الحسين ريحانة النبي (ص)

الشيخ كمال معاش

الحسين ريحانة النبي (ص)

المؤلف:

الشيخ كمال معاش


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٠٦

الخيِّرين قال : رأيت علي بن أبي طالب عليه‌السلام في المنام فقلت : يا أمير المؤمنين تقولون يوم فتح مكة مَنْ دخل دار أبي سفيان فهو آمن ثمّ يتمّ ولدك الحسين يوم كربلاء منهم ما تمّ؟!فقال لي عليه‌السلام : «أمّا سمعت أبيات ابن الصيفي التميمي في هذا المعنى؟». فقلت : لا. فقال : «اذهب إليه واسمعها». فاستيقظت من نومي مفكّراً ثمّ إنّي ذهبت إلى دار ابن الصيفي وهو الحيص بيص الشاعر الملّقب بشهاب الدين فطرقت عليه الباب فخرج عليَّ فقصصت عليه الرؤيا فأجهش بالبكاء وحلف بالله إن كان سمعها منّي أحد وإن نظمتها إلاّ في ليلتي هذه ثمّ أنشد :

ملكنا فكانَ العفو منّا سجيّةً

فلمّا ملكتم سالَ بالدمِ أبطحُ

وحلّلتم قتلَ الأُسارى وطالما

غدونا على الأسرى نعفُّ

وحسبكمُ هذا التفاوتُ بيننا

وكلُ إناءٍ بالذي فيهِ ينضحُ(١)

وقد رثاه الناس بمراث كثيرة ومن أحسن ما أورده الحاكم النيسابوري :

جاؤوا برأسكَ يابن بنت محمّد

متزمّلاً بدمائهِ تزميلا

فكأنّما بكَ يابن بنت محمّد

قتلوا جهاراً عامدين رسولا

قتلوكَ عطشاناً ولم يترقّبوا

في قتلكَ التنزيلَ والتأويلا

ويكبّرونَ بأن قُتلت وإنّما

قتلوا بكَ التكبيرَ والتَّهليلا(٢)

___________________

(١) الفصول المهمة : ص ١٩٤ ؛ بغية الطلب : ج ٦ ص ٢٦٥٦ ؛ نور الأبصار : ص ٢٣٢ ؛ حياة الحيوان الكبرى : ج ١ ص ١٨٥.

(٢) أنساب الأشراف : ج ٣ ص ٢٢١ ؛ تهذيب التهذيب : ج ٢ ص ٣٥٣ ؛ المعجم الكبير : ج ٣ ص ١٢٤ ح ٢٨٧٥ ؛ البداية والنهاية : مجلد ٣ ج ٢ ص ٢٦٤.

١٦١

وللإمام الشافعي (١٥٠ ـ ٢٠٤ هـ) قصائد عدّة في مدح ورثاء آل البيت عليهم‌السلام ومن قصائده المعروفة في رثاء الحسين عليه‌السلام ما مطلعها :

تأوُّه قلبي والفؤادُ كئيبُ

وأرّقَ نومي فالسهادُ عجيبُ

فمَنْ مبلغ عنّي الحسينَ رسالةً

وإن كرهتها أنفسٌ وقلوبُ

ذبيحٌ بلا جرمٍ كأنّ قميصَهُ

صبيغٌ بماءِ الأرجوانِ خضيبُ

فللسيفِ إعوالٌ وللرمحِ رنةٌ

وكادت لهم صمُّ الجبالِ تذوبُ

لئن كان ذنبي حبُّ آلِ محمّدٍ

فذلكَ ذنبٌ لستُ عنهُ أتوبُ(١)

وقال أبو دهبل الجمحي :

وإِنَّ قَتيِلَ الطَّفِّ مِنْ آلِ هاشمٍ

أذلَّ رقاباً من قريشٍ فذلَّتِ

وكانوا رجاءً ثمّ اضحوا رزيّةً

لقد عظمت تلك الرازيا وجلّتِ

وعند غنيٍ قَطَرةٌ من دمائنا

سنجزيهمُ يوماً بها حيثُ حلّتِ

مَرَرْتُ على أبياتِ آلِ مُحمَّدٍ

فلم أر من أمثالها يوم حلّتِ(٢)

___________________

(١) مقتل الحسين ، للخوارزمي : ج ٢ ص ١٢٦ ؛ تراجيديا كربلاء : ص ٥٧ ؛ جواهر العقدين في فضل الشرفين : ص ٤٢٤.

