مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد - ج ٢

الشيخ محمّد بن عمر نووي الجاوي

مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد بن عمر نووي الجاوي


المحقق: محمّد أمين الضنّاوي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٩٥
الجزء ١ الجزء ٢

الأحكام والمواعظ أكبوا على تلك الآيات حرصا على استماعها ، وأقبلوا على المذكر بها ، وهم في إكبابهم عليها سامعون بآذان واعية مبصرون بعيون راعية. لا كالذين يظهرون الحرص الشديد على استماعها ، وهم كالصم والعميان ، كالمنافقين والكفرة ـ كأبي جهل والأخنس بن شريق ـ فالمراد من النفي نفي الحال دون الفعل وهو الخرور كقولك : لا يلقاني زيد مسلما فهو نفي للإسلام لا للقاء وذلك تعريض بما يفعله الكفرة والمنافقون ، (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ) أي اجعل لنا ما يحصل به سرور أعين من أزواجنا وذرياتنا بأن نراهم صالحين مطيعين لك. وعن محمد بن كعب ليس شيء أقر لعين المؤمن من أن يرى زوجته وأولاده يطيعون الله. وقرأ نافع وابن كثير وابن عامر وحفص عن عاصم «ذرياتنا» بألف على الجمع. والباقون بغير ألف على الإفراد (وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً) (٧٤) أي يقتدون بنا في أمر الدين بإفاضة العلم وبالتوفيق للعمل (أُوْلئِكَ) أي المتصفون بتلك الصفات الثمانية (يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ) أي يثابون أعلى منازلة الجنة (بِما صَبَرُوا) أي بسبب صبرهم على طاعة الله والفقر والمرازي (وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً) (٧٥).

قرأ حمزة والكسائي وشعبة «يلقون» بفتح الياء وسكون اللام أي يجدون في الغرفة إكرام الله تعالى لهم بالهدايا وسلامه عليهم بالقول. والباقون بضم الياء وفتح اللام وتشديد القاف أي يجعلهم الله تعالى في الغرفة لاقين ذلك. (خالِدِينَ فِيها) أي في الغرفة ، لا يموتون ولا يخرجون (حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً) (٧٦) ، أي حسنت الغرفة من حيث موضع الاستقرار وموضع الإقامة هي. (قُلْ) يا أشرف الخلق لأهل مكة : (ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ) أي أيّ اعتداد يعتد بكم لولا عبادتكم له تعالى فإنكم وسائر البهائم سواء أو لا يبالي بكم ربكم لولا دعاؤه إياكم إلى طاعته ، فإن مبالاة الله بشأن عباده حيث خلق السموات والأرض وما بينهما إنما هو ليعرفوا حق المنعم ويطيعوه فيما كلفهم به (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ) بما أخبرتكم به (فَسَوْفَ يَكُونُ) أي جزاء التكذيب (لِزاماً) (٧٧) أي ملازما لكم وهو عقاب الآخرة.

١٤١

سورة الشعراء

مكية ، إلا أربع آيات من قوله : (وَالشُّعَراءُ) إلى آخر السورة فمدنية ، مائتان وسبع وعشرون

آية ، ألف ومائتان وسبع وستون كلمة وخمسة آلاف وخمسمائة واثنان وأربعون حرفا

بسم الله الرحمن الرحيم

(طسم) (١) ومحله رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف إن كان اسما للسورة وأما إن كان مسرودا على نمط التعديد بطريق التحدي فلا محل له من الإعراب وقيل : قسم أقسم الله تعالى به. وقال أهل الإشارة : هو إشارة إلى طاء طوله تعالى في كمال عظمته وإلى سين سلامته عن كل عيب ونقص وهو منفرد في تنزهه عنه وإلى ميم مجده في عزة كرم لا نهاية لها ، وإشارة أيضا إلى طاء طهارة قلب نبيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الكونيين ، وإلى سين سيادته على الأنبياء والمرسلين ، وإلى ميم مشاهدته لجمال رب العالمين. وإشارة أيضا إلى طاء طيران الطائرين بالله ، وإلى سين سير السائرين إلى الله ، وإلى ميم مشي الماشين لله ، مشي العبودية لا مشي التفخر والتكبر. قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «المؤمنون هينون لينون كالجمل الآنف إن قيد انقاد وإن أنيخ على صخرة استناخ» (١). وعن البراء بن عازب أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن الله أعطاني السبع الطوال مكان التوراة وأعطاني المص مكان الإنجيل وأعطاني الطواسين مكان الزبور ، وفضلني بالحواميم والمفصل ما قرأهن نبي قبلي»(٢). (تِلْكَ) أي هذه السورة (آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ) (٢) أي آيات القرآن الظاهر إعجازه والمبين للأحكام ، فألفاظ القرآن من حيث تعذر عليهم أن يأتوا بمثله يمكن أن يستدل به على فاعل مخالف لهم ، كما يستدل بسائر ما لا يقدر العباد على مثله ، فهو دليل التوحيد من هذا الوجه ، ودليل النبوة من حيث الإعجاز ، ويعلم به بعد ذلك أنه إذا كان من عند الله تعالى فهو دلالة الأحكام أجمع ، وإذا ثبت هذا صارت آيات القرآن كافية في كل الأصول والفروع أجمع ، (لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (٣) فلعل للإشفاق وهو بمعنى الأمر أي أشفق على نفسك أن تقتلها

__________________

(١) رواه أحمد في (م ٢ / ص ٣٩٨).

(٢) رواه ابن كثير في البداية والنهاية (٣ : ٣٩) ، والبغوي في شرح السنّة (٥ : ١٢٧) ، والمتقي الهندي في كنز العمال (٣٦٤١٩) ، والطبري في التاريخ (٢ : ٣٢١).

١٤٢

لعدم إيمان قريش بذلك الكتاب الفاصل بين الحق والباطل ، أو لا تبالغ في الحزن على ما فاتك من إسلام قومك لأنك يا أكرم الرسل إن بالغت فيه كنت بمنزلة من يقتل نفسه ، ثم لا ينتفع بذلك أصلا ، والله تعالى نبه رسوله أن غمه على ذلك لا نفع فيه ، كما أن وجود الكتاب على وضوحه لا نفع لهم في الإيمان لما أنه سبق حكم الله بخلافه (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) (٤) أي إن نشأ ننزل عليهم من السماء علامة مخوفة لهم ، قاصرة على الإيمان كرفع الجبل فوق رؤوسهم ، كما وقع لبني إسرائيل فيصيروا لتلك العلامة منقادين في قبول الإيمان وذكر الأعناق لبيان موضع الخضوع ، واكتسبت إضافتها إلى العقلاء حكمهم ، كما اكتسبت الإضافة إلى المؤنث التأنيث كعكسه ، ولذلك كان الخبر مجموعا جمع سلامة لمذكر عاقل. (وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ) (٥) أي ما يأتي أهل مكة من موعظة من المواعظ القرآنية تنبههم عن الغفلة من جهة الله تعالى مجدد تنزيله بحسب المصلحة إلا وقد جددوا إعراضا عنه على وجه التكذيب. (فَقَدْ كَذَّبُوا) أي بلغوا النهاية في رد الذكر الذي يأتيهم ردا مقارنا للاستهزاء به حيث جعلوه تارة سحرا ، وأخرى أساطير وأخرى شعرا (فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) (٦) أي سيأتيهم مصداق استهزائهم من العقوبات العاجلة والآجلة (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ) أي أفعل كفار مكة الإعراض عن الآيات والتكذيب والاستهزاء بها ، ولم ينظروا إلى عجائب الأرض الزاجرة عما فعلوا الداعية إلى الإيمان بالآيات (كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ) (٧) أي كثيرا من كل صنف مرضى في جماله ، وفي فوائده أنبتنا في الأرض ، (إِنَّ فِي ذلِكَ) الإنبات (لَآيَةً) عظيمة دالة على كمال قدرة المنبت ، وغاية وفور عمله وحكمته ونهاية سعة رحمته (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) (٨) أي وما أكثر قومه صلى‌الله‌عليه‌وسلم مؤمنين أي مع ذلك يستمر أكثرهم على كفرهم ، وكان صلة عند سيبويه ، (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (٩) أي إن ربك غالب على الأمور ، ومع ذلك رحيم بعباده ، ولذلك يمهلهم ولا يؤاخذهم بغتة بما اجترءوا عليه من العظائم الموجبة لفنون العقوبات. (وَإِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى) أي واذكر يا أكرم الرسل لأولئك المعرضين المكذبين وقت ندائه تعالى موسى عليه‌السلام ، وذكرهم بما جرى على قوم فرعون بسبب تكذيبهم إياه زجرا لهم عن التكذيب.

قال أبو الحسن الأشعري : المسموع هو الكلام القديم ، فكما أن ذاته تعالى لا تشبه الذوات مع أنها مرئية في الآخرة من غير كيف ولا جهة ، فكذا كلامه منزه عن مشابهة الحروف والأصوات مع أنه مسموع.

وقال أبو منصور الماتريدي : الذي سمعه موسى عليه‌السلام كان نداء من جنس الحروف والأصوات لأنا حكمنا بأن كل موجود يصح أن يرى ولم يثبت أنا نسمع الأجسام فلم يلزم صحة كون كل موجود مسموعا. (أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (١٠) أي بالكفر والمعاصي واستعباد بني

١٤٣

إسرائيل وذبح أبنائهم ، وكان بنو إسرائيل في ذلك الوقت ستمائة ألف وثلاثين ألفا (قَوْمَ فِرْعَوْنَ) عطف بيان (أَلا يَتَّقُونَ) (١١).

