عارفا بحقّكم

السيد علي الشهرستاني

عارفا بحقّكم

المؤلف:

السيد علي الشهرستاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة المؤمل الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٣٥

١
٢

٣
٤

الإهداء

إلى كُلِّ الأنبياء الّذين زاروا أرض كربلاء.

إلى خاتم النبيين وسيد المرسلين ووالد الأئمة الطاهرين.

إلى سيّد الأوصياء ، وفاطمة الزهراء ، وذريّتهما المعصومين النجباء.

إلى من جعل الله الشفاء في تربته ، والأئمّة من ذريته ، وإجابة الدعاء تحت قبّته.

إلى التراب الزاكي المُبْتَلِّ بدماء الشهداء.

إلى أجدادي المدفونين عند الشهداء وغيرهم من العلماء والصلحاء.

إلى التربة الّتي وُلِدْتُ فيها ، وآمُلُ أن أُحشر منها ليوم الجزاء.

أهدي ثواب هذا الكتاب

المؤلّف

٥
٦

بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

مقدمة المؤلف

الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمد وآله الطاهرين ، ولعنة الله على أعداءهم أجمعين.

ما هي الزيارة؟ وما الفائدة المرجوّة منها؟ ولِمَ كلّ هذا التأكيد علي عظيم اجرها في روايات أئمّة أهل البيت؟ وهل أن الزيارة تقرّبنا إلى الله ، أم تُبعّدنا منه کما يقولوه الآخرون؟ وهل حقّاً أنّها عبادةٌ من دون الله كما يتهموننا أم أنّها عبادةٌ لله؟

ولمَ تُبعّدنا زيارات الأنبياء والأوصياء والأولياء عن الله؟ ألم يكن أُولئك (عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ)(١).

وكيف لا نرجو عظيم الثواب في زيارة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الّذي ... (دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى) (٢) وقد وصل إلى ما لم يصل إليه جبرئيل الأمين عليه‌السلام ، حين عُروجه إلى السماء ، اذان رسول الله طلب من جبرئيل أن يستمر معه في العروج فاعتذر عليه‌السلام للنبيّ محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله قائلاً : «لو دنوتُ أنملةً لاحترقتُ» (٣).

ألا يدلّ هذا النصُّ وأمثاله على تفضيل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على جبرئيل الأمين وقُربه إلى الله القرب المطلق الّذي لم يبلغه أحد من الملائکة المقربين ولا الأنبياء المرسلين؟!

________________

١ ـ الأنبياء : ٢٦ و ٢٧.

٢ ـ النجم : ٨ ـ ٩.

٣ ـ تفسير الرازي ٢٨ : ٢٥١ ، تفسير ابن عربي ٢ : ٢٧٦ ، حلية الأولياء ٥ : ٥٥ ، بحار الأنوار ١٨ : ٣٨٢.

٧

نعم ، صرّح الرسول : بأنّه أفضل من جميع الملائکة فقال : أنا أفضل من جبرئيل وميكائيل ومن إسرافيل ومن جميع الملائكة المقربين وأنا خير البرية وسيّد ولد آدم (١).

وهذا القرب وهذه المنزلة نراها أيضاً لوصيّه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام الّذي هو نفس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كما في نصّ آية المباهلة (وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ) (٢) ، ومن المطهّرين كما في آية التطهير (٣) ، ومن الّذين أمرنا الله بمودّتهم ومحبّتهم كما في آية المودّة (٤) ونحوها ، فمعناه : أنّه أفضل من جبرئيل الأمين ومن غيره من الملائکة المقربين.

بل في کلام الرسول ما يؤکد ذلك مثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن أطاع عليّاً فقد أطاعني ، من عصى عليّاً فقد عصاني» (٥).

ألا يعني هذا الکلام من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّ إرادة الإمام عليّ منبعثة من إرادة الله ، وكراهته منبعثة من كراهة الله ، ولا يمكن أن تتخلّف إحداهما عن الأُخرى ؛ إذ لو أمكن تصور الخلف فيه لكان قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من أطاعه فقد أطاع الله» ، خطأً ، و «من عصاه فقد عصى الله» باطلاً ، والعياذ بالله.

جئنا بهذا المدخل لنؤکّد عل لزوم معرفة الأئمة حين الزيارة وبعدها وأن

________________

١ ـ بحار الأنوار ٢٦ : ٣٤٨ / ٢٠ وانظر ينابيع المودة ٣ : ٣٧٧.

