مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد - ج ٢

الشيخ محمّد بن عمر نووي الجاوي

مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد بن عمر نووي الجاوي


المحقق: محمّد أمين الضنّاوي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٩٥
الجزء ١ الجزء ٢

عن الشرك ، ويجوز «أن» تكون أن نافية على هذا الوجه أي جاءوهم بأمرهم بالتوحيد ونفي الشرك. (قالُوا) أي عاد وثمود مخاطبين لهود وصالح : (لَوْ شاءَ رَبُّنا) أي إرسال الرسل إلى البشر ، (لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً) أي لأرسلهم بطريق الإنزال (فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ) (١٤) أي فإذا أنتم بشر ولستم بملائكة ، فأنتم لستم برسل ، وإذا لم تكونوا من الرسل لم يلزمنا قبول قولكم ، وقوله تعالى (بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ) حكاية لكلامهم على سبيل الاستهزاء كما قال فرعون : إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون. (فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ) أي فأما قوم هود فتعظموا في الأرض على أهلها بغير استحقاق للتعظيم. (وَقالُوا) لهود لما هددهم بالعذاب : (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً)؟ أي نحن نقدر على دفع العذاب عن أنفسنا بفضل قوتنا ذلك لأن أطولهم كما قال ابن عباس كان مائة ذراع ، وأقصرهم كان ستين ذراعا. فقال الله تعالى ردا عليهم : (أَوَلَمْ يَرَوْا) أي ألم ينظروا ولم يعلموا علما جليا (أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً) أي قدرة يقدر على إهلاكهم (وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ) (١٥) أي إنهم كانوا يعرفون أن الآيات المنزلة على الرسل حق ، ولكنهم أنكروها كما ينكر المودع الوديعة ، (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً) أي باردا شديدا ، يحرق ببرده كما تحرق النار بحرها ، أو ريحا يصوت في هبوبه.

وعن ابن عباس : أن الله تعالى ما أرسل على عاد من الريح إلا قدر خاتمي والمراد. أنه مع قلته أهلك الكل وذلك دليل على كمال قدرته تعالى (فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ) أي مشؤومات. روي أن الأيام كانت آخر شوال من الأربعاء إلى الأربعاء. قال ابن عباس : وما عذب قوم إلّا في يوم الأربعاء.

وقرأ نافع ابن كثير وأبو عمرو «نحسات» بسكون الحاء. والباقون بكسرها (لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) بسبب أنهم استكبروا فقابل الله ذلك الاستكبار بإيصال الذل إليهم. وقرئ «لتذيقهم» بالتاء على إسناد الإذاقة إلى الريح أو إلى الأيام (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى) أي أشد إهانة مما كان لهم في الدنيا (وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ) (١٦) بدفع العذاب عنهم ، (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى) ، أي وأما قوم صالح فبيّنا لهم طريق الخير والشر ، فاختاروا الدخول في الضلالة على الدخول في الرشد.

وقرأ الجمهور برفع «ثمود» ممنوعا من الصرف. وقرئ بالنصب بفعل يفسره ما بعده ، وقرأه الأعمش وابن وثاب منونا في الحالين والرفع أفصح لوقوع ثمود بعد حرف الابتداء. وقرئ «ثمود» بضم الثاء ، (فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ) أي داهية العذاب الذي يهينهم بشدته ، (بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) (١٧) من اختيار الضلالة ، وهي شركهم وتكذيبهم صالحا وعقرهم الناقة ، (وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا) من الفريقين (وَكانُوا يَتَّقُونَ) (١٨) الأعمال التي أتى بها قوم عاد وثمود ، (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللهِ إِلَى النَّارِ) ، أي واذكر يا أشرف الخلق لقريش المعاندين لك حال الكفار في القيامة يوم يجمع بكره الكفار الأولون والآخرون إلى موقف الحساب والتعبير عنه بالنار الإعلام

٣٦١

بأنها آخر حشرهم ، أو لأن حسابهم يكون على شفيرها ويحشر بالبناء للمفعول وأعداء بالرفع على قراءة الجمهور.

وقرأ نافع «نحشر» بنون العظمة وضم الشين ونصب أعداء. وقرئ «ويحشر» بالبناء للفاعل ونصب أعداء. وقرئ بكسر الشين مع البناء للفاعل في الحالين ، (فَهُمْ يُوزَعُونَ) (١٩) أي يحبس أولهم على آخرهم ليتلاحقوا ، (حَتَّى إِذا ما جاؤُها) أي حتى إذا حضروا موقف الحساب ، (شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٢٠) في الدنيا من فنون الكفر والمعاصي ، بأن ينطقها الله تعالى كإنطاق اللسان فتشهد. وقال ابن عباس : المراد من شهادة الجلود شهادة الفروج. (وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ) أي لأعضائهم أو لفروجهم (لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا) وكنا نحابس عنكم بالجدال. وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «أول من يتكلم من الآدمي فخده وكفه». اه. وذلك لأن مقدمة الزنا إنما تحصل بالكف ونهاية الأمر إنما تحصل بالفخذ (قالُوا) أي الجلود : (أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٢١) ، أي أنطقنا الله الذي أنطق كل ناطق ، وأقدرنا على بيان الواقع فشهدنا عليكم بما عملتم بواسطتنا من القبائح ، وما كتمناها ، فإن القادر على إنشائكم وإنطاقكم في المرة الأولى حال ما كنتم في الدنيا وعلى إعادتكم بعد الموت أحياء قادر على إنطاقكم في المرة الثانية وهي حال القيامة فكيف يستبعد منه إنطاق الأعضاء؟ (وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ) (٢٢) ، أي وما كنتم تستترون بنحو الحيطان في الدنيا عند الإقدام على الأفعال القبيحة مخافة أن تشهد عليكم جوارحكم بذلك ، لأنكم غير عالمين بشهادتهم عليكم ، ولأنكم منكرون للبعث والجزاء ، ولكن استتاركم لأجل أنكم ظننتم أن الله لا يعلم الأعمال التي أقدمتم عليها من القبائح المخيفة فلا يظهرها في الآخرة ، ولذلك اجترأتم على ما فعلتم ؛ (وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ) ، فاسم الإشارة مبتدأ «وظنكم» خبر ، والموصول نعت أو بدل و «أرداكم» حال ، أي ذلكم الظن المذكور ظنكم الذي ظننتم بربكم مهلكا إياكم ، ويجوز أن يكون ظنكم والموصول وجملة «أرداكم» إخبارا (فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٢٣) ، أي فصرتم بسبب ذلك الظن المردي من الهالكين بالعقوبة.

قال أهل التحقيق : الظن قسمان : حسن ، وفاسد.

فالظن الحسن : أن يظن بالله تعالى الرحمة والفضل والإحسان قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم حكاية عن الله تعالى : «أنا عند ظن عبدي».

والظن الفاسد : أن يظن أن الله تعالى يعزب عن علمه بعض هذه الأحوال. وقال قتادة :الظن نوعان : ظن منج ، وظن مرد. فالمنجي : هو المحكي بقوله تعالى : (إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ) [الحاقة : ٢٠] والمردي هو المحكي بقوله تعالى : (ذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ). (فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ) ، أي فإن أمسكوا عن الاستغاثة لأجل فرج ينتظرونه لم

٣٦٢

يجدوا ذلك الفرج وتكون النار محل إقامة أبدية لهم ، (وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ) (٢٤) أي وإن طلبوا الرجوع إلى ما يحبونه جزعا مما هم فيه لم يعطوه ولم يجابوا إليه.

