الحسين ريحانة النبي (ص)

الشيخ كمال معاش

الحسين ريحانة النبي (ص)

المؤلف:

الشيخ كمال معاش


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٠٦

وسار قاصداً كربلاء لقتال الإمام الحسين عليه‌السلام. وهناك ينبري لنا في ميدان الطفّ موقف الحر بن يزيد الرياحي الذي سيبقى عالقاً في ذاكرة تاريخ الأحرار في العالم ؛ لِما لموقفه من أثر بالغ لفعله في النفوس حيثُ إنّ الحُرَّ تَركَ وراء ظهره زعامة قبيلته تميم ومنصبه الدنيوي فهو قائد لشرطة ابن زياد ووجيه من وجهاء الكوفة وشجعانها. لم يمتّ للإمام الحسين عليه‌السلام بصلة قربى سوى الدين فتراه انحازَ لمعسكر ابن بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ليختم حياته بنصرته والذود عن حرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مضحّياً بحياته دونهم ؛ ليبقى خالداً ما بقي في الحياة نبض لقلب.

بينما نرى لعمر بن سعد موقفاً مغايراً لموقف الحرّ بالرغم من أنّ لعمر هذا صلة قرابة بالإمام الحسين عليه‌السلام ولكن الدنيا أغرته فأعمت بصيرته واستسلم لها طائعاً ؛ لضعف إيمانه بالله والدين الحنيف فرضيَّ بعافيتها وقدّمها على سعادة الآخرة ؛ طمعاً بملكِ الري الذي وعده به ابن زياد فتهالَك دونه. وقاد البغاة لقتال الإمام الحسين عليه‌السلام في يوم عاشوراء وبلغ ولوغه في الإثم أن يُحرق الخيام ويسبي عيال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ويحمل رأس الحسين على قناة إلى الكوفة ؛ أملاً في إمارة الرّي فلا بلغ مناه وأذلّه الله في الدنيا والآخرة.

وشتان ما بين موقف الحرّ العظيم في نبذة الانحراف والانصياع إلى أوامر السلطة الباغية وموقف ابن سعد الوضيع الذي تبع هوى نفسه قائلاً :

فو اللهِ ما أدري وإنّي لواقفٌ

اُفكرُ في أمري على خطرينِ

أأتركُ ملكَ الرّي والرّي مُنيتي

أم أرجعُ مأثوماً بقتلِ حسينِ

١٤١

فإنْ صدقوا فيما يقولونَ إنّني

أتوبُ إلى الرحمنِ من سنتينِ

وإن كذبوا فزنا بدنيا دنيةٍ

وملكٍ عقيمٍ دائمِ الحجلينِ

ألا إنّما الدنيا لخيرٍ معجّلٍ

وما عاقلٌ باعَ الوجودَ بدينِ(١)

وهكذا سقته تلك النفس الأمارة بالسوءِ الذلّة والهوان فنبذه ابن زياد صاحبه وأنكر وعده له واقتصاص المختار منه ثأراً للإمام الحسين عليه‌السلام فمضى إلى جهنم بوجهٍ كالحٍ وهذا مصير كلّ مَنْ يبيع آخرته بدنياه وشتان ما بين الموقفين فأين الثرى من الثريا وهل مِن مُعتبر.

أينَ مَنْ خانوا حسيناً أين هم

جلّل التاريخُ عاراً فعلَهُمْ

هل ترى يا صاحبي قبراً لهم

وق هذي الأرض في عرضٍ وطول

____________________

(١) الفصول المهمة : ص ١٨٧ ؛ مطالب السؤول في مناقب آل الرسول : ص ٢٦١.

١٤٢

فاجعة الطفِّ

١٤٣
١٤٤

قال الشيخ كمال الدين بن طلحة : مصرع الحسين عليه‌السلام يسكب المدامع من الأجفان ويجلب الفجائع ويثير الأحزان ويلهب النيران الموجودة في أكباد ذوي الإيمان بما أجرته الأقدار للفجرة من الاجتراء وفتكها واعتدائها على الذريّة النبويّة بسفح دمائها وسفكها واستبائها مصونات نسائها وهتكها. كيف لا وهم رجال الذرّيّة النبويّة بنجيعها مخضوبة وأبدانها على التراب مسلوبة ومخدّرات حرائرها سبايا منهوبة! فكم كبيرة من جريمة ارتكبوها واجترموها وكم من نفس معصومة أزهقوها واخترموها وكم من كبد حرّى منعوها ورود الماء المباح وحرموها ثمّ احتزوا رأس سبط رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١)!

هذا مع علمهم بأنّها الذريّة النبويّة المسؤول لها المودّة بصريح القرآن وصحيح الاعتقاد فلو نطقت السماء والأرض لرثت لها ورثتها ولو اطّلعت عليها مردة الكفر لبكتها وندبتها ولو حضرت مصرعها عتاة الجاهليّة لأبكتها ونعتها ولو شهدت وقعتها بُغاة الجبابرة لأغاثتها ونصرتها.

فيا لها مصيبة أنزلت الرزية بقلوب الموحّدين فأورثتها وبليّة أحلّت

____________________

(١) الفصول المهمة : ص ١٨٧ ؛ مطالب السؤول في مناقب آل الرسول : ص ٢٦١.

١٤٥

الكآبة بنفوس المؤمنين سلفاً وخلفاً فأحزنتها فوا لهفتاه لذرية نبويّة طلّ دمها وعترة محمديّة فلّ مخذمها وعصبة علوية خُذلت فقتل مقدمها وزمرة هاشمية استُبيح حرمها واستُحل محرمها(١)!

