أحكام القرآن - ج ٢

أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي

أحكام القرآن - ج ٢

المؤلف:

أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٤٦
الجزء ١ الجزء ٢

«فلمّا كان معقولا فى حكم الله (عز وجل) ، ما وصفت ـ : انبغى (١) لأهل العلم عندى ، أن يعلموا : أنّ ما حلّ ـ : من الحيوان. ـ : فذكاة (٢) المقدور عليه [منه (٣)] : مثل (٤) الذّبح ، أو النّحر ؛ وذكاة غير المقدور عليه منه : ما يقتل (٥) به : جارح ، أو سلاح.».

* * *

(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس الأصمّ ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال (٦) : «الكلب المعلّم : الذي إذ أشلى : استشلى (٧) ؛ وإذا أخذ : حبس ، ولم يأكل. فإذا فعل هذا مرّة بعد مرّة : كان معلّما ، يأكل صاحبه ممّا حبس عليه ـ : وإن قتل. ـ : ما لم يأكل (٨).».

__________________

(١) عبارة الأصل هكذا : «اسعى». والظاهر أنها مصحفة عما ذكرنا.

(٢) فى الأصل : «بزكاة». وهو خطأ وتصحيف.

(٣) زيادة حسنة.

(٤) لعله إنما عبر بذلك : لئلا تخرج ذكاة الجنين التي هى : ذكاة أمه.

(٥) فى الأصل : «ينل». وهو إما محرف عما ذكرنا ، أو عن : «ينال». وراجع فى هذا المقام : الأم (ج ٢ ص ١٩٧ ـ ٢٠٣) ، والمختصر (ج ٥ ص ٢٠٧ ـ ٢١٠) ، والسنن الكبرى (ج ٩ ص ٢٤٥ ـ ٢٤٩) ، والفتح (ج ٩ ص ٤٧٥ ـ ٤٨٢) ، والمجموع (ج ٩ ص ٨٠ ـ ٩٢).

(٦) كما فى الأم (ج ٢ ص ١٩١). وانظر المختصر (ج ٥ ص ٢٠٥).

(٧) ورد فى الأصل : بالألف ؛ وهو تصحيف. أي : إذا دعى أجاب. والإشلاء : يستعمل أيضا : فى الإغراء على الفريسة ؛ خلافا لابن السكيت. وحمله على المعنى الأول هنا وأولى وأحسن. وانظر المجموع (ج ٩ ص ٩٧ ـ ٩٨).

(٨) انظر ما ذكره بعد ذلك (ص ١٩٢) : من الحكم فيما إذا أكل. وراجع

٨١

قال الشافعي (١) : «وقد تسمّى جوارح : لأنها تجرح ؛ فيكون اسما : لازما. وأحلّ (٢) ما أمسكن مطلقا (٣).».

* * *

(أنا) أبو سعيد ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (٤) (رحمه الله) : «وإذا (٥) كانت الضّحايا ، إنما هو (٦) : دم يتقرّب به (٧) ؛ فخير الدماء : أحبّ إلىّ. وقد زعم بعض المفسّرين : أنّ قول الله عز وجل : (ذلِكَ ؛ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ) (٨) : (٢٢ ـ ٣٢) ـ : استسمان الهدى (٩) واستحسانه (١٠). وسئل (١١) رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : أىّ الرّقاب

__________________

فى المقام كله : السنن الكبرى (ج ٩ ص ٢٣٥ ـ ٢٣٨ و ٢٤١ ـ ٢٤٥) ، والفتح (ج ٩ ص ٤٨٢ ـ ٤٨٣) ، والمجموع (ج ٩ ص ٩٨ ـ ١٠٨) ، وشرح العمدة (ج ٤ ص ١٩٧ ـ ١٩٩).

(١) كما فى الأم (ج ٢ ص ٢٠١).

(٢) فى الأم : «وأكل».

(٣) لكى تفهم ذلك حق الفهم ، راجع كلامه السابق واللاحق (ص ٢٠١ ـ ٢٠٢).

(٤) كما فى الأم (ج ٢ ص ١٨٨ و ١٨٩). وقد ذكر بعضه فى السنن الكبرى (ج ٩ ص ٢٧٢) ، والمختصر (ج ٥ ص ٢١١).

(٥) فى الأم (ص ١٨٩) : بالفاء. وفى السنن الكبرى : «إذا».

(٦) كذا بالأصل والأم والسنن الكبرى. وكان المناسب تأنيث الضمير ؛ ولعله ذكره : مراعاة للخبر.

(٧) فى الأم زيادة : «إلى الله تعالى».

(٨) فى الأم (ص ١٨٨) زيادة : (فإنها من تقوى القلوب).

(٩) راجع كلام النووي فى المجموع (ج ٨ ص ٣٥٦) عن معنى الهدى ، والمراد منه.

(١٠) أخرج هذا التفسير البخاري ، عن مجاهد ؛ وأخرجه ابن أبى شيبة والشيرازي ، عن ابن عباس. انظر الفتح (ج ٣ ص ٣٤٨) ، والمجموع (ج ٨ ص ٣٥٦ و ٣٩٥).

(١١) السائل : أبوذر. راجع حديثه فى السنن الكبرى.

٨٢

أفضل؟ فقال (١) : أغلاها ثمنا ، وأنفسها عند أهلها.»

«قال : والعقل مضطرّ إلى أن يعلم : أنّ كلّ ما تقرّب به إلى الله (عز وجل) : إذا كان نفيسا ، فكلّما (٢) عظمت رزيّته على المتقرّب به إلى الله (عز وجل) : كان أعظم لأجره (٣)

«وقد قال الله (عز وجل) فى المتمتّع : (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ : ٢ ـ ١٩٦) ؛ وقال ابن عباس : فما (٤) استيسر ـ : من الهدى. ـ : شاة (٥). وأمر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أصحابه ـ : الذين تمتّعوا بالعمرة إلى الحجّ. ـ : أن يذبحوا شاة شاة. وكان ذلك أقلّ ما يجزيهم. لأنه (٦) إذا أجزاه (٧) أدنى الدم : فأعلاه خير منه (٨).».

* * *

__________________

(١) فى الأم بدون الفاء. وما فى الأصل أحسن.

(٢) فى الأم بدون الفاء. وما فى الأصل أحسن.