وهذا كلام مستأنف جيء به حملا لموسى على التعجب من حالهم في الظلم والعسف ، ومن عدم خوفهم أي تعجب يا موسى من عدم تقواهم.

وقرئ بكسر النون والأصل ألا يتقونني ، فحذفت النون لاجتماع النونين والياء للاكتفاء بالكسرة. وقرئ بتاء الخطاب على طريقة الالتفات الدال على زيادة الغضب عليهم ، أي قل لهم : ألا تخافون عقاب الله فـ «ألا» للتنبيه وللعرض. (قالَ) أي موسى إظهارا لعجزه وطلبا للمعونة : (رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ) (١٢) من أول الأمر (وَيَضِيقُ صَدْرِي) بتكذيبهم إياي (وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي) بسبب ضيق القلب ، وهذان الفعلان مرفوعان معطوفان على «أخاف».

وقرأ زيد بن علي ، وطلحة ، وعيسى ، والأعمش بالنصب فيهما معطوفان على صلة «أن» و «الأعرج» بنصب الأول ورفع الثاني ، (فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ) (١٣) أي فأرسل جبريل إلى أخي هارون ليكون رسولا مصاحبا لي في دعوة فرعون وقومه : وكان هارون إذ ذاك بمصر وموسى في المناجاة في الطور (وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ) أي تبعة قتل القبطي (فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ) (١٤) به قبل أداء الرسالة ، كما ينبغي إن أتيتهم وحدي فيفوت المقصود من الرسالة. (قالَ) الله : (كَلَّا) أي ارتدع يا موسى عما تظن أو حقا لا أسلطهم عليك بالقتل ، (فَاذْهَبا) أي اذهب أنت ومن طلبته ـ وهو هارون ـ (بِآياتِنا) الدالة على صدقكم ، أي فإنها تدفع خوفكما (إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ) (١٥) أي لكما ولعدوكما ناصر لكما عليه ، وسامع لما يجري بينكما وبينه فأعلّيكما عليه ، وأكسّر شوكته عنكما (فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ) (١٦) إليك وإلى قومك وإفراد الرسول لاتحادهما بسبب الأخوة واتفاقهما على شريعة واحدة ، أو لأن المعنى : إن كل واحد منا رسول رب العالمين. (أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ) (١٧) ، و «أن» مفسرة ، أي أطلقهم وخلهم وشأنهم ليذهبوا معنا إلى الشام ، فانطلقا إلى فرعون ، وقالا له ما أمرا به ، وروى وهب وغيره : أنهما لما دخلا على فرعون وجداه وقد أخرج سباعا من أسد ونمور وفهود ، يتفرج عليها ، فخاف خدامها أن تبطش بموسى وهارون فأسرعوا إليها وأسرعت السباع إلى موسى وهارون ، فأقبلت تلحس أقدامهما وتبصبص إليهما بأذنابها ، وتلصق خدودها بفخذيهما ، فعجب فرعون من ذلك فقال : ما أنتما؟ قالا : إنّا رسول رب العالمين فعرف هو موسى عليه‌السلام : (قالَ) عند ذلك لموسى عليه‌السلام (أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا) أي في منازلنا (وَلِيداً) أي صغيرا (وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ) (١٨) ثلاثين سنة ، ثم خرج إلى مدين وأقام بها عشر سنين ، ثم عاد إليهم يدعوهم إلى الله تعالى ثلاثين سنة ، ثم بعد الغرق خمسين سنة. وقيل : مكث عليه الصلاة والسلام عند فرعون خمس عشرة سنة (وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ) وهي وكز القبطي حتى مات (وَأَنْتَ مِنَ

١٤٤

الْكافِرِينَ) (١٩) أي الجاحدين لنعمتي عليك بالتربية ، وعدم اتخاذك عبدا لي كبني إسرائيل أو من الذين يكفرون في دينهم ، فقد كانت لهم آلهة (قالَ) موسى : (فَعَلْتُها) أي تلك الفعلة (إِذاً) أي حين إذ كنت لابثا فيكم (وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ) (٢٠) أي الناسين عن معرفة ما يؤول إليه القتل ، لأنه فعل الوكزة على وجه التأديب.

وقرئ من الجاهلين أي بأن ذلك الفعل يؤدي إلى القتل (فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ) إلى ربي (لَمَّا خِفْتُكُمْ) أن تؤاخذوني بما لا أستحقه بجنايتي ، لأني قتلت القتيل خطأ ، وأنا ابن اثنتي عشرة سنة مع كونه كافرا. وروي عن حمزة «لما خفتكم» بكسر اللام وب «ما» المصدرية ، أي لتخوفي منكم (فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً) أي علما وفهما في الدين (وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ) (٢١) بعد تلك الفعلة (وَتِلْكَ) أي التربية (نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ) (٢٢) ، ومحل «أن عبدت» رفع عطف بيان لتلك أو بدل من «نعمة» أي وتلك جعلك بني إسرائيل عبيدك وقصدك إياهم بذبح أبنائهم هو السبب في وقوعي عندك وإنفاقك علي مما أخذت من أموالهم ، فلو لم يكن ذلك الظلم لكنت مستغنيا عن تربيتك ، فلا نعمة لك علي بالتربية ، ولا فضيلة لك في عدم استعبادي الذي مننت به علي ، لأن استبعادك لغيري ظلم ، كما أن عدم قتلك إياي لا يعد إنعاما ، لأن قتلك غيري ظلم.

وقال الزجاج : ويجوز أن يكون «أن عبدت» في محل نصب مفعولا لأجله والمعنى إنما صارت التربية نعمة علي لأجل أن عبدت بني إسرائيل فلو لم تفعل ذلك لكفاني أهلي. (قالَ فِرْعَوْنُ) ـ لما سمع منه عليه الصلاة والسلام تلك المقالة المتينة ـ : (وَما رَبُّ الْعالَمِينَ) (٢٣) أي أيّ شيء رب العالمين الذي ادعيت أنك رسوله؟ (قالَ) موسى مجيبا له بإبطال دعواه أنه إله : (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا) أي خالق هذه الثلاثة ، (إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) (٢٤) باستناد هذه المحسوسات إلى موجود هو واجب الوجود ، فاعرفوا أنه لا يمكن تعريفه إلا بما ذكرته ، فالسؤال عن الحقيقة سفه. (قالَ) أي فرعون : (لِمَنْ حَوْلَهُ) من أشراف قومه كانوا خمسمائة لابسين للأساورة ولم يلبسها إلا السلاطين : (أَلا تَسْتَمِعُونَ) (٢٥) جوابه ، فقد سألته عن حقيقته وهو يذكر أفعاله؟! (قالَ) موسى : (رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) (٢٦) ، جاء موسى عليه‌السلام بدليل يفهمونه لأنهم يعلمون أنهم قد كان لهم آباء فنوا ، وأنهم كانوا بعد أن لم يكونوا ، وأنهم لا بد لهم من مكون ومفن. (قالَ) فرعون لخاصته وعليهم أقبية الديباج ، مخوصة بالذهب ، وقد خاف من تأثرهم من جواب سيدنا موسى عليه‌السلام : (إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) (٢٧) لا يفهم السؤال لأني أسأله عن شيء وهو يجيبني عن آخر ، وأسند فرعون الرسول إلى من حوله تكبرا عن أن يكون مرسلا إلى نفسه ، وسماه رسولا بطريق الاستهزاء. (قالَ) موسى : (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما) أي هو خالق موضع طلوع الشمس وغروبها ووقتهما وما بينهما فتشاهدون في كل يوم أنه يأتي الشمس من المشرق إلى المغرب على وجه نافع ، تنتظم به أمور الكائنات وكل

١٤٥

ذلك أمور حادثة مفتقرة إلى محدث قادر عليم حكيم (إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) (٢٨) أي إن كان لكم عقل ، علمتم أن لا جواب فوق ذلك وأن الأمر كما قلته. (قالَ) فرعون لموسى عليه‌السلام لما عجز عن الحجج : (لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) (٢٩) أي لأجعلنك واحدا ممن عرفت حالهم في سجوني ، وكان من عادة اللعين أن يأخذ من يريد أن يسجنه فيطرحه في بئر عميقة فردا لا يبصر فيها ولا يسمع حتى يموت ، فكان ذلك أشد من القتل ولذلك لم يقل تعالى : لأسجننك ، لأنه لا يفيد إلا صيرورته مسجونا.

وروي أن اللعين يفزع من موسى فزعا شديدا حتى كان لا يمسك بوله. (قالَ) موسى له : (أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ) (٣٠) أي أتفعل بي ذلك ولو جئتك بأمر بيّن في باب الدلالة على وجود الله تعالى ، وعلى أني رسوله أي وهل تستجيز أن تسجنني مع اقتداري على أن آتيك بالمعجزات الدالة على صدق دعواي؟! (قالَ) فرعون له : (فَأْتِ بِهِ) أي بذلك الشيء (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) (٣١) في دعوى الرسالة ، وفي أن لك برهانا ، وإنما أمره ـ عليه‌السلام ـ فرعون بالإتيان بالشيء الموضح لصدق دعواه عليه‌السلام ، لظنه أنه يقدر على معارضته ، ولطمعه في أن يجد موضعا للإنكار. (فَأَلْقى عَصاهُ).

