الحسين عليه السلام سماته وسيرته

السيد محمد رضا الحسيني الجلالي

الحسين عليه السلام سماته وسيرته

المؤلف:

السيد محمد رضا الحسيني الجلالي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار المعروف للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٢٠

ولا غَرْوَ فهما فِلقتان من ثمرة واحدة من الشجرة التي قالَ فيها رسولُ الله (صلّى الله عليه وآله)

[١٦٤] : «أنا الشجرة ، وفاطمة أصلها ـ أو فرعها ـ وعليّ لقاحها ، والحسن والحسين ثمرتها ، وشيعتنا ورقها ؛ فالشجرة أصلها في جنّة عَدْن ، والأَصل والفرع واللقاح والثمر والورق في الجنّة» (١).

روى ذلك عبد الرحمن بن عوف قائلاً : ألا تسألوني قبل أن تشوبَ الأحاديثَ الأباطيلُ؟!

فالحسنُ أشبَهَ جدَّه ما بين الصدر إلى الرأس ، والحسين أشبهه ما كان أسفل من ذلك من لدن قدميه إلى سرّته.

وكان الإمام عليّ (عليه السّلام) يُعلنُ عن ذلك الشَبَه ويقول :

[٤٧] : «مَن سرّه أن ينظر إلى أشبه الناس برسول الله (صلّى الله عليه وآله) ما بين عنقه وثغره فلينظر إلى الحسن. ومَن سرّه أن ينظر إلى أشبه الناس برسول الله (صلّى الله عليه وآله) ما بين عنقه إلى كعبه خَلقاً ولوناً فلينظر إلى الحسين بن عليّ».

وقال في حديث آخر :

[٤٥] : «اقتسما شَبَهَهُ» (٢).

ليكون وجودهما ذكرى وعبرةً.

____________________

(١) و (٢) مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور ٧ / ٣ ـ ١٢٤.

٢١

استمراراً لوجود النبيّ (صلّى الله عليه وآله) في العيون ، مع ذكرياته في القلوب ، وأثره في العقول.

وعبرةً للتاريخ ، يتمثّل فيه للقاتلين حسيناً ، والضاربين بالقضيب ثناياه ، إنهم يقتلون الرسول ويضربون ثناياه.

ولقد أثار ذلك الشَّبَهُ خادِمَ الرسول أنسَ بن مالك لَمّا رأى قضيبَ ابن زياد يَعْلو ثنايا أبي عبد الله الحسين حين اُتي برأس الحسين ، فجعلَ ينكتُ فيه بقضيب في يده ، فقال أنس :

[٤٨] : أما إنّه كانَ أشبههما بالنبيّ (صلّى الله عليه وآله).

٤ ـ الخُلق العظيم

حِجْرُ الزهراء فاطمة بنت الرسول (صلّى الله عليه وآله) ذي الخلق العظيم ، هو خير مهد لتربية أولادها على ذلك الخلق ، وأكرم به.

ولكن لمّا رأت الزهراء (عليها السّلام) والدها الرسول (صلّى الله عليه وآله) محتضراً ، وعلمتْ من نبئهِ بسرعة لحوقها به ، هبّتْ لتستمدّ من الرسول (صلّى الله عليه وآله) لأولادها الصغار المزيدَ من ذلك.

واجتهدتْ أن تطلبَ من أبيها علانية ـ حتّى يتناقل حديثها الرواة ـ أن يُورِّث ابنيها.

[٥٥ ـ ٥٧] أتَتْ فاطمةُ بنت النبي (صلّى الله عليه وآله) بابنيها إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في شكواه التي توفّي فيها ـ فقالت : يا رسول الله ، هذانِ ابناكَ تورّثهما شيئاً؟ ـ أو قالت : ـ ابناك وابناي ، انحلهما. قال (صلّى الله عليه وآله) : نعم

٢٢

أمّا الحسن فقد نحلتُه هَيْبتي وسُؤددي.

وأمّا الحسين فقد نحلتُه نَجدتي وجُودي.

قالتْ : رضيتُ يا رسول الله (١).

لقد ذكّرتْ الزهراءُ فاطمة أباها الرسولَ (صلّى الله عليه وآله) بالإرث منه. فوافقها بقوله : «نعَم».

