مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد - ج ٢

الشيخ محمّد بن عمر نووي الجاوي

مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد بن عمر نووي الجاوي


المحقق: محمّد أمين الضنّاوي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٩٥
الجزء ١ الجزء ٢

(فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما) ، أي ظهرت فروجهما لكل منهما ، بسبب تساقط حلل الجنة عنهما لمّا أكلا من الشجرة. (وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ) أي شرعا يلزقان ورق التين بعضه ببعض ، لأجل ستر عوراتهما ، كلما ألزقا بعضه ببعض تساقط. (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ) ، بأكله من الشجرة أي خالف آدم نهي ربه ، لأنه اعتقد أن النهي عن شجرة معينة ، وأن غيرها ليس منهيا عنه (فَغَوى) (١٢١). أي خاب من نعيم الجنة فلم يصب بأكله من الشجرة ما أراده ، لأنه إنما أكل منها ليصير ملكه دائما ، فلما أكل زال ملكه ، وخاب سعيه. (ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ) أي قرّبه بالتوفيق للتوبة ، (فَتابَ عَلَيْهِ) ، أي قبل توبته حين تاب هو وزوجته ، (وَهَدى) (١٢٢) إلى الثبات على التوبة والتمسك بأسباب العصمة. (قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً) أي انزلا يا لآدم وحواء من الجنة إلى الأرض ، (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) فالخطاب لآدم وحواء ولإبليس. وقيل : مع آدم ، وذريته قابيل وأقليما ، (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً) ، أي فإن يأتكم يا ذرية لآدم مني دلالة من كتاب ورسول (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ) ، أي دلالتي (فَلا يَضِلُ) في الدين والدنيا (وَلا يَشْقى) (١٢٣) ، بسبب الدين فيها وفي الآخرة. (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي) ، أي عن الهدى الداعي إلي ، (فَإِنَّ لَهُ) ، في الدنيا ، (مَعِيشَةً ضَنْكاً). أي ضيقة ، وهي معيشة الكافر فإنه يكون حريصا على الدنيا للزيادة أبدا ، فحالته مظلمة ، لأن مطامح نظره مقصورة على أمتعة الدنيا ، وهو خائف من انتقاصها. أما المسلم فهو يعيش في الدنيا عيشا طيبا لتوكّله على الله تعالى ، فإن المؤمن الطالب للآخرة يوسّع ببركة الإيمان. (وَنَحْشُرُهُ) أي المعرض عن الأدلة ، (يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى) (١٢٤) ، أي فاقد البصر أي فإذا خرج هو من القبر خرج بصيرا ، فإذا سيق إلى المحشر عمي ، فإذا دخل النار زال عماه ، ليرى محلّه وحاله. (قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً) (١٢٥) في الدنيا وعند البعث؟ (قالَ كَذلِكَ) ، أي مثل ذلك فعلت أنت. ثم فسّره بقوله تعالى : (أَتَتْكَ آياتُنا) أي دلائلنا في الدنيا واضحة بحيث لا تخفى على أحد ، (فَنَسِيتَها) أي تركتها ، (وَكَذلِكَ) أي مثل تركك آياتنا في الدنيا (الْيَوْمَ تُنْسى) (١٢٦). أي تترك في العذاب جزءا وفاقا (وَكَذلِكَ) أي مثل ذلك الجزاء الموافق للجناية ، (نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ) ، بالانهماك في الشهوات ، (وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ) ، بل كذّبها ، (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى) (١٢٧) ، من عذاب الدنيا وعذاب القبر. (أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ) ، أي أغفلوا ، فلم يفعل الهداية لهم كثرة إهلاكنا للقرون الأولى.

وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي : أفلم نهد بالنون ، أي أفلم نبيّن لأهل مكة بيانا يهتدون به كثرة من أهلكنا من القرون الماضية من أصحاب الحجر ، وثمود ، وقريات قوم لوط. (يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ) ، حال من الضمير لهم ، أي حال كون هؤلاء القريش ماشين في منازل تلك القرون إذا سافروا إلى الشام مشاهدين لآثار هلاكهم. (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي الإهلاك (لَآياتٍ) ظاهرة الدلالة على الحق ، (لِأُولِي النُّهى) (١٢٨). أي لأهل العقول الناهية عن القبائح. (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) ،

٤١

وهي عدة بتأخير عذاب هذه الأمة إلى الآخرة لحكمة تقتضيه. (لَكانَ) أي الإهلاك بجناياتهم ، (لِزاماً) ، أي لازما لهم بحيث لا يتأخر عن جناياتهم ساعة. (وَأَجَلٌ مُسَمًّى) (١٢٩) عطف على كلمة أي ولولا أجل مسمى ، لعذابهم يوم القيامة ، لما تأخر عذابهم أصلا ، (فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) ، أي لا يضطرب قلبك يا أكرم الرسل ، لما صدر منهم من الأذيّة ، بالشتم والتكذيب ، فيما تدعيه من النبوة. فقالوا : إن محمدا ساحر ، أو مجنون ، أو شاعر ، أو غير ذلك. فهذه الآية غير منسوخة. (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ) ، أي ساعاته. (فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ).

عطف على محل من «آناء» المنصوب بـ «سبّح» المقرون بالفاء الزائدة ، أو عطف على «قبل» ، أي في طرفي نصفيه ، أي في الوقت الذي يجمع الطرفين ، وهو وقت الزوال ، فهو نهاية للنصف الأول ، وبداية للنصف الثاني ، أي اشتغل بتنزيه الله تعالى في هذه الأوقات عما ينسبونه إليه تعالى مما لا يليق به ، حامدا له على ما ميّزك بالهدى. أو المعنى صلّ وأنت حامد لربك على كمال هدايته إياك ، صلاة الصبح وصلاة العصر ، وصلاة المغرب ، والعشاء ، وصلاة الظهر. (لَعَلَّكَ تَرْضى) (١٣٠). رجاء أن تنتفع بذلك وترضي به نفسك.

وقرأ الكسائي ، وأبو بكر ، عن عاصم ، بضم التاء أي لعلك تعطى ما يرضيك. (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ) أي لا تطل نظرهما ، (إِلى ما مَتَّعْنا) ، أي ألذذنا ، (بِهِ أَزْواجاً) ، أي أصنافا (مِنْهُمْ) ، أي الكفرة من بني قريظة والنضير. (زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا) أي زينتها بدل من «أزواجا» ، أو حال من «ما» الموصولة ، أو من «الهاء» في «به». (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) أي لنعذبهم في الآخرة بسببه أو لنجعل ذلك فتنة لهم ، بأن يزيدوا بذلك طغيانا (وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى) (١٣١). أي ما أوتيته من يسير الدنيا إذا قرنته بالطاعة ، خير لك من حيث العاقبة. أبقى لأن أموالهم الغالب عليها الغصب ، والسرقة ، فالحلال خير وأبقى.

قال أبو رافع : نزل ضيق بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فبعثني إلى يهودي لبيع أو سلف ، فقال : والله لا أفعل ذلك إلا برهن ، فأخبرته صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقوله ، فأمرني أن أذهب بدرعه الحديد إليه ، فنزل قوله تعالى : (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ). وقال أبو مسلم : أي لا تأسف على ما فاتك مما نالوه من حظ الدنيا ، فالذي نهى عنه الأسف لا النظر. (وَأْمُرْ أَهْلَكَ) أي أهل دينك (بِالصَّلاةِ) ، لئلا يهتموا بأمر المعيشة ، ولا يلتفتوا لفت أرباب الثروة. (وَاصْطَبِرْ عَلَيْها) ، أي على مشاقّها وثابر عليها غير مشتغل بأمر المعاش. (لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً) ، أي لا نكلفك أن ترزق نفسك ولا أهلك. (نَحْنُ نَرْزُقُكَ) وإياهم ، ففرّغ بالك بأمر الآخرة (وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى) (١٣٢) أي العاقبة الجميلة لأهل تقوى الله تعالى. (وَقالُوا) أي مشركو مكّة : (لَوْ لا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ) ، أي هلا يأتينا محمد بآية تدل على صدقه في دعوى النبوة ، وبآية مما اقترحناها. قال تعالى ردا عليهم : (أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى) (١٣٣) أي ألم يكفهم اشتمال القرآن على بيان ما في التوراة ، والإنجيل ، وسائر الكتب

٤٢

السماوية في كونه آية دالة على صدق محمد ، حتى طلبوا غيرها ، فإن في الصحف الأولى : بشارة بصفة محمد ، ونبوته ، وبعثته ، وأنباء الأمم الماضية ، وإهلاكهم بتكذيب الرسل وجحود الآيات. (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ) ، أي ولو أنا أهلكنا أهل مكة في الدنيا بعذاب مستأصل من قبل مجيء محمد إليهم بالقرآن ، (لَقالُوا) يوم القيامة : (رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا) أي لم لم ترسل إلينا في الدنيا ، (رَسُولاً) مع كتاب ، (فَنَتَّبِعَ آياتِكَ) ، أي فنطيع رسولك ونؤمن بكتابك (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَ) ، أي أن يحصل لنا الذل بالعذاب في الدنيا (وَنَخْزى) (١٣٤). أي أن يحصل لنا الفضيحة بدخول النار اليوم ، ولكنا لم نهلكهم قبل إتيان البينات ، فانقطعت معذرتهم ، فعند ذلك قالوا : (بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ ، فَكَذَّبْنا ، وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ) [الملك : ٩].