قال ابن عباس : عصا موسى اسمها ماشا. وقيل : نبعة. (فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ) (٣٢) أي حية عظيمة صفراء ، ذكر تبين للناظرين أنه ثعبان بحركاته وبسائر العلامات ، وليس بتمويه كما يفعله السحرة : (وَنَزَعَ يَدَهُ) من إبطه (فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ) (٣٣) تضيء الوادي من شدة بيضاها من غير برص ، لها شعاع كشعاع الشمس تعجب الناظرين إليها. قيل : لما رأى فرعون الآية الأولى قال هل لك غيرها فأخرج موسى يده فقال لفرعون ما هذه فقال فرعون : يدك. فما فيها فأدخلها في إبطه ، ثم نزعها ولها شعاع يكاد يغشي الأبصار ، ويسد الأفق ، فعند هذا أراد فرعون تعمية هذه الحجة على قومه فذكر أمورا ثلاثة. (قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا) الرسول (لَساحِرٌ عَلِيمٌ) (٣٤) أي حاذق بالسحر ، فإن الزمان كان زمن السحرة ، وكان عند كثير منهم أن الساحر قد يجوز أن ينتهي بسحره إلى هذا الحد فلهذا روج فرعون عليهم هذا القول ، (يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ) أي يريد هذا الرجل أن يخرجكم من مصر بما يلقيه بينكم من العداوات ، فيفرق جمعكم ، وهذا يجري مجرى التنفير عن موسى عليه‌السلام ، فإن مفارقة الوطن أصعب الأمور ، فنفرهم عنه بذلك (فَما ذا تَأْمُرُونَ) (٣٥) أي فأيّ شيء تأمرونني به في شأنه؟ فإني متبع لرأيكم ومنقاد لقولكم. ومثل هذا الكلام يوجب انصراف القلوب عن العدو ، فعند هذه الكلمات اتفقوا على جواب واحد (قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ) أي أخر مناظرتهما لوقت اجتماع السحرة. وقيل : احبسهما ولا تقتلهما لما روي أن فرعون أراد قتلهما ، ولم يصل إليهما فقالوا له : لا تفعل فإنك إن قتلتهما أدخلت على الناس شبهة في الدين ولكن أخّر أمرهما إلى أن تجمع السحرة ليقاوموها ، فلا تثبت لهما حجة عليك.

١٤٦

وقرأ قالون «ارجه» بغير همز ، وباختلاس كسرة الهاء وورش والكسائي بإشباع كشرة الهاء ، وابن كثير وهشام بالهمزة الساكنة ، وبصلة الهاء المضمومة. وأبو عمرو بضم الهاء مع الاختلاس وابن ذكوان بالهمز وكسر الهاء مع الاختلاس. وعاصم وحمزة بغير همز وإسكان الهاء (وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ) (٣٦) أي أنفذ إلى مدائن الساحرين شرطا يحشرهم وذلك لظنهم إذا كثر السحرة غلبوا موسى عليه‌السلام وكشفوا حاله. (يَأْتُوكَ) أي الحاشرون (بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ) (٣٧) أي فائق في فن السحر على موسى ، (فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) (٣٨) أي في زمان يوم معروف ، وفي مكان معروف. وعن ابن عباس : وافق يوم السبت من أول يوم النيروز وهو أول سنتهم. وعن ابن عباس قال : كانت السحرة سبعين رجلا وسمى ابن إسحاق رؤساءهم : سابورا وغادور وخطخط ومصفى وشمعون. وعن ابن جرير كان اجتماعهم بالإسكندرية. (وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ (٣٩) لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كانُوا هُمُ الْغالِبِينَ) (٤٠). والاستفهام للحث على المبادرة إلى الاجتماع والتراجي للغلبة لا لاتباع السحرة ، لأنه مقطوع به عندهم أي احضروا لتشاهدوا ما يكون من الجانبين ، فإنا نرجو أن تكون الغلبة للسحرة ، فنتبعهم لا نتبع موسى (فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً) أي جزاء من المال والجاه (إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ) (٤١) على موسى ، فبذل فرعون لهم البذل والمنزلة. (قالَ) فرعون : (نَعَمْ) أي لكم الأجرة على عملكم السحر ، (وَإِنَّكُمْ إِذاً) أي إذ كنتم غالبين (لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) (٤٢) عندي في الدخول على تكونون أول من يدخل علي ، وآخر من يخرج عني.

وقرأ الكسائي «نعم» بكسر العين. (قالَ لَهُمْ مُوسى) مريدا لإبطال سحرهم ، لأنه لا يمكن منه إلا بإلقائهم : (أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ) (٤٣). وهذا تهديد ، أي إن فعلتم ذلك أتينا بما نبطله ، (فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ) اثنين وسبعين حبلا واثنتين وسبعين عصا (وَقالُوا) أي السحرة عند الإلقاء : نقسم (بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ) (٤٤) على موسى ، (فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ) (٤٥) أي تبتلع بسرعة ما يغيرونه عن حاله الأول من الجمادية إلى كونه حية تسعى.

روي عن ابن عباس كانت حبالهم مطلية بالزئبق ، وعصيهم مجوفة مملوءة من الزئبق ، فلما حميت اشتدت حركتها ، فصارت كأنها حيات تدب من كل جانب من الأرض ، فألقى موسى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ، ثم فتحت فاها فابتلعت كل ما رموه من حبالهم وعصيهم ، حتى أكلت الكل. ثم أخذ موسى عصاه ، فإذا هي كما كانت ، فلما رأت السحرة ذلك قالوا لفرعون : كنا نساحر الناس فإذا غلبناهم بقيت الحبال والعصي ، وكذلك إن غلبونا ، ولكن هذا حق! (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ) (٤٦) أي سقطوا على الأرض ساجدين عقب ما شاهدوا ذلك من غير تلعثم ، لعلمهم بأن مثل ذلك خارج عن حدود السحر وأنه أمر إلهي قد ظهر على يد موسى عليه الصلاة والسلام ، لتصديقه. (قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ (٤٧) رَبِّ مُوسى وَهارُونَ) (٤٨) عطف بيان لـ «رب»

١٤٧

العالمين ، لأن فرعون كان يدّعي الربوبية ، فأرادوا عزله وإنما أسندوا الرب إلى موسى وهارون ، لأنهما اللذان دعواهم إليه (قالَ) أي فرعون للسحرة : (آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ) أي آمنتم لموسى بغير أن آذان لكم! (إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ) أي إن موسى علمكم شيئا دون شيء ، فلذلك غلبكم ، فإنكم فعلتم ذلك عن موافقة بينكم وبين موسى ، وقصرتم في السحر لتظهروا أمر موسى وإلا ففي قوة السحرة أن يفعلوا مثل فعل موسى عليه‌السلام ـ وهذه شبهة قوية في تنفير من يقبل قوله عليه‌السلام ـ (فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) وبال ما فعلتم (لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ) ، وهو قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ) (٤٩) على شاطئ نهر مصر. وهذا تهديد شديد وليس في الإهلاك أقوى من ذلك ، وليس في الآية أن فرعون فعل ذلك أو لم يفعل. (قالُوا) أي السحرة : (لا ضَيْرَ) أي لا ضرر في ذلك علينا (إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ) (٥٠) ومقصودهم بالإيمان محض الوصول إلى مرضاته تعالى ، والاستغراق في أنوار معرفته وهذا أعلى درجات الصديقين. (إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ) (٥١) فإنا إلى ربنا ، و (إِنَّا نَطْمَعُ) كلاهما تعليل لعدم الضير ، و (أَنْ كُنَّا) تعليل لطمع غفران الخطايا ، أي لا ضير علينا في قتلك إيانا لأنا نرجو أن يغفر لنا ربنا شركنا لكوننا أول المؤمنين من الجماعة الذين حضروا ذلك الموقف من رعية فرعون.

وقرئ «إن كنا» بالكسر على الشرط على طريقة قول المدل كقول العامل لمستأجر يؤخر أجرته : إن كنت عملت لك فوفني حقي. (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى) بعد ثلاثين سنة (أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي) من آمن بك من بني إسرائيل ، وقرأ نافع وابن كثير بكسر النون ووصل الهمزة. والباقون بسكون النون وقطع الهمزة. وقرئ «أن سر» فـ «أن» حرف تفسير (إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ) (٥٢) تعليل للأمر بالإسراء ، أي لأنه يتبعكم فرعون وجنوده فلا يدركوكم قبل وصولكم إلى البحر ثم إن قوم موسى قالوا لقوم فرعون : إن لنا في هذه الليلة عيدا ، ثم استعاروا منهم حليهم وحللهم بهذا السبب ، ثم خرجوا بتلك الأموال في الليل إلى جانب البحر.