وقرئ و «إن يستعتبوا» بصيغة المفعول ، «فما هم من المعتبين» بصيغة اسم الفاعل ، أي وإن يطلبوا أن يرضوا ربهم فما هم فاعلون ، إذ لا سبيل لهم إلى ذلك ، (وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ) أي بعثنا لهم شركاء من الشياطين يلازمونهم ، (فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) أي فزينوا لهم أمر الآخرة بأن لا بعث ولا حساب ولا جنة ، ولا نار ، وأمر الدنيا بأنها قديمة باقية لا تفنى ، ولا صانع إلّا الطبائع والأفلاك. ويقال : فزينوا لهم ما مضى من أعمالهم الخبيثة ، وما تبقى من أعمالهم الخسيسة ، وهو ما يزعمون أنهم يعملونه. (وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ) (٢٥) أي وثبت عليهم كلمة العذاب حال كونهم كائنين في جملة أم من المتقدمين من الجن والإنس ، لأنهم كانوا هالكين بالعقوبة (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي كفار مكة أبو جهل وأصحابه عند قراءة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ) لأنه مقلب القلوب ، وكل من استمع له صبا إليه ، (وَالْغَوْا فِيهِ) أي تشاغلوا عند قراءته برفع الأصوات بالخرافات والأشعار الفاسدة ، والكلمات الباطلة حتى تخلطوا على القارئ ، (لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) (٢٦) أي لكي تغلبوا محمدا على قراءته فيسكت ، فهددهم الله بالعذاب الشديد بقوله : (فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً) في الدنيا بالحرمان وفنون الهوان ، (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ) في الآخرة (أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) (٢٧) أي سيئات أعمالهم بحسب تفاوت السيئات في الإثم ، ولا يجازيهم على محاسن أعمالهم كإغاثة الملهوفين وصلة الأرحام وقري الأضياف ، لأنها محبطة بالكفر ، وفي هذا تهديد شديد لمن يصدر عنه عند سماعه ما يشوش على القارئ ، ويخلط عليه القراءة ، وتعريض بمن لا يكون عند كلام الله خاضعا خاشعا. (ذلِكَ) أي جزاء أقبح أعمالهم (جَزاءُ أَعْداءِ اللهِ) أي جزاء معد لهم (النَّارُ) عطف بيان (لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ) أي لهم في دركات النار دار معينة ، وهي دار العذاب المخلد لهم ، (جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ) (٢٨) و «جزاء» منصوب بـ «جزاء» ، فإن المصدر ينصب بمثله أي بسبب ما كانوا يلغون في قراءة آياتنا وإنما سمي اللغو جحودا ، لأنهم علموا أن القرآن بالغ إلى حد الإعجاز خافوا من أنه لو سمعه الناس لآمنوا به. فاستخرجوا تلك الطريقة الفاسدة. (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) وهم متقلبون في عذاب النار : (رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا) عن الحق (مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) أي الشياطين ورؤساء الإنس. وقال علي بن أبي طالب : أي من إبليس وقابيل ، لأن الكفر سنة إبليس والقتل بغير حق سنة قابيل.

وقرأ ابن كثير والسوسي ، وابن عامر ، وشعبة بسكون الراء من «أرنا» ، أي أعطناهما ، واختلس الدوري كسر الراء ، وشدد ابن كثير النون من الذين (نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا) ، أي ندوسهما ليكونا وقاية بيننا وبين النار ، فتخف عنا حرارتها نوع خفة ، (لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ) (٢٩) أي ليكونا ممن هو أذل منا مكانا ، وأشد منا عذابا كما جعلانا في الدنيا تحت أمرهما ، (إِنَ

٣٦٣

الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ) قولا مقرونا باليقين التام والمعرفة الحقيقية ، (ثُمَّ اسْتَقامُوا) أي ثبتوا على الأعمال الصالحة ، (تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ) عند الموت في القبر وعند البعث بالبشرى : (أَلَّا تَخافُوا) و «أن» مفسرة ، أو مخففة من الثقيلة ، و «لا» ناهية ، أي بأنه لا تخافوا على ما أمامكم ، أو مصدرية و «لا» إما ناهية ، أو نافية. وقرئ «لا تخافوا» على أنه حال من الملائكة ، أي يقولون : لا تخافوا (وَلا تَحْزَنُوا) على ما تركتم من خلفكم ، فالله تعالى أخبر أن الملائكة يخبرون في أول الأمر بأنه لا خوف عليكم بسبب ما تستقبلونه من أحوال القيامة ، ثم يخبرون بأنه لا حزن عليكم بسبب ما فاتكم من أحوال الدنيا فإن المستقبل في كل ساعة يصير أقرب حصولا والماضي في كل حالة أبعد حصولا ، ولهذا قال الشاعر :

فلا زال ما نهواه أقرب من غد

 

و لا زال ما نخشاه أبعد من أمس

وعند حصول هذين الأمرين فقد زالت المضار والمتاعب بالكلية ، ثم بعد الفراغ من ذلك الإخبار ، يبشرون بحصول المنافع ، لأن دفع المضرة أولى بالرعاية من جلب المصلحة. وذلك قوله تعالى : (وَأَبْشِرُوا) أي املئوا صدوركم سرورا ، (بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) (٣٠) في الدنيا على ألسنة الرسل ، (نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) أي نحن أقرباء الأقرباء إليكم فنوقظكم من المنام ، ونحملكم على الصلاة والصيام ، ونبعدكم عن الآثام في الحياة الدنيا ، وندفع عنكم المضرات ، ونجلب لكم المسرات في الآخرة بالشفاعة حيث يتعادى الكفرة وقرناؤهم ، (وَلَكُمْ فِيها) أي الآخرة (ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ) من اللذائذ ، لأنكم منعتموها في الدنيا من الشهوات ، (وَلَكُمْ فِيها) أي الآخرة (ما تَدَّعُونَ) (٣١) أي تطلبون ، (نُزُلاً) حال من «ما تدعون» ، أي حال كون هذا رزقا مهيأ كما يهيأ للضيف مستقرا لكم (مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ) (٣٢).

قال العارفون : هذه الآية تدل على أن هذه الأشياء جارية مجرى المهيأ للضيف ، والكريم جل وعلا إذا أعطى النزل فلا بد وأن يبعث الخلع النفيسة بعدها ، وتلك الخلع ليست إلا السعادات الحاصلة عند رؤيته تعالى ، (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ) أي لا أحد أحسن من جهة القول ممن دعا إلى الطاعة الله (وَعَمِلَ صالِحاً) ، أي والحال أنه قد عمل صالحا في نفسه ، وللدعوة إلى الله مراتب :

الأولى : دعوة الأنبياء بالمعجزات وبالحجج وبالسيف.

والثانية : دعوة العلماء إلى الله تعالى بالبراهين ، فهم نواب الأنبياء في العلم ، أما الملوك فهم نواب الأنبياء في القدرة.

الثالثة : دعوة المجاهدين إلى الله تعالى بالسيف.

الرابعة : دعوة المؤذنين إلى الصلاة فهم دعاة إلى طاعة الله تعالى. (وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (٣٣) أي ابتهاجا بأنه منهم فيكون هذا الرجل موصوفا بخصال أربعة :

٣٦٤

الأولى : الإقرار باللسان ، وهو الدعوة إلى الله بإقامة الدلائل اليقينية.

والثانية : الأعمال الصالحة بالجوارح.

والثالثة : الاعتقاد الحق بالقلب وهاتان داخلتان في قوله تعالى : (وَعَمِلَ صالِحاً).

والرابعة : الاشتغال بإقامة الحجة على دين الله تعالى والموصوف بهذه الخصال الأربعة أفضل الناس وهو سيدنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقرأ ابن أبي عبلة «إني» بنون واحدة. (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ) أي لا تستوي الدعوة إلى دين الحق والصبر على جهالة الكفار ، ولا قولهم : قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه ، ولا تسمعوا لهذا القرآن. (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) أي ادفع جهالتهم بالطريق التي هي أحسن الطرق ، (فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (٣٤). و «إذا» التي هي للمفاجأة ظرف مكان لمعنى التشبيه والموصول مبتدأ ، والجملة بعد خبره ، و «إذا» معمولة لمعنى التشبيه ، والظرف يتقدم على عامله المعنوي أي فالذي بينك وبينه عداوة مشبه في المحبة للصديق في الدين ، القريب في النسب الذي لم تسبق منه عداوة إذا صبرت على سوء أخلاقهم مرة بعد أخرى ، والمعنى : فإذا قابلت أفعال أعدائك القبيحة بالأفعال الحسنة ولم تقابل سفاهتهم بالغضب والإيحاش استحيوا من تلك الأخلاق المذمومة وتركوا تلك الأفعال القبيحة ، وانقلبوا من العداوة إلى المحبة. قيل : نزلت هذه الآية في أبي سفيان بن حرب وكان عدوا مؤذيا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأسلم وصار وليا مصافيا له صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا) أي وما يعطى هذه الخصلة التي هي مقابلة الإساءة بالإحسان إلّا الذين شأنهم الصبر على تحمل المكاره ، وتجرع الشدائد ، (وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) (٣٥) أي وما يوفق على هذه الفعلة ـ أي التي هي دفع السيئة بالحسنة ـ إلّا ذو حظ عظيم من ثواب الآخرة أو من الخلق الحسن. (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) أي وإن يوسوس لك الشيطان بترك ما أمرت به ، بأن صرفك صارف عما شرعت من الدفع بالتي هي أحسن فاستجر بالله من شره يدفعه عنك ، (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (٣٦) لقولك وأفعالك. (وَمِنْ آياتِهِ) الدالة على وجود الله وقدرته (اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) كل منها مخلوق له تعالى ، مسخر لأمره تعالى ، (لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ) لأنهما عبدان مخلوقان مثلكم (وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَ) أي الأربعة (إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) (٣٧) أي إن كنتم تريدون بعبادة الشمس والقمر عبادة الله فلا تعبدوهما فإن عبادة الله في ترك عبادتهما فإن الذين يعبدونهما يقولون : نحن أذل من أن يحصل لنا أهلية عبودية الله تعالى ، ولكنا عبيد للشمس والقمر وهما عبدان لله. (فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ) أي فإن استكبروا عن قبول قولك يا محمد في النهي عن السجود للشمس والقمر ، فدعهم وشأنهم فإن لله عبادا يعبدونه من الملائكة ، أي والله لا يعدم عابدا له أبدا بل يكون من خلقه من يعبده على

