الحسين ريحانة النبي (ص)

الشيخ كمال معاش

الحسين ريحانة النبي (ص)

المؤلف:

الشيخ كمال معاش


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٠٦

عن أبي رافع عن أبيه قال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أذّن في أُذن الحسين حين ولدته فاطمة رضي‌الله‌عنها(١).

عن عبد العزيز بإسناده عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جالساً فأقبل الحسن والحسين فلمّا رآهما صلى‌الله‌عليه‌وآله قام لهما واستبطأ بلوغَهُما فاستقبلهما وحملهما على كتفيْه وقال : «نِعْمَ المطيُّ مطيُّكما ونِعْمَ الراكبان أنتما» (٢).

عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حامل الحسين بن علي على عاتقه فقال رجل : نِعْمَ المركب ركبت يا غلام. فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ونِعْمَ الراكب هو» (٣).

عن جابر قال : دخلت على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يصلّي والحسن والحسين على ظهره وقلت : نعم الجمل جملكما. ولمّا فرغ قال : «نعم نِعمَ العدلان أنتما» (٤).

وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ الحسن والحسين ريحانتاي من الدنيا» (٥).

____________________

(١) المستدرك على الصحيحين : ج٣ ص ١٧٩.

(٢) ذخائر العقبى : ص ٢٢٦.

(٣) سنن الترمذي : ج ٥ ص ٦٦١ ح ٣٧٨٤ : سير أعلام النبلاء ج ٤ ص ٣٨٥ رقم ٢٧٠ ينابيع المودّة : ص ٢٦٢ ، ص ١٩٤ اُسد الغابة : ج٢ ص ١٦.

(٤) سير أعلام النبلاء : ج ٤ ص ٣٨٥ ؛ ينابيع المودّة : ص ٢٦٣ مقتل الحسين ـ للخوارزمي : ج ١ ص ٩٩ ؛ بغية الطلب : ج ٦ ص ٢٥٧٤.

(٥) الإصابة في تمييز الصحابة : ج ١ ص ٣٣٢ ؛ الفصول المهمة : ص ١٥٢ ؛ ينابيع المودّة : ص

٢١

وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «خيرُ رجالكم علي بن أبي طالب وخيرُ شبابكم الحَسَن والحُسَيْن وخير نسائكم فاطمة بنت محمد» (١).

عن جعفر بن محمد عن أبيه قال : «بايع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر وهم صغار ولم يُبايع قطّ صغيرٌ إلاّ هم عليهم‌السلام» (٢).

وروي عن جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «اصطرع الحسن والحسين عليهما‌السلام بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إيهاً حسن. فقالت فاطمة عليها‌السلام : يا رسول الله استنهضت الكبير على الصغير! فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : هذا جبرائيل عليه‌السلام يقول للحسين : إيهاً حسين خذ الحسن عليه‌السلام» (٣).

فشخصية الحسين عليه‌السلام وهو فتىً كانت بلا حدود وقد ورثها من جدّه وأبيه وأُمّه وأخيه عليهم‌السلام فكانت قوّته وجرأته قد ظهرت منذ صباه ؛ فقد ورد عن الحسين بن علي عليه‌السلام أنّه قال : «أتيت عمر بن الخطاب وهو يخطب على المنبر فصعدت إليه فقلت له : انزل عن منبر أبي واذهب إلى منبر أبيك. فقال عمر :

____________________

١٩٣ ؛ تاريخ مدينة دمشق : ج ١٤ ص ١٢٩ ح ٣٤١٩ ؛ كنز العمال : ج ١٢ ص ١١٣ ح ٣٤٢٥١ ؛ النهاية : ج ٢ ص ٢٨٨.

(١) تاريخ مدينة دمشق : ج ١٤ ص ١٦٧ ح ٣٥٠٥ ؛ كنزالعمال : ج ١٢ ص ١٠٢ ح ٣٤١٩١.

(٢) العقد الفريد : ج ٤ ص ٣٥١ ؛ تاريخ مدينة دمشق : ج ١٤ ص ١٨٠ ح ٣٥١٧.

