الحسين عليه السلام سماته وسيرته

السيد محمد رضا الحسيني الجلالي

الحسين عليه السلام سماته وسيرته

المؤلف:

السيد محمد رضا الحسيني الجلالي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار المعروف للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٢٠

وأمّا العلم :

فمن أوْلى باستيعابه من الحسين (عليه السّلام) الذي تربّى في حجر الرسول (صلّى الله عليه وآله) وهو مدينة العلم ، ونشأ ونما في مدرسة الزهراء البتول ، ولازم عليّاً (عليه السّلام) أباه باب مدينة العلم ، وصحب أخاه الحسن (عليه السّلام) الإمام بإجماع أُولي العلم؟!

فلا بُدّ أنّه قد امتلأ من علم الدين من هذه العيون الضافية.

وقد أجمع أهل الولاء على تقدّمه على مَنْ عاصره في ذلك ، والتزموا بإمامته لذلك ، أمّا الآخرون فقد اضطرّهم هذا الواقع إلى الاعتراف :

فهذا ابن عمر لمّا يُحاسب على تصّرفه ، ويقاس عمله إلى عمل الحسنين (عليهما السّلام) المتّزن والملي بالحكمة ـ مع أنّهما أصغر سنّاً منه ـ أجاب ابن عمر بقوله :

[١٧٦ ـ ١٧٧] : ابنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، إنّهما كانا يُغَرّان بالعلم غَرَّاً ـ

أي يُزَقّانِه كما يَزُقّ الطائر فرخه وهذا يُعطي أنّهما كانا منذ الصِغَر يَبُثُّ فيهما الجَدُّ والأبُ والأُمُّ العلمَ ، فَهَلْ يكون أحدٌ أعلمَ منهما في عصرهما؟!

وروى عكرمة حديثاً فيه الاعتراف بعلم الحسين عليه السّلام ، إليك نصّه بطوله :

[٢٠٣] روى عكرمة : بينما ابن عباس يحدّث الناس إذ قام إليه نافع بن الأزرق ، فقال له : يابن عبّاس ، تفتي الناسَ في النملة والقَمْلة! صِفْ لي إلهك الذي تعبد!

فأطرق ابن عبّاس إعظاماً لقوله ، وكان الحسينُ بن عليّ

٨١

جالساً ناحيةً ، فقال : «إليّ يابن الأزرق»!

قال [ابن الأزرق] : لستُ إياك أسأل!

قال ابن عبّاس : يابن الأزرق ، إنّه من أهل بيت النبوّة ، وهم ورثة العلم.

فأقبل نافع نحو الحسين (عليه السّلام) ، فقال له الحسين : «يا نافع ، إنّ من وضع دينه على القياس لم يزل الدهر في التباس ، سائلاً ناكباً عن المنهاج ، طاعناً بالاعوجاج ، ضالاً عن السبيل ، قائلاً غير الجميل.

يابن الأزرق ، أصِفُ إلهي بما وصف به نَفْسَه ، وأُعرّفه بما عرّف به نفسه ، لا يُدرَك بالحواس ، ولا يُقاس بالناس ، قريب غير ملتصق ، وبعيد غير منتقص ، يُوحَّد ولا يبعّض ، معروف بالآيات ، موصوف بالعلامات ، لا إلهَ إلاّ هو الكبير المتعال».

فبكى ابنُ الأزرق ، وقال : يا حسين ، ما أحسنَ كلامك!

قال له الحسين (عليه السّلام) : «بلغني أنّك تشهد على أبي وعلى أخي بالكفر ، وعليَّ؟!».

قال ابن الأزرق : أما والله يا حسين ، لئن كان ذلك ، لقد كنتم منارَ الإسلام ، ونجومَ الأحكام ... (١).

فشهادة ابن عبّاس الحقّة بأنّ الحسين (عليه السّلام) «من أهل بيت النبوّة ، وهم ورثة العلم» ليست الأُولى منه ، لكن رواية عكرمة ـ وهو من الخوارج ـ لها دليل

____________________

(١) مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور ٧ / ١٣٠.

٨٢

على خضوع الأعداء لعلم أهل البيت (عليهم السّلام).

أمّا إعراض ابن الأزرق عن مسائلة الحسين (عليه السّلام) وتوجّهه إلى ابن عبّاس ، فهذا يكشف جانباً من مظلوميّة أهل البيت ، وصَدّ الناس عن معادن العلم وورثته وخزنته!

أمّا الحسين (عليه السّلام) فهو لا يترك الأمر سُدىً ، بينما السؤال على رؤوس الأشهاد عن أعظم قضيّة جاء من أجلها الإسلام ، وهيَ «التوحيد» فهو ينبري للجواب.

أمّا ابن الأزرق ، فحيث يجد الحقّ من معدنه لا يملك إلاّ الإقرار والخضوع والقبول.