(٢) أنساب الأشراف : ج ٣ ص ٢٢٠ ؛ الكامل في التاريخ : ج ٢ ص ٥٨٠ ؛ الاستيعاب في معرفة الأصحاب : ج ١ ص ٢٩٤ ؛ مروج الذهب : ج ٣ ص ٢٢٠ ؛ تهذيب الكمال : ج ٦ ص ٤٤٧ ؛ الاستيعاب في معرفة الأصحاب : ج ١ ص ٣٧٩ ـ هامش الإصابة ـ : اُسد الغابة : ج ٢ ص ٢٩ ؛ تاريخ مدينة دمشق : ج ١٤ ص ٢٥٩ ح ٣٥٤٧ ؛ سير أعلام النبلاء : ج ٤ ص ٤٢٩ رقم : ٢٧٠ ؛ جواهر العقدين في فضل الشرفين : ٤٢٢ ؛ بغية الطلب : ج ٦ ص ٢٦٦٨ ؛ مقاتل الطالبيين : ص ١٢١ ، أي وجدتها موحشة خالية بعد أن رأيتها مؤنسة مأهولة.

١٦٢

عن عليّ بن الحسين عليه‌السلام قال : لمّا قُتل الحسين بن علي عليه‌السلام جاء غراب فوقع في دمه وتمرّغ ثمّ طار فوقع بالمدينة على جدار فاطمة بنت الحسين بن عليّ بن أبي طالب ـ وهي الصغرى ـ ونعب الغراب فرفعت رأسها فنظرت إليه فبكت بكاء شديداً وأنشأت تقول :

نعبَ الغرابُ فقلتُ مَنْ

تنعاهُ ويلكَ يا غرابْ

قالَ الإمامُ فقلتُ مَنْ؟

قال الموفّقُ للصوابْ

قلتُ الحسينُ فقال لي

ملقىً على وجهِ الترابْ

إنّ الحسينَ بكربلا

بين الأسنّةِ والضرابْ

فابكِ الحسينَ بعبرةٍ

تُرضي الإلهَ مع الثوابْ

ثمّ استقلّ بهِ الجنا

حُ فلم يُطق ردّ الجوابْ

فبكيت مما حل بي

بعد الوصي المستجاب (١)

ومن الغريب إذ يرى البعض أنّ مقتل الحسين عليه‌السلام كان خروجاً عن طاعة يزيد بن معاوية ؛ لأنّه في رأيهم اجتهد وأخطأ وله أجر واحد أو كما قال القاضي الأندلسي ابن العربي : بأنّ الحسين قُتل بسيف جدّه!

ومن المعروف أنّ يزيد بن معاوية كان مستبدّاً طاغياً ومارقاً نزقاً قتل الإمام الحسين بن علي سبط رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله واستباح المدينة وضرب الكعبة بالمنجنيق وهو لا يمكن تبريره لا بسنّة نبويّة ولا بحنكة سياسيّة ؛ لأنّ قتل الحسين عليه‌السلام كان في الحقيقة محاولة فاشلة لاغتيال فكر أهل البيت

____________________

(١) بغية الطلب : ج ٦ ص ٢٦٤٧ ؛ فرائد السمطين : ج ٢ ص ١٦٣ ح ٤٥١ ؛ مقتل الحسين للخوارزمي : ج ٢ ص ٩٢.

١٦٣

وتشويه مبادئهم التي هي فكر ومبادئ الإسلام الحنيف.