قال القرطبي : فخرج موسى عليه الصلاة والسلام ببني إسرائيل سحرا فترك الطريق إلى الشام على يساره ، وتوجه نحو البحر ، فكان الرجل من بني إسرائيل يقول له في ترك الطريق ، فيقول : هكذا أمرت. فلما أصبح فرعون وعلم بسري موسى ببني إسرائيل خرج في أثرهم ، وبعث إلى مدائن مصر لتلحقه العساكر وقوّى نفسه ونفس أصحابه بأن وصف قوم موسى بوصفين من أوصاف الذم ، ووصف قوم نفسه بصفة المدح ، وذلك قوله تعالى : (فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ) (٥٣) أي شرطا جامعين للعساكر ليتبعوهم. قيل : كان له ألف مدينة واثنا عشر ألف قرية. وقال لهم : (إِنَّ هؤُلاءِ) أي بني إسرائيل (لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ) (٥٤) أي لطائفة قليلة ، وكانوا ستمائة ألف مقاتل ليس فيهم من دون عشرين ولا من يبلغ ستين سوى الحشم ، وفرعون يقللهم لكثرة من معه

١٤٨

أو لإرادة ذلتهم. إذ روي أنه أرسل في أثرهم ألف ألف وخمسمائة ألف ملك مسور ، ومع كل ملك ألف ، وخرج فرعون في جمع عظيم وكانت مقدمته سبعمائة ألف رجل على حصان ، وعلى رأسه بيضة. وعن ابن عباس خرج فرعون في ألف ألف حصان سوى الإناث.

وروي أن فرعون خرج على حصان أدهم وفي عسكره على لون فرسه ثلاثمائة ألف ، (وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ) (٥٥) أي لفاعلون أفعالا تضيق صدورنا حيث خالفوا ديننا وذهبوا بأموالنا التي استعاروها ، وخرجوا من أرضنا بغير إذننا ، (وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ) (٥٦) أي لجماعة يستعملون الحزم في الأمور.

وقرأ ابن ذكوان والكوفيون بألف بعد الحاء أي شاكون السلاح. وقرئ «حادرون» بالدال المهملة أي أقوياء أشداء. (فَأَخْرَجْناهُمْ) أي جعلنا في قلوب فرعون وقومه داعية الخروج (مِنْ جَنَّاتٍ) أي بساتين من أسوان إلى رشيد ، (وَعُيُونٍ) (٥٧) أي أنهار جارية في البساتين والدور ، (وَكُنُوزٍ) أي أموال. وسميت كنوزا لأنهم لم ينفقوا منها في طاعة الله تعالى. قيل : كان لفرعون ثمانمائة ألف غلام كل غلام ، على فرس عتيق ، في عنق كل فرس طوق من ذهب (وَمَقامٍ كَرِيمٍ) (٥٨) أي منازل حسنة قيل : كان فرعون إذا قعد على سريره وضع بين يديه ثلاثمائة كرسي من ذهب يجلس عليها الأشراف من قومه والأمراء ، وعليهم أقبية الديباج مرصعة بالذهب. (كَذلِكَ) وهو مصدر تشبيهي أي أخرجناهم مثل ذلك الإخراج الذي وصفناه ، أو وصف لمقام أي وأخرجناهم من مقام كريم مثل ذلك المقام الذي كان لهم أو خبر مبتدأ محذوف أي إخراجنا كما وصفنا. (وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ) (٥٩) أي جعلناهم متملكين لتلك النعم بعد هلاك فرعون وقومه. (فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ) (٦٠) أي فجعلوا أنفسهم تابعة لبني إسرائيل وقت طلوع الشمس.

وقرئ «فاتبعوهم» أي فلحقوهم داخلين في وقت الشروق. (فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ) أي رأى كل واحد من جمع موسى وجمع فرعون الآخر. وقرئ «تراءت الفئتان». (قالَ أَصْحابُ مُوسى) بنو إسرائيل وغيرهم (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) (٦١) أي لملحقون. وقرئ «لمدّركون» بتشديد الدال وكسر الراء أي لمتتابعون في الهلاك على أيديهم حتى لا يبقى منا أحد. (قالَ) موسى لهم : (كَلَّا) أي ارتدعوا عن ذلك التوهم ، أو حقا لن يدركونا ، لأن الله وعدنا الخلاص منهم. (إِنَّ مَعِي رَبِّي) بالنصرة (سَيَهْدِينِ) (٦٢) أي يدلني على طريق النجاة منهم ألبتة.

روي أن رجلا مؤمنا من آل فرعون يكتم إيمانه كان يدي موسى عليه‌السلام فقال : يا كليم الله أين أمرت؟ قال : هاهنا فحرك فرسه بلجامه حتى طار الزبد من شدقه ، ثم أقحمه البحر ، فارتسب في الماء ، وذهب القوم يصنعون مثل ذلك ، فلم يقدروا ، فأوحى الله إليه بضرب البحر بعصاه ، فإذا الرجل واقف على فرسه ولم يبتل سرجه وذلك قوله تعالى : (فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ) فضربه (فَانْفَلَقَ) أي انشق بقدرة الله تعالى فصار اثني عشر فرقا بعدد

١٤٩

الأسباط بينهن مسالك. (فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ) حاصل بالانفلاق (كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) (٦٣) أي كالجبل المرتفع في السماء فدخلوا في شعاب تلك الفرق ، كل سبط في شعيب منها فقال كل سبط : قتل أصحابنا ، فعند ذلك دعا موسى ربه ، فجعل في تلك الجدارن المائية مناظر كالكوى ، حتى نظر بعضهم إلى بعض على أرض يابسة (وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ) (٦٤) أي قربنا في موضع انفلاق البحر قوم فرعون حتى دخلوا عقب قوم موسى مداخلهم. وعن عطاء بن السائب أن جبريل عليه‌السلام كان بين بني إسرائيل وبين قوم فرعون يقول لبني إسرائيل ليلحق آخركم بأولكم ، ويقول للقبط : رويدكم ليلحق آخركم أولكم. وقيل : وقربناهم إلى الموت لأنهم قربوا من أجلهم في ذلك الوقت. وقيل : المعنى : وحبسنا فرعون وقومه في الضبابة عند طلبهم موسى بأن أظلمنا عليهم الدنيا بسحابة وقفت عليهم فوقفوا حيارى.

وقرئ و «أزلقنا» بالقاف أي أزللنا أقدامهم. والمعنى : أذهبنا عزهم ، (وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ) من قومه وغيرهم (أَجْمَعِينَ) (٦٥) بحفظ البحر على انفلاقه اثني عشر فرقا إلى أن عبروا إلى البر (ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ) (٦٦) بإطباق البحر عليهم لما تكامل دخولهم البحر. قيل : هذا البحر بحر القلزم وقيل : بحر إساف وهو بحر وراء مصر. (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي الذي حدث في البحر (لَآيَةً) أي عبرة عجيبة دالة على قدرته تعالى ، وذلك أن الله تعالى أراد أن تكون الآية متعلقة بفعل موسى وإلا فضرب العصا ليس بفارق البحر ، ولا معينا على ذلك بذاته بل بما اقترن به من اختراع الله تعالى (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) (٦٧) فـ «كان» زائدة على رأي سيبويه ، أي وما أكثر هؤلاء الذين سمعوا قصتهم من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من قريش مؤمنين ، لأنهم لا يتدبرون في حكايته صلى‌الله‌عليه‌وسلم لقصتهم من غير أن يسمعها من أحد ، ويجوز أن يجعل «كان» بمعنى صار ، أي وما صار أكثرهم مؤمنين مع ما سمعوا من الآية العظيمة الموجبة للإيمان ، (وَإِنَّ رَبَّكَ) يا أكرم الرسل (لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (٦٨) ، أي لهو القادر على إهلاك المكذبين إياك بعد مشاهدة هذه الآية العظيمة من طريق الوحي ، وهو المبالغ في رحمة عباده ولذلك لا يعجل عقوبتهم بعدم إيمانهم مع كمال استحقاقهم لذلك. (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ) أي كفار مكة (نَبَأَ إِبْراهِيمَ) (٦٩) والفعل معطوف على الفعل المقدر العامل في «إذ نادى» إلخ. (إِذْ قالَ لِأَبِيهِ) آزر (وَقَوْمِهِ) ليريهم أن ما يعبدونه ليس ممن يستحق العبادة في شيء فـ «إذ» ظرف للنبأ. (ما تَعْبُدُونَ) (٧٠) أي أيّ شيء تعبدونه؟ (قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ) (٧١) أي فنصير مديمين على عبادتها وإنما ذكروا هذه الزيادة إظهارا لما في نفوسهم من الابتهاج بعبادة الأصنام. (قالَ) إبراهيم منبها على فساد مذهبهم : (هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ) (٧٢) أي هل يسمعون دعاءكم حين دعوتموهم وهل يجيبونه؟ وقرئ «هل يسمعونكم» بضم الياء وكسر الميم أي هل يسمعونكم جوابا عن دعائكم ، (أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ) في معايشكم بسبب عبادتكم لها (أَوْ يَضُرُّونَ) (٧٣) في معايشكم بترككم لعبادتها إذ لا بد للعبادة من

