الحسين ريحانة النبي (ص)

الشيخ كمال معاش

الحسين ريحانة النبي (ص)

المؤلف:

الشيخ كمال معاش


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٠٦

إبراهيم فداءٌ للحسين عليه‌السلام

١٠١
١٠٢

لقد قدّم الرسول الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله ابنه إبراهيم فداءً لولده الحسين عليه‌السلام وهو ابن ابنته فاطمة الزهراء عليها‌السلام وهذا إن دلَّ على شيءٍ فإنّما يدلّ على مكانة الإمام الحسين عليه‌السلام على الرسالة والرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله. وقد جاءت كتب التاريخ والحديث ملأى بالروايات التي تشير إلى ذلك منها :

عن أبي العباس قال : كنت عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى فخذه الأيسر ابنه إبراهيم وعلى فخذه الأيمن الحسين بن عليّ تارةً يقبّل هذا وتارة يقبّل هذا إذ هبط عليه جبرائيل عليه‌السلام بوحي من ربّ العالمين فلمّا سرى عنه قال : «أتاني جبرائيل من ربّي فقال : يا محمّد إنّ ربّك يقرأ عليك السلام ويقول لك : لست أجمعهما لك فافدِ أحدهما بصاحبه». فنظر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى إبراهيم فبكى ونظر إلى الحسين فبكى ثمّ قال : «إنّ إبراهيم أُمّه أَمة ومتى مات لم يحزن عليه غيري وأُمّ الحسين فاطمة وأبوه علي ابن عمّي لحمي ودمي ومتى مات حزنت ابنتي وحزن ابن عمّي وحزنتُ أنا عليه وأنا أُوثر حزني على حزنهما. يا جبرئيل تقبض إبراهيم فديته بإبراهيم عليه‌السلام». قال : فقُبض بعد ثلاث فكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا رأى الحسين مقبلاً قبَّله وضمّه إلى صدره ورشف ثناياه وقال : «فديت مَنْ فديته بابني إبراهيم» (١).

____________________

(١) تاريخ بغداد : ج ٢ ص ٢٠٤.

١٠٣

عن أنس قال : لقد رأيت إبراهيم وهو يكيد بنفسه (١) بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فدمعت عينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : «تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول إلاّ ما يُرضي الربّ وإنّا بك يا إبراهيم لمحزونون» (٢).

____________________

(١) يكيد بنفسه : أي يجود بها لسان العرب : ج ٣ ص ٣٨٣ ، كيد.

(٢) الاستيعاب في معرفة الأصحاب : ج ١ ص ٥٧ ؛ ذخائر العقبى : ص ٢٦٤.

١٠٤

إمامة الحسين عليه‌السلام

١٠٥
١٠٦

الإمامة هي امتداد النبوّة وكما أنّ النبوّة منصب عظيم من قبل الله تعالى كذلك الإمامة فلا بدّ أن تحمل الإمامة شرائط النبوّة لكلّ مَنْ تصداها والتي منها العصمة. وقد ذهبت الإماميّة إلى أنّ الأئمّة كالأنبياء في وجوب عصمتهم عن جميع القبائح والفواحش من الصغر إلى الموت عمداً وسهواً ؛ لأنّهم حفظة الشرع والقوّامون به حالهم في ذلك كحال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ ولأنّ الحاجة إلى الإمام إنّما هي للانتصاف للمظلوم من الظالم ورفع الفساد وحسم مادّة الفتن وأنّ الإمام لطف من قبل الله تعالى ليمنع القاهر من التعدّي ويحمل الناس على فعل الطاعات واجتناب المحرّمات. وذهب أهل السنّة إلى جواز إمامة الفسّاق والعصاة والسرّاق كما قال الزمخشري وهو من أفضل علمائهم فأيّ عاقل يرضى لنفسه الانقياد الديني والتقرّب إلى الله تعالى بامتثال أوامر مَنْ كان يفسق طول وقته وهو غائص في المعاصي وأنواع الفواحش؟!(١).

