عارفا بحقّكم

السيد علي الشهرستاني

عارفا بحقّكم

المؤلف:

السيد علي الشهرستاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة المؤمل الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٣٥

وغيرها تدلّ عليه ، ولا يمكن دعوى الشعاريّة أو أنّه من الحرمات بالهوى والتشهّي ، بل يجب أن يستند إلى آية قرآنيّة أو حديث ثابت عن المعصوم.

وإنّك عرفت فيما مضى بأنّ مودّة أهل الكساء من العظيم الّذي له حرمة عند الله ، حيث أكّد سبحانه لزوم مودّتهم وأنّ هؤلاء الخمسة من أهل البيت قد طهّروا من الرجس ، وهم ظرف الرسالة ومستودع العلم ، وقد أخبر هؤلاء الخمسة بأنّ خلفاء الرسول الاثني عشر ـ بدءا بالإمام عليّ وختما بالمهديّ الموعود ـ هم المعصومون الّذين يجب الوفاء لهم وزيارتهم «فمن زارهم رغبةً في زيارتهم وتصديقا بما رَغَّبوا فيه كان أئمّتهم شفعاءهم يوم القيامة».

وعليه يجب علينا مودّة أهل البيت أحياءا كانوا أو أمواتا ، وإن لم يكن هؤلاء باعتقادنا أمواتاً (بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (١) ، يرون مقامنا ، ويسمعون كلامنا ، ويردّون سلامنا ، لأنّ رسول الله أمرنا بمودّتهم ومحبّتهم وزيارتهم ، وأنّ ترك زيارتهم يُعَدُّ من الجفاء القبيح المنهيّ عنه في حقّهم.

فلو لم يكن رسول الله ـ أو الأئمّة ـ يسمعون كلامنا ، لما صحّ لنا أن نُسلمّ عليهم ونحن على بعد آلاف الكيلومترات ، بل كيف يأمرنا صلى‌الله‌عليه‌وآله بالسلام عليه إن لم يكن يسمع ويجيب؟!

فإنّك لو رأيت شخصا يُسلّم على جدّه الخامس ـ الميت قبل عشرات السنين ـ ويتكلّم معه بصيغة الخطاب وهو في غرفة بيته ، ألاَ ترميه بالجنون؟ فكيف يأمرنا الرسول بالسلام عليه في الصلاة باللغة العربيّة وبين المسلمين الهنديّ والفارسيّ والإنكليزيّ وهم بعيدون عن قبره ولغته بمسافات شاسعة؟ فما يعني هذا الأمر؟

________________

١ ـ آل عمران : ١٦٩.

١٦١

إنَّ الّذي يتعامل مع القضايا تعاملاً مادّيّا لا يُمكنه أن يُدرك هذه الأُمور الغيبيّة ، بل يدركها الإنسان المؤمن المخلص عند الله ، لأنّ رسول الله والأئمّة من آله حينما أمرونا بالسلام عليهم وزيارتهم ، كانوا هادفين بكلامهم ، فلا شكّ أنّ تلك الزيارات تُوثّق الارتباط بين المؤمنين وقادتهم الروحيّين ، وأنّ ذلك يعود بالنفع عليهم ، وأنّ السلام على الرسول وجوابه ليس بالأمر المستبعد والشيء المُستحيل ، وهو كضيافة الله لعباده في شهر رمضان ، والّتي لا تشابه ضيافة النّاس بعضهم لبعض.

وهكذا مفهوم كون الرسول شهيداً على النّاس بعد أربعة عشر قرنا من وفاته بحيث يرى أعمالهم ، وتعرض عليه تلك الأعمال ، فلا يُمكنهم فهمه ودركه ، في حين أنّ القرآن الكريم والسّنة المطهّرة أكّدا على ذلك في عدّة آياتٍ؛ قال سبحانه : (وَكَذلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدا) (١) وقال تبارك وتعالى : (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) (٢) ، وقال تعالى : (قُلْ كَفَى بِاللّه شَهِيدا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ) (٣).

فسؤالنا هو : هل شهادة الرسول ورؤيته للأعمال مختصّتان بعصر الصحابة ، أم لهما الشموليّة لكلّ الأزمان والأمكنة وجميع الأجيال؟

بل ما يعني قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرَوا الله

________________

١ ـ البقرة : ١٤٣.

٢ ـ التوبة : ١٠٥.

٣ ـ الرعد : ٤٣.

١٦٢

وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا الله تَوَّابا رَحِيما) (١) ، وهل هي مختصّة بعصر الرسالة فقط ، أم أنّها تشمل سائر الأزمان؟ وإذا اختصّت الآية بعصر الرسالة ، ألا يُعَدُّ هذا إجحافا في حقّ الأجيال اللاحقة؟

وما معنى شهادة الرسول على النّاس؟ وكيف يمكن تصوّره طبق الضوابط المادّيّة الّتي نعرفها؟ مع أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ميّت وأنّهم ميّتون في الظاهر؟!

إنّ ذلك كلّه من الغيب الإلهيّ الّذي لابدّ من الإيمان به ، وهو يشبه تسبيح الموجودات لربّ العالمين الّتي لا نفقه تسبيحها. (وَإِن مِن شَيءٍ إِلاّ يُسَبِّحُ بِحَمدِهِ وَلَكن لا تَفْقَهونَ تَسبيحَهُم).

فعلينا الإيمان بكلّ تلك الأُمور الغيبيّة وإن لم نعرف تفاصيل التسبيح وحقيقته ، وكيفيّة حياة الشهداء عند ربّهم ، وكيف يردّ الله روح رسوله إليه كي يردّ سلام من سلّم عليه وأمثالها.

فهذه الأُمور يجب للمسلم الاعتقاد بها ، لأنّها من الغيب ، والمؤمن هو الّذي يؤمن بالغيب طبقا لقوله تعالى : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) (٢) ، لكن من المؤسف أنّ أبناء وأتباع الجاهليّة الأُولى يُعارضون هذه الأُمور الغيبيّة مع وجود آيات كثيرة عليها ويريدون أن يتعاملوا معها تعاملاً حسّيّا ، فيقول أحدهم بأنّ عصاه خير من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ والعياذ بالله ـ لأنّها تفيده ، ورسول الله ميّت ، (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبا) (٣) وخسروا خُسرانا مبينا.

________________

١ ـ النساء : ٦٤.

٢ ـ البقرة : ٣.