لذا ورد عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : «قام عندي جبريل من قبل فحدّثني أنّ الحسين يُقتل بشطّ الفرات وقال : هل لك أن أُشمّك من تربته؟ قلت : نعم. فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها فلم أملك عيني أن فاضتا» (٢).

عن ابن سُحَيم عن أبيه قال : سمعت أنس بن الحارث يقول : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «إنّ ابني هذا ـ يعني الحسين ـ يُقتل بأرض يُقال لها : كربلاء فمَنْ شهد ذلك منكم فلينصره».

قال : فخرج أنس بن الحارث إلى كربلاء فقُتل مع الحسين عليه‌السلام(٣).

عن ابن عباس قال : كان الحسين جالساً في حجر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال جبريل : أتُحبُّه؟ فقال : «وكيف لا أُحبّه وهو ثمرة فؤادي؟!». فقال : أما إنّ اُمّتك ستقتله ألا اُريك من موضع قبره؟ فقبض قبضة فإذا تربته حمراء(٤).

____________________

(١) مطالب السؤول في مناقب آل الرسول : ص ٢٦١.

(٢) المعجم الكبير : ج ٣ ص ١٠٥ ح ٢٨١١ ؛ كنز العمال : ج ١٢ ص ١٢٧ ح ٣٤٣٢١ ؛ تاريخ مدينة دمشق : ج ١٤ ص ١٨٩ ح ٣٥٢٠.

(٣) ذخائر العقبى : ص ٢٥٠ ؛ تاريخ مدينة دمشق : ج ١٤ ص ٢٢٤ ح ٣٥٤٣ ؛ كنز العمال : ج ١٢ ص ١٢٦ ح ٣٤٣١٤ ؛ كفاية الطالب : ٣٨٦ ؛ الخصائص الكبرى : ج ٢ ص ١٢٥.

(٤) مجمع الزوائد : ج ٩ ص ١٩٤ ؛ المعجم الكبير : ج ٣ص ١٠٦ ح ٢٨١٣ ؛ كنز العمال : ج ١٢ ص ١٢٦ ح ٣٤٣١٣ و ح ٣٤٣١٥ ؛ للصواعق المحرقة : ص ١٩٢ ؛ البداية والنهاية :

١٤٦

عن اُمّ سلمة أنّها قالت : كان جبرئيل عليه‌السلام عند النبي والحسين بن علي معي فغفلت عنه فذهب إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وجعله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على فخذه فقال له جبرئيل : أتحبّه يا محمّد؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «نعم». فقال : أما إنّ اُمّتك ستقتله وإن شئت أريتك تربة الأرض التي يُقتل فيها. فبسط جناحيه إلى الأرض وأراه أرضاً يُقال لها : كربلاء تربة حمراء بطفّ العراق(١).

عن اُمّ الفضل قالت : قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والحسين في حجره : «إنّ جبريل عليه‌السلام أخبرني أنّ اُمّتي تقتل الحسين» (٢).

عن عبد الله بن عمرو قال : إنّ معاذ بن جبلة أخبره قال : خرج علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مصفرّ اللون فقال : «أنا محمّد أُوتيت جوامع الحكم ؛ فواتحها وخواتمها فأطيعوني ما دمت بين أظهركم ... يزيد لا بارك الله في يزيد». ثمّ ذرفت عيناه بالدموع ثمّ قال : «نُعي إليَّ الحسين ثمّ أُتيت بتربته وأُخبرت بقتله وقاتله أو قتلته. والذي نفسي بيده لا يُقتل بين ظهراني قوم لا يمنعونه إلاّ خالف الله بين صدورهم وقلوبهم وسلّط عليهم شرارهم وألبسهم شيعاً». ثمّ قال : «آه لفراخ آل محمّد من خليفة مستخلف مترف يقتل خلفي وخلف الخلف!» (٣).

____________________

مجلد ٣ ج ٦ ص ٢٦١.

(١) الفصول المهمة : ص ١٧٠ ؛ نور الأبصار : ص ٢٢١.

(٢) المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٧٩ كتاب معرفة الصحابة ؛ كنز العمال : ج ١٢ ص ١٢٣ ح ٣٤٣٠٠ ، ص ١٢٧ ح ٣٤٣١٩ ؛ الصواعق المحرقة : ص ١٩٢.

(٣) مقتل الحسين للخوارزمي : ج ١ ص ١٦٠.

١٤٧

وعن يحيى الحضرمي قال : إنّه سار مع عليّ رضي‌الله‌عنه وكان صاحب مطهرته فلمّا حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفّين فنادى عليٌّ : «صبراً أبا عبد الله صبراً أبا عبد الله». وهو بشطّ الفرات فقلت : وما ذاك؟ قال : «دخلت على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم وإذا عيناه تذرفان قلت : يا نبي الله أغضبك أحد ما شأن عينيك تفيضان؟ قال : بل قام من عندي جبريل عليه‌السلام آنفاً فأخبرني أنّ الحسين يُقتل بشطّ الفرات. قال : فقال : هل لك أن أُشمك من تربته؟ قلت : نعم. قال : فمدّ يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها فلم أملك عيني أن فاضتا» (١).

ذكر الحاكم الجشمي أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام لمّا سار إلى صفّين نزل بكربلاء وقال لابن عباس : «أتدري ما هذه البقعة؟». قال : لا. قال : «لو عرفتها لبكيت بكائي». ثمّ بكى بكاءً شديداً ثمّ قال : «ما لي ولآل أبي سفيان!» ثمّ التفت إلى الحسين عليه‌السلام وقال : «صبراً يا بُني فقد لقي أبوك منهم مثل الذي تلقى بعده» (٢).