(٣) الفصول المهمة : ص ١٦٩ الاصابة في تمييز الصحابة : ج ١ ص ٣٣٢ ؛ ذخائر العقبي : ص ٢٣٣ ؛ تاريخ مدينة دمشق : ج ١٤ ص ١٦٥ ح ٣٥٠٠ ؛ سير أعلام النبلاء : ج ٤ص ٤٠٥ رقم : ٢٧٠ ؛ مقتل الحسين للخوارزمي : ج ١ ص ١٠٥ ؛ أسد الغابة : ج ٢ ص ٢٦ ؛ نور الأبصار : ص ٢٢١.

٢٢

لم يكن لأبي منبر منبر أبيك والله لا منبر أبي. ثمّ قال لي : مَنْ علّمك هذا؟ فقلت : والله ما علّمني أحد. فقال : لا تزال تأتينا. فجئت يوماً وهو خال بمعاوية وابن عمر على الباب فرجعت فلقيني فقال : ألم أقل لك تأتينا؟ قلت : قد جئت وأنت خال بمعاوية وابن عمر على الباب. قال : أفأنت مثل ابن عمر؟ وهل أنبت على رؤوسنا الشعر إلاّ الله ثمّ أنتم؟ إذا جئت فلا تستأذن» (١).

كلّ هذا إشارة إلى أهليتهم للإمامة والخلافة وهم صغار ؛ لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا». وقول الحسين عليه‌السلام لعمر كلام خطير للغاية حيث نبّهه على عدم التصدّي للخلافة ؛ لأنّ صعود المنبر معناه تزعّم الخلافة.

عن هشام بن محمد قال : لمّا أُجري الماء على قبر الحُسَيْن نضب بعد أربعين يوماً وامتُحي أثر القبر فجاء أعرابي من بني أسد فجعل يأخذ قبضة قبضة ويشمّه حتى وقع على قبر الحسين وبكى وقال : بأبي وأُمّي! ما كان أطيبك وأطيب تربتك ميتاً! ثمّ بكى وأنشأ يقول :

أرادوا ليخفوا قبرهُ عن وليِّه

فطيبُ ترابِ القبرِ دلّ على القبرِ(٢)

____________________

(١) تهذيب التهذيب : ج ٣ ص ٤٣٦ ؛ الإصابة في تمييز الصحابة : ج ١ ص ٣٣٣ ؛ ينابيع المودة : ص ١٩٧ ؛ تاريخ مدينة دمشق : ج ١٤ ص ١٥٧ ح ٣٥١٧ ؛ مقتل الحسين للخوارزمي : ج ١ ص ١٤٥ ؛ سيرأعلام النبلاء : ج ٤ ص ٤٠٥ ـ ٢٧٠ ، وفيه (أي بني لو جعلت تأتينا وتغشانا) تهذيب الكمال : ج ٦ ص ٤٠٤ ؛ بغية الطلب : ج ٦ ص ٢٥٨٤.

(٢) تاريخ مدينة دمشق : ج ١٤ ص ٢٤٥ ح ٣٥٤٧ ؛ سير اعلام النبلاء : ج ٣ ص ٣١٧ وفيه : (انمحى بدل امتحى) كفاية الطالب : ص ٣٩٧ ؛ تهذيب الكمال : ج ٦ ص ٤٤٤ ؛ بغية

٢٣

وأمّا نظمه عليه‌السلام فمن ذلك ما نقله عنه ابن أعثم صاحب كتاب الفتوح وهو أنّه عليه‌السلام لمّا أحاطت به جموع ابن زياد (لعنه الله) (١) وقتلوا مَنْ قتلوا من

____________________

الطلب : ج ٦ ص ٢٦٥٧.

(١) اللعن في اللغة : هو الطرد والإبعاد من الخير ولعنهم الله : أي طردهم وأبعدهم من رحمته. واللعن في القرآن الكريم بمعنى الطرد من رحمة الله وقيل اللعن : هو العذاب وقيل : الدعاء. واللعين : هو الشيطان ؛ لأنّه أبعد من رحمة الله. وهناك فرق بين السب واللعن لغوياً مع أنّ كثيراً من الناس خلطوا بينهما ؛ حيث اعتبروا اللعن هو السب.