(٣) ذكر إلى هنا ، فى الأم (ص ١٨٨). وقوله : والعقل ؛ إلى آخر الكلام ؛ ليس بالسنن الكبرى ، ولا بالمختصر.

(٤) فى الأم بدون الفاء. وما فى الأصل أحسن.

(٥) وقد وافق ابن عباس فى ذلك : على ، والجمهور. وخالفه ابن عمر وعائشة ، والقاسم بن محمد ، وطائفة. انظر السنن الكبرى (ج ٥ ص ٢٤ و ٢٢٨) ، والفتح (ج ٣ ص ٣٤٦ ـ ٣٤٧) ، وما تقدم (ج ١ ص ١١٦)

(٦) هذا مرتبط بأصل الدعوى ؛ فتنبه.

(٧) ذكر فى الأم : مهموزا.

(٨) ثم شرع يستدل : على أن الضحايا ليست واجبة ؛ فراجع كلامه (ص ١٨٩ ـ ١٩٠). وراجع فى هذا الموضوع : السنن الكبرى (ج ٩ ص ٢٦٢ ـ ٢٦٦) ، والفتح (ج ١٠ ص ٢ ـ ٣ و ١٢ ـ ١٣) ، والمجموع (ج ٨ ص ٣٨٢ ـ ٣٨٦).

٨٣

وبهذا الإسناد ، قال الشافعي (١) : «أحلّ الله (جل ثناؤه) : طعام أهل الكتاب ؛ وكان (٢) طعامهم ـ عند بعض من حفظت (٣) عنه : من أهل التفسير. ـ : ذبائحهم ؛ وكانت الآثار تدلّ : على إحلال ذبائحهم.»

«فإن كانت ذبائحهم : يسمّونها لله (عز وجل) ؛ فهى : حلال. وإن كان لهم ذبح آخر : يسمّون عليه غير اسم الله (عز وجل) ؛ مثل : اسم المسيح (٤) ؛ أو : يذبحونه (٥) باسم دون الله ـ : لم يحلّ هذا : من ذبائحهم. [ولا أثبت : أنّ ذبائحهم هكذا (٦).]»

«قال الشافعي (٧) : قد يباح الشيء مطلقا : وإنّما يراد بعضه ، دون بعض. فإذا زعم زاعم : أنّ المسلم : إن نسى اسم الله : أكلت ذبيحته ؛ وإن تركه استخفافا : لم تؤكل ذبيحته ـ : وهو لا يدعه لشرك (٨). ـ :

__________________

(١) كما فى الأم (ج ٢ ص ١٩٦).

(٢) هذا إلى قوله : إحلال ذبائحهم ؛ ذكره فى السنن الكبرى (ج ٩ ص ٢٨٢). وقد أخرج فيها التفسير الآتي ، عن ابن عباس ، ومجاهد ، ومكحول. وانظر الفتح (ج ٩ ص ٥٠٤). وراجع المجموع (ج ٩ ص ٧٨ ـ ٨٠) : فهو مفيد فيما سبق أيضا (ص ٥٧ و ٥٩)

(٣) فى السنن الكبرى : «حفظنا».

(٤) نقل فى الفتح (ج ٩ ص ٥٠٣) نحو هذا بزيادة : «وإن ذكر المسيح على معنى : الصلاة عليه ؛ لم يحرم». ثم نقل عن الحليمي ـ من طريق البيهقي ـ كلاما جيدا مرتبطا بهذا ؛ فراجعه.

(٥) كذا بالأم ؛ وهو الظاهر. وفى الأصل : «أو يذبحون» ؛ ولعل الحذف من الناسخ.

(٦) زيادة مفيدة ، عن الأم.

(٧) مبينا : أن كون ذبائحهم صنفين ، لا يعارض إباحتها مطلقة. انظر الأم.

(٨) فى الأم : «للشرك».

٨٤

كان من يدعه : على الشّرك ؛ أولى : أن يترك ذبيحته (١)

«قال الشافعي : وقد أحلّ الله (جل ثناؤه) لحوم البدن : مطلقة ؛ فقال تعالى : (فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها) (٢) : (فَكُلُوا مِنْها : ٢٢ ـ ٣٦) ؛ ووجدنا بعض المسلمين ، يذهب : إلى أن لا يؤكل من البدنة التي هى : نذر ، ولا : (٣) جزاء صيد ، ولا : فدية. فلمّا احتملت هذه (٤) الآية : ذهبنا إليه ، وتركنا الجملة لا : أنها بخلاف (٥) القرآن ؛ ولكنها : محتملة ومعقول : أنّ من وجب عليه شىء فى ماله : لم يكن له أن يأخذ منه (٦) شيئا. فهكذا : ذبائح أهل الكتاب ـ : بالدّلالة. ـ مشبهة لما (٧) قلنا.».

__________________

(١) لكى تلم بأطراف هذا البحث ، ومذاهبه ، وأدلته ـ راجع السنن الكبرى والجوهر النقي (ج ٩ ص ٢٣٨ ـ ٢٤١) ، والمجموع (ج ٨ ص ٤٠٨ ـ ٤١٢) ، والفتح (ج ٩ ص ٤٩٢ ـ ٤٩٣ و ٤٩٨ و ٥٠٢ ـ ٥٠٣) ، وشرح العمدة (ج ٤ ص ١٩٥).

(٢) أي : سقطت إلى الأرض ؛ كما قال ابن عباس ومجاهد. انظر السنن الكبرى (ج ٥ ص ٢٣٧) ، والفتح (ج ٣ ص ٣٤٨).

(٣) أي : ولا من البدنة التي هى جزاء صيد. وكذا التقدير فيما بعد. ولو عبر فيهما : بأو ؛ لكان أظهر ، وراجع معنى البدنة : فى المجموع (ج ٨ ص ٤٧٠).

(٤) كذا بالأصل والأم. وعلى كونه صحيحا وغير محرف عن : «هذا» ؛ يكون المفعول محذوفا تقديره : هذا المعنى وهذا التقييد.

(٥) فى الأم : «خلاف».

(٦) أي : من الشيء الواجب كالزكاة. ثم علل ذلك فى الأم ، بقوله : «لأنا إذا جعلنا له : أن يأخذ منه شيئا ؛ فلم نجعل عليه الكل : إنما جعلنا عليه البعض الذي أعطى.».

