الحسين ريحانة النبي (ص)

الشيخ كمال معاش

الحسين ريحانة النبي (ص)

المؤلف:

الشيخ كمال معاش


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٠٦

محبّة الحسين عليه‌السلام

٨١
٨٢

لقد احتل الإمام الحسين عليه‌السلام الصدارة عند جدّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأصبح محطّ محبّته والكثير من أحاديث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله تدلّ على منزلة ومكانة وعظمة الإمام الحسين عليه‌السلام منها :

عن أبي أيّوب الأنصاري قال : دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والحَسَن والحُسَيْن يلعبان بين يديه في حجره فقلت : يا رسول الله أتحبّهما؟ قال : «وكيف لا أُحبّهما وهما ريحانتاي من الدنيا أشمّهما؟!» (١).

عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله للحسين بن علي عليه‌السلام : «مَنْ أحبّ هذا فقد أحبّني» (٢).

عن علي عليه‌السلام : «إنَّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أخذ بيد الحسن والحسين فقال : مَنْ أحبّني وأحبّ هذين وأباهما وأُمّهما كان معي في درجتي يوم القيامة» (٣).

____________________

(١) تاريخ مدينة دمشق : ج ١٤ ص ١٣٠ ح ٣٤٢٢ ؛ سير أعلام النبلاء : ج ٤ ص ٤٠٣ رقم : ٢٧٠ ؛ كفاية الطالب : ص ٣٧٩.

(٢) مجمع الزوائد : ج ٩ ص ١٨٨.

(٣) الرياض النضرة في مناقب العشرة : ج ٢ ص ١٨٩ ؛ كنز العمال : ج ١٢ ص ٩٦ رقم : ٣٤١٦١ ص ١٠٣ ح ٣٤١٩٦ ؛ ينابيع المودة : ص ١٩٢ بغية الطلب ٦ / ٢٥٧٨ وفيه : «كان معي في الجنّة ؛ المرء مع مَنْ أحبّ المرء مع مَنْ أحبّ المرء مع مَنْ أحبّ».

٨٣

عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه كان يأخذه والحسن ويقول : «اللّهمّ إنّي أُحبّهما فأحبّهما» (١).

عن سلمان رضي‌الله‌عنه قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «الحسن والحسين ابناي ؛ مَنْ أحبّهما أحبّني ومَنْ أحبّني أحبّه الله ومَنْ أحبّه الله أدخله الجنّة ومَنْ أبغضهما أبغضني ومَنْ أبغضني أبغضه الله ومن أبغضه الله أدخله النار» (٢).

عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «مَنْ أحبّهما فقد أحبّني ومَنْ أبغضهما فقد أبغضني» يعني حسناً وحسيناً(٣).

عن أبي هريرة قال : خرج علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومعه الحسن والحسين هذا على عاتقه وهذا على عاتقه وهو يلثم ـ أي يقبّل ـ هذا مرةً وهذا مرّة حتّى انتهى إلينا فقال له رجل : يا رسول الله إنّك تحبّهما؟ فقال : «نعم مَنْ أحبّهما فقد أحبّني ومَنْ أبغضهما فقد أبغضني» (٤).

____________________

(١) صحيح البخاري : ج ٣ ص ١٣٦٩ ح ٣٥٣٧ ؛ باب مناقب الحسن والحسين رضي‌الله‌عنها تاريخ مدينة دمشق : ج ١٤ ص ١٥٥ ح ٣٤٧٦ ؛ الاستيعاب في معرفة الأصحاب ـ هامش الإصابة : ج ١ ص ٣٧٦.

(٢) المستدرك على الصحيحين : ج ٣ ص ١٦٦ ـ كتاب معرفة الصحابة ينابيع المودّة : ص ١٩٨ وص ٢٦٢ ؛ سير أعلام النبلاء : ج ٤ ص ٤٠٤ رقم ٢٧٠.

(٣) مسند الإمام أحمد بن حنبل : ج ١٣ ص ٢٦٠ ح ٧٨٧٦ ؛ السنن الكبرى : ج ٥ ص ٤٩ ؛ تاريخ مدينة دمشق : ج ١٤ ص ١٥٢ ح ٣٤٦٩.

