّع مجرما

فإن عشئت لم أندم وإن متُّ لم ألم

كفى بك ذُلّاً أن تعيش وترغما

أُقدّم نفسي لا أُريد بقائها

لنلقى خميساً في الوغى وعرمرما (٣)

وصفوة القول : إنّ الإمام عليه‌السلام أخذ يسير بأصحابه فإذا جميعاً راكب على نجيب له وعليه السلاح متنكّب قوساً مقبل من الكوفة (٤) فوقفوا جميعاً فلمّا انتهى إليهم سلّم على الحرّ بن يزيد ولم يسلّم على الحسين عليه‌السلام وأصحابه ، فدفع إلى الحرّ كتاباً من

__________________

(١) كتب عليه‌السلام : بسم الله الرحمن الرحيم ، من الحسين بن عليّ إلى ابن صرد والمسيّب ورفاعة بن شدّاد وعبدالله بن وائل وجماعة المؤمنين ، أما بعد فقد .. الخ ، والله أعلم.

(٢) وهنا ذكر المؤلّف ترجمة الأبيات وذكرها في الهامش.

(٣) نفس المهموم ، ص ١٧٣ ولم يذكر البيت الرابع. (المترجم)

(٤) ذكر المؤلّف أنّه مالك بن يسر ولم أعثر عليه في الطبري.

١٥٥
 &

عبيدالله بن زياد فإذا فيه : أمّا بعد ، فجعجع بالحسين حين يبلغك كتابي ويقدم عليك رسولي فلا تنزله إلّا بالعراء غير حصن وعلى غير ماء ، وقد أمرت رسولي أن يلزمك ولا يفارقك حتّى يأتيني بإنفاذك أمري والسلام.

قال : فلمّا قرأ الكتاب ، قال لهم الحر : هذا كتاب الأمير عبيدالله بن زياد يأمرني فيه أن أُجعجع بكم في المكان الذي يأتيني فيه كتابه وهذا رسوله ، وقد أمره أن لا يفارقني حتّى أُنفّذ رأيه وأمره.

فأمر الحسين عليه‌السلام بالنزول وكلّما أرادوا المسير حال أصحاب الحرّ بينهم وبينه ، فقال الإمام عليه‌السلام : دعونا ننزل الغاضريّة أو نينوى أو شفاثة (١) ، فقال الحرّ : لا أستطيع ذلك لأنّ رسول ابن زياد معي ناظر بم يرجع في أمري ، وأخيراً سار يمنة ويسرة حتّى بلغ أرض كربلاء ونزلها بأُسرته وأصحابه ، ونزل الحرّ بجيشه بأزاء الحسين عليه‌السلام.

توبة الحرّ وشهادته

إلى أن ورد عمر بن سعد أرض كربلاء وأقبلت ورائه العساكر تترى ، فعبّأ ابن سعد جيشه وجعل الحرّ على ربع تميم وهمدان أميراً عليهم ، وبقي الحرّ على هذه الحال حتّى رأى من ابن سعد قسوة القلب لأنّه لم يعط الحسين عليه‌السلام شرطاً واحداً من الشروط التي طلبها منهم ، فعجب من فظاظته وغلظته فأقبل عليه وقال : يابن سعد ، أمقاتل أنت هذا الرجل ؟! قال : أي والله قتالاً أيسره أن تطير فيه الرؤوس وتطيح الأيدي. فقال : فما لكم في الشروط التي عرضها عليكم ألّا تقبلوها لينتهي الأمر بالسلم ؟ فقال ابن سعد : لو كان الأمر لي لرضيت ولكنّ أميرك أبي.

__________________

(١) شفيّه ـ الطبري. شفيّة : قال الياقوت : اسم بئر قديمة في مكّة ، وشفيه ركية معروفة في الإحساء عذبة معروفة ولم يذكر موضعاً بهذا الاسم في كربلاء. راجع : معجم البلدان ، ج ٣ ص ٢٥٢.

١٥٦
 &

فعاد الحرّ غاضباً إلى مركزه وكان إلى جانبه قرّة بن قيس وهو من عشيرته ، فقال له الحر : يا قرّة ، أسقيت فرسك ؟ فقال قرّة : كلّا ، فقال الحر : ألا تريد أن تسقيه ؟ فقال قرّة : فظننت أنّه يريد اعتزال الحرب ، ولا يريد أن أعرف ذلك منه فأشي به ، ولو علمت بما يريد لفعلت فعله ولحقت بالحسين عليه‌السلام (١).

وصفوة القول : إنّ الحرّ عليه‌السلام تنحّى عن مكانه وأقبل نحو معسكر الحسين وصار يتقدّم شيئاً فشيئاً ، فقال له المهاجر بن أوس : أتريد أن تحمل ؟ فلم يجبه وأخذه مثل الأفكل ، فقال المهاجر لذلك السعيد الطالع الحرّ : إنّ أمرك لمريب ، والله ما رأيت هذا منك أبداً ولو سُئلت من أشجع أهل الكوفة لما عدوتك ، فما هذه الرعدة منك ؟ فقال الحرّ : والله إنّي أُخيّر نفسي بين الجنّة والنار ولا أختار على الجنّة شيئاً ولو قطّعت إرباً إرباً وأحرقت بالنار ثمّ ساق جواده ولحق بالحسين وحلّ في الجنّة.