وقد أشار الله تعالى في كتابه إلى عصمة الإمامة : (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ

____________________

(١) دلائل الصدق : ج ٢ ص ٣ «بتصرّف». أنظر التمهيد للباقلاني : ص ١٨٦ : لا ينخلع الإمام بفسقه وظلمه الاموال ... ولايجب الخروج عليه ، واحتجوا بالأخبار عن النبي وعن الصحابة في وجوب طاعة الأئمة إن جاروا ... وصلوا وراء كل بر وفاجر ... أطعهم وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك ؛ وصحيح مسلم : ج ٦ ، ص ٢٠ ، كتاب الإمارة ، ط دار الفكر ، وشرح صحيح مسلم للإمام النووي : ج ١١ و ١٢ ، ص ٤٧٨ ح ١٨٤٧ ، باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين ، وصحيح البخاري : المجلد ٣ ، ج ٩ ، ص ٧٨ ، كتاب الأحكام ، ط بيروت دار إحياء التراث العربي.

١٠٧

عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (١) فإنّه دالّ على كون الإمامة من عهد الله تعالى وعلى اعتبار عصمة الإمام حين الإمامة وقبلها ؛ لأنّ كلّ عاصٍ ظالم لقوله تعالى : (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (٢).

عن ابن عباس قال : معناها أنّه كائن لا ينال عهده مَنْ هو في رتبة ظالم ولا ينبغي أن يوليه شيئاً من أمره.

وعن مجاهد في قوله لا ينال عهدي الظالمين قال : لا أجعل إماماً ظالماً يُقتدى به (٣).

فالإمام يجب أن يكون معصوماً عن الضلال والمعصية وإلاّ كان غير مهتد بنفسه كما يدلّ عليه قوله تعالى : (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ) (٤) فأفعال الإمام خيرات يهتدي إليها لا بهداية من غيره بل باهتداء من نفسه بتأييد إلهي وتسديد ربّاني ومَنْ ليس بمعصوم فلا يكون إماماً هادياً إلى الحقّ.

والمراد بالظالمين مطلق مَنْ صدر عنه ظلم ؛ من شرك أو معصية وإن كان منه في برهة من عمره ؛ سواء في الجاهليّة أو الإسلام ثمّ تاب وصلح فلا بدّ أن لا يكون ظالماً في جميع عمره.

وإبراهيم عليه‌السلام حينما سأل الإمامة لبعض ذرّيتّه أجابه المولى سبحانه :

____________________

(١) سورة البقرة : الآية ١٢٤.

(٢) سورة البقرة : الآية ٢٢٩.

(٣) تفسير الدر المنثور : ج ١ ص ١١٨.

(٤) سورة الأنبياء : الآية ٧٣.

١٠٨

إنّه لا ينال عهدي الظالمين مَنْ عبد صنماً أو وثناً لا يكون إماماً للناس ولو تاب بعد ذلك وأصلح.

وفي الدرّ المنثور عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» (١)

فأئمّة أهل البيت عليهم‌السلام هم المعنيون بهذه الآية الشريفة وقد صرَّحت الأحاديث الشريفة من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّ الأئّمّة من بعده اثنا عشر خليفة وقد جاء في صحيح مسلم عن جابر بن سَمُرَةَ يقول : سمعتُ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة». ثمّ قال كلمةً لم أفْهَمْهَا فقلت لأبي : مَا قال؟ فقال : «كلّهم من قريش» (٢).

وهذا الحديث شاهد على وجود الإمامة حتّى قيام الساعة ومصداقيّة هذا الحديث الشريف هم أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام أولّهم الإمام عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام وآخرهم الإمام المهدي (عجّل الله تعالى وجوده الشريف). بينما أهل السنّة طبَّقوا الاثني عشر خليفة وجعلوا مصداقيّتها في الخلفاء الأربعة وخامسهم عمر بن عبد العزيز ثمّ توقّفوا أكثر من ثلاثة عشر قرناً لم يظهر لهم خليفة سادس فتبيّن أنّ مصداقيّة الاثني عشر خليفة كلّهم من قريش في أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام.

