عقيلة بني هاشم

علي بن الحسين الهاشمي الخطيب

عقيلة بني هاشم

المؤلف:

علي بن الحسين الهاشمي الخطيب


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة المفيد للطباعة والنشر والتوزيع
المطبعة: مؤسسة المفيد للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٩

قال : وقد أومأت إلى الناس أن اسكتوا ، فارتدت الأنفاس وسكنت الأصوات ، فقالت : الحمد لله والصلاة على محمّد وآله الطيبين الأخيار ، أمّا بعد يا أهل الكوفة ، يا أهل الختر (١) والغدر! أتبكون؟! فلا رقأت الدمعة ، ولا هدأت الرنّة ، إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً (٢) ، تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم (٣).

ألا وهل [فيكم] إلاّ الصلف (٤) والنطف (٥) ، والكذب والشنف (٦) ، وملق الإماء وغمز الأعداء ، أو كمرعى على دمنة (٧) ، أو كقصة (٨) على ملحودة ، ألا ساء ما قدّمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون.

أتبكون وتنتحبون؟! إي والله ، فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً ،

__________________

(١) الختر : الخديعة بعينها ، وقيل : هو أسوء الغدر وأقبحه. وفي التنزيل العزيز : (كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ) ، وفي الحديث : «ما ختر قومٌ بالعهد إلاّ سلّط عليهم العدو». (لسان العرب)

(٢) أي لا تكونوا كالتي غزلت ثمَّ نقضت غزلها ، يقال : كانت امرأة حمقاء تغزل مع جواريها إلى انتصاف النهار ، ثمّ تأمرهنّ أن ينقضن ما غزلن ، ولا يزال ذلك دأبها.

(٣) أي خيانة ومكراً.

(٤) الصلف : الادّعاء تكبراً.

(٥) النطف : التلطّخ بالعيب.

(٦) الشَّنَف (بالتحريك) : البغض والتنكّر.

(٧ الدمنة : ما تدمنه الإبل والغنم بأبوالها وأبعارها.

(٨) القَصَّة بالفتح : بناية مجصّصة على قبرٍ. كأنها تقول : أنتم كقصّة على جيفة ، فشبّهت أجسامهم بالقصة المجصصة على الميتة.

٢١

فلقد ذهبتم بعارها وشنارها ، ولن ترحضوها بغسلٍ بعدها أبداً ، وأنّى ترحضون قتلَ سليل خاتم النبوّة ، ومعدن الرسالة ، وسيّد شباب أهل الجنّة ، وملاذ خيرتكم ، ومفزع نازلتكم ، ومنار محجّتكم ، ومدره سنتكم؟! ألا ساء ما تزرون ، وبعداً لكم وسحقاً! فلقد خاب السعي ، وتبّت الأيدي ، وخسرت الصفقة ، وبُؤتم بغضب من الله ، وضُربت عليكم الذلة والمسكنة.

ويلكم يا أهل الكوفة! أتدرون أي كبد لرسول الله فريتم ، وأي كريمة له أبرزتم ، وأي دم له سفكتم ، وأي حرمة له انتهكتم؟! ولقد جئتم بها صلعاء (١) عنقاء ، سوداء فقماء ، خرقاء شوهاء ، كطلاع الأرض (٢) أو ملاء السماء ، أفعجبتم أن أمطرت السماء دماً ، ولعذاب الآخرة أخزى وأنتم لا تُنظرون! فلا يستخفّنكم المهل ؛ فإنّه لا يحفزه البدار (٣) ، ولا يخاف فوت الثار ، وإنّ ربكم لبالمرصاد.

قال الراوي : فوالله ، لقد رأيت الناس يومئذ حيارى يبكون ، وقد وضعوا أيديهم على أفواههم ، ورأيت شيخاً واقفاً إلى جنبي يبكي حتّى اخضلّت لحيته بالدموع ، وهو يقول : بأبي أنتم واُمّي! كهولكم خير [الكهول ، وشبابكم خير] الشباب ، ونساؤكم

__________________

(١) الصلعاء : الداهية. وما بعدها صفات لها في القبح والشدة.

(٢) طلاع الأرض : ملؤها.

(٣) الحفز : الحث والإعجال.

٢٢

خير النساء ، ونسلكم خير نسلٍ لا يخزى ولا يبزى (١).

