أحكام القرآن - ج ١

أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي

أحكام القرآن - ج ١

المؤلف:

أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٢٠
الجزء ١ الجزء ٢

«وهذا : يشبه قول الله (عز وجل) فى الزانيين : (وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ : ٢٤ ـ ٢) (١).».

وقال (٢) ـ فى قوله عز وجل : (فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ : ٤ ـ ١٠٢). ـ : «الطائفة : ثلاثة فأكثر.».

وإنما قال ذلك : لأن القصد من صلاة النبي (صلى الله عليه وسلم) بهم : حصول فضيلة الجماعة (٣) لهم. وأقلّ الجماعة إقامة : ثلاثة (٤). فاستحب (٥) : أن يكونوا ثلاثة فصاعدا.

وذكر (٦) جهة استحبابه : أن يكونوا أربعة فى الحدود. وليس ذلك : بتوقيف (٧) ، فى الموضعين جميعا.

* * *

__________________

(١) انظر ما قاله ـ فى الأم والمختصر ـ بعد ذلك : لفائدته الكبيرة.

(٢) كما فى المختصر والأم (ج ١ ص ١٤٣ و ١٩٤).

(٣) أي : صلاتها.

(٤) أي : أقل الجمع تقوما وتحققا ذلك ؛ على المذهب الراجح المشهور. فليس المراد بالجماعة الصلاة : لأن انعقادها لا يتوقف على أكثر من اثنين ؛ ولأنه كان الأولى حينئذ أن يقول : وأقلها. ولا يقال : إن «ثلاثة» محرف عن «اثنان» ؛ لأن التعليل حينئذ لا يتفق مع أصل الدعوي. كما لا يقال : إن «إقامة» محرف عن «إثابة» ؛ لأن ثواب الجماعة يتحقق بانعقادها كما هو معروف. ويقوى ذلك : أن الشافعي فسر الطائفة فى الآية (أيضا) ـ فى اختلاف الحديث (ص ٢٤٤) ـ : بأنها الجماعة ، لا : الإمام الواحد. والمراد : الجمع ، قطعا. فتدبر.

(٥) أي : الشافعي رضى الله عنه.

(٦) بل عن اجتهاد منه. وفى الأصل : «بتوقيت». وهو تحريف.

(٧) بل عن اجتهاد منه. وفى الأصل : «بتوقيت». وهو تحريف.

٢٤١

 «ما يؤثر عنه فى العدّة ، وفى الرّضاع ، وفى النّفقات»

(أنا) أبو عبد الله الحافظ (قرأت عليه) : أنا أبو العباس (١) ، أنا الربيع ، أنا الشافعي (رحمه الله) ، قال (٢) : «قال الله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ (٣) : ٢ ـ ٢٢٨)

«قالت (٤) عائشة (رضى الله عنها) : الأقراء (٥) : الأطهار ؛ [فإذا طعنت فى الدم : من الحيضة الثالثة ؛ فقد حلّت (٦)]. وقال بمثل (٧) معنى

__________________

(١) فى الأصل : «أنا الربيع ، أنا أبو العباس». والتقديم من الناسخ.

(٢) كما فى الرسالة (ص ٥٦٢ ـ ٥٦٨).

(٣) هذه قراءة الجمهور. وقرأ الزهري ونافع : بتشديد الواو ، بغير همز. وهو : جمع «قرء» : بفتح القاف وضمها : وإن كان الفتح هو المشهور الذي اقتصر عليه جمهور أهل اللغة. ولا خلاف : فى أنه يستعمل لغة ، فى كل : من الطهر والحيض. ولا خلاف كذلك : فى أنه يستعمل شرعا فيهما : وإن زعم خلافه الزاعمون ، وادعى عدم استعماله شرعا فى الطهر المدعون. وإنما الخلاف ـ عند الصحابة وفقهاء الأمة ـ : فى كونه ؛ فى العدة ، الطهر أو الحيض. وهو خلاف ناشىء عن الاختلاف فى الاستعمال اللغوي. وقد نص على ذلك ، الأئمة الثقات : الذين يؤخذ بكلامهم ، ويعتد بحكمهم.

(٤) فى الرسالة : «فقالت».

(٥) هذا جمع قلة ، والقروء جمع كثرة. وقد ورد فى الآية ، بدل الأول : توسعا.

وهناك جمع ثالث فى أدنى العدد ، وهو : أقرؤ.

(٦) هذه زيادة جيدة مفيدة ، عن الأم (ج ٧ ص ٢٤٥). وقد رويت بألفاظ مختلفة عن عائشة ومن معها.

(٧) كذا بالرسالة ؛ وفى الأصل : «كمثل» ؛ وهو تحريف.

٢٤٢

قولها ، زيد بن ثانت ، وعبد الله بن عمر ، وغيرهما (١)

«وقال نفر ـ : من أصحاب النبي (٢) صلى الله عليه وسلم. ـ : الأقراء : الحيض ؛ فلا تحلّ المطلقة (٣) : حتى تغتسل من الحيضة الثالثة.»

__________________

(١) كالقاسم بن محمد ، وسالم بن عبد الله ، وأبى بكر بن عبد الرحمن ، وسليمان بن يسار ، وسائر الفقهاء السبعة ، وأبان بن عثمان ، والزهري ، وعامة فقهاء أهل المدينة ، ومالك ، وأحمد فى إحدى الروايتين عنه. انظر الأم (ج ٥ ص ١٩١ ـ ١٩٢ وج ٧ ص ٢٤٥) ، والمختصر (ج ٥ ص ٤) ، والسنن الكبرى (ج ٧ ص ٤١٤ ـ ٤١٦) ، وشرح الموطأ للزرقانى (ج ٣ ص ٢٠٣ ـ ٢٠٥) وزاد المعاد (ج ٤ ص ١٨٥) ، وتهذيب اللغات للنووى (ج ٢ ص ٨٥).