ولمّا يستغل الإمام الحسين (عليه السّلام) الموقف ليحرق جذور العدوان ، ويقطع أوداجَ الظلم ، ويبدّد نتائج المهاترات السياسية طيلة الأعوام السوداء ممّا تكدّس في عقول علماء الأُمّة ـ مثل ابن الأزرق ـ وصار فكرة ورأياً وقولاً ، على فظاعته ، وشناعته وسوئه ، وهو تكفيره أهل البيت (عليهم السّلام) بدلاً من تقديسهم! ولمّا يُبهتُ الحسينُ ابنَ الأزرق ، ويواجهه بهذا الكلام الثقيل ، لا يملك ابن الأزرق إلاّ الاعتراف والتراجع عن أشدّ المواقف للخوارج التزاماً وتصلباً واعتقاداً.

ويصرّح ابن الأزرق معترفاً بأنّ أهل البيت «منار الإسلام ونجوم الأحكام».

وابن هند :

ذلك العدو اللدود لمحمّد وآل محمّد ، ولما جاؤوا به من معالم دين الإسلام

٨٣

ومكارم الأخلاق ، والذي استنفد كلّ سهام مكره ودهائه في قمع هذا الدين واجتثاث أُصوله وفروعه ، وقتل ذويه وأنصاره ، وإطفاء أنواره ، وتهديم مناره ، وتحريف شرائعه وإبطال أحكامه.

هذا المنافق الحسود الحقود لم يجدْ بُدّاً من الاعتراف بعلم الحُسين (عليه السّلام) والإشادة بمنزلته.

فقد أخذ الحسين (عليه السّلام) العلوم في مسجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، حيث فتح عينه ، وتعلّم ألف باء الحياة والإسلام معاً ، ومعلّمه الأمين هو جدّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

واليوم ، حين آلتْ إلى الإمام الحسين (عليه السّلام) مهمّة تعليم الأُمّة وإرشادها ، اتّخذ نفس المسجد مدرسةً.

وابن هند ـ ذلك الضلّيل ـ الذي لم يهدأ لحظةً يجدّ في تحريف مسيرة الإسلام ، ويطمس تعاليمه السامية لا يمكنه أن يتغافل عن وجود تلك المدرسة ، لأنّه باسمها يتسنّم العرش ، ولا يمكنه أن يغضّ الطرف عن وجود معلّم مثل أبي عبد الله الحسين الذي هو الامتداد الحقيقيّ لجدّه الرسول (صلّى الله عليه وآله) مؤسّس المدرسة ، فقال معاوية لرجل من قريش :

[١٨٩] إذا دخلتَ مسجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فرأيت حلقةً فيها قومٌ كأنَّ على رؤوسهم الطير فتلك حلقة أبي عبد الله ، مؤتزراً على أنصاف ساقيه ، ليس فيها من الهُزّيلى شيء.

والهُزّيلى فعلُ المشعوذ الذي يسحر أعين الناس ، لكن ليس في مجلس درس الحسين (عليه السّلام) إلاّ حقائق المعرفة ، وعيون الحكمة ، والعلم الموروث ،

٨٤

ومعارف الكتاب ، وأحكام السُنّة.

وأمّا الفضل :

فلا يرتاب مسلم بأنّ «آل محمّد» أشرف بني هاشم ، وأنّ بني هاشم أشرف قريش ، وأنّ قريشاً أشرف العرب ، وآل محمّد (عليهم السّلام) أعرق بني هاشم نسباً ، وأطهرهم رحماً ، وأكرمهم حَسَباً ، وأوفاهم ذِمَماً ، وأحمدهم فعلاً ، وأنزههم ثوباً ، وأتقاهم عملاً ، وأرفعهم همماً.

وقد أقرّ لهم العدوّ والصديق بالشرف والفضل والكرم والمجد (١).

فهذا عمرو بن العاص ـ الداهية النكراء الذي حارب آل محمّد (عليهم السّلام) جهاراً عن علم وعمد ، وبكلّ صلافة وحقد ، زاعماً أنّه يستغلّ الظروف المؤاتية لصالح دُنياه القصيرة ـ يعلن عن بعض الحقيقة عندما يستظلّ بالكعبة التي كان يعبد أصنامها من قبل ، فجاء جدّ الحسين (عليه السّلام) ليشرّفه وقومه بعبادة الله ، ويطهرّ الكعبة من رجس الأصنام والأزلام.

وبالرغم من أنّ ابن النابغة نبغ في محاربة كلّ القيم التي جاء بها الإسلام ، وعارض كلّ الذين وقفوا مدافعين عن تلك القيم ، وكانت لهم فضيلة التشرّف بها ، وجدّ بكلّ دهاء ومكر وحيلة يملكها ، فنفث في الأُمّة روح الجاهليّة ليعيد مجدها ، ونابذ عليّاً والحسن والحسين (عليهم السّلام) بكلّ الطرق ، ووقف في وجه العدالة سنين طوالاً.