٣ ـ الكهف : ٥.

١٦٣

(١٥)

تطبيقات للشعائر والحرمات

وعليه فالشعائر والحرمات هي كلّ ما حكم الله بأنّها عظيمة في نفسها ، مثل :

١ ـ الذوات المقدّسة : كالأنبياء والأوصياء والصدّيقين عليهم‌السلام أمواتا كانوا أو أحياءً ، والكتب السماويّة وصحف الأنبياء وألواحهم والحجر الأسود ، ويلحق به ناقة صالح ، وقميص يوسف ، وتابوت بني إسرائيل ، وعصا موسى. وأمثالها الموجودة في القرآن وغيره.

٢ ـ الأمكنة المقدّسة : كمكّة ، والمدينة ، والكوفة ، والمسجد الأقصى ، وكربلاء ، والنجف ، ومنى ، وعرفات ، ومساجد الله ، كما يلحق بها أضرحة الأنبياء والأوصياء والصالحين.

٣ ـ الأزمنة المقدّسة : كشهر رمضان ، وليلة القدر ، ويوم الجمعة ، وأمثالها.

وقد يمكن أن تجتمع هذه الأُمور الثلاثة في تعظيم أمرٍ واحدٍ ، وقد يُمكن أن تنتهك جميعها في أمرٍ واحد أيضا.

فمثال الأوّل : أن يعبد الله في ليلة القدر عند البيت الحرام ، أو قبر النبيّ.

ومثال الثاني : أن يشرب الخمر في نهار شهر رمضان ، في مكّة أو المدينة.

فمن الطبيعيّ أن يُثاب الأوّل ثوابا جزيلاً ، ويُعاقب الثاني عقابا مضاعفا.

فمن جحد كون الحسين عليه‌السلام سبط رسول الله ، وسيّد شباب أهل الجنّة ،

١٦٤

وأنّه المقصود في آية التطهير والمباهلة ، بل رضي بقتله وسبي عياله ، ولم ينصره بقلبه ولسانه ، فقد انتهك الحرمات جميعا ، وكان بفعله قد أساء إلى الله وإلى رسوله وكذّبهما ، ومن كذّب الله ورسوله فقد وجبت عليه اللعنة إلى قيام يوم الدين.

وكذا عكس هذا الأمر ، فمن آمن بتلك الحقائق وجاء زائرا له إلى كربلاء في ليلة الجمعة أو يوم عرفه ، عارفا بحقّه ، فسيُعطى أجرا جزيلاً.

وقد يكون من هذا الباب جاء الثواب مضاعفا في زيارته يوم عرفة (١) وأوّل رجب (٢) ونصف شعبان (٣) ويوم عاشورا (٤) وليلة القدر (٥) وليلة الاضحى (٦) ويومها (٧) وكذا الصلاة في بيت فاطمة.

فعن يونس بن يعقوب قال : قلت لأبي عبد الله : الصلاة في بيت فاطمة أفضل أو في الروضة؟ قال : في بيت فاطمة (٨).

وسيأتي في خبر الحسن بن جهم عن الصادق عليه‌السلام : بأنّ السلام على رسول الله هو ما فضّل به أهل المدينة على أهل مكّة.

هذا ولا يخفى عليك بأنّ اختلاف الروايات في فضيلة زيارة الحسين

________________

١ ـ إقبال الأعمال : ٦٤٢ ، أمالى الصدوق : ١٢٣ ، ثواب الأعمال : ١١٥ ، أمالى الطوسي : ٢٠١.

٢ ـ المزار للمفيد : ٤٠ ، مصباح المتهجّد : ٧٧٤ ، تهذيب الأحكام ٦ : ٤٨ ، بحار الأنوار ٩٩ : ٩٧ ، مستدرك الوسائل ١٠ : ٢٨٧.

٣ ـ انظر بحار الأنوار ٩٩ : ٩٣ ، وسائل الشيعة ١٤ : ٤٦٧ ، جامع أحاديث الشيعة ١٢ : ٤٢٤ ، تهذيب الأحكام ٦ : ٤٩ ، مستدرك الوسائل ١٠ : ٢٨٨.

٤ ـ انظر بحار الأنوار ٩٩ : ١٠٤ ، وسائل الشيعة ١٤ : ٤٧٧ ، جامع أحاديث الشيعة ١٢ : ٤١٣ ، مستدرك الوسائل ١٠ : ٢٩٣.

٥ ـ انظر بحار الأنوار ٩٩ : ٩٦ ، وسائل الشيعة ١٤ : ٢٧٢ ، جامع أحاديث الشيعة ١٢ : ٤١٠.

٦ ـ تهذيب الأحكام ٦ : ٤٩ ، بحار الأنوار ٩٩ : ٨٩ و ٩٤.

٧ ـ مصباح المتهجّد : ٦٥٩ ، بحار الأنوار ٩٩ : ٩١ ، وسائل الشيعة ١٤ : ٤٦٤.

٨ ـ الكافي ٤ : ٥٥٦ / ١٣ و ١٤ ، تهذيب الأحكام ٦ : ٨ / ١٦.

١٦٥

والأئمّة المعصومين تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة وشدّة الخوف ، وقلّة وكثرة الزائرين ، ومراتب خلوص النيّة والمعرفة عند الزائرين ، مع التأكيد على أنّ زيارة الإمام الحسين غالبا تقترن بالمخاطرة ، لكونه صار رمزا للثورة على الظالمين.

فقد روى شيخ الطائفة رحمه‌الله في أماليه بإسناده عن عليِّ بن عبدالمنعم ، قال : حدّثني جدّي القاسم بن أحمد بن معمّر الأسديّ الكوفيّ ـ وكان له علم بالسّيرة وأيّام النّاس ـ قال : بلغ المتوكّل جعفر بن المعتصم أنّ أهل السّواد يجتمعون بأرض نينوى لزيارة قبر الحسين عليه‌السلام فيصير إلى قبره منهم خلقٌ كثير ، فأنفذ قائدا من قُوّاده وضمّ إليه كَنَفا من الجند كثيرا ليُشَعِّث قبر الحسين عليه‌السلام ويمنع النّاس من زيارته والاجتماع إلى قبره.