(٢) كالخلفاء الأربعة ، وابن عباس ، وابن مسعود ، وأبى بن كعب ، ومعاذ بن جبل ، وعبادة بن الصامت ، وأبى الدرداء ، وأبى موسى الأشعري. وقد وافقهم على ذلك ، كثير من التابعين والمفتين : كابن المسيب ، وابن جبير ، وطاوس ، والحسن ، وشريح ، وقتادة ، وعلقمة ، والأسود بن يزيد ، وإبراهيم النخعي ، والشعبي ، وعمرو بن دينار ، ومجاهد ، ومقاتل ، والثوري ، والأوزاعى ، وأبى حنيفة ، وزفر ، وإسحق بن راهويه ، وأحمد فى أصح الروايتين عنه ؛ والشافعي فى القديم ، وأبى عبيد القاسم بن سلام : (وإن روى فى شرح القاموس ـ مادة : قرأ ـ : أنه رجع عنه بعد أن ناظره الشافعي وأقنعه.). أنظر الأم (ج ٧ ص ٢٤٥) ، واختلاف الحديث (ص ١٤٦) ، وشرح مسلم للنووى (ج ١٠ ص ٦٢ ـ ٦٣) ، وتهذيب اللغات (ج ٢ ص ٨٥) ، وشرح الزرقانى على الموطأ (ج ٣ ص ٢٠٤) ، والسنن الكبرى (ج ٧ ص ٤١٦ ـ ٤١٨) ، وزاد المعاد (ج ٤ ص ١٨٤ ـ ١٨٥).

(٣) كذا بكثير من نسخ الرسالة. وفى الأصل : «فلا يحل للمطلقة» ولعله محرف. وفى الأم (ج ٧ ص ٢٤٥) : «لا تحل المرأة». وفى نسختى الربيع وابن جماعة : «فلا يحلوا المطلقة» (على حذف النون تخفيفا). أي : لا يحكمون بحلها. ولا نستبعد ـ مع صحته ـ : أنه محرف عما أثبت.

٢٤٣

ثم ذكر الشافعي حجة القولين (١) ، واختار الأول (٢) ؛ واستدل عليه : «بأن النبي (صلى الله عليه وسلم) أمر عمر (رضى الله عنه) ـ حين طلق ابن عمر امرأته : حائضا. ـ : أن يأمره : برجعتها [وحبسها (٣)] حتى تطهر ثم يطلقها : طاهرا ، من غير جماع. وقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : «فتلك العدة : التي أمر الله (عز وجل) : أن يطلّق (٤) لها النساء.»

قال الشافعي : «[يعنى (٥)] ـ والله أعلم ـ : قول الله عز وجل : (إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ : فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ : ٦٥ ـ ١) ؛ فأخبر النبىّ (صلى الله عليه وسلم) ـ عن الله عز وجل ـ : أن العدّة : الطّهر ، دون الحيض (٦)

__________________

(١) راجع كلامه فى الرسالة (ص ٥٦٣ ـ ٥٦٦) : ففيه فوائد جمة.

(٢) أنظر الرسالة (ص ٥٦٩) ، والمختصر والأم (ج ٥ ص ٢ ـ ٤ و ١٩١ ـ ١٩٢). وراجع فى الأم (ج ٥ ص ٨٩) كلامه فى الفرق بين اختياره هذا ، وما ذهب إليه فى الاستبراء : من أنه طهر ثم حيضة. فهو مفيد هنا وفيما ذكر فى الرسالة (ص ٥٧١ ـ ٥٧٢) : مما لم يذكر فى الأصل.

(٣) زيادة مفيدة ، عن الرسالة (ص ٥٦٧).

(٤) فى الأم (ج ٥ ص ١٦٢ و ١٩١) : «تطلق». وحديث ابن عمر هذا ، قد روى من طرق عدة ، وبألفاظ مختلفة. فراجعه فى الأم والمختصر ، واختلاف الحديث (ص ٣١٦) ، والسنن الكبرى (ج ٧ ص ٣٢٣ ـ ٣٢٧ و ٤١٤) ، وشرح الموطأ للزرقانى (ج ٣ ص ٢٠٠ ـ ٢٠٢ و ٢١٨) ، وفتح الباري (ج ٩ ص ٢٧٦ ـ ٢٨٥ و ٣٩١) ، وشرح مسلم للنووى (ج ١٠ ص ٥٩ ـ ٦٩) ، ومعالم السنن (ج ٣ ص ٢٣١)

(٥) أي : الرسول. والزيادة عن الرسالة (ص ٥٦٧) ، والجملة الاعتراضية مؤخر فيها عن المفعول.

(٦) قال الشافعي بعد ذلك (كما فى المختصر والأم : (ج ٥ ص ٣ و ١٩١) : «وقرأ (فطلقوهن لقبل عدتهن) ؛ وهو : أن يطلقها طاهرا. لأنها حينئذ تستقبل عدتها.

٢٤٤

__________________

ولو طلقت حائضا : لم تكن مستقبلة عدتها ، إلا من بعد الحيض.». ا هـ. وانظر زاد المعاد (ج ٤ ص ١٩٠) وأقول :

قوله تعالى : (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) ـ بقطع النظر عن كون ما روى فى الأم والمختصر ، والموطأ وصحيح مسلم ، عن النبي أو غيره ، من قوله : «فى قبل ، أو لقبل عدتهن» ؛ قراءة أخرى ، أو تفسيرا ـ : مؤول فى نظر أصحاب المذهبين جميعا ، على معنى : فطلقوهن مستقبلات عدتهن.

إلا أن الشافعي قد فهم بحق : أن الاستقبال على الفور ، لا على التراخي ؛ وأن ذلك لا يتحقق إلا : إذا كانت العدة الطهر.

لأنه وجد : أن الشارع قد نهى عن الطلاق فى الحيض ، وأقره فى الطهر. ووجد : أن الإجماع قد انعقد : على أن الحيض الذي وقع فيه الطلاق ، لا يحسب من العدة. وأدرك : أن النهى إنما هو لمنع ضرر طول الانتظار ، عن المرأة.

فلو لم يكن الاستقبال على الفور ـ : بأن كان على التراخي. ـ : للزم (أولا) : عدم النهى عن الطلاق فى الحيض ؛ لكون المطلقة فيه : مستقبلة عدتها (أيضا) على التراخي. وللزم (ثانيا) : أن يتحقق فى الطلاق السنى ، المعنى : الذي من أجله حصل النهى فى الطلاق البدعى. وليس بمعقول : أن ينهى الشارع عنه ـ فى حالة ـ لعلة خاصة ، ثم يجيزه فى حالة أخرى ، مع وجودها.

وعلى هذا ، فتفيد الآية : أن الأقراء هى : الأطهار ؛ ويكون معناها : فطلقوهن فى وقت عدتهن ، أي : فى الوقت الذي يشرعن فيه فى العدة ، ويستقبلها فورا عقب صدور الطلاق. وهذا لا يكون إلا : إذا كانت العدة نفس الطهر.