ولم يقل لها : «إنّا معاشر الأنبياء لا نورّث».

فإنّ الزهراءَ (عليها السّلام) الوارثة أوْلى بأنْ يُذكر لها عدم الإرث لو كان ، ومع أنّ ابنيها الحسنين لا يرثان من حيث الطبقة من جدّهما مع وجود اُمّهما بنت النبي (صلّى الله عليه وآله) ، فالنبي كذلك لم يعارض ابنته في طلبها ، بل قال لها : «نعم».

لكن الذي يخلُد من إرث النبيّ (صلّى الله عليه وآله) هو الخلُق العظيم دون حُطام الدنيا الزائل ، وهو أشرف لهما ؛ ولذلك رضيت الزهراءُ (عليها السّلام) لابنيها من الرسول (صلّى الله عليه وآله) إذ نحلهما ـ أيضاً ـ أهمّ الصفات الضروريّة للقيادة الإلهيّة :

الحلم ، والصبر على الشدائد ، والهيبة ، والسؤدد ، والجلالة للحسن الممتَحن في عصره بأنواع البلاء ، فأعطاه ما يحتاجه الأئمّة الصابرون.

والشجاعة ، والجرأة ، والنجدة ، والجود للحسين الثائر في سبيل الله لإعلاء كلمته ، فأعطاه ما هو أمسّ للأئمة المجاهدين.

٥ ـ الطهارة الإلهيّة

وإذا تقرّرَ في اللوح أن يكونَ الإمامُ الحُسَين (عليه السّلام) من الأئمّة الّذين

٢٣

تجب طاعتهم ، فإنّ الوحيَ الذي عاش الحسينُ في ظلّه ؛ حيث كان بيتُ الرسالة مهبطَهُ ، تنزلُ آياتُه على جدّه ، وهو يحبُو في أفنانه ، لا بُدّ وأن يؤكّد ما تقرّر في اللوح.

وكذلك كان ، فهذه اُمّ المؤمنين اُمّ سلمة تقول :

[١٠٢] : نزلت هذه الآية في بيتي : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) وفي البيت سبعة : جبريل وميكائيل ، ورسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وعليّ وفاطمة ، والحسن والحسين (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين).

قالت : وأنا على باب البيت ، فقلت : يا رسول الله ألستُ من أهل البيت؟

قال : «إنّك على خير ، إنّك من أزواج النبيّ (صلّى الله عليه وآله)» وما قال : «إنّك من أهل البيت» (١).

وفي حديث آخر

[١٠٥] إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كان عند اُمّ سلمة ، فجعَل الحسنَ من شقّ ، والحسين من شقّ ، وفاطمة في حجره ، فقال : «رحمةُ اللهِ وبركاتُه عليكم أهلَ البيتِ إِنَّه حَمِيدٌ مَجِيدٌ».

وكان موعدُ المباهلة عندما أمر الله رسولَه بقوله : (فَقُلْ تَعَالَواْ نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَعْنَةَ اللهِ عَلَى

____________________

(١) مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور ٧ / ١٢٠.

٢٤

الكَاذِبِينَ).

فإنّ الإمام عليّاً (عليه السّلام) قال :

[١٦٢] : «خرج رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حين خرج لمباهلة النصارى بي وبفاطمة والحسن والحسين» (١).

ثم قال النبي (صلّى الله عليه وآله) : «هؤلاء أبناؤنا ـ يعني : الحسن والحسين (عليهما السّلام) ـ وأنفسنا ـ يعني : عليّاً (عليه السّلام) ـ ونساؤنا ـ يعني فاطمة (عليها السّلام) ـ».

وإذا وقفوا مع النبيّ (صلّى الله عليه وآله) في هذا الموقف الخاصّ العظيم فلا بُدّ أن يتّسمَ الواقفون معه بما يتّسم به من الطهارة والقُدس والعظمة.

٦ ـ القوة الغيبيّة

وُلِدَ الحسينُ (عليه السّلام) ونَما وعاشَ طفولته في مهبط الملائكة ؛ حيث تخفق صعوداً ونزولاً على جدّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ترفده بالوحي وأنباء السماء ومغيّبات الأرض.