فخرج القائد إلى الطفّ وعمل بما اُمر ـ وذلك في سنة سبع وثلاثين ومائتين ـ فثار أهل السّواد به واجتمعوا عليه وقالوا : لو قُتِلنا عن آخرنا لما أمسك مَن بقي منّا عن زيارته ، ورأوا من الدلائل ما حملهم على ما صنعوا ، فكتب بالأمر إلى الحضرة ، فورد كتاب المتوكّل إلى القائد بالكفّ عنهم والمسير إلى الكوفة ، مظهرا أنّ مسيره إليها في مصالِح أهلها ..

فمضى الأمر على ذلك حتّى كانت سنة سبع وأربعين ومائتين ، فبلغ المتوكّل أيضا مصير النّاس من أهل السّواد والكوفة إلى كربلاء لزيارة قبر الحسين عليه‌السلام وأنّه قد كثر جمعهم لذلك وصار لهم سوق كبير ، فأنفذ قائدا في جمع كثير من الجند وأمر مناديا ينادي ببراءة الذّمّة ممّن زار قبره ، ونَبَشَ القبرَ وحرث أرضه ، وانقطع النّاس عن الزّيارة ،

١٦٦

وعمل على تتبّع آل أبي طالب والشّيعة ، فقُتِلَ ولم يتمّ له ما قدّره (١).

ولأجل هذه الأُمور وشدة التقية وضعفها اختلف مبلغ الثواب في الزيارات ؛ إذ ترى الثواب في بعضها : حجّة وعمرة (٢) ، وفي اُخرى : عشرين حجّة (٣) ، وفي ثالثة : عشرين حجّة وعشرين عمرة (٤) وفي رابعة : خمسا وعشرين حجّة (٥) ، وفي خامسة : ثلاثين حجّة (٦) ، وفي سادسة : خمسين حجّة (٧) ، وفي سابعة : ثمانين حجّة (٨) ، وفي ثامنة : ألف حجّة وألف عمرة وألف غزوة مع نبيّ مرسل (٩) ، وفي تاسعة : ألف ألف حجّة (١٠).

کل هذه المثوبات لها ظروفها وشرائطها وأشدها ثواباً عند الخوف وقلة الزائرين کما جاء في زيارة الامام الرضا في العصور الاول وقول الإمام الجواد عليه‌السلام لمن سأله عن زيارة الإمام الرضا عليه‌السلام هل هي أفضل أم زيارة الحسين؟ قال عليه‌السلام : زوار قبر أبي عبد الله كثيرون وزوار قبر أبي بطوس قليلون (١١).

________________

١ ـ أمالي الطوسي : ٣٢٨ ـ ٣٢٩ / ٦٥٦ ، وعنه فيه بحار الأنوار ٤٥ : ٣٩٧ / ٥ ، والمتن منه.

٢ ـ كامل الزيارات : ٢٩٤ / ٤٨٢ ، مصباح المتهجد : ٧١٥ ، و ٧١٦ ، قرب الإسناد : ٩٩ / ٣٣٦.

٣ ـ الكافي ٤ : ٥٨١ / ٣ ، كامل الزيارات : ٣٠٢ / ٥٠٥ ، ٥٠٦.

٤ ـ الكافي ٤ : ٥٨ / ١ ، كامل الزيارات : ٣٠٦ / ٥١٥.

٥ ـ الكافي ٤ : ٥٨١ / ٤ ، كامل الزيارات : ٣٠٣ / ٥٠٨.

٦ ـ كامل الزيارات : ٣٠٦ / ٥١٤ ، ثواب الأعمال : ٩٤.

٧ ـ كامل الزيارات : ٣٠٦ / ٥١٦.

٨ ـ كامل الزيارات : ٣٠٤ / ٥١٣ ، ثواب الأعمال : ٩٣.

٩ ـ كامل الزيارات : ٣١٦ / ٥٣٦.

١٠ ـ كامل الزيارات : ٢٧٤ / ٤٢٦.

١١ ـ للشيخ خضر بن شلال تعليقة اُنظره في كتابه أبواب الجنان : ٤٥٠.

١٦٧

ترك زيارة الحسين عليه‌السلام لخوف

واليك الآن بعض الروايات الدالة على الخوف والتي لم نذكرها لحد الآن :

فعن معاوية بن وهب ، عن أبي عبد الله ـ في حديث له طويل ـ قال : يا معاوية ... لا تدعه ـ يعنى الذهاب لزيارة قبر الحسين ـ لخوف من أحد ، فمن تركه لخوف أحد رأى من الحسرة ما يتمنّى أن قبره كان بيده (١).

أما تحبّ أن يرى الله شخصك وسوادك فيمن يدعو له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟

أما تحب أن تكون غدا ممّن تصافحه الملائكة؟

أما تحبّ أن تكون غدا فيمن يأتي وليس عليه ذنب فيتبع به؟

أما تحبّ أن تكون غدا فيمن يصافح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢).

وعنه أيضا ، قال : قال لي : يا معاوية لا تدع زيارة الحسين لخوفٍ ، فإنّ من تركه رأى من الحسرة ما يتمنى أن قبره كان عنده.

أما تحب أن يرى الله شخصك وسوادك فيمن يدعو له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّ وفاطمة والأئمّة عليهم‌السلام ؟

أما تحب أن تكون ممن ينقلب بالمغفرة لما مضى ويغفر لك ذنوب سبعين سنة؟

أما تحب أن تكون ممن يخرج من الدنيا وليس عليه ذنب يتبع به؟

أما تحب أن تكون غدا ممن يصافحه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣).

________________

١ ـ أى حافرا قبره بيده ، أو يكون كناية عن أن يكون سببا لقتل نفسه من جهة زيارته عليه‌السلام ، أو المعنى أنه يتمنّى أن يكون الخروج من القبر باختياره فيخرج ويزور ... أو يتمنّى أن يكون قتل لزيارته عليه‌السلام ، وقبر عنده أو يكون القبر حاضرا عنده فيزور في تلك الحالة. انظر بحار الأنوار ٩٨ : ٩.

٢ ـ ثواب الاعمال : ٩٤ ـ ٩٦ ، كامل الزيارات : ٢٢٧ / ٣٣٥ ، بحار الأنوار ٩٨ : ٨ ـ ٩ / ٣٠ ، والمتن منه.

٣ ـ كامل الزيارات : ٢٣٠ / ٣٣٨ و ٢٤٣ ـ ٢٤٤ / ٣٦١ ، تهذيب الاحكام ٦ : ٤٧ / ١٠٣ ، بحار الأنوار ٩٨ : ٩ / ٣١ ، و ٥٣ / ٣ ، والمتن منه.

