الحسين عليه السلام سماته وسيرته

السيد محمد رضا الحسيني الجلالي

الحسين عليه السلام سماته وسيرته

المؤلف:

السيد محمد رضا الحسيني الجلالي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار المعروف للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٢٠

الإسلام ، لم يتأدَّ إلاّ بالخروج ، ولم يسقط هذا الواجب بمجرّد احتمال العصيان غير المتحقّق في ظاهر الأمر ، فكيف يرفع اليد عنه؟ وما هو عذره عن الحجّة التي تمّت عليه بدعوتهم له ولم يبدُ منهم نكثٌ وغدرٌ بعدُ؟ فلا بُدّ أنْ يمضي الإمام (عليه السّلام) في طريق آداء واجبه حتّى تكون له الحجّة عليهم إذا خانوا وغدروا كما حدث في كربلاء ، ولو على حساب وجوده الشريف.

وقد كان الإمام يُعلن ويُصرّح ويُشير باستمرار إلى «كتب القوم ورسائلهم» عندما يُسأل عن وَجْه مسيره ، ليدلّ المعترضين على خروجه إلى هذا الوجه الرصين المحكم ، وهذا الواجب الإلهيّ المستقرّ على الإمام (عليه السّلام) ، وهكذا أسكت الإمام (عليه السّلام) اعتراض ابن عمر ، فقال له مكرّراً [٢٤٦] : «هذه كتبهم وبيعتهم» (١).

وكلّ مسلم يعلم أنّ الحّجة إذا تمّت على الإمام (عليه السّلام) بحضور الحاضر ووجود الناصر فقد أخذ الله عليه أن يقومَ بالأمر عند انعدام العذر الظاهر ، ولا تصدُّه احتمالاتُ الخِذلان ، ولا يردعُه خَوفُ القتل عن ترك واجبه أو التقصير في ما فُرض عليه ، بل لا بُدّ من أن يسيرَ على ما ألزمه الله ظاهراً من القيام بالأمر ، وطلب الصلاح والإصلاح في الأُمّة ، حتّى تنقطع الحّجة ولا يبقى لمعتذر عذر ، وهكذا كانَ يعملُ الأنبياء (عليهم السّلام) من قبل.

وها هو الحسين (عليه السّلام) إمام عصره وسيّد المسلمين في زمانه ، يجد المخطّط الأُمويّ لعودة الناس إلى الجاهليّة يُطبَّق ، والإسلام بكلّ شرائعه وشرائحه يُهدّد بالاندثار والإبادة ، ويجد أمامه هذه الكثرة من كتب القوم ودعواتهم ، وبيعتهم ، وإظهارهم للاستعداد ، فأيُّ عذر له في تركهم وعدم الاستجابة لهم؟!

____________________

(١) مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور ٧ / ١٣٥.

١٤١

وهل المحافظة على النفس ، والرغبة في عدم إراقة الدماء ، والخوف من القتل أُمور تمنع من أداء الواجب ، وتعرقل مسيرة المسؤولية الكبرى ، وهي المحافظة على الإسلام وحرماته ، وإتمام الحجّة على الأُمّة بعد دعواتها المتتالية ، واستنجادها المتتابع؟!

ثمَّ هَلْ تُعْقَلُ المحافظة على النفس بعد قطع تلك المراحل النضالية ، والتي كان أقل نتائجها المنظورة القتلُ ، حيث إنّ يزيدَ صمّم على الفتك بالإمام (عليه السّلام) الذي كان يجده السدّ الوحيد أمام استثمار جهود أبيه في سبيل الملك الأُموي العَضوض ، فلا بدّ من أن يزيحه عن هذا الطريق.

ويتمنى الحكم الأُموي لو أن الحسين (عليه السّلام) يقف هادئاً ولو للحظة واحدة حتّى يركّز في استهدافه ويقتله ، وحبّذا لو كان قتل الحسين (عليه السّلام) بصورة اغتيال حتّى يضيع دمه وتهدر قضيته.

وقد أعلن الحسين (عليه السّلام) عن رغبتهم في ان يقتلوه هكذا ، وأنّهم مصممون على ذلك حتّى لو وجدوه في جُحْر ، وأشار يزيد إلى جلاوزته أن يحاولوا قتل الحسين (عليه السّلام) أينما وجدوه ولو كان متعلقاً بأستار الكعبة ، فلماذا لا يُبادرهم الإمام (عليه السّلام) إلى انتخاب أفضل زمان ، وأفضل مكان ، وأفضل شكل للقتل؟!

