أحكام القرآن - ج ١

أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي

أحكام القرآن - ج ١

المؤلف:

أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٢٠
الجزء ١ الجزء ٢

محمد بن يوسف بن النضر : أنا ابن الحكم ، قال : سمعت الشافعي يقول فى قول الله عز وجل : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ. ٣٠ ـ ٢٧). قال : معناه هو أهون عليه فى العبرة عندكم ، لما (١) كان يقول للشيء كن ؛ فيخرج مفصلا بعينيه وأذنيه ، وسمعه ومفاصله ، وما خلق الله فيه من العروق. فهذا ـ فى العبرة ـ أشد من أن يقول لشىء قد كان : عد إلى ما كنت. قال : فهو إنما هو أهون عليه فى العبرة عندكم ، ليس أن شيئا يعظم على الله عز وجل».

(أنا) أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، أنا الربيع بن سليمان. أنا الشافعي ، أنا ابراهيم بن سعد ، عن ابن شهاب ، عن عامر بن سعد ، عن أبيه : أن النبي صلّى الله عليه وسلّم ، قال : «أعظم المسلمين فى المسلمين جرما : من سأل عن شيء لم يكن محرما ، فحرم من أجل مسئلته.». قال الشافعي : «وقال الله عز وجل : (لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ـ إلى قوله (عز وجل) ـ بِها كافِرِينَ (٢) : ٥ ـ ١٠١ ـ ١٠٢) قال : كانت المسائل فيما لم ينزل ـ إذا كان الوحى ينزل ـ مكروهة ؛ لما ذكرنا : من قول الله عز وجل ، ثم قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، وغيره : مما فى معناه. ومعنى كراهة ذلك : ان يسئلوا عما لم يحرم : فإن حرمه الله فى كتابه ، أو على لسان نبيه صلّى الله عليه وسلّم حرم أبدا ، إلا أن ينسخ الله تحريمه فى كتابه ، أو ينسخ ـ على لسان رسوله ـ سنة بسنة».

(أنا) أبو عبد الله الحسين بن محمد بن فنجويه ، بالدامغان ، نا الفضل

__________________

(١) كذا ولعل الصواب : مما.

(٢) تمام المحذوف : (وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللهُ عَنْها وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ* قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ).

٤١

ابن الفضل الكندي ، ثنا زكريا بن يحيى الساجي قال : سمعت أبا عبد الله (ابن أخى ابن وهب) يقول : سمعت الشافعي يقول : «الأمّة على ثلاثة وجوه : قوله تعالى : (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ : ٤٣ ـ ٢٢) ؛ قال : على دين. وقوله تعالى : (وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ : ١٢ ـ ٤٥) ، قال : بعد زمان. وقوله تعالى : (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ : ١٦ ـ ١٢٠) ؛ قال : معلما.»

(أنا) أبو عبد الله الحافظ ، حدثنى أبو بكر أحمد بن محمد بن أيوب الفارسي المفسر. أنا أبو بكر محمد بن صالح ابن الحسن البستاني بشيراز ، نا الربيع بن سليمان المرادي ، نا محمد بن إدريس الشافعي (رحمه الله) ، أنا ابراهيم بن سعد ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن مرجانة : قال عكرمة لابن عباس : «إن ابن عمر تلا هذه الآية : (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ : ٢ ـ ٢٨٤) ؛ فبكى ، ثم قال : والله لئن أخذنا الله بها لنهلكن.» فقال ابن عباس : «يرحم الله أبا عبد الرحمن ؛ قد وجد المسلمون منها ـ حين نزلت ـ ما وجد ؛ فذكروا ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ؛ فنزلت : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها الآية (١) : ٢ ـ ٢٨٦) من القول والعمل. وكان حديث النفس مما لا يملكه أحد ، ولا يقدر عليه أحد.

__________________

(١) تمامها : (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا. رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا ، رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ).

٤٢

 «فصل فيما يؤثر عنه من التفسير والمعاني فى الطهارات والصلوات»

(أنا) محمد بن موسى بن الفضل ، أنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، أنا الربيع بن سليمان ، أنا الشافعي رحمه الله قال : «قال الله جل ثناءه : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ) إلى قوله (١) عز وجل : (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا : ٥ ـ ٦) قال : وكان (٢) بينا عند من خوطب بالآية : أن غسلهم إنما يكون بالماء ؛ [ثم] أبان الله فى [هذه] الآية : أن الغسل بالماء. وكان معقولا عند من خوطب بالآية : [أن الماء ما خلق الله تبارك وتعالى مما لا صنعة فيه للآدميين (٣)]. وذكر الماء عاما ؛ فكان ماء السماء ، وماء الأنهار ، والآبار ، والقلات (٤) ، والبحار. العذب من جميعه ، والأجاج سواء : فى أنه يطهر من توضأ واغتسل به».