يبقى سؤال يطرح نفسه دوماً وهو : لماذا يُقيم المسلمون المآتم بذكرى عاشوراء منذ قرون عديدة وإلى اليوم؟ لقد قُتل الحسين ومات يزيد فهل هناك فائدة من إعادة الماضي وتكرار الخلاف؟

الجواب : هو أنّ الحقيقة والواقع غير ذلك فمازال المرء يجد أمامه دوماً حسيناً ويزيد في كل زمان ومكان وهما يتصارعان وهو صراع بين الحقّ والباطل وإنّ هذا النزاع هو في الواقع تجسيد للصراع بين الخير والشرّ الذي ما زال قائماً وعلينا أن نختار أحد الموقفين ؛ إمّا اتّخاذ موقف الحسين أو يزيد.

لقد خرج الحسين واعداً ومتحدّياً وداعياً بحقيقة هدفه فكان بطلاً ؛ وبذلك سجّل أوّل قوّة تحدٍّ وأوّل نموذج صادق ثوري في تأريخ المسلمين ؛ قدّم حياته وهو مظلوم وتحوّل مقتله إلى شهادة وتحوّلت الشهادة إلى مدرسة ومشعل حرّيّة ينير درب الثائرين(١).

____________________

(١) تراجيديا كربلاء : ص ١٨.

١٦٤

رأس الحسين عليه‌السلام

١٦٥
١٦٦

واقعة الطفّ كان لها صدى عالمياً ؛ ولشناعتها فقد استنكرها الجميع من مسلمين وغيرهم ولم يرتضها العقل البشري ؛ لأنّها لم تنسجم مع قوانين الكون ومبادئه الإنسانيّة. وقد أحدثت هذه الجريمة زلزالاً في عالم الكون وقد نقل لنا التاريخ شواهد كثيرة منها :

دخل على يزيد بن معاوية رأس الجالوت فرأى الرأس بين يديه قال : أيّها الخليفة رأس مَنْ هذا؟ قال : هذا رأس الحسين. قال : فمَنْ اُمّه؟ قال : فاطمة بنت محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله. قال : فبِمَ استوجب القتل؟ قال : أهل العراق كتبوا إليه ودعوه أن يجعلوه خليفة فقتله عاملي عبيد الله بن زياد. فقال رأس الجالوت : ومَنْ أحقّ منه بالخلافة وهو ابن بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟! فما أكفركم! وقال : اعلم يا يزيد أنّ بيني وبين داود مئة وثلاثة جدّاً واليهود يعظّموني ولا يرون التزويج إلاّ برضاي ويأخذون التراب من تحت أقدامي ويتبركون به وأنتم بالأمس كان نبيكم بين أظهركم واليوم وثبتم على ولده فقتلتموه! فتباً لكم ولدينكم! فقال يزيد : لولا أن بلغني عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : «مَن قتل معاهداً كنت خصمه يوم القيامة» لقتلتك لتعرّضك. فقال رأس الجالوت : يا يزيد يكون خصم مَنْ قتل معاهداً ولا

١٦٧

يكون خصم مَنْ قتل ولده؟! ثمّ قال رأس الجالوت : يا أبا عبد الله اشهد لي عند جدّك ؛ فأنا أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له،وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله. فقال له يزيد : الآن خرجت من دينك ودخلت في دين الإسلام فقد برئنا منك. ثمّ أمر بضرب عنقه (١)

عن أبي الأسود قال : لقيت رأس الجالوت(٢) فقال : إنّ بيني وبين داود سبعين أباً وإنّ اليهود إذا رأوني عظَّموني وعَرفوا حقّي وأوجبوا حِفْظي وإن ليس بينكم وبين نبيكم إلاّ أب واحد قتلتم ابنه (٣)!

وعن زيد بن أرقم قال : كنت عند عبيد الله بن زياد (لعنه الله) إذ أُتي برأس الحسين بن علي فوضع في طست بين يديه فأخذ قضيباً فجعل يفتر به عن شفته وعن أسنانه فلم أرَ ثغراً أحسن منه كأنّه الدرّ فلم أتمالك أن رفعت صوتي بالبكاء فقال : ما يبكيك أيّها الشيخ؟ قلت : يبكيني ما رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقبِّل بعض موضع هذا القضيب ويلثمه ويقول : «اللّهُمّ إنّي أُحبّه فأَحِبَّه» (٤).