(٤) المستدرك على الصحيحين : ج ٣ ص ١٦٦ ـ كتاب معرفة الصحابة الصواعق المحرقة : ص

٨٤

عن أبي هريرة قال : دخل الأقرع بن حابس على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فرآه يُقَبِّل إمّا حسناً أو حسيناً فقال : تُقبّله ولي عشرة من الولد ما قبلت واحداً منهم! فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّه مَنْ لا يَرحم لا يُرحم» (١).

عن البراء قال : إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أبصر حسناً وحسيناً فقال : «اللّهمّ إنّي أحبّهما فأحبّهما» (٢).

عن البراء بن عازب قال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حامل الحسين بن علي على عاتقه وهو يقول : «اللّهمّ إنّي أُحبّه فأحبّه» (٣).

عن أُسامة بن زيد قال : طرقت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ذات ليلة في بعض الحاجة فخرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو مشتمل على شيء لا أدري ما هو فلمّا فرغت من حاجتي قلت : ما هذا الذي أنت مشتمل عليه؟ قال : فكشفه فإذا حسن وحسين عليهما‌السلام على وركَيْه فقال : «هذان ابناي وابنا ابنتي اللّهمّ إنّي أُحِبُّهما فأَحبَّهُما وأَحِبَّ مَنْ يُحبُّهما» (٤).

____________________

١٩٢ ، مسند الإمام أحمد بن حنبل : ج ١٥ ص ٤٢٠ ح ٩٦٧٣ ـ ٢ / ٤٤٠ ؛ مقتل الحسين ـ للخوارزمي : ج ١ ص ٩١.

(١) مقتل الحسين ـ للخوارزمي : ج ١ ص ١٠٢.

(٢) سنن الترمذي : ج ٥ ص ٦٦١ ح ٣٧٨٢ ؛ ينابيع المودّة : ص ١٩٣.

(٣) الفصول المهمّة : ص ١٧٠ ؛ الاستيعاب في معرفة الأصحاب : ج ١ ص ٣٩٩ ؛ المستدرك على الصحيحين : ج ٣ ص ١٧٧ ؛ كنز العمال : ج ١٢ ص ١٢٥ ح ٣٤٣١١ ؛ نور الأبصار : ص ٢٢١.

(٤) سنن الترمذي : ج ٥ ص ٦٥٦ ح ٣٧٦٩ ؛ كنز العمال : ج ١٢ ص ١١٤ ح ٣٤٢٥٥ ؛ الصواعق المحرقة : ص ١٩١ ؛ ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى : ص ٢١١ ؛ مقتل الحسين

٨٥

عن أبي هريرة قال : ما رأيت الحسين بن علي إلاّ فاضت عيناي دموعاً ... فجلس رسول الله في المسجد .. فأتى حسين يشتدّ حتّى وقع في حجره ثمّ أدخل يده في لحية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فجعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يفتح فم الحسين فيدخل فاه في فيه ويقول : «اللّهمّ إنّي اُحبّه فأحبّه» (١).

وقال يونس بن أبي إسحاق بسنده : بينما عبد الله بن عمرو بن العاص جالس في ظِلّ الكعبة إذ رأى الحسين بن علي مقبلاً فقال : هذا أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء اليوم(٢).

عن رجاء بن ربيعة قال : كنت في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذ مرّ الحسين بن علي فسلّم فردّ عليه القوم السلام وسكت عبد الله بن عمرو ثمّ رفع ابن عمرو صوته بعد ما سكت القوم فقال : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته. ثمّ أقبل على القوم فقال : ألا أُخبركم بأحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء؟ قالوا : بلى. قال : هو هذا المقفى ـ أي الذاهب المولى ـ والله ما كلّمته كلمة ولا كلّمني كلمة منذ ليالي صفّين ووالله لأن يرضى عنّي أحبّ إليَّ من أن يكون لي مثل أُحد .... فلمّا اجتمع ابن عمرو بالحسين عليه‌السلام بعد ما أذن له فقال الحسين عليه‌السلام : «أكذاك يابن عمرو؟ أتعلم أنّي أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء؟». قال : إي وربّ الكعبة إنّك لأحبّ أهل الأرض

____________________

للخوارزمي : ج ١ ص ٩٢ ؛ أُسد الغاية : ج ٢ ص ١٦٢.

(١) المستدرك على الصحيحين : ج ٣ ص ١٧٨ ؛ مقتل الحسين ـ للخوارزمي : ج ١ ص ١٤٩.