وأمّا السب : بمعنى الشتم أي شتمه شتماً وجيعاً أي نال من عرضه. وحتى النظر يأتي بمعنى السب إذا كان نظر شامت. وفي القرآن الكريم يوجد أكثر من أربعين آية في اللعن وإن دلّ على شيءٍ فإنّما يدلّ على مشروعية اللعن وجوازه بل ورد الاستحباب به. ومن الآيات قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً). سورة الأحزاب / ٥٧ (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ) سورة البقرة : الآية ١٥٩ (لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) سورة هود : الآية ١٨. وأمّا الروايات في اللعن منها :

عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ملعون ملعون مَنْ سبّ أباه ملعون ملعون مَنْ سبّ أُمّه ملعون ملعون مَنْ عمل عمل قوم لوط ملعون ملعون مَنْ أغرى بين بهيمتين ملعون ملعون مَنْ غيَّر تخوم الأرض ملعون ملعون مَنْ كمه أعمى عن الطريق». تاريخ بغداد : ج ٤ ص ٣٣٠ ح ٢١٤٦ ؛ ميزان الاعتدال : ج ١ ص ١٠٦ ح ٤٢٠.

عن أبي يحيى قال : كنت يوماً مع الحسن والحسين فسبّهما مروان سبَّاً قبيحاً حتى قال : والله إنّكم أهل بيت ملعونون. فقال الحسن والحسين أو أحدهما : «والله والله والله لقد لعنك الله على لسان نبيّه وأنت في صلب الحكم». فسكت مروان. المطالب العالية : ج ٤ ص ٣٢٩ ح ٤٥٢٢.

عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لعن الله الراشي والمرتشي في الحكم». تاريخ بغداد : ج ١٠ ص ٢٥٤ ح ٥٣٧٠.

٢٤

أصحابه ومنعوهم الماء كان له ولد صغير فجاءه سهم فقتله فرمّله الحسين عليه‌السلام وحفر له بسيفه وصلّى عليه ودفنه وقال شعراً منه :

غدرَ القومُ وقدماً رغبوا

عن ثوابِ اللهِ ربِّ الثقلين

قتلوا قدماً علياً وابنه

حسنَ الخيرِ كريمِ الأبوين

حسداً منهم وقالوا أقبلوا

نقتلُ الآن جميعاً للحسين

خيرةَ اللهِ من الخلقَ أبي

ثمّ أُمّي فأنا ابن الخيرتين

فضةٌ قد صُفيت من ذهبٍ

فأنا الفضةُ وابنُ الذهبين

مَنْ لهُ جدّ كجدّي في الورى

أو كشيخي فأنا ابن القمرين

فاطمُ الزهراءِ أُمّي وأبي

قاصمُ الكفرَ ببدرٍ وحنين(١)

____________________

عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «شارب الخمر ملعون في التوراة والإنجيل والقرآن». كتاب فردوس الأخبار : ج ٢ ص ٥٠٧ ح ٣٤٢٧.

عن جابر قال : لعن رسول الله آكل الربا ومُوكِلَهُ وكاتبه وشاهديْه وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «هم سواء». صحيح مسلم : ج ٣ ص ٤٠٧ ح ١٥٩٨ ـ باب لعن آكل الربا ومؤكله.

عن أبي سعيد : لعن رسول الله الفاعل والمفعول به وأنا منهم بريء. ميزان الاعتدال : ج ٢ ص ٥٠ ح ٢٧٨٠

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «مَنْ تغوّط على ضفة نهر يُتَوضأ منه ويُشرب فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين». تاريخ بغداد : ج ٨ ص ٣٥٦ ح ٤٤٥٦.

عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «مَنْ لم تكن عنده صدقة فليلعن اليهود ؛ فإنّها صدقة له». تاريخ بغداد : ج ١ ص ٢٥٨ ح ٨٧.

راجع كتابنا أهل البيت عليهم‌السلام ـ امتداد القرآن الفصل الخامس مشروعية اللعن [المؤلّف].

(١) الفصول المهمة : ص ١٧٧ مقتل الحسين ـ لأبي مخنف : ص ١٣٤ وفيه : بعد جدّي فأنا ابن الخيرتين. كتاب الفتوح : ج ٥ ص ٢١٠ ؛ نور الأبصار : ص ٢٤٢.