وقال فى قوله عز وجل : (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) «لم أعلم مخالفا فى أن الوجه المفروض غسله فى الوضوء : ما ظهر دون ما بطن. وقال : وكان معقولا : أن الوجه : ما دون منابت شعر الرأس ، إلى الأذنين واللحيين والذقن»

وفى قوله تعالى : (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) ؛ قال : «فلم أعلم مخالفا [فى] أن المرافق فيما (٥) يغسل. كأنهم ذهبوا إلى [أن] معناها : فاغسلوا أيديكم إلى أن تغسل المرافق.

__________________

(١) تمام المحذوف : (إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ).

(٢) فى الام (ج ١ ص ٢) : فكان

(٣) هذه عبارة الام. وفى الأصل : أن الماء ما خلق الله ما لا منفعة فيه للآدميين. وفيه خطأ ظاهر

(٤) جمع قلت [كسهم وسهام] وهو : النقرة فى الجبل تمسك الماء.

(٥) فى الام (ج ١ ص ٢٢) : مما

٤٣

وفى قوله تعالى : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) ؛ قال : «وكان معقولا فى الآية أن من مسح من رأسه شيئا فقد مسح برأسه ؛ ولم تحتمل الآية إلا هذا ـ وهو أظهر معانيها ـ أو مسح الرأس كله قال : فدلت السنة على أن ليس على المرء مسح رأسه كله. وإذا دلت السنة على ذلك فمعنى الآية : أن من مسح شيئا من رأسه أجزأه».

وفى قوله تعالى : (وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) ؛ قال الشافعي : «نحن نقرؤها (وأرجلكم) ؛ على معنى : اغسلوا وجوهكم وأيديكم وأرجلكم ؛ وامسحوا برؤسكم قال : ولم أسمع مخالفا فى أن الكعبين ـ اللذين ذكر الله عز وجل فى الوضوء ـ الكعبان الناتئان ـ وهما مجمع مفصل الساق والقدم ـ وأن عليهما الغسل. كأنه يذهب فيهما إلى اغسلوا أرجلكم حتى تغسلوا الكعبين». وقال فى غير هذه الرواية «والكعب إنما سمى كعبا لنتوئه فى موضعه عما تحته وما فوقه. ويقال للشىء المجتمع من السمن ، كعب سمن (١) وللوجه فيه نتوء ؛ وجه كعب ؛ والثدي إذا تناهدا كعب.».

قال الشافعي رحمه الله ـ فى روايتنا عن أبى سعيد : «وأصل مذهبنا أنه يأتى بالغسل كيف شاء ولو قطعه ؛ لأن الله تبارك وتعالى قال : (حَتَّى تَغْتَسِلُوا : ٤ ـ ٤٣) (٢) فهذا مغتسل وإن قطع الغسل ؛ فلا أحسبه يجور ـ إذا قطع الوضوء ـ إلا مثل هذا».

قال الشافعي رحمه الله : وتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أمر الله ، وبدأ بما بدأ الله به. فاشبه (والله أعلم) أن يكون على المتوضئ فى الوضوء شيئان [أن] يبدأ بما بدأ الله ثم رسوله صلى الله عليه وسلم به منه ، ويأتى على إكمال

__________________

(١) ينظر هامش الام (ج ١ ص ٢٣).

(٢) انظر الام (ج ١ ص ٢٦).

٤٤

ما أمر به (١) وشبهه بقول الله عز وجل : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ : ٢ ـ ١٥٨). فبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصفا ، وقال «نبدأ بما بدأ الله به». قال الشافعي رحمه الله : «وذكر الله اليدين معا والرجلين معا ، فأحب أن يبدأ باليمنى وإن بدأ باليسرى فقد أساء ولا إعادة عليه.

وفى قول الله عز وجل : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) ؛ قال الشافعي رحمه الله : «فكان ظاهر الآية أن من قام إلى الصلاة فعليه أن يتوضأ وكانت محتملة أن تكون نزلت فى خاص. فسمعت بعض من أرضى علمه بالقرآن ، يزعم : أنها نزلت فى القائمين من النوم ؛ وأحسب ما قال كما قال. لأن [فى] السنة دليلا على أن يتوضأ من قام من نومه (٢). قال الشافعي رحمه الله : فكان الوضوء الذي ذكره الله ـ بدلالة السنة ـ على من لم يحدث غائطا ولا بولا ؛ دون من أحدث غائطا أو بولا. لأنهما نجسان يماسان بعض البدن. يعنى فيكون عليه الاستنجاء (٣) فيستنجى بالحجارة أو الماء ؛ قال ولو جمعه رجل ثم غسل بالماء كان أحب إلى. ويقال إن قوما من الأنصار استنجوا بالماء فنزلت فيهم :

(فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ : ٩ ـ ١٠٨) قال الشافعي رحمه الله : ومعقول ـ إذ ذكر الله تعالى الغائط فى آية الوضوء أن الغائط. التخلي ؛ فمن تخلى وجب عليه الوضوء». ثم ذكر الحجة من غير الكتاب ، فى إيجاب الوضوء بالريح ، والبول ، والمذي ، والودي وغير ذلك مما يخرج من سبيل الحدث (٤)

__________________

(١) فى الأصل المتوضئين. وما أثبتناه عبارة الام. وهو اظهر

(٢) انظر الام (ج ١ ص ١٠ ـ ١١).