كلامها مع ابن زياد :

ذكر أرباب التاريخ كالسيد ابن طاووس وغيره أنّ ابن زياد جلس في القصر ، وأذن للناس إذناً عامّاً ، وجيء إليه برأس الحسين (عليه السّلام) فوُضع بين يديه في طشت ، واُدخلت عليه نساء الحسين وصبيانه ، وجاءت زينب ابنة علي أمامه وهي متنكرة ، فسأل ابن زياد : مَن هذه المتنكرة؟

فقيل له : هذه زينب ابنة علي.

فأقبل عليها بوجهه ، فقال : الحمد لله الذي فضحكم وأكذب اُحدوثتكم (٢).

فقالت (عليها السّلام) : الحمد لله الذي أكرمنا بالنبوة ، وطهّرنا من الرجس تطهيراً ، إنما يُفتضح الفاجر ، ويُكذب الفاسق ، وهو غيرنا.

فقال : كيف رأيت صنع الله بأخيك وأهل بيتك؟

فقالت : ما رأيت إلاّ خيراً ، هؤلاء قوم كُتب عليهم القتل فبرزوا على مضاجعهم ، وسيجمع الله بينك وبينهم ، فتحاج وتخاصم ، فانظر لمن الفلج يومئذ ، ثكلتك اُمّك يابن مرجانة!

فغضب اللعين وهم أن يضربها ، فقال له عمرو بن حريث : إنّها امرأة ، والمرأة لا تؤاخذ بشيء من منطقها.

__________________

(١) لا يبزى : أي لا يُغلب ولا يُقهر.

(٢) يريد بالاُحدوثة دينَ جدِّها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وما جاء به من عند الله تعالى.

٢٣

فقال لها ابن زياد : لقد شفى الله قلبي من طاغيتك الحسين ، والعصاة المردة من أهل بيتك.

فقالت : لعمري ، لقد قتلت كهلي ، وقطعت فرعي ، واجتثثت أصلي ، فان كان هذا شفاؤك فلقد اشتفيت.

فقال (لعنه الله) : هذه سجّاعة ، ولعمري لقد كان أبوها سجّاعاً شاعراً.

فقالت : يابن زياد ، ما للمرأة المسبية والسجاعة! وإنّ لي عن السجاعة لشغلاً.

خطبتها في مجلس يزيد :

واستمع الآن إلى خطبتها في مجلس يزيد بن معاوية. روى الشيخ الصدوق ، وابن طيفور (١) ، وغيره من أرباب التاريخ ، قال : لما اُدخل علي بن الحسين (عليه السّلام) وحرمه على يزيد (لعنه الله) ، وجيء برأس الحسين (عليه السّلام) ووُضع بين يديه في طشت ، وجعل يضرب ثناياه بمخصرة كانت في يده ، وهو يتمثّل بأبيات ابن الزبعري المشرك :

يا غرابَ البين ما شئت فقلْ

إنّما تذكر شيئاً قد فُعلْ

ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا

جزعَ الخزرج من وقع الأسلْ

حين حكّت بقباء بركَها

واستحرَّ القتلُ في عبد الأشلْ

لأهلّوا واستهلوا فرحاً

ثمّ قالوا يا يزيدَ لا تُشلْ

لعبت هاشمُ بالملك فلا

خبرٌ جاء ولا وحيٌ نزلْ

لستُ من خندف إن لم أنتقمْ

من بني أحمدَ ما كان فعلْ

__________________

(١) انظر احمد بن طيفور ـ بلاغات النساء ـ ص ٢١.

٢٤

قد قتلنا الفخر من ساداتهمْ

وعدلنا ميلَ بدرٍ فاعتدلْ

وأخذنا من عليٍّ ثأرنا

وقتلنا الفارس الشهم البطلْ (١)

فقامت زينب بنت علي بن أبي طالب (عليه السّلام) ، واُمّها فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وقالت : الحمد لله ربِّ العالمين ، وصلّى الله على رسوله محمّد وآله أجمعين. صدق الله سبحانه حيث يقول : (ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوءَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُون).

أظننت يا يزيد ، حيث أخذت علينا أقطار الأرض ، وآفاق السماء ، فأصبحنا نُساق كما تُساق الإماء ، أنّ بنا على الله هواناً ، وبك عليه كرامة ، وأنّ ذلك لعظم خطرك عنده ، فشمخت بأنفك ، ونظرت في عطفك ، تضرب أصدريك فرحاً ، وتنفض مذوريك مرحاً (٢) جذلان مسروراً ، حين رأيت الدنيا لك مستوسقة (٣) ، والاُمور متّسقة ، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا؟!

فمهلاً مهلاً (٤) ، لا تطش جهلاً ، أنسيت قول الله تعالى : (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا

__________________

(١) ذكر ابن هاشم في سيرته قصيدة ابن الزبعري بكاملها.