ولا يعكر على هذا : أن الشافعي قد ذهب : إلى أن طلاق الحائض يقع ؛ فلا يتحقق فيه : استقبال العدة فورا.

لأن الكلام إنما هو : بالنظر إلى معنى الآية الكريمة ، وبالنظر إلى الطلاق الذي لم يتعلق نهى به. وكون الاستقبال فورا يتخلف فى طلاق الحائض ، إنما هو : لأن الزوج قد أساء فارتكب المنهي عنه.

ولكى تتأكد مما ذكرنا ، وتطمئن إليه ـ يكفى : أن تتأمل قول الشافعي الذي

٢٤٥

واحتج : «بأن الله (عز وجل) قال : (ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) ؛ ولا معنى للغسل (١) : لأن الغسل رابع (٢).».

واحتج : «بأن الحيض ، هو : أن يرخى الرّحم الدم حتى يظهر (٣) ؛

__________________

صدرنا به الكلام ؛ وترجع إلى ما ذكره فى الأم (ج ٥ ص ١٦٢ ـ ١٦٣ و ١٩١) ، وما ذكره كل : من الخطابي فى معالم السنن (ج ٣ ص ٢٣١ ـ ٢٣٢) ، والنووي فى شرح مسلم (ج ١٠ ص ٦٢ و ٦٧ ـ ٦٨) ، وابن حجر فى الفتح (ج ٩ ص ٢٧٦ و ٢٨١ و ٣٨٦) ، والزرقانى فى شرح الموطأ (ج ٣ ص ٢٠٢ و ٢١٨)

وبذلك ، يتبين : أن ما ذكره الشيخ شاكر فى تعليقه على الرسالة (ص ٥٦٧ ـ ٥٦٨) : كلام تافه لا يعتد به ، ولا يلتفت إليه. وأنه لم يصدر عن إدراك صحيح لرأى الشافعي ومن إليه فى الآية ؛ وإنما صدر عن تسرع فى فهمه ، وتقليد لابن القيم وغيره. وبهما أخطأ من أخطأ ، وأغفل من أغفل.

أما كلامه (ص ٥٦٩) عن الاكتفاء فى العدة ببقية الطهر ، ومحاولته إلزام القائلين به : أن يكتفوا ببقية الشهر ، لمن تعتد بالأشهر. ـ : فنا شىء عن تأثره بكلام ابن رشد ، وعدم إدراكه الفرق الواضح بين الشهر والطهر ؛ وأن الشهر : منضبط محدد ، لا يختلف باختلاف الأشخاص ؛ بخلاف الطهر : الذي يطلق لغة على كل الزمن الخالي من الحيض ، وعلى بعضه ولو لحظة : وإن زعم ابن القيم فى زاد المعاد (ج ٤ ص ١٨٦) : أنه غير معقول إذ يكفى فى القضاء على زعمه هذا ، ما ذكره النووي فى شرح مسلم (ج ١٠ ص ٦٣) ؛ فراجعه. على أن فى ذلك اللازم ، خلافا وتفصيلا مشهورا بين المتحيرة وغيرها : كما فى شرح المحلى للمنهاج (ج ٤ ص ٤١ ـ ٤٢).

وأما كلامه (ص ٥٧٠ ـ ٥٧١) عن عدة الأمة ـ : فمن الضعف الواضح ، والخطأ الفاضح : بحيث لا يستحق الرد عليه ؛ ويكفى أنه اشتمل على ما ينقضه ويبطله.

(١) قال فى المختصر (ج ٥ ص ٤) : «وليس فى الكتاب ، ولا في السنة ـ للغسل بعد الحيضة الثالثة ـ معنى : تنقضى به العدة.».

(٢) فى الأصل : «رافع». وهو تحريف. والتصحيح عن الرسالة (ص ٥٦٨). وراجع كلامه فيها لأن ما فى الأصل مختصر.

(٣) كذا بالرسالة (ص ٥٦٦). وفى الأصل : «يطهر». وهو تحريف.

٢٤٦

والطّهر هو : أن يقرى الرحم الدم ، فلا يظهر (١). فالقرء (٢) : الحبس ؛ لا : الإرسال. فالطهر ـ : إذا (٣) كان يكون وقتا. ـ أولى (٤) فى اللسان ، بمعنى القرء ؛ لأنه (٥) : حبس الدم.» وأطال الكلام فى شرحه (٦).

* * *

(أنبأنى) أبو عبد الله (إجازة) : أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (٧) : «قال الله جل ثناؤه (٨) : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ. بِأَنْفُسِهِنَّ

__________________

(١) كذا بالرسالة (ص ٥٦٦). وفى الأصل : «يطهر». وهو تحريف.

(٢) كذا بالأصل ومعظم نسخ الرسالة (وعبارتها : ويكون الطهر والقرء إلخ). وفى نسخة الربيع بالياء. وكلاهما صحيح ، ومصدر لقرى ، بمعنى جمع : وإن كان يائيا. كما يدل عليه كلام الزجاج المذكور فى تهذيب اللغات (ج ٢ ص ٨٦) ، واللسان (ج ١ ص ١٢٦) ، وشرح القاموس (ج ١ ص ١٠٢). ومصدر الفعل اليائى ، ليس بلازم : أن يكون يائيا ؛ كما هو معروف. على أن القرء ـ مصدر «قرأ» ـ قد ورد بمعنى الجمع والحبس أيضا ؛ فلا يلزم إذن : أن يكون الشافعي قد أراد هنا مصدر اليائى. على أن كلام الشافعي نفسه ـ فى المختصر والأم (ج ٥ ص ٣ و ١٩١) ـ يقضى على كل شبهة وجدل ؛ حيث يقول : «والقرء اسم وضع لمعنى ؛ فلما كان الحيض : دما يرخيه الرحم فيخرج ؛ والطهر : دما يحتبس فلا يخرج ـ : كان معروفا من لسان العرب : أن القرء : الحبس ؛ تقول العرب : هو يقرى الماء فى حوضه وفى سقائه ؛ وتقول : هو يقرى الطعام فى شدقه.». وانظر زاد المعاد (ج ٤ ص ١٩٠).

(٣) كذا بالأصل وأكثر نسخ الرسالة ؛ وهو الظاهر. أي : إذا جرينا على أنه وقت العدة. وفى نسختى الربيع وابن جماعة : «إذ».