عن أنس بن مالك قال : استأذن مَلَكُ القَطْرِ والمطر ربّه عزوجل أن يزور

____________________

(١) تهذيب التهذيب : ج ٢ ص ٣٤٧ ؛ مجمع الزوائد : ج ٩ ص ١٩٠ ؛ مقتل الحسين للخوارزمي : ج ١ ص ١٧٠ ؛ الخصائص الكبرى : ج ٢ ص ١٢٦ ؛ تهذيب الكمال : ج ٦ ص ٤٠٧ ؛ سير أعلام النبلاء : ج ٤ ص ٤٠٧ رقم ٢٧٠ ؛ تاريخ مدينة دمشق : ج ١٤ ص ١٨٧ ح ٣٥١٧ وح ٣٥١٨ و ٣٥١٩ ؛ إحقاق الحق : ج ٨ ص ١٤٨ ؛ ذخائر العقبى ص ٢٥٣ ؛ بغية الطلب : ج ٦ ص ٢٥٩٦.

(٢) مقتل الحسين للخوارزمي : ج ١ ص ١٦٢.

١٤٨

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فإذن له فجاءه وهو في بيت اُمّ سلمة فقال : «يا اُمّ سلمة احفظي علينا الباب لا يدخل علينا أحد». فبينما هم على الباب إذ جاء الحسين ففتح الباب فجعل يتقفز على ظهر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ يعلو رقبة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ويعبث به والملك ينظر ـ يلتثمه ويقبّله فقال له الملك : أتحبّه يا محمّد؟ قال : «إي والله إنّي لأُحبّه». قال : أما إنّ اُمّتك ستقتُلهُ وإن شئت أن أُريك من تربة المكان الذي يُقتل فيها. قال : فقبض قبضة من المكان الذي يُقتل فيه فأتاه بسِهْلة حمراء فأخذته اُمّ سلمة فجعلته في طرف ثوبها. قال : فكنّا نسمع يُقتل بكربلاء(١).

عن عائشة قالت : دخل الحسين بن علي رضي‌الله‌عنها على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يوحى إليه فنزا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو منكبّ وهو على ظهره فقال جبرئيل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله: أتحبّه يا محمّد؟ قال : «يا جبريل وما لي لا أُحبّ ابني». قال : فإنّ اُمّتك ستقتله من بعدك. فمدّ جبريل عليه‌السلام يده فأتاه بتربة بيضاء فقال : في هذه الأرض يُقتل ابنك هذا واسمها الطفّ(٢). فلمّا ذهب جبريل عليه‌السلام من عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خرج رسول الله

____________________

(١) المعجم الكبير : ج ٣ ص ١٠٦ ح ٢٨١٣ ، البداية والنهاية ٦ / ٢٦٠ ؛ العقد الفريد : ج ٤ ص ٣٥٠ ؛ مجمع الزوائد : ج ٩ ص ١٩٠ ـ ١٩٣ ؛ مقتل الحسين للخوارزمي : ج ١ ص ١٦٠ ؛ سير أعلام النبلاء : ج ٤ ص ٤٠٨ رقم : ٢٧٠ ؛ الخصائص الكبرى : ج ٢ ص ١٢٥ ؛ تاريخ مدينة دمشق : ج ١٤ ص ١٨٩ ح ٣٥٢١ وح ٣٥٢٢ وح ٣٥٢٣ ؛ تهذيب الكمال : ج ٦ ص ٤٠٨ ؛ ذخائر العقبى : ص ٢٥١ بغية الطلب : ج ٦ ص ٢٦٠٠ ؛ النهاية : ج ٢ ص ٤٢٨ ، وفيه : «السِّهْلة رملٌ خَشِن ليس بالدُّقاق النَّاعِم».

(٢) الطف : سُمّي به لأنّه طرف البرّ ممّا يلي الفرات والمعركة جرت يومئذٍ قريباً منه ؛ لسان العرب

١٤٩

صلى‌الله‌عليه‌وآله والتزمه في يده يبكي فقال : «يا عائشة إنّ جبريل أخبرني أنّ ابني حسين مقتول في أرض الطفّ وأن اُمّتي ستفتن بعدي». ثمّ خرج إلى أصحابه فيهم علي وأبو بكر وعمر وعمّار وأبو ذرّ وهو يبكي فقالوا : ما يبكيك يا رسول الله؟ فقال : «أخبرني جبريل عليه‌السلام أنّ ابني الحسين يُقتل بعدي بأرض الطفّ وجاءني بهذه التربة وأخبرني أنّ فيها مضجعه» (١).

عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام قال : لّما ثقل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في مرضه والبيت غاصّ بمَنْ فيه قال : «ادعوا لي الحسن والحسين». فجاءا فجعل يلثمهما حتّى أُغمي عليه فجعل عليٌ عليه‌السلام يرفعهما عن وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ففتح عينيه وقال : «دعهما يتمتعا منّي واتمتّع منهما ؛ فستصيبهما بعدي أثرة ...» (٢).

عن الأصبغ بن نباتة قال : أتينا مع علي بن أبي طالب فمررنا بأرض كربلاء فقال علي عليه‌السلام : «ها هنا مناخ ركابهم وموضع رحالهم ومهراق دمائهم ؛ فتية من آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله يُقتلون في هذه العرصة تبكي عليهم السماء والأرض» (٣).