٢٥
٢٦

أخلاق الحسين عليه‌السلام

٢٧
٢٨

من صفات المعصوم القائد والإمام الاتصاف بالخُلق الرفيع وهذه ميزة متجسّدة في خُلق الإمام أبي عبد الله الحسين بن علي عليهما‌السلام ؛ باعتباره صاحب مسيرة كبرى لتركيز إسلام جدّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. وفيما يلي بعض ما روي في هذا الباب :

روى عن الحسن بن على قال : وفد أعرابي المدينة فسأل عن أكرم الناس بها فدُلَّ على الحسين عليه‌السلام فدخل المسجد فوجده مصلّياً فوقف بإزائه وأنشأ :

لم يخب الآن مَنْ رجاكَ ومَنْ

حرَّكَ من دون بابكَ الحلقهْ

أنتَ جوادٌ وأنتَ معتمدٌ

أبوكَ قد كانَ قاتلَ الفسقهْ

لو لا الذي كانَ من أوائلكمْ

كانت علينا الجحيمُ منطبقهْ

قال : فسلَّم الحسين عليه‌السلام وقال : «يا قنبر هل بقي من مال الحجاز شيء؟» قال : نعم أربعة آلاف دينار. فقال : «هاتها ؛ قد جاء مَنْ هو أحقٌّ بها منّا». ثمّ نزع بُرديه ولفَّ الدنانير فيها وأخرج يده من شقِّ الباب ؛ حياءً من الأعرابيِّ وأنشأ :

خذها فإنّي إليكَ معتذرٌ

واعلم بأنّي عليك ذو شفقهْ

٢٩

لو كانَ في سيرنا الغداةَ عصاً

أمست سمانا عليكَ مندفقهْ

لكنَّ ريبَ الزمانِ ذو غِيَرٍ

والكفُّ منِّي قليلةُ النفقهْ

قال : فأخذها الأعرابيُّ وبكى فقال له : «لعلّك استقللت ما أعطيناك؟». قال : لا ولكن كيف يأكل التراب جودك؟ وولّى وهو يقول :

مُطهرونَ نقياتٌ جيوبهمُ

تجري الصلاةُ عليهم أينما ذُكروا

وأنتمُ أنتمُ الأعلونَ عندكمُ

علمُ الكتابِ وما جاءت بهِ السورُ

مَنْ لم يكن علوياً حينَ تنسبهُ

فما لهُ في جميعِ الناسِ مفتخرُ(١)

ومن أخلاقه عليه‌السلام : مرَّ الحسين بمساكين يأكلون في الصفة فقالوا : الغداء. فنزل وقال : «إنّ الله لا يحبّ المتكبّرين». فتغدّى معهم ثمّ قال لهم : «قد أجبتكم فأجيبوني». قالوا : نعم. فمضى بهم إلى منزله فقال للرباب : «أخرجي ما كنت تدّخرين» (٢).

قال أنس : كنت عند الحسين عليه‌السلامفدخلتْ عليه جارية فحيّته بطاقة ريحان فقال لها عليه‌السلام : «أنت حرّة لوجه الله». فقلتُ له : تجيئك جارية تحييك بطاقة ريحان لا خطر لها فتعتقها؟! قال عليه‌السلام : كذا أدّبنا الله قال الله : (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا) وكان أحسن منها عتقها) (٣).

عن علي بن موسى عن آبائه عليهم‌السلام : «أنّ الحسين بن علي دخل المستراح

____________________

(١) تاريخ مدينة دمشق : ج ١٤ ص ١٨٥ ح ٣٥١٧ ؛ مناقب آل أبي طالب : ج ٤ ص ٦٥ ؛ بغية الطلب : ج ٦ ص ٢٥٩٣.

(٢) تاريخ مدينة دمشق : ج ١٤ ص ١٨١ ح ٣٥١٧.

(٣) الفصول المهمة : ص ١٧٥.

٣٠

فوجد لقمة ملقاة فدفعها إلى غلام له فقال : يا غلام اذكرني هذه اللقمة إذا خرجت. فأكلها الغلام فلمّا خرج الحسين قال : يا غلام اللقمة. قال : أَكلتها يا مولاي. قال : أنت حرّ لوجه الله تعالى. فقال له رجل : اعتقته يا سيدي؟! قال : نعم سمعت جدّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : مَنْ وجد لقمة ملقاة فمسح منها ما مسح وغسل منها ما غسل وأكلها لم يسغها في جوفه حتّى يعتقه الله من النار ولم أكن لأستعبد رجلاً أعتقه الله من النار» (١).

