عارفا بحقّكم

السيد علي الشهرستاني

عارفا بحقّكم

المؤلف:

السيد علي الشهرستاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة المؤمل الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٣٥

روايات في فضيلة زيارة الإمام الحسين عليه‌السلام

بلى قد استفاضت الروايات في زيارة الامام الحسين وقد استفاد بعض العلماء من بعضها وجوب زيارته (١) في العمر مرّةً ، فقد قال شيخنا المفيد في الإرشاد : وقد جاءت روايات كثيرة في فضل زيارته بل في وجوبها (٢).

وقال الشيخ محمدتقي المجلسي : بل يظهر من الأخبار الكثيرة وجوب زيارته ، ولهذا قال به جماعة من أصحابنا ، بل ذهب طائفة الى وجوب زيارة كلّ واحد من الأئمّة ولو مرّة في جميع العمر ؛ لما تقدّم في الصحيح : إنّ لكلّ إمام عهدا في عنق أوليائه ، والأحوط أن يزور الحسين بل جميع الأئمّة مرّة بنيّة الاحتياط (٣).

وقال الشيخ محمد باقر المجلسى : بيان : إنّ ظاهر أكثر أخبار هذا الباب وكثير من أخبار الأبواب الآتية وجوب زيارته سلام الله عليه ، بل كونها من أعظم الفرائض وآكدها ، ولا يبعد القول بوجوبها في العمر مرة مع القدرة ، وإليه كان يميل الوالد العلامة نورالله ضريحه (٤).

مستدلين بروايات كثيرة مثل المعتبرةِ المرويّة عن أبي جعفر عليه‌السلام : مُرُوا شيعتَنا بزيارة قبر الحسين بن عليّ عليها‌السلام ، فإنّ إتيانه يزيد في الرزق ، ويمدّ في العمر ، ويدفع مدافع السوء ، وإتيانه مفروضٌ على كلّ مؤمنٍ يقرّ له بالإمامة من الله (٥).

والأُخرى المروية عن الباقر عليه‌السلام أيضا : مُرُوا شيعتنا بزيارة الحسين عليه‌السلام ، فإنّ زيارته تدفع الهدم والغرق والحرق وأكل السبع ، وزيارته مفترضة على

________________

١ ـ أنظر في ذلك : أبواب الجنان للشيخ خضر شلاّل : ٢٥١ ـ ٢٥٥.

٢ ـ الارشاد ٢ : ١٣٣.

٣ ـ روضة المتقين ٥ : ٣٧٦ ، ٣٨٥.

٤ ـ بحار الأنوار ٩٨ : ١٠.

٥ ـ تهذيب الأحكام ٦ : ٤٢ / ١ ، وعنه في بحار الأنوار ٩٨ : ٤٨ / ١٧.

١٤١

من أقرّ للحسين بالإمامة من الله عزّ وجلّ (١).

وفي ثالث : عن الصادق عليه‌السلام : زوروا الحسين عليه‌السلام ولا تجفوه (٢).

وفي رابع : عن الصادق عليه‌السلام بعد أن سأله ابنُ خارجةَ عمّن ترك زيارةَ قبر الحسين عليه‌السلام من غير علّةٍ ، قال عليه‌السلام : هذا رجلٌ من أهلِ النار (٣).

وفي خامس : عن محمّد بن مروان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : زوروا الحسين عليه‌السلام ولو كلّ سنةٍ ، فإنَّ كلَّ مَن أتاه عارفا بحقِّه غير جاحدٍ لم يكن له عِوَضٌ غير الجنّة ، ورُزق رِزقا واسعا ، وآتاه الله مِن قبلِه بفرج عاجل ... (٤)

وفي سادس : عن عبدالملك الخثعميِّ ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : قال لي : يا عبدالملك ، لا تدع زيارة الحسين بن عليّ عليه‌السلام ، ومُرْ أصحابَك بذلك يَمدّ الله في عُمُرك ، ويزيد الله في رِزقك ، ويُحييك الله سَعيدا ، ولا تموت إلاّ سعيدا ، ويكتبك سعيداً (٥).

إلى غير ذلك من الأخبارِ المشتملةِ على لفظ الفرضِ والوجوبِ والأمرِ ، والذّمِّ والتأنيبِ والتوعّدِ على تركها ولو مع الخوف ، ونحو ذلك ممّـا قد لا يُشَكُّ في صراحتها في الوجوب.