(٧) فى الأصل : «بما» ؛ والباء إما أن تكون مصحفة عن اللام ، أو زائدة من الناسخ.

٨٥

(أنا) أبو عبد الله الحافظ ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (١) : «واجب (٢) من أهدى نافلة : أن يطعم البائس الفقير (٣) ؛ لقول الله تعالى : (فَكُلُوا مِنْها ، وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ : ٢٢ ـ ٢٨) ؛ ولقوله (٤) عز وجل : (فَكُلُوا مِنْها (٥) ، وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ : ٢٢ ـ ٣٦). والقانع (٦) هو : السّائل ؛ والمعترّ هو (٧) : الزّائر ، والمارّ بلا وقت.»

__________________

ويؤكد ذلك عبارة الأم ، وهى : «على شبيه ما قلنا». أي : أنها أطلقت ، ثم قيدت.

(١) كما فى اختلاف الحديث (ص ٢٤٨). وقد ذكر بهامش الرسالة (ص ٢٤٠).

(٢) كذا بالأصل ؛ وهو صحيح قطعا. وفى اختلاف الحديث : «أحب لمن» ؛ فهل هو تحريف ، أم قول آخر للشافعى؟ : الذي نعرفه : أن الأصحاب قد اختلفوا فى نافلة الهدى والأضحية (كما فى المهذب) : على وجهين (ذكرهما صاحب المنهاج فى الأضحية خاصة). فذهب ابن سريج وابن القاص والإصطخرى وابن الوكيل : إلى أنه لا يجب التصدق بشىء ؛ بل : يجوز أكل الجميع. (ونقله ابن القاص عن نص الشافعي) : لأن المقصود : إراقة الدم. وذهب جمهور الأصحاب : الى أنه يجب التصدق بشىء ؛ فيحرم أكل الجميع : لأن المقصود : إرفاق المساكين. ولعل نقل ابن القاص : لم يثبت عند الجمهور ؛ أو ثبت : ولكنهم رجحوا القول الآخر ، من جهة الدليل. هذا ؛ وصنيع بعض الكاتبين ـ : كالجلال المحلى. ـ شعر : أنه لا خلاف فى وجوب التصدق بشىء : من الهدى. انظر المجموع (ج ٨ ص ٤١٣ و ٤١٦) ؛ وشرح المنهاج للمحلى (ج ٢ ص ١٤٦ وج ٤ ص ٢٥٤).

(٣) كذا باختلاف الحديث ؛ وهو المناسب. وفى الأصل : «والفقير» ؛ ولعل الزيادة من الناسخ.

(٤) فى اختلاف الحديث : «وقوله».

(٥) هذه الجملة ليست فى اختلاف الحديث.

(٦) فى اختلاف الحديث : «القانع». وهذا التفسير ، وما سيأتي عن مختصر البويطى ـ ذكر فى السنن الكبرى (ج ٩ ص ٢٩٣).

(٧) هذا ليس فى اختلاف الحديث.

٨٦

«فإذا أطعم : من هؤلاء ، واحدا (١) ـ : كان من المطعمين. وأحبّ (٢) إلىّ ما أكثر : أن (٣) يطعم ثلثا ، وأن (٤) يهدى ثلثا ، ويدّخر ثلثا : يهبط (٥) به حيث شاء (٦)

«قال : والضّحايا : فى هذه السّبيل (٧) ؛ والله أعلم.».

وقال في كتاب البويطىّ : «والقانع : الفقير ؛ والمعترّ : الزائر وقد قيل : الذي يتعرّض للعطيّة : منهما (٨).».

__________________

(١) فى الأصل : «واحد» ؛ وهو خطأ وتحريف. والتصحيح من عبارة اختلاف الحديث ، وهى : «واحدا أو أكثر ، فهو».

(٢) فى اختلاف الحديث : «فأحب». وما فى الأصل أحسن.

(٣) كذا باختلاف الحديث ؛ وهو الظاهر. وفى الأصل : «وأن» ؛ والزيادة من الناسخ.

(٤) فى اختلاف الحديث : «ويهدى» ؛ وهو أحسن.

(٥) فى اختلاف الحديث : «ويهبط». وما فى الأصل أحسن.

(٦) هذا : مذهبه الجديد ؛ ودليله : ظاهر الآية الثانية. والمذهب القديم : أن يتصدق بالنصف ، ويأكل النصف. ودليله : ظاهر الآية الأولى. انظر المجموع (ج ٨ ص ٤١٣ و ٤١٥).

(٧) فى الأصل : «السبل» ؛ وهو تحريف. والتصحيح من عبارة اختلاف الحديث ، وهى : «من هذه السبيل». ولكى تفهم أصل الكلام ، وتتم الفائدة ـ يحسن : أن تراجع الكلام عن ادخار لحم الأضحية ؛ فى اختلاف الحديث (ص ١٣٦ ـ ١٣٧ و ٢٤٦ ـ ٢٤٧) ، والرسالة وهامشها (ص ٢٣٥ ـ ٢٤٢) ، والسنن الكبرى (ج ٥ ص ٢٤٠ وج ٩ ص ٢٩٠ ـ ٢٩٣) ، والفتح (ج ١٠ ص ١٨ ـ ٢٢) ، والمجموع (ج ٨ ص ٤١٨) ، وشرح مسلم (ج ١٣ ص ١٢٨ ـ ١٣٤) ، وشرح الموطأ (ج ٣ ص ٧٥ ـ ٧٦).

(٨) فى السنن الكبرى : «منها» ؛ وهو تحريف. وفى بعض نسخها : «يتعرض العطية». ولبعض أئمة الفقه واللغة ـ : كابن عباس ، وعطاء ، والحسن ، ومجاهد ، وابن جبير.

٨٧

(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال (١) : «وأهل (٢) التفسير ، أو من سمعت [منه (٣)] : منهم ؛ يقول فى قول الله عز وجل : (قُلْ : لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ ، مُحَرَّماً : ٦ ـ ١٤٥). ـ : يعنى : ممّا كنتم تأكلون (٤). فإنّ العرب : قد (٥) كانت تحرّم أشياء :

__________________

والنخعي ؛ والخليل. ـ أقوال فى ذلك كثيرة مختلفة ؛ بيد أنها متفقة فى التفرقة بينهما. فراجعها : فى السنن الكبرى (ص ٢٩٣ ـ ٢٩٤) ، والفتح (ج ٣ ص ٣٤٨) ، والمجموع (ص ٤١٣).