وإذا حطّتْ طيور الوحي أو طارتْ فإنّ زَغَبَ أجنحتها لا بُدّ أنْ يتناثر في أروقة هذا المكان ، وإنّ أهل البيت (عليهم السّلام) لا بُدّ وأنْ يحتفظوا بهذا الزغب ليجدّدوا به ذكريات الرسول (صلّى الله عليه وآله) والنبوّة.

والرسول (صلّى الله عليه وآله) نفسه قد خَصَّ الحسن والحسين (عليهما السّلام) بتعويذين جمع فيهما زغب

____________________

(١) مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور ٧ / ١٢٣.

٢٥

جناح جبريل أمين الوحي يحملانه معهما ؛ ليكونا أظهر دليل على ارتباطهما بالسماء.

[١٧٢] عن عبد الله بن عمر : كان على الحسن والحسين تعويذان فيهما من زغب جناح جبرئيل (١).

وإذا كان في التعويذ دعمٌ معنويّ ، فإنّ لجبريل موقفاً آخر مع الحسين (عليه السّلام) خاصّة ؛ إذ كان يدعمُه مادّياً ويبثّ فيه القوّة والشجاعة ؛ ففي الحديث :

[١٥٦] : إنّ الحسنَ والحسينَ كانا يصطرعان فاطّلع عليّ (عليه السّلام) على النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وهو يقول : «ويهاً الحسنَ».

فقال عليّ (عليه السّلام) : «يا رسول الله ، على الحسين؟!».

فقال : «إنّ جبرئيل يقول : ويهاً الحسين» (٢).

إنّه من أجمل المناظر أن يلعب الصغار ببراءة الطفولة ، ولكن الأجمل من ذلك أن يكون بمشهد النبيّ الأعظم من جانب ، وجبرئيل مَلَك السماء من جانب آخر. وإذا كان جبرئيل ينفثُ في الحسين روح القوّة والشدّة والتشجيع ، فإنّ ذلك بلا ريب بأمر من السماء ؛ إذ إنّ الملائكة الكرام (يَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ).

ولجبرئيل شأن آخر مع الحسين (عليه السّلام) أعظم ، عندما كان المنبئ عن قتله وشهادته ، والمُراسِل الأوّل بأنباء السماء عن شهيد كربلاء ، بل أتى النبيَّ (صلّى الله عليه وآله) من أرضها بتربة حمراء ، إلى آخر الحديث الذي سنذكره في الفقرة (٢٨).

____________________

(١) مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور ٧ / ١٢٥.

(٢) مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور ٧ / ١٢٢.

٢٦

وكان أمير المؤمنين (عليه السّلام) يعرف ما تميّز به الحسين (عليه السّلام) من القوّة الغيبيّة التي نفثها فيه جبرئيل ، فكان يشّبهه بنفسه في الشجاعة والإقدام ويقول :

[١٨٤] : «وأشبه أهلي بي الحُسينُ» (١).

وكان إذا تحدّث عن الحرب يقول :

[١٨٥] : «وأمّا أنا وحُسين فنحن منكم وأنتم منّا» (٢).

وهو البطل المقدام الذي لا تُنكر ضرباته ولا تُفلّ عزماته.

والإمام الحسن (عليه السّلام) يُعلن عن شدّة الحسين (عليه السّلام) وصلابته حين قال له :

[١٨٧] : «أي أخ ، والله لوددتُ أنّ لي بعض شدّة قلبك» (٣).

٧ ـ شؤون اُخرى

١ ـ بين الحسن والحسين (عليهما السّلام)

جاء في النصوص عن أهل البيت (عليهم السّلام) أنّه :

[١٣ و ١٤] كان بين الحسن والحسين طهر وحمل (٤).

وأقلّ الطهر عشرة أيّام ، وكان الحمل ستّة أشهر ، وهو أقلّ ما يُمكن منه ، وقد صرّح أهلُ البيت (عليهم السّلام) بأنّه لم يولد لها إلاّ الحسين وعيسى (٥).

____________________

(١) و (٢) و (٣) مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور ٧ / ١٢٨.

(٤) مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور ٧ / ١١٦.

(٥) تاريخ أهل البيت (عليهم السّلام) ص ٧٤.

٢٧

فالذي كان بين ولادتي الحسن والحسين من التفاوت هو «ستّة أشهر وعشرة أيام» وهو ما جاء التصريحُ به في المأثور من تاريخ أهل البيت (عليهم السّلام).