رويَ أنّ أعرابياً من البادية قصد الحسين عليه‌السلام فسلَّم عليه فردّ عليه‌السلام فسأله حاجة وقال : سمعت جدّك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «إذا سألتم حاجةً فاسألوها من أحد أربعة ؛ إمّا من عربي شريف أو مولى كريم أو حامل القرآن أو ذي وجه صبيح». فأمّا العرب فشرفت بجدّك وأمّا الكرم فدأبكم وسيرتكم وأمّا القرآن ففي بيوتكم نزل وأمّا الوجه الصبيح فإنّي سمعت جدّك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «إذا أردتم أن تنظروا إليّ فانظروا إلى الحسن والحسين». فقال الحسين له : «ما حاجتك؟». فكتبها على الأرض فقال له الحسين عليه‌السلام : «سمعت أبي علياً عليه‌السلام يقول قيمة كلّ امرئ ما يحسنه وسمعت جدّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : المعروف بقدر المعرفة فأسألك عن ثلاث خصال ؛ فإن أجبتني عن واحدة فلك ثلث ما عندي وإن أجبتني عن اثنتين فلك ثلثا ما عندي وإن أجبتني عن الثلاث فلك كلّ ما عندي وقد حملت إليَّ صرّة مختومة وأنت أولى بها». فقال : سل عمّا بدا لك ؛ فإن أجبت وإلاّ

____________________

(١) مقتل الحسين ـ للخوارزمي : ج ١ / ١٤٨ ؛ ذخائر العقبى : ص ٢٣١.

٣١

تعلّمت منك فأنت من أهل العلم والشرف ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم.

فقال الحسين عليه‌السلام : «أي الأعمال أفضل؟».

قال : الإيمان بالله والتصديق برسوله.

قال عليه‌السلام : «فما نجاة العبد من الهلكة؟».

قال : الثقة بالله.

قال عليه‌السلام : «فما يزين المرء؟».

قال : علم معه حلم.

قال عليه‌السلام : «فإن أخطأه؟».

قال : فمال معه كرم.

قال عليه‌السلام : «فإن أخطأه ذلك؟».

قال : فقر معه صبر.

قال عليه‌السلام «فإن أخطأه ذلك؟».

قال : فصاعقة تنزل عليه من السماء فتحرقه. فضحك الحسين عليه‌السلام ورمى له بالصرّة وفيها ألف دينار وأعطاه خاتمه وفيه فصّ قيمته مئتا درهم وقال عليه‌السلام : «يا أعرابي أعط الذهب إلى غرمائك واصرف الخاتم في نفقتك». فأخذ ذلك الأعرابي وقال : الله أعلم حيث يجعل رسالته (١).

هذه الأخلاق العالية لم تصدر من إنسان عادي بل هي أخلاق الأنبياء

____________________

(١) مقتل الحسين ـ للخوارزمي : ج ١ ص ١٥٦.

٣٢

والأوصياء وإنّها لدليل على أهليته للإمامة والخلافة والرئاسة.

ومن أخلاقه عليه‌السلام : لمّا التقى الحسين عليه‌السلام وأصحابه مع الحرّ بن يزيد التميمي حتّى وقف هو وخيله مقابل الحسين في حَرّ الظهيرة والحسين وأصحابه معتمون متقلدو أسيافهم فقال الحسين لفتيانه : «اسقوا القوم وارووهم من الماء ورشِّفوا الخيل ترشيفاً». فقام فتيانه فرشّفوا الخيل ترشيفاً فقام فتية وسقوا القوم من الماء حتّى أرووهم وأقبلوا يملؤون القصاع والأتوار والطِّساس من الماء ثمّ يدنونها من الفرس فإذا عبَّ فيه ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً عزلت عنه وسقوا آخر حتّى سقوا الخيل كلّها. ولمّا حضر وقت الصلاة قال الحسين عليه‌السلام للحرّ : «أتريد أن تصلّي بأصحابك؟».

قال : لا بل تصلّي ونصلّي بصلاتك(١).