قال الشيخ خضر بن شلاّل بعد أن أتى بتلك الروايات :

فالقول في الوجوب على من استطاع إليه سبيلاً في العمر مرّة ـ كما قد يظهر من كثير منهم العلاّمة المجلسيّ ووالده ـ ممّـا لا محيص عنه.

________________

١ ـ أمالي الصدوق : ٢٠٦ / ٢٢٦ ، وعنه في بحار الأنوار ٩٨ : ١ / ١.

٢ ـ كامل الزيارات : ٢١٦ / ٣١٦ ، وعنه في بحار الأنوار : ٩٨ : ١ / ٢.

٣ ـ كامل الزيارات : ٣٥٦ ـ ٣٥٧ / ٦١٤ ، وعنه في بحار الأنوار ٩٨ : ٥ / ١٧.

٤ ـ كامل الزيارات : ١٧٥ / ٢٣٥.

٥ ـ كامل الزيارات : ٢٨٦ / ٤٦١.

١٤٢

سيّما بعد ملاحظةٍ الاعتبارِ ، ولزومِ عدمِها الجفاءَ ، وعدمَ الاعتناءِ بأولياءِ الله والبراءةِ من أعدائه ، الَّذين قد توازروا على قتاله بالطريقة الّتي قد أحدثها طغامُ السقيفة على خلافِ ما أَنزلَ الله تعالى ، وعكسِ ما جاء به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، المعلومِ من الضرورةِ أنّ القاتلَ لأولاده المعصومينَ خارجٌ عن ربقة الدين ، وأنّه ما مِنْ محجمةِ دمٍ تخرج بعد وفاته إِلاَّ ووزرها في عنقيهما ، وخصوصا بعد ما جرى عليه من المصائب الّتي قد أَبكت محمَّدا المصطفى ، وعليّا المرتضى ، وفاطمة الزهراء ، وسائرَ الأنبياء ، والأَئمّةَ المعصومين ، والملائكةَ المقرّبين ، وسائرَ الجنّ والإنس والمخلوقات (١).

بلى ، أكدّ أئمّتنا لزوم زيارتهم عارفين بحقّهم ، ففي معتبر أمالي الصدوق عن الصادق عليه‌السلام : من زار قبر أبي عبد الله الحسين بن عليّ عليها‌السلام وهو يعلم أنّه إمام من الله مفترضُ الطاعة على العباد غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ، وقَبِلَ شفاعته في سبعين مذنبا ، ولم يسأل الله عزّ وجلّ عند قبره حاجةً إلاّ قضاها له (٢).

وعن الصادق عليه‌السلام : من أتى قبر الحسين عليه‌السلام عارفاً بحقّه كتب الله له أجر من أعتق ألف نسمة ، وكمن حمل على ألفِ فرسٍ في سبيل الله مسرجة ملجمة (٣).

وعن هارون بن خارجة ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : وكّل الله بقبر الحسين عليه‌السلام أربعة آلاف ملك`شُعثا غُبرا يبكونه إلى يوم القيامة ، فمن زاره عارفا بحقّه شيّعوه حتّى يبلغوه مأمنه ، وإن مرض عادوه غدوة وعشيّة ،

________________

١ ـ أبواب الجنان : ٥٤ ـ ٥٥. وقد مرّ تخريج كلام والد المجلسى في روضة المتقين ٥ : ٣٧٦ ، ٣٨٥ وكلام المجلسي في بحار الأنوار ٩٨ : ١٠.

٢ ـ أمالي الصدوق : ٦٨٤ / ٩٣٨.

٣ ـ كامل الزيارات : ٣٠٨ / ٥٨١ ، ثواب الأعمال : ٨٧.

١٤٣

وإن مات شهدوا جنازته واستغفروا له إلى يوم القيامة (١).

وإن صلاة كلّ واحد من هؤلاء الملائكة تعدل ألف صلاة من صلاة الآدمييّن ، فعن عنبسة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : وكّل الله بقبر الحسين بن عليّ عليه‌السلام سبعين ألف ملك يعبدون الله عنده ، الصّلاة الواحدة من صلاة أحدهم تعدل ألف صلاة من صلاة الآدمييّن ، يكون ثواب صلاتهم لزوّار قبر الحسين عليه الصّلاة والسّلام وعلى قاتله لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين أبد الآبدين (٢).