عن المنهال بن عمر قال : أنا والله رأيت رأس الحسين حين حُمل وأنا

____________________

(١) مقتل الحسين لأبي مخنف : ص ٢٠٢.

(٢) الجالوت : الجالية من اليهود أي الذين جلوا عن أوطانهم ببيت المقدس ، ورأس الجالوت : رئيسهم وكان من ولد داود عليه‌السلام العقد الفريد : ج ٤ ص ٣٥١.

(٣) العقد الفريد : ج ٤ ص ٣٥١ ؛ جواهر العقدين في فضل الشرفين : ص ٤١٤.

(٤) تاريخ مدينة دمشق : ج ١٤ ص ٢٣٦ ح ٣٥٤٥ ؛ سير أعلام النبلاء : ج ٤ ص ٤٢٦ رقم ٢٧٠.

١٦٨

بدمشق وبين يدي الرأس رجل يقرأ سورة الكهف حتّى بلغ قوله تعالى : (أَم حَسِبْتَ أنَّ أصحابَ الكَهْفِ والرقيم كانوا من آياتِنا عَجَباً) (١). فانطق الله الرأس بلسان ذرب فقال : «أعجب من أصحاب الكهف قتلي وحملي» (٢).

عن عليّ بن الحسين زين العابدين عليه‌السلام أنّه قال : «لمّا أُتي برأس الحسين عليه‌السلام إلى يزيد كان يتّخذ مجالس الشرب ويأتي برأس الحسين فيضعه بين يديه ويشرب عليه فحضر ذات يوم أحد مجالسه رسول ملك الروم وكان من أشراف الروم وعظمائها فقال : يا ملك العرب رأس مَنْ هذا؟ فقال له يزيد : ما لك ولهذا الرأس؟ قال : إنّي إذا رجعت إلى ملكنا يسألني عن كلّ شيء رأيته فأحببت أن أخبره بقصّة هذا الرأس وصاحبه. فقال يزيد : رأس الحسين بن علي بن أبي طالب. فقال : ومَنْ اُمّه؟ قال : فاطمة الزهراء. قال : بنت مَنْ؟ قال : بنت رسول الله. فقال الرسول : أفٍّ لك ولدينك! ما دين أخسّ من دينك! اعلم أنّي من أحفاد داود وبيني وبينه آباء كثيرة والنصارى يعظّموني ويأخذون التراب من تحت قدمي تبركاً ؛ لأنّي من أحفاد داود وأنتم تقتلون ابن بنت رسول الله وما بينه وبين رسول الله إلاّ اُمّ واحدة فأي دين هذا؟!

ثمّ قال له الرسول : يا يزيد هل سمعت بحديث كنيسة الحافر؟ فقال

____________________

(١) سورة الكهف : الآية ٩.

(٢) الخصائص الكبرى : ج ٢ ص ١٢٧.

١٦٩

يزيد : قل حتّى اسمع. فقال : إنّ بين عمان والصين بحراً مسيرته سنة ليس فيه عمران إلاّ بلدة واحدة في وسط الماء طولها ثمانون فرسخاً وعرضها كذلك وما على وجه الأرض بلدة أكبر منها ومنها يُحمل الكافور والياقوت والعنبر وأشجار العود وهي في أيدي النصارى لا ملك لأحد فيها من الملوك. وفي تلك البلدة كنائس كثيرة أعظمها كنيسة الحافر في محرابها حقّة من ذهب معلّقة فيها حافر يقولون : إنّه حافر حمار كان يركبه عيسى وقد زُيّنت حوالي الحقّة بالذهب والجواهر والديباج والإبرسيم وفي كلّ عام يقصدها عالم من النصارى ؛ فيطوفون حول الحقّة ويزورونها ويقبّلونها ويرفعون حوائجهم إلى الله ببركتها هذا شأنهم ودأبهم بحافر حمار يزعمون أنّه حافر حمار كان يركبه عيسى نبيهم وأنتم تقتلون ابن بنت نبيكم! لا بارك الله فيكم ولا في دينكم.