____________________

ج ٩ ص ٢٢١ «طفف».

(١) مجمع الزوائد : ج ٩ ص ١٩٠ ؛ المعجم الكبير : ج ٣ ص ١٠٧ ح ٢٨١٥ ؛ البداية والنهاية مجلد ٣ ج ٦ ص ٢٦١ ؛ الصواعق المحرقة : ١٩٢ أخرجه ابن سعد.

(٢) مقتل الحسين للخوارزمي : ج ١ ص ١١٤.

(٣) الصواعق المحرقة : ص ١٩٢ ؛ شرح نهج البلاغة : ج ٣ ص ١٦٩ ؛ الفصول المهمة : ص ١٧١ ؛ الأخبار الطوال : ص ٢٥٣ ؛ الخصائص الكبرى : ج ٢ ص ١٢٦ ؛ إحقاق الحق : ج ٨ ص ١٤٣ ؛ مطالب السؤول في مناقب آل الرسول : ص ٢٦٢ بغية الطلب : ج ٦ ص

١٥٠

عن عليّ رضي‌الله‌عنه قال : «ليُقتلنّ الحسين قتلاً وإنّي لأعرف التربة التي يُقتل فيها قريباً من النهرين» (١).

لمّا أُحيط بالحسين بن علي قال : «ما اسم هذه الأرض؟». قيل : كربلاء. فقال : «صدق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إنّها أرض كَرْبٍ وبَلاء» (٢).

عن أبي وائل عن اُمّ سلمة قالت : كان الحسن والحسين رضي‌الله‌عنها يلعبان بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في بيتي فنزل جبريل عليه‌السلام فقال : يا محمّد إنّ اُمّتك تقتل ابنك هذا من بعدك. وأومأ بيده إلى الحسين فبكى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وضمّه إلى صدره ثمّ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «يا اُمّ سلمة وديعةٌ عِنْدَكِ هذه التربةُ». فشمّها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : «وَيْحَ كرْب وبلاء». قالت : وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «يا اُمّ سلمة إذا تحوَّلت هذه التربة دماً فاعلمي أنَّ ابني قد قُتل». قال : فجعلتها أُم سلمة في قارورة ثمّ جعلت تنظر إليها كلّ يوم وتقول : إنّ يوماً تحوّلين دماً ليوم عظيم(٣).

____________________

٢٦٢٥ ؛ نور الأبصار : ص ٢٢١.

(١) مجمع الزوائد : ج ٩ ص ١٩٣ ؛ المعجم الكبير : ج ٣ ص ١١٠ ح ٢٨٢٤ ؛ سير أعلام النبلاء : ج ٤ ص ٤٠٩ رقم ٢٧٠ ؛ إحقاق الحق : ج ٨ ص ١٤٩.

(٢) مجمع الزوائد : ج ٩ ص ١٩٥ ؛ المعجم الكبير : ج ٣ ص ٢٨١٢ ؛ الفصول المهمة : ص ١٨٨ ؛ ذخائر العقبى : ص ٢٥٥ ؛ سير أعلام النبلاء : ج ٤ ص ٤٢٣ رقم ٢٧٠ ؛ تاريخ مدينة دمشق : ج ١٤ ص ٢٢٠ ح ٣٥٤٣ ؛ بغية الطلب : ج ٦ ص ٢٥٩٨

(٣) تهذيب التهذيب : ج ٢ ص ٣٤٧ ؛ مجمع الزوائد : ج ٩ ص ١٩٢ ؛ المعجم الكبير : ج ٣ ص ١٠٨ ح ٢٨١٧ ؛ الكامل في التاريخ : ج ٢ ص ٥٨٢ ؛ مقتل الحسين للخوارزمي : ج ١ ص

١٥١

وكان أوّل صارخة صرخت في المدينة اُمّ سلمة زوج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان دفع إليها قارورة فيها تربة وقال لها : «إنّ جبرائيل أعلمني أنّ اُمّتي تقتل الحسين». [قالت :] وأعطاني هذه التربة وقال لي : «إذا صارت دماً عبيطاً فاعلمي أنّ الحسين قد قُتل». وكانت عندها فلّما حضر ذلك الوقت جعلت تنظر إلى القارورة في كلّ ساعة فلمّا رأتها قد صارت دماً صاحت : وا حسيناه! وابن رسول الله! فتصارخنَ النساء من كلّ ناحية حتّى ارتفعت المدينة بالرجّة التي ما سمع بمثلها قطّ(١).

قالت اُمّ سلمة : فأصبته يوم قُتل الحسين عليه‌السلام وقد كانت ليلة قتل الحسين سمعت قائلاً يقول :

أيّها القاتلون جهلاً حسيناً

أبشروا بالعذاب والتذليلِ

كلّ أهلِ السماءِ يدعو عليكم

من نبيٍّ ومَلكٍ وقبيلِ

قد لعُنتم على لسان ابن داو

د وموسى وحاملِ الإنجيلِ

قالت : فبكيت وفتحت القارورة فإذا الحصيات قد جرت دماً(٢).

عن شهرْ بن حَوْشب قال : كنت عند اُمّ سلمة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حين أتاها قتل الحسين فقالت : قد فعلوها! ملأ الله بيوتَهم وقبورَهم ناراً

____________________

١٦٣ ؛ ذخائر العقبى : ص ٢٥٢ ؛ كفاية الطالب : ص ٣٨٤ ؛ بغية الطلب : ج ٦ ص ٢٥٩٩.