____________________

(١) تفسير الدرّ المنثور : ج ١ ص ١١٨.

(٢) صحيح مسلم : ج ٤ ص ١٠١ ، كتاب الإمارة ، ح ١٨٢١ ، رقم ٧ ؛ فرائد السمطين : ج ٢ ص ١٤٧ ح ٤٤٢.

١٠٩

وقد ثبت أنّه لا يوجد أحد أحقّ وأولى بهذا الأمر من علي بن أبي طالب عليه‌السلام ؛ حيث توفّرت فيه شرائط النبوّة والتي منها العصمة ولم يدّعِ أحدٌ من الصحابة العصمة إلاّ علياً عليه‌السلام. وقد صرّح أبو بكر بذلك عندما قال : أما والله ما أنا بخيركم ولقد كنت لمقامي هذا كارهاً ولوددت أنّ فيكم مَنْ يكفيني. أفتظنّون أنّي أعمل فيكم بسنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ إذاً لا أقوم بها ؛ إنّ رسول الله كان يُعصم بالوحي وكان معه ملك وإنّ لي شيطاناً يعتريني ولقد قلّدت أمراً عظيماً ما لي به طاقة ولا يد(١).

وذكر أبو إسحاق الإسفرايني في كتابه : لمّا مرض معاوية أرسل خلف ولده يزيد فقال يزيد : ومَنْ يكون الخليفة من بعدك؟ فقال له : يا يزيد أنت الخليفة. ثمّ أوصاه بعدة وصايا منها :

واُوصيك يا بُني بالحسين وأولاده وإخوته وأولاد إخوته وجميع عشيرته وجميع بني هاشم الوصية التامة ؛ لأنّ الخلافة يا بُني ليست لنا وإنّما هي له ولأبيه وجدّه من قبله ولأهل بيته من بعده. ولا تستخلف يا يزيد إلاّ مدّة يسيرة حتّى يبلغ الحسين مبالغ الرجال ويمضي إلى مكة في أحسن حال ويكون هو الخليفة أو مَنْ يشاء من أهل بيته وترجع الخلافة إلى أهلها ؛ لأنّنا يا بُني ليس لنا خلافة بل نحن عبيد له ولأبيه وجدّه. ولا تنفق يا ولدي نفقة إلاّ وللحسين

____________________

(١) تاريخ الطبري : ج ٢ ص ٤٥٠ ، ص ٤٦٠ ؛ الطبقات الكبرى : ج ٣ ص ١٨٣ ، ص ٢١٢ ؛ الكامل في التاريخ : ج ٢ ص ١٥ ، ذكر استقالة أبي بكر من البيعة ؛ الإمامة والسياسة : ج ١ ص ١٦ ؛ الرياض النضرة في مناقب العشرة : ج ١ ص ٢٥٣ ؛ شرح نهج البلاغة : ج ١ ص ١٦٩ ؛ العقد الفريد : ج ٤ ص ٦١ ؛ الأخبار الموفقيات ص ٥٧٩ ح ٣٧٩.

١١٠

نصفها واحذر يا ولدي من غضبه عليك ؛ فإنّه إن غضب عليك يغضب عليك الله ورسوله فإنّ جدّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هو الشفيع يوم القيامة في الأولين والآخرين وله الشفاعة العظمى من الأنس والجن أجمعين ولواء الحمد بيده وأُمّه فاطمة الزهراء رضي‌الله‌عنها هي سيدة النساء وجدّته خديجة الكبرى وهم الذين أظهروا الدين وهدانا الله بهم إلى الصراط المستقيم فاحذر يا بُني من غضبهم ؛ فإنّ بغضبهم يغضب الله عليك ورسوله (١).