(٣) انظر الام (ج ١ ص ١٨)

(٤) انظر الام (ج ١ ص ١٣ ـ ١٧).

٤٥

وفى قوله تعالى : (أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ : ٤ ـ ٤٣ و ٥ ـ ٦) ؛ قال الشافعي : «ذكر الله عز وجل الوضوء على من قام إلى الصلاة ؛ فاشبه أن يكون من (١) قام من مضجع النوم.» وذكر طهارة الجنب ، ثم قال بعد ذلك : (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا). فأشبه : أن يكون أوجب الوضوء من الغائط ، وأوجبه من الملامسة وإنما ذكرها موصولة بالغائط بعد ذكر الجنابة ؛ فأشبهت الملامسة أن تكون اللمس باليد والقبل غير الجنابة». ثم استدل عليه بآثار ذكرها (٢). قال الربيع : اللمس بالكف ؛ ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الملامسة. والملامسة : أن يلمس الرجل الثوب فلا يقلبه وقال الشاعر (٣) :

فألمست كفّى كفّه أطلب الغنى

ولم أدر أنّ الجود من كفّه يعدى

فلا أنا ، منه ما أفاد ذوو الغنى

[أفدت] واعدانى فبدّدت (٤) ما عندي

هكذا وجدته فى كتابى وقد رواه غيره عن الربيع عن الشافعي (٥) ، أنا أبو عبد الرحمن السلمى ، أنا : الحسين بن رشيق المصري إجازة ، انا أحمد بن محمد ابن حرير النحوي ، قال : سمعت الربيع بن سليمان يقول ؛ فذكر معناه عن الشافعي (٦)

(انا) أبو سعيد ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي : «قال الله تبارك وتعالى : (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا : ٤ ـ ٤٣). فأوجب

__________________

(١) فى الأصل : كمن ، وما أثبتناه عبارة الأم.

(٢) انظر الأم (ج ١ ص ١٢ ـ ١٣).

(٣) هو بشار بن برد كما فى الأغانى (ج ٣ ص ١٥٠)

(٤) انظر الأم : فبذرت وفى الأغانى فاتلفت.

(٥) انظر الأم (ج ١ ص ١٣).

(٦) انظر الأم (ج ١ ص ١٣).

٤٦

(جل ثناؤه) الغسل من الجنابة ؛ وكان معروفا فى لسان العرب أن الجنابة : الجماع وإن لم يكن مع الجماع ماء دافق. وكذلك ذلك فى حد الزنا ، وإيجاب المهر ، وغيره وكل من خوطب : بأن فلانا أجنب من فلانة عقل أنه أصابها وإن لم يكن مقترفا». يعنى أنه (١) لم ينزل.

وبهذا الإسناد قال الشافعي : «وكان فرض الله الغسل مطلقا : لم يذكر فيه شيئا يبدأ به قبل شىء ؛ فإذا جاء المغتسل [بالغسل (٢)] أجزأه ـ والله أعلم ـ كيفما جاء به ـ وكذلك (٣) لا وقت فى الماء فى الغسل ، إلا أن يأتى بغسل جميع بدنه».

* * *

(أنا) أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي : «قال الله تبارك وتعالى : (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ). قال الشافعي : نزلت آية التيمم فى غزوة بنى المصطلق ، أنحل عقد لعائشة رضى الله عنها ، فأقام الناس على التماسه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليسوا على ماء ، وليس معهم ماء. فأنزل الله (عز وجل) آية التيمم. أخبرنا بذلك عدد من قريش من أهل العلم بالمغازي وغيرهم». [ثم] روى فيه حديث مالك ؛ وهو مذكور فى كتاب المعرفة.

(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، انا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي رحمه الله : «قال الله تبارك وتعالى : (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً)

قال : وكلّ ما وقع عليه اسم صعيد لم يخالطه نجاسة ، فهو : صعيد طيب يتيمم به. ولا يقع اسم صعيد إلا على تراب ذى غبار ؛ فاما البطحاء

__________________

(١) هذا من كلام الربيع كما صرح به فى الام (ج ١ ص ٣١)

(٢) زيادة عن الام (ج ١ ص ٣٣)

(٣) فى الأصل : ولذلك. وهو خطأ والتصحيح عن الأم.

٤٧

الغليظة والرقيقة والكثيب الغليظ ـ فلا يقع عليه اسم صعيد (١)».

وبهذا الإسناد قال الشافعي : «قال الله تبارك وتعالى : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ الآية) وقال فى سياقها (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ [أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ] فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً [فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ]) (٢) فدل حكم الله (عز وجل) على أنه أباح التيمم فى حالين : أحدهما : السفر والأعواز من الماء. والآخر. المرض (٣) فى حضر كان أو سفر. ودل [ذلك] على أن على المسافر طلب الماء ، لقوله : (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا) وكان كل من خرج مجتازا من بلد إلى غيره ، يقع عليه اسم السفر قصر السفر أو طال. ولم أعلم من السنة دليلا على أن لبعض (٤) المسافرين أن يتيمم دون بعض ؛ فكان ظاهر القرآن ان كل من سافر سفرا قريبا أو بعيدا يتيمم».