٣٦٥

الدوام. (وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ) (٣٨) أي لا يملّون عن عبادة الله تعالى ولا يفترون وموضع السجود عند قوله تعالى : (إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ). وهو قول ابن مسعود والحسن حكاه الرافعي عن أبي حنيفة ، وأحمد لذكر السجود قبيله ، وعند قوله تعالى : (لا يَسْأَمُونَ) وهو قول ابن عباس وابن عمر وسعيد بن المسيب ، وقتادة وحكاه الزمخشري عن أبي حنيفة ، لأن الكلام إنما يتم عنده ، وعند الشافعي عند قوله تعالى : (إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) لكن قال الشربيني والصحيح عند الشافعي عند قوله تعالى : (لا يَسْأَمُونَ) ، (وَمِنْ آياتِهِ) الدالة على قدرته تعالى ووحدانيته. (أَنَّكَ) أيها الإنسان (تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً) أي منكسرة ميتة (فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ) أي تحركت بالنبات (وَرَبَتْ) أي انفتحت ، ثم تصدعت عن النبات.

وقرئ «ربأت» أي ارتفعت ، (إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى) أي إن القادر على احياء الأرض بعد موتها هو القادر على إحياء هذه الأجساد بعد موتها (إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٣٩) أي أنه تعالى قادر على الممكنات ، فوجب أن يكون قادرا على إعادة التركيب والحياة والقدرة والعقل إلى تلك الأجزاء المتفرقة ، (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا) أي يميلون عن الحق في أدلتنا (لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا) في وقت من الأوقات. وقرأ حمزة بفتح الياء والحاء. (أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ) أي الذين يميلون عن الاستقامة في آياتنا بالطعن والتأويل الباطل ، فيلقون في النار خير أم الذين يؤمنون بآيتنا فيأتون آمنين من العذاب يوم القيامة؟ (اعْمَلُوا) يا أهل مكة (ما شِئْتُمْ) من الأعمال المؤدية إلى الإلقاء في النار والإتيان آمنا ، (إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (٤٠) فيجازيكم بحسب أعمالكم ـ وفي ذلك تهديد ـ (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ) أي بالقرآن (لَمَّا جاءَهُمْ) لهم في الآخرة نار جهنم أو يجازون بكفرهم ، (وَإِنَّهُ) أي القرآن (لَكِتابٌ عَزِيزٌ) (٤١) أي غالب عديم النظير ، لأنه بقوة حجته غلب على كل ما سواه ، ولأن الأولين والآخرين عجزوا عن معارضته (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) أي لا تكذبه الكتب المتقدمة عليه كالتوراة والإنجيل والزبور ، وسائر الكتب. ولا يجيء كتاب من بعده يكذبه ، (تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ) في أمره (حَمِيدٍ) (٤٢) في أفعاله (ما يُقالُ لَكَ إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ) ، أي ما يقول لك كفار قومك إلا مثل ما قد قال للرسل كفار قومهم من الكلمات المؤذية والمطاعن في الكتب المنزلة ، (إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ) للمحقين ، (وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ) (٤٣) للمبطلين ، ففوض هذا الأمر إلى الله تعالى ، واشتغل بما أمرت به ـ وهو التبليغ والدعوة إلى الله تعالى ـ (وَلَوْ جَعَلْناهُ) أي هذا الذكر (قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا) أي كفار مكة : (لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُ) أي لولا بيّنت آياته بلسان نفهمه؟ (أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌ) أي أكلام أعجمي ورسول أو مرسل إليه عربي. والمعنى : أنا لو أنزلنا هذا القرآن بلغة العجم لكان لهم أن يقولوا : كيف أرسلت الكلام العجمي إلى القوم العرب ، ويصح لهم أن يقولوا : قلوبنا في أكنة تدعونا إليه ، أي من هذا الكلام. وفي آذاننا وقر منه لا نفهمه ، ولا نحيط

٣٦٦

بمعناه ، ولما أنزلنا هذا الكتاب بلغة العرب وأنتم من أهل هذه اللغة فكيف يمكنكم ادعاء أن قلوبكم في أكنة منها ، وفي آذانكم وقر منها. وقرئ «أعجمي» على الأخيار بأن القرآن أعجمي ، والمتكلم والمخاطب عربي ، ويجوز أن يراد : هلا فصلت آياته فجعل بعضها أعجميا لإفهام العجم وبعضها عربيا لإفهام العرب. (قُلْ هُوَ) أي القرآن (لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً) ، لأنه دليل على الخيرات ويرشد إلى كل السعادات ، (وَشِفاءٌ) لأنه إذا أمكنهم الاهتداء فقد حصل لهم الهدى ، فذلك الهدى شفاء لهم من مرض الكفر والجهل ، (وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ) ، أي والذين لا يؤمنون هو حال كونه كائنا في آذانهم صمم فـ «وقر» خبر للضمير المقدر ، والجملة خبر الموصول ، وفي آذانهم متعلق بمحذوف ، وقع حالا من «وقر» ، (وَهُوَ) أي القرآن (عَلَيْهِمْ عَمًى).

قرأ الجمهور على صيغة المصدر. وقرأ ابن عباس «عم» على صيغة النعت. (أُولئِكَ) الموصوفون بالصمم عن الحق والعمى عن الآيات الظاهرة (يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) (٤٤) ، أي هم مثل البهيمة التي لا تفهم إلا نداء. وقيل : هم كمن ينادون من مكان بعيد لم يسمعوا ، وإن سمعوا لم يفهموا. (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) أي التوراة (فَاخْتُلِفَ فِيهِ) فقبله بعضهم ورده الآخرون فكذلك آتيناك هذا الكتاب فقبله بعضهم ، وهم أصحابك ، ورده آخرون ، وهم الذين يقولون : قلوبنا في أكنة ما تدعونا إليه ، (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) أي لولا عدة سبقت بتأخير العذاب في حق أمتك المكذبة إلى يوم القيامة (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) ، أي بين المكذبين والمصدقين بالعذاب الواقع بالمكذبين في الدنيا ، (وَإِنَّهُمْ) أي كفار قومك (لَفِي شَكٍّ مِنْهُ) ، أي من كتابك (مُرِيبٍ) (٤٥) ، أي موقع في شك ظاهر فلا ينبغي أن يستعظم استيحاشك من قولهم : قلوبنا في أكنة ما تدعونا إليه. (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها) ، أي خفف يا أكرم الرسل على نفسك إعراضهم فإنهم إن آمنوا فنفع إيمانهم يعود عليهم ، وإن كفروا فضرر كفرهم يعود إليهم ، (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (٤٦) وهو يوصل إلى كل أحد ما يليق بعلمه من الجزاء في يوم القيامة ، (إِلَيْهِ) أي إلى ربك (يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ) أي لا يعلم وقت الساعة بعينه إلّا الله ، وكما أن هذا العلم ليس إلّا عند الله فكذلك العلم بحدوث الحوادث المستقبلة في أوقاتها المعينة ليس إلا عند الله تعالى ، ثم ذكر الله تعالى من أمثلة هذا الباب مثالين بقوله : (وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها) أي أوعيتها ، (وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ) حملها (إِلَّا بِعِلْمِهِ) أي إلا ملابسا بعلمه المحيط ، أما أصحاب الكشف فهو من إلهام الله تعالى ، وأما أصحاب علم الرمل وعلم التعبير فلا يمكنهم الجزم في شيء من المطالب ألبتة وإنما غايتهم ادعاء ظن ضعيف ، وما نافية ، ومن في ثمرات ، وفي أنثى زائدة للاستغراق.