وإنكار إمامة أهل البيت عليهم‌السلام إنكار للنبوّة وإنكار النبوّة إنكار لربوبيّة الربّ كما قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «يا علي مَنْ أنكر إمامتك فقد أنكر نبوّتي ومَنْ أنكر نبوّتي فقد أنكر ربوبيّة الربّ» (٢). والقرآن الكريم عبَّر عن إنكار الإمامة بالانقلاب لقوله تعالى : (وما مُحمدٌ إلاّ رَسولٌ قَدْ خلَتْ مِن قبلهِ الرُّسلُ أفإِن مات أو قُتل انقلبتُم على أعقابِكم) (٣) ؛ لأنّ الإمامة أصل من أُصول الدين.

وقد نصَّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على إمامة الحسن والحسين عليهما‌السلام حيث قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا». وقال تعالى : (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ) (٤). ولا يسبق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في فضيلة وليس أحقّ بهذا الدعاء بهذه الصيغة منه وذرِّيّته فقد وجبت لهم الإمامة.

____________________

(١) نور العين في مشهد الحسين : ص ٥.

(٢) بحار الأنوار : ج ٤٢ ص ١٩١ ح١.

(٣) سورة آل عمران : الآية ١٤٤.

(٤) سورة الفرقان : الآية ٧٤.

١١١

ويستدلُّ على إمامتهما بما رواه الفريقان من نصِّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على إمامة الاثني عشر وإذا ثبت ذلك فكلُّ مَنْ قال بإمامة الاثني عشر قطع بإمامتهما ويدلُّ أيضاً ما ثبت بلا خلاف أنّهما دعوا الناس إلى بيعتهما والقول بإمامتهما.

ويستدلُّ أيضاً بأنَّ طريق الإمامة لا يخلو إمّا أن يكون هو النصُّ أو الوصف والاختيار وكلُّ ذلك قد حصل في حقّهما فوجب القول بإمامتهما.

ويستدلُّ أيضاً بما قد ثبت بأنّهما خرجا وادَّعيا ولم يكن في زمانهما غير معاوية ويزيد وهما قد ثبت فسقهما بل كفرهما(١) فيجب أن تكون الإمامة للحسن والحسين عليهما‌السلام.

____________________

(١) انظر شرح نهج البلاغة : ج ٢ ص ٢٣٣ ، قيل لعلي عليه‌السلام ، حين أراد أن يكتب الكتاب بينه وبين معاوية وأهل الشام : أَتُقرّ أنّهم مؤمنون مسلمون؟! فقال علي عليه‌السلام : «ما أقرّ لمعاوية ولأصحابه أنّهم مؤمنون ولا مسلمون».

وذكر المسعودي : وكان يسمّى يزيد الخمير وكتب إلى ابن الزبير :

ادعو إلهك في السماء فإنّني

أدعو عليك رجال عكَّ وأشْعرِ

كيف النجاة أبا خُبَيْبٍ منهمُ

فاحتل لنفسك قبل أتْي العسكرِ

وذكر أيضاً : وكان يزيد صاحب طرب وجوارح وكلاب وقُرُود وفهود ومنادمة على الشراب وجلس ذات يوم على شرابه وعن يمينه ابن زياد وذلك بعد قتل الحسين عليه‌السلام فأقبل على ساقيه فقال :

اسقني شربةً تروِّي مُشَاشِي

ثمّ مِلْ فاسق مثلها ابنَ زيادِ

صاحب السرّ والأمانة عندي

ولتسديد مغنمي وجهادي

ثمّ أمر المغنين فغنّوا له. مروج الذهب ٣ / ٧٩. جوارح : أي طيور جوارح كالنسر والعقاب والبازي وسواها. المشاش : النفس.

١١٢

ومن كلام لعلي عليه‌السلام : «واللهِ ما معاويةُ بأَدهى مِنِّي ولكنَّهُ يَغْدِرُ وَيَفْجُرُ ولوْلا كراهيةُ الغَدْرِ لكنتُ من أدهى الناسِ ولكنْ كُلُّ غُدَرَةٍ فُجَرَةٌ وكلّ فُجَرَةٍ كُفَرَةٌ ولِكُلِّ غادِرٍ لواءٌ يُعْرَفُ بهِ يَوْمَ القيامةِ» (١).