نعم هذه أخلاق الحسين عليه‌السلام يسقي أعداءه الماء ويرشّف خيلهم اقتداءً بأبيه علي عليه‌السلام في واقعة صفين عندما استولى عليه‌السلام على الماء سمح لهم بالسقي والشرب بعكس معاوية وأصحابه حينما كانوا مستولين على الماء منعوا علياً وأصحابه منه وهكذا في واقعة الطفّ لمّا أمر عبيد الله بن زياد جيش عمر بن سعد بأن يمنعوا الماء عن الحسين وأصحابه وأهل بيته. وقد تمّ ذلك بالفعل عندما أقبل الحرّ بن يزيد على أهل الكوفة وهو عند الحسين عليه‌السلام فقال : لأُمّكم الهَبل والعُبْر! دعوتموه حتّى إذا أتاكم أسلمتموه فصار في

____________________

(١) أنساب الأشراف : ج ٣ ص ١٦٩ ؛ تاريخ الطبري : ج ٤ ص ٣٠٢ ؛ الكامل في التاريخ : ج ٢ ص ٥٥١ ؛ الأخبار الطوال : ص ٢٤٩.

٣٣

أيديكم كالأسير قد حلأتموه ونساءه وأصحابه عن ماء الفرات الجاري الذي يشربه اليهود والنصارى والمجوس وتتمرّغ فيه خنازير السواد لبئسما خلفتم به محمداً في ذرّيته! فدعوا هذا الرجل يمضي في بلاد الله ؛ أما أنتم مؤمنون وبنبوة محمّد مصدّقون وبالمعاد موقنون؟! لا سقاكم الله يوم الظماء(١).

وكتب ابن زياد إلى عمر بن سعد يأمره أن يمنع الحسين ومَنْ معه الماء فأرسل عمر بن سعد عمرو بن الحجّاج على خمسمئة فارس فنزلوا على الشريعة وحالوا بين الحسين وبين الماء وذلك قبل قتل الحسين بثلاثة أيام. ونادى ابن حصين الأزدي : يا حسين أما تنظر إلى الماء؟ لا تذوق منه قطرة حتّى تموت عطشاً. فقال الحسين عليه‌السلام : «اللّهمّ اقتله عطشاً ولا تغفر له أبداً». قال : فمرض فيما بعد فكان يشرب الماء القُلّة ثمّ يقيء ثمّ يعود فيشرب ... فمازال كذلك حتّى مات. وذكر البلاذري : فمات ابن حصين بالعطش كان يشرب حتّى يبغر(٢) فيما يروى فما زال ذاك دأبه حتّى لفظ نفسه (٣).

ويُقال : إنّ عمرو بن الحجّاج قال : يا حسين هذا الفرات تلغ فيه الكلاب وتشرب منه الحمير والخنازير والله لا تذوق منه جرعة حتّى تذوق الحميم في نار جهنم(٤).

____________________

(١) أنساب الأشراف : ج ٣ ص ١٨٩ ؛ تاريخ الطبري : ج ٤ ص ٣٢٦ ؛ الكامل في التاريخ : ج ٢ ص ٥٦٤ ؛ مقتل الحسين ـ للخوارزمي : ج ١ ص ٢٥٢.

(٢) يبغر : أي كان يشرب إلى أن يمتلئ جوفه من الماء فما يروى ولا يسكن عطشه.

(٣) لفظ أنفاسه : أي حتّى مات يُقال : لفظ فلان نفسه.

(٤) أنساب الأشراف : ج ٣ ص ١٨١ ؛ الكامل في التاريخ : ج ٢ ص ٥٥٦ تاريخ الطبري : ج ٤ ص ٣١١.

٣٤

ونادى المهاجر بن أوس التميمي : يا حسين ألا ترى إلى الماء يلوح كأنّه بطون الحيّات(١) والله لا تذوقه أو تموت. فقال الحسين عليه‌السلام : «إنّي لأرجو أن يوردنيه الله ويحلئكم(٢) عنه» (٣).