فقال يزيد لأصحابه : اقتلوا هذا النصراني ؛ فإنّه يفضحنا إن رجع إلى بلاده ويشنع علينا. فلمّا أحسّ النصراني بالقتل قال : يا يزيد أتريد قتلي؟

قال : نعم.

قال : فاعلم أنّي رأيت البارحة نبيّكم في منامي وهو يقول لي : يا نصراني أنت من أهل الجنّة. فعجبت من كلامه حتّى نالني هذا ؛ فأنا أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً عبده ورسوله. ثمّ أخذ الرأس وضمّه إليه وجعل يبكي حتّى قُتل» (١).

____________________

(١) مقتل الحسين للخوارزمي : ج ٢ ص ٧٢ ؛ الصواعق المحرقة : ص ١٩٨ جواهر العقدين في

١٧٠

روي أنّه كان في مجلس يزيد هذا حبر من أحبار اليهود فقال : يا أمير المؤمنين مَنْ هذا الغلام؟ قال : علي بن الحسين. قال : فمَنْ الحسين؟ قال : ابن عليّ بن أبي طالب. قال : فمَنْ اُمّه؟ قال : فاطمة بنت محمّد. فقال له الحبر : يا سبحان الله! فهذا ابن بنت نبيّكم قتلتموه في هذه السرعة؟! بئسما خلفتموه في ذرّيّته! فوالله لو ترك نبيّنا موسى بن عمران فينا سبطاً لظننت أنّا كنّا نعبده من دون ربّنا وأنتم فارقتم نبيّكم بالأمس فوثبتم على ابنه وقتلتموه! سوأة لكم من اُمّة! فأمر يزيد به فوجئ بحلقه ثلاثاً فقام الحبر وهو يقول : إن شئتم فاقتلوني وإن شئتم فذروني إنّي أجد في التوراة : مَنْ قتل ذريّة نبي فلا يزال ملعوناً أبداً ما بقي فإذا مات أصلاه اللهُ نارجهنّم.

قال بعض العلماء : إنّ اليهود حرّموا الشجرة التي كان منها عصا موسى أن يخبطوا بها وأن يوقدوا منها النار ؛ تعظيماً لعصا موسى وإنّ النصارى يسجدون للصليب ؛ لاعتقادهم فيه أنّه من جنس العود الذي صُلب عليه عيسى وإنّ المجوس يعظّمون النار ؛ لاعتقادهم فيها إنّها صارت برداً وسلاماً على إبراهيم بنفسها وهذه الأمّة قد قتلت أبناء نبيّها وقد أوصى الله تعالى بمودّتهم وموالاتهم فقال عزَّ من قائل : (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) (١).

وخرج علي بن الحسين ذات يوم فجعل يمشي في سوق دمشق فاستقبله

____________________

فضل الشرفين: ص ٤١٣.

(١) سورة الشورى : الآية ٢٣. مقتل الحسين للخوارزمي : ج ٢ ص ١٠١.

١٧١

المنهال بن عمرو الضبابي فقال : كيف أمسيت يابن رسول الله؟ فقال : «أمسيت ـ والله ـ كبني إسرائيل في آل فرعون ؛ يُذبِّحون أبناءهم ويستحيون نساءهم. يا منهال أمست العرب تفتخر على العجم بأنّ محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله عربي وأمست قريش تفتخر على سائر العرب بأنّ محمداً قرشي منها وأمسينا آل بيت محمّد ونحن مغصوبون مظلومون مقهورون مقتولون مشردّون مطرودون فإنّا لله وإنّا إليه راجعون على ما أمسينا يا منهال» (١).

____________________

(١) مقتل الحسين للخوارزمي : ج ٢ ص ٧١.