جانب من الأشعار المناسبة للمعنى :

اى در تو قاصد ومقصود ما

وى رخ تو شاهد ومشهود ما

نقد غمت مايه هر شادى است

بندگيت به ز هر آزادى است

يار شوى اى مونس غمخوارگان

چاره کن اى چارهٔ بيچارگان

درگذر از حرم که خواهنده‌ايم

چارهٔ ما کن که پناهنده‌ايم

چارهٔ ما ساز که بى ياوريم

گر تو برانى بکه رو آوريم

__________________

(١) لقد كذب هذا الخبيث لعنه الله ، أليس هو رسول عمر بن سعد إلى الحسين ودعاه حبيب عليهم‌السلام إلى ترك الطاغية فأبى ، ثمّ ألم يشاهد الحرّ وقد لحق بالحسين وأقبل عليهم يعظهم فما باله لم يفعل فعله ؟ (المترجم)

١٥٧
 &

مباراة القطعة بالعربيّة :

يا ذا الذي نأوي إلى بابه

ووجهه شاهد أحبابه

من غمّك الحاضر أفراحنا

فلم نذق أعذب من صابه

عبدك إذ أثقله قيده

لم يرد التحرير ممّا به

فكن أنيسي حين لا مؤنس

قد خان لبي كلّ أترابه

جئت إلى بابك مسترحماً

أُمرّغ الخدّ بأعتابه

لا منقذ إلّاك لا مؤنس

إلّاك يا أنيس أصحابه

فتب علينا واعف عن جرمنا

ومُر لنا برفق كتّابه

قد يرحم الليث بلا رحمة

إن أقبل الصيد إلى غابه

وأنت رحمان رحيم وإن

هدّ عبيداً بعض أوصابه

ليس لنا مأوًى سوى رحمة

تخرج فيها العبد من عابه

إن ملت عنّا فلمن نلتجي

يا باسط العفو لطلّابه

*       *      *

دارم از لطف ازل منظر فردوس طمع

گرچه دربانى ميخانهٔ دونان کردم

سايه‌اى بر دل ريشم فکن اى گنج مراد

که من اينخانه بسوداى تو ويران کردم

طمعت بالجنّة منذو الأزل

وإن أكن شخصاً قليل العمل

ألق على قلبي برد الرضا

كي يوهب الوصال فيمن وصل

أخرجت من أجلك كلّ الذي

سواك في بيت فؤادي نزل

بنيت بيتاً فيه سكناكم

وصحت من داخله حيّهل

*       *      *

١٥٨
 &

شاها اگر بعرش رسانم سرير فضل

مملوک اين چنانم ومشتاق اين درم

گر برکنم دل از تو بردارم از تو مهر

اين مهر بر کى افکنم اين دل کجا برم

مولاي لو أوصلتني للسُّهى

فلست إلّا العبد مملوكا

مثوى فؤادي بابك المرتجى

وكلّ شوقي أن أُلاقيكا

لو أنّ قلبي حال عن حبّكم

ولم يجد مأويً بناديكا

قل لي فمن يهواه من بعدكم

وأين يهفو إذ يخلّيكا

*       *      *

گشت از لشکر چه قدرى راه دور

شد چو موسد جانب خرگاه طور

ليک بودش پاى در رفتن بکل

سخت بود از روى شاه دين خجل

در تفکر آنکه چون عذر آورد

با کدامين ديده شه را بنگرد

باز کرد از شرم دستار سرش

هم بدان پوشيده چهر انورش

با چنين هيئت سر آزادگان

بوسه زد بر پاى شاه انس وجان

گوهر از مژگان به خاک پاى شاه

ريخت واينسان کشد از وى عذر خواه

گفت من حرّم که ره بربسته‌ام

بر تو قلب نازکت بشکسته‌ام

رنجه کردم حال اطفال تو را

اوّل آشفتم ز کين قلب تو را

زينت زار تو را ترسانده‌ام

کودکانت را بدن لرزانده‌ام

حال از کرده پشيمان گشته‌ام

تخم امّيدى بخاطر گشته‌ام

کن شفاعت از من اى سبط رسول

توبه‌ام را تا که حق سازد قبول

مباراة القصيدة بالعربيّة :

وخلّف جيش الكفر حرّ ورائه

وجاء كموسى إذ أتى جانب الطور

وأوقف بين الفيلقين جواده

وما كان أن يدنو إليهم بمقدور

١٥٩
 &

كان من السبط الشهيد حيائه

وأطرق كالعين السقيمة في النور

فما عذره والله يعلم ذنبه

فما هو ربّ العباد بمستور

وأقبل منقاداً بحبل ولائه

وقد كان قبلاً آمراً غير مأمور

تغشيه أبراد الذنوب بمسحة

من الذلّ يحكي عن قصور وتقصير

ولمّا تلقّى والإمام هو به

إلى الأرض قلب مذنب غير معذور

وقبّل أقدام الإمام ودمعه

يسيل كدرّ فارق النظم منثور

وقال أيا مولاي هل لي أوبة

فقد عاد عبد آبق غير منصور

فقال له المولى فمن أنت يا تُرى ؟

لقد أبت في ذنب من الله مغفور

فقال له كلّا فعبدك مذنب

ولولاه ما كانت مصيبة عاشور

أنا الحرّ قد أنزلتك الوعر هاهنا

بأمر أمير ساقط القدر مغرور

ولم أترك المولى يعود كما أتى

وما كان فعلي عند ربّي بمهدور

وروّعت أفلاذ النبوّة ضلّةً

لأُرضي بفعلي حاكم الجور والزور

لي الله إذ أبكي عقيلة حيدر

وأرهب بالأتباع سيّدة الحور

أنا اليائس المطرود من باب ربّه

فهل شافع مولاي يوماً لمقهور

فقال نعم إن تبت فابشر برحمة

من الله في يوم من العفو محشور

*       *      *

گواه عشق تو اين اشک سرخ وچهرهٴ زردم

درون پر شرر و قلبِ زار و پر غم و دردم

قسم بجان تو کز درگه تو باز نگردم

اميد خواجگيم بود بندگى تو کردم

هواى سلطنتم بود خدمت تو گزيدم

١٦٠