وقرأ نافع وابن عامر وحفص عن عاصم «من ثمرات» بالجمع. والباقون «من ثمرة» بالإفراد. (وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ) أي يوم ينادي الله المشركين (أَيْنَ شُرَكائِي) بحسب اعتقادكم؟

٣٦٧

(قالُوا) أي يقولون متبرئين من إثبات الشريك لله تعالى : (آذَنَّاكَ) أي أخبرناك وأسمعناك (ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ) (٤٧) أي ليس أحد منا يشهد بأن لك شريكا. (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ) أي غابت عنهم آلهتهم التي كانوا يعبدونها في الدنيا ، ولا يبصرونها في ساعة التوبيخ ، وظهر لهم عدم نفعها حالتئذ (وَظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) (٤٨) ، أي أيقنوا أنه ليس لهم مهرب من النار (لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ) ، أي من طلب السعة في أسباب المعيشة ، (وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ) (٤٩) أي أصابته ضيقة فهو مبالغ في قطع الرجاء من فضل الله ، ومن رحمته حتى تظهر آثاره في الأحوال الظاهرة. (وَلَئِنْ أَذَقْناهُ) أي الإنسان (رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ) أي من بعد شدة أصابته ، (لَيَقُولَنَّ هذا لِي) ، أي هذه الخيرات إنما حصلت لي بسبب استحقاقي لما حصل عندي من الفضائل وأعمال القربة من الله ، (وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً) أي أن الإنسان يكون شديد الرغبة في الدنيا عظيم النفرة عن الآخرة ، فإذا آل الأمر إلى الآخرة يقول : وما أظن الساعة تقوم. (وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ) أي في الآخرة (لَلْحُسْنى) أي للحالة الحسنى من الكرامة وقوله : (إِنَّ لِي) إلخ جواب القسم لسبقه الشرط ، (فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا) أي فلنظهرن لهم أن الأمر على عكس ما تصوروه ، (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ) (٥٠) أي شديد (وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ) عن التعظيم لأمر الله والشفقة على خلق الله (وَنَأى بِجانِبِهِ) ، أي تباعد عن الشكر بكليته تعظما ، (وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ) أي أصابه فقر (فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ) (٥١) ، أي أقبل على دوام الدعاء ، وأخذ في التضرع (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) (٥٢) أي قل لهم يا أشرف الخلق : أخبروني إن كان هذا القرآن من الله ، ثم كفرتم به من أضل منكم ، فإن حالكم في معاداة شديدة مع محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وإنكم كلما سمعتم هذا القرآن أعرضتم عنه وما تأملتم فيه ، وبالغتم في النفرة عنه حتى قلتم قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه ، وفي آذاننا وقر (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ) أي سنرى أهل مكة علامات وحدانيتنا وقدرتنا في أطراف الأرض من خراب مساكن الأمم الماضية ، كعاد وثمود ، وسنريهم ذلك في أنفسهم من الأمراض والمصائب وغير ذلك. (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ) أي أن هذا القرآن هو الحق المنزل من الله ، (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (٥٣) و «بربك» فاعل ، والباء مزيدة ، و «أنه» بدل منه ، أي أو لم يكفهم أن ربك على كل شيء شهيد ، ولم يغنهم أخباره للأمم الماضية (أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ) أي إن أهل مكة في شك عظيم من البعث والقيامة ، (أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ) (٥٤) أي إن الله عالم بجميع المعلومات التي لا نهاية لها فيعلم بواطن هؤلاء الكفار وظواهرهم ، ويجازي كل أحد على فعله بحسب ما يليق به ، إن خيرا فخير وإن شرا فشر.

٣٦٨

سورة الشورى

وتسمى سورة حم عسق ، وسورة حم سق ، مكية ثلاث وخمسون آية ، ثمانمائة

وست وثمانون كلمة ، ثلاثة آلاف وخمسمائة وثمانية وثمانون حرفا

بسم الله الرحمن الرحيم

(حم (١) عسق) (٢) اسمان للسورة ولذلك فصل بينهما وعدا آيتين. وقرأ ابن عباس وابن مسعود «حم سق» ، وهما خبران لمبتدأ محذوف. (كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٣) أي مثل ما في السورة من المعاني أوحى الله القادر على ما لا نهاية له ، العالم بجميع المعلومات الغني عن جميع الحاجات إليك في سائر السور وإلى من قبلك من الرسل في كتبهم. وقرأ ابن كثير «يوحي» بالبناء للمفعول. ويروى أيضا عن أبي عمرو على أن «كذلك» مبتدأ و «يوحي» خبره المسند إلى ضمير عائد عليه واسم الجلالة مرفوع بما دل عليه «يوحي» ، أي الموحي الله. وقرأ أبو حيوة والأعمش وأبان «نوحي» بنون العظمة ، فاسم الجلالة مبتدأ ، وعلى هاتين القراءتين فالوقف على من قبلك كاف بخلاف قراءة الجمهور فلا يوقف عليه ، (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) فكل من كان موجودا في السموات فهو عبد الله ، فوجب أن يكون الله منزها عن الكون في المكان والجهة ، والعرش والكرسي ، (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) (٤) أي هو المتعالي عن مشابهة الممكنات ، ومناسبة المحدثات ، العظيم بالقدرة وكمال الإلهية فهو تعالى أعلى كل شيء وأعظم كل شيء ، (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَ) أي يتشققن من هيبة الله تعالى وعظمته ، ويبتدئ التشقق من جهتهن الفوقانية.

قرأ أبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر «تكاد» بالتاء «ينفطرن» بنون ساكنة بعد الياء ، وابن كثير وابن عامر وحمزة ، وحفص عن عاصم «تكاد» بالتاء «يتفطرن» بالتاء المفتوحة بعد الياء ، ونافع والكسائي «يكاد يتفطرن» بالتاء ، ومن قرأ «تكاد» بالتاء الفوقية يجوز الوجهين في ينفطرن ، ومن قرأ «يكاد» بالياء التحتية لا يقرأ «يتفطرن» إلا بالتاء الفوقية. (وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) أي والملائكة ينزهون الله تعالى عمّا لا ينبغي ملتبسين بوصفه تعالى بكونه مفيضا لكل الخيرات ، (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ) أي يطلبون تجاوز الذنوب عن المؤمنين وتأخير العقوبة عن

٣٦٩

الكافرين والفاسقين طمعا في إيمانهم وتوبتهم ، ويطلبون الرزق لهم وحيث لم يذكر الله تعالى عن الملائكة استغفارهم لأنفسهم علمنا أنهم مبرأون عن كل الذنوب (أَلا إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (٥) فإن الله تعالى يعطي المغفرة التي طلبوها ، ويزيدهم على ما طلبوه رحمة كاملة ، (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) أي أربابا يعبدونهم من الأصنام (اللهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ) أي رقيب على أعمالهم فيجازيهم عليها (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) (٦) ، أي ما أنت يا أشرف الرسل بموكول إليك أمرهم ولا قسرهم على الإيمان إنما أنت منذر فقط ، (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها) أي كما أوحينا إليك أنك لست حفيظا عليهم ولست وكيلا عليهم ، فكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتكون نذيرا لأهل أم القرى ، ولمن حولها من سائر الناس ، (وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ) أي يوم القيامة فيجتمع فيه أهل السموات مع أهل الأرض (لا رَيْبَ فِيهِ) والوقف هنا كاف (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) (٧) أي بعد جمعهم في الموقف ، فـ «فريق» مبتدأ خبره الظرف بعده. وقرئ بالنصب على الحالية وتنذر يوم جمعهم متفرقين في داري الثواب والعقاب. (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَهُمْ) في الدنيا (أُمَّةً واحِدَةً) أي على دين واحد وهو إما الإسلام أو الكفر ، ولكن الله جعل البعض مؤمنا والبعض كافرا ، وهو معنى قوله تعالى : (وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ) أي يدخل الله في رحمته من يشاء أن يدخله فيها ، ويدخل في عذابه من يشاء أن يدخله فيه ، (وَالظَّالِمُونَ) أي الكافرون (ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍ) أي قريب ينفعهم ، (وَلا نَصِيرٍ) (٨) أي مانع يمنعهم من عذاب الله تعالى ، (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) أي بل اتخذوا متجاوزين الله أولياء من الأصنام وغيرها ، هيهات (فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى) أي إن أرادوا وليا بحق ، فالله هو الولي بحق لا ولي سواه ، لأنه يحيي الموتى (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٩) فهو حقيق بأن يتخذ وليا دون من لا يقدر على شيء (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ) أي وما خالفكم الكفار فيه من أمور الدين فاختلفتم أنتم وهم ، (فَحُكْمُهُ) راجع (إِلَى اللهِ) وهو إثابة المحقين ومعاقبة المبطلين ، (ذلِكُمُ اللهُ رَبِّي) أي ذلكم الحاكم بينكم هو الله مالكي (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) في دفع كيد الأعداء ، وفي طلب كل خير ، (وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) (١٠) أي وإليه تعالى أرجع في كل المهمات لا إلى أحد سواه (فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) بالرفع خبر خامس لـ «ذلكم» ، أو مبتدأ خبره ما بعده. وقرئ بالجر على أنه بدل من الضمير ، أو وصف لاسم الجلالة المجرور بـ «إلى». (جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) أي من جنسكم من الناس (أَزْواجاً) أي نساء (وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً) أي وجعل للأنعام من جنسها أصنافا ، ذكرا وأنثى (يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ) ، أي يكثركم بسبب هذا الجعل ، لأن الناس والأنعام يتوالدون به (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) ، أي ليس كذاته تعالى ذوات ، وليس كصفاته تعالى صفات ، (وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (١١) للمسموعات والمرئيات ، (لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي له تعالى مفاتيح الرزق من السموات والأرض ، وهي الأمطار والنباتات (يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ

٣٧٠

وَيَقْدِرُ) أي يوسعه لمن يشاء ويقتر ، (إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (١٢) فيفعل كل ما يفعل على ما ينبغي أن يفعل عليه (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ) ، أي اختار الله لكم يا أمة محمد من الدين ما وصى به نوحا ومحمدا ، وإبراهيم وموسى وعيسى ، فهم أكابر الأنبياء وأصحاب الشرائع العظيمة ، و «أن» تفسيرية بمعنى أي ، أو مصدرية في محل نصب بدل من الموصول ، أو في محل جر بدل من «الدين» ، أو في محل رفع خبر مبتدأ مضمر تقديره هو أن أقيموا دين الإسلام ، (وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) أي لا تختلفوا في أصل الدين الذي لا تختلف فيه الشرائع وهو التوحيد والصلاة ، والصيام والحج ، والتقرب إلى الله بصالح العمل ، والصدق والوفاء بالعهد ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وتحريم الكفر ، والقتل والزنا والإذاية للخلق ، والاعتداء على الحيوان ، واقتحام الدنا آت ، وما يعود بخرم المروعات ، فهذا كله لم يختلف على ألسنة الأنبياء ، (كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ) أي شق عليهم ما تدعوهم إليه من إقامة دين الله تعالى ، (اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ) أي الله يقرب إلى ما تدعوهم إليه من يشاء وهو من ولد في الإسلام ويميت عليه (وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) (١٣) أي ويرشد إليه من يميل إليه من أهل الكفر ، (وَما تَفَرَّقُوا) أي المشركون في الدين الذي دعوا إليه ، (إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ) بحقيقته (بَغْياً بَيْنَهُمْ) أي حسدا منهم ، وطلبا للرئاسة ، فصار ذلك سببا لوقوع الاختلاف (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) ، أي ولولا عدة ثبتت في الأزل من ربك بتأخير عذاب هذه الأمة إلى وقت معلوم ـ وهو يوم القيامة ـ لأوقع القضاء بينهم من هلاكهم بالاستئصال في الدنيا ، (وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ) (١٤) أي وإن أهل الكتاب من اليهود والنصارى كانوا في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الذين أعطوا كتابهم ، الذي هو التوراة والإنجيل من بعد المختلفين في الحق لفي الشك من كتابهم موقع في قلق النفس ، لا يؤمنون به حق الإيمان ، (فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ) أي فلأجل ما حدث من الاختلافات الكثيرة في الدين ، فادع الناس كافة إلى الاتفاق على الملّة الإسلامية ، واستقم عليها وعلى الدعوة إليها كما أمرك الله تعالى ولا تتبع أهواءهم المختلفة الباطلة ، (وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ) أي وقل يا أكرم الرسل : آمنت بما أنزل الله على الأنبياء من كتاب صح أن الله أنزله ، وهو الإيمان بجميع الكتب المنزلة ، لأن المتفرقين آمنوا ببعض منها وكفروا ببعض ، (وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ) أي وأمرت بأن أعدل بينكم في الحكم إذا تخاصمتم فتحاكمتم إلي ، وأسوي بين أكابركم وأصاغركم فيما يتعلق بحكم الله تعالى ، (اللهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) (١٥) أي إن إله الكل واحد وكل واحد مخصوص بعمل نفسه ، لا خصومة بيننا وبينكم في الدين ، لأن الحق قد ظهر ولم يبق للمخاصمة مجال ، ولا للمخالفة محل سوى العناد ، وبعده لا جدال ، فإن الله يجمع

٣٧١

بين الكل يوم القيامة ويجازيه على عمله ، لأن مرجع الكل إليه تعالى فيظهر هناك حالنا وحالكم ، (وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ) أي والذين يخاصمون في دين الله من بعد ما استجاب الناس لذلك الدين ودخلوا فيه حجتهم باطلة عند ربهم ، وتلك المخاصمة هي أن اليهود قالوا : ألستم تقولون : إن الأخذ بالمتفق عليه أولى من الأخذ بالمختلف فيه ، فنبوة موسى وحقيقة التوراة معلومة بالاتفاق ، ونبوة محمد ليست متفقا عليها فحينئذ وجب الأخذ باليهودية ، فبيّن الله تعالى أن هذه الحجة فاسدة ، وذلك لأن اليهود أطبقوا على أنه إنما وجب الإيمان بموسى عليه‌السلام ، لأجل ظهور المعجزات على وفق قوله عليه‌السلام ، وقد ظهرت المعجزات على وفق قول محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، واليهود شاهدوا تلك المعجزات ، فإن كان ظهور المعجزة يدل على صدق صاحبها وجب الاعتراف بنبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وإن كان لا يدل على صدقه وجب أن لا يقروا بنبوة موسى عليه‌السلام ، والإقرار بنبوة موسى مع الإنكار بنبوة محمد مع استوائهما في ظهور المعجزات باطل ، لأنه متناقض (وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ) لمكابرتهم الحق بعد ظهوره ، (وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) (١٦) في الآخرة (اللهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ) أي القرآن وسائر الكتب المنزلة قبلك (بِالْحَقِ) ، أي بالصدق (وَالْمِيزانَ) ، أي الشرع الذي يوزن به الحقوق ويسوى بين الناس ، (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ) (١٧) أي أيّ شيء يجعلك عالما بأن الساعة التي يخبر بمجيئها الكتاب شيء قريب ، فوجب على العاقل أن يجتهد في النظر ويترك طريقة أهل التقليد ، ولمّا كان الرسول يهددهم بنزول القيامة قالوا على سبيل السخرية : متى تقوم القيامة ، وليتها قامت ، فيظهر لنا أن الحق ما نحن عليه ، أو ما عليه محمد وأصحابه ، فدفع الله ذلك فقال : (يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها) استعجال إنكار واستهزاء (وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها) أي خائفون من قيامها وأهوالها لعلمهم أن التوبة تمتنع عندها ، (وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُ) أي الكائنة بلا شك (أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) (١٨) أي إن الّذين يدخلهم الشك في وقوع الساعة فيجادلون فيها لفي ضلال بعيد عن الصواب ، لأن استيفاء حق المظلوم من الظالم واجب في العدل ، فلو لم يحصل القيامة لزم إسناد الظلم إلى الله تعالى ، وهذا محال. فكان إنكار القيامة ضلالا بعيدا ، (اللهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ) أي كثير الإحسان بهم بالحياة والعقل ودفع أكثر البليات عنهم ، وإعطاء ما لا بد منه من الرزق ، وتأخير العذاب عمن يستحقون العذاب ، (يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ) كيفما يشاء (وَهُوَ الْقَوِيُ) أي القادر على ما يشاء ، (الْعَزِيزُ) (١٩) أي الذي لا يغالب فلا يقدر أحد أن يمنعه عن شيء يريده ، (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ) أي من كان يريد بأعماله ثواب الآخرة ، نزد له ثوابه بالتضعيف إلى ما نشاء ، ونزد له في تسهيل سبيل الطاعات ، ونعطه من الدنيا ما كتبناه له ، (وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) (٢٠) أي ومن كان يريد بأعماله متاع الدنيا نعطه بعض ما يطلبه حسب ما قسمنا له ، وما له

٣٧٢

في الآخرة ثواب ، لأنه عمل للدنيا ، (أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ) أي : الكفار مكة شياطينهم الذين زينوا لهم ما لم يأمر الله تعالى من الشرك ، وإنكار البعث ، والعمل للدنيا؟! فإنها على ضد دين الله ، (وَلَوْ لا كَلِمَةُ الْفَصْلِ) أي القضاء السابق بتأخير الجزاء إلى يوم القيامة (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) أي بين الكافر والمؤمنين في الدنيا ، (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ) أي الذين اختاروا ما لم يأذن به الله (لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٢١).