ومن كلامٍ لعلي عليه‌السلام لأصحابه في بيان حقيقة معاوية بن أبي سفيان حيث وصفه قائلاً : «أَما إِنَّهُ سَيَظْهَرُ عَلَيْكُم بَعْدي رَجُلٌ رَحْبُ البُلْعُوم مُنْدَحِقُ البَطْنِ يَأْكُلُ ما يِجِدُ وَيَطْلُبُ ما لا يَجِدُ فَاقْتُلُوهُ وَلَنْ تَقْتُلُوهُ. أَلاَ وَإِنَّهُ سَيَأمُرُكُم بسبِّي والبَراءَ مِنِّي ؛ فأمَّا السَّبُّ فَسُبُّونِي(٢) ؛ فإِنّهُ لي زَكَاةٌ وَلكُمْ نَجاةٌ ؛ وَأَمّا البَراءَةُ فلا تَتَبرّؤوا مِنِّي ؛ فإنِّي وُلدِْتُ على الفطرةِ وَسَبقْتُ إلى الإيمانِ والهِجْرَةِ» (٣).

____________________

(١) نهج البلاغة : ص ٣١٨ رقم ٢٠٠ قال ابن أبي الحديد في شرح النهج : ج ١٠ ص ٢١١ رقم ١٩٣ : والفجرة والكفرة : الكثير الفجور والكفر وقوله عليه‌السلام : «لكلّ غادر لواء يُعرف به يوم القيامة». مرويّ عن النبي.

(٢) كلام الإمام عليه‌السلام يحمل على الترخيص وليس الإلزام ، فترخيص الإمام عليه‌السلام لأصحابه بالسبّ كاشف عن التخيير فيظهر لهمّ سبّ الإمام عليه‌السلام حتّى يدفع عن نفسه القتل والضرر ، لأهمية الملاك.

(٣) نهج البلاغة /٩٢ رقم ٥٧ عن أبي عبيدة قال : كتبَ معاويةُ إلى علي بن أبي طالب : يا أبا الحسن! إنّ لي فضائل كثيرةً وكان أبي سيّداً في الجاهليّة وصرتُ ملكاً في الإسلام وأنا صهرُ رسول الله وخال المؤمنين وكاتبُ الوحي. فقال علي : «أبالفضائل يفخَرُ عليَّ ابن آكلةِ الأكباد؟!». ثمّ قال : «اكتب يا غلام :

محمد النبيُّ أخي وصهري

وحمزةُ سيدُ الشهداء عَميِّ

وجعفر الذي يُمسي ويُضحي

يطير مع الملائكة ابن أُمي

١١٣

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «يطلع من هذا الفجّ رجل من أُمّتي يُحشر على غير ملتي». فطلع معاوية(١).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه».

وفي الحديث المرفوع المشهور أنّه قال : «إنّ معاوية في تابوت من نار في أسفل درك منها ينادي : يا حنّان يا منّان! الآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ».

ويستدلُّ أيضاً بإجماع أهل البيتعليهم‌السلاملأنّهم أجمعوا على إمامتهما وإجماعهم حجّة.

ويستدلُّ بالخبر المشهور أنّه قال عليه‌السلام : «ابناي هذان إمامان قاما وقعدا» ؛ لأنّه أوجب لهما الإمامة ؛ سواء نهضا بالجهاد أو قعدا عنه وسواء دعيا إلى أنفسهما أو تركا ذلك فبالعصمة والنصوص وكونهما أفضل الخلق يستدلُّ على إمامتهما.

وكانت الخلافة في أولاد الأنبياء عليهم‌السلام وما بقي لنبيّنا ولد سواهما ويمكن البرهنة على إمامتهما ببيعة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لهما ؛ لأنّه لم يبايع صغيراً

____________________

وبنت محمّد سَكْني وعِرسي

منوط لحمُها بدمي ولحمي

وسبطا أحمدٍ ولداي منها

فأيكم له سهمٌ كسهمي

سَبَقْتُكُم إلى الإسلام طُراً

صغيراً ما بلغتُ أوان حِلْمي

فقال معاوية : أخفوا هذا الكتابَ ؛ لا يقرأه أهل الشام فيميلون إلى ابن أبي طالب. كنز العمال : ج ١٣ ص ١١٢ ح ٣٦٣٦٦.