(٢) تهذيب التهذيب : ج ٢ ص ٣٤٦ ؛ تاريخ مدينة دمشق : ج ١٤ ص ١٧٩ ح ٣٥١٧ ؛ الإصابة في تمييز الصحابة : ج ١ ص ٣٣٣ ؛ تهذيب الكمال : ج ٦ ص ٤٠٦.

٨٦

إلى أهل السماء. قال عليه‌السلام : «فما حملك على أن قاتلتني وأبي يوم صفين؟ والله لأبي خير منّي» (١).

عن زيد بن أبي زياد قال : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من بيت عائشة فمرّ على بيت فاطمة فسمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حسيناً يبكي فقال : «أَلَمْ تَعْلَمِي أنَّ بُكاءَهُ يُؤْذيني؟» (٢)

فعلاقة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بولده الحسين عليه‌السلام علاقة متميّزة وفريدة مليئة بالحبّ والعطف والحنان حتّى إنّ بكاءه كان يؤذيه. ومن خلال الحديث الشريف نرى أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يتحمّل سماع بكاء ولده الحسين عليه‌السلام أسفي عليك يا رسول الله لو كنت حاضراً في كربلاء كي ترى ماذا صنعت أُمّتك بولدك الحسين عليه‌السلام ؛ حيث داست كلّ القيم والمبادئ وأدارت ظهرها لك يا رسول الله ولأحاديثك كأنّها وضعت أصابعها في آذانها كما صنعت الجاهليّة الأُولى ؛ حيث وضعوا أصابعهم في آذانهم حتّى لا يسمعوا كلام الله تعالى : (وإِنِّي كلّما دَعَوْتُهُم لتغِفرَ لَهُم جَعَلوا أصابعَهُم في ءَاذَانِهم واستغْشَوا ثيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكبْرَوُا استِكْباراً) (٣). إنّها تجربة جاهليّة ثانية

____________________

(١) مجمع الزوائد : ج ٩ ص ١٨٩.

(٢) أنساب الأشراف : ج ٣ ص ١٤٤ ؛ مجمع الزوائد : ج ٩ ص ٢٠٤ ؛ الفصول المهمّة : ص ١٦٩ ؛ المعجم الكبير : ج ٣ ص ١١٦ ح ٢٨٤٧ ؛ ينابيع المودّة : ص ٢٦٦ ؛ تاريخ مدينة دمشق : ج ١٤ ص ١٧١ ح ٣٥١٢ ؛ سير أعلام النبلاء : ج ٤ ص ٤٠٥ رقم ٢٧٠ ؛ ذخائر العقبى : ص ٢٤٦ ؛ كفاية الطالب : ص ٣٨٩ ؛ نور الأبصار : ص ٢٢١.

(٣) سورة نوح : الآية ٧.

٨٧

حيث أعرضوا عن القرآن الناطق.

لقد وصل الأمر بهم أنّهم لم يكتفوا بقتل الحسين عليه‌السلام وإخوته وأولاده وأصحابه وسبي نسائه وحرق خيامه بل حرموهم الماء حتّى وصل بهم العطش إلى الموت ولم يرحموا حتّى الطفل الرضيع. فهذا عبد الله الرضيع عندما عرضه الحسين عليه‌السلام ليسقوه شربة ماء وكان يبكي من شدّة العطش فكان مصيره الذبح من الوريد إلى الوريد حتّى صيّروه كالطير المذبوح بل راحوا يصبّون حقدهم بحزّ الرؤوس بدءاً برأس الحسين عليه‌السلام ؛ نكاية به وبغضاً لأبيه ولجدّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهذا يظهر جليّاً من قولهم للحسين عليه‌السلام لمّا طلب منهم الماء : لا تذوق الماء حتّى تموت عطشاناً ؛ بغضاً لأبيك. وكان جدّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يطيل النظر إلى ولده الحسين عليه‌السلام وكانت دموعه تسيل على خدّه وهو يقول صلى‌الله‌عليه‌وآله : «حسين منّي وأنا من حسين».

هل هذا جزاء الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي أنقذهم من دياجير الظلمات إلى عالم النور؟! وكما قالت فاطمة عليها‌السلام في خطبتها المعروفة في مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «وكنتم على شفا حفرة من النار(١) مذقة الشارب ونهزة الطامع(٢) وقُبسة العجلان(٣) وموطئ الأقدام(٤) تشربون الطرْق وتقتاتون القد(٥) أذلّة

____________________

(١) شفا كلّ شيء : طرفه وشفيره أي كنتم على شفير جهنم مشرفين على دخولها لشرككم وكفركم.