وعن أبي بكر الحضرميّ ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : من أراد أن يعلم أنّه من أهل الجنّة فليعرض حبّنا على قلبه ، فإن قبله فهو مؤمن ، ومن كان لنا محبّا فليرغب في زيارة قبر الحسين عليه‌السلام ؛ فمن كان للحسين عليه‌السلام زوّارا عرفناه بالحبّ لنا أهل البيت وكان من أهل الجنّة ، ومن لم يكن للحسين عليه‌السلام زوّار كان ناقص الإيمان (٣).

وعن الصادق عليه‌السلام : زوروا الحسين عليه‌السلام ولو كلَّ سنة ، فإنَّ من أتاه عارفاً بحقّه غيرَ جاحدٍ لم يكن له عوضٌ غير الجنّة ، ورُزِقَ رزقا واسعا ، وأتاه الله من قِبَلهِ بفرجٍ عاجل (٤).

وفي آخر عن الصادق عليه‌السلام : من أتى قبر الحسين عليه‌السلام زائرا له عارفا بحقّه

________________

١ ـ كامل الزيارات : ٣٤٩ / ٥٩٧ ، و ٣٥٣ / ٦٠٧ ، الكافي ٤ : ٥٨١ / ٦ ، ثواب الأعمال : ٨٨ ، أمالي الصدوق : ٦٤ / ٢٨ ، وعنه في بحار الأنوار ٩٨ : ٦٣ / ٤٤ ، وسائل الشيعة ١٤ : ٤٠٩ / ١٩٤٧٦.

٢ ـ كامل الزيارات : ٢٣٥ / ٣٤٩ ، بحار الأنوار ٩٨ : ٥٥ / ١٥ ، وفي آخر عن بكر بن محمّدالأزديّ عن أبي عبد الله انظر كامل الزيارات : ١٧٦ / ٢٣٧ و ٢٣٥ ـ ٢٣٦ / ٣٥٠.

٣ ـ كامل الزيارات : ٣٥٦ / ٦١٣ ، بحار الأنوار ٩٨ : ٤ / ١٦ ، جامع أحاديث الشيعة ١٢ : ٣٦٥ / ٤٥٥٩.

٤ ـ كامل الزيارات : ٢٨٥ / ٤٦٠.

١٤٤

يريد به وجه الله والدار الآخرة ، غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأَخّر ، ثمّ قال لي ثلاثا : ألم أحلف لك؟ ألم أحلف لك؟ ألم أحلف لك؟ (١)

وفي كلّ هذه النصوص دلالة على أنّ عدم زيارته يوجب الجفاء ، وفيه ترك لما أمرنا الله به في محكم كتابه من المودّة في القربى. نرجوا أن لا نکون من المهملين لامرهم والناسين لذکرهم.

(١٢)

الأصل الثامن :

زيارة قبور الأئمّة من الوفاء لهم

بعد أن عرفنا مقام رسول الله وأهل بيته في الكتاب والسنّة ، فزيارة قبورهم هو من الوفاء لهم كما جاء صريحا في معتبر الحسن بن علي الوشّاء ، عن مولانا الرضا عليه‌السلام :

إنّ لِكلِّ إمامٍ عَهدا في عنق أوليائه وشيعته ، وإنّ من تمام الوَفاء بالعهد وحُسن الأداء زيارة قبورهم ، فمن زارهم رَغبةً في زيارتهم وتَصديقا بما رَغَّبوا فيه كان أئمّتُهم شُفعاءَهم يوم القيامة (٢).

وعن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر ، قال : مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين عليه‌السلام ، فإنّ إتيانه يزيد في الرزق ، ويمدّ في العمر ، ويدفع مدافع

________________

١ ـ كامل الزيارات : ٢٧٣ / ٤٢٥ ، وعنه في بحار الأنوار ٩٨ : ١٩ / ٤ ، وجامع أحاديث الشيعة ١٢ : ٤٥٤ / ٤٧٤٤.

٢ ـ الكافي ٤ : ٥٦٧ / ٢ ، كامل الزيارات : ٢٣٧ / ٣٥٢ ، علل الشرائع ٢ : ٤٥٩ / ٣ ، تهذيب الأحكام ٦ : ٧٩ / ١٥٥.