الزمان «يوم عاشوراء» المسجّل في عالم الغيب ، والمثبت في الصحف الأُولى ، وما تلاها «من أنباء الغيب» التي سنستعرضها ، وكذا المكان «كربلاء» الأرض التي ذكر اسمها على الألسن منذ عصر الأنبياء ، أمّا الشكل الذي اختاره للقتل فهو النضال المستميت الذي ظلّ صداه مُدَويّاً في اُذن التأريخ ، يقضّ مضاجع الظالمين والمزوّرين لكتبه.

١٤٢

إنّ الإمام (عليه السّلام) وبمثل ما قام به من الإقدام أثبت ذكره ومقتله على صفحات التاريخ ، حتّى لا تناله خيانات المنحرفين ، وجحود المنكرين ، وتزييف المزورين.

ويخلد في الخالدين (١) ، وسيأتي حديث عن علم الإمام (عليه السّلام) بمقتله من الغيب ، وإقدامه على ذلك في الفقرة التالية (٢٨).

٢٨ ـ من أنباء الغيب للغيب والإيمان به دور في حضارة الدين والرسالات كلّها ، وفي الإسلام كذلك ، حتّى جعل من صفات الّذين يلتزمون بها أنّهم (يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ).

والرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) قد جاء بأنباء الغيب التي أوحاها الله إليه ، وكلّ ما أخبر به منْ أنْباء المستقبل وحوادثه فهو من الغيب الموحى إليه ، إذ هو (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى * إِنْ هُوَ إلاَّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ القُوَى) ، وكانت واقعة خروج الحسين (عليه السّلام) إلى أرض العراق وقتله هُناك من دلائل النبوّة ، وشواهد صدقها حقّاً (٢).

وقد استفاضتْ بذلك الأخبار ، وممّا نقله ابن عساكر [٢١٣] : عن عليّ (عليه السّلام) قال : «دخلت على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وعيناه تفيضان ، فقلت : يا نبيّ الله ، أغضبك أحدٌ؟ ما شأن عينيك تُفُيضان؟

قال : بل قام من عندي جبرئيل قبلُ ، فحدّثني أنّ الحسين يُقتل بشطّ الفرات» (٣).

وزار مَلَك القَطْر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، فدخل الحسين (عليه السّلام)

____________________

(١) انظر مقال «علم الأئمة بالغيب» / ٥٨ ـ ٦٩.

(٢) أورد كثير من هذه الأخبار البيهقي في «دلائل النبوّة» ، وكذلك أبو نعيم في «دلائل النبوّة» ، وهما مطبوعان متداولان.

(٣) مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور ٧ / ١٣٣.

١٤٣

يتوثّب على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، فقال الملك

[٢١٧] : أما إنّ أُمّتك ستقتله!

وقد روى هذه الأنباء عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عليٌّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، واُمّ سلمة اُمّ المؤمنين ، وزينب اُمّ المؤمنين ، واُمّ الفضل مرضعة الحسين (عليه السّلام) ، وعائشة بنت أبي بكر ، ومن الصحابة أنس بن مالك ، وأبو اُمامة.

وفي حديثه [٢١٩] قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لنسائه : «لا تُبكوا هذا الصبيّ» ـ يعني حسيناً.

فكان يوم اُمّ سلمة ، فنزل جبرئيل (عليه السّلام) ، فدخل رسول الله (صلّى

١٤٤

الله عليه وآله) وقال لاُمّ سلمة : «لا تَدَعي أحداً يدخلْ علَيَّ».

فجاء الحسين (عليه السّلام) ... أراد أن يدخل ، فأخذته اُمّ سلمة فاحتضنته وجعلت تُناغيه وتسكته ، فلمّا اشتدّ في البكاء خلّت عنه ، فدخل حتّى جلس في حجر رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

فقال جبرئيل للنبيّ (صلّى الله عليه وآله) : إنّ أُمتّك ستقتل ابنك هذا ...

فخرج رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قد احتضن حسيناً ، كاسف البال مهموماً ...

فخرج إلى أصحابه وهم جلوس فقال لهم : «إنّ أُمّتي يقتلون هذا» وفي القوم أبو بكر وعمر (١).

إنّ الذين بلغتهم هذه الأنباء وآمنوا بها غيبيّاً ، ليَزداد إيمانهم عمقاً وثباتاً لمّا يجدون الحسين (عليه السّلام) يُقتل فعلاً ، وبذلك يكون الحسين (عليه السّلام) ومقتله من شواهد النبوّة والرسالة ودلائلها الواضحة ، وبهذا تتحقّق مصداقيّة قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : «... وأنا من حُسين».