(٢) أي كنتم قليلين أذلاّء يتخطّفكم الناس بسهولة.

(٣) والقُبسة ـ بالضم ـ : شعلة من نار يقتبس من معظمها والإضافة إلى العجلان لبيان القلّة والحقارة.

(٤) ووطئ الأقدام : مثل مشهور في المغلوبيّة والمذلّة.

(٥) الطرق : ماء السماء الذي تبول فيه الإبل وتبعر والقد : يقد من جلدٍ غير مدبوغ والمقصود

٨٨

خاسئين تخافون أن يتخطّفكم الناس من حولكم(١) فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد اللتيا والتي» (٢) (٣).

إنّ فاطمةعليها‌السلامجاءت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهي تبكي فقال : «ما يبكيك؟». قالت : «ضاع منّي الحسين فلا أجده». فقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد اغرورقت عيناه وذهب ليطلبه فلقيه يهودي فقال : يا محمّد ما لك تبكي؟ فقال : «ضاع ابني». فقال : لا تحزن فإنّي رأيته على تلّ كذا نائماً ... (٤).

عن يعلى بن مرّة العامري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «حسين منّي وأنا من حسين أحبّ الله مَنْ أحبّ حسيناً حسين سبط من الأسباط» (٥).

عن يعلى العامري قال : إنّه خرج مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى طعام دعوا له.

____________________

وصفهم بخباثة المشرب وجشوبة المأكل لعدم اهتدائهم إلى ما يصلحهم في دنياهم ولفقرهم.

(١) الخاسئ: المبعد المطرود والتخطف استلاب الشيء وأخذه بسرعة اقتبس من قوله تعالى: (واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الارض تخافون أن يتخطّفكم الناس فأواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيّبات لعلّكم تشكرون) سورة الانفال : الآية ٢٦.

وفي نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّ الخطاب في تلك الآية لقريش خاصّة فالمراد بالناس سائر العرب أو الأعمّ.

(٢) اللتيا والتي: وهما كنايتان عن الواهية الصغيرة والكبيرة.

(٣) الاحتجاج ص ٩٧ احتجاج فاطمة الزهراء عليها السلام على القوم.

(٤) مقتل الحسين ـ للخوارزمي : ج ١ ص ١٤٤.

(٥) أنساب الأشراف : ج ٣ ص ١٤٢ ؛ الفصول المهمّة : ص ١٦٩ ؛ ينابيع المودّة : ص ٢٦٤ ، ص١٩٣ سنن الترمذي : ج ٥ ص ٦٥٨ ح ٣٧٧٥ ؛ سير أعلام النبلاء : ج ٤ ص ٤٠٤ ـ ٢٧٠ ؛ ذخائر العقبى : ص ٢٣١ ؛ اُسد الغابة : ج ٢ ص ٢٦.

٨٩

قال فاستقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمام القوم وحسين مع الغلمان يلعب فأراد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يأخذه فطفق الصبي يفرّ هاهنا مرّة وهاهنا مرّة فجعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يضاحكه حتّى أخذه. قال : فوضع إحدى يديه تحت قفاه والأُخرى تحت ذقنه فوضع فاه على فيه يقبّله فقال : «حُسينٌ منّي وأنا من حُسين أحَبَّ اللهُ من أحَبَّ حُسَيناً حُسينٌ سبط من الأسباط» (١).

عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جائعاً لا يقدر على ما يأكل فقال لي : «هات ردائي». فقلت : أين تريد؟ قال : «إلى فاطمة ابنتي فأنظر إلى الحسن والحسين فيذهب ما بي من جوع». فخرج حتّى دخل على فاطمة فقال : «يا فاطمة أين ابناي؟». فقالت : «يا رسول الله خرجا من الجوع وهما يبكيان». فخرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في طلبهما فرأى أبا الدرداء فقال : «يا عويمر هل رأيت ابنَيّ؟». قال : نعم يا رسول الله هما نائمان تحت ظِلّ حائط بني جدعان. فانطلق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فضمّهما وهما يبكيان وهو يمسح الدموع عنهما فقال له أبو الدرداء : دعني أحملهما. فقال : «يا أبا الدرداء دعني امسح الدموع