١٥٠

جلب نفع أو دفع ضر. (قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ) (٧٤) أي فعند هذه الحجة القوية لم يجد أبوه وقومه ما يدفعون به هذه الحجة فعدلوا إلى قولهم : ما علمنا منهم ما ذكر من الأمور ، بل وجدنا آباءنا يعبدون مثل عبادتنا فاقتدينا بهم. وهذا من أقوى الدلائل على فساد التقليد ، وعلى وجوب الاستدلال. (قالَ) إبراهيم : (أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٧٥) أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ) (٧٦) أي أتأملتم فعلمتم ما كنتم تعبدونه حق العلم ، أو أخبروني ما كنتم تعبدون هل هو حقيق بالعبادة أو لا؟ وهذا استهزاء بعبدة الأصنام. (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ) (٧٧) فالاستثناء إما منقطع فالمعنى : فاعلموا أن معبودكم عدو لي لا أعبدهم لكن رب العالمين فأعبده. أو متصل فالمعنى : فإن كل معبود عدو لي إلا رب العالمين فإنه ليس بعدوي بل هو وليي ومعبودي ، وصوّر سيدنا إبراهيم الأمر في نفسه تعريضا بهم فالمعنى إني تفكرت في أمري فرأيت عبادتي للأصنام عبادة للعدو لأن من يغري على عبادتها هو الشيطان ، فإنه أعدى عدو الإنسان فاجتنبتها. وأراهم سيدنا إبراهيم أن تلك الكلمة نصيحة نصح بها نفسه فإذا تفكروا قالوا : ما نصحنا إبراهيم إلا بما نصح به نفسه فيكون ذلك أدعى للقبول وأبعث إلى الاستماع منه (الَّذِي خَلَقَنِي) من النطفة على هيئة التصوير ، (فَهُوَ يَهْدِينِ) (٧٨) إلى مصالح الدين والدنيا بضروب الهدايات في كل لحظة ولمحة (وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ) (٧٩) أي يرزقني بكل منافع الرزق (وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) (٨٠) وأكثر أسباب المرض يحدث بتفريط من الإنسان في مطاعمه ومشاربه وغير ذلك. (وَالَّذِي يُمِيتُنِي) في الدنيا بقبض روحي (ثُمَّ يُحْيِينِ) (٨١) يوم القيامة للمجازاة ، (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي) بترك الأولى (يَوْمَ الدِّينِ) (٨٢) أي الجزاء.

روي أن عائشة قالت : قلت : يا رسول الله إن ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذلك نافعه؟ قال : «لا ينفعه لأنه لم يقل يوما رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين». واستغفار الأنبياء تواضع منهم لربهم ، وتعليم لأممهم ليكونوا على حذر ، ثم ذكر الله تعالى مناجاة سيدنا إبراهيم بقوله : (رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً) أي كمالا في العمل ، (وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) (٨٣) أي الأنبياء المرسلين في درجات الجنة أي اجمع بيني وبينهم في الجنة ، (وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) (٨٤) أي اجعل لي جاها وذكرا جميلا باقيا إلى يوم الدين ، فإن من صار ممدوحا بين الناس بسبب ما عنده من الفضائل يصير داعيا لغيره إلى اكتساب مثل تلك الفضائل ، فيكون له مثل أجورهم ، أو اجعل من ذريتي في آخر الزمان من يكون داعيا إلى الله تعالى ، وقد أجاب الله دعاءه فما من أمة إلا وهي تثني عليه ، وجعله الله شجرة فرع الله منها الأنبياء ، (وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ) (٨٥) أي اجعلني بعض الذين يرثون جنة النعيم ، وهذا إشارة إلى أن الجنة لا تنال إلا بكرمه تعالى (وَاغْفِرْ لِأَبِي) أي اهده إلى الإيمان (إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ) (٨٦) من طريق الحق (وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ) (٨٧) أي ولا تجعلني من الذليلين ، ولا من المستحيين يوم

١٥١

يبعث العباد من القبور فخزي كل واحد على حسب مقامه فإن حسنات الأبرار سيئات المقربين كما أن درجات الأبرار دركات المقربين (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ (٨٨) إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (٨٩) فيوم بدل من يوم قبله وإلا من أتى مفعول لينفع أي لا ينفع مال وإن كان مصروفا في الدنيا إلى وجوه الخيرات ولا بنون وإن كانوا صلحاء إلا أحدا سلم قلبه عن الكفر والأخلاق الرذيلة فينفعه ماله الذي أنفقه في الخير وولده الصالح بدعائه ، وأما الذنوب فلا يسلم منها أحد (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ) (٩٠) أي ويوم قربت الجنة للمتقين عن الكفر والمعاصي بحيث يشاهدونها من الموقف ، فيبتهجون بأنهم المحشورون إليها (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ) (٩١) أي ويوم جعلت النار ظاهرة للضالين عن طريق الإيمان والتقوى بحيث يرونها مع ما فيها فيتحرنون على أنهم المسوقون إليها. (وَقِيلَ لَهُمْ) على سبيل التوبيخ : (أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٩٢) مِنْ دُونِ اللهِ)؟ أي أين آلهتهم الذين كنتم تزعمون في الدنيا أنهم شفعاؤكم في هذا الموقف (هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ) بدفع عذاب عنكم (أَوْ يَنْتَصِرُونَ) (٩٣) أي أو ينفعون أنفسهم بامتناعهم من العذاب فإنهم وآلهتهم وقود النار ، وهو قوله تعالى : (فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ (٩٤) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ) (٩٥) أي فألقي في الجحيم الأصنام والذين عبدوها ، والذين أضلوهم على وجوههم مرة بعد أخرى إلى أن يستقروا في قعرها ، فيجتمعون في العذاب لاجتماعهم فيما يوجبه. (قالُوا) أي العابدون معترفين بخطئهم في انهماكهم في الضلالة ، (وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ) (٩٦) أي والحال أنهم في الجحيم بصدد الاختصام مع من معهم : (تَاللهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٩٧) وهذا معمول لـ «قالوا» ، وجملة «وهم فيها» إلخ في محل نصب على الحال «وإن» مخففة من الثقيلة قد حذف اسمها الذي هو ضمير الشأن ، واللام فارقة بينها وبين النافية أي إن الشأن كنا في ضلال واضح لإخفاء فيه (إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ) (٩٨) ظرف لكونهم في ضلال مبين أي تالله لقد كنا في غاية الضلال الفاحش وقت تسويتنا إياكم أيها الأصنام برب العالمين الذي أنتم أذل مخلوقاته في استحقاق العبادة ، (وَما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ) (٩٩) أي الذين دعونا إلى عبادة الأصنام من رؤسائنا وكبرائنا (فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ) (١٠٠) كما نرى المؤمنين أن لهم شفعاء من الملائكة والنبيين ، (وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ) (١٠١) أي خالص مع موافقة الدين كما نرى أن المؤمنين أصدقاء لأنه لا يتصادق في الآخرة إلا المؤمنون ، وأما أهل النار فبينهم التعادي والتباغض ، وفي بعض الأخبار يجيء يوم القيامة عبد يحاسب فيستوي حسناته وسيئاته فيقول الله تعالى : عبدي بقيت لك حسنة إن كنت تريد أن أدخلك الجنة انظر واطلب من الناس لعل واحدا يهب منك حسنة واحدة ، فيأتي العبد في الصفوف ويطلب من أبيه ، ثم من أمه ، ثم من أصحابه فلا يجيبه أحد وكل يقول له : أنا اليوم مفتقر إلى حسنة واحدة فيرجع إلى مكانه فيسأله الله تعالى ويقول : ماذا جئت به؟ فيقول : يا رب لم يعطني أحد حسنة واحدة من حسناته فيقول الله تعالى : يا عبدي ألم يكن لك صديق في فيذكر العبد ويقول فلان كان صديقا لي فيدله الله عليه فيأتيه فيكلمه

١٥٢

في حاجته فيقول : بلى لي عبادات كثيرة اقبلها مني فقد وهبتها منك ، فيجيء هذا العبد إلى موضعه ويخبر بذلك ربه فيقول الله تعالى : قد قبلتها منه ولم أنقص من حقه شيئا وقد غفرت لك وله. (فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً) أي فليت لنا رجعة إلى الدنيا (فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (١٠٢) منصوب في جواب التمني (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي فيما ذكر من نبأ إبراهيم المشتمل على بيان بطلان ما عليه أهل مكة من عبادة الأصنام (لَآيَةً) أي لعظة لمن أراد أن يعتبر وحجة لمن أراد أن يستبصر بها (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) (١٠٣) أي وما أكثر هؤلاء الذين نتلو عليهم النبأ مؤمنين ، بل هم مصرون على الكفر والضلال (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (١٠٤) أي لهو القادر على تعجيل العقوبة لقومك ، ولكنه يمهلهم بحكم رحمته الواسعة ليؤمن بعض منهم أو من ذرياتهم (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ) (١٠٥) بتكذيبهم نوحا فمن كذب واحدا من الرسل فقد كذب الكل ، لأن الأخير جاء بما جاء به الأول من التوحيد وأصول الشرائع التي لا تختلف باختلاف الأزمنة ، (إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ) في النسب (نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ) (١٠٦) الله حيث تعبدون غيره (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ) من الله تعالى (أَمِينٌ) (١٠٧) أي مشهور بالأمانة فيما بينكم فكيف تتهموني اليوم؟ (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) (١٠٨) فيما آمركم به من التوحيد والطاعة لله تعالى (وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) أي وما أسألكم على هذا النصح أجرة (إِنْ أَجْرِيَ) أي ما ثوابي في دعائي لكم (إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ) (١٠٩).

وقرأ نافع وأبو عمرو ، وابن عامر وحفص بفتح الياء في «أجري» في المواضع الخمسة في هذه السورة. والباقون بالسكون. (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) (١١٠) أي اتبعوا وصيتي ، وكرر الأمر بالتقوى ، لأن المعنى في الأزل ألا تتقون مخالفتي وأنا رسول الله. وفي الثاني ألا تتقون مخالفتي ولست آخذا منكم أجرة. فلا تكرار فيه لأن المعنى مختلف. (قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ) (١١١) والواو للحال أي أنصدقك يا نوح لأجل قولك هذا؟ والحال أنه قد اتبعك فقراء الناس وضعفاؤهم من النسب قيل : هم من أهل الصناعات الخسيسة كالحجامة والحياكة.