(١) كما فى الأم (ج ٢ ص ٢٠٧) : دافعا الاعتراض بالآية الآتية ؛ بعد أن ذكر : أن أصل ما يحل أكله ـ : من البهائم والدواب والطير ـ شيئان ؛ ثم يتفرقان : فيكون منها شىء محرم نصا فى السنة ، وشىء محرم فى جملة الكتاب : خارج من الطيبات ومن بهيمة الأنعام. واستدل على ذلك : بآية : (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ : ٥ ـ ١) ؛ وآية : (أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ : ٥ ـ ٤ و ٥). وقد ذكر بعض ما سيأتى ـ باختلاف وزيادة ـ : فى الأم (ج ٢ ص ٢١٧) ، والمختصر (ج ٥ ص ٢١٤) ، والسنن الكبرى (ج ٩ ص ٣١٤). وراجع فى الأم (ج ٤ ص ٧٥ ـ ٧٦) ما روى عن ابن عباس وعائشة وعبيد بن عمير ـ : مما يتعلق بهذا المقام. ـ وما عقب به الشافعي عليه. وانظر حديث جابر بن زيد ، والكلام عليه : فى السنن الكبرى (ج ٩ ص ٣٣٠) ، والفتح (ج ٩ ص ٥١٨) ، والمجموع (ج ٩ ص ٧)

(٢) فى الأم : بالفاء. وعبارتها (ص ٢١٧) هى والسنن الكبرى والمختصر : «وسمعت بعض أهل العلم (أو أهل العلم) يقولون ـ ... محرما على طاعم بطعمه». زاد فى الأم والمختصر لفظ : «الآية».

(٣) زيادة حسنة عن الأم.

(٤) فى السنن الكبرى زيادة : «(إلا أن يكون ميتة) وما ذكر بعدها. قال الشافعي : وهذا أولى معانيه ؛ استدلالا بالسنة.». وهذا القول من كلامه الجيد عن هذه الآية ، فى الرسالة. وقد اشتمل على مزيد من التوضيح والفائدة. فراجعه (ص ٢٠٦ ـ ٢٠٨ و ٢٣١). وراجع فيها وفى السنن الكبرى ، والأم (ج ٢ ص ٢١٩) ، والفتح (ج ٩ ص ٥١٩) ـ ما استدل به : من حديثى أبى ثعلبة وأبى هريرة. ويحسن. أن تراجع كلامه فى اختلاف الحديث (ص ٤٦ ـ ٤٧ و ٤٩).

(٥) هذا ليس بالأم.

٨٨

على أنها من الخبائث ؛ وتحلّ أشياء : على أنها من الطّيّبات. فأحلّت لهم الطيبات عندهم ـ إلا : ما استثنى منها. ـ وحرّمت عليهم الخبائث عندهم. قال الله تعالى : (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ ، وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ : ٧ ـ ١٥٧) (١).». وبسط الكلام فيه (٢).

وبهذا الإسناد ، قال : قال الشافعي (٣) : «قال الله جل ثناؤه : (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ ؛ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ : ما دُمْتُمْ حُرُماً : ٥ ـ ٩٦)

«فكان شيئان حلالان (٤) ؛ فأثبت تحليل أحدهما ـ وهو : صيد البحر وطعامه : مالحه (٥) وكلّ ما قذفه : [وهو] حىّ (٦) ؛ متاعا لهم : يستمتعون

__________________

(١) قال ـ كما فى المختصر ـ : «وإنما خوطب بذلك العرب : الذين يسألون عن هذا ، ونزلت فيهم الأحكام ؛ وكانوا يتركون ـ : من خبيث المآكل. ـ ما لا يترك غيرهم.». وقد ذكر نحوه فى الأم (ص ٢١٧) ، والسنن الكبرى.

(٢) فراجعه (ص ٢٠٧ ـ ٢٠٩).

(٣) كما فى الأم (ج ٢ ص ٢١٨) : مبينا : أن هناك أشياء محرمة ـ : كالدود والغراب والفأر. ـ : وإن لم ينص على تحريمها بخصوصها.

(٤) أي : عند العرب. وفى الأم : «حلالين». وما فى الأصل أحسن فتأمل.

(٥) هذا بدل وتفسير للطعام. وعبارة الأم : فيها زيادة قبل ذلك ، وهى : «وطعامه مالحه وكل ما فيه متاع». ولعلها محرفة كما سنبين. وفى بعض نسخ الأم : «وطعامه يأكله» إلخ. وهو تحريف. وقد فسر عمر طعام البحر : بما رمى به. وفسره ابن عباس : بنحو ذلك وبالميتة. راجع ذلك ، وما يتعلق به : فى السنن الكبرى (ج ٥ ص ٢٠٨ وح ٩ ص ٢٥١ ، ٢٥٦) ، والفتح (ج ٩ ص ٤٨٥ ـ ٤٩٠) ، والمجموع (ج ٩ ص ٣٠ ـ ٣٥).

(٦) فى الأصل : «فيه» ؛ والتصحيح والزيادة من عبارة ابن قتيبة التي فى القرطين (ج ١ ص ١٤٥). ومراد الشافعي : بيان معنى الآية من حيث هى. واباحته أكل ميتة البحر ، ثبتت عنده : بالسنة التي خصصت مفهوم الآية ، ومنطوق غيرها.

٨٩

بأكله. ـ وحرّم صيد البرّ ـ : أن يستمتعوا بأكله. ـ : فى كتابه ، وسنة نبيّه صلى الله عليه وسلم.» يعنى (١) : فى حال الإحرام».

«قال : وهو (جل ثناؤه) لا يحرّم عليهم ـ : من صيد البرّ فى الإحرام. ـ إلا : ما كان حلالا لهم قبل الإحرام ؛ والله أعلم. (٢)».