(٤) كذا بالرسالة. وفى الأصل : «أوتى» ؛ وهو خطأ وتحريف.

(٥) كذا بالرسالة. أي : الطهر. وفى الأصل : «ولأنه» ؛ والزيادة من الناسخ.

(٦) فى صفحه (٥٦٧ ـ ٥٧٢) حيث ذكر بعض ما تقدم ، وغيره.

(٧) كما فى الأم (ج ٥ ص ١٩٥).

(٨) فى الأم زيادة : «فى الآية الكريمة التي ذكر فيها المطلقات ذوات الأقراء».

٢٤٧

ثَلاثَةَ قُرُوءٍ (١) ؛ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ : أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ ؛ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) الآية (٢)

«قال الشافعي (رحمه الله) : فكان (٣) بيّنا فى الآية ـ بالتنزيل (٤) ـ : أنه لا يحل للمطلّقة : أن تكتم ما فى رحمها : من المحيض. فقد يحدث له (٥) ـ عند خوفه انقضاء عدّتها ـ رأى فى نكاحها (٦) ؛ أو يكون طلاقه إياها : أدبا [لها (٧)].».

ثم ساق الكلام (٨) ، إلى أن قال : «وكان ذلك يحتمل : الحمل مع المحيض (٩) ؛ لأن الحمل : مما (١٠) خلق الله فى أرحامهن.»

«فإذا (١١) سأل الرجل امرأته المطلّقة : أحامل هى؟ أو هل حاضت؟ ـ :

__________________

(١) فى الأم بعد ذلك : «الآية».

(٢) تمامها : (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ : إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً ؛ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ، وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ؛ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ : ٢ ـ ٢٢٨).

(٣) فى السنن الكبرى (ج ٧ ص ٤٢٠) : «وكان».

(٤) كذا بالأم والسنن الكبرى ، أي : بما اشتملت عليه ، بدون ما حاجة إلى دليل آخر كالسنة. وعبارة الأصل هى : «فكان بينا الآية فى التنزيل» ؛ وفيها تقديم وتحريف.

(٥) كذا بالأصل. وفى الأم : «وذلك أن يحدث للزوج». والأول أظهر.

(٦) فى الأم : «ارتجاعها» ؛ والمعنى واحد.

(٧) زيادة حسنة ، عن الأم ، قال بعدها : «لا إرادة أن تبين منه».

(٨) حيث قال : «فلتعلمه ذلك : لئلا تنقضى عدتها ، فلا يكون له سبيل إلى رجعتها.».

(٩) فى الأم والسنن الكبرى : «الحيض» ؛ ومعناهما واحد هنا.

(١٠) كذا بالأم. وفى الأصل : «ما». ولعله محرف.

(١١) فى الأم : «وإذا». وما فى الأصل أحسن.

٢٤٨

فهى (١) عندى ، لا (٢) يحل لها : أن تكتمه (٣) ولا أحدا رأت أن (٤) يعلمه.»

«[وإن لم يسألها ، ولا أحد يعلمه إياه (٥)] : فأحبّ إلىّ : لو أخبرته به.».

ثم ساق الكلام (٦) ، إلى أن قال : «ولو كتمته بعد المسألة ، [الحمل والأقراء (٧)] حتى خلت عدّتها ـ : كانت عندى ، آثمة بالكتمان [: إذ سئلت وكتمت (٨)] ـ وخفت عليها الإثم : إذا كتمت (٩) وإن لم تسأل. ـ ولم (١٠) يكن [له (١١).] عليها رجعة : لأن الله (عز وجل) إنما جعلها له حتي تنقضى عدتها. (١٢)».

وروى الشافعي (رحمه الله) ـ فى ذلك ـ قول عطاء ، ومجاهد (١٣) وهو منقول فى كتاب (المبسوط) و (المعرفة).

* * *

__________________

(١) فى الأم : «فبين».

(٢) فى الأم : «أن لا».

(٣) فى الأم زيادة : «واحدا منهما».

(٤) عبارة الأم : «أنه يعلمه إياه».

(٥) زيادة متعينة ، عن الأم.

(٦) راجع الأم (ص ١٩٥)

(٧) زيادة حسنة مفيدة ، عن الأم.

(٨) زيادة حسنة مفيدة ، عن الأم.

(٩) فى الأم : «كتمته».

(١٠) كذا بالأم. وفى الأصل : «لم» ؛ وهو خطأ ، والنقص من الناسخ.

(١١) زيادة حسنة مفيدة ، عن الأم.

(١٢) قال فى الأم ، بعد ذلك : «فإذا انقضت عدتها فلا رجعة له عليها».

(١٣) انظر الأم (ص ١٩٥ ـ ١٩٦) ، وفتح الباري (ج ٩ ص ٣٩٠) ، والسنن الكبرى. وانظر فيها أيضا ما روى عن عكرمة وإبراهيم النخعي.

٢٤٩

وبهذا الإسناد ، قال : قال الشافعي (١) (رحمه الله) : «سمعت من أرضى ـ : من أهل العلم (٢) ـ يقول : إن أول ما أنزل الله (عز وجل) ـ : من العدد. ـ : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ : ٢ ـ ٢٢٨) ؛ فلم يعلموا : ما عدّة المرأة [التي (٣)] لا قرء (٤) لها؟ وهى : التي لا تحيض ، والحامل (٥). فأنزل الله عز وجل : (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ : مِنْ نِسائِكُمْ ؛ إِنِ ارْتَبْتُمْ : فَعِدَّتُهُنَّ : ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ (٦) ؛ [وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ : ٦٥ ـ ٤) ؛ فجعل عدّة المؤيسة والتي لم تحض : ثلاثة أشهر (٧).] وقوله (٨) : (إن ارتبتم) : فلم تدروا (٩) : ما تعتدّ غير ذوات الأقراء؟ ـ وقال : (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ (١٠) أَجَلُهُنَّ : أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ : ٦٥ ـ ٤) (١١)

__________________

(١) كما فى الأم (ج ٥ ص ١٩٦).

(٢) قد أخرجه فى السنن الكبرى (ج ٧ ص ٤٢٠) عن أبى بن كعب ، بلفظ مختلف

(٣) زيادة حسنة ، عن الأم.

(٤) فى الأم : «أقراء».

(٥) عبارة الأم : «ولا الحامل» (بالعطف على المرأة). وهى وإن كانت صحيحة ، إلا أنها توهم : أن الحامل من ذوات الأقراء ؛ مع أن أقراءها تهمل إذا ما تبين حملها كما هو مقرر ؛ فتأمل.