روي أن أبا سعيد الخدري رضي‌الله‌عنه قال ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يحتج على الله تعالى يوم القيامة ثلاثة : الهالك ، في الفترة يقول لم يأتني رسول وإلّا كنت أطوع خلقك لك ، والمغلوب عقله ، يقول : لم تجعل لي عقلا أنتفع به ، ويقول الصبي : كنت صغيرا لا أعقل ، فترفع لهم نار ، ويقال لهم : ادخلوها ، فيدخلها من كان في علم الله أنه سعيد ، ويبقى من في علمه أنه شقي ، فيقول الله تعالى لهم : عصيتم اليوم ، فكيف برسلي لو أتوكم». (١) (قُلْ) لأولئك الكفرة المتمردين : (كُلٌ) أي كل واحد منا ومنكم (مُتَرَبِّصٌ) أي منتظر لما يؤول إليه أمرنا وأمركم. إما قبل الموت : بسبب الأمر بالجهاد ، وبسبب ظهور القوة ، وإما بالموت : فإن كل واحد من الخصمين ينتظر موت صاحبه. وإما بعد الموت : بظهور أمر الثواب والعقاب ، فيظهر على المحق أنواع كرامة الله تعالى ، وعلى المبطل أنواع إهانته. (فَتَرَبَّصُوا). وقرئ «فتمتعوا». (فَسَتَعْلَمُونَ) ، عن قريب بوعد من الله لا خلف فيه ، (مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِ) أي العدل. وقرئ «السواء» أي الوسط الجيد. وقرئ «السوء» ، و «السوأى» ، و «السوي» ، تصغير السوء (وَمَنِ اهْتَدى) (١٣٥) إليه أنحن أم أنتم؟ وهذا تهديد الكفار.

__________________

(١) رواه الطبري في التفسير (١٦ : ١٧).

٤٣

سورة الأنبياء

مكية ، مائة واثنتان وعشرة آية ، ألف ومائة وثلاثون كلمة ، أربعة آلاف وثمانمائة وستون حرفا

بسم الله الرحمن الرحيم

(اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ) ، أي قرب من كفار قريش وقت حساب أعمالهم الموجبة للعقاب ، فإن كل آت قريب ، وإن طالت أوقات ترقّبه ، (وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ) ، أي والحال أنهم منكرون للحساب ، لا يتفكرون في عاقبتهم ، مع اقتضاء عقولهم أنه لا بدّ من جزاء المحسن والمسيء ، (مُعْرِضُونَ) (١). عن الآيات المنبّهة لهم عن سنة الغفلة. (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ) ، أي من جزء نازل من القرآن ينبههم عن الغفلة أتمّ تنبيه ، (مِنْ رَبِّهِمْ) ، متعلق بـ «يأتيهم» ، (مُحْدَثٍ) أي متجدد ننزله آية بعد آية ، وسورة بعد سورة ، بحسب اقتضاء الحكمة.

قرأ ابن أبي عبلة «محدث» بالرفع صفة لـ «محل» ذكر ، (إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ) (٢). أي والحال أنهم يهزئون. (لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ) ، حال من واو «يلعبون». والمعنى : ما يأتيهم ذكر من ربهم محدث في حال من الأحوال ، إلا حال استماعهم إياه مستهزئين به حال كون قلوبهم غافلة عن معناه ، لفرط إعراضهم عن النظر في الأمور وعن التفكّر في العواقب.

وقرأ ابن أبي عبلة «لاهية» بالرفع خبر ثان ، أو خبر مقدّم (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى) ، أي بالغوا في إخفاء التناجي ، وجعلوه بحيث لا يفطن أحد لتناجيهم ، (الَّذِينَ ظَلَمُوا) بدل من واو «أسرّوا» ، أو مبتدأ وخبره «أسرّوا النجوى». والمعنى : وهم أسرّوا النجوى ، فوضع المظهر موضع المضمر تسجيلا على فعلهم بأنه ظلم ، (هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ) (٣) فـ «هل» بمعنى النفي ، والهمزة للإنكار ، والفاء للعطف على مقدّر يقتضيه المقام ، و «أنتم» حال من فاعل «تأتون» مؤكدة للاستبعاد ، فالجملتان الاستفهاميتان في محل نصب ، على أنهما محكيتان للنجوى ، لأنها في معنى القول. والمعنى : ما محمد إلّا بشر من جنسكم ، فكيف يختص عنكم بالرسالة؟ وما أتى به سحر ، أتعلمون ذلك فتحضرونه على وجه القبول والحال أنكم تبصرون بأعينكم أنه آدمي مثلكم ، وأن ما ظهر منه من نوع السحر. (قالَ) أي محمد وهو حكاية من الله لقول رسوله ، وهذا قراءة حمزة والكسائي وحفص ، عن عاصم.

٤٤

وقرأ الباقون «قل» ـ على الأمر للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : (رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ) ، الكائن (فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ) ، سواء كان سرا أم جهرا (وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (٤) فيجازيهم بأقوالهم وأفعالهم. (بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ).

وهذا متصل بقوله تعالى (هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ) ، فإن الظالمين لم يقتصروا على قولهم في حقه صلى‌الله‌عليه‌وسلم هل هذا إلّا بشر ، وفي حق ما ظهر على يده من القرآن أنه سحر ، بل قالوا : ما أتانا به محمد أباطيل أحلام كاذبة رآها في النوم ، بل اختلق محمد ما أتانا به من تلقاء نفسه من غير أن يكون له. صل ، بل محمد هو شاعر ، فما أتى به كلام يخيّل للسامع معاني لا حقيقة لها ، ويرغّبه فيها ، فترتيب كلامهم كأنهم قالوا : ندّعي أن كون محمد بشرا مانع من كونه رسولا لله ، فإن سلّمنا أنه غير مانع فلا نسلّم أن هذا القرآن معجز ، فإن ساعده على أن فصاحته خارجة عن مقدور البشر. قلنا : لم لا يجوز أن يكون ذلك سحرا وإن لم تساعده فصاحته عليه ، فإن ادّعينا كونه في غاية الركاكة ، قلنا : إنه أضغاث أحلام.

وإن ادعينا أنه متوسط بين الركاكة والفصاحة ، قلنا : إنه افتراء ، وإن ادعينا أنه كلام فصيح ، قلنا : إنه من جنس فصاحة سائر الشعراء. وعلى هذه التقديرات فإنه لا يثبت كونه معجزا ولا يثبت كون محمد رسولا لله تعالى ، وإن لم يكن كما قلنا ، بل كان رسولا من الله تعالى ، فليأتنا بآية (كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ) (٥) أي بآية كائنة مثل الآية التي أرسل بها الأولون ، كاليد ، والعصا والناقة ، ونظائرها ، حتى نؤمن به. قال الله تعالى مجيبا لهم : (ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ) ، أي قبل مشركي مكة ، (مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها) ، بإهلاك أهلها لعدم إيمانهم بعد مجيء ما اقترحوه من الآيات ، (أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ) (٦) أي الأمم المهلكة لم يؤمنوا عند إعطاء ما اقترحوه من الآيات ، أهم لم يؤمنوا ، فهؤلاء يؤمنون لو أعطوا ما اقترحوا مع كونهم أشدّ عتّوا من أولئك. (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالاً) ، أي وما أرسلنا إلى الأمم قبل إرسالك إلى أمتك ، إلا رجالا مخصوصين من أفراد جنسك ، متأهلين للإرسال ، ولم يكونوا ملائكة ، (نُوحِي إِلَيْهِمْ) بواسطة الملك ، كما نوحي إليك من غير فرق.

وقرئ «يوحى إليهم» بالياء على صيغة المبني للمفعول. (فَسْئَلُوا) أيها الجهلة (أَهْلَ الذِّكْرِ) ، أي أهل الكتاب التوراة والإنجيل ، فإنهم يخبرونكم بحقيقة الحال ليزول شككم (إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٧) أن الرسل بشر فأنتم إلى تصديقهم أقرب من تصديقكم للذين آمنوا بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. (وَما جَعَلْناهُمْ) ، أي الرسل (جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ) ، أي وما جعلناهم جسدا مستغنيا عن الأكل والشرب ، بل محتاجا إلى ذلك لتحصيل بدل ما يخرج منه (وَما كانُوا) أي الرسل (خالِدِينَ) (٨). في الدنيا بل يموتون كغيرهم لأن عاقبة التحلّل هو الفناء. (ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ) أي ثم صدقناهم في الوعد الذي وعدناهم بإهلاك من كذبهم ، (فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ)

٤٥

ممن يصدقونهم (وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ) (٩). أي المجاوزين للحدود في الكفر ، بعذاب الاستئصال في الدنيا. (لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ) يا معشر قريش ، (كِتاباً) أي قرآنا (فِيهِ ذِكْرُكُمْ) أي فيه ما يوجب الثناء عليكم ، لكونه بلسانكم وفيه موعظتكم ، (أَفَلا تَعْقِلُونَ) (١٠)؟ أي ألا تتفكرون فلا تعقلون؟ إن ذلك الكتاب شرفكم ، وسبب اشتهاركم لكونه نازلا بينكم على لسان رسول منكم. (وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً) أي وكثيرا كسرنا من أهل قرية كانوا كافرين بآيات الله ، بأن قتلوا بالسيوف ، (وَأَنْشَأْنا بَعْدَها) أي بعد إهلاك أهلها (قَوْماً آخَرِينَ) (١١) أي ليسوا منهم نسبا ، ولا دينا فسكنوا ديارهم. (فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا) أي أدركوا عذابنا الشديد (إِذا هُمْ مِنْها) أي القرية (يَرْكُضُونَ) (١٢) أي يهربون مسرعين ، فقيل لهم ـ بلسان الحال أو بلسان المقال ـ : (لا تَرْكُضُوا) أي لا تهربوا ، (وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ) أي أنعمتم (فِيهِ) من العيش والحال الناعمة ، (وَمَساكِنِكُمْ) التي كنتم تفتخرون بها ، (لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ) (١٣). أي لكي يسألكم الوافدون عطاياكم ، إما لأنهم كانوا أسخياء ينفقون أموالهم رئاء الناس ، أو كانوا بخلاء ، فقيل لهم ذلك ، تهكما إلى تهكم. (قالُوا) لما أيقنوا بنزول العذاب : (يا وَيْلَنا) أي هلاكنا ، (إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) (١٤). أي بقتل نبينا. (فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ) ، أي قولهم ، أي فلم يزالوا يكرّرون هذه الكلمة فلم ينفعهم ذلك ، (حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً) أي مثل الزرع المحصود بالمناجل في استئصالهم ، (خامِدِينَ) (١٥). أي ميتين لا يتحركون أي أنهم أهلكوا بالعذاب ، حتى لم يبق لهم حسّ ، ولا حركة ، وجفّوا كما يجفّ الحصيد ، وخمدوا كما تخمد النار.