(٢) تضرب أصدريك : أي منكبيك ، وتنفض مذوريك : المذوران جانبا الأليتين ، ولاواحد لهما ، وقيل هما طرفا كل شيء ، كما يقال : جاء فلان ينفض مذوريه ، إذا جاء باغيا يتهدد ، وكذلك ، اذا جاء فارغا من غير شغل.

(٣) مستوسقة : أي مجتمعة ، ومتسقة أي منتظمة.

(٤) يقال : مهلا للرجل ، وكذا للانثى والجمع بمعنى امهل.

٢٥

نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) (١)؟

أمن العدل يابن الطلقاء (٢) تخديرك حرائرك وإماءك ، وسوقك بنات رسول الله (صلّى الله عليه وآله) سبايا ، قد هتكت ستورهنّ ، وأبديت وجوههنّ ، وصحلت أصواتهنّ (٣) ، تحدو بهنّ الأعداء من بلد إلى بلد ، ويستشرفهنّ أهل المناهل والمناقل ، ويتصفّح وجوههنّ القريب والبعيد ، والشريف والدني ، ليس معهنّ من رجالهنّ ولي ، ولا من حماتهن حمي؟!

وكيف يُرتجى مراقبة ابن مَن لفظ فوه أكباد الأزكياء (٤) ، ونبت لحمه من دماء الشهداء؟! وكيف يستبطأ في بغضنا أهل البيت مَن نظر إلينا بالشَّنف والشنآن ، والإِحن والأضغان؟!

ثمَّ تقول غير متأثّم ولا مستعظم ، داعيا بأشياخك : ليت أشياخي ببدر شهدوا ، منحنياً على ثنايا أبي عبد الله سيد شباب أهل الجنّة تنكثها

__________________

(١) سورة آل عمران / ١٧٨.

(٢) الطلقاء : هم أبو سفيان ، ومعاوية ، وبقية الاُمويِّين الذين أطلقهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عام الفتح ، يوم ورد (صلّى الله عليه وآله) مكة المكرمة فاتحاً ، وقد أيسوا من أنفسهم ، وما يدرون ما يصنع بهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، فأمرهم أن يجتمعوا وخطبهم ، وقال في آخر خطبته : «اذهبوا فأنتم الطلقاء». فهكذا صاروا عبيداً لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) هم وذرّيتهم إلى يوم القيامة.

(٣) صحل صوته : بُح وحسن ، فهو صحِل.

(٤) إشارة إلى هند اُمِّ معاوية حين شقّت بطن حمزة وهو قتيل ، ولاكت بأسنانها أمعاءه.

٢٦

بمخصرتك (١) ، وكيف لا تقول ذلك وقد نكأت القرحة (٢) ، واستأصلت الشأفة (٣) بإراقتك دماء ذرّية محمّد (صلّى الله عليه وآله) ، ونجوم الأرض من آل عبد المطلب؟!

أتهتف بأشياخك زعمت أنك تناديهم؟! فلتردن وشيكاً (٤) موردهم ، ولتودّن أنك شُللت وبُكمت ، ولم تكن قلت ما قلت ، وفعلت ما فعلت. اللهمَّ خذ لنا بحقّنا ، وانتقم ممّن ظلمنا ، واحلُل غضبك بمَن سفك دماءنا ، وقتل حماتنا.

فوالله يا يزيد ، ما فريت (٥) إلاّ جلدك ، ولا حززت إلاّ لحمك ، ولتردنّ على رسول الله بما تحمّلت من دماء ذرّيته ، وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته ، حيث يجمع الله تعالى شملهم ، ويلمّ شعثهم ، ويأخذ بحقّهم ، (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (٦). وحسبك بالله حاكماً ، وبمحمّد (صلّى الله عليه وآله) خصيماً ، وبجبرئيل ظهيراً ، وسيعلم مَن سوّل لك ومكّنك من رقاب المسلمين (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً) (٧) ،

__________________

(١) المخصرة (بكسر الميم) : كالوسط ، أو كلّما اختصره الإنسان بيده فأمسكه من عصا ونحوها.

(٢) نكأت القرحة : أي وسعت مكان جراحها.

(٣) الشأفة : قرحة تخرج في أسفل القدم فتكون وتذهب ، والأصل استأصل الله شافته ، أذهبه كما تذهب تلك القرحة ، أو أزاله من أصله.

(٤) وشيكاً : أي سريعاً.

(٥) الفري : القطع.

(٦) سورة آل عمران / ١٦٩.