لكنّه اليوم ، يجد الكعبة وبناءَها الرفيع الشامخ تَزْخَرُ بالعظمة الإسلاميّة ، طاهرة من أوثان الجاهليّة وأرجاسها ، فلا يجد بُدّاً من الاعتراف ، وبينما هو كذلك

____________________

(١) لاحظ مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور ٧ / ١٢٥.

٨٥

إذ رأى الحسين (عليه السّلام) ابن ذلك الرسول ، فلم يملك أيضاً إلاّ الإعتراف ، فقال :

[١٩٠] : هذا أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء اليومَ!

ومعاوية ، أخوه الضلّيل ، يخنع لهذه الحقيقة يوم دخل الحسن والحسين (عليهما السّلام) عليه ، فأمر لهما بمئتي ألف درهم ، وقال متبجّحاً : خذاها وأنا ابن هند ، ما أعطاها أحدٌ قبلي ، ولا يُعطيها أحدٌ بعدي!

وكأنَّ معاوية استغلّ سياسة الإمام الحسن (عليه السّلام) المبتنية على عدم مجابهته بالأجوبة حتّى وُصف بأنّه كان «سكّيتاً» ولكنّ الحسين (عليه السّلام) وهو يسير على خطّ إمامه الحسن (عليه السّلام) ولا يخرج عن طوع إرادته ـ يعطي الموقف حقّه ، ويدمغ معاوية بالحقيقة الصارخة ، ويقول :

[٥] : «والله ، ما أعطى أحدٌ قبلك ، ولا أحدٌ بعدك لرجلين أشرفَ ولا أفضلَ منّا» (١).

فأُفْحِمَ معاوية ولم يَحْرِ جواباً.

وأمّا الآخرون :

فالمؤمنون يتشرّفون بآل محمّد ، كابن عبّاس حبر الأُمّة ، وتلميذ أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، فهو قرين الحسنين (عليهما السّلام) في التربية في هذا البيت الطاهر ، بيت الرسالة والإمامة ، رفيع العماد ، وبالرغم من تقدّمه في السنّ على الحسنين (عليهما السّلام) فهو لمعرفته بفضلهما وجلالتهما ، وشرفهما على قومهما لا يقصّر في إظهار ما يعرف ، وإبراز ما يجب القيام به تجاههما من الحرمة والكرامة فيما قال الراوي :

[١٨٨] : رأيتُ ابن عبّاس آخذاً بركاب الحسن والحسين

____________________

(١) مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور ٧ / ١١٥.

٨٦

فقيل له : أتأخذ بركابهما وأنتَ أسَنُّ منهما؟!

فقال : إنّ هذين ابنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، أوَليس من سعادتي أن آخذ بركابيهما (١)؟!

بلى ، إنّها من نعم الله الكبرى ، ومن السعادة العظمى أن يتشرّف الإنسان بخدمة أشرف الخلق وأفضلهم ، وخاصة في تلك الظروف السياسية الحرجة وأنْ يُقدّم بذلك خدمة للأُمّة فيعرّفها بفضل أهل البيت (عليهم السّلام).

وحتّى أبو هريرة

الذي التقى بالنبي في أواخر سنيِّ حياته (صلّى الله عليه وآله) «فأسلم في السنة السابعة للهجرة» ملازماً الصُفّة الشريفة بباب المسجد على شبع بطنه فلا بدّ أنّه كان يرى الحسين (عليه السّلام) يروح ويغدو بين بيت أُمّه الزهراء وجدّه الرسول ، ويصحب جدّه في رواحه إلى المحراب ، وعلى ظهر المنبر ، وغدوّه منهما.

هذا الذي ادّعى ملازمة الرسول (صلّى الله عليه وآله) أكثر من أصحابه الّذين شغلهم الصفقُ بالأسواق ، وانفضّوا إلى التجارات ، فكان لذلك أكثرهم حديثاً ـ بزعمه ـ على الإطلاق ، حتّى اتّخذ لنفسه موقعاً رفيعاً في نفوس مَن صدّقه من الناس ، على الرغم ممّن كذّبه من كبار الصحابة وزوجات النبي ، كعليّ (عليه السّلام) ، وعمر ، وعائشة (٢).

فهو إذن ـ حسب زعمه ـ يعلم من الحسين (عليه السّلام) وفضائله أكثر ممّا يعرفه غيره ، لكنّه يبيت من أمر إعلانها وروايتها على خَطَرين :

____________________

(١) مختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور ٧ / ١٢٨.

(٢) انظر تدوين السُنّة الشريفة ص ٧ ـ ٤٨٨ والمحدّث الفاصل ص ٤ ـ ٥٥٥.