وقرأ بعضهم «وأن» بفتح الهمزة عطفا على كلمة الفصل ، أي ولولا الوعد بأن الفصل بينهم يكون يوم القيامة ، وتقدير عذاب الظالمين في الآخرة لقضي بينهم في الدنيا ، (تَرَى الظَّالِمِينَ) يوم القيامة (مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا) أي خائفين خوفا شديدا من جزاء ما عملوا في الدنيا من السيئات ، (وَهُوَ) جزاؤه (واقِعٌ بِهِمْ) يوم القيامة فلا ينفعهم الحذر ، (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ) أي مستقرون في أطيب بقاع الجنات ، (لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ) أي ما يشتهونه من فنون المستلذات حاصل عند ربهم ، فإن كل الأشياء حاضرة عنده مهيأة ، (ذلِكَ) أي جزاء الإيمان والعمل الصالح (هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) (٢٢) ، أي فإن الثواب غير واجب على الله وإنما يحصل بطريق الفضل من الله تعالى لا بطريق الاستحقاق ، (ذلِكَ) أي الفضل الكبير (الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ) في الدنيا (عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ).

قرأ نافع وابن عامر ، وعاصم بضم الياء وفتح الباء وكسر الشين والباقون بفتح الياء وسكون الباء وضم الشين. (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) أي قل يا أشرف الخلق لأهل مكة : لا أسألكم أجرا قط على التبليغ ببشارة ونذارة ، ولكن أسألكم المودة متمكنة في أهل القرابة ، وحب آل محمد واجب. قال الشافعي رضي‌الله‌عنه :

واهتف بساكن خيفها والناهض

 

يا راكبا قف بالمحصب من منى

فيضا كما نظم

 

سحرا إذا فاض الحجيج إلى منى

فليشهد الثقلان أني رافضي

 

إن كان رفضا حب آل محمد

(وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً) أي ومن يكتب أي حسنة كانت ـ كالمودة للقربى ـ نزد له في تلك الحسنة تضعيف ثوابها. وقرئ «يزد» بالياء أي يزد الله. وقرئ «حسنى». (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ) (٢٣) أي أنه تعالى يحسن إلى المطيعين في إيصال الثواب إليهم وفي التفضل عليهم بزيادة أنواع كثيرة على ذلك الثواب. (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) أي بل يقولون : اختلق محمد على الله كذبا بدعوى النبوة ، وتلاوة القرآن ، فاغتم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بذلك فقال الله تعالى : (فَإِنْ يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ) ، أي لو كان القرآن افتراء عليه تعالى لشاء عدم صدوره عنك ، وإن يشأ ذلك يختم على قلبك بحيث لم يخطر ببالك معنى من معانيه ، ولم تنطق بحرف من حروفه ، وحيث تواتر الوحي حينا فحينا تبين أنه من عند الله ، ومن عادة الله ابطال الباطل

٣٧٣

وتقرير الحق بوحيه فلو كان افتراء كما زعموا لمحقه (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (٢٤) فيجري عليها أحكامها اللائقة بها من المحو والإثبات ، (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ).

وروى جابر أن أعرابيا دخل مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال : اللهم إني أستغفرك وأتوب إليك وكبّر ، فلما فرغ من صلاته قال له علي : يا هذا ، إن سرعة اللسان بالاستغفار توبة الكذابين ، فتوبتك هذه تحتاج إلى التوبة ، فقال : يا أمير المؤمنين وما التوبة؟ قال : اسم يقع على ستة معان على الماضي من الذنوب : الندامة ، ولتضييع الفرائض الإعادة ، ورد المظالم ، وإذابة النفس في الطاعة كما ربيتها في المعصية ، وإذاقتها مرارة الطاعة كما أذقتها حلاوة المعصية والبكاء ، بدل كل ضحك ضحكته ، (وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ) ، فتارة يعفو عن الذنوب بواسطة قبول التوبة وتارة يعفو ابتداء من غير توبة ، (وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ) (٢٥) من خير وشر ، فيجازي التائب ويتجاوز عن غير التائب. وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم على المخاطبة. والباقون بالياء على المغايبة. (وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أي يجيب الله دعاءهم (وَيَزِيدُهُمْ) على ما طلبوه بالدعاء (مِنْ فَضْلِهِ). وقال عطاء عن ابن عباس والمعنى : ويثيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله سوى ثواب أعمالهم تفضلا منه. (وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) (٢٦) بدل ما للمؤمنين من الثواب ، والفضل المزيد. (وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ) أي ولو سوى الله الرزق بين الكل لامتنع كون البعض خادما للبعض ، ولو صار الأمر كذلك لخرب العالم ، وتعطّلت المصالح.

وقال ابن عباس : ولو وسع الله المال على عباده لطلبوا منزلة بعد منزلة ، ودابة بعد دابة ، ومركبا بعد مركب ، وملبسا بعد ملبس ، (وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ) أي بتقدير (ما يَشاءُ) أن ينزله. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بسكون النون (إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ) (٢٧) أي إنه عالم بأحوال الناس وبعواقب أمورهم ، فيقدر أرزاقهم على وفق مصالحهم ، (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ) أي المطر الذي يغيثهم من الجدب (مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا) أي من بعد يأسهم من نزوله. وقرأ نافع وابن عامر وعاصم «ينزل» بتشديد الزاي. وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش بكسر نون «قنطوا». (وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ) أي منافع الغيث وما يحصل به من الخصب ، (وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ) (٢٨) أي وهو الّذي يتولى عباده بإحسانه ، المحمود على ما يوصل للخلق من أقسام الرحمة ، (وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ) ، و «ما» معطوف على «السموات» ، أي وخلق ما نشر الله فيهما من حي. (وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ) (٢٩) أي وهو تعالى على جمع العقلاء للمحاسبة في أي وقت يشاء قدير ، (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) أي فهي بسبب معاصيكم التي اكتسبتموها ، فـ «ما» متضمنة لمعنى الشرط ، ولذلك جاءت الفاء في جوابها. وقرأ نافع وابن عامر «بما كسبت» بغير فاء ، فـ «ما» بمعنى الذي ، و «بما كسبت» خبره. والمعنى : والّذي

٣٧٤

أصابكم من الأحوال المكروهة وقع بما كسبت أيديكم ، (وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) (٣٠) من الذنوب فإن الذنوب قسمان : قسم يعجل العقوبة عليه في الدنيا بالمصائب ، وقسم يعفو عنه وهو أكثر. (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ) أي بفائتين ما قضي عليكم من المصائب ، وإن هربتم من أقطارها كل مهرب ، (وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍ) يحميكم منها (وَلا نَصِيرٍ) (٣١) يدفعها عنكم ، (وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ) أي السفن الجارية (فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ) (٣٢) أي كالجبال.

وقرأ نافع وأبو عمرو بالياء وصلا ، وابن كثير وهشام بها وقفا. والباقون بحذفها للتخفيف. (إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ) التي تجري بها السفن. وقرأ نافع وحده «الرياح» على الجمع. (فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ) أي يصرن ثوابت على ظهر البحر ، أي غير جاريات ، (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) (٣٣) فإن كان المؤمن في البلاء كان من الصابرين ، وإن كان في النعماء كان من الشاكرين ، فلا يكون من الغافلين عن دلائل معرفة الله ألبتة ، (أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا). والمعنى : أنه تعالى إن شاء ابتلى المسافرين في البحر بإحدى بليتين إما أن يسكن الريح فتقف الجواري على متن البحر ، وإما أن يرسل الرياح عاصفة فيها فيهلكن بسبب الإغراق بمعصيتهم (وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ) (٣٤) أي إن يشأ يهلك ناسا وينج ناسا على طريق العفو عنهم. وقرأ الأخفش «ويعفو» بالواو. وقرأ بعض أهل المدينة بالنصب بإضمار «أن» بعد الواو ، (وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) (٣٥).