(١) تاريخ اليعقوبي : ج ٢ ص ٢٤٥.

(٢) الصواعق المحرقة : ص ١٩٣ ؛ الكامل في التاريخ : ج ٢ ص ٥٨٠ ؛ تاريخ الطبري : ج ٤ ص ٣٥٨ ؛ بغية الطلب : ج ٦ ص ٢٦٥٠ ؛ استشهاد الحسين : ١٥٧.

١٥٢

ووقعت مغشيَّةً عليها فقمنا(١).

وعن بن أبي عمّار عن اُمّ سلمة قال : سمعت الجنّ تنوح على الحسين بن عليّ رضي‌الله‌عنها(٢).

عن الفقيمي قال : كان الجصّاصون إذا خرجوا من السحر سمعوا نوح الجن على الحسين رضي‌الله‌عنه :

مسحَ الرسولُ جبينهُ

فلهُ بريقٌ في الخدودِ

أبواه في عليا قريشٍ

جدُّه خيرُ الجدودِ(٣)

أمّا بلاؤه في القتال فقد أبلى بلاءً حسناً ولم يتمكّنوا منه حتّى أُثخن بالجراح وسقط على الأرض فحزّوا رأسه يوم عاشوراء عام ٦١ هـ ولمّا وضِع الرأس بين يدي عبيد الله بن زياد أنشد قاتله سنان بن أنس النخعي لعنه الله تعالى :

املأ ركابي فضّة أو ذهبا

إنّي قتلتُ السيدَ المحجّبا

____________________

(١) سير أعلام النبلاء : ج ٤ ص ٤٢٩ ـ ٢٧٠ ؛ تاريخ مدينة دمشق : ج ١٤ ص ٢٣٨.

(٢) مجمع الزوائد : ج ٩ ص ٢٠٢ ، البداية والنهاية : ج ٦ ص ٢٦٣ ؛ المعجم الكبير : ج ٣ ص ١٢٢ ح ٢٨٦٨ ؛ كفاية الطالب : ص ٣٩٩ ؛ تهذيب الكمال : ج ٦ ص ٤٤١ ؛ الإصابة في تمييز الصحابة : ج ١ ص ٣٣٥ ؛ الخصائص الكبرى : ج ٢ ص ١٢٧ ؛ سير أعلام النبلاء : ج ٤ ص ٤٢٩ ـ ٢٧٠ ؛ تاريخ مدينة دمشق : ج ١٤ ص ٢٣٩ و ص٢٤٢ ح ٣٥٤٧ ؛ ذخائر العُقبى : ص ٢٥٥ وفيه : لمّا قتل الحسين رضي‌الله‌عنه ناحت عليه الجنُّ ومُطِرنا دماً حياة الصحابة : ج ٣ ص ٧٤٣.

(٣) سير أعلام النبلاء : ج ٤ ص ٤٢٨ رقم : ٢٧٠ ؛ تاريخ الخلفاء : ص ٢٠٨ ؛ بغية الطلب : ج ٦ ص ٢٦٥١ وفيه : «فله بياض في الخدود».

١٥٣

ومَنْ يُصلّي القبلتين في الصبا

وخيرهم إذ يذكرون النسبا

قتلتُ خيرَ الناسِ أُمّاً وأبا

فقال له عمر بن سعد : أشهد أنّك مجنون ما صَحْت قط! أدخلوه إليّ. فلمّا دخل حذفه بالقضيب وقال : يا أحمق! أتتكلّم بهذا الكلام؟! والله لو سمعك ابن زياد لضرب عنقك.

وأرسل عمر بن سعد ـ خذله الله ـ بالرأس إلى ابن زياد مع سنان بن أنس قاتل الحسين عليه‌السلام فلمّا وضع الرأس بين يدي عبيد الله بن زياد وأنشد الأبيات غضب عبيد الله بن زياد من قوله وقال : إذا علمت ذلك فلِمَ قتلته؟ والله لا نلت منّي خيراً ولألحقنّك به. ثمّ قدّمه وضرب عنقه (١).

عن ابن أبي نُعْمٍ قال : إنّ رجلاً من أهل العراق سأل ابن عمر عن دم البعوض يُصيبُ الثوْبَ فقال ابن عمر : اُنظروا إلى هذا يسأل عن دم البعوض وقد قتلوا ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد سمعتُ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول :

____________________

(١) أنساب الأشراف : ج ٢ ص ٥٠٢ ؛ مجمع الزوائد : ج ٩ ص ١٩٧ ؛ المعجم الكبير : ج ٣ ص ١١٧ ح ٢٨٥٢ ؛ العقد الفريد : ج ٤ ص ٣٤٨ ؛ الاستيعاب في معرفة الأصحاب : ج ١ ص ٣٩٣ ؛ مروج الذهب : ج ٣ ص ٧٣ ؛ الفصول المهمة : ص ١٩٠ ؛ الكامل في التاريخ : ج ٢ ص ٥٧٣ ؛ مقتل أبي مخنف : ص ٢٠١ ؛ تهذيب الكمال : ج ٦ ص ٤٢٨ ؛ سير أعلام النبلاء : ج ٤ ص ٤٢٢ رقم٢٧٠ ؛ تاريخ مدينة دمشق : ج ١٤ ص ٢٥٢ ح ٣٥٤٧ ؛ اُسد الغابة : ج ٢ ص ٢٨ وفيه : أوقر بدل املأ ؛ كتاب الفتوح : ج ٥ ص ٢٢١ ؛ مطالب السؤول في مناقب آل الرسول : ص ٢٦٥ بغية الطلب : ج ٦ ص ٢٥٧١ ؛ نور الأبصار : ص ٢٢٩ ؛ استشهاد الحسين : ص ١٤٥ ؛ مقاتل الطالبيين : ص ١١٩.