٢ ـ آل عمران : ٦١ ، انظر تفسير الرازي ٨ : ٧٢ ، في تفسير آية المباهلة ، وكذا ابن كثير في تفسيره ١ : ٣٧٢.

٣ ـ الأحزاب : ٣٣ ، انظر صحيح مسلم ٤ : ١٨٨٣ / ٢٤٢٤ ، المستدرك على الصحيحين ٢ : ٤٥١ / ٣٥٥٨.

٤ ـ الشورى : ٢٣.

٥ ـ المستدرك على الصحيحين ٣ : ٢١.

٨

لا تکون شهادتنا بعرفان حقّهم وقولنا : «عارفاً بحقكم» تمنيا ورجاءً ، بل يجب أن يکون إنشاءً ووقوعاً؛ لأن الزيارة العارفة لا تتحقق إلا بعد المعرفة الکاملة ، وتلك تحتاج إل مقدمات علمية ومعرفية وه مبحوثة في مسائل الإمامة ، فبحثنا هو عن الإمامة وهو وإن لم يكن بحثاً كلامياً صرفاً إلا أنّه يمتاز عليه بالصياغة المعارفية والإشارة إلى الأسرار الولائية ، لأنا سنتعرف عل مکانة الإمام عند الله ، وأن زيارته هي مما حبذها الله للمؤمنين ، وأن ذلك هو جزاء ما بذلوه من تضحيات في سبيل نشر الدعوة الإسلامية ، وهو عهد في أعناقنا يجب الوفاء به أي أنّها ضريبة إلهية يجب أن نؤديها لهم.

إذن موضوع الزيارة يرتبط بموضوع المعرفة ، إذ أن الزيارة العارفة لا تتحقق إلا بعد المعرفة الکاملة بمکانة المزور عند الله ، وأن توضيح هذا الجانب ينفع الزائر في تعزيز الأسس العقائدية وتقوية الجانب الولائي في نفسه مضافاً إلى أنّ العلم بواقع الزيارة ومقامات المزور وما للزائر من كرامة ومنزلة عند الله يشحن الموالي علماً ومعرفة بمقام ساداته الذين رفعهم الله في قوله تبارك وتعالى : (يَرْفَعُ اللّهُ الذينَ آمَنوا مِنْكُمْ وَالذينَ أُوتوا العِلْمَ دَرَجاتٍ) (١) ومن هنا يكون الزائر الذي هو أكثر بصيرة أكثر ثوابا وأعظم أجراً عند الله.

ثمّ إنّ الزائر لو عرف بأن زيارته للإمام هو مما أوجبه العقل والشرع عليه لسع جاداً لتحقيق ذلك.

وأن الله سبحانه قد أکّد في کتابه عل الولايات الثلاث فقال سبحانه : (أَطيعوا اللّهَ وَأَطيعوا الرَسولَ وَأولي الأَمْرِ مِنْكُمْ) (٢) وقوله تعال :

________________

١ ـ المجادلة : ١١.

٢ ـ النساء : ٥٩.

٩

(إِنَّما وَلِيَكُمُ اللّهُ وَرَسولَهُ وَالذينَ آمَنوا ....) (١).

وقد جاء هذا المعن واضحاً في کلام الإمام الباقر في تفسير قوله تعال : (فِطْرَتَ اللّهِ اَلتي فَطَرَ الناسَ عَلَيْها) (٢) فقال : هو لا إله إلا الله ، محمّد رسول الله ، علي أمير المؤمنين ، إل هاهنا التوحيد (٣).

وأن کلام الله لا يمکن أن يبينه إلا رسوله ، وبما أنّ الإمام علي وأولاده المعصومون هم خلفاءه وأبواب علمه وأحد الثقلين الذين خلّفهم الله في أمته ، فالتعريف بالله ياتي من خلال آل بيته الطبين الطاهرين المنتجبين ، وقد أرشدنا الرسول إل لزوم أتباع العترة ، ومعناه أن الابتعاد عنهم هو ابتعاد عن النبي والإسلام ، وهو عين الضلالة والهلکة ، لأنه لا هد إلا بالقرآن والنبي والعترة ، فعلي مع القرآن والقرآن مع علي ، لا يفترقان حت يردا عليّ الحوض (٤).