٢ ـ عند الولادة

جاء في الحديث عن بشر بن غالب قال :

[٩] : كنتُ مع أبي هريرة فرأى الحسين بن عليّ ، فقال : يا أبا عبد الله ، لقد رأيتك على يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قد خضبتهما دماً حين اُتي بك ، حين وُلِدتَ ، فسرّرك ولفّك في خرقة ، ولقد تفل في فيك ، وتكلّم بكلام ما أدري ما هو؟

ولقد فعلَ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كل ذلك خصّيصاً بالحسين (عليه السّلام) وهو أمر لا يخفى على الحسين (عليه السّلام) أنّ جده فعله ، فلا بُدّ أنّ أخصّ أهله به قد أخبره ، ولكن ماذا في إخبار أبي هريرة به من فائدة؟!

هل يريد أن يُثبت اتّصاله بالنبيّ (صلّى الله عليه وآله) وحضوره معه منذ السنة الرابعة من الهجرة.

أو يريد أن يزعم أنّه كان من خاصّة النبيّ (صلّى الله عليه وآله) فكان قريباً منه إلى هذا الحدّ؟! لكن ما هو الجواب عن الأخبار الكثيرة المصرّحة بتأخّر إسلام أبي هريرة ولحوقه بالنبي (صلّى الله عليه وآله) بعد مولد الحسين (عليه السّلام) ، وبالضبط في السنة السابعة من الهجرة المباركة؟!

٣ ـ الرضاع

لا بُدّ أنّ الحسين (عليه السّلام) ارتضع بلبان المعرفة والحكمة من ثدي الزهراء اُمّه ، وقد ورد في الحديث أنّ الرسول (صلّى الله عليه وآله) نفسه زقّه بلسانه وبإبهامه يمصّ منهما ما يُنبت

٢٨

اللحم.

لكن جاء في الحديث أنّ زوجة العبّاس عمّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) كانت مرضعة له ، وهي اُم الفضل بنت الحارث :

[٨] أنّها رأتْ ـ فيما يرى النائمُ ـ أنّ عضواً من أعضاء النبيّ (صلّى الله عليه وآله) في بيتها.

قالت : فقصصتُها على النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ، فقال : «خيراً رأيتِ ؛ تلدُ فاطمة غلاماً فترضعيه بلبن قُثَم». فولدتْ فاطمة غلاماً ، فسمّاه النبيّ (صلّى الله عليه وآله) حُسيناً ودفعه إلى اُمّ الفضل ، وكانت ترضعه بلبن قُثَم (١).

فقُثَم بن العبّاس كان رضيعَ الحسين (عليه السّلام).

وله رضيع آخر جاء اسمه في مقتل الحسين (عليه السّلام) وهو عبد الله بن يَقْطُر ، كان رسوله (عليه السّلام) إلى الكوفة ، قتله عبيد الله بن زياد قبل وقعة كربلاء (٢).

٤ ـ الغنّة الحُسينيّة

جاء في الحديث :

[٢٦٤] عن سفيان ، عن شهاب بن حراش ، عن رجل من قومه قال : كنت في الجيش الذي بعثهم عبيد الله بن زياد إلى حسين بن عليّ ـ وكانوا أربعة آلاف يريدون الديلم ، فصرفهم عبيد الله بن زياد إلى حُسين بن عليّ ـ فلقيتُ

____________________

(١) لاحظ تاريخ دمشق ، الحديث (٢٣١ و ٢٣٢) ومختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور ٧ / ١١٦.

(٢) لاحظ تسمية مَن قُتل مع الحسين (عليه السّلام) ص ١٥٢ رقم (٢٥).

٢٩

حُسيناً ، فرأيته أسود الرأس واللحية ، فقلتُ له : السلام عليك يا أبا عبد الله.

فقال : «وعليك السّلام» ـ وكانت فيه غُنّة ـ فقال : «لقد بانت منكم فينا سلة منذ الليلة!» ـ يعني : سُرِقَ ـ.

قال شهاب : فحدّثتُ به زيد بن عليّ فأعجبه : وكانت فيه غُنّة.

قال سفيان : وهي في الحُسينيّينَ.