١٤٥

السوء ، وإتيانه مفترض على كلّ مؤمن يقرّ للحسين بالإمامة من الله عزّ وجلّ (١).

وعن عبد الرحمان بن كثير مولى أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : لو أنّ أحدكم حجّ دهرَهُ ثمّ لم يزر الحسين عليه‌السلام لكان تاركا حقّا من حقوق رسول الله ، لأَنَّ حقَّ الحسين عليه‌السلام فريضةٌ من الله سبحانه واجبةٌ على كلّ مسلم (٢).

وعن علي بن ميمون عن الصادق عليه‌السلام : لو أنَّ أحدكم حجَّ ألف حجّةٍ ثمّ لم يأتِ قبرَ الحسين بن عليّ عليها‌السلام لكان تاركا حقّا من حقوق الله ، فَسُئل عن ذلك ، فقال : حقُّ الحسين عليه‌السلام مفروضٌ على كلّ مسلم (٣).

وفي الخبر المرويّ بأسانيد معتبرةٍ عن الباقر والصادق عليها‌السلام : من لم يأتِ قبرَ الحسين عليه‌السلام من شيعتنا كان منتقصَ الإيمانِ منتقصَ الدين ، وإن أُدخلَ الجنّةَ كان دون المؤمنين في الجنّة (٤).

وعن عليّ بن ميمون الصائغ ، قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : يا عليّ ، بلغني أنَّ أُناسا من شيعتنا تمرّ بهم السنة والسنتان وأكثر من ذلك لا يزورون الحسين بن عليّ عليه‌السلام؟! قلت : جعلتُ فداك ، إنّي لَأَعْرِفُ أُناسا كثيرا بهذه الصفة ، قال : أما والله لحَظّهم أخطأُوا ، وعن ثواب الله زاغوا ، وعن جوار

________________

١ ـ كامل الزيارات : ٢٨٤ / ٤٥٦ ، بحار الأنوار ٩٨ : ٤ / ١٢ ، وسائل الشيعة ١٤ : ٤٤٤ / ١٩٥٦١.

٢ ـ كامل الزيارات : ٢٣٨ / ٣٥٥ ، وفي نسخة بدل : من حقوق الله وحقوق رسول الله ، تهذيب الأحكام ٦ : ٤٢ / ٨٧.

٣ ـ كامل الزيارات : ٣٥٧ / ٦١٥ ، وعنه في بحار الأنوار٩٨ : ٥ / ١٨ وفيه إشارة إلى آية المودة وغيرها.

٤ ـ كامل الزيارات : ٣٥٥ ـ ٣٥٦ / ١ و ٢ ، تهذيب الأحكام ٦ : ٤٤ ـ ٤٥ / ١٠ ، والمتن منه ، ٩٨ : ٤ / ١٣ و ١٤ لأنّه كان قد جفاه ولم يؤد حقه.

١٤٦

محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله في الدنيا تباعدوا (١).

وعن منصور بن حازم ، قال : سمعته عليه‌السلام يقول : ... إلى أن قال : فتنافسوا في زيارته ، ولا تدعوا ذلك ، فإنّ الحسين بن عليّ عليها‌السلام شاهدٌ لكم عند الله وعند رسوله وعند أمير المؤمنين وعند فاطمة صلوات الله عليهم أجمعين (٢).

وفي خبر عن الصادق عليه‌السلام : من لم يأتِ قبرَ الحسين عليه‌السلام وهو يزعم أنّه لنا شيعةٌ حتّى يموتَ فليس هو لنا بشيعة ، وإن كان من أهل الجنّة فهو من ضيفان أهل الجنّة (٣).

وعن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ـ في سبب التأكيد على زيارة النبيّ والأئمّة بعد الحجّ ـ قال :

إنّما أُمر النّاس أن يأتوا هذه الأحجار فيطّوّفوا بها ثمّ يأتونا فيخبرونا بولايتهم ويعرضوا علينا نصرهم (٤).

وعن أبي حمزة الثماليّ ، قال : دخلت على أبي جعفر الباقر عليه‌السلام وهو جالس على الباب الّذي إلى المسجد وهو ينظر إلى النّاس يطوفون ، فقال : يا أبا حمزة ، بما أُمر هؤلاء؟ فلم أدر ما أردّ عليه ، فقال : إنّما أُمروا أن يطّوّفوا بهذه الأحجار ثمّ يأتونا فيُعلمونا ولايتهم (٥).