فالسوال : لِمَ أعاد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جملة : «والقرآن مع عليّ» بعد أن قال : «عليّ مع القرآن» هل قالها تكرارا دون مغزى؟

حاشا أفصح من نطق بالضاد من التكرار عبثا! فهو صلى‌الله‌عليه‌وآله أراد أن يرشدنا إلى أنّ المقرون ليس أقلّ رتبةً من المقرون به ، فهما الثقلان اللّذان تركهما رسول الله فينا ، وهما مُتعادلان مكانةً وقيمةً.

بل إنّ مكانة أمير المؤمنين ووصيّ خاتم المرسلين أعظم من مكانة سائر الأنبياء فضلا عن الملائکة ، فعلى سبيل المثال لا الحصر أنّ الله سبحانه قال

________________

١ ـ المائدة : ٥٥.

٢ ـ الروم : ٣٠.

٣ ـ تفسير القم ٢ : ١٥٥.

٤ ـ المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٢٤ قال : صحيح ولم يخرجاه ، الجامع الصغير ٢ : ١٧٧ کنز العمّال ١١ : ٦٠٣.

٥ ـ المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٣٤ / ٤٦٢٧ ، المعجم الأوسط ٥ : ١٣٥ / ٤٨٨٠.

١٠

لأب الأنبياء إبراهيم عليه‌السلام (أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلكِن لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) (١) أمّا الإمام عليّ عليه‌السلام نفسه فقد قال : «لو كُشف لي الغطاءُ ما ازددتُ يقينا» وهذا يعن بلوغه عليه‌السلام المقام الأعل والمرتبة السانية ، وقد بين الإمام مکانته من رسول الله في قوله :

«... ولقد كان يُجاور في كلّ سنةٍ بحراء ، فأراهُ ولا يراهُ غيري ، ولم يجمع بيتٌ واحدٌ يومئذٍ في الإسلام غيرَ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وخديجة وأنا ثالثهما ، أرى نور الوحي والرسالة ، وأشمّ ريح النبوّة ، ولقد سمعتُ رنَّة الشيطان حين نزل الوحي عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله فقلت : يا رسول الله ، ما هذه الرنّة؟ فقال : هذا الشيطان قد أيس من عبادته ، إنّك تسمع ما أسمع وترى ما أرى ، إلاّ أنّك لست بنبيّ ، ولكنّك لوزير ، وإنّك لعلى خير ...» (٣).

ألا تدلّ هذه النصوص على قرب رسوله وأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب من الله وأنّ زيارتهما هي ممّـا يحبّه الله ورسوله؟!

وکذا هو حال الصدّيقة فاطمة الزهراء عليها‌السلام الّتي أوقف الله رضاه على رضاها فإن إيقاف الله جلّ جلاله رضاه عل رضا إنسان هو دليل على عصمته ، إذ كيف يُعقل أن يتعلّق رضا الله تعالى وغضبه برضا وغضب شخصٍ غير معصوم؟!

وكذا هو حال السبطين الحسن والحسين وسائر الأئمّة عليهم‌السلام ، فهم

________________

١ ـ البقرة : ٢٦٠.

٢ ـ تفسير أبي السعود ١ : ٥٦ ، ٤ : ٤ ، الصواعق المحرقة ٢ : ٣٧٩ ، حاشية السنديّ ٨ : ٩٦ ، المناقب لابن شهرآشوب ١ : ٣١٧ ، والفضائل لابن شاذان : ١٣٧.

٣ ـ نهج البلاغة الخطبة ٢ : ١٥٧ ، الخطبة ١٩٢.

٤ ـ تهذيب الكمال ٣٥ : ٢٥٠ ، الإصابة ٨ : ٥٦ ، عوالي اللئالي ٤ : ٩٣ / ١٣٢.

١١

جديرون بالزيارة ، لأنّهم أبناءُ رسول الله ومن خلفاه الاثني عشر (١) ولأن الشريعة لا تبق إلا بهم ، لأن رسول الله وآل بيته هم وحدة واحدة ويشير إليه قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لا تصلوا عليّ الصلاة البتراء بل قولوا : اللهم صل عل محمد وآل محمد» (٢) و «حسين مني وأنا من حسين» (٣) و «أنا وعل أبوا هذه الامة» (٤) و «أنه من وأنا منه» (٥) و «فاطمة أم أبيها» (٦) و «اذکرکم بأهل بيت ، اذکرکم بأهل بيت ، اذکرکم بأهل بيت» إل غيرها من الأخبار الدالة عل وحدة الملاك بين الرسول وأهل بيته.