وقرأ نافع وابن عامر بالرفع على الاستئناف. والباقون بالنصب عطف على علة مقدرة تقديره : لينتقم منهم وليعلم إلخ. وقرئ بالجزم عطفا على «يعف» فيكون المعنى : وإن يشأ يجمع بين ثلاثة أمور إهلاك قوم ، وإنجاء قوم ، وتحذير قوم ، وعلى هذا فلا يوقف على كثير بخلاف القراءتين الأوليين ، فالوقف عليه تام ، فمعنى الآية : وليعلم الّذين ينازعون في آياتنا على وجه التكذيب أن لا مخلص لهم إذا وقفت السفن ، وإذا عصفت الرياح فيصير ذلك سببا لاعترافهم بأن الإله النافع الضار ليس إلّا الله ، (فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) أي فما أعطيتم مما تتنافسون فيه من أثاث فهو ما تتمتعون به مدة حياتكم (وَما عِنْدَ اللهِ) من الثواب (خَيْرٌ) ما عندكم (وَأَبْقى) زمانا (لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (٣٦).

وعن علي رضي الله : أنه تصدّق أبو بكر رضي‌الله‌عنه بماله كله ، فلامه جمع من المسلمين فنزلت هذه الآية. (وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ) كالغيبة والنميمة ، (وَالْفَواحِشَ) كالقتل والزنا والسرقة.

وقرأ حمزة والكسائي «كبير الإثم» بالإفراد والموصول معطوف على الذين آمنوا ، وكذا ما بعده ، (وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) (٣٧). «وإذا» منصوبة بـ «يغفرون» ، و «يغفرون» خبر لـ «هم» ، والجملة بأسرها عطف على «يجتنبون» ، والتقدير : والذين يجتنبون وهم يغفرون عطف اسمية على فعلية. (وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ) أي أجابوا لربهم بالتوحيد والطاعة (وَأَقامُوا الصَّلاةَ) أي أدوا

٣٧٥

الصلوات الخمس بشروطها وهيئاتها (وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ) ، أي إذا أرادوا أمرا تشاوروا فيما بينهم فيه ، ثم عملوا به ولا يعجلون في أمورهم (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ) ، أي أعطيناهم من المال (يُنْفِقُونَ) (٣٨) أي في سبيل الخير (وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ) أي المظلمة (هُمْ يَنْتَصِرُونَ) (٣٩) ، أي ينصفون بالقصاص لا بالمكابرة ، وكانوا يكرهون أن يذلّوا أنفسهم فيجترئ عليهم السفهاء ، (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) أي جزاء جناية مثل تلك الجناية (فَمَنْ عَفا) عن المسيء إليه ، (وَأَصْلَحَ) بينه وبين خصمه بترك المكافأة (فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (٤٠) أي البادئين بالسيئة ، والمتعدين في الانتقام.

واعلم أن العفو على قسمين :

أحدهما : أن يصير العفو سببا لتسكين الفتنة ولرجوعه عن جنايته ، فآيات العفو محمولة على هذا القسم.

وثانيهما : أن يصير العفو سببا لمزيد جراءة الجاني ولقوة غضبه ، فآية الانتقام محمولة على هذا. (وَلَمَنِ انْتَصَرَ) أي سعى في نصر نفسه بطاقته وانتصف بالقصاص (بَعْدَ ظُلْمِهِ) أي بعد ظلم الظالم إياه. وقرئ «بعد ما ظلم». (فَأُولئِكَ) أي المنتصرون (ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ) (٤١) أي من مأثم وعقاب لأنهم فعلوا ما أبيح لهم ، (إِنَّمَا السَّبِيلُ) أي المأثم (عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ) أي يبدءون بالظلم أو يجاوزون في الانتقام ، (وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ) أي يتكبرون في الأرض بلا حق ، (أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٤٢) بسبب ظلمهم وتطاولهم ، (وَلَمَنْ صَبَرَ) على الأذى بأن لا يقتص ، (وَغَفَرَ) لمن ظلمه وفوض أمره إلى الله تعالى ، (إِنَّ ذلِكَ) ، أي الصبر والتجاوز (لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (٤٣) أي من مطلوبات الله تعالى في الأمور. قيل : نزل قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ) إلى قوله تعالى : (لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) في شأن أبي بكر الصدّيق وعمرو بن غزية الأنصاري في تنازع بينهما ، فشتم الأنصاري أبا بكر الصديق ، فأنزل الله تعالى في شأنهما هذه الآيات. (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ) أي من أضله الله تعالى عن هذه الأشياء فليس له من هاد يهديه من بعد إضلال الله إياه ، (وَتَرَى الظَّالِمِينَ) أي المشركين يوم القيامة (لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ) أي حين يرونه (يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ) (٤٤) ، أي هل إلى رجوع إلى الدنيا من حيلة ، (وَتَراهُمْ) في ذلك اليوم (يُعْرَضُونَ عَلَيْها) أي النار والخطاب في الموضعين لكل من تتأتى منه الرؤية (خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِ) ، أي حال كونهم حقيرين بسبب ما لحقهم من الذل ، (يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍ) أي يبتدئ نظرهم إلى النار من تحريك لأجفانهم ، ضعيف كما ينظر المقتول إلى السيف. (وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا) على سبيل التعبير للكافرين : (إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) باستغراقها في العذاب (وَأَهْلِيهِمْ) بمفارقتهم لهم ، (يَوْمَ الْقِيامَةِ) ظرف لـ «قال» ، وصيغة الماضي للدلالة على التحقيق ، أي يقولون يوم القيامة ـ إذا رأوهم على تلك

٣٧٦

الصفة ـ : (أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ) أي المشركين (فِي عَذابٍ مُقِيمٍ) (٤٥) ، أي دائم ـ وهذا من كلام الله تصديقا للمؤمنين ، أو من تمام كلامهم ـ (وَما كانَ لَهُمْ) أي المشركين (مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ) برفع العذاب عنهم (مِنْ دُونِ اللهِ) حسبما كانوا يرجون ذلك في الدنيا ، (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ) عن دينه (فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ) (٤٦) أي دين (اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ) إذ دعاكم إلى الإيمان على لسان نبيه ، (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ) وقوله : (مِنَ اللهِ) إما صلة للأمر أي لا يرده الله بعد ما حكم به وإما صلة ليأتي أي من قبل أن يأتي من الله يوم لا يقدر أحد على رده ، (ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ) ينفع في التخلص من العذاب (يَوْمَئِذٍ) أي في ذلك اليوم ، (وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ) (٤٧) أي لا تقدرون أن تنكروا شيئا مما اقترفتموه من الأعمال ، لأنه مدون في صحائف أعمالكم وتشهد عليكم جوارحكم ، (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) ، أي فإن لم يقبل هؤلاء هذا الأمر فإنا لم نرسلك لتقهرهم على امتثال ما أرسلناك به ، (إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ) لما أرسلناك به وقد فعلت ، (وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً) أي نعمة من الصحة والغنى والأمن ، (فَرِحَ بِها) وأعجب بها غير شاكر لها ، (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ) أي بلاء من مرض وفقر وخوف (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) أي بما عملوه من المعاصي (فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ) (٤٨) أي فيظهر منه الكفر ونسيان النعمة ، وذكر البلية من غير تأمل لسببها (لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فيتصرف فيهما وما فيهما كيفما يشاء ويقسم النعمة والبلية حسبما يريده ، (يَخْلُقُ ما يَشاءُ) كيف يشاء (يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً) من الأولاد (وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ) (٤٩) منهم ، (أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً) أي يخلطهم ذكرانا وإناثا ، (وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً) أي بلا ولد ، (إِنَّهُ عَلِيمٌ) بما خلق (قَدِيرٌ) (٥٠) على ما يشاء أن يخلقه (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ) ، أي وما صح لفرد من أفراد البشر أن يكلمه الله إلّا على أحد ثلاثة أوجه : إما أن الله يلهمه في قلبه لا بواسطة شخص آخر ولا بسمع عين كلام الله كما في أم موسى ، وكما في رؤية إبراهيم عليه‌السلام في المنام بذبح ولده. وإما أن الله يوصل إليه الوحي لا بواسطة شخص آخر ولكنه يسمع عين كلام الله من غير رؤية ذاته تعالى ، كما وقع لموسى عليه‌السلام. وإما أن الله يوصل إليه الوحي بواسطة شخص آخر وهو جبريل. وهذا هو الّذي يجري بينه وبين الأنبياء في أكثر الأوقات من الكلام.