قال : وإذا كان مريضا بعض المرض : تيمم حاضرا أو مسافرا ، أو واجدا للماء أو غير واجد له (٥) والمرض اسم جامع لمعان لأمراض مختلفة ؛ فالذى سمعت : أن المرض ـ الذي للمرء أن يتيمم فيه ـ : الجراح ، والقرح دون الغور كله مثل الجراح ؛ لأنه يخاف فى كله ـ إذا ما مسه الماء ـ أن ينطف ، فيكون من النطف التلف ، والمرض المخوف».

__________________

(١) انظر الام : (ج ١ ص ٤٣)

(٢) ما بين الأقواس المربعة زيادة عن الأم (ح ١ ص ٢٩).

(٣) فى الأصل : المريض. وفى الام (ص ٣٩) للمريض. وكلاهما خطأ والصحيح ما أثبتناه.

(٤) فى الأصل : بعض والتصحيح عن الام.

(٥) كذا بالأصل وبالأم (ج ١ ص ٣٦). ولعل أو زائدة من الناسخ.

٤٨

وقال فى القديم (رواية الزعفراني عنه) : «يتيمم إن خاف [إن مسه الماء (١)] التلف ، أو شدة الضنى». وقال فى كتاب البويطىّ : «فخاف ، إن أصابه الماء ، أن يموت ، أو يتراقى (٢) عليه إلى ما هو أكثر منها ؛ تيمم وصلى ولا إعادة عليه. لأن الله تعالى أباح للمريض التيمم. وقيل : ذلك المرض : الجراح والجدري. وما كان فى معناهما : من المرض ـ عندى مثلهما ؛ وليس الحمىّ وما أشبهها ـ : من الرمد وغيره. ـ عندى ، مثل ذلك.»

قال الشافعي ـ فى روايتنا : «جعل الله المواقيت للصلاة ؛ فلم يكن لأحد أن يصليها قبلها ؛ وإنما أمر (٣) بالقيام إليها إذا دخل وقتها ؛ وكذلك أمر (٤) بالتيمم عند القيام إليها ، والإعواز من الماء. فمن تيمم لصلاة قبل دخول وقتها ، وطلب الماء لها ـ : لم يكن له أن يصليها بذلك التيمم.»

* * *

أخبرنا ، أبو سعيد ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال. قال الشافعي (رحمه الله) : «وإنما قلت : لا يتوضأ رجل بماء قد توضأ به غيره. لأن (٥) الله (جل ثناؤه) يقول (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ ٥ ـ ٦) فكان معقولا. أن الوجه لا يكون مغسولا إلا بأن يبتدأ له بماء (٦) فيغسل به ، ثم عليه فى اليدين عندي ـ مثل ما عليه فى الوجه [من] أن يبتدىء لهما ماء فيغسلهما به. (٧) فلو أعاد عليهما الماء

__________________

(١) زيادة عن مختصر المزني بهامش الأم (ج ١ ص ٥٤).

(٢) أي يتزايد.

(٣) انظر الأم (ج ١ ص ١٩).

(٤) انظر الأم (ج ١ ص ١٩).

(٥) فى الأصل أن ، والتصحيح عن الأم (ج ١ ص ٢٥).

(٦) فى الأم : ماء.

(٧) عبارة الأم : «من أن يبتدى ، له ماء فيغسله به» ، ولا فرق من حيث المعنى المراد.

٤٩

الذي غسل به الوجه ـ : كان كأنه لم يسوّ بين يديه ووجهه ، ولا يكون مسويا بينهما ، حتى يبتدىء لهما الماء ، كما ابتدأ للوجه. وأن (١) رسول الله صلى الله عليه وسلم «أخذ لكل عضو ماء جديدا.».

وبهذا الإسناد ، قال الشافعي (رحمه الله) : «قال الله عز وجل : (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ (٢) إلى : وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ : ٥ ـ ٦). فاحتمل أمر الله (تبارك وتعالي) بغسل القدمين : أن يكون على كل متوضئ ؛ واحتمل : أن يكون على بعض المتوضئين دون بعض. فدل مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخفين ـ : أنها (٣) على من لا خفين عليه [إذا هو (٤)] لبسهما على كمال طهارة. كما دل صلاة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) صلاتين بوضوء واحد ، وصلوات بوضوء واحد ـ : على أن فرض الوضوء ممن (٥) قام إلى الصلاة ، على بعض القائمين دون بعض ، لا : (٦) أن المسح خلاف لكتاب الله ، ولا الوضوء على القدمين (٧).». زاد ـ فى روايتى ، عن أبى عبد الله ، عن أبى العباس ، عن الربيع ، عنه ـ : «إنما يقال : «الغسل كمال ، والمسح رخصة كمال ؛ وأيهما شاء فعل (٨)».

__________________

(١) كذا بالأصل وبالأم ؛ على أنه معطوف على قوله : لأن الله. ولعل الأصح : لأن. فليتأمل.