فزيارة النبيّ الأكرم والأنوار الطاهرة من آله هي من صميم الدين ، والهدف من وضع هذه الرسالة هو تعريف المؤمن بمکانتهم الربانية على الحدود التي استلهمناها من مدرستهم ، وهي تأملات ولائية كانت لنا في بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية مع دفع لبعض الشبهات المطروحة حول الزيارة.

إذن الزيارة العارفة لا تتحقق إلا بالمعرفة الكاملة بالله وبرسوله وبأوصيائه ، ففي مختصر بصائر الدرجات : عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قوله : يا علي ما عرف الله إلا أنا وأنت ، وما عرفني إلا الله وأنت ، وما عرفك إلا الله وأنا (٧).

________________

١ ـ انظر صحيح مسلم ٣ : ١٤٥٢ ، المستدرك على الصحيحين ٣ : ٧١٥ / ٦٥٨٦ ، وجاء عن القاضي النعمان في شرح الأخبار ٣ : ٤٠٠ / ١٢٨٢ لن تهلك هذه الامّة حتّى يليها اثنا عشر خليفة كلهم من اهل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

٢ ـ الصواعق المحرقة : ١٤٦.

٣ ـ مسند احمد ٤ : ١٧٢ سنن ابن ماجة ١ : ٥١ / ١٤٤.

٤ ـ كمال الدين : ٢٦١ / ٧ العيون ٢ : ٨٥ / ٢٩ وانظر الروضة لابن شاذان : ١٣١.

٥ ـ مسند احمد ٥ : ٣٥٦ المعجم الکبير ١ : ٣١٨ / ٩٤١ کنز العمّال ١٣ : ١٤٤ / ٣٦٤٤٩.

٦ ـ المعجم الکبير للطبران ٢٢ : ٣٩٧ الاستيعاب ٤ : ١٨٩٩.

٧ ـ مختصر بصائر الدرجات للحسن بن سليمان الحل : ١٢٥.

١٢

وفي کتاب سليم بن قيس : يا علي ما عرف الله إلا بي ثم بك ومن جحد ولايتك جحد الله ربوبيته (١).

وقد رو الحاکم النيسابوري والسيوطي عن ابن مردويه ، عن أنس بن مالك وبريدة : قالا : قرأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هذه الآية : (في بُيوتٍ أَذِنَ اللّهُ أنْ تُرْفَع) (٢) ، فقام إليه رجل فقال : يا رسول الله أي بيوت هذه؟ فقال : بيوت الأنبياء ، فقام إليه أبو بکر فقال : يا رسول الله هذا البيت منها – لبيت علي وفاطمة – قال : نعم من أفاضلها.

وعن الإمام أبي جعفر الباقر عليه‌السلام أنه قال : «ه بيوت الأنبياء ، وبيت عل منها».

وذکر ابن البطريق في «خصائص الوح المبين» قول الباقر عليه‌السلام لقتادة : ويحك أتدر أين أنت؟ بين يد (بُيوتٍ أَذِنَ اللّهُ أنْ تُرْفَع وَيُذْكَر فيها اسُمُه يُسَبّح لَهُ فِيها بِالغُدُوِ وَالآصالِ رِجالٌ لا تُلهيهم تِجارَةٌ وَلا بَيعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ وِإقامَ الصلاةِ وَإيتاءَ الزَكاةِ) فأنت ثمّ ، ونحن أولئك.

وعليه فالتوحيد الصحيح لا يتحقق إلا عن طريق أهل البيت ، کما لا يمکن الاهتداء إليه إلا بواسطة هذا السراج والشعار والعلامة.

________________

١ ـ کتاب سليم بن قيس : ٣٧٨.

٢ ـ النور : ٣٦.

٣ ـ شواهد التنزيل ١ : ٣٣ ـ ٥٣٥ / ٥٦٦ ، ٥٦٧ ، ٥٦٨ ، الدر المنثور ٦ : ٢٠٣ ، تفسير الثعلب ٧ : ١٠٧. وانظر تفسير فرات الکوفي ٢٨٦ / ٣٨٦ ، وبحار الأنوار ٢٣ : ٣٢٥ ـ ٣٢٨ ، وشرح إحقاق الحق ٣ : ٥٥٨ ، ٩ : ١٣٧ ، ١٤ : ٤٢٢ ، ١٨ : ٥١٥ ، ٢٠ : ٧٣ والعمدة لابن البطريق : ٢٩١. والحديث في الروضة في فضائل أمير المؤمنين لشاذان بن جبرئيل : ٤٢ عن ابن عباس.