(٦) راجع فى الأم (ج ٥ ص ١٩٤ ـ ١٩٥) كلامه عن هذا : فهو مفيد جدا.

(٧) الزيادة عن الأم ، ونرجح أنها سقطت هنا من الناسخ.

(٨) هذا الى قوله : الأقراء ، يظهر أنه من كلام الشافعي نفسه ، لا مما سمعه. انظر السنن الكبرى

(٩) كذا بالأم والسنن الكبرى. وفى الأصل : «يدروا». وهو تحريف فى الغالب.

(١٠) راجع فى الرسالة (ص ٥٧٢ ـ ٥٧٥) : كلامه عن عدة الحامل المتوفى عنها زوجها ، وخلاف الصحابة فى ذلك. فهو مفيد فيما سيأتى قريبا.

(١١) انظر فى السنن الكبرى (ج ٧ ص ٤٢١). حديث أم كلثوم بنت عقبة.

٢٥٠

«قال الشافعي : وهذا (والله أعلم) يشبه (١) ما قالوا.».

* * *

وبهذا الإسناد ، قال : قال الشافعي (٢) : «قال الله تبارك وتعالى : (إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ، ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَ (٣) ـ : فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ : مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها : ٣٣ ـ ٤٩) (٤)

«وكان (٥) بيّنا فى حكم الله (عز وجل) : أن لا عدّة على المطلقة قبل أن تمسّ ، وأن المسيس [هو (٦)] الإصابة. [ولم أعلم خلافا فى هذا (٧)]».

وذكر الآيات فى العدة (٨) ، ثم قال : «فكان بيّنا فى حكم الله (عز وجل) من يوم يقع الطلاق ، وتكون الوفاة.».

وبهذا الإسناد ، قال : قال الشافعي (٩) : «قال الله عز وجل : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ ، وَيَذَرُونَ أَزْواجاً : وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ : مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ

__________________

(١) كذا بالأم. وفى الأصل : «فى هذا ... شبه» ؛ وهو تحريف.

(٢) كما فى الأم (ج ٥ ص ١٩٧).

(٣) راجع فى مسئلة الطلاق قبل النكاح ، فتح الباري (ج ٩ ص ٣٠٦ ـ ٣١٢) : فهو مشتمل على أمور هامة ، تفيد فيما سبق (ص ٢١٩ ـ ٢٢٠).

(٤) راجع فى السنن الكبرى (ج ٧ ص ٤٢٤ ـ ٤٢٦) : ما روى عن ابن عباس وشريح ، فى هذا.

(٥) فى الأم : «فكان».

(٦) زيادة حسنة مفيدة ، عن الأم. وانظر فيها ما قاله بعد ذلك. وراجع ما تقدم (ص ٢٠٢ ـ ٢٠٣)

(٧) زيادة حسنة مفيدة ، عن الأم. وانظر فيها ما قاله بعد ذلك. وراجع ما تقدم (ص ٢٠٢ ـ ٢٠٣)

(٨) وهى ـ كما فى (ص ١٩٨) ـ : آيتا البقرة (٢٢٨ و ٢٣٤) ، وآية الطلاق (٤).

(٩) كما فى الأم (ج ٥ ص ٢٠٥). وقد ذكر بعضه فى السنن الكبرى (ج ٧ ص ٤٢٧).

٢٥١

 غَيْرَ إِخْراجٍ ؛ فَإِنْ (١) خَرَجْنَ : فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما فَعَلْنَ. فِي أَنْفُسِهِنَّ : مِنْ مَعْرُوفٍ : ٢ ـ ٢٤٠)

«قال الشافعي : حفظت عن غير واحد ـ : من أهل العلم بالقرآن. ـ : أن هذه الآية نزلت قبل نزول آية (٢) المواريث ، وأنها منسوخة (٣)

«وكان بعضهم ، يذهب : إلى أنها نزلت مع الوصيّة للوالدين والأقربين ، وأنّ وصيّة المرأة محدودة بمتاع سنة ـ وذلك : نفقتها ، وكسوتها ، وسكنها (٤). ـ وأن قد حظر على أهل زوجها إخراجها ، ولم يحظر عليها أن تخرج (٥)

«قال : وكان مذهبهم : أن الوصيّة لها : بالمتاع إلى الحول والسّكنى ؛ منسوخة (٦)». يعنى : بآية المواريث (٧).

__________________

(١) فى الأم : «الآية».

(٢) فى الأم والسنن الكبرى : «آي».

(٣) فى الأم بعد ذلك ، كلام يفيد أنه قد وضح كلام من نقل عنهم. وراجع فى الرسالة (ص ١٣٨ ـ ١٣٩) كلامه المتعلق بهذا المقام.

(٤) ذكر فى الأم (ج ٤ ص ٢٨) : أنه لم يحفظ خلافا عن أحد فى ذلك. وانظر فى السنن الكبرى (ج ٧ ص ٤٣٠ و ٤٣٤ ـ ٤٣٥) ما يتعلق بهذا البحث.

(٥) قال فى الأم ، بعد ذلك : «ولم يحرج زوجها ولا وارثه ، بخروجها : إذا كان غير إخراج منهم لها ؛ ولا هى : لأنها إنما هي تاركة لحق لها.». وقد ذكره بأوسع وأوضح فى الأم (ج ٤ ص ٢٨) فراجعه.

(٦) قال فى الأم (ج ٤ ص ٢٨) : «حفظت عمن أرضى ... أن نفقة المتوفى عنها زوجها ، وكسوتها حولا : منسوخ بآية المواريث.». ثم ذكر الآية.

(٧) عبارة الأم هى : «بأن الله تعالى ورثها الربع : إن لم يكن لزوجها ولد ؛ والثمن : إن كان له ولد.»

٢٥٢

«و [بيّن (١)] : أن الله (عز وجل) أثبت عليها عدة : أربعة أشهر

__________________

(١) هذه الزيادة عن الأم ، وبدونها قد يفهم : أن الناسخ للوصية بالمتاع ، آيتا الميراث والاعتداد بالأشهر. مع أنه آية الميراث فقط.

ولأوضح ذلك وأزيده فائدة ، أقول فى اختصار : إن الآية تضمنت أمرين : الوصية بالمتاع ، والاعتداد بالحول.