روي أن اليهود قالت للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ألا تكلم الله وتنظر إليه إن كنت نبيا كما كلمه موسى ونظر إليه فإنا لن نؤمن حتى تفعل فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لم ينظر موسى إلى الله تعالى» فنزلت هذه الآية. وقرأ نافع برفع «يرسل» بإضمار المبتدأ أي ، أو هو يرسل ، أو بالعطف على ما يتعلق به من وراء إذ التقدير ، أو بسمع من وراء حجاب و «وحيا» في موضع الحال عطف عليه ذلك المقدر المعطوف عليه أو يرسل ، والتقدير : إلا موحيا أو مسمعا من وراء حجاب أو مرسل رسول ، وكذلك «فيوحي»

٣٧٧

فسكنت ياؤه ، وأما على قراءة الجمهور بنصب «يرسل» و «يوحي» فهو معطوف على المضمر الذي يتعلق به «من وراء حجاب» ، هذا الفعل المقدر على «وحيا» ، والمعنى : إلا بوحي أو إسماع للكلام من وراء حجاب أو إرسال رسول. ويقال : التقدير وما كان لبشر أن يكلمه الله إلّا أن يوحي إليه وحيا ، أو يسمع إسماعا من وراء حجاب ، أو يرسل رسولا (إِنَّهُ عَلِيٌ) عن صفات المخلوقين (حَكِيمٌ) (٥١) يجري أفعاله على موجب الحكمة ، فيتكلم تارة بغير واسطة على سبيل الإلهام. وثانيا بإسماع الكلام. وثالثا : بتوسيط الملائكة الكرام. (وَكَذلِكَ) أي مثل ذلك الإيحاء (أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا) أي حال كون الروح وهو القرآن بعض ما نوحيه إليك ، لأن الموحى إليه لا ينحصر في القرآن وسمي القرآن روحا ، لأنه يفيد الحياة من موت الجهل والكفر. (ما كُنْتَ تَدْرِي) قبل الوحي (مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ) أي أي شيء هو القرآن والإيمان بتفصيل ما في القرآن من الأمور التي لا تهتدي إليها العقول ، (وَلكِنْ جَعَلْناهُ) أي الروح الذي أوحينا إليك (نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ) هدايته (مِنْ عِبادِنا) ، وهو الذي يصرف اختياره إلى جهة الاهتداء به ، (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي) بذلك النور من تشاء هدايته (إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٥٢) ، أي دين حق. وقرئ «التهدي» بالبناء للمفعول أي ليهديك الله. وقرئ «لتدعو». (صِراطِ اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) أي فالذي تجوز عبادته هو الذي يملك السموات والأرض ، (أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) (٥٣) أي أمور الخلائق في الآخرة فلا حاكم سواه ، فيجازي كلا منهم بما يستحقه من ثواب أو عقاب.

٣٧٨

سورة الزخرف

مكية ، تسع وثمانون آية ، ثمانمائة وثلاث وثلاثون كلمة ، ثلاثة آلاف وأربعمائة حرف

بسم الله الرحمن الرحيم

(حم (١) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ) (٢) أي والكتاب المبين لطريق الهدى من طريق الضلالة ، الموضح لكل ما يحتاج إليه في أبواب الديانة. (إِنَّا جَعَلْناهُ) أي إنا صيّرنا الكتاب (قُرْآناً عَرَبِيًّا) أي بلغة العرب ، (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (٣) أي لكي تفهموه وتعرفوا حق النعمة في ذلك ، (وَإِنَّهُ) أي الكتاب (فِي أُمِّ الْكِتابِ) أي مثبت في أصل الكتب السماوية ، وهو اللوح المحفوظ ، وقرأ حمزة والكسائي بكسر همزة «أم الكتاب». (لَدَيْنا) أي محفوظ عندنا من التغيير (لَعَلِيٌ) أي رفيع الشأن (حَكِيمٌ) (٤) أي محكم في أبواب البلاغة والفصاحة (أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً) أي أنترككم فنبعد عنكم المواعظ إبعادا ، وهذا استفهام على سبيل الإنكار (أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ) (٥) ، وقرأ حمزة والكسائي ونافع بكسر الهمزة على أنها شرطية لقصد تجهيل المخاطب ، والباقون بالفتح على التعليل أي إنا لا نترك هذا الإنذار بسبب كونكم منهمكين في الإسراف ، وهذا الكلام يحتمل الرحمة والمبالغة في التغليظ ، فالمعنى على الأول : إنا لا نترككم مع سوء اختياركم ، بل نذكركم إلى أن ترجعوا إلى الطريق الحق ، وعلى الثاني أتظنون أن تتركوا مع ما تريدون؟ كلا ، بل نلزمكم العمل وندعوكم إلى الدين ونؤاخذكم متى أخللتم بالواجب وأقدمتم على القبيح.

قال قتادة : لو أن هذا القرآن رفع حين رده أوائل هذه الأمة لهلكوا ، ولكن الله برحمته كرره عليهم ودعاهم إليه عشرين سنة ، (وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍ) قبلك يا أكرم الرسل (فِي الْأَوَّلِينَ) (٦) أي في الأمم الماضية (وَما يَأْتِيهِمْ) أي والحال أنه ما يأتي الأولين (يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) (٧) أي أن عادة الأمم مع الأنبياء الذين يدعونهم إلى الدين الحق هو التكذيب ، فلا ينبغي أن تتأذى من قومك بسبب إقدامهم على التكذيب لأن المصيبة إذا عمّت خفت ، (فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً) أي فتسبب عن الاستهزاء بالرسل أنّا أهلكنا أشد قوة من أهل مكة الذين يستهزئون بك ، (وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ) (٨) أي سبق في القرآن مرارا ذكر صفة الأولين في

٣٧٩

الإهلاك ، (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ) أي كفار مكة (مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) (٩) فهم مقرون بأن خالقهن وما فيهن هو الله ذو العزة في سلطانه ، والعلم في تدبيره ، ومع هذا الإقرار يعبدون معه تعالى غيره وينكرون قدرته على البعث. (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً) أي فراشا ثابتة ولو شاء لجعلها متحركة ، فلا يمكن الانتفاع بها في الزراعة والأبنية.

وقرأ الكوفيون مهدا والباقون مهادا وهذا الموصول ابتداء الكلام من الله تعالى دالا على نفسه بذكر مصنوعاته أي هو الذي إلخ.

(وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها) أي الأرض (سُبُلاً) تسلكونها في أسفاركم (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (١٠) أي لكي تهتدوا بسلوكها إلى مقاصدكم ، ولتهتدوا بالتفكير فيها إلى التوحيد والدين الحق (وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ) حتى يكون معاشا لكم ولأنعامكم ، لا كما أنزل على قوم نوح حتى أغرقهم (فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً) أي فأحيينا بذلك الماء مكانا خاليا من النبات. (كَذلِكَ تُخْرَجُونَ) (١١) أي مثل إخراج النبات من الأرض تخرجون من قبوركم أحياء فهذا الدليل كما يدل على قدرته تعالى وحكمته ، فكذلك يدل على قدرته على البعث والقيامة. (وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ) أي أصناف المخلوقات (كُلَّها) وقيل كل ما سوى الله تعالى فهو زوج كالفوق والتحت ، واليمين واليسار ، والقدّام والخلف ، والماضي والمستقبل ، والذوات والصفات ، والصيف والشتاء ، والربيع والخريف ، (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ) أي الإبل (ما تَرْكَبُونَ) (١٢) أي ما تركبونه (لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ) أي لتستعلوا على ظهور ما تركبونه من الفلك والأنعام ، (ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ) أي ركبتم (عَلَيْهِ) بأن تعرفوا أن الله تعالى خلق البحر ، والرياح ، والسفن ، والإبل ، وتعرفوا أن ذلك نعمة عظيمة من الله تعالى ، وتشتغلوا بالشكر للنعم التي لا نهاية لها ، (وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) (١٣) أي ليس لنا من القوة أن نضبط هذه الدابة والفلك ، (وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ) (١٤) أي راجعون من الدنيا إلى دار البقاء كما يروى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه كان إذا وضع رجله في الركاب قال : «بسم الله» فإذا استوى على الدابة قال : «الحمد لله على كل حال (سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا) إلى قوله تعالى : (لَمُنْقَلِبُونَ)»

وروي أن الحسن بن علي رضي‌الله‌عنهما رأى رجلا ركب دابة فقال : سبحان الذي سخر لنا هذا ، فقال له : ما بهذا أمرت. أمرت أن تقول : الحمد لله الذي هدانا للإسلام ، الحمد لله الذي منّ علينا بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم الذي جعلنا من خير أمة أخرجت للناس ، ثم تقول : سبحان الذي سخر لنا هذا.

وروي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه كان إذا سافر وركب راحلته كبر ثلاثا ، ثم يقول : «سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا» ثم قال : «اللهم إني أسألك في سفري البر والتقوى ، ومن العمل ما ترضى ، اللهم هوّن علينا السفر وأطوعنا بعد الأرض اللهم ، أنت الصاحب في السفر ، والخليفة على

٣٨٠