(٧) سورة الكهف / ٥٠.

٢٧

وأيّكم شَرٌّ مَكَاناً وَأَضْعَفُ جُنداً.

يزيد ، ولئن جرّت عليّ الدواهي مخاطبتك (١) ، إني لاستصغر قدرك ، واستعظم تقريعك ، واستكثر توبيخك ، لكن العيون عبرى ، والصدور حرى. ألا فالعجب كلّ العجب لقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء! فهذه الأيدي تنطف (٢) من دمائنا ، والأفواه تتحلب من لحومنا (٣) ، وتلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل (٤) ، وتعفرها اُمّهات الفراعل (٥).

ولئن اتّخذتنا مغنماً لتجدنا وشيكاً مغرماً ، حين لا تجد إلاّ ما قدمت يداك ، (وما ربّك بظلاّمٍ للعبيدِ) (٦) ، وإلى الله المشتكى ، وعليه المعوّل. فكد كيدك ، واسعَ سعيك ، وناصب جهدك ، فوالله لا تمحو ذكرنا ، ولا تميت وحينا ، ولا تدرك أمدنا ، ولا ترحض عنك عارها ، وهل رأيك إلاّ فند (٧) ، وأيامك إلاّ عدد ، وجمعك إلاّ بدد ، يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظالمين.

فالحمد لله ربِّ العالمين الذي ختم لأوّلنا بالسعادة والمغفرة ، ولآخرنا بالشهادة

__________________

(١) الدواهي : جمع داهية ، وهي النازلة بالإنسان من بلاء وغيره.

(٢) تنطف (بكسر الطاء وضمها) : أي تقطر.

(٣) تنحلب عينه وفوه : أي سالا. (القاموس)

(٤) العواسل : الذئاب السريعة العدو.

(٥) اُمّهات الفراعل : تريد بها الضباع ، جمع فرعل ، وهو ولد الضبع.

(٦) سورة فصلّت / ٤٦.

(٧) الفند : الكذب ، ويقال لضعف الرأي : الفند.

٢٨

والرحمة ، ونسأل الله أن يكمل لهم الثواب ، ويوجب لهم المزيد ، ويحسن علينا الخلافة ، إنه رحيم ودود ، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

فقال يزيد في جوابها :

يا صيحةً تُحمد من صوائحِ ما أهون النوح على النوائحِ جوابها ليزيد في مجلسه

لما أدخلوا سبايا أهل البيت على يزيد (لعنه الله) ، دعا بنساء أهل البيت والصبايا فاُجلسوا بين يديه ، في مجلسه المشؤوم ، فنظر شامي إلى فاطمة بنت الحسين (عليه السّلام) ، فقام إلى يزيد وقال : يا أمير ، هب لي هذه الجارية لتكون خادمة عندي.

قالت فاطمة بنت الحسين (عليهما السّلام) : فارتعدت فرائصي (١) ، وظننت أن ذلك جائز لهم ، فأخذت بثياب عمتي زينب (عليها السّلام) وقلت لها : عمّة ، اُوتمت على صغر سني واُستخدم لأهل الشام!

فقالت عمتي للشامي : ما جعل الله ذلك لك ولا لأميرك.

فغضب يزيد وقال : إنّ ذلك لي ، ولو شئت أن أفعل لفعلت.

فقالت زينب (عليها السّلام) : كلاّ والله ، ما جعل الله ذلك لك إلاّ أن تخرج عن ملّتنا وتدين بغير ديننا. فاستطار يزيد غضباً وقال : إيّاي تستقبليني بهذا الكلام! إنّما خرج عن الدين أبوك وأخوك.

فقالت زينب (عليها السّلام) : بدين الله ودين جدّي وأبي اهتديت أنت وأبوك إن

__________________

(١) الفرائص.

٢٩

كنت مسلماً. قال : كذبت يا عدوة الله. قالت : يزيد ، أنت أمير ، تشتم ظالماً وتقهر بسلطانك. فكأنه استحى وسكت ، فأعاد الشامي كلامه : هب لي هذه الجارية. فقال له يزيد : اسكت! وهب الله لك حتفاً قاضياً.