٨٧

فكيف يظهرها في دولة بني أُميّة وهو يرتع في مراعيهم ، ويطمع في برّهم ويقصع من مضيرتهم؟

وكيف يتغافل عنها وله دعاوٍ طويلة عريضة في سماع الحديث الكثير عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، والاتّصال به باستمرار؟!

وإذا اضطرّ إلى إبراز شيء فهو يعتمد على الإجمال.

اقرأ معي هذه الصورة من مواقف أبي هريرة :

[١٩١] ... أعْيَا الحسينُ فقعدَ في الطريق ، فجعل أبو هريرة ينفُضُ الترابَ عَن قدميه بطرف ثوبه.

فقال الحسين (عليه السّلام) : «يا أبا هريرة ، وأنتَ تفْعَل هذا!».

قال أبو هريرة : دعني ، فوالله لو يعلم الناسُ منك ما أعلم ، لحملوك على رقابهم (١).

لكن لماذا قصّر أبو هريرة في تعليم الناس بعض ما يعلم عن الحسين (عليه السّلام)؟!

فلو كان يعلمهم لم يكن الجهلُ يؤدّي بالناس إلى أن يحملوا رأس الحسين على رؤوس الرماح! ولا أن يطؤوا جسده بخيولهم قبل أن يحملوه على رقابهم؟! أليسَ هذا غَدْراً بأُمّة الإسلام ، وإماتة للسُنّة التي كان أبوهريرة ينوء بدعوى حملها؟!

وأمّا القيادة :

فقد اتّفقت كلمةُ مؤرّخي الإسلام فكريّاً وسياسيّاً أنّ الإمام الحسين (عليه السّلام) قد أدّى دوراً عظيماً في فترة إمامته ، وأنّه بمواقفه كان المانع الوحيد عن

____________________

(١) مختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور ٧ / ١٢٨.

٨٨

انهيار الإسلام وقواعده على أيدي بني أُميّة وعمّالهم ، وأنّه بقيادته الحكيمة للإسلام في تلك الفترة ، وبتضحيته العظيمة في كربلاء كان الصدّ الأساسي من العودة إلى الجاهليّة الأُولى.

فالحسين (عليه السّلام) قد أحيا الإسلام بمواقفه قبل كربلاء ، وفي كربلاء ، واستمرّت آثار حركته إلى الأبد ، ولذلك تحقّق مصداق قول الرسول (صلّى الله عليه وآله) : «حسينٌ منّي وأنا من حسين» كما شرحناه في الفقرة (١١) السابقة.

أمّا عن صلابة الحسين (عليه السّلام) ، وإقدامه في نصرة الحقّ خارج إطار كربلاء فقد مرّ بنا موقفه من عمر في الفصل (١٧) وسنقف على مواقفه من معاوية في الفصل (٢٥).

وأمّا حديث كربلاء وبطولاتها وأشجانها فقد عقدنا له الباب الثالث التالي ، بفصوله المروّعة.

٢١ ـ البركة والإعجاز

من معجزات النبيّ (صلّى الله عليه وآله) المذكورة في سيرته أنّه تفل في بئر قد جفّت ، فكثر ماؤها وعذب وأمهى وأمرى ، وهذا المعجز من بركة نبيّ الرحمة للعالمين قليل من كثير ، وغيضٌ من فيض.

والحسين (عليه السّلام) ابنُ ذلك النبيّ ، وبضعةٌ منه ، وعصارة من وجوده ، والسائر على دربه ، والساعي في إحياء رسالته ، فهو يمثّل في عصره جدّه الرسول جسدّياً ، ويمثل رسالته هدياً ، فلا غروَ أن يكون له مثل ما كان لجدّه من الإعجاز وهو سائر في طريقه إلى الشهادة والتضحية من أجل الإسلام ، ليفعل ما لم يفعله

٨٩

أحَدٌ من قبله.

والإمامة ـ عندنا نحن الشيعة الإماميّة ـ تشترك مع النبّوة في كلّ شيء إلاّ أنّ النبوّة تختصّ بالوحي المباشر ، وبالشريعة المستقلّة ، أمّا النصّ والأهداف ، والوسائل والغايات فهما لا يفترقان في شيء من ذلك.

بل الإمامة امتدادٌ أرضيٌ للرسالة السماويّة ، فلا غروَ أن يَمُدّ الله تعالى الإمامَ بما يمدّ النبيَّ من القُدرة على الخوارق التي لا يستطيعها البشر.

أليس الهدف من الإعجاز إقناع الناس بالحقّ الذي جاء به الأنبياء؟ فإذا كان ما يدعو إليه الأئمّة هو عين ما يدعو إليه الأنبياء ، فأيّ بُعْد في دعم هؤلاء بما دعم به اُولئك من دون تقصير في حقّ اُولئك ، ولا مغالاة في قدر هؤلاء؟

ومهما كان ، فإنّ الحسين (عليه السّلام) لمّا خرج من المدينة يريد مكّة مرّ بابن مطيع وهو يحفر بئره ، وجرى بينهما حديث عن مسير الإمام ، وجاء في نهايته :

[٢٠١] قال ابن مطيع : إنّ بئري هذه قد رشحتُها ، وهذا اليوم أوان ما خرج إلينا في الدلو شيء من الماء ، فلو دعوتَ الله لنا فيها بالبركة.