هذا موقف معسكر يزيد بن معاوية من الحسين عليه‌السلام وأهل بيته وأصحابه لمّا منعوهم الماء وإن دلّ على شيء إنّما يدلّ على قساوة قلوبهم إضافة إلى مروقهم من الدين فبالأمس كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يتحمل عطش ولده الحسين عليه‌السلام لمّا طلب منه الماء. وهذا ما رويَ عن جابر قال : كنّا مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ومعه الحسين بن علي فعطش فطلب له النبي ماء فلم يجده فأعطاه لسانه فمصّه حتّى روي(٤).

____________________

(١) المضبوط في جل المصادر (الحيتان) وهو جمع حوت والكلام كناية عن شعشعة الماء وتموّجه.

(٢) يحلئكم : أي يطردكم عنه ويمنعكم عن وروده.

(٣) أنساب الأشراف : ج ٣ ص ١٨١.

(٤) مقتل الحسين ـ للخوارزمي : ج ١ ص ١٥٢.

٣٥
٣٦

كلمات الحسين عليه‌السلام

٣٧
٣٨

ومن كلماته عليه‌السلام التي دوَّت في تاريخ البشرية وكانت مدرسة للأجيال ولكلّ الأحرار والمفكّرين والعظماء بل مدرسة لا يمكن التخلّي عنها هي:

قوله عليه‌السلام : «الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درَّتْ معائشهم فإذا محّصوا بالبلاء قلَّ الديّانون». ثمّ قال لهم عليه‌السلام : «أهذه كربلاء؟». قالوا : نعم. فقال عليه‌السلام : «هذه موضع كرب وبلاء. ها هنا مناخ ركابنا ومحطّ رحالنا ومسفك دمائنا» (١).

وقوله عليه‌السلام ـ مخاطباً أصحابه بعد أن حمد الله وأثنى عليه ـ : «أيّها الناس خطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف وخُيِّر لي مصرع أنا لاقيه كأنّي بأوصالي تُقطّعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء فيملأن منّي أكراشاً جوفاً وأجربة سغباً لا محيص عن يوم خطّ بالقلم رضا الله رضانا أهل البيت نصبر على بلائه ويوفّينا أُجور الصابرين. لن تشذّ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لحمته هي مجموعة لنا في حظيرة القدس ؛ تقرّ بهم عينه

____________________

(١) مقتل الحسين ـ للخوارزمي: ج ١ ص ٢٣٧ بغية الطلب : ج ٦ ص ٢٦١٣.

٣٩

وينجز لهم وعده. فمَنْ كان باذلاً فينا مهجته وموطّناً على لقاء الله نفسه فليرحل معي فأنا راحل مصبحاً إن شاء الله تعالى» (١).

وقوله عليه‌السلام لمّا خرج من منزله ذات ليلة وأتى قبر جدّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : «السلام عليك يا رسول الله أنا الحسين بن فاطمة فرخك وابن فرختك وسبطك والثقل الذي خلّفته في أُمّتك فاشهد عليهم يا نبي الله أنّهم قد خذلوني وضيعوني ولم يحفظوني وهذه شكواي إليك حتّى ألقاك صلّى الله عليك» (٢).

وقوله عليه‌السلام في وصية إلى أخيه محمّد بن الحنفيّة : «بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به الحسين بن علي بن أبي طالب لأخيه محمّد بن الحنفيّة المعروف بابن الحنفيّة. إنّ الحسين بن علي يشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأنّ محمداً عبده ورسوله جاء بالحقّ من عنده وأنّ الجنّة حقّ والنار حقّ وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها وأنّ الله يبعث مَنْ في القبور. وإنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أُمّة جدّي محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ أُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدُي محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وسيرة أبي علي بن أبي طالب فمَنْ قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ ومَنْ ردَّ عليَّ هذا أصبر حتّى يقضي الله بيني وبين القوم بالحقّ وهو خير الحاكمين» (٣).

____________________

(١) مقتل الحسين ـ للخوارزمي: ج ٢ ص ٥.

(٢) مقتل الحسين ـ للخوارزمي : ج ١ ص ١٨٦ ؛ الاستيعاب في معرفة الأصحاب : ج ١ ص ٣٩٦ ؛ الفصول المهمة : ص ١٨٠ ؛ مقتل الحسين ـ لأبي مخنف : ص ٢٤.

(٣) كتاب الفتوح : ج ٥ ص ٣٣.

٤٠