١٧٢

جزاء مَنْ قتل الحسين عليه‌السلام

١٧٣
١٧٤

إنّ من صفات الله تعالى العدل ؛ فلذلك جَعل يومَ المعاد يوماً للجزاء ولإحقاق الحقّ وإنّ الله تعالى يمهل ولا يهمل فإن لم ينتقم لعباده الصلحاء في دار الدُنيا فهو مقتصّ لهم من خصومهم في الآخرةِ وإنّه ناصرٌ مؤيَد لعبادهِ الصالحين. فقد روي أنّ قومَ نبي الله صالح قد عقروا ناقته فأنزل الله عذابه الربّاني عليهم بعد ثلاثة أيام (فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ) (١).

عقروا ناقة نبيّه فأنزل غضبه عليهم منتصراً لنبيّه فكيف لا ينصرُ مَنْ ينبري للثأر من قتلة أولاد الأنبياء والأوصياء وهو ينتقمُ لِمَنْ ضحّى بدمه وآل بيته وأولاده من أجل بسط شريعة الله على الأرض والحكمُ بدستوره .. إنّ الله غضب للإمام الحسين عليه‌السلام فكُسفت الشمس لمصرعه ومطرت السماء دماً عبيطاً ... وكادت الأرض أن تميدَ بأهلها. واشتدّ غضبه على البغاة العصاة يوم رفعوا رؤوس آل البيت على أسنة الرماح يطوفون بهم البلدان وسبوا بنات وحفيدات المصطفى نكاية بآل محمّد الذي هدم أصنامهم وقتل رجالهم العتاة البغاة الخارجين عن إرادة السماء.

____________________

(١) سورة هود : الآية ٦٥.

١٧٥

عن السُّدِّي قال : أتيت كربلاء لأبيع التمر بها فعمل لنا شيخ من طيء طعاماً فتعشّينا عنده فذكرنا قتل الحسين فقلت : ما شَرِكَ أحدٌ في قتل الحسين إلاّ مات بأسوأ ميتَة. قال : ما أكذبكم يا أهل العراق! أنا ممَّن شَرِكَ في ذلك. فلم يبرح حتّى دنا من المصباح وهو متَّقد بنفط فذهب يُخرج الفتيلة بأصبعه فأخذتِ النارُ فيها فذهب يُطفئها بريقه فأخذت النار في لحيته فغدا فألقى نفسه في الماء فرأيته كأنَّه حُمَمَة(١).

وعن أبي رجاء العطاردي أنّه كان يقول : لا تسبُّوا علياً ولا أهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ إنّ جاراً لنا من بني الهُجيم قدم من الكوفة فقال : ألمْ تَروْا هذا الفاسق ابن الفاسق إنّ الله قتله ـ يعني الحسين رضي الله عنه ـ فرماهُ الله بكوكبين في عينيه وطمس الله بصره. قال أبو رجاء : فأنّا رأيته ـ لعنه الله ـ(٢).

وعن هشام بن الكلبي عن أبيه قال : كان رجل يُقال له : زُرْعة شهد قتل الحسين فرمى الحسينَ بسهم فأصاب حنكَه وكان الحسين دعا بماء ليشرب فرماه فحال بينه وبين الماء فقال : «اللّهمّ أظِمئْه». قال : فحدّثني

____________________

(١) سير أعلام النبلاء : ج ٤ ص ٤٢٥ رقم : ٢٧٠ ؛ تاريخ مدينة دمشق : ج ١٤ ص ٢٣١ ، ص ٢٣٤ ح ٣٥٤٥ ؛ ذخائر العقبى : ص ٢٤٨ ؛ تهذيب الكمال : ج ٦ ص ٤٣٦ ؛ كفاية الطالب : ص ٣٩٣ بغية الطلب : ج ٦ ص ٢٦٤١.