وقرأ يعقوب و «أتباعك الأرذلون»! فهو مبتدأ وخبر والجملة حال والاتباع جمع تابع أو تبع كأشهاد وأبطال (قالَ) نوح : (وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١١٢) وهذا جواب عما أشير إليه من قولهم : إنهم لم يؤمنوا عن نظر وإخلاص عمل وإنما آمنوا بالهوى والطمع في العزة والمال ، وكان زائدة أي ما وظيفتي إلا اعتبار الظواهر دون التفتيش عن بواطنهم ولم أكلف العلم بأعمالهم ، وإنما كلفت أن أدعوهم إلى الإيمان فالاعتبار بالإيمان لا بالصنائع (إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي) أي ما محاسبة أعمالهم وبواطنهم إلا على ربي فإنه مطلع على السرائر (لَوْ تَشْعُرُونَ) (١١٣) أي لو كنتم من أهل الشعور لعلمتم ذلك فلم تقولوا ما قلتم. (وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ) (١١٤) بأن لا أقبل الإيمان منهم للطمع في إيمانكم (إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) (١١٥) أي ما أنا إلا مبعوث لإنذاركم بالبرهان الواضح ولزجر المكلفين عن الكفر والمعاصي سواء كانوا من الأعزاء أو من الأراذل وقد فعلت وليس علي

١٥٣

استرضاء بعضكم بطرد الفقراء لأجل اتباع الأغنياء. (قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ) عن مقالتك (لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ) (١١٦) أي من المقتولين كما قتلنا من آمن بك من الغرباء.

وقال الكلبي ومقاتل : أي من المقتولين بالحجارة. وقال الضحاك : أي من المشتومين (قالَ) نوح عند حصول اليأس من فلاحهم شاكيا إلى الله تعالى : (رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ) (١١٧) في الرسالة وقتلوا من آمن بي من الغرباء (فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً) أي احكم بيننا بما يستحقه كل واحد منا ، وافتح بابا من أبواب عدلك على مستحقيه بأن تنزل العقوبة بهم ، وبابا من أبواب فضلك على مستحقيه (وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (١١٨) مما تعذب به الكافرين ، وكان المؤمنين ثمانين أربعين من الرجال وأربعين من النساء (فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) (١١٩) أي حال كونهم في السفينة الموقرة بالناس والحيوان والطير وبما لا بد لهم منه (ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ الْباقِينَ) (١٢٠) أي أغرقنا بعد ركوب نوح والمؤمنين على السفينة والباقين على الأرض من قومه (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي الإنجاء والإهلاك (لَآيَةً) أي لعبرة لمن بعدهم ، (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) (١٢١) أي ما أكثر هؤلاء الذين سمعوا قصتهم من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مؤمنين ، (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (١٢٢) أي لهو القادر على تعجيل العقوبة لقومك ، ولكنه يمهلهم لأنه رحيم ذو حكمة ، (كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ) (١٢٣) أي كذبت قوم هود هودا وسائر الرسل الذين ذكرهم هود ، فعاد اسم قبيلة هود سميت باسم أبيها الأعلى ، وكان من نسل سام بن نوح. (إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ) ـ في النسب ـ نبيهم (هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ) (١٢٤) الله ، فتفعلون ما تفعلون؟ (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) (١٢٥) على الرسالة (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) (١٢٦) فيما أمرتكم به من الإيمان والتوبة (وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ) أي الدعاء إلى التوحيد (مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ) (١٢٧) ، وكان هود تاجرا جميل الصورة ، يشبه آدم وعاش من العمر أربعمائة وأربعا وستين سنة (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ) (١٢٨) أي أتبنون بكل مكان مرتفع علامة تعبثون فيها بمن يمر بكم. وقيل : إنهم كانوا يبنون في الأماكن المرتفعة ليعرف بذلك غناهم تفاخرا (وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ) أي حيضانا تجمعون فيها ماء المطر ، فهي من نوع الصهاريج. وقيل : القصور (لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ) (١٢٩) أي مؤملين أن تخلدوا في الدنيا لإنكاركم البعث فلعل للتجري وهو للتوبيخ ، وقيل : للتعليل ويؤيده قراءة عبد الله «كي تخلدون» وقيل : معناها التشبيه ويؤيده ما في مصحف أبيّ «كأنكم تخلدون» وقرئ «كأنكم خالدون». وقرئ بضم التاء مع تخفيف اللام وتشديدها (وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ) (١٣٠) أي إذا أخذتم بالعقوبة على أحد بأن ضربتم أحدا بسوط أو قتلتم بالسيف فعلتم فعل الغاشمين بلا رأفة ولا قصد تأديب ، ولا نظر في العاقبة. والحاصل أنهم أحبوا العلو وبقاء العلو والتفرد بالعلو ، وكل ذلك ينبه على أن حب الدنيا رأس كل خطيئة وعنوان كل معصية (فَاتَّقُوا اللهَ) بترك هذه الأفعال (وَأَطِيعُونِ) (١٣١) فيما أدعوكم إليه فإنه أنفع لكم (وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ) (١٣٢) ، أي واخشوا الذي أعطاكم ما لا خفاء فيه عليكم من أنواع النعم

١٥٤

الحاصلة لكم ، ثم بين هود عليه‌السلام ما أعطاهم الله تعالى فقال : (أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ (١٣٣) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) (١٣٤) فأنتم تنتفعون بذلك كله فلا تغفلوا عن تقييده بالشكر ، (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ) إن لم تقوموا بشكر هذه النعم (عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (١٣٥) في الدنيا والآخرة فإن كفران النعم مستتبع للعذاب. (قالُوا سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ) (١٣٦) فإنا لن نرجع عما نحن فيه لأجل وعظك إيانا (إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ) (١٣٧).

وقرأ نافع وابن عامر وعاصم وحمزة بضم الخاء واللام ، أي ما هذا الذي جئنا به من الكذب إلا عادة الأولين كانوا يسطرونه أو ما هذا الذي نحن عليه من الدين إلا عادة آبائنا الأولين يدينون به ونحن بهم مقتدون أو ما هذا الذي نحن عليه من الموت والحياة والبلاء والعافية ، ومن اعتقاد أن لا بعث ولا حساب ، ولا جزاء إلا عادة قديمة لم يزل الناس عليها من قديم الدهر. وقرأ الباقون بفتح الخاء وسكون اللام ، أي ما هذا الذي جئت به إلا كذب الأولين ، وما خلقنا هذا إلا خلق الأمم الماضية نحيا كحياتهم ونموت كمماتهم ولا بعث ولا حساب (وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) (١٣٨) على ما نحن عليه من الأعمال كما تقول (فَكَذَّبُوهُ) في وعيده بالعذاب ، (فَأَهْلَكْناهُمْ) بريح باردة شديدة الصوت (إِنَّ فِي ذلِكَ) الإهلاك (لَآيَةً) أي لعبرة لمن بعدهم ، (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ) أي وما صار أكثر هؤلاء الذين سمعوا قصتهم من قوم محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (مُؤْمِنِينَ) (١٣٩) (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ) أي الغالب على ما يريده من انتقام المكذبين (الرَّحِيمُ) (١٤٠) أي المبالغ في الرحمة ، ولذلك يمهلهم بعدم إيمانهم لحكمة يعلمها (كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ) (١٤١) أي كذبت جماعة صالح صالحا. فثمود اسم قبيلة صالح سميت باسم أبيها وهو ثمود جد صالح ، وعاش صالح من العمر مائتين وثمانين سنة وبينه وبين هود مائة سنة ، (إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ) في نسب نبيهم (صالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ) (١٤٢) الله (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ) من الله (أَمِينٌ) (١٤٣) في جميع ما أرسلت به إليكم منه (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) (١٤٤) أي اتبعوا ديني وأمري ، (وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ) أي على ما جئتكم به (مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ) (١٤٥) وليعلم كافة الناس أن من عمل لله لا ينبغي أن يطلب من غير الله ، وينبغي للعلماء أن يتأدبوا بآداب الأنبياء فلا يطلبوا من الناس شيئا في بث علومهم ، ولا ينتفعوا منهم بالتذكير لهم ، ومن انتفع من المستمعين من الدين فلا بركة فيما يأخذ منهم. (أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ) (١٤٦) أي أتظنون أنكم تتركون في الدنيا آمنين من العذاب ، وأنه لا دار للمجازاة أي لا ينبغي لكم أن تعتقدوا أنكم تتقلبون في النعم التي في دياركم آمنين من الزوال والعذاب فلا تطمعوا في ذلك ، ثم فسر المكان بقوله : (فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٤٧) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ) (١٤٨) أي لطيف لين والطلع ثمر النخل في أول ما يطلع وبعده يسمى خلالا ، ثم بلحا ، ثم بسرا ، ثم رطبا ، ثم تمرا. (وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ) (١٤٩).