قال (عليه السّلام) : «هات من مائها». فأُتي من مائها في الدلو ، فشرِبَ منه ثمّ تمضمض ثمّ ردّه في البئر فأعذَب وأمْهى (١).

وهذا من الحسين (عليه السّلام) أيضاً غيض ، وهو معدن الكرم والفيْض. إلاّ أنّ حديث الماء والحسين (عليه السّلام) في طريقه إلى كربلاء فيه عِبْرة تستدرّ العَبْرة.

____________________

(١) في مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور ٧ / ١٣٠ (وأُمْرِيَ) ، هكذا مضبوطاً ، بدل (وأمهى).

٩٠

هل هي إشارات غيبيّة إلى أنّ الحسين (عليه السّلام) سيواجه المنع من الماء ، وسيُقتل «عَطشاً» وهو منبع البركة ، من فيض فمه يعذب الماء وينفجر ينبوعُه؟!

فهل كان ذلك يخطر على بال؟!

لكنّ ذكر العطش والبحث عن الماء له شأن آخر في حديث كربلاء!

٢٢ ـ الحجّ في سيرة الحسين (عليه السّلام)

للحجّ في تراث أهل البيت (عليهم السّلام) شأنٌ عظيم وموقع متميّز بين عبادات الإسلام ، فهم يبالغون في التأكيد على أنّ الكعبة هي محور الدين ، ومدار الإسلام ، ونقطة المركز له ، وقطب رحاه ، على المسلمين غاية تعظيمه والوفادة إليه.

ومن الواضح أنّ من الفوائد المنظورة للحجّ والتي صرّحت بها الآيات الكريمة ، وأصبحت لذلك أفئدة المؤمنين تهوي إليه هو دلالته الواضحة على خلوص النيّة ، والتركيز على وحدة الصفّ الإسلامي ، وتوحيد الأهداف الإسلاميّة التي تركّزت عند الكعبة وتمحورت حولها.

وأهل البيت (عليهم السّلام) كانوا في هذا التكريم العظيم جادّين أقوالاً وأفعالاً ، فالنصوص الواردة لذلك مستفيضة بل متواترة ، وقد أقدموا على ذلك عملياً بأساليب شتّى.

منها الإكثار من أداء الحجّ ، وقد جاء في سيرة الحسين (عليه السّلام)

[٢ ـ ١٩٣] أنّه حجّ ماشياً «خمساً وعشرين» وأنّ نجائبه

٩١

معه تُقاد وراءه (١).

إنّها الغاية في تعظيم الحجّ بالسعي إلى الكعبة على الأقدام ، لا عن قلّة راحلة ، بل إمعان في تجليل المقصد والتأكيد على احترامه.

وهذا على الرغم من ازدحام سنيّ حياته بالأعمال ، فلو عدّدنا سنّي إمامته العشر ، وسنوات إمامة أخيه الحسن (عليه السّلام) العشر كذلك ، وسنوات إمامة أبيه (عليه السّلام) الخمس لاستغرقت «خمساً وعشرين» حجّة.

فهل حجّ الحسين (عليه السّلام) في الفترة السابقة بعض السنوات؟

واُسلوب آخر من تعظيم أهل البيت (عليهم السّلام) للكعبة والبيت والحرم أنّهم لم يُقْدموا على أيّ تحرّك داخل الحرم المكّيّ ، وكذلك الحرم المدني ، رعاية لحرمتهما أن يُهدَر فيهما دم ، وتهتك لهما حرمة على يد الحكّام والأُمراء الظالمين ، وجيوشهم الفاسدة المعتدية على حرمات الدين.

ومن أجل ذلك خرج الإمام عليّ (عليه السّلام) من الحجاز ، وكذلك الإمام الحسين (عليه السّلام) ، وكلّ العلويّين الّذين نهضوا ضدّ جبابرة عصورهم وطواغيت بلادهم ، خرجوا إلى خارج حدود الحرمين حفظاً لكرامتهما ورعاية لحرمتهما (٢).

وبهذا الصدد جاء في حديث سيرة الحسين (عليه السّلام) أنّه خرج من مكّة معجّلاً ، جاعلاً حجّه عمرةً مفردة حتّى لا تُنتهك حرمةُ البيت العتيق بقتله بعد أن دسَّ يزيدُ جلاوزته ليفتكوا بالإمام (عليه السّلام) ولو كان متعلّقاً بأستار الكعبة!