وهذه قصة أهل قرية في جهة اليمن ـ يقال لها : حضور بفتح الحاء وبالضاد المعجمة ـ بعث الله لهم نبيا وهو موسى بن ميشا ، بن يوسف ، بن يعقوب ، وكان قبل موسى بن عمران ، فقتلوا ذلك النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فسلّط الله عليهم بختنصر. كما سلّطه الله على أهل بيت المقدس ، فلما علموا أنهم مدركون ، خرجوا هاربين ، فقالت لهم الملائكة استهزاء (لا تَرْكُضُوا) إلخ. فرجعوا ، فقتلهم جميعا ولم يترك فيهم عينا تطرف. فلمّا رأوا القتل فيهم أقرّوا بذنوبهم وندموا وقالوا : (يا وَيْلَنا) أي يا ويل ، احضر فهذا وقتك ، ولم ينفعهم هذا الندم كقوله تعالى : (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ). (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ) (١٦). أي وما سوّينا هذا السقف المرفوع ، وهذا المهاد الموضوع ، وما بينهما من العجائب ، التي لا تحصر أنواعها خالية عن الحكم ، كما تسوّي الجبابرة سقوفهم وفروشهم للعب ، وإنما سوّيناها لفوائد دينية ، ودنيوية ، ليتفكّر المتفكّرون فيها ، ويستدلوا بها إلى معرفتنا ، وللمنافع التي لا تحصى. (لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً) أي يلعب به (لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا) أي من جهة قدرتنا مما يليق بشأننا من المجردات ، لا من الأجسام المرفوعة ، والأجرام الموضوعة. لكن يستحيل إرادتنا له لمنافاته الحكمة ، فيستحيل اتخاذنا له قطعا ، (إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ) (١٧) اتخاذ اللهو أردناه لكنا لم نرده فلم نتخذه ، ويجوز أن

٤٦

تكون «إن» نافية ، أي ما كنا فاعلين اتخاذ اللهو لعدم إرادتنا به. (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ) ، أي يذهبه بالكلية ، كما فعلنا بأهل القرى المحكية ، (فَإِذا هُوَ) أي الباطل (زاهِقٌ) أي ذاهب بالكلية وهذا انتقال من إرادة اتخاذ اللهو إلى تنزيه ذاته تعالى ، كأنه تعالى قال : سبحاننا أن نريد اتخاذ اللهو ، بل شأننا بمقتضى حكمتنا ، أن نغلب اللعب بالجدّ ، وندحض الباطل بالحق. والمقصود من هذه الآية ، تقرير نبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ورد على منكريها ، لأنه تعالى أظهر المعجزة عليه صلى‌الله‌عليه‌وسلم فإن كان محمد كاذبا كان إظهار الله المعجزة عليه من باب اللعب ، وذلك منفي عنه تعالى ، وإن كان صادقا فهو المطلوب ، وحينئذ يفسد كل ما ذكروه من المطاعن ، (وَلَكُمُ الْوَيْلُ) أي ولكم يا كفار مكة شدة العذاب ، (مِمَّا تَصِفُونَ) (١٨). أي من أجل قولكم بتكذيب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ونسب القرآن إلى أنه سحر وأضغاث أحلام ، إلى غير ذلك من الأباطيل. وهذه الآية دالة على أن إهلاك الله أهل القرية لتكذيبهم الرسل عدل منه تعالى ، ومجازاة على ما فعلوا. (وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، فهو تعالى منزّه عن طاعتهم ، لأنه تعالى هو المالك لجميع المحدثات (وَمَنْ عِنْدَهُ) أي والملائكة مع كمال شرفهم ، ونهاية جلالتهم ، (لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ) أي لا يتعظمون عن طاعته تعالى ، ولا يعدّون أنفسهم كبيرا فكيف يليق بالبشر مع نهاية الضعف ، التمرّد عن طاعته ، (وَلا يَسْتَحْسِرُونَ) (١٩) أي لا يسأمون ولا يتعبون. (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ) (٢٠) أي ينزهونه تعالى في جميع الأوقات ، فكما أن اشتغالنا بالتنفس لا يمنعنا من الكلام ، فكذا اشتغالهم بالتسبيح لا يمنعهم من سائر الأعمال. (أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ) (٢١). فـ «أم» بمعنى : بل ، والهمزة ، ومعناها إنكار انشار الأصنام للموتى ، لا إنكار نفس الاتخاد فإقدامهم على عبادتها ، يوجب عليهم الإقرار ، بكون الآلهة قادرين على الحشر ، والنشر ، والثواب ، فإذا كانوا عير قادرين على أن يحيوا ويميتوا ، ويضرّوا وينفعوا ، فأيّ عقل يجوز اتخاذهم آلهة ، فقوله : (مِنَ الْأَرْضِ) كقولك : فلان من مكة ، أي فلان مكي ، فمعنى نسبة الأصنام إلى الأرض ، إعلام بأن الأصنام التي تعبد إما أن تكون منحوتة من بعض الحجارة ، أو معمولة من بعض جواهر الأرض. وفي قوله تعالى : (هُمْ يُنْشِرُونَ) معنى الخصوصية ، وحاصل المعنى بل أعبد أهل مكة آلهة أرضية لا يقدر على إحياء الموتى من القبور إلّا هم وحدهم ، فذكر ذلك على سبيل التهكم بهم والتجهيل. (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) أي لو تولى أمور السموات والأرض إله غير الواحد الذي هو فاطرهما ، لبطلتا بما فيهما جميعا ، وحيث انتفى فسادهما علم انتفاء تدبير إلهين ، ويدلّ العقل على ذلك ، لأنّا لو قدرنا إليهن لكان أحدهما إذا انفرد صحّ منه تحريك الجسم ، وإذا انفرد الثاني صحّ منه تسكينه ، فإذا اجتمعا وجب أن يبقيا على ما كانا عليه وقت الانفراد ، فيصحّ أن يحاول أحدهما التحريك ، والآخر التسكين ، فإما أن يحصل المرادان وهو محال لاجتماع الضدين ، وإما أن يمتنعا ، وهو محال أيضا لكون كل واحد منهما

٤٧

عاجزا ، فثبت فساد نظام العالم ، فكان القول بوجود إلهين باطلا ، فثبت أن مدبّر العالم إله واحد ، وإذا عرفت حقيقة هذه الدلالة عرفت أن جميع ما في العالم السفلي والعلوي ، دليل على وحدانية الله تعالى. (فَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) (٢٢). أي نزهوا الله عما يقول الكفار ، بوجود آلهة غير الله لأجل هذه الأدلة ، فالاشتغال بالتنزيه إنما ينفع بعد إقامة الأدلة على كون الله تعالى منزها فنبّه الله تعالى على نكتة خاصة بعيدة الأصنام وهي :

كيف يجوز للعاقل ، أن يجعل الجماد الذي لا يعقل شريكا في الألوهية لخالق العرش العظيم ، وموجد السموات والأرضين ، واللوح والقلم ، ومدبر الخلائق ، من النور والظلمة ، والنباتات ، وأنواع الحيوانات والذات والصفات؟ (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ) أي عما يحكم في عباده من إعزاز ، وإذلال ، وهدى ، وإضلال ، وإسعاد وإشقاء ، لأنه المالك القاهر. (وَهُمْ) أي العباد (يُسْئَلُونَ) (٢٣). سؤال توبيخ يقال لهم يوم القيامة : لم فعلتم كذا؟ لأنهم عبيد يجب عليهم امتثال أمر مولاهم ، والله تعالى ليس له شريك في الألوهية يقول له : لم فعلت كذا؟ (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً) أي بل أوصفوا الله تعالى بأن له شريكا وهذا استقباح أمرهم وإظهار جهلهم (قُلْ) يا أكرم الرسل : (هاتُوا بُرْهانَكُمْ) على إثبات الآلهة إما من جهة العقل أو من جهة النقل ، كما أتيت أنا ببرهان النقل المؤيد بالعقل. (هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي) أي هذا إثبات وحدانية الله عظة أمتي وعظة الأمم الماضية ، فهم متمسكون على التوحيد فأقيموا أنتم برهانكم على تعدّد الآلهة ، ولا يمكن إثبات التعدد بالبرهان ، (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَ) ، ولا يميزون بين الحق والباطل ، (فَهُمْ مُعْرِضُونَ) (٢٤) عن استماع الحق ، أي أن وقوعهم في المذهب الباطل ليس لأجل دليل ساقهم إليه ، بل ذلك لأن عندهم ما هو أصل الفساد ، وهو عدم العلم ، ثم تفرّع منه الإعراض عن طلب الحق. (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) (٢٥) ، أي فوحّدوني فالحكمة في بعث الرسل مقصورة على المصلحتين : إثبات وحدانية الله تعالى ، وعبادته بالإخلاص.