(٢) تمام المتروك : (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ ، وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ).

(٣) فى الأصل : «أنهما». وهو خطأ. والتصحيح عن الأم (ج ١ ص ٢٧) ؛ وإنما أنت الضمير باعتبار أن المسح طهارة.

(٤) زيادة عن الأم ، يتوقف عليها فهم المعنى المراد.

(٥) فى الأم : «على من» ؛ ولا فرق فى المعنى.

(٦) فى الأصل : «لأن». وهو خطأ ظاهر ؛ والتصحيح عن الام.

(٧) كذا بالأصل وبالأم ، ولعل الأصح ـ الملائم لظاهر العبارة السابقة ـ : على بعض القائمين.

(٨) انظر اختلاف الحديث بهامش الام (ج ٧ ص ٦٠).

٥٠

أنا ، أبو عبد الله الحافظ ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال : «قال الله تبارك وتعالى : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) (١) الآية ، ودلت السنة على [أن (٢)] الوضوء من الحدث. وقال الله عز وجل : (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى ، حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ ، وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) الآية (٣). فكان الوضوء عاما فى كتاب الله (عز وجل) من (٤) الأحداث ؛ وكان أمر الله الجنب بالغسل من الجنابة ، دليلا (والله أعلم) على : أن لا يجب غسل إلا من جنابة ؛ إلا أن تدل على غسل واجب : فنوجبه بالسنة : بطاعة الله فى الأخذ بها (٥). ودلت السنة على وجوب الغسل من الجنابة ؛ ولم أعلم دليلا بيّنا على أن يجب غسل غير الجنابة الوجوب الذي لا يجزىء غيره. وقد روى فى غسل يوم الجمعة شىء ؛ فذهب ذاهب إلى غير ما قلنا ؛ ولسان العرب واسع».

__________________

(١) تمامها : (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ ، وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ، وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ، وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ ، أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ ـ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً ـ : فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ، فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ. ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ ، وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ٥ ـ ٦)

(٢) زيادة عن اختلاف الحديث (ص ١٧٧)

(٣) تمامها : (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ ، أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ ، أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ ـ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً ـ : فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ، فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ؛ إِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً : ٤ ـ ٤٣)

(٤) فى الأصل : «عن». وما أثبتناه عبارته في اختلاف الحديث (ص ١٧٨).

(٥) فى الأصل : «فتوجبه السنة بطاعة الله والاخذ بها». والتصحيح عن اختلاف الحديث (ص ١٧٨).

٥١

ثم ذكر ما روى فيه ، وذكر تأويله ، وذكر السنة التي دلت على وجوبه فى الاختيار ، و [فى] النظافة ، ونفى (١) تغير الريح عند اجتماع الناس (٢) ، وهو مذكور فى كتاب المعرفة (٣).

* * *

وفيما أنبأنى أبو عبد الله (إجازة) عن الربيع ، قال : قال الشافعي : (رحمه الله تعالى) : «قال الله تبارك وتعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ. قُلْ : هُوَ أَذىً ، فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ) الآية (٤). فأبان : أنها حائض غير طاهر ، وأمرنا : أن لا نقرب حائضا حتى تطهر ، ولا إذا طهرت حتى تتطهر (٥) بالماء ، وتكون ممن تحل لها الصلاة».

وفى قوله عز وجل : (فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) ، قال الشافعي : «قال بعض أهل العلم بالقرآن : فأتوهن من حيث أمركم الله أن تعتزلوهن ؛ يعنى فى (٦) مواضع الحيض. وكانت الآية محتملة لما قال ؛ ومحتملة : أن اعتزالهن : اعتزال جميع أبدانهن ، ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم : على اعتزال ما تحت الإزار منها ، وإباحة ما فوقها».

__________________

(١) فى الأصل : «ومعنى». والتصحيح عن اختلاف الحديث (ص ١٧٩).

(٢) فلينظر فى اختلاف الحديث (ص ١٧٨ ـ ١٨١).

(٣) للحافظ البيهقي رضى الله عنه.

(٤) تمامها : (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ، فَإِذا تَطَهَّرْنَ : فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ ؛ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ : ٢ ـ ٢٢٢).

(٥) فى الأصل : «تطهر». وما أثبتناه عبارة الام (ج ١ ص ٥٠) ، وهى أظهر.

(٦) عبارة الأم (ج ١ ص ٥١) : «من». وهى أنسب.