١٦٨

وعن محمّد بن مسلم ـ في حديث طويل ـ قال : قال لي أبو جعفر محمّد بن علي عليه‌السلام : هل تأتي قبر الحسين عليه‌السلام؟ قلت : نعم على خوفٍ ووَجَلٍ.

فقال : ما كان من هذا أشدّ فالثواب فيه على قدر الخوف ، ومن خاف في إتيانه آمن الله روعته يوم القيامة ، يوم يقوم النّاس لرب العالمين ، وانصرف بالمغفرة ، وسلَّمت عليه الملائكة ، وزاره النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ودعا له ، وانقلب بنعمة من الله وفضل لم يمسسه سوء ، واتبع رضوان الله ـ ثمّ ذكر الحديث (١).

وعن صفوان الجمال ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ـ في حديثٍ له طويل ـ قال : فما لمن قتل عنده ـ يعني قبر الحسين ـ جار عليه السلطان فقتله؟

قال : أول قطرة من دمه يغفر له بها كل خطيئة ، وتغسل طينته التي خلق منها الملائكة حتّى تخلص كما خلصت الأنبياء المخلصين ، ويذهب عنها ما كان خالطها من أدناس طين أهل الكفر ، ويغسل قلبه ويشرح صدره ويملأ إيمانا ، فيلقى الله وهو مخلَصٌ من كل ما تخالطه الأبدان والقلوب ، ويكتب له شفاعة في أهل بيته وألف من إخوانه ، وتَوَلَّى الصلاة عليه الملائكة مع جبرئيل وملك الموت ، ويؤتى بكفنه وحنوطه من الجنة ، ويوسَّع قبره عليه ، ويوضع له مصابيح في قبره ، ويفتح له باب من الجنة ، وتأتيه الملائكة بالطُّرَف من الجنة ، ويرفع بعد ثمانية عشر يوما إلى حظيرة القدس ، فلا يزال فيها مع أولياء الله حتّى تصيبه النّفخة الّتي لا تبقي شيئا ، فإذا كانت النّفخة الثّانية وخرج من قبره كان أوّل من يصافحه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأميرالمؤمنين والأوصياء عليهم‌السلام ويبشّرونه ويقولون له : الزمنا ، ويقيمونه على الحوض فيشرب منه ويسقي من أحبّ (٢).

________________

١ ـ كامل الزايارت : ٢٤٤ ـ ٢٤٥ / ٣٦٣ ، بحار الأنوار ٩٨ : ١١ / ٤٠ ، وسائل الشيعة ١٤ : ٤٥٧ ـ ٤٥٨ / ١٩٥٩٤.

٢ ـ كامل الزيارات : ٣٠٩ ـ ٣١٠ / ٥٢٤ ، مستدرك الوسائل ١٠ : ٢٧٩ / ١٢٠١٣ ، هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وكذا في بحار الأنوار ٩٨ : ٧٨ ـ ٧٩ / ٣٩.

١٦٩

وكذا الحال بالنسبة إلى زيارة الإمام الرضا عليه‌السلام (١) ، فهناك روايات كثيرة

________________

ـ هنا نكتة نشير إليها استطرادا في سر رجحان زيارة الإمام الرّضا عليه‌السلام على زيارة الإمام الحسين عليه‌السلام في بعض الأخبار ، ففي معتبر ابن مهزيار ـ بعد أن قال لأبي جعفر عليه‌السلام : زيارة الرضا عليه‌السلام أفضل أم زيارة أبي عـبد الله الحسين عليه‌السلام؟ ـ قال عليه‌السلام : زيـارة أبي أفضل ، وذلك أنّ أبا عبد الله عليه‌السلام يزوره كلُّ النّاس ، وأبي لا يزوره إلاّ الخواصُّ من الشيعة (الكافي ٤ : ٥٨٤ / ١ ، كامل الزيارات : ٥١٠ / ٧٩٦ ، تهذيب الأحكام ٦ : ٨٤ / ١٦٥ ، وسائل الشيعة ١٤ : ٥٦٢ ـ ٥٦٣ / ١٩٨٢٩).

وفي بعض المعتبر قال : قال عبدالعظيم لأبي جعفر عليه‌السلام : قد تحيّرت بين زيارة قبر أبي عبد الله عليه‌السلام وبين زيارة قبر أبيك عليه‌السلام بطوس فما ترى؟

فقال لي : مكانك ، ثمّ دخل وخرج ودموعه تسيل على خدّيه ، فقال : زوّار قبر أبي عبد الله عليه‌السلام كثيرون ، وزوّار قبر أبي عليه‌السلام بطوس قليلون. (عيون أخبار الرضا ١ : ٢٨٧ / ٨ ، وعنه في بحار الأنوار ٩٩ : ٣٧ / ٢٦).

فلا يستبعد أن تكون تفاصيل زيارة الإمام الرضا عليه‌السلام أتت لقلة زواره وهجرانهم لقبره عليه‌السلام على أثر شبهات الواقفة من أمثال القندى وابن البطائني لعنهما الله.

لان الواقفة بادعائهم الوقف على الإمام الكاظم عليه‌السلام وقولهم بغيبة قد أنكروا امامة خمسة من ولد الإمام الرضا عليه‌السلام ومن ولد الحسين بن على بن أبى طالب ، وهذه هي خيانة لمسيرة الامامة الالهية ، فقد يكون الإمام الجواد عليه‌السلام أطلق عليهم أنهم من خواص الشيعة لهذا السبب ، لان الإمام الرضا صار غريبا بعد الوقف على امامة أبيه الكاظم ، ولان الكيسانية كانوا قد تركوا امامة زين العابدين ولم يقولوا بها ، والزيدية أيضا لم تقل بامامة الباقر عليه‌السلام ، والاسماعيلية لم تقل بامامة الكاظم عليه‌السلام ، والآن الإمام الرضا وبعد الوقف على الكاظم صار غريبا لايزوره الا الخواص من الشيعة ، فعن عبد العظيم الحسنى قال : سمعت على بن محمّد العسكرى يقول : اهل قم واهل آبة مغفور لهم لزيارتهم لجدى على بن موسى الرضا بطوس ، ألا ومن زاره فأصابه في طريقة قطرة من السماء حرّم الله جسده على النار. (عيون أخبار الرضا ١ : ٢٩١ / ٢٢).