____________________

(١) مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور ٧ / ١٢٩.

(٢) راجع جهاد الإمام السجّاد (عليه السّلام) / ٧٧.

٩٢

وإذا كان الظالمون لا يلتزمون للكعبة والحرم بأيّة حرمة ، ويستعدّون لقتل النفوس البريئة فيه ، وهتك الأعراض في ساحتها ، وحتّى لهدمها وإحراقها كما أحدثوه في تاريخهم الأسود مراراً ، وصولاً إلى أغراضهم السياسية المشؤومة.

فإنّ بإمكان الحسين (عليه السّلام) أن يسلبهم إمكانيّة تلك الدناءة ، فلا يوفّر لهم فرصة ذلك الإجرام ، ولا يجعل من نفسه ودمه موضعاً لهذا الإقدام الذي يريده المجرمون ، فلا يحقّق بحضوره في الحرم للمجرمين أغراضهم الخبيثة بقتله وهتك حرمة الحرم وإن كان مظلوماً على كلّ حال.

وهذه هي الغاية في احترام الكعبة وحفظ حرمة الحرم.

وقد صرّح الإمام الحسين (عليه السّلام) بهذه الغاية لابن عبّاس لمّا وقف أمام خروجه إلى العراق ، فقال :

[٢٤٣] : «لئن أُقتل بمكان كذا وكذا أحَبُّ إليَّ من أنْ استحلَّ حرمتها».

[٢٤٤] وفي نصّ آخر : «... أحبُّ إليَّ من أن يُستحلّ بي ذلك» (١).

والنصُّ الوارد في نقل الطبراني : «أحبُّ إليَّ من أن يُستحلَّ بي حرم الله ورسوله» (٢).

وهذه مأثرة اختصّ بها أهل البيت (عليهم السّلام) لا بُدّ أنْ يمجّدها المسلمون.

____________________

(١) لاحظ مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور ٧ / ١٤٢.

(٢) لاحظ تاريخ دمشق ـ ترجمة الإمام الحسين (عليه السّلام) ص ١٩٠ ـ ١٩٣ هامش (٣).

٩٣

٢٣ ـ مع الشعر والشعراء

الشعر يجري في وجدان الشعوب مجرى الدم ، ومعه يجري ما يحتويه الشعر من معنىً ومضمون ، وللشعراء في المجتمعات ـ وخاصة المجتمع العربي ـ وجود مؤثّر لا يمكن إنكاره.

واختلف الشعراء في أغراضهم وأهدافهم باختلاف طبائعهم وأُصولهم ، وانتماءاتهم القبلية والطائفية ، وأهدافهم وأطماعهم الدينيّة والدنيوية ، وما إلى ذلك من وجهات نظر وغايات وآمال.

والمال الذي يسيل له لعابُ كثير من الناس يُغري من الشعراء مَنْ امتهنوا الشعر ، وحمّلوه مؤونة حياتهم المادّية قبل أن يكون بنفسه غرضاً يحدوهم إلى نيل مكانة اجتماعية في الأدب واللغة ، أو خلود الذكر في الحضارة البشرية ، أو علوّ الكعب والشرف بين الأقران والأهل والعشيرة ، أو الخُلْد والثواب والأجر في الآخرة.

أمّا المال عند أهل الشرف والكرامة والإنسانية والعزّة النفسية من أصحاب الأهداف السامية الكُبرى ، فهو وسيلةٌ وليس هدفاً.

وكما إنّ الله تعالى ذكره استخدمَ المالَ لأغْراض العُبور على الجسور ، والوصول بها إلى الأهداف الربّانيّة ، فجعل للمؤلَّفة قلوبهم حقّاً في أموال الله!

فكذلك الحسين (عليه السّلام) ، اتّباعاً للقرآن ، وتطبيقاً له فإنّه كان يستخدم المالَ لهدف معنويّ إلهيّ سام ، فكان يُعطي شعراء عصره ، ولمّا عوتبَ قال :

[١٩٩] : «إنّ خيرَ المال ما وقَى العِرْضَ» (١).

____________________

(١) مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور ٧ / ١٢٩.

٩٤

و «العِرضُ» هُنا ليس هو «النامُوس» إذْ ليس بين المسلمين من يَخالُ أن يَنالَ من عِرض أهل بَيْت الرسالة.

بل المراد به «العِرْض السياسي» الذي اسْتَهدفه من «آل محمّد» الأُمويّون ، فكانوا يكيلون سَيْل التهم والافتراء ضدّ عليّ وآل محمّد ، على حساب المدائح لمخالفيهم من آل عثمان ومروان وطواغيت آل أبي سفيان.

فكانت مبادرةُ الإمام الحسين (عليه السّلام) قطعاً لأعذار المتسوّلين بشعرهم والمستغلّين لهذا المنبر الشعبيّ الفاعل في سبيل جمع الحُطام الزائل ، وعلى حساب تحكيم سلطة الظلمة الجائرين.