وللمرحوم السيد حسن الخطيب البغدادي :

يا قلب زينب ما لاقيت من محنٍ

فيك الرزايا وكلّ الصبر قد جمعا

لو كان ما فيك من صبرٍ ومن محنٍ

في قلب أقوى جبال الأرض لانصدعا

[يكفيك] صبراً قلوب الناس كلهمُ

تفطّرت للذي لاقيته جزعا

شِعْرهْا :

جاء في بطون الكتب والأسفار أنّ هذه الأبيات لزينب الكبرى حين رأت شقيقها الحسين (عليه السّلام) سيد شباب أهل الجنّة [مطروحاً] على صعيد كربلاء :

لقد حطّ فينا من زماني نوائبُهْ

وفرّقنا أنيابه ومخالبهْ

وجار علينا الدهرُ في أرض غربةٍ

ودبّت علينا بالرزايا عقاربهْ

وأردوا أخي بالقتل غدراً وغيلةً

وما خلّفوا إلاّ الأسى ونوائبهْ

٣٠

وجار علينا الدهر والقومُ شهّدٌ

وطمّت رزاياه وحلّت مصائبهْ

حسينٌ لقد أمسى قتيلاً مجدّلاً

وأظلم من دين الإله مذاهبهْ

فلم يبقَ لي ركنٌ ألوذ بظلِّه

ومَن ذا يعاني الدهر من ذا يغالبهْ

وفرّقنا هذا الزمان مشتتاً

وأرحت علينا الفاجعات نكائبهْ

ولها (عليها السّلام) :

ماذا تقولون إن قال النبيُّ لكمْ

ماذا فعلتم وأنتم آخر الاُممِ

بعترتي أهلِ بيتي بعد مفتقدي

منهم اُسارى ومنهم ضرّجوا بدمِ

ما كان [هذا] جزائي إذ نصحت لكمْ

أن تخلفوني بسوءٍ في ذوي رحمي

تزويجها :

إنّ العقيلة زينب بنت علي (عليهما السّلام) خطبها الأشراف من قريش والرؤساء من القبائل ، فكان علي (عليه السّلام) يردهم ويقول : «بناتي لأولاد إخوتي».

ويُروى أنّه خطبها الأشعث بن قيس ، وكان من ملوك كندة ، فزبره علي (عليه السّلام) وردّه وقال له : «يابن

٣١

الحائك (١)! أغرّك ابنُ أبي قحافة حين زوّجك اخته؟!». فخاب الأشعث مما به ورجع آيساً.

ولكن أمير المؤمنين (عليه السّلام) كان بودّه أن يزوج بناته من أبناء أخيه ؛ اقتداءً بقول النبي (صلّى الله عليه وآله) عندما نظر ذات يوم إلى أولاد علي وجعفر ، قال : «بناتنا لبنينا ، وبنونا لبناتنا». فأعطى علي (عليه السّلام) رقية لابن أخيه مسلم بن عقيل (٢) ، وزوّج السيدة زينب (عليها السّلام) من ابن أخيه عبد الله بن جعفر بن أبي طالب (عليه السّلام) على صداق اُمّها سيدة النساء فاطمة (عليها السّلام) على أربعمئة وثمانين درهماً ، ووهب المهر علي (عليه السّلام) إيّاه من خالص ماله.

زوجها :

عبد الله بن جعفر هو أوّل مولود ولد في الإسلام بأرض الحبشة ، ونشأ وترعرع في حجر عمّه أمير المؤمنين (عليه السّلام) إلى أن زوّجه ابنته زينب الكبرى. وكان عبد الله بن جعفر بن

__________________

(١) الحائك هنا : يريد به المحتال ، أو الذي يحوك الكلام كذباً ، وكان أبو بكر قد زوّج اُخته اُمّ فروة بنت أبي قحافة من الأشعث ؛ وذلك إنّ الأشعث ارتدّ فيمن ارتد من الكنديِّين ، واُسر فاُحضر إلى أبي بكر ، فأسلم ، وأطلقه وزوّجه اُخته اُمّ فروة ، فأولدها محمّد بن الأشعث ، وكان محمّد من قوّاد جيش ابن زياد ، وممّن حارب الحسين (عليه السّلام) يوم الطفِّ.

(٢) مسلم بن عقيل ابن عم الحسين (عليه السّلام) ورسوله إلى أهل الكوفة ، قتله ابن زياد ، وأمر به فرموا جسده من على سطح قصر الإمارة إلى الأرض ، وسحبوه بأسواق الكوفة ، وقبره اليوم إلى جنب المسجد الأعظم بالكوفة يُزار ويُتبرك به.

٣٢

أبي طالب (عليه السّلام) جواداً كريماً تتغنى بذكره الركبان ، وكان يكنى بأبي محمّد ، وأبي جعفر.