وبهذا فلا يستبعد أن تكون الافضلية جاءت لايمان هؤلاء الشيعة الخواص بفضيلة زيارة الأئمّة من قبل الإمام الرضا أيضاَ ، وأن زيارته للإمام الرضا جاءت بعد معرفتهم بفضيلة زيارة الإمام أميرالمؤمنين وزيارة الحسين وغيره من الأئمّة أي أن زائر الامام الرضا هو من يذور الإمام عل وولده السبعة مع الرضا ، فالفضل تفضيل العامل ومعرفته بائمته لا لفضل العمل وحده وزيارة الإمام الرضا فقط وان كان ذلك عظيما ايضاً ، ولاجل ذلك تبقى فضيلة زيارة الإمام الرضا للشيعة المخلصين باقية الى يوم القيامة.

١٧٠

جاءت في زيارة الإمام الرضا نذكر بعضها تيمنا وتبرکاً وإزدياداً لمعرفة المؤمنين.

فعن الأمالي والعيون بإسنادٍ معتبرٍ عن أبي الصلت الهرويّ ، قال : سمعتُ الرضا عليه‌السلام يقول : والله ما منّا إلاّ مقتولٌ شهيدٌ ، فقيل له : فمن يقتلُكَ يابنَ رسول الله؟ قال : شرُّ خلقِ الله في زماني ، يقتلني بالسّمِّ ، ثمّ يدفنني في دارِ مَضْيَعةٍ وبلادِ غربةٍ ، ألا فمن زارني في غربتي كتب الله له أجر مائةِ ألف شهيد ، ومائة ألف صدّيق ، ومائة ألف حاجّ ومعتمرٍ ، ومائة ألف مجاهد ، وحُشر في زمرتنا ، وجُعل في الدرجات العُلى من الجنّة رفيقنا (١).

وعن جملةٍ منها العيون والأمالي والكامل بأسانيد صحيحةٍ ، عن ابن أبي نصر ، قال : قرأتُ كتاب أبي الحسن الرضا عليه‌السلام : أبلغْ شيعتنا أنّ زيارتي تعدلُ عندَ الله عزّ وجلّ ألفّ حجّةٍ ، قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : ألف حجّة؟! قال : إي والله ألف ألف حجّةٍ لمن زاره عارفا بحقّه (٢).

وعن الأمالي في الصحيح عن البزنطيِّ ، عن الرضا عليه‌السلام ، قال : ما زارني أحدٌ من أَوليائي عارفاً بحقّي إلاَّ شفَّعتُ فيه يومَ القيامة (٣).

وعن موسى بن جعفر عليها‌السلام : من زار قبرَ ولدِي عليّ كان له عندَ الله كسبعين حجّة مبرورة ، قال : قلت سبعين حجّة؟! قال : نعم وسبعمائة حجّة ، قلت : وسبعمائة حجّة؟ قال : نعم وسبعين ألف حجّة ، قلت : وسبعين ألف حجّة؟ قال : رُبَّ حجّةٍ لا تُقبل ، مَن زاره وبات عنده ليلةً كان كمن زار الله

________________

١ ـ أمالي الصدوق : ١٢٠ / ١٠٩ ، عيون أخبار الرضا ١ : ٢٨٧ / ٩ ، وعنهما في بحار الأنوار ٩٩ : ٣٢ / ٢.

٢ ـ عيون أخبار الرضا ١ : ٢٨٧ / ١٠ ، أمالي الصدوق : ١٢٠ / ١١٠ ، كامل الزيارات : ٥١٠ / ٧٩٤ ، ثواب الأعمال : ٩٨ ، وعنهم في بحار الأنوار ٩٩ : ٣٣ / ٤.

٣ ـ أمالي الصدوق : ١٨١ / ١٨٤ ، وعنه في بحار الأنوار ٩٩ : ٣٣ / ٧.

١٧١

في عرشه. قلت : كمن زار الله في عرشه؟ قال نعم ... (١)

بهذا فقد عرفت بأنّ من زاره عليه‌السلام قد زُحزح عن النار واُدخل الجنّة : (فَمَن زُحْزِحَ عِنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ) (٢) وجاء هذا المعنى في المرويّ عن الأمالي والعيون بإسناد معتبر عن الصادق عليه‌السلام ، عن آبائه عليهم‌السلام : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ستُدفنُ بضعةٌ منِّي بأَرضِ خُراسانَ ، لا يزُورُها مؤمنٌ إلاّ أَوجبَ الله عزّ وجلّ له الجنّةَ ، وحرَّمَ جسدَهُ على النارِ. كلّ تلك الروايات جاءت تعظيما «لما هو عند الله عظيم».

وكذلك الروايات المتواترة في فضل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وفاطمة عليها‌السلام وسائر المعصومين.

نعم ، إنّ الأُمويّين والعبّاسيّين ـ وخصوصا الأُمويين منهم ـ سعوا إلى تحريف جميع الأُمور ، حتّى أنّ النّاس صاروا لا يعرفون بأنّ الخمسة من أهل الكساء هم أهل البيت والآل المعنيّون في آية المباهلة والتطهير ، لأنّ الحكّام كانوا قد عمّموا معنى أهل البيت والآل إلى جمع كثير ودائرة واسعة تشمل حتّى نساء النبيّ ، بل جميع الأُمّة ، فآل محمّد هم اُمّة محمّد عندهم ، وكفاك خبر تنكيل الشاميّ بعليّ بن الحسين عليه‌السلام بعد واقعة الطفّ وقول الإمام عليه‌السلام للشاميّ : أمَّا قرأت كتاب الله عزّ وجلّ؟

قال الشاميّ : نعم.

فقال عليّ بن الحسين عليه‌السلام : أما قرأت هذه الآية : (قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ

________________

١ ـ كامل الزيارات : ٥١٢ / ٧٩٨ ، تهذيب الأحكام ٦ : ٨٥ / ١٦٧ ، وانظر الكافي ٤ : ٥٨٥ / ٤.

٢ ـ آل عمران : ١٨٥.

٣ ـ أمالي الصدوق : ١١٩ / ١٠٧ ، عيون أخبار الرضا ١ : ٢٨٦ / ٤ ، وعنهما في بحار الأنوار ٩٩ : ٣١ / ١.

١٧٢

أَجْرا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى).

قال : بلى.