وقرأ ابن عامر والكوفيون بألف بعد الفاء أي ماهرين في العمل ويعملون بنشاط وطيب

١٥٥

قلب. وقرأ الباقون بغير ألف أي متكبرين لا للحاجة ، فالغالب على قوم صالح هو اللذات الحسية ، وهي طلب المأكول والمشروب والمساكن الطيبة. وأما الغالب على قوم هود فهو اللذات الحالية وهي طلب الاستعلاء والتجبر (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) (١٥٠) في كل ما أمرتكم به (وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ) (١٥١) أي المستكثرين من لذات الدنيا وشهواتها بل اكتفوا واقتصروا منها بقدر الكفاف ، (الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ) (١٥٢). وهذا بيان أن فسادهم فساد خالص ليس معه شيء من الصلاح ، فإن حال بعض المفسدين مخلوطة ببعض الصلاح (قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ) (١٥٣) أي ممن يأكلون الطعام ، ويشربون الشراب كما قال الفراء المسحر من له جوف ، (ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) فكيف تكون نبيا (فَأْتِ بِآيَةٍ) أي بعلامة تدل على صدقك (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) (١٥٤) في دعواك أنك رسول إلينا! فقال لهم صالح : ما تريدون؟ قالوا : نريد ناقة عشراء من هذه الصخرة فتلد سقبا فأخذ صالح يتفكر. فقال له جبريل : صل ركعتين وسل ربك الناقة ففعل ، فخرجت الناقة ، وبركت بين أيديهم ونتجت سبقا مثلها في العظم. وعن أبي موسى الأشعري رضي‌الله‌عنه رأيت مبركها فإذا هو ستون ذراعا في ستين ذراعا ، (قالَ) لهم صالح : (هذِهِ ناقَةٌ) دالة على نبوتي أخرجها ربي من الصخرة كما اقترحتم (لَها شِرْبٌ) أي نصيب من الماء تشرب منه يوما (وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) (١٥٥) أي ولكم نصيب من الماء تشربون منه يوما ولا تزاحموا على شربها (وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ) كضرب وعقر (فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥٦) فَعَقَرُوها).

روي أن مصدعا ألجأها إلى مضيق ، فرماها بسهم ، فسقطت ، ثم ضربها قدار بالسيف في ساقيها. قال مقاتل وغيره : فخرج في أبدانها خراج مثل الحمص فكان في اليوم الأول أحمر ، ثم صار في الغد أصفر ، ثم صار في الثالث أسود ، وكان عقر الناقة يوم الأربعاء وهلاكهم يوم الأحد ، انفقعت فيه تلك الخراجات ، وصاح عليهم جبريل صيحة فماتوا بالأمرين ، وكان ذلك ضحوة (فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ) (١٥٧) أي فصاروا نادمين على قتلها ندم الخائفين من العذاب العاجل ، أو ندم التائبين عند معاينة العذاب فلم ينفعهم الندم (فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ) الموعود على عقرها (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي في أخذهم بالعذاب (لَآيَةً) أي لعبرة لمن بعدهم. (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ) أي أكثر هؤلاء الذين سمعوا القصة من قريش (مُؤْمِنِينَ) (١٥٨) (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (١٥٩) حيث لا يعالجهم بالعذاب (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ) (١٦٠) فمن كذب رسولا فقد كذب الكل ، (إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ) في البلد لا في النسب نبيهم (لُوطٌ) فإن لوطا ابن أخي إبراهيم ، وهما من بلاد المشرق من أرض بابل فلوط كان مجاورا لهم في قريتهم ، (أَلا تَتَّقُونَ) (١٦١) عبادة غير الله (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ) من الله (أَمِينٌ) (١٦٢) على الرسالة (فَاتَّقُوا اللهَ) فيما أمركم به (وَأَطِيعُونِ) (١٦٣) أي اتبعوا أمري (وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ) أي الدعاء إلى الله تعالى (مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ) (١٦٤) أي جامع الخلق ومربيهم ، (أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ) (١٦٥) أي أتأتون الذكران من أولاد آدم مع كون النساء

١٥٦

أليق بالاستمتاع ، (وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ) أي وتتركون إناثا أباحها لكم ربكم هي أزواجكم لأجل استمتاعكم ، أو وتتركون فروجا أحل لكم ربكم حال كونها بعض أزواجكم ، (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ) (١٦٦) أي متجاوزون الحد في جميع المعاصي بإتيانكم هذه الفاحشة ، أو متجاوزون عن حد الشهوة حيث زدتم على سائر الحيوانات. (قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ) عن تقبيح أمرنا (لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ) (١٦٧) أي من جملة من أخرجناه من بلدنا سذوم. (قالَ) لوط : (إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ) (١٦٨) أي إني لعملكم الخبيث لمبغض من المبغضين غاية البغض فلا أقف عن الإنكار عليه بالإبعاد عنكم ، ثم توجه لوط إلى الله تعالى قائلا : (رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ) (١٦٩) أي من شؤم عملهم (فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ) أي بنتيه وامرأته المؤمنة ومن اتبعه في الدين (أَجْمَعِينَ) (١٧٠) مما عذبناهم به بإخراجهم من بينهم عند قرب حلول العذاب بهم (إِلَّا عَجُوزاً) هي امرأة لوط المنافقة (فِي الْغابِرِينَ) (١٧١) أي إلا عجوزا مقدار كونها من الباقين في العذاب ، لأنها كانت راضية بفعل القوم وقد أصابها الحجر في الطريق (ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ) (١٧٢) أي أهلكنا المتأخر عن اتباع لوط بقلب قراهم عليهم وجعل أعلاها سافلها ، (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ) أي على من كان منهم خارج القرى لسفر أو غيره (مَطَراً) غير معتاد حجارة من السماء فأهلكتهم ، (فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ) (١٧٣) أي فبئس مطر جنس المنذرين مطر قوم لوط بالحجارة ، (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي فيما فعلنا بهم (لَآيَةً) أي دلالة على عزة الله وعظمته (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ) أي أكثر من تلوث عليهم القصة (مُؤْمِنِينَ) (١٧٤) فإن أكثر الخلق لئام وكرامهم قليلون كما قال الشاعر :

فقلت لها أن الكرام قليل

 

تعيّرنا أنّا قليل عديدنا

(وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (١٧٥) فلا يهتدي إلى عديم النظير الأذلاء ويهتدي إليه برحمته الفائضة من كانت همته عالية (كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ) (١٧٦) ، أي كذب أصحاب شجر ملتف بقرب مدين شعيبا ، وجملة المرسلين.

وقرأ نافع وابن كثير وابن عامر في هذه السورة وفي «ص» خاصة : «ليكة» بلام واحدة وفتح التاء وهو غير منصرف للعلمية والتأنيث واللام جزء الكلمة ، وهو اسم البلدة لأصحاب الحجر. وقال أبو عبيدة : إن ليكة اسم للقرية التي كانوا عليها والأيكة اسم للبلاد كلها (إِذْ قالَ لَهُمْ) نبيهم (شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ) (١٧٧) الله الذي تفضل عليكم بنعمه (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ) من عند الله فهو أمرني أن أقول لكم ذلك. (أَمِينٌ) (١٧٨) لا خيانة عندي (فَاتَّقُوا اللهَ) المحسن إليكم بهذه الغيضة وغيرها (وَأَطِيعُونِ) (١٧٩) لما ثبت من نصحي لكم (وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ) أي على دعائي لكم إلى الإيمان بالله تعالى (مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ) (١٨٠) أي المحسن إلى الخلائق كلهم ، فإني لا أرجو أحدا سواه. (أَوْفُوا الْكَيْلَ) أي أتموه إذا كلتم للناس كما توفونه إذا أخذتم منهم (وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ) (١٨١) أي الناقصين لحقوق الناس. (وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ) (١٨٢) أي بالميزان العدل.

١٥٧

وقرأ حمزة والكسائي وحفص بكسر القاف. والباقون بالضم (وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ) أي لا تنقصوا شيئا من حقوق الناس في كيل ووزن أو غير ذلك (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) (١٨٣) ولا تعملوا المعاصي في الأرض بقطع الطريق والغارة وإهلاك الزرع والدعاء إلى غير عبادة الله ، فإنهم كانوا يفعلون ذلك. (وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ) (١٨٤) أي الخلائق الماضين الذين كانوا على خلقة عظيمة وطبيعة غليظة ، كقوم هود وقوم لوط. وقرأ العامة الجبلة على كسر الجيم والباء وتشديد اللام وأبو حصين والأعمش والحسن بضمها وتشديد اللام ، والسلمي بفتح الجيم أو كسرها مع سكون الباء. (قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ) (١٨٥) أي المجوفين مثلنا لست بملك (وَما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) تأكل وتشرب كما نفعل ، فلا وجه لتخصيصك بالرسالة (وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ) (١٨٦) فـ «إن» مخففة من الثقيلة ، واسمها محذوف أي وأنا نظنك لمن الكاذبين في دعواك أنك رسول من الله ثم إن شعيبا كان هددهم بالعذاب أن استمروا على التكذيب فقالوا : (فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ) أي فأسقط علينا قطعا من السحاب (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) (١٨٧) في دعواك.

