عاشوراء بين الصّلح الحسني والكيد السّفياني

السيد جعفر مرتضى العاملي

عاشوراء بين الصّلح الحسني والكيد السّفياني

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المركز الإسلامي للدّراسات
الطبعة: ١
الصفحات: ١٥٦

بستانه الخضرا ، كبّر تكبيرة عظيمة (١).

وحين وصل السبايا إلى الشام «جمع يزيد مَن كان بحضرته من أهل الشام ، ثمّ دخلوا عليه ، فهنّوه بالفتح» (٢).

وتقدّم أنه حين وضع رأس الإمام الحسين عليه‌السلام جعل ينكت ثناياه بالقضيب ، وهو يقول :

أبى قومُنا أن ينصفونا فأنصفتْ

قواضبُ في أيماننا تقطر الدما

نفلّق هاماً من رجالٍ أعزّةٍ

علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما

ثم صلب الرأس الشريف على باب القصر ثلاثة أيام (٣).

وفي نص آخر : نصبه بدمشق ثلاثة أيام ، ثمّ وضع في خزائن السلاح (٤).

وفي نص آخر : أنه نصبه على باب مسجد دمشق (٥).

وفي نص آخر : نصبه في جامع دمشق في المكان الذي نُصب فيه

____________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ / ٢٢٢.

(٢) البداية والنهاية ٨ / ١٩٧ ط سنة ١٩٦٦م ، وراجع سير أعلام النبلاء ٣ / ٣٠٩.

(٣) راجع الخطط ـ للمقريزي ٢ / ٢٨٩ ، والإتحاف بحبِّ الأشراف / ٢٣ ، ومقتل الحسين عليه‌السلام ـ للخوارزمي ٢ / ٧٥ ، وسير أعلام النبلاء ٣ / ٣١٩.

(٤) البداية والنهاية ٨ / ٢٢٢ دار إحياء التراث ، وسير أعلام النبلاء ٣ / ٣١٩.

(٥) الأمالي للصدوق / ١٤٧ ط سنة ١٣٨٩ هـ ـ النجف الأشرف.

١٠١

رأس النبي يحيى بن زكريا عليهما‌السلام (١).

ثمّ حبس السبايا في محبس لا يكنّهم من حر ولا برد (٢) ..

ولعلّه نصبه في أكثر من موضع في الأيام المختلفة.

لو صحت مزاعمهم

وبعد ، فلو صح ما يزعمونه من أن يزيد (لعنه الله) لم يأمر ابن زياد بقتل الإمام الحسين عليه‌السلام ، فقد كان من المفترض أن يقتص منه ، أو على الأقل أن يحاسب ويعاقب ابن زياد ، وعمر بن سعد ، وشمر بن ذي الجوشن ، وغيرهم (لعنهم الله) ممّن شارك في قتل الإمام الحسين عليه‌السلام ريحانة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وسيد شباب أهل الجنة.

وكان عليه أيضاً أن يعاقب عمرو بن سعيد الأشدق الذي أمر صاحب شرطته على المدينة عمرو بن الزبير بن العوام بهدم دور بني هاشم في المدينة ، ففعل ، وبلغ منهم كل مبلغ ، وهدم دار ابن مطيع (٣).

وكان عليه أن يستغني ـ على الأقل ـ عن خدمات ابن زياد والأشدق وغيرهما ..

وكان عليه أن لا يرضى من سفيانيّة أهل دمشق بأن يستقبلوا السبايا

____________________

(١) صبح الأعشى ٤ / ٩٧ ط المؤسسة المصرية العامة ، ونقل عن تذهيب التهذيب ١ / ١٥٧.

(٢) الأمالي للصدوق / ١٤٨.

(٣) راجع الأغاني ٤ / ١٥٦ ط.

١٠٢

بالدفوف ، وبالفرح والسرور (١).

وبعد كل ما تقدم :

فما معنى محاولة هؤلاء تبرئة يزيد (لعنه الله) ممّا اقترفته يداه ، وادعاء أنه لم يأمر بقتل الإمام الحسين عليه‌السلام ، ولا رضي به ، بل حاول أن يمنع من عودة القتال بين أهل الشام وأهل العراق؟!