ونزول جبرئيل (عليه السّلام) بالأنباء إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أمرٌ مألوفٌ إذ هو مَلَك الوحي ، وموصل الأنباء ، أمّا نزول ملك القَطْر ـ المطر ـ وإخباره بذلك فهو أمر يستوقف القارئ.

فهل في ذلك دلالة خفيّة على موضوع فقدان الماء في قضيّة كربلاء ، و «العطش» الذي سيتصاعد مثل الدخان من أبْنِيَة الحسين (عليه السّلام) يوم عاشوراء؟!

____________________

(١) مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور ٧ / ١٣٤.

١٤٥

ومن دلائل الإمامة :

فعليٌّ (عليه السّلام) أمير المؤمنين ، الوصيُّ الذي تلقّى من النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أدوات الخلافة : عينيّها ومعنويّها ، خفيّها وعلنيّها ، علومها الشرعية وأسرارها المودعة الجفريّة ، ما أسرّ كثيراً منها وأعلن عن البعض ، فكان فيما أعلن عنه الإخبار عن مقتل الحسين (عليه السّلام).

قال صاحب مطهرته :

[٢١٣] : لمّا حَاذى (عليه السّلام) نينوى وهو منطلق إلى صفّين نادى : «صبراً أبا عبد الله ، صبراً أبا عبد الله بشطّ الفُرات».

قلتُ : مَنْ ذا أبو عبد الله؟

قال عليّ (عليه السّلام) : «دخلت على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وعيناه تُفيضان ... فقال : قام من عندي جبرئيل قبلُ ، فحدّثني أن الحسين يُقتل بشطّ فرات ...» (١).

أمّا أين هي نينوى؟ وأيّ شاطئ من شواطئ الفرات هو موضع قتل الحسين (عليه السّلام)؟

فإنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قد هدى عليّاً (عليه السّلام) إلى «علامة» ووضع عنده عيّنةً من تربة الموضع.

قال : «هل لك أنْ اُشِمَّك من تُربته؟

فمدّ يده ، فقبض قبضةً من تراب فأعطانيها».

____________________

(١) مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور ٧ / ١٣٣.

١٤٦

وعلامةٌ اُخرى ، إنّ هذه التربةَ مفيضةُ الدمع ، وقد جرّبها عليّ (عليه السّلام) لأوّل مرّة وقعت بيده ، فقال :

«فلم أملك عينيَّ أن فاضتا».

وبعد هذه الأعوام الطوال ، والحُسين يقرب من الثلاثين من عمره ، يقف عليٌّ (عليه السّلام) على هذه الأرض ، ليقف على تلكما العلامتين ، ويُعلن عن الغيب المستودع مرّتين ، مرّة حين سار إلى صفّين كما قرأنا في الحديث السابق ، ومرّة أُخرى حينما رجع من صفّين ، قال الراوي :

[٢٣٨] : أقبلنا مرجعنا من صفّين فنزلنا كربلاء ، فصلّى بها عليّ صلاة الفجر بين شجرات ودوحات حَرْمَل ، ثم أَخَذَ كفّاً من بَعْر الغِزْلان فشمّه ، ثم قال : «اُوّهْ اُوّهْ! يُقتلُ بهذا الغائط قومٌ يدخلون الجنّةَ بغير حساب» (١).

لقد شمّ عليٌّ تُربة هذه الأرض من يَد النبيّ ، ويشمّها اليوم وهو على أرض كربلاء ، يقدّسها فيصلّي فيها.

ولئن كانت أنباءُ الرسول (صلّى الله عليه وآله) من دلائل النبّوة ، فإنّ حضور عليّ (عليه السّلام) على هذه الأرض ، وإعلانه عن أنباء الغيب التي أوحاها إليه الرسول (صلّى الله عليه وآله) وحمّلها عليّاً ، فهي من دلائل الإمامة.

وزاد عليّ (عليه السّلام) أنْ حضر في كربلاء وقدّس أرضها ، وواسى ابنه الشهيد بنداء له : «صبراً أبا عبد الله» «صبراً أبا عبد الله».

وإذا كانت أنباء كربلاء من الغيب الذي يُوحيه الله إلى الرسول ، فلا بدّ

____________________

(١) مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور ٧ / ١٣٥.

١٤٧

أنّ شيئاً من تلك الأنباء قد جاء في صحف الأنبياء ما دامت الشريعة الإلهية واحدة ، والحقائق الكونيّة بعينها متّحدة ، والوقائع المتجدّدة محفوظة في لوح الغيب ، والأهداف في الإعلان عنها بنفسها مُتكرّرة.