٥٢

قال الشافعي : «وكان مبينا (١) فى قول الله عز وجل : (حَتَّى يَطْهُرْنَ) : أنهن حيّض فى غير حال الطهارة (٢) ، وقضى الله على الجنب : أن لا يقرب الصلاة حتى يغتسل ، فكان مبينا : أن لا مدة لطهارة الجنب إلا الغسل (٣) ، ولا مدة لطهارة الحائض إلا ذهاب الحيض ، ثم الغسل : لقول الله عز وجل : (حَتَّى يَطْهُرْنَ) ، وذلك : انقضاء (٤) الحيض : (فَإِذا تَطَهَّرْنَ) ، يعنى : بالغسل ؛ لأن السنة دلت على أن طهارة الحائض : الغسل (٥) ؛ ودلت على بيان ما دل عليه كتاب الله : من أن لا تصلى الحائض.» ، فذكر حديث عائشة (رضى الله عنها) ، ثم قال : «وامر النبي (صلى الله عليه وسلم) عائشة (رضى الله عنها) ـ : «أن لا تطوفى بالبيت حتى تطهرى» : ـ : يدل على أن لا تصلى (٦) حائضا ؛ لأنها غير طاهر ما كان الحيض قائما. ولذلك (٧) قال الله عز وجل : (حَتَّى يَطْهُرْنَ)

قال الشافعي : «قال الله تبارك وتعالى : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ ، وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) الآيتين (٨). فلما لم يرخص الله (٩) فى أن تؤخر الصلاة

__________________

(١) فى الأم : «بينا».

(٢) فى الأصل : «فى غير طهارة» ، والتصحيح عن الام.

(٣) عبارة الأصل : «لامره لطهارة الجنب لا الغسل» ؛ وهى خطأ ، والتصحيح عن الام

(٤) عبارة الام : «بانقضاء».

(٥) عبارة الام : «بالغسل».

(٦) عبارة الام : «أن لا تطوف حتى تطهر ، فدل». فيكون قوله : «وأمر إلخ» جملة فعلية.

وعلى ما فى الأصل : يكون جملة اسمية روعى فيها لفظ الحديث ، والخبر قوله : «يدل» :

(٧) عبارة الام : «وكذلك». وما فى الأصل أصح.

(٨) تمامهما. (وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ* فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً ، فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ : ٢ ـ ٢٣٨ ، ٢٣٩).

(٩) عبارة الأم (ج ١ ص ٥١. «رسول الله». وهى خطأ.

٥٣

 فى الخوف ، وأرخص : أن يصليها المصلى كما أمكنته رجالا وركبانا (١) ؛ وقال : (إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً : ٤ ـ ١٠٣) ؛ وكان من عقل الصلاة من البالغين ، عاصيا بتركها : إذا جاء وقتها وذكرها ، [وكان غير ناس لها] (٢) ؛ وكانت الحائض بالغة عاقلة ، ذاكرة للصلاة ، مطيقة لها ؛ وكان (٣) حكم الله : أن لا يقربها زوجها حائضا ؛ ودل حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم : على أنه إذا حرم على زوجها أن يقربها للحيض ، حرم عليها أن تصلى ـ : كان فى هذا دليل (٤) [على] أن فرض الصلاة فى أيام الحيض زائل عنها فإذا زال عنها ـ وهى ذاكرة عاقلة مطيقة ـ : لم يكن عليها قضاء الصلاة. وكيف تقضى ما ليس بفرض عليها : بزوال فرضه عنها؟! وهذا ما لم أعلم فيه مخالفا».

* * *

أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ (رحمه الله) ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصمّ ، أنا الربيع بن سليمان ، قال : قال الشافعي : «ومما نقل بعض من سمعت منه ـ : من أهل العلم ـ : أن الله (عز وجل) أنزل فرضا فى الصلاة قبل فرض الصلوات الخمس ؛ فقال : (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ

__________________

(١) عبارة الأم. «راجلا أو راكبا». وهى أنسب.

(٢) زيادة عن الأم للايضاح.

(٣) فى الأم : «فكان» ، وما هنا أصح. دفعا لتوهم أنه جواب الشرط ، الذي سيأتى بعد ، وهو قوله. «كان فى هذا».

(٤) عبارة الأم. «دلائل» ، وزيادة «على» عن الأم للايضاح.

٥٤

إِلَّا قَلِيلاً نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً : ٧٣ ـ ١ ـ ٤). ثم نسخ هذا فى السورة معه ، فقال : (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ (١) ؛ قرأ إلى : وَآتُوا الزَّكاةَ : ٧٣ ـ ٢٠). قال الشافعي : ولما ذكر الله (عز وجل) بعد أمره بقيام الليل : نصفه إلا قليلا ، أو الزيادة عليه فقال : (أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ) ، فخفف ، فقال : (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى ، وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ ، وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ ، فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ : ٧٣ ـ ٢٠) : ـ كان (٢) بينا فى كتاب الله (عز وجل) نسخ قيام الليل ونصفه ، والنقصان من النصف ، والزيادة عليه ـ : بقوله عز وجل : (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ). ثم احتمل قول الله عز وجل : (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ) ، معنيين : أحدهما : أن يكون فرضا ثابتا ، لأنه أزيل (٣) به فرض غيره. (والآخر) : أن يكون فرضا منسوخا : ازيل بغيره ، كما ازيل به غيره. وذلك لقول الله تعالى : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ) الآية (٤)

__________________

(١) تمام المتروك. (وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ ؛ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ ؛ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ، عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ ؛ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ).

(٢) فى بعض نسخ الرسالة (ص ١١٤). «فكان». فيكون جواب الشرط قوله فيما سبق. «فخفف». وعلى ما هنا ـ وهو الأظهر ـ يكون جواب الشرط قوله.«كان». فليتأمل.