٤ ـ تفسير القم ٢ : ١٠٤ ، بحار الأنوار ٢٣ : ٣٢٧ / باب رفعة بيوتهم المقدسة ... / ٦.

٥ ـ خصائص الوح المبين : ١٨ ـ ١٩.

١٣

فكثيراً ما يسمع المسلم بعظيم أجر زياراتهم ولا يدري سبب وعلّة هذا التأكيد عليه ، فهو يزورهم تعبّداً بتلك الروايات ، راجياً مثوبة ربّ العالمين.

فلو عرف الحكمة والسبب لضوعف أجر زيارته ، ولدخل ضمن «من زارهم عارفاً بحقّهم وجبت له الجنّة» ، لأنّ من زارهم ـ وخصوصاً لزوار الإمام الحسين ـ فقد حفّته (١) وتلّقته الملائكة بالبشارة (٢) وشهدت له بالموافاة عند ربّ العالمين ، فلا يزور الحسين عليه‌السلام زائر إلاّ استقبلته الملائكة ، ولا ودّعه مودّع إلاّ شيّعته الملائكة ، ولا مرض زائر الحسين إلاّ عادوه ، ولا مات إلاّ صلّوا على جنازته ، واستغفروا له بعد موته. (٣)

وأن الله يخرج زائر الحسين بسبب زيارته من ذنوبه كيوم ولدته اُمّه (٤) ، وانّ الملائكة تشيعه في مسيره إلى الزيارة ، وترفرف على رأسه بأجنحتها (٥) ، وتستغفر له (٦) ، وتمسح وجوه المؤمنين بأيديهم (٧) وتصافحهم (٨) وأن الله يوكّل أربعة آلاف ملك من الملائكة يصلّون على زائر الحسين حتّى يوافي قبره (٩) وأن الله يكتبه في أعلى عليّين (١٠) ويكون من الصدّيقين (١) وبمنزلة من زار الله في

________________

١ ـ كامل الزيارات : ٤٤٤ و ٤٤٧ ، بحارالأنوار ٤٥ : ١٨٢ ، مستدرك الوسائل١٠ : ٢٢٩ و ٥٥.

٢ ـ كامل الزيارات : ٢٤٢ ، بحار الأنوار ١٠١ : ١٠.

٣ ـ انظر الكافي ٤ : ٥٨١ ، مستدرك الوسائل ١٠ : ٢٥٥.

٤ ـ أمالى الطوسي : ٤١٤ ، وسائل الشيعة ١٤ : ٤٣٥ و ٤٨٥ ، جامع أحاديث الشيعة ١٢ : ١١.

٥ ـ بحار الأنوار ٤٥ : ٢٢٤.

٦ ـ انظر نور العين في المشي إلى زيارة الحسين : ١٢٤.

٧ ـ وسائل الشيعة ١٠ : ٢٤٦.

٨ ـ كامل الزيارات : ١٧٦ ، بحار الأنوار ٤٥ : ٢٢٤.

٩ ـ كامل الزيارات : ٣٧٤ ـ ٣٧٧ ، بحار الأنوار ١٠١ : ١٦٣ ، مستدرك الوسائل ١٠ : ٢٩٩.

١٠ ـ كامل الزيارات : ٢٧٩ / ٤٣٩ ، ثواب الأعمال : ٨٥ ، الوسائل ١٤ : ٤١٧ / ١٩٤٩٢.

١٤

عرشه (٢) ومن محدّثي الله فوق عرشه (٣).

کلّ ذلك وأنّ الله وراء قضاء حوائج العبد ، وكفاية ما أهمّه من أمر دنياه وآخرته ، وأنّه ليجلب الرزق عليه ويخلف عليه ما أنفق بكل درهم عشرة آلاف من الدراهم (٤).

ولا استبعاد في كل ذلك ، لانّ الزائر العارف المشتاق لا يبخل من تقديم يده ورجله ونفسه قرباناً في سبيل الله ، فهو بعمله هذا يزلزل عرش الظالمين ، وکون عمله ذلك هو امتداد لصراع الحق مع الباطل وامتداد لضربة عليّ ومبارزته لعمرو بن عبد ودّ العامري يوم الخندق. (٥)

فلولاضربة عليّ لانتصر المشركون ، ولمزَّقوا القرآن ، ولقتلوا التوحيد والنبوة والقيم والمثل ، وقد بقيت آثار تلك الضربة بواسطة أولاده الطاهرين عليهم‌السلام وشيعتهم تأتي اُکلها کلّ حين بإذن ربهم.