(٢) سير أعلام النبلاء : ج ٤ ص ٤٢٥ رقم : ٢٧٠ ؛ ذخائر العقبى : ص ٢٤٨ ؛ تهذيب الكمال : ج ٦ ص ٤٣٦ ، وفيه : «بلهجيم بدل : الهجيم» ؛ كفاية الطالب : ص ٤٠٠ ؛ بغية الطلب : ج ٦ ص ٢٦٤٢ ؛ تاريخ الخلفاء ص ٢٠٧.

١٧٦

مَنْ شهد موته وهو يصيح من الحرِّ في بطنه ومن البرد في ظهره وبين يديه الثلج والمراوح وهو يقول : اسْقُوني أهلكَني العطش! فيؤتى بالعُسِّ العظيم فيه السويق والماء واللبن لو شربه خمسة لكفاهم فيشربه ثمّ يعود فيقول : اسقوني أهلكني العطش قال : فانقَدَّ بطنُه كانقداد البعير(١).

عن أبي محمّد الهلالي قال : شرك منّا رجلان في دم الحسين بن علي رضي‌الله‌عنها فأمّا أحدهما فابتلي بالعطش فكان لو شرب راويةً ما روي ... (٢).

وعن أبي زرعة بسنده قال : جاء رجل يبشر الناس بقتل الحسين فرأيته أعمى يُقاد(٣).

قال الحجّاج : مَنْ كان له بلاء فليقم. فقام قوم يذكروا وقام سنان بن أنس فقال : أنا قاتل حسين. فقال : بلاء حسن. ورجع إلى منزله فاعُتقل لسانه وذهب عقله فكان يأكل ويحدث في مكانه (٤).

وقال الأعمش : أحدث رجل من أهل الشام على قبر الحسين بن عليّ فأبرص من ساعته (٥).

____________________

(١) ذخائر العقبى : ص ٢٤٦ ؛ سير أعلام النبلاء : ج ٤ ص ٤٢٤ ، وفيه : «ظَمِّئه بدل أظِمئْه» ؛ تهذيب الكمال : ج ٦ ص ٤٣٠ ؛ كفاية الطالب : ص ٣٩١ ؛ بغية الطلب : ج ٦ ص ٢٦٢٠.

(٢) ذخائر العقبى : ص ٢٤٧ ؛ تهذيب الكمال : ج ٦ ص ٤٣٨ ؛ بغية الطلب : ج ٦ ص ٢٦٢١.

(٣) تاريخ مدينة دمشق : ج ١٤ ص ٢٢٧ ح ٣٥٤٥ ؛ تهذيب الكمال : ج ٦ ص ٤٣٣.

(٤) تاريخ مدينة دمشق : ج ١٤ ص ٢٣١ و ٢٣٤ ح ٣٥٤٥.

(٥) تاريخ مدينة دمشق : ج ١٤ ص ٢٤٤ ح ٣٥٤٧ ؛ تهذيب الكمال : ج ٦ ص ٤٤٤.

١٧٧

وعنه أيضاً قال : تغوّط رجل من بني أسد على قبر الحسين بن علي قال : فأصاب أهل ذلك البيت خبل وجنون وجُذام ومرض وفقر(١).

وروى سبط ابن الجوزي أنّ شخصاً علّق رأس الحسين عليه‌السلام في لبب فرسه فرؤي بعدَ أيام ووجهه أشدّ سواداً من القار ومات على أقبح حالة. ويُقال : إنّ رجلاً أنكر ذلك فوثبت النار على جسده فحرقته.

وعن الزهري : أنّه لم يبقَ أحد ممّن قتل الحسين إلاّ عوقب في الدنيا قبل الآخرة ؛ إمّا بالقتل أو سواد الوجه أو تغيير الخلقة أو زوال الملك في مدّة يسيرة(٢).

____________________

(١) تاريخ مدينة دمشق : ج ١٤ ص ٢٤٤ ح ٣٥٤٧ ؛ تهذيب الكمال : ج ٦ ص ٤٤٤.

(٢) نور الأبصار : ص ٢٣٣.

١٧٨

زيارة قبر الحسين عليه‌السلام

١٧٩
١٨٠