____________________

(١) سنن الترمذي : ج ٥ ص ٦٥٨ ح ٣٧٧٥ ؛ مسند الإمام أحمد بن حنبل : ج ٢٩ ص ١٠٢ ح ١٧٥٦١ ؛ تهذيب التهذيب : ج ٢ ص ٣٤٦ ؛ المستدرك على الصحيحين : ج ٣ ص ١٧٧ ـ كتاب معرفة الصحابة ؛ كنزل العمال : ج ١٢ ص ١٢٩ رقم ٣٤٣٢٨ ، ص ١١٥ ح ٣٤٢٦٤ ؛ مقتل الحسين للخوارزمي : ج ١ ص ١٤٦ ؛ الصواعق المحرقة : ص ١٩٢ ؛ ينابيع المودّة : ص ٢٦٤ ؛ ذخائر العقبى : ص ٢٣١ ؛ تهذيب الكمال : ج ٦ ص ٤٠٢ ؛ بغية الطلب : ج ٦ ص ٢٥٨٣ ؛ نور الأبصار : ص ٢٢٠ ؛ كتاب التاريخ الكبير : ج ٨ ص ٤١٤ ح ٣٥٣٦ ، باب يعلى ؛ فرائد السمطين : ج ٢ ص ١٣٠ ح ٤٢٩.

٩٠

عنهما فو الذي بعثني نبيّاً لو قطرت قطرة في الأرض لبقيت المجاعة في أُمّتي إلى يوم القيامة».

ثمّ حملهما وهما يبكيان وهو يبكي فجاء جبرئيل فقال : السلام عليك يا محمّد ربّ العزّة يقرئك السلام ويقول : ما هذا الجزع؟ فقال : «يا جبرئيل ما أبكي من جزع بل أبكي من ذلّ الدنيا».

فقال جبرئيل : إنّ الله تعالى يقول : أيسرّك أن أُحوّل لك أُحداً ذهباً ولا ينقص لك ممّا عندي شيء؟ قال : «لا». قال : لِمَ؟ قال : «لأنّ الله لم يحبّ الدنيا ولو أحبّها لما جعل للكافر أكلة». فقال جبرئيل : يا محمّد ادعُ بالجفنة المنكوسة التي في ناحية البيت. فدعا بها فلمّا حملت إذا فيها ثريد ولحم كثير فقال : كل يا محمّد وأطعم ابنيك وأهل بيتك. قالت : فأكلوا وشبعوا ... (١).

____________________

(١) مقتل الحسين للخوارزمي : ج ١ ص ١٢٩.

٩١
٩٢

جنّة الحسين عليه‌السلام

٩٣
٩٤

عن أبي سعيد الخُدْري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة» (١).

عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة وأبوهما خير منهما» (٢).

عن حذيفة قال : رأينا في وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تباشير السرور فقلنا : يا رسول الله لقد رأينا اليوم في وجهك تباشير السرور! فقال : «وما لي لا أُسرّ

____________________

(١) سنن الترمذي : ج ٥ ص ٦٥٦ ح ٣٧٦٨ ؛ مسند الإمام أحمد بن حنبل : ج ١٨ ص ١٣٨ ح ١١٥٩٤ ـ المسند : ٣ / ٦٢ ، ص ٣٠١ ـ ١١٧٧٧ ـ المسند : ٣ / ٨٢ ؛ ص ١٦١ ح ١١٦١٨ ـ ، المستدرك على الصحيحين : ج ٣ ص ١٦٦ ، كتاب معرفة الصحابة ، الاستيعاب في معرفة الأصحاب : ج ١ ص ٣٩١ ؛ الفصول المهمّة : ص ١٥٢ ؛ كنز العمال : ج ١٢ ص ١١٢ ح ٣٤٢٤٦ ؛ الصواعق المحرقة : ص ١٩١ ؛ تاريخ بغداد : ج ٢ ص ١٨٤ وص ١٨٥ ، ج ٤ ص ٢٠٧ و ج ٦ ص ٣٧٢ و ج ٩ ص ٢٣٢ ؛ ينابيع المودّة : ص ٢٦٢ ؛ تاريخ مدينة دمشق : ج ١٤ ص ١٣٠ ح ٣٤٢٣ ؛ سير أعلام النبلاء : ج ٤ ص ٤٠٣ رقم : ٢٧٠ ؛ الاستيعاب في معرفة الأصحاب : ج ١ ص ٣٧٦ ، هامش الإصابة ؛ السنن الكبرى : ج ٥ ص ٥٠ ح ٨١٦٩ / ٩ ؛ المعجم الأوسط : ج ٣ ص ٢٢١١ ؛ مقتل الحسين للخوارزمي : ج ١ ص ٩٢ ؛ ذخائر العقبى : ص ٢٢٥ ؛ اُسد الغابة : ج ٢ ص ١٥ ؛ بغية الطلب : ج ٦ ص ٢٥٧٨ ؛ فرائد السمطين : ج ٢ ص ٩٨ ح ٤٠٩.