وقرأ حفص بفتح السين. والباقون وإنما طلبوا ذلك لتصميمهم على التكذيب واستبعادهم وقوعه فعند ذلك فوض شعيب عليه‌السلام أمرهم إلى الله تعالى فـ (قالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ) (١٨٨) وبما تستحقون بسببه من العذاب. (فَكَذَّبُوهُ) أي أصروا على تكذيبه بالرسالة (فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ) وفي إضافة العذاب إلى يوم دون الظلة إعلام بأن لهم يومئذ عذابا آخر غير عذاب السحاب كما روي أن الله تعالى فتح عليه بابا من أبواب جهنم وأرسل عليهم هدة وحرا شديدا مع سكون الريح سبعة أيام بلياليها فأخذ بأنفاسهم فدخلوا بيوتهم فلم ينفعهم ظل ولا ماء فأنضجهم الحر فخرجوا هرابا ، فأرسل الله تعالى سحابة فأظلتهم فوجدوا لها بردا وروحا وريحا طيبة ، فنادى بعضهم بعضا فلما اجتمعوا تحت السحابة ألهبها الله عليهم نارا ورجفت بهم الأرض فاحترقوا كما يحترق الجراد المقلي فصاروا رمادا ، (إِنَّهُ) أي ذلك العذاب (كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (١٨٩) في الشدة والهول.

قال قتادة : بعث الله شعيبا إلى أمتين أصحاب الأيكة ، وأهل مدين فأهلكت أصحاب الأيكة بالظلة وأهل مدين بصيحة جبريل عليه‌السلام ، (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي فيما فعلنا بهم (لَآيَةً) أي دلالة واضحة على صدق الرسل ، (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ) أي أكثر قومك (مُؤْمِنِينَ) (١٩٠) مع أنك قد أتيت قومك بما لا يكون معه شك لو لم يكن لهم معرفة بك قبل ذلك ، فكيف وهم عارفون بأنك كنت قبل الرسالة أصدقهم لهجة ، وأعظمهم أمانة وأغزرهم عقلا ، وأبعدهم عن كل ذي دنس؟! (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (١٩١) بالإمهال.

وهذا آخر القصص السبع التي ذكرها الله تعالى تسلية لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وتهديدا للمكذبين له

١٥٨

وكل قصة من هذه القصص ذكر مستقل متجدد النزول ، قد أتاهم من الله تعالى ، وما كان أكثرهم مؤمنين بعد ما سمعوها على التفصيل قصة بعد قصة بأن لا يعتبروا بما في كل واحدة منها من الدواعي إلى الإيمان ، والزواجر عن الكفر والطغيان وبأن لا يتأملوا في شأن الآيات الكريمة الناطقة بتلك القصص على ما هي عليه مع علمهم بأنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يسمع شيئا منها من أحد أصلا ، وصاروا كأنهم لم يسمعوا شيئا يزجرهم عن الكفر والضلال واستمروا على ذلك (وَإِنَّهُ) أي القرآن الذي من جملته هذه القصص (لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ) (١٩٢) أي منزل من خالق المخلوقين فليس بشعر ولا أساطير الأولين ، ولا غير ذلك مما قالوه فيه (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ) (١٩٣).

قرأ نافع ، وابن كثير ، وأبو عمرو ، وحفص بتخفيف «الزاي» ، ورفع «الروح». والباقون بتشديد «الزاي» ونصب «الروح» ، وذكر الله تعالى دليل التنزيل بقوله تعالى : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ) إلخ ، فالروح : هو جبريل عليه‌السلام سمي بالروح ، لأنه به نجاة الخلق في باب الدين ، فهو كالروح الذي تثبت معه الحياة. وبالأمين ، لأنه مؤتمن على ما يؤديه إلى الأنبياء عليهم‌السلام ، (عَلى قَلْبِكَ) أي جعل الله تعالى جبريل نازلا بالقرآن على قدر حفظك أي فهمك القرآن وأثبته في قلبك إثبات ما لا ينسى. وهذا تنبيه على نبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلى أن الإخبار عن هذه القصص ممن لم يتعلمها لا يكون إلا وحيا من الله تعالى (لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) (١٩٥) أي أنزل الله تعالى بالقرآن لتنذرهم بما فيه من العقوبات الهائلة ، وكان إنزاله بلغة عربية واضحة المعنى لئلا يبقى لهم عذر ما له منه مناص لو نزله باللسان الأعجمي لقالوا له صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما نصنع بما لا نفهمه فيتعذر الإنذار به وقوله : (لِتَكُونَ) متعلق بنزل. وكذا قوله : (بِلِسانٍ) ويجوز أن يكون بدلا من به ، وأما جعله متعلقا بالمنذرين فيفيد أن غاية الإنزال كونه لله من جملة المنذرين باللغة العربية فقط. وهذا لا ينبغي فإن سبب كونه صلى‌الله‌عليه‌وسلم من جملة المنذرين مجرد إنزال القرآن عليه صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا إنزاله بخصوص اللسان العربي والذين أنذروا باللسان العربي خمسة فقط محمد وإسماعيل ، وهود ، وصالح ، وشعيب عليهم الصلاة والسلام (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) (١٩٦) أي وإن معنى القرآن وصفته لفي الكتب المتقدمة ، فإن الله تعالى أخبر في كتب الأولين عن القرآن وإنزاله في آخر الزمان والله تعالى بين أصول معانيه في كتبهم (أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ) (١٩٧) ، أي أغفل أهل مكة عن القرآن ولم يكن لهم آية دالة على أنه تنزل من رب العالمين ، وأنه في زبر الأولين أن يعرفه علماء بني إسرائيل بنعوته المذكورة في كتبهم ، ويعرفوا من أنزل عليه ، وكانوا خمسة : أسد ، وأسد ، وابن يامين ، وثعلبة ، وعبد الله بن سلام فهؤلاء الخمسة من علماء اليهود وقد حسن إسلامهم.

قال ابن عباس : بعث أهل مكة إلى اليهود بالمدينة فسألوهم عن محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا : إن هذا لزمانه وإنا لنجد نعته في التوراة ، فكان ذلك آية على صدقه صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

١٥٩

وقرأ ابن عامر «تكن» بالتأنيث ورفع «آية» على أنه اسمها ، ولهم خبرها وأن يعلمه بدل من اسمها ، أو على أنه فاعل لها ولهم حال «وأن يعلمه» بدل من الفاعل ، ولا يجوز أن يكون «آية» اسمها «وأن يعلمه» خبرها ، لأنه يلزم عليه جعل الاسم نكرة والخبر معرفة. والباقون «يكن» بالتذكير ونصب آية على أنه خبرها «وأن يعلمه» اسمها (وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (١٩٨) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ) (١٩٩) أي ولو نزلنا القرآن كما هو على رجل أعجمي فقرأه على أهل مكة قراءة صحيحة خارقة للعادة ما كانوا مؤمنين به مع أن الأعجمي لا يتهم باكتسابه أصلا لفقد الفصاحة فيه ولا باختراعه لكونه ليس بلغته لفرط عنادهم ، وشدة شكيمتهم في المكابرة (كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ) (٢٠٠) ، أي مثل ذلك الإدخال أدخلنا القرآن في قلوب كفار مكة ففهموا معانيه ، وعرفوا فصاحته من حيث النظم المعجز زمن حيث الإخبار عن الغيب وقد انضم إليه اتفاق علماء أهل الكتب المنزّلة قبله على البشارة بإنزاله وبعثة من أنزل عليه بأوصافه وكيفما فعل بهم فلا سبيل إلى أن يتغيروا عما هم عليه من الإنكار (لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) (٢٠١) الملجئ للإيمان به ، فيؤمنون حين لا ينفعهم الإيمان (فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (٢٠٢) بإتيان العذاب (فَيَقُولُوا) تأسفا على ما فات من الإيمان (هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ) (٢٠٣) وهو استفهام طمع في المحال وهو إمهالهم بعد مجيء العذاب ، وهم في الآخرة يعلمون أن لا ملجأ لهم لكنهم يذكرون ذلك استرواحا (أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ) (٢٠٤) أي أيكون حالهم كما ذكر من الاستنظار عند نزول العذاب الأليم ، فيستعجلون بعذابنا في الدنيا بقولهم : أمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ونحو ذلك. (أَفَرَأَيْتَ) أي أخبرني أيها المخاطب (إِنْ مَتَّعْناهُمْ) في الدنيا بطول الأعمار وطيب المعاش (سِنِينَ) (٢٠٥) متطاولة (ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ) (٢٠٦) من العذاب ، (ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ) (٢٠٧) أي أيّ شيء أفادهم كونهم متمتعين ذلك التمتيع المديد من دفع العذاب.

وقرئ «يتمتعون» بسكون الميم (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ) من القرى المهلكة (إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ) (٢٠٨) أي رسل قد أنذروا أهلها إلزاما للحجة (ذِكْرى) أي لأجل تذكيرهم العواقب ، وهو منصوب على أنه مفعول لأجله أو مفعول مطلق منصوب بـ «منذرون» لأن التذكرة في معنى الإنذار ، أو منصوب بفعل مقدر هو صفة لـ «منذرون» أي إلا لها منذرون يذكرونهم ذكرى. ويجوز أن يكون «ذكرى» مفعولا له علة لـ «أهلكنا». والمعنى : وما أهلكنا من أهل قرية ظالمين إلا بعد ما ألزمناهم الحجة بإرسال المنذرين إليهم ليكون إهلاكهم عبرة لغيرهم فلا يعصوا مثل عصيانهم. (وَما كُنَّا ظالِمِينَ) (٢٠٩) فنهلك قوما غير ظالمين وقبل الإنذار (وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ) (٢١٠). وهذا رد لقول الكفار لم لا يجوز أن يكون هذا القرآن من إلقاء الجن والشياطين إلى محمد على لسانه كسائر ما ينزل على الكهنة من أخبار السماء. (وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما

١٦٠