فماذا عن كربلاء في الصحف الأُولى؟

إنّ رجالاً من أهل الأديان قد تناقلوا بعض تلك الأنباء :

[ص١٨٩] فهذا كعب الأحبار كان إذا مرَّ عليٌّ (عليه السّلام) يقول : يخرج من وُلد هذا رجلٌ يُقتل في عصابة لا يجفُّ عرق خيولهم حتّى يردوا على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) (١).

[ص١٨٩] : وكان رأسُ الجالوت ـ وهو من أولاد الأنبياء السابقين ـ يقول : كُنّا نسمع أنّه يُقتل بكربلاء ابنُ نبيٍّ ، فكنتُ إذا دخلتُها ركضتُ فرسي حتّى أجوزَ عنها ، فلمّا قُتل حُسَينٌ جعلتُ أسير بعد ذلك على هيئَتي (٢).

وإذا كانت الأنباء قد ذاعتْ وانتشرتْ ، ورويتْ عن الصحف الأُولى ، وعن النبيّ ، وعن عليّ ، فأجدر بالحسين أبي عبد الله ، صاحب الأنباء ومحورها ، وموضوع حديثها ، أن يكون على علم بها.

ولقد أعلن عنها قبل كربلاء ، وكان يحلف بالله على النتيجة التي يلقاها ، ومن تلك الأنباء :

[٢٦٧] قال الحسين (عليه السّلام) : «والله ، ليَعْتَدُنَّ عليَّ كما

____________________

(١) و (٢) مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور ٧ / ١٣٥.

١٤٨

اعتدت بنو إسرائيل في السبت».

[٢٦٨] وقال (عليه السّلام) : «والله ، لا يَدَعُوني حتّى يستخرجوا هذه العَلَقةَ من جوفي».

[٢٦٦] وقال من شافَهَ الحسين (عليه السّلام) : رأيت أبْنِيةً مضروبةً بفلاة من الأرض ، فقلتُ : لمن هذه؟

قالوا : هذه لحسين.

فأتيتُه ، فإذا شيخ يقرأ القرآن ـ والدموع تسيلُ على خدّيه ولحيته! ـ فقلت : بأبي أنت وأُمّي يابن رسول الله! ما أنزلك هذه البلاد والفلاة التي ليس بها أحدٌ؟!

فقال : «هذه كتب أهل الكوفة إليَّ ، ولا أراهم إلاّ قاتلي».

وأوْلى بالحسين (عليه السّلام) أن يعلم ما يجري في الغيب من خلال إخبار جدّه المرسَل ، لأنّه من أعلام الإمامة التي زانها.

حديث كربلاء : أحزانُها وتربتُها :

واسم «كربلاء» نفسه الذي لم يذكر في تراث العرب القديم ، وإنّما جاء على لسان الغيب ، وسمعه العرب لأوّل مرّة في حديث النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ، فيما رواه سعيد بن جهمان قال :

[٢٣٣] : إنّ جبرئيل أتى النبي (صلّى الله عليه وآله) بتراب من تربة القرية التي يُقتل فيها الحسين (عليه السّلام).

وقيل : اسمها «كربلاء».

١٤٩

فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : «كربٌ وبلاءٌ» (١).

فلا بدّ أن يكون هذا الاسم موضوعاً على تلك القرية ، لكن تداولها بدأ منذ هذا الحديث ، وأمّا استيحاء «الكرب» و «البلاء» منه فلم يؤثر إلاّ من هذا النصّ ، بالرغم من إيحاء حروف الكلمة ودلالتها التصوّرية التي لا يمكن إنكارها.

وعليّ (عليه السّلام) أيضاً سأل عن هذا الاسم واستوحى منه نفس الوحي.

[٢٧٨] قال الراوي : رجعنا مَعَ عليّ من صِفّين ، فانتهينا إلى موضع ، فقال : «ما يُسَمّى هذا الموضع؟».

قلنا : كربلاء.

قال : «كربٌ وبلاءٌ».

ثم قَعَدَ على رابِية وقال : «يُقتل ها هنا قومٌ أفضل شهداء على ظهر الأرض ، لا يكون شهداء رسول الله (صلّى الله عليه وآله)».

والحسينُ نفسُه حين نزلَ كربلاء تساءَلَ :

[٢٧٥] : «ما اسمُ هذه الأرض؟».

قالوا : كربلاء.

قال (عليه السّلام) : «كربٌ وبلاءٌ».

وبعد حديث الغيب كان إحضار عيّنة من «تُربة كربلاء» التي تكرّر الحديث عنها دعماً من الرسول (صلّى الله عليه وآله) لكلّ ذلك الحديث بمصداق

____________________

(١) مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور ٧ / ١٣٤.

١٥٠

ونموذج من تُربتها ، لتكون دليلاً عينياً من دلائل النبوّة ومعجزاتها.