أبوه جعفر الطيار بالجنّة مع الملائكة ، وهو قتيل مؤتة. واُمّه أسماء بنت عميس الخثعمية ، وهي اُخت ميمونة بنت الحرث اُمّ المؤمنين. كانت تحت جعفر بن أبي طالب (عليه السّلام) فقُتل عنها ، وبعده تزوّجها أبو بكر فأولدها محمداً ، أنبل فتى في قريش ، ولمّا توفي عنها أبو بكر تزوجها أمير المؤمنين (عليه السّلام) فولدت له يحيى بن علي ، [وقد] توفي في حياة أبيه أمير المؤمنين (عليه السّلام) (١) على أشهر الروايات.

وكان عبد الله بن جعفر ممن صحب النبي (صلّى الله عليه وآله) وحفظ عنه أحاديث كثيرة ، وجاء في الإصابة لابن حجر : قال ابن جريح : أنبأنا جعفر بن خالد بن سارة أنّ أباه أخبره عن عبد الله بن جعفر ، قال : مسح رسول الله (صلّى الله عليه وآله) رأسي وقال : «اللهمَّ اخلف جعفراً في ولده». وقد أخذه بيده : «اللهمَّ اخلف جعفراً في أهله ، وبارك لعبد الله في صفقة يمينه ـ قالها ثلاثاً ـ ، وأنا وليّهم في الدنيا والآخرة».

ثمّ إنّ عبد الله لازم عمّه أمير المؤمنين وولديه الحسنين (عليهم السّلام) ، وأخذ منهم العلم الكثير.

__________________

(١) هذه رواية أبي الفرج الإصبهاني في مقاتل الطالبيِّين.

٣٣

وجاء في كتاب (الاستيعاب) أنّ عبد الله بن جعفر كان كريماً جواداً ، ظريفاً خليقاً ، عفيفاً سخياً يسمّى بحر الجود ، وذكر ابن عساكر قال : روى الحافظ أنّ معاوية كان يقول : بنو هاشم رجلان ؛ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لكلِّ خير ذُكر ، وعبد الله بن جعفر لكلِّ شرف. والله لكأنّ المجد نازل منزلاً لا يبلغه أحد ، وعبد الله بن جعفر نازل وسطه.

وقال الشعبي : دخل عبد الله بن جعفر على معاوية وعنده يزيد ابنه ، فجعل يزيد يعرّض بعبد الله في كلامه وينسبه إلى الإسراف في غير مرضاة الله ، فقال عبد الله ليزيد : إنّي لأرفع نفسي عن جوابك ، ولو صاحب السرير [يكلّمني] لأجبته.

فقال معاوية : كأنك تظن أنك أشرف منه!

قال : إي والله ، ومنك ومن أبيك وجدّك.

فقال معاوية : ما كنت أحسب أنّ أحداً في عصر حرب بن اُميّة أشرف من حرب بن اُميّة.

فقال عبد الله : بلى والله يا معاوية ، إنّ أشرف من حرب مَن أكفأ عليه إناءه وأجاره بردائه.

قال : صدقت يا أبا جعفر.

ثمّ ذكر الشعبي معنى قول عبد الله (مَن أكفأ عليه إناءه) ، وأنه عبد المطلب بن هاشم ، في قضية ذكرها المؤرّخون في ما دوّنوه.

ونذكر من جود ابن جعفر وكرمه ما ذكره ابن عساكر في تاريخه ، قال : جاء شاعر إلى عبد الله بن جعفر فأنشده هذه الأبيات :

رأيت أبا جعفرٍ في المنام

كساني من الخزِّ درّاعهْ

٣٤

نقلت الى صاحبي أمرها

فقال ستؤتى بها الساعة

سيكسوكها الماجد الجعفري

ومن كفه الدهر نفاعه

ومن قال للجود لا تعدني

فقال : لك السمع والطاعة

فقال عبد الله لغلامه : ادفع إليه جبّتي الخز. ثمّ قال له : ويحك! كيف لم ترَ جبتي الوشي التي اشتريتها بثلاثمئة دينار منسوجة بالذهب؟

فقال : أغفى غفية اُخرى فلعلّي أراها في المنام.

فضحك منه عبد الله وقال لغلامه : ادفع إليه جبّتي الوشي أيضاً.

ويروى أنّ أحد الخلفاء أرسل إلى عبد الله بن جعفر ثلاثة آلاف ، فلامه بعض الناس على عطائه هذا ، فقال : والله ، ما أعطيته هذا المال إلاّ لجميع أهل المدينة. ثمّ لازم الرجل له من صحبه ، وابن جعفر لا يعرفه ؛ لينظر ما يفعل ، فرآه صار يفرّق ذلك المال على فقراء أهل المدينة ، وزاد عليه من خالص أمواله أضعافه. وعوتب عبد الله في ذلك ، فقال : إنّ الله عوّدني عادة ، وعودت الناس عادة ، فأنا أخاف إن قطعتُها قُطعت عنّي.