أنصار السفياني :

وبعد أن اتضح : أن هذا المنشور قد اعتمد في عرضه لما جرى للإمام الحسين عليه‌السلام الرواية السفيانيّة اليزيديّة الشاذة التي أجمعت الدلائل والشواهد ، والنصوص التاريخية على خلافها.

نقول :

ما كنا نظن أننا نعيش إلى اليوم الذي نحتاج فيه إلى إثبات أنّ يزيد (لعنه الله) هو الذي قتل الإمام الحسين عليه‌السلام ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم!

وإن أخشى ما نخشاه هو أن يكون هذا النوع من الطروحات التي تسعى لتبرئة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان (لعنه الله) الذي ارتكب أعظم الجرائم وأفظعها في حق الدين ـ أن تكون من إرهاصات عودة السفيانيّة ، وأن يكون هؤلاء المروِّجون لها من الموطّئين لظهور السفياني في آخر الزمان ..

____________________

(١) أمالي الصدوق / ١٠٠.

١٠٣

ولعلّ ما يؤكّد هذا المعنى : أنّ المنشور يسعى للنيل من شخص الإمام الحسين عليه‌السلام ، سيد شباب أهل الجنة ، والإمام المنصوص على إمامته من قِبل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله نفسه ، بقوله : «الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا» ، وتصويره على أنه كان طالباً للدنيا كما أشارت إليه الرواية المكذوبة عن ابن عمر.

وذلك توطئة للطعن في أصل الإمامة الذي لم يزل يؤرِّق هؤلاء الناس ، ويمثّل الشوكة الجارحة في قلوبهم ، والقذ المؤلم في عيونهم ، والشجا المعترض في حلوقهم.

ابن تيمية المتجرِّئ على حرمات الله :

وأمّا كلام ابن تيمية الذي ورد في المنشور ، فهو ظاهر في أنه يدافع عن يزيد (لعنه الله) ، ويتهم الإمام الحسين عليه‌السلام بأنه لا عقل أو لا دين له ، والعياذ بالله ، وذلك حين زعم أنه أقدم على أمر ليس فيه مصلحة دين ولا مصلحة دنيا!

فهل أصبح ابن تيمية المجسِّم ، المتحامل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام أعرف بالتكليف الشرعي من سيد شباب أهل الجنة؟!

ثمّ إننا لا ندري كيف يكون الإمام الحسين عليه‌السلام سيداً لشبابها ، وليس على وجه الأرض أحد يساميه أو يساويه على حد تعبير ابن كثير الحنبلي (١) ما دام أنه لا يعرف مصلحة الدين ولا

____________________

(١) البداية والنهاية ٨ / ١٦٢ ط دار إحياء التراث العربي سنة ١٤١٣.

١٠٤

مصلحة الدنيا ، ويقدم على أمر «ما كان سليماً» على حدِّ تعبير ابن تيمية ، وقد أوجب الفساد على حدِّ تعبير هذا المتعصب البعيد عن الأدب مع أهل بيت النبوة؟!

أليس في ذلك تعذير ليزيد (لعنه الله) ، ولابن زياد ، وللشمر بن ذي الجوشن ، ولعمر بن سعد ، ولحرملة ، و .. و ..؟!

وانتهاك لحرمة ومقام الإمام الحسين عليه‌السلام ، وتسفيه لرأيه ، وتصويب أعدائه ، أو على الأقل تهوين لجريمتهم؟!

ثمَّ هو اعتراض على الله وعلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين أعطيا الأوسمة للإمام الحسين عليه‌السلام دون يزيد القرود والفهود ، والخمور والفجور!

النصب وإيحاءاته

ويلاحظ أنه قد ورد التعبير في المنشور أنّ الحر قال عن السيدة فاطمة الزهراء عليها‌السلام : إنها «سيدة نساء العرب» ، مع أن الرواية تصرح بأنها :

سيدة نساء هذه الاُمّة ..