[٢١٣] ففي حديث عليّ (عليه السّلام) أنّ جبرئيل قال للنّبي (صلّى الله عليه وآله) : هل أُشمّك من تُربته؟

«فمدّ يده فقبض قبضةً من تُراب فأعطانيها».

وفي حديث أنس :

[٢١٧] فجاءه بسهلة أو تُراب أحمر ، فأخذته اُمّ سلمة فجعلتْه في ثوبها.

وفي حديث أبي أُمامة :

[٢١٩] فخرج على أصحابه وهم جلوس ... قال : «هذه تُربته» فأراهم إيّاها (١).

ولاُمّ المؤمنين اُمّ سلمة شأن أكبر مع هذه التربة ، فقد روت حديثه بشيء من التفصيل :

[٢٢١ و ٢٢٢] : ... فاستيقظ وفي يده تُربة حمراء وقال : «أخبرني جبرئيل أنّ ابني هذا ـ الحسين ـ يقتل بأرض العراق ... فهذه تُربتها.

... أهل هذه المدرة يقتلونه»!

بل زادها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) شرفاً بأن استودعها تلك التربة ، وكانت تحتفظ بها فيما روته ، قالت :

____________________

(١) مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور ٧ / ١٣٤.

١٥١

[٢٢٣] : كان الحسن والحسين يلعبان بين يدي النبي (صلّى الله عليه وآله) في بيتي ، فنزل جبرئيل (عليه السّلام) فقال : يا محمّد ، إنّ أُمّتك تقتل ابنك هذا من بعدك ، وأومأ بيده إلى الحسين (عليه السّلام).

فبكى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وضمّه إلى صدره ثمّ قال :

«وديعةٌ عندكِ هذه التُربة» فشمّها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وقال : «وَيْحَ كربٍ وبلاء!

وقال : يا اُمّ سلمة إذا تحوّلت هذه التُربة دماً فاعلمي أنّ ابني قد قُتل».

فجعلتْها اُمّ سلمة في قارورة ، ثمّ جعلتْ تنظر إليها كلّ يوم وتقول : إنّ يوماً تحوّلين دماً ليوم عظيمٌ (١)!

وهذه التفاصيل اختصّت بها اُمّ سلمة من بين زوجات النبيّ.

أما حديث التُربة فقد رواه غيرها من النساء أيضاً :

فعائشة قالت :

[٢٢٨] : فأشار له جبرئيل إلى «الطفّ» بالعراق ، وأخذ تربة حمراء فأراه إيّاها فقال : هذه تربة مصرعه.

وزينب بنت جحش روت

[٢٣٠] : فأراني تربة حمراء.

____________________

(١) مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور ٧ / ١٣٤.

١٥٢

واُمّ الفضل ـ مرضعة الحسين (عليه السّلام) ـ قالت :

[٢٣٢] : وأتاني بتربة من تربته حمراء.

والعجيب في أحاديثهنّ كلّهن ، وأحاديث مِن غيرهنّ أنها تحتوي على جامع مشترك هو «الحُمرة» لون الدم ، إلاّ أنّ حديثها احتوى على تحوّل التربة إلى «دَمٍ» في يوم عاشوراء.

فما هذه الأسرار التي تحتويها هذه الأخبار؟

وما سرّ هذه التُربة التي :

تُفيضُ دمعة الناظر إليها!

وتتحوّلُ إلى دم!

ولها رائحةٌ خاصّة!

وكان طيبها دليلاً عليها لمن يهواها :

[٣٤٦] فلمّا أُجريَ الماءُ على قبر الحسين (عليه السّلام) في عصر المتوكّل العبّاسي ـ نضب بعد أربعين يوماً ، وامتحى أثر القبر ، فجاء أعرابيٌ من بني أسد ، فجعل يأخذ قبضةً ويشّمها حتّى وقع على قبر الحسين وبكاه ، وقال : بأبي وأُمّي ما كان أطيبَك ، وأطيب تربتك ميتاً! ثمّ بكى وأنشأ يقول :

أرادُوا ليُخفوا قبره عن وليّه (١)

فطِيبُ ترابِ القبر دلَّ على القبرِ (٢)

____________________

(١) في المختصر : عن عدوّه ، فليلاحظ.

(٢) مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور ٧ / ١٥٥.

١٥٣

وتُوحي الكرب ، والدمّ ، والقتل ، والبلاء!

وهل يمكن الاطّلاع على تلك الأسرار إلاّ من خلال أنباء الغيب التي تُوحيها السماءُ على سيّد الانبياء؟

وإنّ من أعظم دلائل النبوّة والإمامة تحقُّقُ تلك التنبُّؤات كلّها.