والزائر العارف المشتاق کون بعمله قد دافع عن القيم ، وعن المظلومين والشهداء ، وبنى التاريخ الصحيح ، ولولا اصراره لاستحلَّ الطغاةُ محارمَ الدين ، ولمسخوه كما أراد يزيد عليه لعائن الله تعالى أن يفعله بالشريعة ، ولفقدت النبوة معالمها ، ولانسلخت قدسية القرآن ، فالزيارة العارفة هي الّتي بدّدت أحلام كُلّ الطغاة :

يريد المشركون ليطفئُوهُ

ويأبَى الله إلاّ أن يتمّـه

________________

١ ـ كامل الزيارات : ١٤٧ / ١٧٢.

٢ ـ كامل الزيارات : ٤٨ / ٢٦ ، امالى الصدوق : ٥٤٥ / ٧٢٨.

٣ ـ كامل الزيارات : ٢٦٧ ، جامع احاديث الشيعة ١٢ : ٣٥٥.

٤ ـ وسائل الشيعة ١٤ : ٤٤٢.

٥ ـ المستدرك على الصحيحين ٣ : ٣٤ / ٤٣٢٧ ، تفسير الرازي ٣٢ : ٣١ ، تاريخ بغداد ١٣ : ١٨ ، وفيه لمبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن عبدود يوم الخندق أفضل من عمل امّتي إلى يوم القيامة.

١٥

وبذلك يكون عمل الزائر هو من آثار عمل الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام يوم الخندق. وأعمال المجاهدين في صدر الإسلام ، وهذا ما تراه وهو يخاطب مواليه وعلى رأسهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيقول في زيارته له صلى‌الله‌عليه‌وآله :

أشهد انّك قد بلَّغت رسالات ربك ، ونصحت لأمّتك ، وجاهدت في سبيل الله ، وعبدت الله مخلصاً حتّى أتاك اليقين ، وأدّيت الّذي عليك من الحق ، وأنّك قد رؤفت بالمؤمنين وغلظت على الكافرين ، فبلغ الله بك أفضل عمل المكرمين. (١)

ويقول في زيارة أخرى :

أشهد انّك قد نصحت لأمّتك وجاهدت في سبيل الله ... (٢).

کما نراه يقول في زيارته لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام مخاطباً له بقوله :

أشهد انّك قد أقمت الصلاة ، وآتيت الزكاة ، وأمرت بالمعروف ، ونهيت عن المنكر ، واتَّبعت الرسول ، وتلوت الكتاب حقّ تلاوته ، ووفيت بعهد الله ، وجاهدت في الله حقّ جهاده ، ونصحت للّه ولرسوله ، وَجُدْتَ بنفسك صابراً مجاهداً عن دين الله ، مُوقِياً لرسوله ، طالباً ما عند الله ، راغباً فيما وعد الله من رضوانه ، مضيت للّذي كنت عليه شاهداً وشهيداً ومشهوداً ، فجزاك الله عن رسوله وعن الإسلام وأهله أفضل الجزاء (٣).

ويقول في زيارة أئمة البقيع :

أشهد أنّكم قد بلّغتم ، ونصحتم ، وصبرتم في ذات الله ، وكُذِّبْتُم وأُسيءَ

________________

١ ـ انظر مصباح المتهجّد : ٧٠٩.

٢ ـ الكافي ٤ : ٥٥٢ / ٣.

٣ ـ تهذيب الأحكام ٦ : ٢٦ / ٥٣.

١٦

إليكم فعفوتم (١).

ويقول في زيارة الإمام الحسين عليه‌السلام ـ المروية في الكافي ـ :

أشهد أنّك قد بلّغت عن الله ما أمرك به ، ولم تخش أحداً غيره ، وجاهدت في سبيله ، وعبدته صادقاً حتّى أتاكَ اليقين ... (٢).

کلّ هذه النصوص تشير إل الاهتمام بعنصر التضحية والجهاد عند الرسول والأئمة ، وأن زيارتنا لهم جاءت تقديراً لما بذلوه من جهد في سبيل الدعوة الإسلامية بکل ما اُوتوا من قوة ، صابرين في ذات الله ، مجاهدين عن دين الله ، موقين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بأنفسهم ، طالبين ما عند الله ، کل ذلك وهم يتحملون إساءة الجاهلين ، وتکذيب المغرضين کسباً لرض رب العالمين.