٥ ـ كان يصبغ بالوسمة

جاء في الحديث :

[٥٤] عن عمر بن عطاء قال : رأيتُ الحُسين بن عليّ يصبغ بالوسمة ، أمّا هو فكان ابن ستّين ، وكان رأسه ولحيته شديدَي السواد.

٦ ـ تواضع وكرم

جاء في الحديث :

[١٩٦] عن أبي بكر بن حزم : مرّ الحسين بمساكين يأكلون في الصُفّة ، فقالوا : الغداءَ.

فنزل وقال : «إنّ الله لا يحبُّ المتكبّرين» ، فتغدّى ثم قال لهم : «قد أجبتُكم فأجيبوني». قالوا : نعم.

فمضى بهم إلى منزله ، فقال للرباب : «أخرجي ما كنتِ تدّخرين» (١).

____________________

(١) مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور ٧ / ١٢٩.

٣٠

الباب الثاني

سيرة الحسين (عليه السّلام) قبل كربلاء

أولاً : في حماية الرسول (صلّى الله عليه وآله)

ثانياً : بعد غياب الرسول (صلّى الله عليه وآله)

ثالثاً : في مقام الإمامة

٣١
٣٢

اولاً : في حماية الرسول صلى الله عليه واله وسلم

٨ ـ رواية الحديث الشريف.

٩ ـ بيعة الرسول صلى الله عليه واله وسلم.

١٠ ـ الرسول صلى الله عليه واله وسلم يفعل.

١١ ـ الرسول صلى الله عليه واله وسلم يقول.

١٢ ـ الحسين عليه السلام والبكاء.

١٣ ـ الحب والبغض.

١٤ ـ السلم والحرب.

١٥ ـ وديعة الرسول صلى الله عليه واله وسلم.

٣٣
٣٤

٨ ـ رواية الحديث الشريف

وُلِدَ الحسينُ (عليه السّلام) وجدّه الرسول (صلّى الله عليه وآله) منهَمكٌ في بثّ الرسالة الإسلاميّة ، والدولة آخذة بالأوج والرفعة ، والرسولُ القائدُ لا ينفكّ يدبّر اُمورها ، ويرعى مصالحها ، ويُعالج شؤونها ، ويخطّط لها.

فالحسين السبط الذي يدور في فلك جدّه الرسول ، ويجلس في حجره ، ويصعد على ظهره ، ويرتقي عاتقه وكاهله لا بُدّ وأن يمتلئ بكلّ وجوده من كلام الرسول (صلّى الله عليه وآله) وحديثه ؛ فهو يسمع كلّ ما يقول ، ويرى كلّ ما يفعل ، وقد عاشر جدّه سبعاً من السنين تكفيه لأنْ يعيَ منه الكثير من الأُمور التي تعدّ في اصطلاح العلماء «حديثاً» لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) و «سُنّة» له.

وقد ابتدأ ابن عساكر برواية بعض الأحاديث التي سمعها من جدّه ، وأوَّل حديث ذكره هو :

١ ـ قال (عليه السّلام) : «سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول : ما من مسلم ولا مسلمة يُصاب بمصيبة وإن قدم عهدها ، فيُحدِث لها استرجاعاً إلاّ أحدَثَ الله له عند

٣٥

ذلك ، وأعطاهُ ثوابَ ما وعده عليها يوم أُصيبَ بها» (١).

أَوَمن القَدَرِ أن يكون هذا أوّل حديث يُروى في ترجمة الإمام الحسين (عليه السّلام)؟! أو أنّ الرسول (صلّى الله عليه وآله) أراد أنْ يلقّنَ الحسين في أوّل دروسه له درساً في الصبر على المُصيبة التي تكون قطب رحى سيرته ، ومقرونة باسمه مدى التاريخ؟!

إنّ في ذلك ـ حقّاً ـ لَعِبْرةً.

وحديث آخَر نقله ابن عساكر في ترجمة الإمام (عليه السّلام) :

٢ ـ قال : «إنّ أبي حدّثني ـ يرفع الحديث إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ـ أنّه قال : المغبون لا محمود ولا مأجور» (٢).

وهذا درس نبويّ عظيمٌ ؛ فإنّ عمل الإنسان لدنياه يستتبع الحمدَ ، وعمله لآخرته يستتبع الأجر ، والأعمال بالنيّات.