(أما الأول) : فلا خلاف (على ما أرجح) : فى أنه منسوخ ، وإنما الخلاف : فى أن الناسخ : آية الميراث ، أو حديث : «لا وصية لوارث». كما فى (الناسخ والمنسوخ) للنحاس (ص ٧٧). وهو خلاف لا أهمية له هنا. بل صرح الشافعي فى الأم ـ بعد ذلك ـ : بأنه لا يعلم خلافا فى أن الوصية بالمتاع منسوخة بالميراث. وصرح : بأنه الناسخ. ابن عباس وعطاء ، فيما روى عنهما : فى الناسخ والمنسوخ (ص ٧٣) ، والسنن الكبرى (ج ٧ ص ٤٢٧ و ٤٣١ و ٤٣٥).

وقد يعترض : بأن الخلاف قد وقع بينهم : فى لزوم سكنى المتوفى عنها. فنقول : انهم قد اتفقوا على أن كلا ـ : من النفقة والكسوة. ـ قد نسخ : فى الحول كله ، وفيما دونه. ولما كان السكنى قد ذكر مع النفقة ـ : بسبب أنه يصدق عليه اسم المتاع. ـ : جاز أن يكونوا قد اتفقوا على أنه منسوخ مطلقا أيضا ، وجاز : أن يكونوا قد اختلفوا : فى أنه منسوخ كذلك ، أو في الحول فقط. فعلي الفرض الثاني ، يكون لزوم السكنى ـ عند القائل به ـ ثابتا. بأصل الآية : وعلى الفرض الأول ، يكون ثابتا : بالقياس على المطلقة المعتدة ، الثابت سكناها بآية : (لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ : ٦٥ ـ ١) ، لأن المتوفى عنها فى معناها. أو بقول النبي للفريعة (أخت أبى سعيد الخدري) : «امكثى فى بيتك ، حتى يبلغ الكتاب أجله». أو : بهما معا. وحينئذ : فيكون الخلاف قد وقع فقط فى كون القياس والحديث يدلان على لزوم السكنى ، أم لا. وقد أشار الشافعي الى ذلك كله ، وبين أكثره فى الأم (ج ٤ ص ٢٨ وج ٥ ص ٢٠٨ ـ ٢٠٩).

(وأما الثاني) : فذهب الجمهور : إلى أنه منسوخ بآية الاعتداد بالأشهر. وهو المختار. وذهب بعضهم : الى أنه لا نسخ فى ذلك ، وانما هو نقصان من الحول. وذهب بعض آخر : الى أنه لا نسخ فيه ، ولا نقصان. وهما مذهبان فى غاية الضعف ، وقد بين ذلك أبو جعفر في الناسخ والمنسوخ (ص ٧٤ ـ ٧٦).

٢٥٣

وعشرا ؛ ليس لها الخيار فى الخروج منها ، ولا النكاح قبلها (١). إلا : أن تكون حاملا ؛ فيكون أجلها : أن تضع حملها : [بعد أو قرب. ويسقط بوضع حملها : عدة أربعة أشهر وعشر (٢).]».

وله ـ فى سكنى المتوفّي عنها ـ قول آخر (٣) : «أن الاختيار لورثته (٤) : أن يسكنوها ؛ وإن (٥) لم يفعلوا (٦) : فقد ملكو المال دونه (٧).». وقد (٨) رويناه عن عطاء ، ورواه [الشافعي عن (٩)] الشّعبىّ [عن علىّ (١٠)].

__________________

(١) قال فى الأم ، بعد ذلك : «ودلت سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : على أن عليها أن تمكث فى بيت زوجها ، حتى يبلغ الكتاب أجله.».

(٢) زيادة حسنة مفيدة عن الأم ؛ وانظر ما قاله بعد ذلك : ففيه فوائد جمة. وانظر فى السنن الكبرى (ج ٧ ص ٤٢٨ ـ ٤٣٠) ما ورد فى ذلك : من الأحاديث والآثار.

ثم انظر ما رد به أبو جعفر النحاس ـ فى الناسخ والمنسوخ (ص ٧٤) ـ على من زعم : أن العدة آخر الأجلين. فهو فى غاية القوة والجودة.

(٣) كما فى الأم (ج ٥ ص ٢٠٩) ، والمختصر (ج ٥ ص ٣٠ ـ ٣١).

(٤) فى المختصر : «للورثة».

(٥) فى المختصر : «فإن». وهو أحسن.

(٦) فى الأم زيادة : «هذا».

(٧) قال فى الأم ، بعد ذلك : «ولم يكن لها السكنى حين كان ميتا لا يملك شيئا ؛ ولا سكنى لها : كما لا نفقة لها.». وانظر فى الأم (ج ٥ ص ٢٠٨) كلامه : فى الفرق بين المطلقة المعتدة والمتوفى عنها.

(٨) فى الأصل : «فإن». ولعله محرف عن نحو ما أثبتنا ، أو يكون فى الكلام حذف. فتأمل.

(٩) هذه الزيادة يتوقف عليها صحة الكلام وتوضيحه. وانظر السنن الكبرى (ج ٧ ص ٤٣٥ ـ ٤٣٦).

(١٠) هذه الزيادة يتوقف عليها صحة الكلام وتوضيحه. وانظر السنن الكبرى (ج ٧ ص ٤٣٥ ـ ٤٣٦).

٢٥٤

(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (١) : «قال الله (عز وجل) فى المطلّقات : (لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَ (٢) ، وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا : أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ : ٦٥ ـ ١).»

«قال الشافعي : والفاحشة (٣) : أن تبذو (٤) على أهل زوجها ، فيأتى من ذلك : ما يخاف (٥) الشقاق بينها وبينهم.»

«فإذا فعلت : حلّ لهم (٦) إخراجها ؛ وكان عليهم (٧) : أن ينزلوها منزلا غيره (٨).». وروي الشافعي معناه (٩) ـ بإسناده ـ عن ابن عباس (١٠).

__________________

(١) كما فى الأم (ج ٥ ص ٢١٧).

(٢) راجع فى الأم (ج ٥ ص ٢١٦ ـ ٢١٧) كلامه فى سكنى المطلقات : فهو مفيد جدا.

(٣) هذا إلى آخر الكلام ، غير موجود بالأم ؛ ونرجح أنه سقط من نسخها. ولم نعثر عليه فى مكان آخر من الأم وسائر كتب الشافعي.