* * *

(أنا) أبو سعيد ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (٣) : «قال الله جل ثناؤه [فيما حرّم ، ولم يحلّ بالذكاة (٤)] : (وَما لَكُمْ : أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ ؛ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ ، إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ؟! : ٦ ـ ١١٩) ؛ وقال تعالى : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ) الآية (٥)! (٢ ـ ١٧٣ و ١٦ ـ ١١٥) ؛ وقال فى ذكر ما حرّم : (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ) (٦) : (غَيْرَ مُتَجانِفٍ) (٧) (لِإِثْمٍ ؛ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ : ٥ ـ ٣)

__________________

(١) هذا من كلام البيهقي.

(٢) ثم استدل على ذلك : بأمر النبي (صلى الله عليه وسلم) : بقتل الغراب وما إليه. فراجعه ؛ وراجع المختصر (ج ٥ ص ٢١٥) ، والسنن الكبرى (ج ٩ ص ٣١٥ ـ ٣١٨) ، والفتح (ج ٤ ص ٢٤ ـ ٢٨) ، وما تقدم (ج ١ ص ١٢٥ ـ ١٢٧) ، والمجموع (ج ٩ ص ١٦ ـ ٢٣).

(٣) كما فى الأم (ج ٢ ص ٢٢٥).

(٤) زيادة حسنة ، عن الأم.

(٥) فى الأم : «إلى قوله : (غفور رحيم).». وراجع فى السنن الكبرى (ج ٩ ص ٣٥٥ ـ ٣٥٦) : أثر مجاهد فى ذلك ؛ فهو مفيد فيما سيأتى آخر البحث. وانظر الفتح (ج ٩ ص ٥٣٣)

(٦) أي : مجاعة. كما قال ابن عباس وأبو عبيدة. انظر الفتح (ج ٨ ص ١٨٦ و ١٨٧).

(٧) أي : مائل.

٩٠

«قال الشافعي : فيحلّ ما حرّم : من (١) الميتة والدّم ولحم الخنزير ؛ وكلّ ما حرّم ـ : مما لا (٢) يغيّر العقل : من الخمر. ـ : للمضطرّ.»

«والمضطرّ : الرجل (٣) يكون بالموضع : لا طعام معه (٤) فيه ، ولا شىء يسدّ فورة جوعه ـ : من لبن ، وما أشبههه. ـ ويبلّغه (٥) الجوع : ما يخاف منه الموت ، أو المرض : وإن لم يخف الموت ؛ أو يضعفه ، أو يضرّه (٦) ؛ أو يعتلّ (٧) ؛ أو يكون ماشيا : فيضعف عن بلوغ حيث يريد ؛ أو راكبا : فيضعف عن ركوب دابّته ؛ أو ما فى هذا المعنى : من الضّرر (٨) البيّن.»

«فأىّ هذا ناله : فله أن يأكل من المحرّم ؛ وكذلك : يشرب من المحرّم : غير المسكر ؛ مثل : الماء : [تقع (٩)] فيه الميتة ؛ وما أشبههه (١٠)

__________________

(١) عبارة الأم : «من ميتة ودم ولحم خنزير». وراجع المجموع (ج ٩ ص ٣٩ ـ ٤٢).

(٢) كذا بالأم ؛ وهو الظاهر. وفى الأصل : «لم» ، ولعله مصحف.

(٣) كذا بالأم ؛ وهو الظاهر. وفى الأصل : «يكون الرجل» ؛ ولعله من عبث الناسخ.

(٤) فى الأم تأخير وتقديم.

(٥) كذا بالأم ؛ وهو المناسب. وعبارة الأصل : «وبلغه» ؛ والظاهر : أنها محرفة عما ذكرنا ، أو سقط منها كلمة : «قد».

(٦) فى الأم : «ويضره». وما فى الأصل أحسن.

(٧) كذا بالأم. وعبارة الأصل : «أو يعتمد أن يكون». وهى مصحفة.

(٨) كذا بالأم. وفى الأصل : «الضرب» ؛ وهو تصحيف.

(٩) زيادة جيدة ، عن الأم.

(١٠) راجع فى السنن الكبرى (ج ٩ ص ٣٥٧ ـ ٣٥٨) : ما روى فى ذلك ، عن مسروق وقتادة ومعمر. لفائدته.

٩١

«وأحبّ (١) : أن يكون آكله : إن أكل ؛ وشاربه : إن شرب ؛ أو جمعهما ـ : فعلى ما يقطع عنه الخوف ، ويبلغ [به (٢)] بعض القوّة. ولا يبين : أن يحرم عليه : أن يشبع ويروى ؛ وإن أجزأه دونه ـ : لأنّ التحريم قد زال عنه بالضّرورة. وإذا بلغ الشّبع والرّىّ : فليس له مجاوزته ؛ لأنّ مجاوزته ـ : حينئذ. ـ إلى الضّرر ، أقرب منها إلى النّفع (٣).».

قال الشافعي (٤) : «فمن (٥) خرج سفرا (٦) : عاصيا لله (٧) ؛ لم يحلّ له شىء ـ : مما حرّم (٨) عليه. ـ بحال (٩) : لأنّ الله (جل ثناؤه) إنّما (١٠) أحلّ ما حرّم ، بالضّرورة ـ على شرط : أن يكون المضطرّ : غير باغ ، ولا عاد ، ولا متجانف لإثم.»

«ولو خرج : عاصيا ؛ ثم تاب ، فأصابته الضّرورة بعد التّوبة ـ : رجوت : أن يسعه (١١) أكل المحرّم وشربه.»

__________________

(١) فى الأصل : «واجب» ؛ وهو خطأ وتصحيف. والتصحيح من عبارة الأم : «وأحب إلى».

(٢) زيادة جيدة عن الأم

(٣) راجع ما ذكره بعد ذلك ؛ والمختصر (ج ٥ ص ٢١٦ ـ ٢١٧) : فهو جليل الفائدة ، وراجع المجموع (ج ٩ ص ٤٢ ـ ٤٣ و ٥٢ ـ ٥٣).

(٤) كما فى الأم (ج ٢ ص ٢٢٦).

(٥) فى الأم : «ومن».

(٦) هذا ليس بالأم.

(٧) فى الأم زيادة : «الله عز وجل».

(٨) هذا : مذهب الجمهور. وجوز بعضهم : التناول مطلقا. انظر الفتح (ج ٩ ص ٥٣٣).

(٩) كذا بالأم ؛ وهو الصواب ، وفى الأصل : «لما» ؛ وهو تحريف.