١٥٤

«هُمَا رَيْحانتايَ من الدنيا» (١)!

وروى أنّه سأله عن المحرم يقتل الذباب فقال : يا أهل العراق تسألون عن قتل الذباب وقد قتلتم الحسين بن بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢)!

وأُخذ ثَقَل الحُسين عليه‌السلام وأخذ رجل حليَّ فاطمة بنت الحسين وبكى فقالت : لِمَ تبكي؟ فقال : أأَسلبُ بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا أبكي؟ قالت : فدعه. قال : أخاف أن يأخذه غيري(٣).

عن الزهري قال : إنّه لم يُرفع تلك الليلة التي صبيحتها قُتل الحسين بن علي بن أبي طالب حجرٌ في بيت المقدس إلاّ وُجد تحته دم عبيط(٤). قال عبد الملك : صدقت حدّثني الذي حدّثك وإنّي وإيّاك في هذا الحديث لقرينان(٥).

____________________

(١) صحيح البخاري : ج ٥ ص ٢٢٣٤ ح ٥٦٤٨ ، كتاب الأدب ، باب رحمة الولد ؛ سنن الترمذي : ج ٥ ص ٦٥٧ ح ٣٧٧٠ ؛ أنساب الأشراف : ج ٣ ص ٢٢٧ ؛ المعجم الكبير : ج ٣ ص ١٢٧ ؛ الفصول المهمة : ص ١٧٠ ؛ الصواعق المحرقة : ص ١٩٦ ؛ تهذيب الكمال : ج ٦ ص ٤٠٠ ؛ الإصابة في تمييز الصحابة : ج ١ ص ٣٣٢ ؛ سير أعلام النبلاء : ج ٤ ص ٤٠٢ رقم٢٧٠ ؛ تاريخ مدينة دمشق : ج ١٤ ص ١٣٠ ح ٣٤٢١ مقتل الحسين للخوارزمي : ج ١ ص ٩٠ ؛ اُسد الغابة : ج ٢ ص ٢٦ ؛ مطالب السؤول في مناقب آل الرسول : ص ٢٥٠ ؛ بغية الطلب : ج ٦ ص ٢٥٧٦ ؛ نور الأبصار ص ٢٢١ ؛ حياة الحيوان الكبرى : ج ١ ص ١٨٥.

(٢) الفصول المهمة : ص ١٧٠ ؛ مقتل الحسين للخوارزمي : ج ١ ص ٩١ ؛ مطالب السؤول في مناقب آل الرسول : ص ٢٥٠ ؛ بغية الطلب : ج ٦ ص ٢٥٧٧ ؛ وفيه : وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «هما ريحانتاي من الدنيا» فرائد السمطين : ج ٢ ص ١٠٩ ح ٤١٥.

(٣) سير أعلام النبلاء : ج ٤ ص ٤١٨ رقم ٢٧٠.

(٤) دم عبيط : طري شديد الحمرة.

(٥) مجمع الزوائد : ج ٩ ص ١٩٩ ؛ المعجم الكبير : ج ٣ ص ١١٩ ح ٢٨٥٦ ؛ العقد الفريد : ج

١٥٥

وممّا ظهر يوم قتله من الآيات :

عن اُمّ سلمة قالت : لمّا قُتل الحسين بن علي مُطرنا مطراً كالدم على البيوت والجدر. قالت : وبلغني أنّه كان بخراسان والشام والكوفة.

وعن مروان مولى هند بنت المهلَّب قال : حدّثني بوّاب عبيد الله بن زياد أنّه لمّا جيء برأس الحسين فوضع بين يديه رأيت حيطان دار الإمارة تسايل دماً(١).

عن محمّد بن سيرين قال : لم تُرَ هذه الحمرة التي في آفاق السماء حتّى قُتل الحسين بن علي (رضي الله تعالى عنهما) (٢).

وعن هشام بسنده قال : تعلم هذه الحمرة في الأُفق مِمَّ؟ هو من يوم قتل الحسين عليه‌السلام(٣).

عن أبي قبيل قال : إنّ السماء أظلمت يوم قتل الحسين حتّى رأوا الكواكب(٤).

عن الأسود بن قيس قال : أحمرّت آفاق السماء بعد قتل الحسين ستّة

____________________

٤ ص ٣٥٣ ؛ سير أعلام النبلاء : ٤ ص ٤٢٦ رقم٢٧٠ ؛ كفاية الطالب : ٤٠٠ ؛ الخصائص الكبرى : ج ٢ ص ١٢٦ ؛ تاريخ مدينة دمشق : ج ١٤ ص ٢٢٩ ح ٣٥٤٥.

(١) تهذيب الكمال : ج ٦ ص ٤٣٣ ؛ ذخائر العقبى : ص ٢٤٩ ؛ سير أعلام النبلاء : ج ٤ ص ٤٢٥ رقم٢٧٠ ؛ تاريخ مدينة دمشق : ج ١٤ ص ٢٢٩ ح ٣٥٤٥ ؛ بغية الطلب : ج ٦ ص ٢٦٣٦.

(٢) حلية الأولياء : ج ٢ ص ٢٧٦ رقم : ١٩٣ ابن سيرين ؛ تاريخ مدينة دمشق : ج ١٤ ص ٢٢٨ ح ٣٥٤٥. وفيه : «لم تكن ترى» ؛ بغية الطلب : ج ٦ ص ٢٦٣٩ ؛ تاريخ الخلفاء : ص ٢٠٧.