(١) تاريخ الطبري : ج ٥ ص ٦٢١.

١١٤

غيرهما وبنزول آيات من القرآن بحقّهما وبإيجاب ثواب الجنّة على عملهما مع ظاهر الطفوليّة منهما وذلك بقوله تعالى : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ) (١) فعمّهما بهذا القول مع أبويهما وبإدخالهما في المباهلة. قال ابن علاّن المعتزلي : هذا يدلُّ على أنّهما كانا مكلّفين في تلك الحال ؛ لأنَّ المباهلة لا تجوز إلاّ مع البالغين.

وقال أصحابنا : إنَّ صغر السنِّ عن حدِّ البلوغ لا ينافي كمال العقل وبلوغ الحلم حدُّ لتعلّق الأحكام الشرعية فكان ذلك لخرق العادة فثبت بذلك أنّهما كانا حجّة الله لنبيّه في المباهلة مع طفوليّتهما ولو لم يكونا إمامين لم يحتجَّ الله بهما مع صغر سنّهما على أعدائه ولم يتبيّن في الآية ذكر قبول دعائهما. ولو أنَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وجد مَنْ يقوم مقامهما غيرهما لباهل بهم أو جمعهم معهما فاقتصاره عليهما يبيّن فضلهما ونقص غيرهم.

وقد قدَّمهم في الذكر على الأنفس ليبيّن لطف مكانهم وقرب منزلتهم وليؤذن بأنّهم مقدَّمون على الأنفس معدُّون بها وفيه دليل لا شيء أقوى منه هو أنّهم أفضل خلق الله.

واعلم أنَّ الله تعالى قال في التوحيد والعدل : (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ) (٢) وفي النبوَّة والإمامة : (فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا

____________________

(١) سورة الدهر : الآية ٧.

(٢) سورة آل عمران : الآية ٦٤.

١١٥

وَأَبْنَاءَكُمْ) (١) وفي الشرعيّات : (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ) (٢). وقد أجمع المفسّرون بأنَّ المراد بأبنائنا الحسن والحسين عليهما‌السلام.

قال أبو بكر الرازيُّ : هذا يدلُّ على أنّهما ابنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنَّ ولد الابنة ابنٌ على الحقيقة(٣).

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «مَنْ مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهليّة». الإمام : هو خليفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وممثله في أُمته في تبليغ أحكام الشريعة فإذا غفل المسلم معرفة إمامه ولم يستهد به ضلّ عن نهج الإمام ومات كافراً منافقاً. وقد أشعر الحديث بضرورة وجود الإمام ووجوب معرفته مدى الحياة ؛ لأنّ إضافة الإمام إلى الزمان تستلزم استمراريّة الإمامة وتجدّدها عبر الأزمنة والعصور.

قال الله عزوجل : (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ) (٤) فكان علي صلوات الله عليه ثمّ صار من بعده حسن ثمّ حسين ثمّ من بعده علي بن الحسين ثمّ من بعده محمّد بن علي وهكذا يكون الأمر. إنّ الأرض لا تصلح إلاّ بإمام ومَنْ مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهليّة وأحوج ما يكون أحدكم إلى معرفته إذا بلغت نفسه ها هنا ـ وأهوى بيده إلى صدره ـ يقول : حينئذ لقد كان على أمر أحسن» (٥).

____________________

(١) سورة آل عمران : الآية ٦١.

(٢) سورة الأنعام : الآية ١٥١.

(٣) بحار الأنوار : ج ٤٣ ص ٢٧٧.

(٤) سورة النساء : الآية ٥٩.

(٥) ينابيع المودّة : ص ١٣٧.