(٤) في الأصل : «تبدوا» ؛ وهو تحريف

(٥) أي منه وبسببه. وكثيرا ما يحذف مثل هذا

(٦) أي : للأزواج المخاطبين فى الآية.

(٧) أي : للأزواج المخاطبين فى الآية.

(٨) قال فى الأم (ص ٢١٨) : «فاذا ابذت المرأة على أهل زوجها ، فجأء من بذائها ما يخاف تساعر بذاءة إلى تساعر الشر ـ : فلزوجها ، إن كان حاضرا : إخراج أهله عنها ؛ فإن لم يخرجهم : أخرجها إلى منزل غير منزله فحصنها فيه.» إلخ فراجعه فانه مفيد.

(٩) بلفظ : «الفاحشة المبينة : أن تبذو على أهل زوجها ، فإذا بذت : فقد حل إخراجها.». وانظر مسند الشافعي (بهامش الأم : ج ٦ ص ٢٢٠) ، والسنن الكبرى (ج ٧ ص ٤٣١ ـ ٤٣٢).

(١٠) ثم قال ـ كما فى الأم (ص ٢١٨) ، والسنن الكبرى (ص ٤٣٢) ـ : «وسنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ـ فى حديث فاطمة بنت قيس ـ تدل : على أن ما تأول ابن عباس ، فى قول الله عز وجل : (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) ؛ هو : البذاء على أهل زوجها ؛ كما تأول إن شاء الله تعالى». وانظر الأم (ج ٥ ص ٩٨) ، والمختصر (ج ٥ ص ٢٧ ـ ٢٩). وراجع قصة فاطمة ، فى السنن الكبرى (ص ٤٣٢ ـ ٤٣٤) ، وفتح الباري (ج ٩ ص ٣٨٦ ـ ٣٩٠)

٢٥٥

(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس الأصمّ ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال (١) : «قال الله عز وجل : (وَأُمَّهاتُكُمُ : اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ ، وَأَخَواتُكُمْ : مِنَ الرَّضاعَةِ : ٤ ـ ٢٣)

«قال الشافعي : حرم (٢) الله (عز وجل) الأمّ (٣) والأخت : من الرّضاعة ؛ واحتمل تحريمهما (٤) معنين.»

«(أحدهما) ـ : إذ (٥) ذكر الله تحريم الأم والأخت من الرّضاعة ، فأقامهما (٦) : فى التحريم ، مقام الأم والأخت من النسب. ـ : أن تكون الرّضاعة كلّها ، تقوم مقام النسب : فما حرم بالنسب حرم بالرّضاعة مثله.»

«وبهذا ، نقول (٧) : بدلالة سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، والقياس على القرآن (٨)

«(والآخر) : أن يحرم (٩) من الرضاع الأمّ والأخت ، ولا يحرم سواهما.».

__________________

(١) كما فى الأم. (ج ٥ ص ٢٠).

(٢) فى الأم : «وحرم» ، وقبله كلام لم يذكر هنا ، فراجعه.

(٣) كذا بالأصل ؛ ولم يذكر فى الأم. ولعله سقط من الناسخ : إذ قد ذكر فيها (ص ١٣٢).

(٤) فى الأصل : «تحريمها» ، وفى الأم : «فاحتمل تحريمها». وكلاهما محرف. والتصحيح عن الأم (ص ١٣٢) ، وقد ذكر هناك المعنيين الآتيين بأوسع مما هنا.

(٥) كذا بالأم ، وهو الظاهر. وفى الأصل : «إذا».

(٦) كذا بالأم. وفى الأصل : «فأقامها» ؛ وهو تحريف.

(٧) فى الأصل : «يقول» ؛ وهو خطأ وتحريف. والتصحيح عن الأم.

(٨) راجع ما تقدم (ص ١٨٢).

(٩) كذا بالأم ، وهو الظاهر المناسب : فتأمل. وفى الأصل : «تحرم».

٢٥٦

ثم ذكر دلالة السنة ، لما اختار : من المعنى الأول (١).

قال الشافعي (٢) (رحمه الله) : «والرّضاع اسم جامع ، يقع : على المصّة ، وأكثر منها (٣) : إلى كمال إرضاع الحولين. ويقع (٤) : على كل رضاع : وإن كان بعد الحولين (٥)

«فاستدللنا (٦) : أن المراد بتحريم الرّضاع : بعض المرضعين (٧) ، دون بعض. لا (٨) : من لزمه اسم : رضاع.».

وجعل نظير ذلك : آية (٩) السارق والسارقة ، وآية (١٠) الزاني والزانية (١١) وذكر الحجة فى وقوع التحريم بخمس رضعات (١٢).

__________________

(١) أنظر الأم (ج ٥ ص ٢٠ ـ ٢١ و ١٣٣) ، والمختصر (ج ٥ ص ٤٨ ـ ٤٩).

(٢) كما فى الأم (ج ٥ ص ٢٣ ـ ٢٤) ، والمختصر (ج ٥ ص ٤٩ ـ ٥١)

(٣) هذا ليس بالمختصر.

(٤) فى المختصر : «وعلى».

(٥) فى المختصر ، بعد ذلك : «فوجب طلب الدلالة فى ذلك». وانظر الأم.

(٦) عبارة الأم (ص ٢٤) : «فهكذا استدللنا بسنة رسول الله» ، أي : بما ذكره قبل ذلك : من حديث عائشة ، وابن الزبير ، وسالم بن عبد الله.

(٧) كذا بالأم والمختصر. وفى الأصل : «الوصفين» ؛ وهو تحريف.

(٨) كذا بالأم. وفى الأصل : «ومن» ؛ وهو خطأ وتحريف.

(٩) سورة المائدة : (٣٨).

(١٠) سورة النور : (٢).

(١١) أنظر كلامه عن هذا ، فى الأم (ص ٢٤) ، والمختصر (ص ٥٠).

(١٢) أنظر الأم (ص ٢٣ ـ ٢٤) ، والمختصر (ص ٤٩ ـ ٥١). وأنظر السنن الكبرى (ج ٧ ص ٤٥٣ ـ ٤٥٧). وراجع بتأمل ما كتبه صاحب الجوهر النقي.

٢٥٧

واحتجّ فى الحولين (١) بقول الله (عز وجل) : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ ، لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ : ٢ ـ ٢٣٣).