وقرأ حفص وحمزة والكسائي : بالنون. والباقون على صيغة الغائب ، مبنيا للمفعول. (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً) أي وقال فرق من أجناس العرب ، وهم : خزاعة ، وجهينة ، وبنو سلمة ، وبنو مليح : الملائكة بنات الله ، (سُبْحانَهُ) أي تنزّه الله تعالى تنزيها لائقا بذاته تعالى (بَلْ عِبادٌ) أي ليست الملائكة كما قالوا ، بل هم عباد الله تعالى. فالعبودية تنافي الولدية ، كما أن الولد للإنسان لا يكون عبده. (مُكْرَمُونَ) (٢٦) أي مقرّبون عنده تعالى ، ومفضلون على سائر العباد بالعصمة. (لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ) ، فإنهم يتبعونه في قوله تعالى ولا يقولون شيئا حتى يقوله ، فلا يسبق قولهم قوله (وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) (٢٧) أي فلا يعملون عملا ما لم يؤمروا به. (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) أي يعلم ما قدّموا ، وما أخّروا من أعمالهم ، أي لما علموا كونه

٤٨

تعالى عالما بكل شيء ، علموا كونه تعالى عالما بظواهرهم ، وبواطنهم ، فكان ذلك داعيا لهم إلى نهاية الخضوع وكمال العبودية. (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى). أي لمن هو مرضي عند الله ، وهو من قال : «لا إله إلا الله» ، ولا يشفعون لمن لم يأذن الله بشفاعته مهابة من الله تعالى. (وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ) تعالى (مُشْفِقُونَ) (٢٨) ، أي مرتعدون ، فلا يأمنون من مكره تعالى وهم خائفون أن يؤاخذهم الله بما قالوا ، أو بما عملوا. وهذه المذكورات صفات للعبيد ، لا صفات للأولاد. (وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ) ، أي الملائكة (إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ) ، أي من غير الله (فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ) ، فلا ينفعهم ما ذكر من صفاتهم السنيّة وأفعالهم المرضية ، وهذا على سبيل التقدير ، إذ لم يقع من واحد من الملائكة أنه قال ما ذكر وفي ذلك دلالة على قوة ملكوته تعالى وعزة جبروته. (كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) (٢٩). أي مثل ذلك الجزاء نجزي الذين يضعون الأشياء في غير مواضعها (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي ألم يتفكروا ولم يعلموا ، (أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً) أي مستوية صلبة ملتزقا بعضها على بعض ، لم تنزل من السماء قطرة من مطر ، ولم ينبت على الأرض شيء من النبات ، (فَفَتَقْناهُما) أي شققنا السماء بنزول المطر منها ، وشققنا الأرض بظهور النبات عليها.

وقرأ ابن كثير «ألم ير» بغير واو ، بين الهمزة «ولم». (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ) أي خلقنا من ماء الذكر والأنثى ، كل حيوان. أو صيّرنا كل شيء حييّ بسبب من الماء لا بدّله من ذلك وقرئ حيا بالنصب مفعولا ثانيا (أَفَلا يُؤْمِنُونَ) (٣٠) أي ألا يتدبرون هذه الأدلة فلا يؤمنون بتوحيدي! (وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ) أي جبالا ثوابت أوتادا لها (أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ) ، أي كراهة أن تتحرك بهم. قال ابن عباس : إن الأرض بسطت على الماء ، فكانت تتكفأ بأهلها ، كما تتكفأ السفينة ، فأرساها الله تعالى بالجبال الثقال ، (وَجَعَلْنا فِيها) أي في الجبال (فِجاجاً) أي مسالك واسعة (سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) (٣١) ، أي لكي يهتدوا إلى منافعهم ، وإلى وحدانية الله بالاستدلال. (وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً) على الأرض ، (مَحْفُوظاً) من السقوط ومن الشياطين بالشهب ، (وَهُمْ عَنْ آياتِها) أي عن الآيات الكائنة فيها ، الدالة على وحدانية الله تعالى ، وعلمه ، وقدرته ، وإرادته ، (مُعْرِضُونَ) (٣٢). لا يتفكرون فيبقون على الكفر والضلال. (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌ) ، أي كل واحد منهما (فِي فَلَكٍ) أي طاحونة مستديرة كهيئة فلك المغزل ، (يَسْبَحُونَ) (٣٣) أي يسيرون في سطح الفلك كالسبح في الماء. والجملة حال من الشمس والقمر ، والجمع باعتبار المطالع. (وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ) ، أي البقاء في الدنيا ، (أَفَإِنْ مِتَ) ، يا أشرف الخلق ، (فَهُمُ الْخالِدُونَ) (٣٤). في الدنيا أي إن متّ أنت يا خاتم الرسل ، أيبقى هؤلاء حتى يشمتوا بموتك.

نزلت هذه الآية في قولهم ننتظر محمدا حتى يموت فنستريح. ويحتمل أنه لما ظهر أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم

٤٩

خاتم الأنبياء ، جاز أن يقدّر أنه لا يموت ، إذ لو مات لتغير شرعه ، فنبه الله تعالى على أن حاله كحال غيره من الأنبياء عليهم‌السلام في الموت. (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) ، أي ذائقة مرارة مفارقتها جسدها في الدنيا ، (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) ، أي نعاملكم بالشرّ والخير معاملة المختبر اختبارا ، لننظر أتصبرون عند الشر ، وتشكرون عند الخير ، أم لا؟ فالشرّ : هو المضار الدنيوية من الفقر والآلام ، وسائر الشدائد النازلة على المكلفين ، والخير : هو نعم الدنيا من الصحة واللذة والسرور ، والتمكين من المرادات. (وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ) (٣٥). أي إلى حكمنا ترجعون بعد الموت فنجزيكم بأعمالكم. (وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً) ، يقولون في حال الهزء ، (أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ) ، بعيب ونقصان. فـ «إن» نافية ، وهي وما في حيّزها جواب ، «إذا» ولا يجب إتيان الفاء في جواب «إذا» منفيا بـ «إن» ، أو بـ «ما». والمعنى : وإذا رآك الذين كفروا كأبي جهل ، وأبي سفيان ، ما يفعلون بك إلا اتخاذك هزوا قائلين : (أَهذَا الَّذِي) إلخ. ويحتمل أن جواب إذا محذوف القول ، وتكون الجملة المنفية معترضة بين الشرط وجوابه المقدّر ، والتقدير ، يقول بعضهم لبعض في حال السخرية : أهذا الذي إلخ. (وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ) (٣٦). و «هم» الأول مبتدأ وخبره «كافرون» ، و «بذكر» متعلق بالخبر. و «هم» الثاني تأكيد لفظي للأول ، وهذه الجملة حال من فاعل القول المقدّر. والمعنى : أنهم يعيبون على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أن يذكر بالسوء آلهتهم التي لا تضر ولا تنفع. والحال أنهم جاحدون بذكر الرحمن بما يليق به من التوحيد ، وهو المنعم عليهم ، الخالق ، المحيي المميت ، فإنهم كانوا يقولون : لا نعرف الرحمن ، إلا رحمن اليمامة ، وهو مسيلمة الكذاب. (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ) أي خلق الإنسان عجولا.

روي أن هذه الآية نزلت في النضر بن الحرث ، حين استعجل العذاب بقوله : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر. والآية : (سَأُرِيكُمْ آياتِي) أي نقماتي في الآخرة ، كعذاب النار ، وغيره ، في الدنيا ، كوقعة بدر فإنها ستأتي في وقتها. (فَلا تَسْتَعْجِلُونِ) (٣٧) في طلب العذاب قبل الأجل. (وَيَقُولُونَ) ـ أي كفار مكة بطريق الاستهزاء والإنكار ، لا بطريق الإلزام في تعيين وقت العذاب ـ : (مَتى هذَا الْوَعْدُ) أي وعد إراءة الآيات التي تعدنا يا محمد؟ (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٣٨) في وعدكم بأن العذاب يأتينا. (لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ) أي لا يدفعون ، (عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) (٣٩). في دفع العذاب أي لو يعلمون الوقت يسألون عنه ، بقولهم متى هذا الوعد ـ وهو وقت صعب شديد ـ تحيط النار بهم فيه من كل جانب لا يقدرون على دفعها عن أنفسهم بأنفسهم ، ولا يجحدون ناصرا ينصرهم في دفعها ، لما استعجلوا العذاب ولما قاموا على إنكارهم ولرجعوا إلى طلب الحق فقوله (حِينَ) مفعول به لـ «يعلم». (بَلْ تَأْتِيهِمْ) ، أي النار (بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ) أي فتحيّرهم ، (فَلا يَسْتَطِيعُونَ)