فقال له عليّ بن الحسين عليه‌السلام : فنحن أُولئك ، فهل تجد لنا في سورة بني إسرائيل حقّا خاصّة دون المسلمين؟

فقال : لا.

فقال عليّ بن الحسين عليه‌السلام : أما قرات هذه الآية : (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ)؟

قال : نعم.

قال عليّ بن الحسين عليه‌السلام : فنحن أُولئك الّذين أمر الله عزّ وجلّ نبيّه أن يؤتيهم حقّهم.

فقال الشاميّ : إنّكم لَأنتم هُم؟

فقال عليّ بن الحسين عليه‌السلام : نعم ، فهل قرأت هذه الآية : (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى) (١).

فقال الشاميّ : بلى.

فقال عليّ بن الحسين عليه‌السلام : فنحن ذوو القربى ، فهل تجد لنا في سورة الأحزاب حقّا خاصّة دون المسلمين؟ فقال : لا.

قال عليّ بن الحسين عليه‌السلام : أمَّا قرأت هذه الآية : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللّه لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرا).

قال : فرفع الشاميّ يده إلى السماء ثمّ قال : اللهمّ إنّي أتوب إليك ـ ثلاث مرّات ـ اللهمّ إنّي أتوب إليك من عداوة آل محمّد ، وأبرأ إليك ممّن قتل أهل

________________

١ ـ الأنفال : ٤١.

١٧٣

بيت محمّد ، ولقد قرأتُ القرآن منذ دهر فما شعرتُ بها قبل اليوم (١).

كانت هذه التفاتة معرفيّة أحببتُ أن أجلب انتباه القارئ إليها ، وخصوصا في وقتٍ يسعى الاستكبار العالميّ إلى التلاعب بالمقدّسات وكسر الحُرُمات وهتكها.

كيف يكون المستحبّ أفضل من الواجب

وهنا تساؤُلٌ يطرح نفسه : كيف يكون المستحبّ أفضل من الواجب وأكثر ثوابا منه ، مع وجود روايات كثيرة في فضيلة الحجّ وأنّ من تركها مات يهوديّا أو نصرانيّا ، والصلاة الّتي إن قُبلت قُبل ما سواها وإن رُدّت رُدّ ما سواها ، والصوم ، والزكاة و ... فكيف تكون زيارة المعصوم المستحبّة أفضل من تلك الفرائض الواجبة المأمور بها في القرآن الكريم؟

الجواب :

لا مانع من ذلك ، وفي الشرع أُمور كثيرة من هذا القبيل ، كمزيد فضل الابتداء بالسلام المندوب على ردّه الواجب.

وكذا الحال بالنسبة إلى إبراء ذمّة المدين ، فهو أفضل من البقاء إلى يُسْرِهِ الواجب لقوله تعالى : (فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ) (٢).

وكذا العفو ، أفضل من القصاص ، وإن كان القصاص هو حقّ لوليّ الدم ، وأمثال هذه الأُمور في الشرع الأطهر كثيرة.

فالإصرار على إقامة أمرٍ مستحبّ ومحبوبٍ هو إقامةٌ للشعائر ، ويتأكّد هذا حينما ترى الآخرين يريدون إماتته وطمسه فعليك إقامته والإصرار عليه.

________________

١ ـ الاحتجاج ٢ : ٣٣ ، وتفسير ابن كثير ٤ : ١١٣ سورة الشورى.

٢ ـ البقرة : ٢٨٠.

١٧٤

فإمامة أهل البيت هي ممّـا أكّد عليه الله ورسوله ، وهي إحدى أعمدة الدين الخمسة ، كما جاء عن الإمام الباقر عليه‌السلام : بُني الإسلام على خمس : الصلاة ، والزكاة ، والحجّ ، والصوم ، والولاية ، ولم تُنادَ بشيء ما نُودي بالولاية (١).

لأنّ الولاية هي امتداد للنبوّة ، والحثّ على ولايتهم هو ممّـا يجب ؛ لأنّ فيه قوام الدين ، وخصوصا بعد أن عرفت دور الأُمويّين والعبّاسيّين في تحريف الحقائق وكتمانها ، وأنّ هذا التعتيم كان ساريا حتّى أنّ بعض أصحاب الأئمّة كانوا لا يعرفون المعنيّ بزيارة المظلوم وسيّد الشهداء في كلام الإمام عليه‌السلام.

فعن أبي بصير ، قال : سمعت أبا عبد الله ؛ أو أبا جعفر عليها‌السلام يقول : مَن أحبّ أن يكون مسكنُه الجنّة ومأواه الجنّة فلا يدع زيارة المظلوم ، قلت : ومن هو؟ قال : الحسين بن عليّ عليه‌السلام صاحب كربلاء ، من أتاه شوقا إليه وحبّاً لرسول الله وحبّا لفاطمة وحبّا لأمير المؤمنين أقعده الله على موائد الجنة ؛ يأكل معهم والنّاس في الحساب (٢).

وعن اُمّ سعيد الأحمسيّة ، قالت : جئت إلى أبي عبد الله عليه‌السلام فدخلت عليه ، فجاءت الجارية فقالت : قد جِئْتُكِ بالدابّة ، فقال لي عليه‌السلام : يا أُمّ سعيد أيُّ شيءٍ هذه الدابة ؛ أين تبغين تذهبين؟

قالت : قلت : أزور قبور الشهداء.

قال عليه‌السلام : أخّري ذلك اليوم ، ما أعجبكم يا أهل العراق ؛ تأتون الشهداء من سفر بعيد وتتركون سيّد الشهداء لا تأتونه؟!

________________

١ ـ المحاسن ١ : ٢٨٦ / ٤٢٩ ، الكافي ٢ : ١٨ / ١ ، ٣ ، ٨.

٢ ـ كامل الزيارات : ٢٦٠ / ٣٩٣ ، و ٢٦٩ / ٤١٦.

١٧٥

قالت : قلت له : من سيّد الشهداء؟

فقال : الحسين بن عليّ عليه‌السلام.

قالت : قلت : إنّي امرأة.

فقال : لا بأس لمن كان مثلك أن يذهب إليه ويزوره.

قالت : أيّ شيءٍ لنا في زيارته؟

قال : تعدل حجّة وعمرة واعتكاف شهرين في المسجد الحرام وصيامهما ، وخيرها كذا وكذا.

قالت : بَسَط يَدَه وضَمّها ضَمّا ـ ثلاث مرَّات ـ (١).