(١٠) كذا بالأم ؛ وهو الصواب ، وفى الأصل : «لما» ؛ وهو تحريف.

(١١) كذا بالأم. وفى الأصل : «أن ليسعه» ؛ وزيادة اللام من الناسخ.

٩٢

«ولو خرج : غير عاص ؛ ثم نوى المعصية ؛ ثم أصابته ضرورة ـ : ونيّته المعصية. ـ : خشيت أن لا يسعه المحرّم ؛ لأنى أنظر إلى نيّته : فى حال الضّرورة ؛ لا : فى حال تقدّمتها ، ولا تأخّرت عنها.».

وبهذا الإسناد ، قال : قال الشافعي (١) (رحمه الله) : «والحجة : فى أنّ (٢) ما كان مباح الأصل ، يحرم : بمالكه ؛ حتى يأذن فيه مالكه. (يعنى (٣) : وهو غير محجور عليه.) : أنّ (٤) الله (جل ثناؤه) قال : (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ : بِالْباطِلِ ؛ إِلَّا : أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ : ٤ ـ ٢٩) ؛ وقال : (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ) (٥) : (٤ ـ ٢) ؛ وقال : (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ ، نِحْلَةً) الآية : (٤ ـ ٤). مع آي كثيرة (٦) ـ فى كتاب الله عز وجل ـ : قد حظر فيها أموال الناس ، إلا : بطيب أنفسهم ؛ إلا : بما فرض (٧) الله : فى كتابه ، ثم سنة نبيّه (صلى الله عليه وسلم) ؛ وجاءت به حجّة (٨).».

__________________

(١) كما فى الأم (ج ٢ ص ٢١٤). والكلام فيها ورد على شكل سؤال وجواب.

(٢) فى الأم زيادة : «كل».

(٣) هذا من كلام البيهقي.

(٤) كذا بالأم ؛ وهو خبر المبتدإ. وفى الأصل : «لأن» ؛ وهو خطأ وتحريف.

(٥) فى الأم زيادة : «الآية».

(٦) كذا بالأم. وفى الأصل : «كثير» ؛ وهو تحريف.

(٧) عبارة الأم : «فرض فى كتاب الله» إلخ. وهى أنسب.

(٨) أي : غير نص ؛ كالإجماع والقياس. وراجع ما ذكره بعد ذلك (ص ٢١٥ ـ ٢١٦) : من السنة وغيرها ؛ فهو مفيد هنا وفى بعض مسائل الصداق والإرث. وراجع كذلك : السنن الكبرى (ج ٦ ص ٩١ ـ ٩٧) ؛ وانظر ما تقدم (ج ١ ص ٢١٦).

٩٣

قال (١) : «ولو اضطرّ رجل ، فخاف الموت ؛ ثم مرّ بطعام لرجل ـ : لم أر بأسا : أن يأكل منه ما يردّ من جوعه ؛ ويغرم له ثمنه.». وبسط الكلام فى شرحه (٢).

قال (٣) : «وقد قيل : إنّ من الضّرورة (٤) : أن يمرض الرجل ، المرض : يقول له أهل العلم به ـ أو يكون هو من أهل العلم به ـ : فلما يبرأ من (٥) كان به مثل هذا ، إلّا : أن يأكل كذا ، أو يشربه (٦). أو : يقال [له (٧)] : إنّ أعجل ما يبريك (٨) : أكل كذا ، أو شرب كذا. فيكون له أكل ذلك وشربه : ما لم يكن خمرا ـ : إذا بلغ ذلك منها (٩) : أسكرته. ـ أو شيئا : يذهب العقل : من المحرّمات أو غيرها ؛ فإنّ إذهاب العقل محرّم.».

__________________

(١) كما فى الأم (ج ٢ ص ٢١٦).

(٢) حيث قال : «ولم أر للرجل : أن يمنعه ـ فى تلك الحال ـ فضلا : من طعام عنده. وخفت : أن يضيق ذلك عليه ، ويكون : أعان على قتله ، إذا خاف عليه : بالمنع ، القتل.». وقد ذكر نحوه فى المختصر (ج ٥ ص ٢١٧). وراجع المجموع (ج ٩ ص ٤٣ و ٤٥ ـ ٤٧).

(٣) كما فى الأم (ج ٢ ص ٢٢٦).

(٤) فى الأم زيادة : «وجها ثانيا». فراجع كلامه قبل ذلك ؛ وقد تقدم بعضه (ص ٩٠ ـ ٩٣).

(٥) كذا بالأم. وعبارة الأصل : «قل من برى من» ؛ وهى إما محرفة عما ذكرنا ، أو عن : «قل من يبرى ممن».

(٦) فى الأم : «أو يشرب كذا».

(٧) زيادة حسنة ، عن الأم.

(٨) ذكر فى الأم مهموزا ؛ وهو المشهور.

(٩) كذا بالأم. أي : إذا تناوله منها. وفى الأصل : «ما». وهو إما محرف عما أثبتا ؛ أو يكون أصل العبارة : «ما يسكر». فتأمل. وراجع المجموع (ج ٩ ص ٥٠ ـ ٥٣).

٩٤

وذكر حديث العرنيّين (١) : فى بول الإبل وألبانها ، وإذن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : فى شربها ، لإصلاحه لأبدانهم (٢)

* * *

(أنا) أبو سعيد ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (٣) : «قال الله تبارك وتعالى : (كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ ، إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ) (٤) الآية : (٣ ـ ٩٣) ؛ وقال : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا ، حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ : ٤ ـ ١٦٠) ؛ (٥) يعنى (والله أعلم) : طيّبات : كانت أحلّت لهم. وقال تعالى : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا ، حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ ؛ وَمِنَ (٦) الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ ، حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما ؛ إِلَّا : ما حَمَلَتْ

__________________

(١) نسبة إلى : «عرينة». انظر الكلام عنها فى المصباح (مادة : عرن). وما تقدم بالهامش (ج ١ ص ١٥٤).