نعم ، إنّ زيارة الأئمّة عليهم‌السلام سيكون لها بالغ الأثر لو قرنت بالمعرفة والعلم والشهادة بأنّ أولئك الصفوة هم أصحاب المقام المحمود عند الله عزّ وجلّ.

فالزائر ، وإنّ كان بزيارته يحصل على ما رجاه من الله بقضاء الحوائج والمثوبة ، ويكون عمله – من خروجه من البيت إل رجوعه إليه ـ في طاعة الله وعبادته.

لكنّ هذا وحده لا يفيد ، بل عليه أن يعرف أمامه حق معرفته ، وأن عليه اداء ما فرض الله عليه من حقوق لهم في کتابه ، وأن زيارتهم هو تطبيق لذلك الأمر الإلهي من المودة لهم والتعاهد لقبورهم ، خصوصاً لما يقف على سعي الآخرين في إماتة هذا السراج والنور الوهاج ، إذ يجدّون أن يطفئوا نور الله ولكن الله يأبى إلاّ أن يتمّ نوره.

فجاء في الندبة الرائعة ـ التي وجهها إمام البلاغة علي بن أبي طالب بعد

________________

١ ـ مصباح المتهجّد : ٧١٣ / ٧٩٧.

٢ ـ الكافي ٤ : ٥٧٣ / ١.

١٧

وفاة فاطمة الزهراء إلى ابن عمّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، حيث أرسل دموعه على خدّيه وحوّل وجهه إلى قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ قال فيما قال :

سلام عليك يا رسول الله سلام مودّع لا سئم ولا قال ، فإن أنصرف فلا عن ملالة ، وإن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين ، والصبر أيمن وأجمل ، ولولا غلبة المستولين علينا لجعلت المقام عند قبرك لزاماً ، واللبث عنده معكوفاً ، ولأعولت إعوال الثكلى على جليل الرزية ، فبعين الله تدفن ابنتك سراً ... ولم يطل العهد ، ولم يخل منك الذكر ، فإلى الله يا رسول الله المشتكى ، وفيك أجمل العزاء ، وصلوات الله عليك وعليها ورحمة الله وبركاته (١).

وفي هذه الندبة التصريح بأنّ المستولين قللوا أو حاولوا التقليل من شأن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته ، وذلك بعد وفاته مباشرة ولما يخلق الذكر ، وأنّ أمير المؤمنين علياً لو استطاع لجعل مقام رسول الله في محلّه الرفيع الذي وضعه الله فيه ، لكنّ الظروف القاسية التي كانت محيطة به لم تتح له الفرصة ، فقلّ ذكر النبي عند من اشتغلوا بمشاغل الدنيا وتركوا النبي وذكره أو كادوا ، وهذا مما جعل الإمام يقول : لجعلت المقام عند قبرك لزاماً ، واللبث عنده معكوفاً.

إذن زيارة المعصومين هي طريق إلى نيل رضا الله تعالى وثوابه ، ولو تأمّلت في آدابها لرأيتها تؤكّد على التوحيد ولزوم القول مائة مرّة «الله أكبر» عند الدخول ، والقول : «بسم الله وبالله ، وفي سبيل الله ، وعلى ملّة رسول الله ،

________________

١ ـ مصنفات الشيخ المفيد ١٣ : ٢٨١ ـ ٢٨٢ المجلس ٣٣ ح ٧ ، أمالي الطوسي : ١١٠ ، الكافي ١ : ٤٥٩ ، دلائل الإمامة : ١٣٨.

٢ ـ انظر على سبيل المثال زيارة الحسين في إقبال الأعمال ٣ : ٤١ / فصل ٥٣ وزيارة المهدي عج في مصباح الكفعمي : ٤٩٥ وغيرها.

١٨

اللهمّ اغفر لي وارحمني وتُبْ عَلَيَّ إنَّكَ أنت التّوّاب الرّحيم» ، وهذا يعني بأن الزيارة فيها الشهادات الثلاث : لله بالتوحيد ، وللرسول بالنبوّة ، ثمّ الإقرار أخيراً بالإمامة والولاية لآل البيت عليهم‌السلام ، والطلب من الله بحقّ تلك الذوات الطاهرة غفران الذنوب وقضاء الحوائج.