قيل ومدحه نصيبٌ فأعطاه إبلاً وخيلاً وثياباً ودنانير ودراهم ، فقيل له : تعطي لهذا الأسود مثل هذا؟!

فقال : إن كان أسودَ فشعره أبيض ، ولقد استحق بما قال أكثر ممّا نال ، وهل أعطيناه إلاّ ما يبلى ويفنى ، وأعطانا مِدَحاً تُروى وثناءً يبقى.

ولم يكن في أيامّه أجود منه إلاّ ابن عمّه الحسن بن

٣٥

علي (عليه السّلام) أول السبطين. هذه نبذة من أخبار جوده ، ولنكتفي بها هنا خشية الإطالة.

وفاته :

توفي عبد الله بن جعفر بالمدينة المنورة سنة ثمانين ، وصلّى عليه أبان بن عثمان بن عفان ، ودفن بالبقيع. هكذا ذكره الداودي في كتابه عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب.

ويروى أنه توفي عام الجحّاف ـ سيل كان ببطن مكة جحف بالناس فذهب بالحاج وأمتعتهم ، والجمال بأحمالها ـ وذلك في خلافة عبد الملك بن مروان ، وصلّى على جنازة عبد الله الإمامُ السجّاد أو الباقر (عليهما السّلام) ، وأمير المدينة يومئذ أبان بن عثمان.

أولاده وأولادها :

خلّف عبد الله بن جعفر عدّة أولاد ، وذكر أسماءهم صاحب العمدة ، قيل : عشرين ولداً ، وقيل : أربعة وعشرين لاُمّهات شتى ، ولكن المشهور عند أرباب التاريخ أنّ له من زينب أولاد أربعة ؛ عون الأكبر ، ومحمد ، وعلي ، واُمّ كلثوم.

أما محمّد وأخوه عون ابنا عبد الله بن جعفر الطيّار فقد خرجا مع خالهما الحسين (عليه السّلام) واُمّهما زينب الكبرى إلى العراق ، وقد أوصاهما أبوهما بخالهما ، وأن لا يفارقاه.

فأقبلا في ركب الحسين (عليه السّلام) إلى الطفِّ ، وجاهدا بين يديه يوم عاشوراء

٣٦

وقُتلا ، واُمّهما زينب تنظر إليهما.

وكان قد تقدّم في ذلك اليوم محمّد بن عبد الله إلى خاله الحسين (عليه السّلام) ، وأستأذن منه للبراز فأذن له الحسين (عليه السّلام) ، فحمل وهو يرتجز قائلاً :

أشكو إلى الله من العدوانِ

فعالَ قومٍ في الردى عميانِ

قد بدّلوا معالم القرآنِ

ومُحكمِ التنزيلِ والتبيانِ

فقتل عشرة من أهل الكوفة ، وحمل عليه عامر بن نهشل التميمي فقتله ، ومشى لمصرعه خاله الحسين (عليه السّلام) ومَن معه ، فحملوه من الميدان وجاؤوا به قتيلاً إلى الخيمة ، وفيه يقول سليمان بن قتّة :

وسميِّ النبيِّ غودر فيهم

قد علوه بصارمٍ مصقولِ

فإذا ما بكت عيني فجودي

بدموعٍ تسيلُ كل مسيلِ

قال أرباب المقاتل : واستأذن الحسين (عليه السّلام) من بعده أخوه عون بن عبد الله للبراز فأذن له ، فحمل وهو يقول :

إن تنكروني فأنا ابنُ جعفر

شهيدِ صدقٍ في الجنان أزهر

٣٧

يطير فيها بجناح أخضر

كفا بهذا شرفاً في المحشر

وصار يقاتلهم حتّى قتل منهم ثلاثة فوارس وثمانية عشر راجلاً ، ثمّ علاه بسيفه عبد الله بن قطنة الطائي فقتله ، وفيه يقول سليمان بن قتة :

عين جودي بعبرةٍ وعويلِ

واندبي إن ندبت آلَ الرسولِ

ستّةٌ كلُّهم لصلبِ عليٍّ

قد اُصيبوا وسبعةٌ لعقيلِ

واندُبي إن ندبت عوناً أخاهمْ

ليس فيما ينوبهم بخذولِ

فلعمري لقد اُصيب ذو القربى

فبكي على المصاب الجليلِ

ودُفنا مع شهداء الطالبيِّين (١) في حفرة واحدة عند رجلي الحسين (عليه السّلام).