ولا تزال «تُربةُ كربلاء» ذاتها تتحوّلُ يوم عاشوراء إلى دَم قان.

ولا يزال الموالون للحسين (عليه السّلام) يعرفونها من رائحتها.

ولا زال تراب كربلاء يُقدَّس ، ويُتقربُ إلى الله بالسجود عليه لطهارته وشرفه عند الله ، ويُتبرّك به ، ويُستشفى به ، لأن دم الحسين (عليه السّلام) اُريق عليه في سبيل الله.

ولا زالتْ أرضُ كربلاء توحي المآسيَ والكربَ والبلاء ، وتجري عليها المصائبُ والآلامُ ، وتجري فيها أنهارُ الدماء!

لأنّها كربٌ وبلاءٌ!

٢٩ ـ أصْحابٌ أوفياء

صمّم الإمام الحُسينُ (عليه السّلام) على الخروج إلى العراق ، ولم تُثنِه العراقيلُ التي كانت على طول طريقه ، ولم تثبّطه الاحتمالاتُ ، بل ولا ما كان واضحاً في المنظور السياسي ذلك اليوم من شدّة بطش الحكومة الأُمويّة وعدم ارعوائها من فعل كلّ مخالفة حتّى إبادته! وغدر أهل الكوفة وتقاعسهم عن نصرته!

بل سار يَسوقه الواجب الإلهيّ المفروض عليه ، لكونه إماماً للأُمّة يجب عليه القيام تلبية لندائها لإتمام الحجّة الظاهرة.

١٥٤

والمصير الغيبيّ الذي كان يعلمه هو يعلمه كلّ من سمع جدّه النبيّ (صلّى الله عليه وآله) يتحدّث عن كربلاء ، أو شاهده وشاهدَ أباه عليّاً (عليه السّلام) يشمّان تربتها ويتناولانها ، ويتعاطيانها ، ويستودعانها! كان هذا المصير يقود الإمام الحسين (عليه السّلام).

وأمّا من كان مع الحسين (عليه السّلام) في مسيره :

فقد كان (عليه السّلام) يصطحبُ معه «جَيْشاً» يُشيرُ إليه ، ويستعرضه كلّما سُئِلَ عنه؟ ألا وهي أكداس الرسائل وكتب الدعوة الموجّهة إليه من الكوفة ، ممّن كان يعبّر عن رأي عامّة الناس من الرؤساء والأعيان.

إنّه (عليه السّلام) كان يعدّ تلك الأعداد من الكتب والرسائل «جيشاً» يستحثّه المسير ، ويُصاحِبُه ، وكانَ كلّما عرضه على المتسائلين والمتشائمين ، بل الناصحين ، أُفْحِمُوا ولم يَحْرُوا جواباً!

وليس الاستنادُ إلى هذا الكمّ الهائل من عهود الناس ـ وفيهم أصحاب الزعامة ، والكلمة المسموعة ـ بأهونَ من الاعتماد على أمثالهم من الأشخاص المجنّدين الحاضرين معه لو كانوا.

فإنّ احتمالات الخيانة والتخاذل في الأشخاص مثلها في أصحاب الرسائل والعهود إنْ لم تكن أقوى وأسرع!

وغريبٌ أمرُ اُولئك الّذين ينظرون إلى الموقف من زاوية المظاهر الحاضِرة ، ويحذفون من حساباتهم الأُمور غير المنظورة ، ويُريدون أن يُحاسِبوا حركة الإمام (عليه السّلام) وخروجه على أساس أنّه إمام عالم بالمصير ، بل لا بُدّ أن يعرف كلّ شيء من خلال الغيب! فكيف يُقدم على ما أقدم وهو عالم بكلّ ما يصير؟!

والغرابةُ من أنّ الإمام الحسين (عليه السّلام) لو عَمِلَ طبقاً لما يعلمه من

١٥٥

الغيب ، لعابَ عليه كلّ مَنْ يسمع بالأخبار ويقرأ التاريخ أنّه ترك دعوة الأمّة ـ المتظاهرة بالولاء له ، من خلال آلاف الكتب والعهود الواصلة إليه بواسطة أُمناء القوم ورؤسائهم ـ استناداً إلى احتمالات الخيانة والتخاذل التي لم تظهر بوادرها إلاّ بالتخمين حسب ماضي هذه الجماعة وأخلاقهم. واعتماداً على الغيب الذي لم يؤمن به كثير من الناس في عصره ومن بعده ، ولم يسلّمه له غير مجموعة من شيعته.

فلو أطاع الإمام الحسين (عليه السّلام) اُولئك الناصحين له بعدم الخروج ، لكان مطيعاً لمن لم تجب عليه طاعتهم ، وتاركاً لنجدة من تجب عليه نجدتهم.