فإنّ الإتيان بهذه الأُمور (٢) كمقدّمة للزيارة لها دلالاتها ، حيث إنّها تصقل النفوس وتُعِدُّها لطاعة الله ، وهي تعني أيضاً : بأن الأئمة عليهم‌السلام کانوا هادفين في بيان آداب الزيارة ، لأن فيها دفع لشبهات المفترين القائلين بأنّ الشيعة ـ نستجير بالله ـ يعبدون أئمّتهم من دون الله عزّ وجلّ.

إذن الزيارات هي إحدى مواطن ذکر الله وهي تربطنا بالله وکتابه وأنبياءه ورسله ، فهي كالمساجد وبيوت الله التي نصلي ونعبد الله فيها ، وهي ليست بأقل من الأماكن المقدسة والآثار المتبركة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الّتي كان يتبرك بها الصحابة.

فالزيارة هي مدرسة تُعلّمنا المفاهيم الإسلاميّة الأصيلة كالتوحيد والنبوّة والإمامة.

کما أنها تحكّم فينا الروح العالية والقيم الأخلاقيّة كالصبر والإيثار والتأسّي بالقدوة ، لأن الأئمة جاءوا لتطهير أنفسنا من الشرك والنفاق والفساد والخيانة ، ونحن حينما نخاطبهم بتلك المفاهيم نريد أن نقول لهم : أن زيارتهم هي تأتي «طيباً لخلقنا ، وطهارةً لأنفسنا ، وتزكيةً لنا ، وكفّارةً لذنوبنا» (٣).

فالزائر بعباراته تلك يريد أن يقول للإمام : جئناك كي نُبايعك ونُبايع

________________

١ ـ انظر مصباح المتهجّد : ٧٤١ في زيارة أمير المؤمنين ، وكامل الزيارات : ٥١٤ وعيون أخبار الرضا ١ : ٣٠٠ / ٦٨ في زيارة الرضا عليه‌السلام.

٢ ـ الإيمان بالله وبرسوله و ....

٣ ـ من لا يحضره الفقيه ٢ : ٦١٣ ، من الزيارة الجامعة.

١٩

القيم والمُثُلَ الّتي قُتلتَ من أجلها : «أشهد أنّك أقمت الصلاة ، وآتيت الزكاة ، وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر ، واتبعت الرسول وجاهدت في الله حقّ جهاده ، ...» (١).

كما أنّا نر الزائر يدعو بدعاء أهل الجنّة حين دخوله المشهد الشريف فيقول : «الحمد لله الّذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله» (٢). وفي هذا معنا عظيم.

أجل أن بحثنا لم يکن عن الزيارة فقط بل هو بحث عما يدعونا إل الزيارة ، وهو الارتباط بالقيم وأعظمها الإيمان بالله وبرسله وکتبه ونحن ننقل بعض النصوص من تلك الزيارات الكثيرة الواردة في الإمام الحسين بن عليّ عليها‌السلام كي نوقف الآخرين عل عمق التوحيد الموجود فيها الزيارات ، وأنّها تنفي الشرك من أساسه وتثبّت دعائم الدين ومفاهيمه وليست کما يقوله الآخرون عنا بأننا مشرکون.

فعن أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام قال : إذا أتيتَ قبر الحسين فائت الفُرات واغتسل بحيال قبره ، وتوجَّهْ إليه وعليك السَّكينة والوَقار ، حتّى تدخل الحائر مِن جانبه الشرقيّ ، وقُلْ حين تدخله :

«السَّلامُ عَلى مَلائِكَةِ الله المُقَرَّبين ، السَّلامُ عَلى مَلائكَةِ الله المُنْزَلينَ ، السَّلامُ عَلى مَلائِكَةِ الله المُرْدِفين ، السَّلامُ على ملائِكَة الله المُسَوِّمينَ ، السَّلامُ عَلى مَلائكَةِ الله الَّذينَ هُمْ في هذا الحائِر بإذْنِ الله مُقِيمونَ».

فإذا استقبلت قبر الحسين عليه‌السلام فقل :

«السَّلامُ عَلى رَسُولِ الله ، صَلَى الله عَلى مُحَمَّدٍ أمينِ الله عَلى رُسُلِهِ ،

________________

١ ـ الكافي ٤ : ٥٧٠ ، كامل الزيارات : ٩٨.

٢ ـ كامل الزيارات : ٩٦ ، من لا يحضره الفقيه ٢ : ٥٨٨.

٢٠