(٣) فى الأصل. «أريد». وهو خطأ واضح ، والتصحيح عن الرسالة (ص ١١٥)

(٤) تمامها. (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً. ١٧ ـ ٧٩).

٥٥

واحتمل قوله : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ) : أن يتهجد بغير الذي فرض عليه : مما تيسر منه : فكان الواجب طلب الاستدلال بالسنة على أحد المعنيين ، فوجدنا سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) تدل على أن لا واجب من الصلاة إلا الخمس ، فصرنا : إلى أن الواجب الخمس ، وأن ما سواها : من واجب : من صلاة ، قبلها ـ منسوخ بها ، استدلالا بقول الله عز وجل : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ) فإنها (١) ناسخة لقيام الليل ، ونصفه ، وثلثه ، وما تيسر. ولسنا نحبّ لأحد ترك (٢) ، أن يتهجد بما يسره الله عليه : من كتابه ، مصليا [به] (٣) ، وكيفما أكثر فهو أحب إلينا». ثم ذكر حديث طلحة بن عبيد الله ، وعبادة بن الصامت ، فى الصلوات الخمس (٤).

أخبرنا أبو سعيد بن أبى عمرو ، ثنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال لنا الشافعي رحمه الله. فذكر معنى هذا بلفظ آخر (٥) ؛ ثم قال : «ويقال : نسخ ما وصفت المزمل (٦) ، بقول الله عز وجل : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) ، ودلوك الشمس : زوالها ؛ (إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ) : العتمة ، (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) : الصبح ، (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً* وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ

__________________

(١) فى الرسالة (ص ١١٦). «وأنها» ، ولعل ما هنا أصح.

(٢) كذا بالرسالة. وعبارة الأصل. «يترك» ، وهى خطأ ، أو لعل (أن) ناقصة من الناسخ. وعلى كل فعبارة الرسالة أحسن وأخصر.

(٣) الزيادة عن الرسالة.

(٤) انظره فى الرسالة (ص ١١٦ ـ ١١٧).

(٥) انظره فى الام (ج ١ ص ٥٩).

(٦) عبارة الام (ج ١ ص ٥٩) : «نسخت ما وصفت من المزمل». ولعل صحة العبارة ، نسخ ما وصفت من المزمل.

٥٦

نافِلَةً لَكَ : ١٧ ـ ٧٨ ، ٧٩) ، فأعلمه أن صلاة الليل نافلة لا فريضة ؛ وأن الفرائض فيما ذكر : من ليل أو نهار. قال الشافعي : ويقال : فى قول الله عز وجل : (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ) : المغرب والعشاء ؛ (وَحِينَ تُصْبِحُونَ) : الصبح ، (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا) : العصر ، (وَحِينَ تُظْهِرُونَ) : الظهر. قال الشافعي : وما أشبه ما قيل من هذا ، بما (١) قيل ، والله أعلم».

* * *

وبه (٢) قال : قال الشافعي : «أحكم الله (عز وجل) لكتابه (٣) : أن ما فرض ـ : من الصلوات. ـ موقوت ؛ والموقوت (والله أعلم) : الوقت الذي نصلى فيه ، وعددها. فقال جل ثناؤه : (إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً : ٤ ـ ١٠٣).

* * *

وبهذا الإسناد [قال] : قال الشافعي : قال الله تبارك وتعالى : (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى ، حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ : ٤ ـ ٤٣). قال : يقال : نزلت قبل تحريم الخمر. وأيّما (٤) كان نزولها : قبل تحريم الخمر

__________________

(١) كذا بالأصل والام ؛ أي. بما قيل فى شرح الآية السابقة.

(٢) أي. بالإسناد السابق.

(٣) كذا بالأصل ، وفى الام (ج ١ ص ٦١) : «كتابه». ولعل الصواب «أعلم الله عز وجل فى كتابه».

(٤) فى الأصل : «وإنما» وهو خطأ وتحريف من الناسخ. والتصحيح عن الأم (ج ١ ص ٦٠).

٥٧

أو بعد [ه] فمن صلى سكران : لم تجز صلاته ؛ لنهى الله (عز وجل) إياه عن الصلاة ، حتى يعلم ما يقول ؛ وإن (١) معقولا : أن الصلاة : قول ، وعمل ، وإمساك فى مواضع مختلفة. ولا يؤدى هذا كما أمر به ، إلا من عقله (٢)».

* * *

وبهذا الإسناد ، قال : قال الشافعي : «قال الله تبارك وتعالى : (وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً : ٥ ـ ٥٨) ؛ وقال : (إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ : ٦٢ ـ ٩) فذكر الله الأذان للصلاة ، وذكر يوم الجمعة. فكان بينا (والله أعلم) : أنه أراد المكتوبة بالآيتين (٣) معا ؛ وسنّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الأذان للمكتوبات [ولم يحفظ عنه أحد علمته : أنه أمر بالأذان لغير صلاة مكتوبة (٤)]».