٥٠

بقوتهم ، (رَدَّها) أي دفع النار عنهم بالكلية (وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) (٤٠) أي يمهلون ليستريحوا طرفة عين بشؤم الإنكار والاستهزاء. (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ) ، أي وبالله ، لقد أستهزئ برسل أولي شأن خطير ، وذوي عدد كثير ، كائنين في زمان قبل زمانك ، (فَحاقَ) أي أحاط عقب ذلك ، (بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ) ، أي من أولئك الرسل عليهم‌السلام ، وهو متعلق بـ «حاق». (ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) (٤١) أي جزاء الذي كانوا به يستهزئون ، فكذلك يحيق بمن استهزءوا بك وبال استهزائهم. (قُلْ) يا أشرف الخلق للمستهزئين بك بطريق التقريع : (مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ) ، أي من يحفظكم في الليل إذا نمتم ، وفي النهار إذا انصرفتم إلى معايشكم (مِنَ الرَّحْمنِ) ـ أي من عذاب الرحمن الذي تستحقونه إن نزل بكم ـ؟ (بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ) (٤٢). أي بل هم لا يخطرون ببالهم ذكره تعالى ، مع إنعامه عليهم ليلا ونهارا بالحراسة ، فضلا أن يخافوا عذابه تعالى فلو تأمّلوا في أنه لا حافظ لهم سواه تعالى ، لتركوا عبادة الأصنام التي لا حظّ لها في حفظهم ، ولا في الإنعام عليهم ، (أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا) ، أي بل ألهم آلهة تمنعهم مما يحزنهم ، كائنة من غيرنا فـ «من دوننا» صفة لـ «آلهة» ، (لا يَسْتَطِيعُونَ) أي آلهتهم (نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ) ، أي حمايتها عن الآفات ، فكيف تقدر على حماية غيرها (وَلا هُمْ مِنَّا) أي من عذابنا (يُصْحَبُونَ) (٤٣). أي يمنعون ، فكيف يمنعون غيرهم من العذاب؟ (بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ) ، فحسبوا أن لا يزالوا كذلك ، وأن ذلك بسبب ما هم عليه. أي دع ما زعموا من كونهم محفوظين بكلاءة آلهتهم ، بل ما هم فيه من الحفظ إنما هو منّا حفظناهم من البأساء ومتعناهم بأنواع السّراء ، لكونهم من أهل الاستدراج ، والانهماك فبما يؤدّيهم إلى العذاب. (أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها) ، أي ألا ينظر هؤلاء المشركون بالله ، المستعجلون بالعذاب ، فلا يرون أنّا نأخذ أرض الكفرة واحدا بعد واحد ، ونفتح البلاد والقرى مما حول مكة لمحمد ، ونميت رؤساء المشركين المتمتعين بالدنيا ، وننقص من الشرك بإهلاك أهله. (أَفَهُمُ الْغالِبُونَ) (٤٤) على محمد وأصحابه؟! أما كان لهم عبرة في ذلك فكيف يتوهمون أنهم ناجون من بأسنا؟ (قُلْ) لهم : (إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ) الذي هو كلام ربكم ، فلا تظنّوا أن ذلك من قبلي ، بل الله أمرني بإنذاركم. (وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا ما يُنْذَرُونَ) (٤٥).

قرأ ابن عامر : «ولا تسمع» بالتاء المضمومة ، وكسر الميم ، وبنصب الاسمين ، أي ولا تقدر يا أشرف الرسل أن تسمع الدعاء من يتصامم. (وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ) أي وبالله لئن أصابهم شيء قليل ، (مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا) ، أي يا هلاكنا (إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) (٤٦). على أنفسنا (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ) ، أي نقيم الموازين العادلة التي توزن بها صحائف الأعمال ، (لِيَوْمِ الْقِيامَةِ) ، أي فيه أو لأجل أهله ، (فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً) أي حقا من حقوقها بل يوفّى كل

٥١

ذي حقّ حقّه ، إن خيرا فخير وإن شرا فشر. (وَإِنْ كانَ) أي العمل (مِثْقالَ حَبَّةٍ) أي وزن حبة ، (مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها) ، أي أحضرنا ذلك العمل للوزن.

وقرأ نافع برفع «مثقال» على «إن كان» تامة. (وَكَفى بِنا حاسِبِينَ) (٤٧). أي محصين في كل شيء. (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ) (٤٨). أي والله لقد آتيناهما كتابا جامعا بين كونه فارقا بين الحق والباطل ، وضياء يستضاء به في ظلمات الجهل ، لما فيه من الشرائع ، وذكرا يتعظ به الناس ، (الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ) ، حال من الفاعل ، أي يخشون عذاب ربهم حال كونهم في الخلوات منفردين عن الناس ، فخشيتهم من عقاب الله لازم لقلوبهم ، لا ، إن ذلك مما يظهرونه في الملأ ، أو حال من المفعول ، أي يخشون عذابه تعالى وهو غائب عنهم ، غير مشاهد لهم ، فيعلمون له تعالى ، (وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ) أي ما يجري في يوم القيامة من الحساب ، والسؤال ، والميزان ، (مُشْفِقُونَ) (٤٩) أي خائفون ، فيعدلون بسبب ذلك الخوف عن معصية الله تعالى ، (وَهذا) أي القرآن (ذِكْرٌ مُبارَكٌ) أي كثير النفع غزير العلم ، (أَنْزَلْناهُ) ، على أشرف الرسل محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، (أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) (٥٠)؟ أي أبعد أن علمتم أن شأن القرآن ، كشأن التوراة ، في كونه منزّلا من عندنا ، فأنتم يا أهل مكة جاحدون للقرآن ، خاصة دون كتاب اليهود ، فإنهم كانوا يراجعون اليهود فيما عنّ لهم من المشكلات. (وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ) ، أي اهتداءه لوجوه الصلاح في الدين والدنيا ونبوته ، (مِنْ قَبْلُ) أي من قبل إيتاء موسى وهارون التوراة ، (وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ) (٥١) ، أي بأنه لائق بما آتيناه ، يقوم يحقه ، ويجتنب ما ينفّر قومه من القبول. (إِذْ قالَ) إبراهيم ، (لِأَبِيهِ) آزر ، (وَقَوْمِهِ) : ـ نمروذ بن كنعان ـ وأصحابه : (ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ) (٥٢). أي ما هذه الصور التي أنتم عابدون لها ، وكانت تلك الأصنام اثنين وسبعين صنما بعضها من ذهب ، وبعضها من فضة ، وبعضها من حديد ، وبعضها من رصاص ، وبعضها من نحاس ، وبعضها من حجر ، وبعضها من خشب ، وكان كبيرها من ذهب ، مكللا من جواهر. في عينيه ياقوتتان تتّقدان ، تضيئان في الليل. (قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ) (٥٣) ، فنحن نعبدها اقتداء بهم ، فلم يجدوا في جوابه إلّا طريقة التقليد. فأجابهم إبراهيم وأبطله على طريقة التوكيد القسمي بقوله ، (قالَ) لهم إبراهيم : (لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ) الذين سنّوا لكم هذه السنّة الباطلة ، (فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٥٤) أي في خطأ بيّن ، بحيث لا يخفى على أحد من العقلاء ذلك ، والتقيّد إنما جاز لمن علم في الجملة أنه على الحق ، (قالُوا أَجِئْتَنا) يا إبراهيم في قولك هذا (بِالْحَقِ) إن بالجدّ (أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ) (٥٥)؟ أي من الممازحين بنا فيه. (قالَ) إبراهيم : (بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَ) أي خلقهنّ على غير مثال سبق ، وهو الذي خلقها لمنافع العباد ، وهو الذي يستحق أن يعبد لأن من يقدر على ذلك ، يقدر على أن يضر وينفع في الدار الآخرة بالعقاب ، والثواب. (وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ) أي كون ربكم رب

٥٢

السموات والأرض فقط ، (مِنَ الشَّاهِدِينَ) (٥٦) بذلك ، فأنا قادر على إثبات الحجة في ذلك ، وأني لست مثلكم أقول بغير إثبات الحجة ، كما لم تقدروا على الاحتجاج لمذهبكم ، ولم تزيدوا على مجرّد التقليد بآبائكم. (وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَ) أي لأكسرنّ (أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ) (٥٧) أي بعد أن تنطلقوا ذاهبين إلى العيد.

روي أن آزر خرج في يوم عيد لهم ، فبدءوا ببيت الأصنام ، فدخلوا ، فسجدوا لها ووضعوا بينها طعاما خرجوا به معهم ، وذهب معهم إبراهيم ، فلما كان ببعض الطريق ألقى نفسه ، وقال : إني سقيم أشتكي رجلي فتركوه ومضوا ، ثم نادى في آخرهم وقد بقي ضعفاء الناس حيث قال : (وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ) ، فسمع قوله الضعفاء ، فرجع إبراهيم إلى بيت الأصنام ، (فَجَعَلَهُمْ) ، أي الأصنام ، (جُذاذاً) أي قطعا (إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ) لم يكسره ، (لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ) أي إلى مقالة إبراهيم (يَرْجِعُونَ) (٥٨). فيبكتهم ، فيعدلون عن الباطل ، أي أن إبراهيم عليه‌السلام لما دخل بيت الأصنام ، وجد قبالة الباب صنما عظيما وإلى جنبه أصغر منه ، وهكذا كل صنم أصغر من الذي يليه ، وكانوا وضعوا عند الأصنام طعاما يأكلون منه إذا رجعوا من عيدهم إليهم ، فقال لهم إبراهيم : ألا تأكلون؟ فكسرها كلها بفأس في يده حتى لم يبق إلّا الكبير ، ثم علّق الفأس في عنقه. (قالُوا) حين رجعوا من عيدهم ورأوا ما رأوا : (مَنْ فَعَلَ هذا) أي التكسير ، (بِآلِهَتِنا إِنَّهُ) أي من فعل ، (لَمِنَ الظَّالِمِينَ) (٥٩). إما لجراءته على إهانة الآلهة ، أو لإفراطه في الكسر ، أو لتعريض نفسه للهلكة. فإنهم كانوا يعتقدون في الأصنام أنها تماثيل الكواكب ، وأنها طلسمات موضوعة ، بحيث إن كل من عبدها انتفع بها ، وكل من استخف بها ناله منها ضرر شديد. (قالُوا) أي الذين سمعوا حلف إبراهيم وأخبروا أكابرهم : (سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ) أي يعيب الأصنام ويسبها فلعلّه هو الذي فعل بها هذا الفعل ، (يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ) (٦٠) أي يطلق عليه هذا الاسم وهذه صفة ثانية لـ «فتى». (قالُوا) أي فيما بينهم ، والقائل لذلك القول هو النمروذ : (فَأْتُوا بِهِ) ، أي بإبراهيم (عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ) ، أي حال كونه ظاهرا للناس ، (لَعَلَّهُمْ) أي بعض الناس ، (يَشْهَدُونَ) (٦١) عليه بفعله فكل حاكم يحكم على جماعة بالجناية من غير بينة ، أسوأ حالا ، فلا يحكم بعض الكفار على أهل الجناية إلا بحضور عدول (قالُوا) أي قال له نمروذ بعد إتيانه (أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا) أي الكسر (بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ) (٦٢)؟ (قالَ) إبراهيم متهكما بهم وملزما بالحجة : (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا) ، أي الذي الفأس على عنقه ، وهو مشير إلى الذي لم يكسره ، وسلك عليه‌السلام مسلكا تعريضيا يؤديه إلى مقصده الذي هو إلزامهم الحجة على ألطف وجه يحملهم على التأمل في شأن آلهتهم ، فهذا يستلزم نفي فعل الصنم الكبير للكسر وإثباته لنفسه عليه‌السلام ، وهو إشارة لنفسه على الوجه الأبلغ مضمنا فيه الاستهزاء ، والتضليل ، إذ القاعدة أنه إذا دار فعل بين قادر عليه ، وعاجز عنه ، وأثبت للعاجز بطريق التهكم به ، لزم منه