فهذه الأُمور هي الّتي دعت الأئمّة إلى التأكيد على زيارتهم والارتباط بهم ، وبافکارهم وتعاليمهم.

لأنّهم لو ابتعدوا عن الزيارة لابتعدوا عن المودّة المأمور بها في القرآن الكريم ، كما أنّهم ابتعدوا عن الأخذ عنهم في الأحكام وغيرها ، أي أنّ التأكيد على الزيارة هو تأكيد على التعلّق بهم والأخذ عنهم ، لأنّ في ذلك نجاة لهم ، فقد تكون الأُمور إنّما جاءت تأكيدا من قبل الأئمّة على الزيارة لهذه الأسباب والعلل ، إضافة إلى الأمور الإلهية الت لا نعلم سرها لأن علمها عند بارئها ، فقد ذهب والد المجلسي والمجلسي إلى لزوم أن يحتاط كلّ من زار الحسين أو جدّه أو أباه أو أحد الأئمّة أوّل مرّة وأن لا يقصد الاستحباب ، بل ينوي القربة المُطلقة (٢) لاحتمال وجوب تلك الزيارة عليه.

بلى يتأكّد الإصرار على زيارة الإمام الحسين عليه‌السلام حينما نقف عل إصرار الحکام عل طمسها وقطع الأيدي والأرجل من أجل منعها ، فالامام يات

________________

١ ـ كامل الزيارت : ٢١٧ ـ ٢١٨ / ٣١٩ ، وعنه في وسائل الشيعة ١٤ : ٤٣٧ / ١٩٥٤٧.

٢ ـ روضة المتّقين ٥ : ٣٧٦ ، قاله تعقيبا على خبر الحسن بن علي بن فضّال.

١٧٦

ليوکد عليها ساعيا لاقامتها ، لأن باقامتها قوام الدين ، وهذا ما يفعله المعصوم عند ماتت الآخرين السنن وطمسهم للشعائر ، فالإمام عليّ شرب الماء واقفا في رحبة الكوفة (١) دفعا لتوهّم المتوهّمين الذاهبين إلى حرمة شرب الماء واقفا.

ومن هذا القبيل أيضا ما ورد عن بعض المعصومين أنّه شرب الماء أثناء الطعام مع أنّه منهيّ عنه (٢) نَهْيَ كراهة ، دفعا لتوهّم حرمة شرب الماء أثناء الطعام ، وترك صلى‌الله‌عليه‌وآله بعض نوافل شهر رمضان (٣) ، خوفا على الأُمّة من الوقوع فيما هو عسير.

وجاء عن الإمام أبي عبد الله عليه‌السلام قوله : من لم يستيقن بأنّ واحدة من الوضوء تجزيه لم يؤجر على الثنتين (٤) ، أو قوله : ليس منّا من لم يؤمن بكرّتنا ، ويستحل متعتنا (٥) ، قالها للوقوف أمام القائلين بلزوم غسل الأعضاء ثلاثا في الوضوء ، وما كان يشيعه أعداء الإسلام عن حرمة المتعة.

ومن هذا القبيل الشيء الكثير في التاريخ والفقه والحديث ، وقد قيل بأنّ النسائيّ كتب في فضائل الإمام عليّ حينما رأى الخلفاء يريدون طمس تلك الفضائل (٦).

________________

١ ـ سنن النسائيّ ١ : ٦٩ / ٩٥ ، مصنّف عبدالرزاق ١ : ٣٨ ـ ٤٠ / ١٢٢ و ١٢٣ ، وانظر الكافي ٦ : ٣٨٣ / ٦.

٢ ـ الكافي ٦ : ٣٨٢ / ٣ ، وسائل الشيعة ٢٥ : ٢٣٦ / ٣١٧٨١.

٣ ـ صحيح البخاريّ ١ : ٣١٣ / ٨٨٢ ، و ٢ : ٧٠٨ / ١٩٠٨ ، صحيح مسلم ١ : ٥٢٤ / ٧٦١ ، سنن أبي داوود ٢ : ٤٩ / ١٣٧٣.

٤ ـ تهذيب الأحكام ١ : ٨٢ / ٢١٣ ، وسائل الشيعة ١ : ٤٣٦ / ١١٤٤ ، جامع أحاديث الشيعة ٢ : ٢٨٨ / ٢٠٨٣.

٥ ـ من لا يحضره الفقيه ٣ : ٤٥٨ / ٤٥٨٣ ، وسائل الشيعة ٢١ : ٨ / ٢٦٣٦٥ ، وفيه : ولم يستحل متعتنا ، وانظر الهداية الكبرى : ٤١٨ ، وفيه قوله عليه‌السلام : من لم يثبت امامتنا ويحل متعتنا ويقول برجعتنا فليس منّا. انفرد به الخصيبي.

٦ ـ شذرات الذهب ٢ : ٢٣٩ ، الوافي بالوفيات ٦ : ٢٥٦ ، سير أعلام النبلاء ١٤ : ١٢٥.

١٧٧

أو أنّ سعد بن أبي وقّاص مدح الإمام عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ولم يرض بسبّه لمّـا رأى معاوية يريد سنّ سنّة اللعن عليه عليه‌السلام (١).

فالأئمّة ـ وتعظيما للشعائر وحفظا للحرمات ـ كانوا يؤكّدون على لزوم زيارة الأئمّة وخصوصا زيارة الإمام الحسين عليه‌السلام ، وإن لزم من ذلك الضرر على النفس (٢).

ففي رواية عن الإمام الباقر عليه‌السلام سأله سائلٌ : ما تقول فيمن زار أباك على خوف؟

فقال عليه‌السلام : يؤمنه الله يوم الفزع الأكبر ، وتلقَّاه الملائكةُ بالبشارة ، ويقال له : لا تخفْ ولا تحزنْ هذا يومك الّذي فيه فوزك (٣).

وقال ابن بكير للإمام الصادق عليه‌السلام : إنّي أنزل الأَرَّجانَ وقلبي ينازعني إلى قبر أبيك ، فإذا خرجتُ فقلبي مشفق وجِلٌ ؛ خوفا من السلطان والسعاة وأصحاب المسالح؟

فقال عليه‌السلام : يابن بكير ، أما تُحِبُّ أن يراك الله فينا خائفا؟ أما تعلم أنّه مَن خاف لخوفنا أظلّه الله في ظلّ عرشه وكان محدِّثَهُ الحسينُ عليه‌السلام تحت العرش ، وآمَنَهُ الله من أفزاعِ القيامة؟ يفزعُ الناسُ ولا يفزَعُ ، فإِنْ فَزعَ وَقَّرَتْهُ الملائكةُ وسكَّنَتْ قلبَهُ بالبشارة (٤).