(٣) سير أعلام النبلاء : ج ٤ ص ٤٢٤ رقم : ٢٧٠ ؛ المحاسن والمساوئ : ص ٦٣.

(٤) أنساب الأشراف : ج ٢ ص ٥٠٥ ؛ تاريخ مدينة دمشق : ج ١٤ ص ٢٢٧ ح ٣٥٤٥.

١٥٦

أشهر يُرى ذلك في آفاق السماء كأنّها الدم(١).

عن معمر قال : أوّل ما عُرف الزُّهري تكلَّم في مجلس الوليد بن عبد الملك فقال الوليد : أيّكم يعلم ما فعلت أحجار بيت المقدس يوم قتل الحسين بن علي؟ فقال الزهري : بلغني أنّه لم يُقلب حجر إلاّ وجد تحته دم عبيط(٢).

أرسل عبد الملك إلى رأس الجالوت فقال : هل كان في قتل الحسين علامة؟ قال : نعم ما كُشف عن حجر إلاّ وجد تحته دم عبيط(٣).

عن أبي بكر الشاهد بسنده قال : أرسل عبد الملك إلى ابن رأس الجالوت فقال : هل كان في قتل الحسين علامة؟ قال ابن رأس الجالوت : ما كُشف يومئذٍ حجر إلاّ وجد تحته دم عبيط(٤).

عن ابن سيرين قال : لم تبكِ السماء على أحد بعد يحيى بن زكريا إلاّ على الحسين بن علي عليه‌السلام(٥).

عن عيسى بن الحرث الكندي قال : لمّا قُتل الحسين مكثنا سبعة أيام إذا صلّينا العصر نظرنا إلى السماء على أطراف الحيطان كأنّها الملاحف

____________________

(١) عن الأسود بن قيس قال : احمرّت آفاق السماء بعد قتل الحسين ستّة أشهر يُرى ذلك في آفاق السماء كأنّها الدم.

(٢) تهذيب الكمال : ج ٦ ص ٤٣٤ ؛ بغية الطلب : ج ٦ ص ٢٦٣٧ ؛ نور الأبصار : ص ٢٣٣.

(٣) كفاية الطالب : ص ٣٩٩.

(٤) تاريخ مدينة دمشق : ج ١٤ ص ٢٢٩ ح ٣٥٤٥.

(٥) كفاية الطالب : ص ٣٩٣ ؛ سير أعلام النبلاء : ج ٤ ص ٤٢٤ رقم : ٢٧٠ ؛ بغية الطلب : ج ٦ ص ٢٦٣٤.

١٥٧

المعصفرة ونظرنا إلى الكواكب يضرب بعضها بعضاً(١).

وذهبوا برأسه إلى عبيد الله بن زياد فوضعوه بين يديه فجعل ينكت بقضيب في يده على ثناياه وعنده أنس بن مالك جالس فقال له : يا هذا ارفع قضيبك ؛ قد طالما رأيت رسول الله يُقبِّل هذه الثنايا(٢).

عن أنس قال : لمّا قُتل الحسين جيء برأسه إلى عبيد الله بن زياد فجعل ينكت بقضيب على ثناياه وقال : إن كان لحسن الثغر! فقلت : أما والله لأسوؤنّك ؛ فقلت : لقد رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يُقبّل موضع قضيبك من فيه (٣).

وروى ابن أبي الدنيا أنّه كان عنده زيد بن أرقم فقال له : ارفع قضيبك ؛ فوالله لطالما رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يُقبّل ما بين هاتين الشفتين. ثمّ جعل زيد يبكي فقال ابن زياد : أبكى الله عينيك لولا أنّك شيخ قد خرفت لضربت عنقك. فنهض وهو يقول : أيّها الناس أنتم العبيد بعد اليوم ؛ قتلتم ابن فاطمة وأمّرتم ابن مرجانة! والله ليقتلنّ خياركم ويستعبدون

____________________

(١) مجمع الزوائد : ج ٩ ص ٢٠٠ ؛ أنساب الأشراف : ج ٣ ص ٢٠٩ ؛ تهذيب الكمال : ج ٦ ص ٤٣٣ ؛ سير أعلام النبلاء : ج ٤ ص ٤٢٤ رقم : ٢٧٠ ؛ تاريخ مدينة دمشق : ج ١٤ ص ٢٢٧ ح ٣٥٤٥ ؛ تاريخ الخلفاء ص ٢٠٧.

(٢) أنساب الأشراف : ج ٣ ص ٢٠٧ ؛ المعجم الكبير : ج ٣ ص ١٢٥ ح ٢٨٧٨ ؛ تاريخ الطبري : ج ٤ ص ٢٩٣ ؛ الكامل في التاريخ : ج ٢ ص ٥٧٧ ؛ البداية والنهاية : مجلد ٣ ج ٦ ص ٢٦٥ ؛ مروج الذهب : ج ٣ ص ٧٣ ؛ الفصول المهمة : ص ١٩١ ؛ سير أعلام النبلاء : ج ٤ ص ٤٢٣ رقم : ٢٧٠ ؛ الأخبار الطوال : ص ٢٥٩ ؛ كتاب الفتوح : ج ٥ ص ٢٤٠.

(٣) تاريخ مدينة دمشق : ج ١٤ ص ٢٣٥ ح ٣٥٤٥ ؛ سير أعلام النبلاء : ج ٤ ص ٤٢٦ رقم : ٢٧٠ ؛ بغية الطلب : ج ٦ ص ٢٦٣٣ ؛ جواهر العقدين في فضل الشرفين : ص ٤١٠.