٥٣

انحصاره في القادر ، فهذا نعت لكبيرهم ، أو بدل منه. وقيل : هو خبر «لكبيرهم» ، وتم الكلام عند قوله : (بَلْ فَعَلَهُ) ، وفاعل الفعل محذوف ، أي فعله من فعله.

ويروى عن الكسائي أنه كان يقف عند قوله : (بَلْ فَعَلَهُ) ، ثم يستبدي (كَبِيرُهُمْ هذا). وقرأ محمد بن السميفع : «فعله كبيرهم» بتشديد اللام أي فلعل الفاعل كبيرهم هذا ، (فَسْئَلُوهُمْ) ، أي الأصنام عن كاسرهم ، (إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ) (٦٣) حتى يخبروكم من كسرهم ، وجواب الشرط هو ما قبله ، وهذا مرتبط بقوله : (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ) فيكون إسناد الفعل إلى كبيرهم مشروطا بكونهم ناطقين ، فلما لم يكونوا ناطقين ، امتنع أن يكون الكبير فاعلا. والمعنى : بل فعله كبيرهم هذا إن كانوا ينطقون ، فاسألوهم. وهذه التأويلات لنفي كذب سيدنا إبراهيم. والأولى هو الأول ، فإن التعريض لا يسمى كذبا. وأيضا يجوز أن يكون الله تعالى قد أذن له في ذلك الكلام لقصد الصلاح ، وتوبيخهم ، والاحتجاج عليهم ، كما أذن ليوسف عليه‌السلام ، حين نادى مناديه فقال : (أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ) [يوسف : ٧٠] ولم يكونوا سرقوا (فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ) ، بالتفكر فلاموها ، (فَقالُوا) أي قال بعضهم لبعض فيما بينهم ، أو قال لهم ملكهم نمروذ : (إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ) (٦٤) ، بعبادة الأصنام ، لا من كسرها ومن قلتم في حقه أنه لمن الظالمين ، فإنهم علموا بعد التفكر أن عبادة الأصنام باطلة ، وأنهم على غرور في ذلك ، أو أنتم الظالمون لأنفسكم ، حيث سألتم من إبراهيم عن كاسر الأصنام ، حتى أخذ يستهزئ بكم في الجواب (ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ) أي انقلبوا عن الفكرة الصالحة إلى الحالة الأولى ، فأخذوا في المجادلة بالباطل قائلين : والله (لَقَدْ عَلِمْتَ) يا إبراهيم ، (ما هؤُلاءِ) الأصنام ، (يَنْطِقُونَ) (٦٥) أي لقد علمت أنه ليس من شأنهم النطق ، فكيف تأمرنا بسؤالهم.

وقرئ «نكّسوا» بالتشديد ، و «نكسوا» بالبناء للفاعل ، أي نكّسوا أنفسهم على رؤوسهم ، وهي قراءة رضوان بن المعبود ، (قالَ) إبراهيم مبكّتا لهم : (أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) ، أي أتعلمون ذلك فتعبدون متجاوزين عبادة الله تعالى ، (ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً) ، أي نفعا قليلا (وَلا يَضُرُّكُمْ) (٦٦) (أُفٍّ لَكُمْ) أي قذرا وقبحا لكم (وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) أي غيره ، واللام لبيان المتضجّر لأجله ، وعائد الموصول محذوف ، وهذا تضجّر من سيدنا إبراهيم من إصرارهم على الباطل البيّن. (أَفَلا تَعْقِلُونَ) (٦٧). أي ألا تتفكرون ، فلا تعقلون قبح صنيعكم من عبادة ما لا يضر في ترك عبادته ، ولا ينفع في عبادته. (قالُوا) أي قال بعضهم لبعض لما عجزوا عن المجادلة وضاقت عليهم الحيل ، والقائل لهم ملكهم نمروذ بن كنعان ، وقيل القائل رجل من أكراد فارس اسمه هينون ، خسف الله به الأرض ، (حَرِّقُوهُ) أي إبراهيم بالنار (وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ) أي انتقموا منه لآلهتكم (إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ) (٦٨) ، لنصرتها فاختاروا أشد العقوبات وهي الإحراق.

٥٤

وروي أنهم لما اجتمعوا على إحراقه عليه‌السلام بنوا له حظيرة في قرية كوثي ، فجمعوا له أصناف الحطب شهرا ، وأوقدوا نارا سبعة أيام ، حتى لو مرّ الطير في أقصى الهواء لاحترق ، ثم أخذوا إبراهيم فقيدوه ورفعوه على رأس البنيان ، ووضعوه في المنجنيق مقيدا مغلولا فرموه به في النار ، فجعل الله الحظيرة روضة وذلك قوله تعالى : (قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ) (٦٩) أي أبردي بردا غير ضارّ ومكث إبراهيم في النار سبعة أيام. وكان عنده عين ماء عذب ، وورد أحمر ، ونرجس ، وأتاه جبريل بقميص من حرير الجنة ، وقال : يا إبراهيم ، إن ربك يقول أما علمت أن النار لا تضرّ أحبابي ولم تحرق النار منه إلّا وثاقه ، فإن الله تعالى أزال عنها ما فيها من الحر والإحراق ، وأبقى ما فيها من الإضاءة والإشراق.

وروي أنهم أوقدوا عليه النار سبعة أيام بعد إلقائه في ذلك البنيان ، ثم أطبقوا عليه ، ثم فتحوا عليه من الغد ، فإذا هو غير محترق ، ويعرق عرقا فقال لهم هاران ـ أبو لوط عليه‌السلام ـ : إن النار لا تحرقه لأنه سحر النار ، ولكن اجعلوه على شيء وأوقدوا النار تحته فإن الدخان يقتله فجعلوه فوق بئر وأوقدوا النار تحته ، فطارت شرارة فوقعت في لحية أبي لوط فأحرقته. (وَأَرادُوا بِهِ) أي إبراهيم (كَيْداً) أي مكرا عظيما في الإضرار به ، (فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ) (٧٠) فإنهم خسروا السعي والنفقة فلم يحصل لهم مرادهم ، وهلكوا بإرسال الله عليهم البعوض ، فأكلت لحومهم وشربت دماءهم ودخلت في دماغ نمروذ بعوضة فأهلكته (وَنَجَّيْناهُ) أي إبراهيم من النار. (وَلُوطاً) ابن أخيه هاران الأصغر من الخسف وكان لهما أخ ثالث اسمه ناخور ، والثلاثة أولاد آزر. وأما هاران الأكبر فكان عما لإبراهيم ، وكانت سارة بنت عم إبراهيم ، الذي هو هاران الأكبر. (إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ) (٧١) في الدين والدنيا أي بلغناهما من العراق ، إلى الشام فنزل إبراهيم بفلسطين ، ونزل لوط بالمؤتفكة وبينهما مسيرة يوم وليلة. وسبب بركة في الدين ، لأن أكثر الأنبياء بعثوا منها ، فانتشرت شرائعهم فيها وفي الدنيا لأن الله تعالى بارك فيها بكثرة الماء والشجر والثمر. (وَوَهَبْنا لَهُ) أي لإبراهيم عليه‌السلام (إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ) أي وهبناهما لإبراهيم (نافِلَةً) أي عطية وفضلا من غير أن يكون جزاء مستحقا ، فـ «نافلة» منصوب على المصدر. (وَكُلًّا) أي كل واحد من هؤلاء الأربعة ، (جَعَلْنا صالِحِينَ) (٧٢) في الدين والدنيا فصاروا كاملين. (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً) يقتدى بهم في أمور الدنيا ، (يَهْدُونَ) أي يدعون الناس إلى الخيرات (بِأَمْرِنا) وإذننا ، (وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ) ، أي أن يعملوا الشرائع هم وأتباعهم ، (وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ) وهذان من عطف الخاص على العام ، دلالة على إنافتهما فإن الصلاة أفضل العبادات البدنية ، والزكاة أفضل العبادات المالية. (وَكانُوا لَنا عابِدِينَ) (٧٣) أي مخلصين في العبادة لا يخطر ببالهم غير عبادتنا. (وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً) أي فصلا بين الخصوم. قال الزجّاج : أي هذه الجملة عطف على قوله : (وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ). وقال أبو