وسيدة نساء العالمين.

وسيدة نساء أهل الجنّة (١)!

____________________

(١) راجع أسرار الأسماء لفاطمة الزهراء عليها‌السلام / ٦٩ ـ ٨٣ فإنه قد ذكر طائفة كبيرة من النصوص عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله عن مصادر كثيرة جدّاً من السنة والشيعة على حدٍّ سواء.

١٠٥
١٠٦

الفصل الثاني :

اللطم

على الإمام الحسين عليه‌السلام

١٠٧
١٠٨

قتل الإمام الحسين وقتل الأنبياء عليهم‌السلام

ثم ذكر المنشور الذي يبدو أنه مأخوذ ممّا جاء في البداية والنهاية لابن كثير أنّ الأنبياء قُتلوا ، وكذلك قُتل علي ، وعمر ، وعثمان ، وهؤلاء كلّهم أفضل من الحسين ، ولذلك لا يجوز إذا جاء ذكرى الحسين اللطم ... إلخ.

ثمّ استشهد بحديث : ليس منّا من لطم الخدود وشق الجيوب.

ونقول :

إنّ هذا الكلام كله أيضاً غير دقيق ولا صحيح ، ونلخّص ما نرمي إليه ضمن النقاط التالية :

فظاعة جريمة يزيد (لعنه الله)

بالنسبة إلى قولهم : «إن مقتل الحسين ليس هو بأعظم من قتل الأنبياء».

نقول :

إنه غير صحيح ، فإنّ قتل الإمام الحسين عليه‌السلام بهذه الصورة التي تم فيها قد كان هو الأفظع والأبشع ، والأعظم خطراً ، وذلك لأنه كان يهدف إلى اغتيال جهود جميع الأنبياء كلهم ، وذلك بالقضاء على دين

١٠٩

الإسلام الذي جاء به خاتم الرسل صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي هو الدين الأتم والأكمل ، ونبيّه هو الأشرف والأفضل من كلِّ ما ومَن خلق الله ، والذي هو ثمرة جهود وتضحيات جميع الأنبياء والأوصياء والصالحين ، من النبي آدم عليه‌السلام إلى النبي الخاتم صلى‌الله‌عليه‌وآله.

أوصياء نبينا أفضل :

وأمّا بالنسبة لتفضيل الأنبياء على الإمام الحسين عليه‌السلام ، فإننا نقول :

إنّ أوصياء نبينا الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل وأشرف من سائر الأوصياء ، بل هم أفضل من كلِّ من عدا نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله كما تدلّ عليه النصوص الكثيرة التي أثبتت أن آدم ، ونوحاً ، وإبراهيم ، ويونس ، وغيرهم من الأنبياء عليهم‌السلام قد توسّلوا إلى الله بهم ، وطلبوا الفرج والغوث من الله بواسطتهم.

وإذا كان الأمر كذلك فلا تصل النوبة إلى الحديث عن كونهم أفضل من عمر بن الخطاب ، ومن عثمان بن عفان ، فكيف إذا كان هؤلاء قد اعتدوا على بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أيضاً بالضرب ، وأسقطوا جنينها حتّى ماتت واجدة على أبي بكر وعمر كما صرح به البخاري وغيره!

وكيف إذا كان الصحابة والتابعون قد نقموا على عثمان حتّى قُتل بحضرتهم ، وبمشاركة منهم.

فهل يصح بعد هذا المقايسة بين هؤلاء وبين الإمام الحسين عليه‌السلام

١١٠

فضلاً عن السعي لتفضيلهم عليه؟!

اللطم على الإمام الحسين عليه‌السلام مطلوب لله تعالى :

أمّا ما ادعاه المنشور من أنه لا يجوز إذا جاءت ذكرى الإمام الحسين عليه‌السلام اللطم وما شابه ، فهو غير صحيح أيضاً ، بل هو مستحب ومطلوب ومحبوب لله تعالى ، خصوصاً إذا كان فيه إدانة للباطل وتأييد للحق ، وتربية للنفوس على مقت الظلم ورفضه ، والبراءة من الظالمين والمفسدين.