أمّا أنْ يُحتالَ عليه ويُغبَنَ ، فيؤخذَ منه ما لا نيّة له في إعطائه ، فهذا هو المغبون الذي لا يُحمد على فعله إن لم يُعاتَبْ ، ولا يؤجرَ على شيء لم يقصد به وجه الله والخير ، بل هو أداةٌ لتجرّؤ الغابنين واستهتارهم ، كما يؤدّي إلى الاستهزاء بالقِيَم واستحماق الناس.

ففي الحديث دعوة إلى التنبُّهِ والحذر واليقظة حتّى في الأُمور البسيطة الفردية ، فكيف بالأُمور المصيريّة التي ترتبط بحياة الاُمّة؟!

إنّ في ذلك ـ أيضاً ـ عِبْرةً لقّنها الرسولُ (صلّى الله عليه وآله) لحفيده

____________________

(١) و (٢) مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور ٧ / ١١٥.

٣٦

الحسين (عليه السّلام).

٩ ـ بيعة الرسول (صلّى الله عليه وآله)

الّذين لم يبلغوا الحُلُمَ لم يُكلَّفوا في الدين الإسلامي بما يشقُّ عليهم ، ولم يُعامَلوا إلاّ بما يلائم طفولتهم من الآداب.

فأمرٌ مثل «البيعة» التي تعني الالتزام بما يَقع عليه عقدها ، لا يصدُر إلاّ من الكبار ، لأنّها تقتضي الوعيَ الكاملَ ، ومعرفة المسؤولية والشعور بها ، وتحمّل ما تستتبعه من أُمور ، وكلّ ذلك ليس للصغار قبل البلوغ فيه شأن.

إلاّ أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ميّز بعض مَن كان في عمر الصغار من أهل البيت (عليهم السّلام) بقبول «البيعة» منهم.

وهذا يستلزم أنْ يكون عملهم بمستوى عمل الكبار ، وإلاّ لنافى الحكمة التي انطوى فعل الرسول (صلّى الله عليه وآله) عليها بأتمّ شكل وبلا ريب! فالمسلمون يربؤون بالنبيّ (صلّى الله عليه وآله) وحكمته أن يقوم بأمر لغو.

وجاء الحديث عن الإمام أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر (عليه السّلام)

[١٩٤] أنّه قال : «إنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) بايع الحسن والحسين ، وعبد الله بن عبّاس وعبد الله بن جعفر وهم صغارٌ لم يبلغوا».

قال : «ولم يبايع صغيراً إلاّ منِّا» (١).

____________________

(١) مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور ٧ / ١٢٩.

٣٧

وتدلُّ هذه البيعة على أنّ قلّة الأعوام في أولاد هذا البيت الطاهر ليستْ مانعةً عن بُلوغهم سنّ الرشد المؤهِّل للأعمال الكبيرة المفروضة على الكبار ما دام فعل الرسول المعصوم يدعمُ ذلك ، وما دام تصرّفهم يكشف عن أهليّتهم! وما دام الغيبُ والمعجز الإلهيّ يُبَيّن ذلك.

فليس صِغَر عمر عيسى (عليه السّلام) مانِعاً من نبوّته ما دام المعجِز يرفده في المهد يكلّم الناس صبيّاً ، وليس الصِغرَ في عمر الحسين (عليه السّلام) مانِعاً من أن يُبايعه جدّه الرسول (صلّى الله عليه وآله).

١٠ ـ الرسولُ (صلّى الله عليه وآله) يفعلُ

وَجَدَ الرسولُ (صلّى الله عليه وآله) سبطَه الحسينَ يلعبُ مع غلمان في الطريق ، فأسرعَ الجدُّ أمامَ القوم وبسطَ يديه ليحتضنَه ، فطفق الحسينُ يمرُّ ها هنا مرّةً وها هنا مرّةً ، يُداعب جدّه ، يفرّ منه دلالاً كما يفعلُ الأطفال ، فجعلَ الرسولُ العظيم يُضاحكُهُ حتّى أخذه.