كما إنّ طاعة اُولئك القلّة من الناصحين لم تكن بأجدر من طاعة الآلاف من عامّة الشعب الّذين قدّموا له الدعوة ، وبإلحاح ، وقدّموا له الطاعة والولاء.

وقبل هذا وبعده فإنّ الواجب الإلهيّ يحدوه ، ويرسم له الخطط للقيام بأمر الأُمّة ، فإذا تمّت الحجّة بوجود الناصر ، فهذا هو الدافع الأوّل والأساس للإمام (عليه السّلام) على الإقدام ، دون الإحجام على أساس الاحتمالات السياسية والتوقّعات الظاهرية ، وإنّما استند إليها في كلماته وتصريحاته لإبلاغ الحجّة ، وإفحام الخصوم ، وتوضيح المحّجة لكلّ جاهل ومظلوم (١).

وأمّا ظاهرياً :

فقد كان في «قلّة من الناس» وهذا يوجب القلق في الوجه الذي سار فيه الإمام :

____________________

(١) وقد فصّلنا الحديث عن علم الأئمة (عليهم السّلام) بالغيب والاعتراض على إقدامهم بأنّه إلقاء إلى التهلكة ، في مقال مفصّل طبع في «تراثنا» عدد ٣٧.

١٥٦

[٢٦٢ و ٢٦٥] قال زُهَيْر بن شدّاد الأسديّ ـ من أهل الثعلبيّة التي مرّ بها الحسين (عليه السّلام) في طريقه إلى الشهادة ـ : أي ابن بنت رسول الله ، إنّي أراك في قلّة من الناس ، إنّي أخاف عليك!

فأشار بسوط في يده ـ هكذا ـ فضرب حقيبةً وراءَه ، فقال : «إنّ هذه مملوءةٌ كتباً ، هذه كتب وجوه أهل المصر»!

وقد كان أصحاب الحسين (عليه السّلام) من القلّة بحيث قد عدّهم التاريخ كمّاً ، عدّاً بأسمائهم وقبائلهم وأعيانهم.

فكان معه من بني هاشم عدّة معروفة كما في الحديث :

[ص٢٠٤] : بعث الحسين (عليه السّلام) إلى المدينة ، فقدم عليه مَنْ خفّ معه من بني عبد المطلّب ، وهم تسعة عشر رجلاً ، ونساء وصبيان من إخوانه وبناته ونسائهم (١).

ويقول الحديث الآخر عن الذين استشهدوا معه (عليه السّلام) من الهاشميّين

[٢٨٤] : قُتل مع الحسين (عليه السّلام) ستّة عشر رجلاً من أهل بيته (٢).

والحسين (عليه السّلام) هو السابع عشر والّذين خرجوا من المعركة أحياء هم اثنان فقط ، أحدهما عليّ زين العابدين ، والآخر : الحسن المثنّى ، اللذان ارتُثّا (٣) في المعركة واُخذا مَع الأسْرى!

____________________

(١) مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور ٧ / ١٤٣.

(٢) مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور ٧ / ١٤٨.

(٣) ارتثّ : أي قاتل وجرح في المعركة ، فاُخرج منها وبه رَمَقٌ.

١٥٧

وأمّا العدد الإجماليّ لمجموع الّذين «حضروا» مع الإمام (عليه السّلام) في كربلاء فقد جاء في الحديث :

[ص٢٠٥] : فخرج متوجّهاً إلى العراق في أهل بيته ، وستّين شيخاً من أهل الكوفة (١).

وجاء في بعض المصادر المتخصّصة ذكرُ مَن «حَضَر مع الحسين في كربلاء» وعددهم يتجاوز المئة بقليل.

أمّا الّذين قتلوا معه فقد أُحصوا بدقّة ، وسُجّلتْ أسماؤهم في كتب النسب (٢) ، والمشهور أنّ مجموع من قُتل معه هم «٧٢» شهيداً (٣).

وأمّا نوعية أنصار الحسين (عليه السّلام) كيفاً :

فقد مثّلوا كلّ شرائح المجتمع البارزة ذلك اليوم ، بالإضافة إلى عِيْنة الأُمّة أهل البيت.

ففيهم من صحابة الرسول (صلّى الله عليه وآله) أنس بن الحارث بن نبيه الأسدي الكوفي.

____________________

(١) مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور ٧ / ١٤٣.