١٥٨

شراركم فبعداً لمن رضي بالذّلة والعار(١)!

وقال سبط ابن الجوزي وغيره : المشهور أنّه جمع أهل الشام وجعل ينكت الرأس بالخيزران وليس العجب إلاّ من ضرب يزيد ثنايا الحسين بالقضيب وحمل آل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على أقتاب الجمال أي موثقين في الحبال والنساء مُكشّفات الرؤوس والوجوه (٢)

وقال ابن الجوزي : وحكمته أنّ غضبنا يؤثر حمرة الوجه والحق تنزّهه عن الجسمية ؛ فأظهر تأثير غضبه على مَنْ قتل الحسين عليه‌السلام بحمرة الأُفق ؛ إظهاراً لعظم الجناية. قال : وأنين العباس وهو مأسور ببدر منع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله النوم فكيف بأنين الحسين عليه‌السلام؟ ولمّا أسلم وحشي قاتل حمزة قال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «غيِّب وجهك عنّي ؛ فإنّي لا أُحبُّ أن أرى مَنْ قتل الأحبّة». هذا والإسلام يجبّ ما قبله فكيف بقلبه صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يرى مَنْ ذبح الحسين عليه‌السلام وأمر بقتله وحمل أهله على أقتاب الجمال(٣)؟!

ولمّا بلغ أهل المدينة قتل الحسين عليه‌السلام خرجت زينب ابنة عقيل بن أبي طالب في نساء من بني هاشم خرجن معها وهي حاسرة تلوي ثوبها وتقول :

ماذا تقولون إنْ قال النبيُّ لكم

ماذا فعلتم وأنتم آخِرُ الأُممِ

____________________

(١) الأخبار الطوال : ص ٢٦٠ ؛ اُسد الغابة : ج ٢ ص ٢١ ؛ بغية الطلب : ج ٦ ص ٢٦٣١ ؛ نور الأبصار : ص ٢٢٩ ؛ الصواعق المحرقة : ص ١٩٨ ؛ جواهر العقدين في فضل الشرفين : ص ٤١٠ ؛ الإتحاف بحبّ الأشراف : ص ٥٣.

(٢) الصواعق المحرقة : ص ١٩٨ ؛ الكامل في التاريخ : ج ٢ ص ٥٧٤.

(٣) الصواعق المحرقة : ص ١٩٤.

١٥٩

بعتَرتِي وبأهلي بعد مُفْتَقَدِي

منهم أُسارى وقتلى ضُرِّجُوا بِدَمِ

ما كان هذا جزائي إذ نَصَحْتُ لكم

أن تخْلفوني بَشرٍّ في ذوي رَحمي ِ

ضَيَّعتُم حقّنا واللهُ أوجبهُ

وقد رعى الفيلُ حقّ البيتِ والحرمِ(٢)

عن أبي المعالي بسنده قال عن أشياخ له قالوا : غزونا بلاد الروم فوجدنا في كنيسة من كنائسها مكتوباً :

أترجو اُمّةٌ قتلت حُسيناً

شفاعةَ جدّه يومَ الحسابِ

فقلنا للروم : مَنْ كتب هذا في كنيستكم؟ قالوا : قبل مبعث نبيكم بثلاثمئة عام(٣).

وحكى الشيخ نصر الله بن يحيى مشارف الصاغة وكان من الثقاة

____________________

(١) مروج الذهب : ج ٣ ص ٨٠ ؛ تاريخ الطبري : ج ٤ ص ٢٩٤ ؛ الكامل في التاريخ : ج ٢ ص ٥٧٩ ؛ مقتل أبي مخنف : ص ١٦١ ؛ مقتل الحسين للخوارزمي : ج ٢ ص ٧٦ ؛ تهذيب الكمال : ج ٦ ص ٤٢٩ ؛ كفاية الطالب : ص ٣٩٧ ؛ تذكرة الخواص : ص ٢٦٧ ؛ كتاب الفتوح : ج ٥ ص ٢٤٥.

(٢) مقتل الحسين ، للخوارزمي : ج ٢ ص ٧٦ ؛ جواهر العقدين في فضل الشرفين : ص ٤٢٢.

(٣) تاريخ مدينة دمشق : ج ١٤ ص ٢٤٢ ح ٣٥٤٧ ؛ ذخائر العقبى : ص ٢٤٨ ؛ جواهر العقدين في فضل الشرفين : ص ٤٢١ ؛ بغية الطلب : ج ٦ ص ٢٦٥٣ ؛ الاستيعاب في معرفة الأصحاب : ج ١ ص ٣٩٥ ح ٥٥٦ ؛ كفاية الطالب : ص ٣٩٤ الخصائص الكبرى : ج ٢ ص ١٢٧ ؛ تهذيب الكمال : ج ٦ ص ٤٤٢ وفيه : فقالوا : «منذ كم وجدتم هذا الكتاب في هذه الكنيسة؟ قالوا : قبل أن يبعث نبيّكم بستّمئة عام» ؛ مقتل الحسين للخوارزمي : ج ٢ ص ٩٣ وفيه : فوجدنا في الحائط صخرة فيها مكتوب :

اترجو اُمّة قتلت حسيناً

شفاعةَ جدّهِ يومَ الحسابِ

فلا واللهِ ليس لهم شفيعٌ

وهم يومَ القيامةِ في العذابِ

١٦٠