ذكر هذا في الحديث ، وأضاف الراوي له ، قال :

[١١٢ و ١١٥] فوضع الرسول إحدى يديه تحت قفاه ، والأُخرى تحت ذقنه ، فوضع فاه على فيه فقبّله وقال : «حُسينٌ منّي وأنا من حُسين ، أحَبَّ الله من أحبَّ حُسيناً ، حُسينٌ سِبْط من الأسباط» (١).

إنّ الرسول (صلّى الله عليه وآله) وهو يحمل كرامة الرسالة وثقل النبوّة ، وعظمة الأخلاق

____________________

(١) مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور ٧ / ١٢٠.

٣٨

وهيبة القيادة ، يُلاعب الطفلَ على الطريق. فلا بُدّ أن يكون لهذا الطفل شأنٌ كريمٌ وثقيلٌ ، وعظيمٌ ومهيبٌ ، مناسبٌ لشأن الرسول نفسه ، ويُعلن عن سبب ذلك فيقول : «حُسَينٌ منّي وأنا من حُسَين» ليؤكّد على هذا الشأن ، وأنّهما ـ الحسين والرسول (صلوات الله عليهما) ـ وِفقان كما سنراه في الفقرة التالية (١١).

ومنظر آخر :

حيث الرسول (صلّى الله عليه وآله) الذي هو أشرف الخلق وأقدسهم ، فهو الوسيط بين الأرض وبين السماء ، فهو أعلى القِمَم البشريّة التي يمكن الاتّصال بالسماء مباشرة بالاتّصال بها.

ومَنْ له أنْ يرقى هذا المُرتقى العالي الرهيب؟

لا أحدَ غيرُ الحسنِ وأخيه الحسينِ ، فإنّهما كانا يستغلاّن سجود النبيّ (صلّى الله عليه وآله) إذا صلَّى ، فيثبانِ على ظهره ، فإذا استعظم الأصحاب ذلك وأرادوا منعهما أشار النبي (صلّى الله عليه وآله) إليهم : «أنْ دعوهما».

ثم لا يرفع الرسول (صلّى الله عليه وآله) رأسه من سجوده حتّى يقضيا وطرهما ، فينزلان برغبتهما.

وفي نصّ الحديث :

[١١٦ و ١٤٢ و ١٤٣] فلمّا أن قضى الرسول الصلاةَ ، وضعهما في حجرهِ ، فقال :

«مَنْ أحبّني فليحبَّ هذين».

إنّ عملهما مع لطافته لا يستندُ إلى طفولة تفقد الوعي والقصد ، لأنّهما أجَلُّ من أن لا يُميّزا بينَ حالة الصلاة وغيرها ، وموقف الرسول العظيم تجاههما لا

٣٩

يستند إلى عاطفة بشريّة فهو في أعظم الحالات قرباً من الله.

فهما يصعدان على هذه القمّة الشمّاء وهو في حالة العروج إلى السماء ، فإنّ الصلاة معراج المؤمن ، والرسول (صلّى الله عليه وآله) سيّد المؤمنين.

فأيّ تعبير يمكن أنْ يستوفي وصف هذه العظمة وهذا العُلوّ وهذا الشموخ الذي لا يُشك في تقرير الرسول له ، وعدم معارضته إيّاه؟! بل إظهاره الرضا والسرور به.

وهل حَظِيَ أحَدٌ بعدَهما بهذه الحظوة الرفيعة؟

كلاّ لا أحد.

أمّا قبلهما ، فنعم.

أبوهما عليٌّ الذي هو خيرٌ منهما ، قد رَقِيَ ـ بأمْر من الرسول (صلّى الله عليه وآله) ـ ظهرَه الشريف يومَ فتح مكّة ، فصعدَ على سطح الكعبة وكسّر الأصنام.

وفي ذلك المقام قال الإمام(عليه السّلام) : «خُيِّلَ إليَّ لو شِئْتُ نِلْتُ اُفُقَ السماء» (١).

إنّ الشرف في الرُقيّ على ظهر النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ـ وهو المثال المجسَّد للقُدس والعُلوّ ـ لا يزيد على شرف الصاعد إذا كان مثل عليٍّ والحسن والحسين ممّن هو نفس النبيّ أو فلذة منه.

وقد عبّر الرسول (صلّى الله عليه وآله) عن هذه الحقيقة في حديثه مع عمر لمّا قال :

____________________

(١) المستدرك على الصحيحين ٢ / ٣٦٦.

٤٠