(٢) المستدرك على الصحيحين : ج ٣ ص ١٦٧ ، كتاب معرفة الصحابة ؛ كنز العمال : ج ٢ ص ١١٢ ح ٣٤٢٤٧ وص ١١٥ ح ٣٤٢٥٩ ـ ؛ الصواعق المحرقة : ص ١٩١ ؛ تاريخ مدينة دمشق : ج ١٤ ص ١٣٣ ح ٣٤٢٩.

٩٥

وقد أتاني جبريل فبشّرني أنّ حسناً وحسيناً سيّدا شباب أهل الجنّة وأبوهما أفضل منهما» (١).

عن جابر بن عبد الله قال : مَنْ سرَّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى الحسين بن عليّ ؛ فإنّي سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقوله (٢).

عن جابر أنّه قال ـ وقد دخل الحسين المسجد ـ : مَنْ أحبَّ أن يَنظُرَ إلى سيِّدِ شبابِ أهل الجنّة فلينظر إلى هذا ؛ سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣).

عن علي عليه‌السلام قال : «شكوت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حسد الناس إيّاي فقال : يا عليّ إنّ أوّل أربعة يدخلون الجنّة أنا وأنت والحسن والحسين وذرارينا خلف ظهورنا وأزواجنا خلف ذرارينا». قال عليّ : «قلت : يا رسول الله فأين شيعتنا؟ قال : شيعتكم من ورائكم» (٤).

____________________

(١) كنز العمال : ج ٢ ص ١٠٧ ح ٣٤٠١٧ وص ١١٣ ح ٣٤٢٤٩ وص ١٠٢ ح ٣٤١٩٢ ؛ تاريخ بغداد : ج ١٠ ص ٢٣١ ؛ ينابيع المودّة : ص ١٩٥ ؛ حلية الأولياء : ج ٤ ص ١٩٠ ، وفيه : «وإنّ فاطمة سيدة نساء أهل الجنة» ؛ السنن الكبرى : ج ٥ ص ٩٥ ح ٨٣٦٥ / ١ ؛ كفاية الطالب : ص ٣٨٠ ؛ ذخائر العقبى : ص ٢٢٤.

(٢) مجمع الزوائد : ج ٩ ص ١٩٠ ؛ ميزان الاعتدال : ج ٢ ص ٤٠ رقم : ٢٧٣٧ ـ ؛ مقتل الحسين للخوارزمي : ج ١ ص ١٤٧ ؛ ينابيع المودّة : ص ٢٦٢ ؛ تاريخ مدينة دمشق : ج ١٤ ص ١٣٧ ح ٣٤١٦٦ ؛ ذخائر العقبى : ص ٢٢٥ ؛ بغية الطلب : ج ٦ ص ٢٥٨٣ ، نور الأبصار : ص ٢٢٠.

(٣) سير أعلام النبلاء : ج ٤ ص ٤٠٣ رقم : ٢٧٠.

(٤) تاريخ مدينة دمشق : ج ١٤ ص ١٦٩ ح ٣٥٠٨ ؛ كنز العمال : ج ١٢ ص ٩٨ ح ٣٤١٦٦ وص ١٠٤ ح ٣٤٢٠٥ ؛ مقتل الحسين للخوارزمي : ج ١ ص ١٠٩.

٩٦

عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لمّا أُسري بي إلى السماء رأيت على باب الجنّة مكتوباً بالذهب : لا إله إلاّ الله محمّد حبيب الله علي ولي الله فاطمة أَمة الله الحسن والحسين صفوة الله على مبغضيهم لعنة الله مهما ذكر الله» (١).