وربما يتوهم البعض أنّ المرقد الذي بالقرب من كربلاء هو مرقد عون بن عبد الله ، أو يزعم البعض أنه مرقد عون بن علي بن أبي طالب (عليه السّلام) ، واُمّه فاطمة

__________________

(١) انظر السيد جعفر بن السيد محمد الأعرجي المتوفّى سنة ١٣٣٣ هـ [في] مناهل الضرب في أنساب العرب (مخطوط) ، وتوجد نسخة منه لدى حفيده الاُستاذ السيد باقر الأعرجي حاكم [بلدية] البصرة اليوم ، واُخرى عند العلامة آقا بزرك الطهراني.

٣٨

بنت حزام الكلابية أحد إخوة العباس الثلاثة ، وكلا القولين وهمُ صرف واشتباه ، وإنّما هو قبر عون بن عبد الله بن جعفر بن مرعي بن علي بن الحسن البنفسج بن إدريس بن داود بن أحمد المسوّر بن عبد الله بن موسى الجون بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب (عليه السّلام) ، كان في الحائر المقدس الحسيني ، وكانت له ضيعة على ثلاثة فراسخ عن بلد كربلاء ، فخرج إليها وأدركه الموت فدُفن في ضيعته ، فكان له مزار مشهور وقبّة عالية ، والناس يقصدونه بالنذور وقضاء الحاجات ... إلخ.

واليوم صار مرقده على الطريق العام الطريق المعبّد ، يقع على الجانب الأيسر لمن يقصد كربلاء المقدسة للقادم من قضاء المسيب ، ويبعد عن كربلاء خمسة أميال.

وذكر المؤرّخون أنه لمّا ورد نعي الحسين (عليه السّلام) ونعيهما إلى المدينة كان عبد الله بن جعفر جالساً في بيته ، والناس يدخلون عليه يعزّونه ، فقال غلامه أبو اللسلاس : هذا ما لقيناه ودخل علينا من الحسين (عليه السّلام)!

فحذفه عبد الله بنعله ، وقال له : يابن اللخناء! أللحسين تقول هذا؟! والله ، لو شهدته لما فارقته حتّى اُقتل معه. والله ، إنه لممّا يسخي بالنفس عنهما ويهون عليّ المصاب بهما أنهما اُصيبا مع أخي وابن عمي ، مواسين له صابرين معه.

ثمّ أقبل على جلسائه ، وقال : الحمد لله ، أعزز عليِّ بمصرع الحسين أن

٣٩

لا أكن آسيت حسيناً بيدي فقد آسيته بولدي محمّد وعون.

وأمّا علي بن عبد الله فهو المعروف بالزينبي ، نسبة إلى اُمّه زينب بنت علي (عليه السّلام). ذكروا أنه كان ثلاثة في عصر واحد ، بني عمٍّ ، يرجعون إلى أصل قريب كلّهم يسمى علياً ، وكلّهم يصلح للخلافة ، وهم : علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السّلام) ـ السجاد (عليه السّلام) ـ ، وعلي بن عبد الله بن العباس ، وعلي بن عبد الله بن جعفر الطيار. ولكن إمام المسلمين وقتئذ كان السجاد زين العابدين (عليه السّلام) ؛ يعظّمه القريب والبعيد ، وتعنوا له كبار المسلمين.

وقد تزوّج علي بن عبد الله لبابة بنت عبد الله بن عباس حبر الاُمّة ، وكان نسل عبد الله بن جعفر منه. والسادة الزينبيّة كثيرون في العراق وفارس ، ومصر والحجاز ، والأفغان والهند ، وقد جعل الله البركة في نسل هذه السيدة الطاهرة وطيّب سلالتها.

وذكر السيد الزبيدي في تاج العروس قال : والزينبيّون بطن من ولد علي الزينبي ابن عبد الله الجواد ابن جعفر الطيار ، نسبة إلى اُمّه زينب بنت سيدنا علي (عليه السّلام) ، واُمّها فاطمة (عليها السّلام).

وولد علي هذا أحد أرحام لآل أبي طالب الثلاثة ، أعقب من ابنه محمّد والحسن ، وعيسى ويعقوب ، ومن عقبه أبو الحسن علي بن طلحة بن علي بن محمّد الزينبي ، تولى الخطابة والنيابة بعد أبيه في زمن المستنجد ، وتوفي سنة ٥٦١ هـ.

٤٠