٥٥

مسلم عطف على قوله : (آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ) ، وآتينا لوطا. (وَعِلْماً) لائقا به (وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ) أي من أهل قرية سذوم. (الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ) ، أي التي كان أهلها قبل إنجائنا له منها ، يعملون الأعمال الخبائث من اللواط ، ورمي المارة بالبندق ، واللعب بالطيور ، والتضارط في أنديتهم ، وغير ذلك. (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ) أي قوما يحزنون الناس بأفعالهم ، (فاسِقِينَ) (٧٤) أي خارجين من كل خير (وَأَدْخَلْناهُ) أي لوطا (فِي رَحْمَتِنا) ، بأن فتحت عليه أبواب المكاشفات ، وتجلّت له أنوار الإلهية ، (إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) (٧٥) أي من المستعدّين لقبول ذلك وللدخول فيه. (وَنُوحاً) عطف على قوله : ولوطا (وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً إِذْ نادى) ، أي دعا على قومه بالعذاب ، بدل اشتمال من نوحا (مِنْ قَبْلُ) أي من قبل هؤلاء المذكورين ، (فَاسْتَجَبْنا لَهُ) الدعاء ، (فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ) ، أي أهل دينه (مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) (٧٦) وهو الغرق وأذية قومه. (وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ) ، أي عصمناه من مكروه القوم كما قاله المبرد. وقال أبو عبيدة : من بمعنى على ، كقراءة أبيّ ابن كعب ونصرناه على القوم ، (الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) ، الدالة على رسالته عليه‌السلام (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ) لأجل تكذيبهم له ، (فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ) (٧٧) بالطوفان لإصرارهم على تكذيب الحق ، ولانهماكهم في الشرّ وهذا بيان للوجه الذي خلّصه الله منهم به. (وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ) أي آتيناهما حكما (إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ) أي في حق الزرع ، (إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ) أي انتشرت في الزرع غنم القوم في الليل ترعى بلا راع ، (وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ) أي داود وسليمان (شاهِدِينَ) (٧٨) أي إنما حكما بإرشادنا لهما وأوقع الجمع موقع التثنية مجازا ، ويدل على ذلك قراءة ابن عباس لحكمهما بصيغة التثنية. (فَفَهَّمْناها) أي الفتيا (سُلَيْمانَ وَكُلًّا) أي كل واحد منهما ، (آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً) ، كثيرا.

روي أنه دخل على داود عليه‌السلام ، رجلان فقال أحدهما : إن غنم هذا دخلت في حرثي ليلا فأفسدته ، وما أبقت منه شيئا. فقال داود عليه‌السلام : اذهب فإن الغنم لك. وقد روي أنه لم يكن بين قيمة الحرث ، وقيمة الغنم تفاوت ، فخرجا ، فمرا على سليمان عليه‌السلام ، وهو ابن إحدى عشرة سنة ، فقال : كيف قضي بينكما؟ فأخبراه بذلك ، فقال : لو كنت أنا القاضي لقضيت بغير هذا وهو أرفق بالفريقين ، فأخبرا بذلك داود عليه‌السلام ، فدعاه وقال : كيف تقضي بينهما؟ فقال : ادفع الغنم إلى صاحب الحرث ، فيكون له منافعها من الدّر ، والنسل ، والصواف ، وأدفع الحرث إلى أرباب الغنم ليقوموا عليه حتى يعود كهيئته يوم أكل ، ثم دفعت الغنم إلى أهلها وقبض صاحب الحرث حرثه فقال داود : القضاء ما قضيت ، وأمضى الحكم بذلك. ورأى داود قياس ، كما أن العبد إذا جنى على النفس ، يدفعه المولى إلى المجني عليه ، أو يفديه عند أبي حنيفة ببيعه في ذلك ، أو يفديه عند الشافعي. ورأى سليمان استحسان كما قال أصحاب الشافعي ، فيمن غصب عبدا فأبق منه ، أنه يضمن القيمة فينتفع بها المغصوب منه ، بإزاء ما فوّته الغاصب من منافع

٥٦

العبد ، فإذا ظهر ترادا وحكم هذه المسألة في مذهب الشافعي أن الغنم إن كانت وحدها ولو بصحراء ، فأتلفت شيئا كزرع ، ليلا أو نهارا ضمنه ذو يد إن فرّط في ربطها أو إرسالها كأن ربطها بطريق ولو واسعا وكأن أرسلها ولو في نهار لمرعى بوسط مزارع فأتلفتها ، فإن لم يفرّط ، كأن أرسلها المرعى لم تتوسطه مزارع لم يضمن. ومذهب أبي حنيفة وأصحابه ، عدم الضمان بالليل والنهار ، إلا أن يكون معها سائق أو قائد (وَسَخَّرْنا) أي ذللنا (مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ) أي ينطقن بالتسبيح ، وكان داود يسبّح وحده فالله تعالى خلق فيها الكلام ، كما سبّح الحصى في كف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وسمع الناس ذلك. (وَالطَّيْرَ) أي إذا ذكر داود عليه‌السلام ربّه ، ذكرت الجبال والطير ربّها معه ، (وَكُنَّا فاعِلِينَ) (٧٩) أي إنا قادرون على أن نفعل هذا وإن كان عجبا عندكم ، أي مستغربا في اعتقادكم. (وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ) أي درع ، (لَكُمْ) أي لأجلكم يا أهل مكة ، فإن الله تعالى ألان الحديد لداود ، فكان يعمل منه بغير نار كأنه طين (لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ) أي لتحرسكم من الجرح ، والسيف ، والسهم ، والرمح. فقرأ شعبة : بالنون ، وابن عامر وحفص بالتاء ، فالضمير لـ «لبوس». والباقون بالياء التحتية ، فالضمير لـ «داود» ، أو لـ «لبوس» ، وهذا بدل اشتمال من «لكم» مبيّن لكيفية الاختصاص والمنفعة (فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ) (٨٠) أي اشكروا الله يأهل مكة على ما يسّر عليكم من هذه الصنعة بتصديق الرسل (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً) أي شديدة الهبوب ، فإذا مرت بكرسيه عليه‌السلام ، أبعدت به في مدة يسيرة أي جعلنا الريح طائعة لسليمان ، فإن أرادها عاصفة كانت عاصفة ، وإن أرادها ليّنة كانت ليّنة (تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها).

قال الكلبي : كان سليمان عليه‌السلام وقومه ، يركبون عليها من إصطخر إلى الشام ، وإلى حيث شاء ، ثم يعود إلى منزله. قال وهب : كان سليمان عليه الصلاة والسلام ، إذا أخرج إلى مجلسه عكفت عليه الطير ، وقام له الإنس والجن حين يجلس على سريره ، وكان امرأ غازيا قلّما كان يقعد عن الغزو ، ولا يسمع في ناحية من الأرض بملك إلا أتاه حتى يذلّه.

وروي أن سليمان سار من أرض العراق فقال بمدينة بلخ متخللا بلاد الترك ، ثم جاوزهم إلى أرض الصين يغدو على مسيرة شهر ، ويروح على مثل ذلك ، ثم عطف يمينه على مطلع الشمس على ساحل البحر ، حتى أتى أرض السند وجاوزها ، وخرج منها إلى مكران ، وكرمان ، ثم جاوزها حتى أتى أرض فارس ، فنزلها أياما وغدا منها فقال بكسكر ثم راح إلى الشام وكان مستقره بمدينة يؤمر. (وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ) (٨١) ، فنجري ما سخرنا له بحسب ما تقتضيه الحكمة (وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ) ، أي وسخرنا لسليمان من الشياطين الكافرين من يدخلون في البحار ويخرجون الجواهر منها له ، (وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلِكَ) ، أي غير ذلك من بناء المدن والقصور ، وصنع النورة ، والطواحين ، والقوارير ، والصابون ، والحمام ، لأن

٥٧

ذلك من استخراجاتهم (وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ) (٨٢) ، حتى لا يخرجوا من أمره ، وحافظين من أن يفسدوا ما عملوا ، فكان دأبهم أنهم يعلمون بالنهار ، ثم يفسدونه في الليل ، ومن أن يهيّجوا أحدا على أحد في زمانه عليه‌السلام. (وَأَيُّوبَ) أي آتيناه حكما (إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (٨٣).

وكان أيوب عليه‌السلام روميا من ولد عيص بن إسحاق ، وكانت أمه من ولد لوط ، وكان الله تعالى قد جعله نبيا وقد أعطاه من الدنيا حظا وافرا من النعم ، والدواب ، والبساتين ، وأعطاه ولدا من رجال ونساء. وكان رحيما بالمساكين ، وكان يكفل الأيتام ، والأرامل ، ويكرم الضيف. فابتلاه الله تعالى بهلاك أولاده بهدم بيت عليهم ، وذهاب أمواله والمرض في بدنه ثماني عشرة سنة. فإنه خرج من فرقه إلى قدمه ثآليل ، وقد وقعت في جسده حكة لا يملكها ، وكان يحكّ بأظفاره حتى سقطت أظفاره ، ثم حكّها بالمسوح الخشنة ، ثم حكها بالفخار والحجار ولم يزل يحكّها حتى تقطع لحمه وأنتن ، فأخرجه أهل القرية وجعلوه على كناسة ، وجعلوا له عريشا.