[ثم قال (٢)] : «فجعل (عز وجل) تمام الرّضاعة : حولين [كاملين (٣)] ؛ وقال : (فَإِنْ أَرادا فِصالاً عَنْ تَراضٍ مِنْهُما ، وَتَشاوُرٍ : فَلا جُناحَ عَلَيْهِما : ٢ ـ ٢٣٣) ؛ يعنى (والله أعلم) : قبل الحولين.»

«فدلّ إرخاصه (جل ثناؤه) ـ : فى فصال المولود ، عن تراضي والديه وتشاورهما ، قبل الحولين ـ : على أن ذلك إنما يكون : باجتماعهما على فصاله ، قبل الحولين (٤)

«وذلك لا يكون (والله أعلم) إلا بالنظر للمولود من والديه : أن يكونا يريان : فصاله (٥) قبل الحولين ، خيرا من إتمام الرّضاع له لعلة

__________________

(١) كما فى الأم (ص ٢٤ ـ ٢٥). وقد تعرض لذلك ، فى المختصر (ص ٥١ ـ ٥٢). وراجع فى هذا المقام ، السنن الكبرى (ج ٧ ص ٤٤٢ ـ ٤٤٣ و ٤٦٢ ـ ٤٦٣).

(٢) تبيينا للدلالة ، وتتميما لها. وهذه الزيادة حسنة منبهة.

(٣) زيادة جيدة ، عن الأم.

(٤) من قوله : فدل ، إلى هنا ـ قد ورد هكذا فى الأصل. وهو صحيح فى غاية الظهور. وعبارة الأم هى : «فدل على أن إرخاصه (عز وجل) : فى فصال الحولين ؛ على أن ذلك إنما يكون باجتماعهما على فصاله قبل الحولين». والظاهر : أن فيها زيادة ونقصا ؛ فتأمل.

(٥) فى الأم : «ان فصاله قبل الحولين خير له».

٢٥٨

تكون به ، أو بمرضعه (١) ـ : وإنه لا يقبل رضاع غيرها. ـ وما (٢) أشبه هذا.»

«وما جعل الله (تعالى) له ، غاية ـ [فالحكم (٣)] بعد مضيّ الغاية ، فيه : غيره قبل مضيّها. قال (٤) الله عز وجل : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ : ٢ ـ ٢٢٨) ؛ فحكمهنّ (٥) ـ بعد مضىّ ثلاثة أقراء ـ : غير حكمهن (٦) فيها. وقال تعالى : (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ : فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ (٧) : ٤ ـ ١٠١) ؛ فكان لهم : أن يقصروا مسافرين ؛ وكان ـ فى شرط القصر لهم : بحال موصوفة. ـ دليل : على أن حكمهم فى غير تلك الصفة : غير القصر (٨)».

__________________

(١) فى الأم : «أو بمرضعته». وفى الأصل : «أو لمرضعه» ؛ وهو محرف عما أثبتناه وكلاهما صحيح على رأى الجمهور. ويتعين هنا ما فى الأم : على رأي الفراء وجماعة. أنظر المصباح (مادة : رضع).

(٢) فى الأم : «أو ما».

(٣) زيادة متعينة ، عن الأم. وعبارة المختصر (ص ٥٢) هى : «وما جعل له غاية ، فالحكم بعد مضى الغاية : خلاف الحكم قبل الغاية.».

(٤) كلام الأم هنا ، قد ورد على صورة سؤال وجواب ؛ وقد تأخر فيه هذا القول ، عن القول الآتي بعد.

(٥) عبارة الأم هى : «فكن إذا مضت الثلاثة الأقراء ، فحكمهن بعد مضيها غير» إلخ. وعبارة المختصر : «فإذا مضت الأقراء ، فحكمهن بعد مضيها خلاف» إلخ.

(٦) فى الأصل : «حكمين» ، وهو تحريف.

(٧) فى الأم زيادة : «الآية».

(٨) أنظر كلامه بعد ذلك ـ فى الأم (ص ٢٥) ـ عن حديث سالم ، وغيره ، فهو مفيد

٢٥٩

(أنا) أبو عبد الله الحافظ (قراءء عليه) : نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (١) : «قال الله عز وجل : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ : مَثْنى (٢) ، وَثُلاثَ ، وَرُباعَ. فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا : فَواحِدَةً ، أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ. ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا : ٤ ـ ٣)

«قال : وقول (٣) الله عز وجل : (ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا) ؛ يدل (والله أعلم) : على (٤) أن على الزوج (٥) ، نفقة امرأته (٦)

«وقوله : (ألّا تعولو) ؛ أي (٧) : لا يكثر من تعولوا (٨) ، إذا اقتصر

__________________

(١) كما فى الأم (ج ٥ ص ٩٥).

(٢) فى الأم : «إلى تعولوا».

(٣) قال فى الأم (ج ٥ ص ٧٨) : «وفى قول الله فى النساء ... بيان : أن على الزوج مالا غنى بامرأته عنه : من نفقة وكسوة وسكنى.» إلخ. فراجعه : فإنه مفيد خصوصا فى مسئلة الإجارة الآتية قريبا. وراجع المختصر (ج ٥ ص ٦٧).

(٤) هذا غير موجود بالأم.

(٥) فى الأم : «الرجل».

(٦) قال فى الأم (ج ٥ ص ٦٦) ـ بعد أن ذكر نحو ذلك ـ : «ودلت عليه السنة» : من حديث هند بنت عتبة ، وغيره. وذكر نحو ذلك فى الأم (ص ٧٩). وراجع الأم (ص ٧٧ ـ ٧٨ و ٩٥).

(٧) كذا بالأصل والمختصر (ص ٦٦). ولا ذكر له فى السنن الكبرى (ج ٧ ص ٤٦٥). وعبارة الأم : «أن». والكل صحيح.

(٨) كذا بالأصل ، والسنن الكبرى ، والجوهر النقي. وفى الأم والمختصر : «تعولون». وما أثبتنا ـ وإن كان صحيحا ـ ليس ببعيد أن يكون محرفا. وقد روى فى السنن الكبرى (ج ٧ ص ٤٦٦) ـ عن أبى عمر صاحب ثعلب ـ أنه قال : «سمعت ثعلبا يقول ـ فى قول الشافعي : (ذلك أدنى أن لا تعولوا) أي : لا يكثر عيالكم. ـ قال : أحسن ؛ هو : لغة». وراجع ما كتبه على قول الشافعي هذا ، صاحب الجوهر النقي (ص ٤٦٥ ـ ٤٦٦) : ففيه فوائد جمة.

٢٦٠