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «بي أُنذرتم ثمّ بعلي بن أبي طالب اهتديتم ـ وقرأ : (إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) (٢) ـ وبالحسن أُعطيتم الإحسان وبالحسين تسعدون وبه تشقون. ألا وإنّ الحسين باب من أبواب الجنّة مَنْ عانده حرّم الله عليه رائحة الجنّة» (٣)

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لمّا استقرّ أهل الجنّة قالت الجنّة : يا ربّ أليس وعدتني أن تزينني بركنين من أركانك؟ قال : ألم أُزينك بالحسن والحسين؟ قال : فماست الجنّة ميساً(٤) كما تميس العروس في خدرها» (٥).

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «هلمّ يا بلال وناد في الناس واجمعهم لي في المسجد». فلمّا اجتمعوا قام على قدميه وخطب الناس بخطبة أبلغ فيها حمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ومستحقّه ثمّ قال : «يا معشر المسلمين هل

____________________

(١) كفاية الطالب : ص ٣٨١ ؛ مقتل الحسين للخوارزمي : ج ١ ص ١٠٨.

(٢) سورة الرعد : الآية ٧.

(٣) مقتل الحسين للخوارزمي : ج ١ ص ١٤٥.

(٤) الميس : التبختر ماس يميس ميساً : تبختر واختال. لسان العرب : ج ٦ ص ٢٢٤ «ميس» أي : إنَّ الجنّة تبخترت وافتخرت بتزيّنها بالحسن والحسين عليهما‌السلام.

(٥) تاريخ بغداد : ج ٢ ص ٢٣٨ ؛ مقتل الحسين للخوارزمي : ج ١ ص ١٠٣.

٩٧

أدلُّكم على خير الناس جدَّاً وجدَّة؟». قلنا : بلى يا رسول الله. قال : «الحسن والحسين جدّهما رسول الله خاتم المرسلين وجدّتهما خديجةُ بنت خُوَيلد سيدة نساء أهل الجنّة. ألا أدُلُّكم على خير الناس أباً وأُمّاً؟». قالوا : بلى يا رسول الله. قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «الحسن والحسين أبوهما علي بن أبي طالب وأُمُّهما فاطمة بنت خديجة وهي سيدة نساء العالمين. هل أدلُّكم على خير الناس عمَّاً وعمةً؟». قالوا : بلى يا رسول الله. قال : «الحسن والحسين عمّهما جعفر بن أبي طالب وعمتهما أُمُّ هانئ بنت أبي طالب. أيّها الناس هل أدلُّكم على خير الناس خالاً وخالةً؟». قالوا : بلى يا رسول الله. قال : «الحسن والحسين خالهما القاسم ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وخالتهما زينب بنت رسول الله». ثمّ قال : «اللّهمّ إنّك تعلم أنَّ الحسن والحسين في الجنّة وجدّهما في الجنّة وجدتّهما في الجنّة وأباهما في الجنّة وأُمّهما في الجنّة وخالهما في الجنّة وخالتهما في الجنّة وعمّهما في الجنّة وعمّتهما في الجنّة ومَنْ يحبّهما في الجنّة ومَنْ يبغضهما في النار» (١).

هذه الأحاديث تدلّ على مكانة الحسين عليه‌السلام عند الله تعالى وعند رسوله ؛ لشموله بالعناية الإلهيّة الخاصّة وأنّها رسالة إلى العالم ليقتدوا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في محبّته وعلاقته بولده الحسين عليه‌السلام ؛ لأنّه يحمل رسالة جدّه صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنّ نهج الحسين عليه‌السلام هو نهج جدّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فالمحبّة له في الواقع هو حفظ الرسالة من الانحراف وأكثر من ذلك جعل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله مساواة النظر

____________________

(١) ذخائر العقبى : ص ٢٢٦ ؛ كفاية الطالب : ص ٣٧٨ ؛ مقتل الحسين للخوارزمي : ج ١ ص ١١٢.

٩٨

إليه هو نفس النظر إلى ولد الحسين عليه‌السلام.

لقد ترك الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله هذه الأمانة الإلهيّة السماويّة في أعناقنا من خلال وصاياه ولكن سرعان ما انقلبت الأُمّة على سبط النبوّة والإمامة وأرادوا الحطّ من شأن الحسين عليه‌السلام في واقعة الطفّ ومخالفة المشيئة الإلهيّة (وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (١).

____________________

(١) سورة التوبة : الآية ٣٢.

٩٩
١٠٠