ونحن نكتفي في هذا السياق بالتذكير بما يلي :

أيهما أعظم

هل لطم الصدور والخدود أعظم؟

أم البكاء حتّى العمى الحقيقي أعظم؟

فإن القرآن قد صرح بأنّ النبي يعقوب عليه‌السلام قد بكى على ولده النبي يوسف عليه‌السلام ـ الذي كان حياً ـ حتّى ابيضّت عيناه من الحزن ، بل هو قد كاد أن يهلك من ذلك ، قال تعالى : (وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ * قَالُواْ تَالله تَفْتؤُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حتّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ) (١).

حديث لطم الخدود ، لا يدلّ :

بالنسبة لحديث : «ليس منا من لطم الخدود ، وشق الجيوب ، ودعا بدعوى الجاهليّة» ، نقول :

____________________

(١) سورة يوسف / ٨٤ ـ ٨٥.

١١١

إنه لا بدّ أن يكون ناظراً إلى من يفعل ذلك استعظاماً واعتراضاً على قضاء الله لمجرد موت عزيز له.

وقد ألمح العسقلاني ، والقاري ، والكرماني ، والقسطلاني ، والمناوي إلى ذلك ، فقد ذكروا أن :

السبب فيه أي في هذا النهي ـ ما تضمنه ذلك من عدم الرضا بالقضاء (١) أو نحو ذلك ..

والدليل على ذلك :

أولاً : إنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ليس منّا مَن لطم الخدود ... إلخ ، مع أن الذي يلطم صدره وخده في المصاب ، أو يشقّ جيبه لا يخرج من الدين ، فلا يصح أن يقال : ليس منا.

أمّا إذا فعل ذلك اعتراضاً على الله سبحانه ، كما ربما يصدر من بعض ضعفاء الإيمان ، فإنه لا يكون من أهل الإيمان حقيقة ، لأنّ المؤمن لا يعترض على ربه ، وينطبق عليه مضمون هذا الحديث بصورة حقيقية.

ثانياً : إنّ ممّا يدل على ذلك أيضاً ذيل الحديث ، أعني قوله : ودعا بدعوى الجاهليّة .. فإن من يدعو بدعوى الجاهليّة ، ويعود إلى التزام رسومها ، ويترك ما يدعوه إليه الإسلام لا يكون من أهل الإيمان والإسلام.

____________________

(١) فتح الباري ٣ / ١٩٥ ط دار الريان للتراث ، وشرح الكرماني على البخاري ٧ / ٨٨ ، وإرشاد الساري ٢ / ٤٠٦ ، وعمدة القاري ٨ / ٨٧.

١١٢

وبذلك يظهر : أنه لا مجال للتأويلات الباردة التي يحاولون المصير إليها ، والسعي إلى حمل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ليس منا ... على المجاز ، فراجع (١).

١ ـ وقد قال الكرماني : إلاّ أن يفسر دعوى الجاهليّة بما يوجب الكفر ، نحو تحليل الحرام ، أو عدم التسليم لقضاء الله ، فحينئذ يكون النفي حقيقة (٢).

وقال المناوي : وهو يدل على عدم الرضا ، وسببه ما تضمّنه من عدم الرضا بالقضاء (٣).

فهذا الحديث ليس ناظر إلى ما هو من قبيل اللطم في عاشوراء الذي هو لأجل إعزاز الدين ، وإظهار الحب لأهل بيت النبوة عليهم‌السلام ، وإحياء شعائر الله تعالى.

٢ ـ وقد روى الخوارزمي أن دعبلاً أنشد الإمام علي بن موسى الرضا عليه‌السلام قصيدته التائية ، ومنها قوله :

أفاطمُ لو خلتِ الحسينَ مجدّلا

وقد مات عطشاناً بشطِّ فراتِ

إذاً للطمت الخدَّ فاطمُ عنده

وأجريت دمع العين في الوجناتِ

فلم يعترض عليه الإمام عليه‌السلام ، ولو بأن يقول له : إن أمنا

____________________

(١) فتح الباري ٣ / ١٩٥.