١١٦

وقد كان عمرو بن عبيد اجتمع مع هشام بن الحكم وهشام يذهب إلى القول بأنّ الإمامة نصٌّ من الله ورسوله على علي بن أبي طالب (رضي الله تعالى عنه) وعلى مَنْ يلي عصره من ولده الطاهرين كالحسن والحسين ومَنْ يلي أيامهم وعمرو يذهب إلى أنّ الإمامة اختيار من الأُمّة في سائر الأعصار. فقال هشام لعمرو بن عبيد : لِمَ خلق الله لك عينين؟ قال : لأنظر بهما إلى ما خلق الله من السماوات والأرض وغير ذلك فيكون ذلك دليلاً عليه. فقال هشام : فلِمَ خلق الله لك سمعاً؟ قال : لأسمع به التحليل والتحريم والأمر والنهي. فقال له هشام : لِمَ خلق الله لك لساناً؟ فقال عمرو : لأَعبّر به عمّا في قلبي وأُخاطب به مَنْ افترض عليَّ أمره ونهيه. قال هشام : فلِمَ خلق الله لك قلباً؟ قال عمرو : لتكون هذه الحواسّ مؤدّية إليه فيكون مميّزاً بين منافعها ومضارّها. قال هشام : فكان يجوز أن يخلق الله سائر حواسّك ولا يخلق لك قلباً تؤدّي هذه الحواسّ إليه؟ قال عمرو : لا. فقال هشام : ولِمَ؟ قال : لأنّ القلب باعث لهذه الحواسّ على ما يصلح له فلو لم يخلق الله فيها انبعاثاً من نفسها استحال أن لا يخلق لها باعثاً يبعثها على ما خلقت له إلاّ بخلق القلب فيكون هو الباعث لها على ما تفعله والمميّز لها بين مضارّها ومنافعها ويكون الإمام من الخلق بمنزلة القلب من سائر الحواسّ إذا كانت الحواسّ راجعة إلى القلب لا إلى غيره ويكون سائر الخلق راجعين إلى الإمام لا إلى غيره. فلم يأت عمرو بفرق يعرف(١).

____________________

(١) مروج الذهب : ج ٤ ص ١١٥.

١١٧

وأئمّة أهل البيت عليهم‌السلام لا يفتون برأيهم كما يُفتي الناس في أُمور الدين وقد جاء عن الإمام الباقر عليه‌السلام أنّه قال : «يا جابر لو كنّا نُفتي الناس برأينا وهوانا لكنّا من الهالكين ولكنّا نُفتيهم بآثار من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأُصول علم عندنا نتوارثها كابراً عن كابر(١) نكنزها كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضّتهم» (٢).

عن سلمان المحمّدي قال : دخلت على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وإذا الحسين على فخذه وهو يقبّل عينيه ويلثم فاه ويقول : «إنّك سيّد ابن سيّد أخو سيّد أبو السادة إنّك إمام ابن إمام أخو إمام أبو الأئمة إنّك حجّة ابن حجّة أخو حجّة أبو حجج تسعة من صلبك تاسعهم قائمهم» (٣).

عن أبي المهزم قال : كنّا مع جنازة امرأة ومعنا أبو هريرة فجيء بجنازة رجل فجعله بينه وبين المرأة فصلّى عليها فلما أقبلنا أعيا الحسين عليه‌السلام فقعد في الطريق فجعل أبو هريرة ينفض التراب عن قدميه بطرف ثوبه فقال الحسين عليه‌السلام : «يا أبا هريرة وأنت تفعل هذا؟». فقال أبو هريرة : دعني ـ فو الله ـ لو علم الناس منك ما أعلم لحملوك على رقابهم(٤).

____________________

(١) كابر عن كابر : أي ورثته عن آبائي وأجدادي كبيراً عن كبير في العزِّ والشرف.

(٢) بحار الأنوار : ج ٢ ص ١٧٢ ح ٣.

(٣) مقتل الحسين للخوارزمي : ج ١ ص ١٤٦ ؛ انظر : ينابيع المودة : ١٩٨، وفيه : «خديه بدل عينيه».

(٤) كفاية الطالب : ص ٣٨١.

١١٨

الحسين عليه‌السلام وعالم الرؤيا

١١٩
١٢٠