(٢) راجع هذا الحديث ، والكلام عنه ـ : فى الأم ، والسنن الكبرى (ج ٨ ص ٢٨٢ وج ١٠ ص ٤) ، والفتح (ج ١ ص ٢٣٣ ـ ٢٣٧ وج ٧ ص ٣٢١ ـ ٣٢٢ وج ٨ ص ١٩٠ وج ١٢ ص ٩٠ ـ ٩١) ، وشرح مسلم (ج ١١ ص ١٥٤) ، وشرح العمدة (ج ١١ ص ١٥٤). فهو مفيد فى مباحث كثيرة ، وفى قتال البغاة وقطاع الطريق خاصة.

(٣) كما فى الأم (ج ٢ ص ٢٠٩ ـ ٢١١). وقد ذكر أكثره : فى السنن الكبرى (ج ١٠ ص ٨ ـ ٩) ؛ متفرقا. وقد نقله عنها فى المجموع (ج ٩ ص ٧٠ ـ ٧١) بتصرف.

(٤) راجع فى السنن الكبرى ، ما روى عن ابن عباس : فى سبب نزول ذلك. وراجع أسباب النزول للواحدى (ص ٨٤).

(٥) عبارة السنن الكبرى : «وهن يعنى» إلخ.

(٦) فى الأم : «إلى : (وإنا لصادقون).». وذكر فى السنن الكبرى إلى : (بعظم). وراجع فيها : أثر ابن عباس ، وحديث عمر : فى ذلك.

٩٥

ظُهُورُهُما ، أَوِ الْحَوايا ، أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ؛ ذلِكَ : جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ ؛ وَإِنَّا لَصادِقُونَ : ٦ ـ ١٤٦).

قال الشافعي (رحمه الله) : الحوايا : ما حوى (١) الطعام والشراب ، فى البطن».

«فلم يزل ما حرّم الله (عز وجل) على بنى إسرائيل ـ : اليهود خاصّة ، وغيرهم عامّة. ـ محرّما : من حين حرّمه ، حتى بعث الله (تبارك وتعالى) محمدا (صلى الله عليه وسلم) : ففرض الإيمان به ، وأمر (٢) : باتّباع نبىّ (٣) الله (صلى الله عليه وسلم) وطاعة أمره : وأعلم خلقه : أنّ (٤) طاعته : طاعته ؛ وأنّ دينه : الإسلام الذي نسخ به كلّ دين كان قبله ؛ وجعل (٥) من أدركه وعلم دينه ـ : فلم يتّبعه. ـ : كافرا به. فقال : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ : الْإِسْلامُ : ٣ ـ ١٩) (٦)

«وأنزل (٧) فى أهل الكتاب ـ : من المشركين. ـ : (قُلْ : يا أَهْلَ

__________________

(١) كذا بالأم والسنن الكبرى. أي : من الأمعاء. وفى الأصل والمجموع : «حول» ؛ وهو تصحيف على ما يظهر. والحوايا جمع : «حوية». وراجع في الفتح (ج ٨ ص ٢٠٥) تفسير ابن عباس لذلك ؛ وغيره : مما يتعلق بالمقام.

(٢) هذا إلى : أمره ؛ ليس بالسنن الكبرى.

(٣) فى الأم : «رسوله».

(٤) عبارة السنن الكبرى هى : «أن دينه : الإسلام الذي نسخ به كل دين قبله ؛ فقال» إلخ.

(٥) كذا بالأم. وفى الأصل : «وجمل» ؛ وهو تصحيف.

(٦) فى الأم زيادة : «فكان هذا فى القرآن».

(٧) فى الأم زيادة : «عز وجل».

٩٦

الْكِتابِ ، تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ : أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ ، وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً) الآية ، إلى : (مُسْلِمُونَ : ٣ ـ ٦٤) ؛ وأمر (١) : بقتالهم حتى يعطوا الجزية (٢) : إن لم يسلموا ؛ وأنزل فيهم : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ : الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ : فِي التَّوْراةِ ، وَالْإِنْجِيلِ) الآية (٣) : (٧ ـ ١٥٧). فقيل (والله أعلم) : أوزارهم (٤) ، وما منعوا ـ : بما أحدثوا. ـ قبل ما شرع : من دين محمد صلى الله عليه وسلم (٥)

«فلم يبق خلق يعقل ـ : منذ بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم. ـ : كتابيّ (٦) ، ولا وثنىّ ، ولا حىّ بروح (٧) ـ : من جنّ ، ولا إنس. ـ : بلغته دعوة محمد (صلى الله عليه وسلم) ؛ إلّا قامت عليه حجّة الله : باتّباع دينه ؛ وكان (٨) مؤمنا : باتّباعه ؛ وكافرا : بترك اتّباعه.»

__________________

(١) فى الأم : «وأمرنا».

(٢) فى الأم زيادة : «عن يد وهم صاغرون» ؛ وهو اقتباس من آية التوبة : (٢٩).

(٣) فى الأم والسنن الكبرى : «إلى قوله : (وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ).».

(٤) كذا بالأم والسنن الكبرى. وفى الأصل : «أو زادهم» ؛ وهو تصحيف.

(٥) راجع فى السنن الكبرى ، أثر ابن عباس : فى ذلك.

(٦) عبارة السنن الكبرى : «من جن ولا إنس بلغته دعوته».

(٧) فى الأم : «ذو روح».

(٨) عبارة السنن الكبرى : «ولزم كل امرئ منهم تحريم» إلخ.

٩٧

«ولزم كلّ امرئ منهم ـ : آمن به ، أو كفر. ـ تحريم (١) ما حرّم الله (عز وجل) على لسان نبيّه صلى الله عليه وسلم ـ : كان (٢) مباحا قبله فى شيء : من الملل ؛ أو (٣) غير مباح. ـ وإحلال ما أحلّ على لسان محمد (صلى الله عليه وسلم) : كان (٤) حراما فى شىء : من الملل ؛ [أو غير حرام (٥)

«وأحلّ الله (عز وجل) : طعام أهل الكتاب ؛ وقد (٦) وصف ذبائحهم ، ولم يستثن منها شيئا.»

«فلا يجوز أن تحرم (٧) ذبيحة كتابىّ ؛ وفى الذّبيحة حرام ـ على (٨) كلّ مسلم ـ : مما (٩) كان حرم على أهل الكتاب ، قبل محمد

__________________

(١) كذا بالأم. وفى الأصل : «يحرم» ؛ وهو تحريف.

(٢) هذا إلى قوله : «مباح» ؛ ليس بالسنن الكبرى.