(٢) شرح الكرماني على البخاري ٧ / ٨٨ ، وعمدة القاري ٨ / ٨٧.

(٣) فيض القدير شرح الجامع الصغير ٥ / ٤٩٣.

١١٣

فاطمة عليها‌السلام لا تفعل ذلك ، لأنه حرام ، بل هو عليه‌السلام قد بكى وأعطى الشاعر جائزة ، وأقرّه على ما قال (١).

والإمام الرضا عليه‌السلام لا يمكن أن يخفى عليه مثل هذا الحكم الشرعي في أمر هو محل ابتلاء الناس ، ولا بدّ أن يكون الناس قد بدؤوا بممارسته منذ الأيام الأولى لوقوع الفاجعة. ويشير إلى ذلك ما ورد في النص التالي :

٣ ـ لمّا مرّوا بالسبايا على الإمام الحسين عليه‌السلام وأصحابه صاحت النساء ، ولطمن وجوههن ، وصاحت زينب عليها‌السلام : يا محمّداه (٢)!

ولم يعترض عليهنّ الإمام السجاد عليه‌السلام ، ولم نسمع أن أحداً من الاُمّة قد خطَّأهن في ذلك.

٤ ـ وحين ارتجز الإمام الحسين عليه‌السلام في كربلاء :

يا دهرُ اُفٍّ لك من خليلِ

كم لك في الإشراق والأصيلِ

سمعته السيدة زينب عليها‌السلام ، فشقّت ثوبها ، ولطمت وجهها ،

____________________

(١) مقتل الحسين عليه‌السلام ـ للخوارزمي ٢ / ١٣١ ، والبحار ٤٩ / ٢٣٧ ، ٢٣٩ ـ ٢٥٢ ، والغدير للعلامة الأميني وغير ذلك.

(٢) مقتل الحسين عليه‌السلام ـ للخوارزمي ٢ / ٣٩ ، والبداية والنهاية ٨ / ٢١٠ ط دار إحياء التراث العربي.

١١٤

وخرجت حاسرة تنادي : وا ثكلاه! وا حزناه! إلخ (١).

٥ ـ وممّا يدل على عدم حرمة اللطم في موت الأنبياء والأوصياء وأبناء الأنبياء ، خصوصاً الذين ليس على الأرض أحد يساميهم أو يساويهم ، ما رواه أحمد وغيره ، وهو : عبد الله ، عن أبيه ، عن يعقوب ، عن أبيه ، عن إسحاق ، عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه عباد ، قال :

سمعت عائشة تقول : مات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين سحري ونحري ، وفي دولتي ، لم أظلم فيه أحداً ، فمن سفهي وحداثة سني أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قُبض وهو في حجري ، ثمّ وضعت رأسه على وسادة وقمت ألتدم مع النساء ، وأضرب وجهي (٢).

قال محمّد سليم أسد عن هذا الحديث بهذا الإسناد : وهذا إسناد صحيح (٣).

ورواه أبو يعلى ، عن جعفر بن مهران ، عن عبد الأعلى ، عن محمّد بن إسحاق ، عن يحيى بن عباد ، عن أبيه.

____________________

(١) مقاتل الطالبيِّين / ١١٣ ، وراجع تاريخ الاُمم والملوك ٤ / ٣١٩ ط الاستقامة ، وتاريخ اليعقوبي ٢ / ٢٤٤ ط صادر ، والإرشاد ـ للمفيد ٢ / ٩٤ ، والكامل ـ لابن الأثير ٤ / ٥٩.

(٢) مسند أحمد ٦ / ٢٧٤.

(٣) مسند أبي يعلى ٨ / ٦٣ هامش.

١١٥

وقال محمّد سليم أسد : إسناده حسن من أجل جعفر (١).

وروي أيضاً عن سعيد بن المسيب مثل ذلك (٢).