وفي قويّ ابن ِ مسلم ، سؤال الإمام الباقر عليه‌السلام له : هل تأتي قبر الحسين عليه‌السلام؟ فقال : نعم ، على خوف ووجل.

فقال عليه‌السلام : ما كان من هذا أَشدُّ ، فالثوابُ فيه على قدرِ الخوفِ ،

________________

١ ـ انظر العقد الفريد ٥ : ١١٤.

٢ ـ انظر كلام الشيخ خضر بن شلاّل في أبواب الجنان.

٣ ـ كامل الزيارات : ٢٤٢ ـ ٢٤٣ / ٣٥٩ ، وعنه في بحار الأنوار ٩٨ : ١٠ / ٣٨.

٤ ـ كامل الزيارات : ٢٤٣ / ٣٦٠ ، وعنه في بحار الأنوار ٩٨ : ١٠ / ٣٩ ، والمتن منه.

١٧٨

ومن خاف في إِتيانه آمنَ الله روعَتَهُ يومَ يقوم النّاس لربِّ العالمين ، وانصرَفَ بالمغفرةِ ، وسلّمت عليه الملائكةُ ، ورآه النبيُّ ، ودعا له ، وانقلبَ بنعمةٍ من الله وفضلٍ لم يمسسه سوء وأُتِبعَ رضوانَ الله ... الحديث (١).

بعد کل هذا نقول لو ثبت أن إمامة الصلاة في المسجد ، وجمع الناس في العيدين وأيام التشريق عل الطعام ـ حسب قول ابن تيميه ـ من الشعائر. فلماذا لا تکون زيارة النب والائمة وإقامة مجالس العزا عليهم ، والمش لزيارة الحسين يوم الاربعين من الشعائر أيضاً ، وکلها أولى من الاطعام وإمامة الصلاة.

فلماذا لا يجوز تأکيد الائمة عل الزيارة أو إجبار النّاس على زيارة المعصوم لو تركوها؟ مع العلم بأنّ الله وملائكته کانوا قد صلّوا على رسوله ، وقد أمرنا الله بالصلاة والسلام عليه في التشهّد وغيره ، ثم اعتبار رسول الله ترك زيارته من الجفاء ، وقد أمر الله رسوله بأخذ أجر الرسالة كل الرسالة ، وهو مودة القرب ، ولا خلاف بأن زيارتهم وتعاهد قبورهم من المودّة ، وأن ترك ذلك هو ترك الوفاء لهم ، فإنّ التعرف على هذه المفردات المعرفية تؤكّد استحباب زيارتهم.

إذن زيارة مشاهد المعصومين هي من القربات الّتي دُعينا إليها ، وقد جعل الله في الأرض بقاعٌ تُسمّى المرحومات ، وهي البقاع المقدّسة في مكّة والمدينة والنجف وكربلاء كما جاءت به روايات أهل البيت ، وقد اعتبرت تلك البقاع من بقاع الجنة.

ففي الكافي بسنده عن أبي هاشم الجعفريّ ، عن أبي الحسن الثالث عليه‌السلام ، قال : إنّ الله عزّ وجلّ جعل من أرضه بقاعا تُسمّى المرحومات

________________

١ ـ كامل الزيارات : ٢٤٤ / ٣٦٣ ، وعنه في بحار الأنوار ٩٨ : ١١ / ٤٠.

١٧٩

أحبّ أن يُدعى فيها فيُجيب ، وإنّ الله عزّ وجلّ جعل من أرضه بقاعا تُسمّى المنتقمات ، فإذا كسب رجل من غير حلّه سلّط الله عليه بقعة منها فأنفقه فيها (١).

وعن الإمام الهادي عليه‌السلام ، قال : من كانت له إلى الله حاجة فليزر قبر جدّي الرضا عليه‌السلام بطوس وهو على غُسْل ، وليصلّ عند رأسه ركعتين ، وليسأل الله حاجته في قنوته ، فإنّه يستجيب له ما لم يسأل في مأثم أو قطيعة رحم ، وإنّ موضع قبره لبقعة من بقاع الجنّة لا يزورها مؤمن إلاّ أعتقه الله من النار وأحلَّهُ دار القرار (٢).

وقد روى أبو القاسم الجعفريّ أنّه دخل هو ومحمّد بن حمزة على الإمام الهادي عليه‌السلام ليعوداه في مرضٍ ألمّ به ، فطلب الإمام أن يبعثوا أقواما أو رجلاً إلى الحائر الحسينيّ من ماله ليدعوا الله إليه.

قال محمّد بن حمزة : يوجّهنا إلى الحائر وهو بمنزلة من في الحائر!! فأخبر أبو هاشم ما قاله محمّد بن حمزة ، فقال : ليس هو هكذا ، إنّ لله مواضع يُحبّ أن يُعبد فيها وحائر الحسين عليه‌السلام من تلك المواضع (٣).

وفي جوابٍ آخر للإمام الهاديّ قاله لعليّ بن بلال ـ القائل بأنّ الإمام لو دعا لنفسه كان أفضل من الذهاب للحائر ـ.

قال عليه‌السلام : كان رسول الله أفضل من البيت والحجر ، وكان يطوف بالبيت ويستلم الحجر ، وإنّ لله بقاعا يُحبّ أن يُدعى فيها فيستجيب لمن دعاه والحائر منها (٤).

________________

١ ـ الكافي ٦ : ٥٣٢ / ١٥ ، وسائل الشيعة ٥ : ٣١٦ / ٦٦٥٤.

٢ ـ عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٢٩٣ / ٣٢ ، أمالي الصدوق : ٦٨٤ / ٩٣٩ ، بحار الأنوار ٩٩ : ٤٩ / ٤ ، ٥.

٣ ـ انظر كامل الزيارات : ٤٦٠ / ٦٩٨ ، مستدرك الوسائل ١٠ : ٣٤٦ / ١٢١٥١.

٤ ـ كامل الزيارات : ٤٦٠ / ٦٩٨ ، بحار الأنوار ٩٨ : ١١٣ ، مستدرك الوسائل ١٠ : ٣٤٧.

١٨٠