(٣) هذا إلى قوله : الملل ؛ غير موجود بالأم. ونرجح أنه سقط من الناسخ أو الطابع.

(٤) هذا إلى قوله : الملل ؛ ليس بالسنن الكبرى. وراجع فيها : حديثى جابر ومعقل ابن يسار.

(٥) هذه زيادة حسنة ملائمة للكلام السابق ؛ فرأينا إثباتها : وان كانت غير موجودة بالأم ولا غيرها.

(٦) عبارة السنن الكبرى : «فكان ذلك ـ عند أهل التفسير ـ : ذبائحهم ، لم يستثن» إلخ.

(٧) كذا بالأم ؛ بزيادة : «منها». وهو صحيح ظاهر فى التفريع ، وملائم لما بعده. وعبارة الأصل والسنن الكبرى : «فلا يجوز أن تحل». والظاهر : أنها محرفة. وقد يقال : «إن مراده ـ فى هذه الرواية ـ أن يقول : إذا حدثت ذبيحة كتابى قبل الإسلام ، وادخر منها شىء محرم ، وبقي إلى ما بعد الإسلام ـ : فلا يجوز للمسلم أن يتناوله ؛ لأن الذبح حدث : والحرمة لم تنسخ بعد.». وهو بعيد ، ويحتاج الى بحث وتثبت من صحته.

(٨) هذا متعلق بقوله : تحرم. ولو قدم على ما قبله : لكان أحسن وأظهر.

(٩) كذا بالأم والسنن الكبرى ؛ وهو بيان لقوله : حرام. وفى الأصل : بما» ؛ وهو خطأ وتصحيف

٩٨

(صلى الله عليه وسلم). ولا (١) يجوز : أن يبقى شىء (٢) : من شحم البقر والغنم. وكذلك : لو ذبحها كتابىّ لنفسه ، وأباحها لمسلم (٣) ـ : لم يحرم على مسلم : من شحم بقر ولا غنم منها ، شىء (٤)».

«ولا يجوز : أن يكون شىء حلالا ـ : من جهة الذّكاة (٥). ـ لأحد ، حراما على غيره. لأنّ الله (عز وجل) أباح ما ذكر : عامّة (٦) لا : خاصّة.»

«و (٧) هل يحرم على أهل الكتاب ، ما حرم عليهم [قبل محمد صلى الله عليه وسلم (٨)] ـ : من هذه الشّحوم وغيرها. ـ : إذا لم يتّبعوا محمدا صلى الله عليه وسلم.؟»

«قال الشافعي : قد (٩) قيل : ذلك كلّه محرّم عليهم ، حتى يؤمنوا.»

__________________

(١) هذا إلى آخر الكلام ، ليس بالسنن الكبرى.

(٢) أي : على الحرمة. وقوله : شىء ؛ ليس بالأم.

(٣) أي : أعطاه إياها ، أو لم يمنعه من الانتفاع بها.

(٤) هذا : مذهب الجمهور ؛ وروى عن مالك وأحمد : التحريم. راجع في الفتح (ج ٩ ص ٥٠٣) : دليل عبد الرحمن بن القاسم على ذلك ، والرد عليه. وراجع فى السنن الكبرى : حديث عبد الله بن المغفل الذي يدل على الإباحة.

(٥) كذا بالأم. وفى الأصل : «الزكاة لآخر» ؛ وهو تصحيف.

(٦) أي : إباحة عامة ، لا إباحة خاصة. وفى الأم : «عاما لا خاصا» ؛ وهو حال من «ما».

(٧) عبارة الأم : «فإن قال قائل : هل».

(٨) زيادة جيدة ، عن الأم.

(٩) فى الأم : «فقد».

٩٩

«ولا ينبغى (١) : أن يكون محرّما عليهم : وقد نسخ ما خالف دين محمد (صلى الله عليه وسلم) : بدينه. كما لا يجوز ـ : إذا (٢) كانت الخمر حلالا لهم. ـ إلا : أن تكون محرّمة عليهم ـ : إذ حرّمت على لسان بيّنا (٣) محمد صلى الله عليه وسلم. ـ : وإن لم يدخلوا فى دينه.».

* * *

(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس ، أنا الربيع بن سليمان ، قال : قال الشافعي (٤) (رحمه الله) : «حرّم المشركون على أنفسهم ـ : من أموالهم ـ أشياء : أبان الله (عز وجل) : أنها ليست حراما بتحريمهم (٥) ـ وذلك مثل : البحيرة ، والسّائبة ، والوصيلة ، والحام. كانوا : يتركونها (٦) فى الإبل والغنم : كالعتق ؛ فيحرّمون : ألبانها ، ولحومها ، وملكها. وقد فسّرته فى غير هذا الموضع (٧). ـ : فقال الله جل ثناؤه : (ما جَعَلَ اللهُ : مِنْ

__________________

(١) كذا بالأم. وفى الأصل كلمة غير واضحة ، وهى : «نبين». وهى محرفة عما ذكرنا ، أو عن : «يبين» أو «يتبين».

(٢) فى الأم : «إن» ؛ وهو أحسن.

(٣) هذا ليس بالأم.

(٤) كما فى الأم (ج ٢ ص ٢١١). وقد ذكر في السنن الكبرى (ج ١٠ ص ٩) إلى قوله : وملكها. وانظر المجموع (ج ٩ ص ٧١).

(٥) فى الأم زيادة : «وقد ذكرت بعض ما ذكر الله تعالى منها».

(٦) فى بعض نسخ السنن الكبرى : «ينزلونها» ؛ وهو صحيح المعنى أيضا.

(٧) انظر ما تقدم (ج ١ ص ١٤٢ ـ ١٤٥). وراجع فى السنن الكبرى (ص ٩ ـ ١٠) : حديث ابن المسيب ، وكلامه فى تفسير ذلك ؛ وحديث الجشمي ، وأثر ابن عباس المتعلق بذلك وبآية : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ : مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ ؛ نَصِيباً : ٦ ـ ١٣٦). ثم راجع الكلام عن حديث سعيد : فى الفتح (ج ٦ ص ٣٥٣ ـ ٣٥٤ وج ٨ ص ١٩٦ ـ ١٩٨) ؛ فهو جليل الفائدة.

١٠٠