ونحن إنما نستدل على هؤلاء بما عندهم ، وفي كتبهم ، على قاعدة : «ألزمواهم بما ألزموا به أنفسهم».

٦ ـ إنّ مجرد أن يضرب الإنسان نفسه لمصيبة تحلّ به ليس حراماً ، فقد روى أحمد ، عن روح ، عن محمّد بن أبي حفصة ، عن ابن شهاب ، عن محمّد بن عبد الرحمان ، عن أبي هريرة أنّ أعرابياً جاء يلطم وجهه ، وينتف شعره ، ويقول : ما أراني إلاّ قد هلكت!

فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله: «وما أهلكك؟».

قال : أصبت أهلي في رمضان!

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «تستطيع أن تعتق رقبة ...» إلخ (٣).

حيث يلاحظ : أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يعترض عليه ، ولم ينهه عما يفعله بنفسه.

٧ ـ كما أنّ ابن عباس يروي لنا قضية طلاق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لنسائه ، وفي حديثه : قال عمر : فدخلت على حفصة وهي قائمة تلتدم ، ونساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قائمات يلتدمن.

____________________

(١) المصدر السابق متناً وهامشاً.

(٢) مسند أحمد ٢ / ٥١٦ ، ونصب الراية ـ للزيعلي ٣ / ١٥ ط دار الحديث ـ القاهرة ، عن الموطأ ، وعن الدارقطني ، والكتب الستة.

(٣) مسند أحمد ٢ / ٥١٦.

١١٦

فقلت لها : أطلّقك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ...؟ إلخ (١).

ابنُ أبي أوفى فهم خطأً :

وأمّا ما رواه أحمد ، عن علي ، عن عاصم ، عن الهجري أن عبد الله بن أبي أوفى كان في جنازة ابنته ، فسمع امرأة تلتدم.

وقال مرة : ترثي.

فقال : مه ، ألم أنهكن عن هذا؟

إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان ينهى عن المراثي. لتفض إحداكن من عبرتها ما شاءت (٢).

أمّا هذه الرواية فإنّ سياق الكلام يشير إلى أنّ الحديث إنما هو عن المراثي [التي كانت شائعةً] في تلك الأيام ، حيث إنّ النساء كنّ ينحن بالباطل ، ويذكرن في نوحهن أموراً لا حقيقة لها وينسبنها للميت ، وقد ورد النهي الأكيد عن ذلك.

وهذا هو الأنسب بقول ابن أبي أوفى : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان ينهى عن المراثي. وتكون كلمة «تلتدم» خطأً ، وهي من تصرفات الرواة.

وحتّى لو كانت رواية تلتدم هي الأصح ، فإن النهي عن المراثي لا يستلزم النهي عن اللدم واللطم.

____________________

(١) كنز العمال ٢ / ٥٣٤ عن ابن مردويه.

(٢) مسند أحمد ٤ / ٣٨٣.

١١٧

ولعل ابن أبي أوفى قد فهم ذلك خطأً ..

أو أنه أراد أن يساير الجو الضاغط والسياسة المتبعة منذ منع عمر بن الخطاب وأبو بكر السيدةَ فاطمة الزهراء عليها‌السلام من البكاء على ما أصابها بمجرد وفاة أبيها صلى‌الله‌عليه‌وآله. حيث صارت السياسة تقضي بالمنع من البكاء على الميت مدة من الزمن كما هو مذكور في كتابنا «الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وذلك حين الحديث عن شهداء غزوة أحد ، وبكاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على عمّه حمزة عليه‌السلام ، فراجع.

ما ورد عن أهل البيت عليهم‌السلام هو الحجة :

وأخيراً نقول : إنّه حتّى لو لم يكن أهل السنة قد ذكروا ذلك وسواه في مصادرهم ، فإنّ ما روي عن أهل البيت عليهم‌السلام من طرق شيعتهم الأبرار كافٍ في إثبات جواز ، بل رجحان ما يقومون به في مناسبة ذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه‌السلام ، من لطم وبكاء ... (١) ، وهو الحجة لهم.