(٢) من ذلك كتاب «تسمية من قُتِل مع الحسين (عليه السّلام) من أهله وأولاده وشيعته» للراوي الفضيل بن الزبير بن درهم الأسدي الرسّان الكوفي ، من أصحاب الباقر (عليه السّلام) ، وقد حقّقتُه ونشرته في مجلّة «تراثنا» الفصليّة التي تصدر في قم ، (العدد الثاني) (١٤٠٦).

وقد حاولتُ إعادة النظر فيه ، والاستدراك عليه ، والتقديم له بشكل موسّع وأسأل الله التوفيق لنشره ثانيةً.

وهناك كتب متخصّصة لذكر أنصار الإمام الحسين (عليهم السّلام) الّذين كانوا معه في كربلاء ، من أشهرها «إبصار العين في أنصار الحسين» للشيخ محمد السماوي.

(٣) اُسد الغابة ، لابن الأثير ٢ / ٢٢.

١٥٨

وهو الذي روى عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قوله

[٢٨٣] : «إنّ ابني هذا ـ يعني الحسين ـ يُقتل بأرض يقالُ لها : كربلاء فمن شهد ذلك منكم فلينصره».

قالوا : فخرج أنَسُ بن الحارث إلى كربلاء وقُتل بها مع الحسين.

لكنّ حديث النبي (صلّى الله عليه وآله) وإخباره عن مقتل ابنه في كربلاء لم ينحصر سماعه لهذا الصحابي العظيم.

فأين كان سائر الصحابة الّذين عاصروا معركة كربلاء؟!

ولماذا لم يحضروا ولم ينصروا؟!

إنّ وجود العدّة القليلة من الصحابة الكرام في معركة كربلاء كافية لتمثيل جيل الصحابة الّذين كانت لهم عند الناس حرمة وكرامة بصحبة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وقد تمّت بوجودهم الحجّة ، إذ يمثّلون الاستمرار العينيّ لوجود سُنّة الرسول (صلّى الله عليه وآله) وحديثه وأمره في جانب الحسين (عليه السّلام).

وكان مع الحسين (عليه السّلام) من أصحاب الإمام عليّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) عمّار بن أبي سلامة بن عبد الله الهمداني الدالاني ، وغيره ممّن شاهدوا عليّاً (عليه السّلام) وهو يُواسي الحسين (عليه السّلام) في هذه الأرض بنداءاته المدوّية في فضائها : «صبراً أبا عبد الله».

وكانوا يمثّلون بحضورهم وجود عليّ (عليه السّلام) وصرخاته وتشجيعاته للحسين وأصحابه (عليهم السّلام).

وقد اشترك في معركة كربلاء إلى جانب الحسين (عليه السّلام) أُناس كانوا قبل قليل من أعدائه ، كالحرّ بن يزيد الرياحي.

١٥٩

وكان فيهم ممّن يكنّ أبلغ الحقد والعداء للإمام ، ومن المحكّمة الخوارج ، فانحازوا إلى الإمام (عليه السّلام) لمّا سمعوا منه الحقّ ، وشاهدوا ما عليه من المظلومية ، وما كان عليه أعداؤه من الباطل والقساوة والتجاوز.

وحتّى كان في جيش الحسين (عليه السّلام) ذي العدد الضئيل جنودٌ مجهولون ، لم تحرّكهم إلاّ أنْباء كربلاء التي بلغتْهم ، فبلغتْ إلى عقولهم ، وبلغتْ بهم قمم الشهادة فالخلود.

[٢٦٩] قال العريان بن الهيثم : كان أبي يَتَبدى (١) فينزل قريباً من الموضع الذي كان فيه معركة الحسين ، فكنّا لا نبدو إلاّ وجدنا رجلاً من بني أسَد هناك ، فقال له أبي : أراك ملازماً هذا المكان؟

قال : بلغني أن حُسَيْناً يُقتل ها هنا ، فأنا أخرج إلى هذا المكان لعلّي اُصادفه فأُقْتَلَ معه!

قال الراوي : فلّما قُتِلَ الحسين (عليه السّلام) قال أبي : انطلقوا ننظر هل الأسدي فيمن قُتِل؟

فأتينا المعركة ، وطوّفنا فإذا الأسدي مقتول (٢)!

ولئن خان الجيشُ الكوفيّ بعهوده ، واستهتر برسائله وكتبه ووعوده ، لكنّ أصحاب الحسين (عليه السّلام) ـ على قلّة العدد ـ ضربوا أروع الأمثلة في الوفاء والفداء ، وكانوا أكبر من جيش الكوفة في الشجاعة والبطولة والإقدام ، وقد مجّد الإمام الحسين (عليه السّلام) بموقفهم العظيم في كلماته وخطبه في يوم

____________________

(١) أي يخرج إلى البادية.

(٢) مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور ٧ / ١٤٥.

١٦٠