فكان عطاء الحسين (عليه السّلام) يحدّ من اتجّاه الشعراء إلى أبواب الحكّام ، ويقلّل من فرص استغلالهم من قبل الجائرين ، كما يُوصِد أمام السفلة أبواب التعرّض للشرفاء من معارضي السلطة وأنصارِها الطُغاة البغاة (١).

ويُمكن أنْ تُفسَّر ظاهرة رواية الشعر المنسوب إلى الأئمّة (عليهم السّلام) على أساس من هذا المنطلَق ، فبالرغم من أنّ قول الشعر لا يليقُ باُولئك العلماء القادة السادة الّذين كانت لهم اهتمامات كبرى ، ومع أنّ الشعر المنسوب أكثرهُ ضعيف اللفظ والوزن ، ولا وقع له في مجال اللغة والأدب فضلاً عن أن يُقاس بكلماتهم النثريّة التي هي في قمّة البلاغة والفصاحة.

إلاّ أنّ من الممكن أن تصدُرَ ـ لو صحّت النسبة ـ من أجْل ملء الفراغ في دنيا الشعر ، والذي انهمك فيه الشعراء بأغراض أُخرى ، وقلّت فيها النخوة الدينية عندهم ، فلا يبعد أن يكون للأئمّة (عليهم السّلام) شعرٌ يسدّ بعض هذا الفراغ ،

____________________

(١) انظر موقف الحسين (عليه السّلام) من الفرزدق الشاعر هامش ٢٠٧ من تاريخ دمشق ـ ترجمة الإمام الحسين (عليه السّلام).

٩٥

ويجذب قلوب الناس إلى المعاني والأغراض الصالحة التي تحتويه.

أو يكون بعضُ الموالين قد حاول ذلك ، فأخذ من الأئمّة المعاني ونظمها بشكل سهل ليتهيّأ لكلّ الناس حفظه وتداوله ، فنسب إلى الأئمة باعتبار معانيه.

من الشعر المنسوب إلى الإمام (عليه السّلام)

ومهما يكن ، فإنّ ابن عساكر قد روى من الشعر المنسوب إلى الإمام الحسين (عليه السّلام) الشيء الكثير ، نختار منه ما يلي :

[٢٠٥] خرجَ سائل يتخطّى أزقّة المدينة حتّى أتى باب الحسين بن عليّ ، فقرع الباب وأنشأ يقول :

لم يَخَبِ اليَوم مَنْ رجاكَ ومَنْ

حرّك من خلف بابك الحَلَقَهْ

فأنْتَ ذو الجودِ أنْتَ معدِنُه (١)

أبوكَ قد كان قاتلَ الفَسَقَهْ

وكان الحسينُ بن علي (عليه السّلام) واقفاً يُصلّي ، فَخَفَّفَ من صلاته وخرجَ إلى الأعرابي ، فرأى عليه أثر ضُرّ وفاقة ، فرجع ونادى بقَنْبر فأجابه : لبّيك يابنَ رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

قال : «ما تبقّى معكَ من نفقتنا؟».

قال : مئتا درهم ، أمرتني بتفريقها في أهل بيتك.

قال : «فهاتها ، فقد أتى مَنْ هو أحقُّ بها منهم».

فأخذها وخرج ، فدفعها إلى الأعرابيّ ، وأنشأ يقول :

____________________

(١) في مختصر تاريخ دمشق لابن منظور : وأنت جود وأنت معدنه.

٩٦

خُذْها فإنّي إليك معتذِرٌ

واعلم بأنّي عليك ذو شَفَقَهْ

لو كان في سيرنا الغداة عصاً (١)

كانَتْ سمانا عليك مُنْدَفقهْ

لكنّ ريبَ الزمان ذو نَكَدٍ

والكفُّ منّا قليلة النَّفَقهْ

فأخذها الأعرابي وولّى وهو يقول :

مُطَهّرونَ نقيّاتٌ ثيابُهمُ

تجري الصلاةُ عليهم أينما ذُكروا

فأنتمُ أنتمُ الأعلونَ عندكمُ

علمُ الكتاب وما جاءت به السورُ

مَن لم يكنْ علويّاً حين تنسبُه

فماله في جميع الناس مُفتخرُ (٢)

[٢٠٨] وأنشدوا له (عليه السّلام) :

أغْنِ عن المخلوق بالخالقِ

تغن عن الكاذب والصادقِ

واسترزق الرحمنَ من فضله

فليس غيرُ الله من رازقِ

مَنْ ظنَّ أنّ الناس يُغنونَه

فليس بالرحمن بالواثقِ

____________________

(١) في مختصر تاريخ دمشق لابن منظور : لو كان في سيرنا عصاً تمدّ إذن

(٢) مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور ٧ / ١٣٢.