* * *

أنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، ثنا سفيان بن عيينة ، عن ابن أبى نجيح ، عن مجاهد [فى قوله (٥) : (وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ : ٩٤ ـ ٤) ؛ قال : «لا أذكر إلا ذكرت [معى (٦)] : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله». قال الشافعي : «يعنى

__________________

(١) كذا بالأصل وبالأم ، ولعل الأصح : «وكان».

(٢) عبارة الأم : «ولا يؤدى هذا إلا من أمر به ممن عقله» وما هنا أوضح.

(٣) بالأصل : «بالاثنين». وهو تحريف من الناسخ ، والتصحيح عن الأم (ج ١ ص ٧١).

(٤) زيادة عن الأم لزيادة الفائدة.

(٥) زيادة للايضاح ، عن الرسالة (ص ١٦).

(٦) زيادة للايضاح ، عن الرسالة (ص ١٦).

٥٨

(والله أعلم : ذكره عند الإيمان بالله والأذان ؛ ويحتمل : ذكره عند تلاوة القرآن ، وعند العمل بالطاعة ، والوقوف عن المعصية».

فضل التعجيل بالصلوات واحتج فى فضل التعجيل بالصلوات ـ بقول الله عز وجل : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ : ١٧ ـ ٧٨) ؛ ودلوكها : ميلها. (١) وبقوله : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) : ٢٠ ـ ١٤) ؛ وبقوله : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ : ٢ ـ ٢٣٨) ؛ والمحافظة على الشيء : تعجيله.

وقال فى موضع آخر (٢) : «ومن قدم الصلاة فى أول وقتها ، كان أولى بالمحافظة عليها ممن أخرها عن أول وقتها (٣)».

وقال فى قوله (وَالصَّلاةِ الْوُسْطى ٢ ـ ٢٣٨) ـ : «فذهبنا : إلى أنها الصبح. [وكان أقل ما فى الصبح (٤)] إن لم تكن هي ـ : أن تكون مما أمرنا بالمحافظة عليه.».

وذكر ـ فى رواية المزني ، وحرملة ـ حديث أبى يونس مولى عائشة (رضى الله عنها) أنها أملت عليه : (حافظوا على الصلوات ، والصلاة الوسطى ، وصلاة العصر» ، ثم قالت : «سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم (٥)» قال الشافعي : «فحديث عائشة يدل على أن الصلاة الوسطى ، ليست صلاة

__________________

(١) هذا من كلام الشافعي كما فى السنن الكبرى للبيهقى.

(٢) من الرسالة (ص ٢٨٩).

(٣) عبارة الرسالة : «الوقت». وهى أحسن.

(٤) زيادة عن اختلاف الحديث بهامش الأم (ج ٧ ص ٢٠٨) ، يتوقف عليها فهم الكلام وصحته.

(٥) انظر السنن الكبرى للبيهقى (ج ١ ص ٤٦٢)

٥٩

العصر. قال : واختلف بعض أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، فروى عن على ، وروى (١) عن ابن عباس : أنها الصبح ؛ وإلى هذا نذهب. وروى عن زيد بن ثابت : الظهر ؛ وعن غيره : العصر». وروى فيه حديثا (٢) عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال الشيخ (٣) : «الذي رواه الشافعي فى ذلك ، عن على ، وابن عباس : فيما رواه مالك فى الموطأ عنهما فيما بلغه (٤) ؛ ورويناه موصولا عن ابن عباس وابن عمر (٥) ، وهو قول عطاء ، وطاووس ، ومجاهد ، وعكرمة (٦)».«وروينا عن عاصم ، عن زر بن حبيش ، عن على (رضي الله عنه) ، قال : «كنا نرى أنها صلاة الفجر ، حتى سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوم الأحزاب : يقول : «شغلونا عن صلاة الوسطى ، صلاة العصر (٧) ؛ حتى غابت الشمس ، ملأ الله قبورهم وأجوافهم نارا». وروايته فى ذلك ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم صحيحة ، عن عبيدة السلماني ، وغيره عنه ، وعن مرة ، عن ابن مسعود. وبه قال أبىّ بن كعب ، وأبو أيوب ، وأبو هريرة ، وعبد الله

__________________

(١) لعل ذكرها للتأكيد ، أو زيادة من الناسخ.

(٢) ينظر : أقائل هذا الشافعي؟ أم البيهقي؟. فليتامل.

(٣) أي : الحافظ البيهقي. وهذا من كلام أحد رواة هذا الكتاب عنه ، كما هى عادة أكثر المتقدمين.

(٤) انظر السنن الكبرى للبيهقى (ج ١ ص ٤٦١ ـ ٤٦٢)

(٥) انظر السنن الكبرى للبيهقى (ج ١ ص ٤٦١ ـ ٤٦٢)

(٦) انظر السنن الكبرى للبيهقى (ج ١ ص ٤٦١ ـ ٤٦٢)

(٧) هذا اللفظ غير موجود فى حديث على برواية زر عنه. وإنما وجد فى حديثه برواية شتير العبسي عنه ، وفى حديث ابن مسعود وسمرة. راجع السنن الكبرى [ج ١ ص ٤٦٠]

٦٠