روي أن امرأته ما خير بنت ميشا بن يوسف عليه‌السلام ، أو رحمة بنت إفرايم بن يوسف ، قالت له يوما : لو دعوت الله تعالى. فقال : كم كانت مدة الرخاء؟ فقالت : ثمانين سنة. فقال : أستحي من الله أن أدعوه ، وما بلغت مدة بلائي مدة رخائي. وروي أن إبليس أتاها على هيئة عظيمة فقال : أنا إله الأرض فعلت بزوجك ما فعلت ، لأنه تركني وعبد إله السماء لو سجدت لي سجدة لرجعت المال والولد وعافيت زوجك. فرجعت إلى أيوب وكان ملقى في الكناسة ، لا يقرب منه أحد ، فأخبرته بالقصة فقال عليه‌السلام : «كأنك افتتنت بقول اللعين لئن عافاني الله تعالى لأضربنّك مائة سوط ، وحرام علي أن أذوق بعد هذا شيئا من طعامك وشرابك ، فطردها ، فذهبت ، فبقي طريحا في الكناسة لا يحوم حوله أحد من الناس ، فلما نظر أيوب شأنه وليس عنده طعام ، ولا شراب ولا صديق ، وقد ذهبت امرأته خرّ ساجدا فقال : رب (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ). فقال تعالى : ارفع رأسك فقد استجبت لك ، اركض برجلك ، فركض برجله ، فنبعت من تحته عين ماء فاغتسل منها ، فلم يبق في ظاهر بدنه دابة إلا سقطت منه ، ولا جراحة إلا برئت ، ثم ركض برجله مرة أخرى ، بعد أن مشى أربعين خطوة فنبعت عين أخرى فشرب منها ، فلم يبق في جوفه داء إلا خرج ، وعاد صحيحا ، ورجع إليه شبابه وجماله حتى صار أحسن ، ثم كسي حلّة فلما قام جعل يلتفت فلا يرى شيئا مما كان له من الأهل والولد ، والمال ، إلا وقد ضاعفه الله تعالى ، حتى روي أن الماء الذي اغتسل منه تطاير على صدره جرادا من ذهب ، فخرج حتى جلس على مكان مشرف. ثم إن امرأته قالت في نفسها : هب أنه طردني أفأتركه حتى يموت جوعا وتأكله السباع ، لأرجعنّ إليه ، فلما رجعت ما رأت تلك الكناسة ، ولا تلك الحال وقد تغيرت الأمور ، فجعلت تطوف حيث كانت الكناسة وتبكي وهابت صاحب الحلّة أن تأتيه وتسأله

٥٨

عنه ، فأرسل إليها أيوب ودعاها فقال : ما تريدين يا أمة الله؟ فبكت وقالت : أردت ذلك المبتلى الذي كان ملقى على الكناسة ، فقال لها أيوب عليه‌السلام : فما كان منك؟ فبكت ، وقالت : بعلي فقال : أتعرفينه إذا رأيتيه؟ قالت : وهل يخفى علي؟ فتبسّم وقال : أنا هو فعرفته بضحكه فاعتنقته. ثم قال : إنك أمرتني أن أذبح سخلة لإبليس ، وإني أطعت الله وعصيت الشيطان ودعوت الله تعالى فردّ علي ما ترين وذلك قوله تعالى : (فَاسْتَجَبْنا لَهُ) الدعاء ، (فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ) أي مرض وهزال ، (وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ).

روي أن امرأته ولدت بعد ذلك ستة وعشرين ابنا. قال ابن عباس : أبدل بكل شيء ذهب منه ضعفا. وروي أن الله تعالى بعث إليه ملكا فقال : إن ربك يقرئك السلام بصبرك ، فاخرج إلى أندرك ، وهو الموضع الذي يداس فيه الطعام ، فخرج إليه ، فأرسل عليه جرادا من ذهب (رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ) (٨٤) أي آتيناه ما ذكر لرحمتنا أيوب ، وتذكرة لغيره من العابدين ، ليصبروا كما صبر فيثابوا كما أثيب. (وَإِسْماعِيلَ) ابن إبراهيم (وَإِدْرِيسَ) ، بن شيب بن آدم (وَذَا الْكِفْلِ) واسمه بشر ، أي أعطيناهم ثواب الصابرين ، (كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ) (٨٥) على أمر الله والمرازي (وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا) أي في النبوة (إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ) (٨٦) أي الكاملين في الصلاح.

فصلاحهم معصوم من كدر الفساد ، فإسماعيل ، قد صبر عند ذبحه ، وعلى الإقامة في بلد لا زرع فيه ، ولا ضرع ، ولا بناء ، وصبر في بناء البيت فأخرج منه خاتم النبيين. وإدريس قد صبر على دراسة الكتب وسمي إدريس لكثرة دراسته ، وبعث إلى قومه داعيا لهم إلى الله تعالى ، فأبوا ، فأهلكهم الله ورفع إلى السماء الرابعة. وذو الكفل ، قد صبر على قيام الليل ، وصيام النهار ، وأذى الناس في الحكومة بينهم ، بأن لا يغضب. ومعنى الكفل : هو النصيب ، وإنما سمي ذا الكفل بذلك على سبيل التعظيم ، فيكون الكفل كفل الثواب ، لأنه كان له ضعف عمل الأنبياء في زمانه ، وضعف ثوابهم ، وقد كان في زمنه أنبياء عليهم‌السلام. (وَذَا النُّونِ) أي واذكر صاحب الحوت وهو يونس عليه‌السلام ، (إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً) أي غضبان على قومه لما برم من طول دعوته إياهم ، وشدة شكيمتهم ، وتمادي إصرارهم مهاجرا عنهم قبل أن يؤمر ، لأنهم لما لم يؤمنوا وعدهم بالعذاب ، فلما كشف العذاب عنهم بتوبتهم ، وهو لم يعرف الخالد خرج منهم غضبان من ذلك ، (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) أي ظن أنه لن نضيّق عليه ، أي فإنه ظن أنه مخيّر إن شاء أقام وإن شاء خرج ، وأنه تعالى لا يضيق عليه في اختياره.

فأتى بحر الروم فوجد قوما هيئوا سفينة فركب معهم ، فلما تلجّجت السفينة تكفأت بهم ، وكادوا أن يغرقوا فقال الملاحون : هاهنا رجل عاص ، أو عبد آبق ، لأن السفينة لا تكون هكذا من غير ريح ، إلّا وفيها رجل عاص ، فلا بد من أن نقترع ليظهر ، فمن وقعت عليه القرعة ألقيناه في

٥٩

البحر ، فإن غرق واحد خير من أن تغرق السفينة ، فاقترعوا ثلاث مرات ، فوقعت القرعة فيها على يونس عليه‌السلام ، فقال : أنا الرجل العاصي والعبد الآبق ، وألقى نفسه في البحر ، فجاء حوت فابتعله ، فأوحى الله تعالى إلى ذلك الحوت لا تأكل له لحما ولا تهشم له عظما فإنه ليس رزقا لك ، وإنما جعلتك له سجنا (فَنادى فِي الظُّلُماتِ) أي في ظلمات بطن الحوت ، والبحر ، والليل ، وقيل : ابتلع حوته حوت آخر ، فحصل في ظلمتي بطن الحوتين ، وظلمة البحر والليل : (أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ) أي بأنه فـ «أن» مخففة من «أن» المشددة أو بمعنى أي (سُبْحانَكَ) أي أنزهك تنزيها لائقا بك من أن يعجزك شيء (إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) (٨٧) بفراري من قومي بغير إذنك فكان ذلك ظلما ، فعوقب على ترك الأفضل الذي هو المكث فيهم صابرا على أذاهم فإنه خرج لا على تعمّد المعصية ، بل لظنه أن خروجه موسّع ، يجوز أن يقدّم ويؤخّر. فقد وصف يونس عليه‌السلام ربه ، بكمال الربوبية. ووصف نفسه بضعف البشرية ، والنقص في أداء حق الربوبية وهذا القدر يكفي في السؤال ولذا قال تعالى : (فَاسْتَجَبْنا لَهُ) دعاءه. وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما من مكروب يدعو بدعوة ذي النون في بطن الحوت إلا استجيب له». (وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِ) بسبب كونه في بطن خطيئته ، فألقاه الحوت في الساحل من يومه أو بعد ثلاثة أيام ، (وَكَذلِكَ) ، أي كما أنجينا يونس من كرب الحبس إذ دعانا (نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) (٨٨) من كربهم إذا استغاثوا بنا داعين بهذا الدعاء. (وَزَكَرِيَّا) ، أي واذكر خبره (إِذْ نادى رَبَّهُ) بقوله : (رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً) أي وحيدا بلا ولد يرثني إرث نبوّة وعلم ، وحكمة ، (وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ) (٨٩). أثنى عليه‌السلام على ربه لأنه ينكشف عن علمه أن عاقبة الأمور راجعة إلى الله تعالى. فإنه تعالى الباقي بعد فناء الخلق. (فَاسْتَجَبْنا لَهُ) دعاءه (وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى) ، نبيا حكيما عظيما (وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ) ، للولادة بعد انتهائها إلى اليأس منها بحكم العادة. وقال ابن عباس رضي‌الله‌عنهما : كان سن زكريا مائة ، وسن زوجته تسعا وتسعين (إِنَّهُمْ) أي زكريا وولده وأهله ، (كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ) أي في طاعة الله تعالى ، (وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً) أي يفزعون إلينا رغبة في ثوابنا ، ورهبة من عقابنا ، (وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ) (٩٠) أي خائفين متواضعين في عبادتهم ، حذرين عن الانبساط في الأمور. (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها) أي واذكر خبر مريم التي أحصنت فرجها إحصانا كليّا ، من أن يصل إليه أحد بحلال أو حرام جميعا. (فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا) ، أي فنفخنا الروح في عيسى فيها ، أي أحييناه في جوفها ، أي أجريناه فيه إجراء الهواء بالنفخ من جهة روحنا جبريل ، (وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ) (٩١).

أما آيات مريم فظهور الحبل فيها لا من ذكر ، ورزقها كان يأتيها به الملائكة من الجنة ، وأنها لم تلتقم ثديا يوما قط. وتكلّمت في صباها ، كما تكلّم عيسى في صباه ، فجعلهما الله آية للناس ، فيستدلّون بما خصا به من الآيات على قدرته تعالى وحكمته. (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) أي

٦٠