٩٧

أو ظنَّ أنَّ المال من كسبهِ

زلّتْ به النعلان من حالقِ (١)

 [٢٠٩] وروى الأعمش له (عليه السّلام) :

كلّما زِيْدَ صاحبُ المال مالاً

زِيْدَ في هَمّه وفي الاشتَغالِ

قد عرفناكِ يا منغصّة العي

شِ ويادارَ كلّ فانٍ وبالِ

ليس يصفو لزاهدٍ طلب الزه

دِ إذا كانَ مثقلاً بالعيالِ (٢)

[٢١٠] وروي أنّ الحسين (عليه السّلام) أتى المقابر بالبقيع فطاف بها ، وقال :

ناديتُ سُكّان القبور فأُسْكتوا

وأجابني عن صمتهم ندبُ الجثى

قالت أتدري ما صنعتُ بساكني

مزّقتُ ألْحُمَهم وخرّقتُ الكِسا

وحشوْتُ أعينهم تراباً بعدما

كانتْ تؤذّى بالقليل من القذى

أمّا العظام فإننّي فرّقتها

حتّى تباينتِ المفاصل والشوى

____________________

(١) و (٢) مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور ٧ / ١٣٢.

٩٨

قطّعتُ ذا من ذا ومن ها ذاك ذا

فتركتُها رمماً يطول بها البِلى (١)

[٢١١] وأنشدوا له (عليه السّلام) :

لئن كانت الدُنيا تُعدُّ نفيسةً

فدارُ ثوابِ الله أعلى وأنْبلُ

وإن كانت الأبدانُ للموت أُنشِئتْ

فقتل سبيل الله بالسيف أفضلُ

وإن كانتِ الأرزاق شيئاً مقدَّراً

فقلّة سعي المرء في الكسب أجملُ

وإن كانتِ الأموال للترك جُمّعتْ

فما بالُ متروكٍ به المرءُ يبخلُ (٢)

٢٤ ـ رعاية المجتمع الإسلامي

إنّ من أهمّ واجبات الإمام هو رعاية المجتمع الإسلامي عن كَثَب ، وملاحظة كلّ صغيرة وكبيرة في الحياة الاجتماعيّة ، ورصدها ومحاولة إصلاحها وإرشادها ، ودفع المفاسد والأضرار بالأساليب الصالحة ، وبالإمكانات المتوافرة ، دَعْماً للأُمّة الإسلاميّة ، وحفظاً للمجتمع من الانهيار أو التصدّع.

وقد ورد عن الإمام الحسين (عليه السّلام) حديث مهمّ يدلّ على عمق اهتمام الإمام بهذا الأمر الهامّ :

____________________

(١) مختصر تاريخ دمشق لابن منظور (٧ / ١٣٢) باختلاف يسير.

(٢) مختصر تاريخ دمشق لابن منظور (٧ / ١٣٣).

٩٩

قال جُعيد الهمدانيّ : أتيتُ الحسين بن عليّ وعلى صَدْره سكينة ابنتهُ ، فقال : «يا أُخْتَ كلب ، خذي ابنتك عنّي».

فساءلني ، فقال : «أخبرني عن شباب العرب؟».

قلتُ : أصحاب جُلاهقات ومجالس!

قال (عليه السّلام) : «فأخبرني عن الموالي؟»

قلتُ : آكل رِبا ، أو حريص على الدنيا!

قال (عليه السّلام) : (إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) والله ، إنّهما لَلصِّنفان اللذانِ كنّا نتحدّثُ أنّ الله تبارك وتعالى ينتصرُ بهما لدينه.

يا جُعيد همدان : الناس أربعة :

فمنهم من له خَلاقٌ وليس له خُلُق.

ومنهم من له خُلقٌ وليس له خَلاق.

ومنهم من ليس له خُلُق ولا خلاق ، فذاك أشرّ الناس ومنهم من له خُلُق وخلاق ، فذاك أفضل الناس» (١).

وهذا الحديث يدلّ على مراقبة دقيقة من الحسين (عليه السّلام) لمجتمع عصره :

فقوله : «كُنّا نتحدّث» يدلّ بوضوح على تداول الأمر والتدبير الحكيم والمشورة المستمرة من الإمام (عليه السّلام) ومَن كان معه حول السُبل الكفيلة لنصرة الدين

____________________

(١) تاريخ دمشق ـ ترجمة الإمام الحسن (عليه السّلام) ص ١٥٩ رقم (٢٧٢) ، وقد رواه عن الإمام الحسن (عليه السّلام) ، لكنّ ابن سعد أخرجه عن الإمام الحسين (عليه السّلام) ، وكذلك المتّقي الهندي كما في هامش الموضع المذكور ، وجعيد يروي عن الإمامين ، لكن ذكر سكينة يُعيّن كون الحديث للحسين (عليه السّلام).

١٠٠