وإنما هم يذكرون ما روي من طرق سائر الفرق ، انطلاقاً من قاعدة : «ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم».

ويدل على صحة مسلك الشيعة الإماميّة في ذلك حديث الثقلين الذي اعتبر أهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والقرآن الحجةَ على أهل

____________________

(١) راجع مراسم عاشوراء ـ لجعفر مرتضى العاملي.

١١٨

الدنيا إلى يوم القيامة ، وأوجب على الاُمّة التمسك بهما إلى يوم القيامة (١).

ويدل على ذلك أيضاً حديث : «مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح ، مَن ركبها نجا ، ومن تخلف عنها غرق وهوى» (٢).

ولأجل ذلك ، ولأجل أنّ اُصول المناظرة تفرض ذلك ، نقول : إنه ليس من حق الآخرين أن يستدلوا على الشيعة بما ليس في كتب الشيعة ، بل اللازم هو أن يبحثوا معهم أولاً موضوع الإمامة ، ودلالات حديث الثقلين وغيره ، فإذا ظهر الحق فيها فإنّ على الجميع أن يلتزم به وبما يقتضيه.

وأمّا الاحتجاج بروايات سفيانيّة على مَن لا يؤمن بنهج آل أبي سفيان ، فهو ظلم قبيح ، وجبرية ظاهرة الفظاظة والغلظة ، أعاذنا الله منها ومن شرورها.

لماذا المأتم للحسين دون علي عليهما‌السلام

بقي أن نشير إلى السؤال الذي ورد في المنشور ، من أنه : لماذا لا يفعل الشيعة في مناسبة قتل الإمام علي عليه‌السلام ، أو يحيى بن زكريا

____________________

(١) راجع حديث الثقلين ـ للشيخ قوام الدين الوشنوي للاطلاع على بعض مصادر هذا الحديث الشريف.

(٢) راجع المعجم الصغير للطبراني ١ / ١٣٩ ، وج٢ / ٢٢ ، والمعجم الأوسط ٤ / ١٠ ، والمعجم الكبير ٣ / ٢٤٦ ، وكنز العمال ١٢ / ٢٩٨ ط مؤسسة الرسالة ، وتفسير ابن كثير ٤ / ١٢٣ ، وينابيع المودة ١ / ٩٤ ، وج٢ / ٣٢٧ ، ٤٤٣.

١١٩

كفعلهم في عاشوراء؟

ولماذا لا يفعل السنة مثل ذلك في مناسبة قتل عمر بن الخطاب أو عثمان؟

ونقول :

أوّلاً : إنّ الشيعة يحيون مناسبة ذكرى استشهاد الإمام علي عليه‌السلام ، ويلطمون صدورهم فيها أيضاً.

ثانياً : إنّ هناك فرقاً بين ما جرى للإمام علي عليه‌السلام وبين ما جرى للإمام الحسين عليه‌السلام في كربلاء ، فإنّ الإمام علياً عليه‌السلام قتله شخص أنكرت عليه ذلك الاُمّة بأسرها ، وأعلنت بالبراءة منه ومن فعله ، ولم تلتزم بتبرئته ، ولم ترتض نهجه ، ولا خطّأت الإمام علياً عليه‌السلام ، ولا شككت فيه.

ولكن الذي قتل الإمام الحسين عليه‌السلام هو من يضع نفسه في موقع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويسعى أتباع السفياني والسفيانيّة باسم العلم والدين ليس فقط لتبرئته من دم الإمام الحسين عليه‌السلام ، بل هم قد تعدوا ذلك إلى محاولات التلويح والتصريح بإدانة الإمام الحسين عليه‌السلام نفسه ، واعتباره هو الباغي ، والطالب للدنيا ، والذي لا يعرف المصالح من المفاسد ، و .. و .. كما تقدم.

وليتمكنوا بذلك من إسقاط الإمامة بإسقاط الإمام رغم الاعتراف بأنه ليس على وجه الأرض أحد يساويه أو يساميه.

ثالثاً : إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قد أقام للإمام الحسين عليه‌السلام

١٢٠