نعم إنّ لهذا الكلام اصل قرآني وهو قوله تعالى : (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ

________________

١ ـ تهذيب الأحكام ٦ : ٤٥ / ٩٧ ، وسائل الشيعة ١٤ : ٤٢٩ / ١٩٥٢٦.

٢ ـ كامل الزيارات : ٢٨٥ / ٤٥٧ ، تهذيب الأحكام ٦ : ٤٣ / ٩١ ، المزار للمفيد : ٣٣ / ٢.

٣ ـ كامل الزيارات : ٣٥٦ / ٦١٢ ، وعنه في بحار الأنوار ٩٨ : ٤ / ١٥.

٤ ـ الكافي ٤ : ٥٤٩ / ١ ، الفقيه ٢ : ٥٥٩ / ٣١٣٩ ، وسائل الشيعة ١٤ : ٣٢٠ / ١٩٣١٠.

٥ ـ علل الشرائع : ٢ : ٤٠٦ / ٨ ، وعنه في وسائل الشيعة ١٤ : ٣٢٤ / ١٩٣١٨.

١٤٧

يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) (١) فالله سبحانه وتعالى لم يقل : «يأتوه» ويعن به ياتون البيت الحرام ، بل قال : (يَأْتُوكَ) وهو خطاب لإبراهيم الخليل ، وفيه دلالة على أنّ الحجّ بدون حُجَّة الله لافائدة منه ، وإلاّ فإنّ أهل الجاهلية كانوا يحجّون أيضا ، ولكن دون نبيّ ولا إمام ولهذا لم يکن لحجهم فائدة ، أما الحج الابراهيم فهو الذ فيه ، (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى).

فإذن حجّ البيت في لُبّه يعود للسلام على حجّهالله من نبيّ أو إمام ، وتجديد العهد بهم ، والميثاق لهم ، من مقام ابراهيم وحجر اسماعيل ، وحت السع بين الصفا والمروة فإنه صار شعاراَ لسعي هاجر بينهما ، وأن زمزم صار زمزماَ لعطش اسماعيل.

أذن الحج يذکرنا بابراهيم الخليل ، ونبي الله اسماعيل ، وأمه هاجر ، وفيه معن الولاء والبراءة ، فمن جهة تكون الصلاة خلف مقام ابراهيم وأخر رم ابليس في الجمرات الثلاث.

وقد يكون لذلك ورد أنّ الإمام الحجّة عليه‌السلام يحضر الموسم في كلّ عام لأنّه هو صاحب الحجّ.

أو أنّ الله ينزل رحمته لزوّار قبر الحسين قبل أهل عرفات ويقضي حوائجهم ويغفر ذنوبهم ويشفعهم في مسائلهم ثمّ يأتي أهل عرفات فيفعل ذلك بهم (٢) كل ذلك كرامة لحجّة الله.

________________

١ ـ الحجّ : ٢٧.

٢ ـ ثواب الأعمال : ١١٦ ، مصباح المتهجّد : ٦٥٨ ، كامل الزيارات : ٣١٨ ، وسائل الشيعة ١٤ : ٤٦٥.

١٤٨

(١٣)

الأصل التاسع :

ترك زيارة الرسول والأئمّة من الجفاء

يضاف إلى كلّ ما تقدّم أنّ ترك زيارة الرسول والأئمّة هو من الجفاء الّذي يُحاسب عليه المسلم ؛ لأنّه بتركه يكون قد استخفّ بالرسول ، وتَرَكَ السلامَ على من يصلّي عليه الله وملائكته في كلّ الآنات إلى يوم القيامة ، ومعناه أنّه يريد أن يقول للرسول : إنّي لا حاجة لي بك وبشفاعتك ، والعياذ بالله.

فعن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من أتى مكّة حاجّا ولم يزرني إلى المدينة جفوته يوم القيامة ، ومن أتاني زائرا وجبت له شفاعتي ، ومن وجبت له شفاعتي وجبت له الجنّة ، ومن مات في أحد الحرمين مكّة والمدينة لم يُعرض ولم يُحاسب ، ومن مات مهاجرا إلى الله عزّ وجلّ حُشر يوم القيامة مع أصحاب بدر (١).

وفي الخصال بإسناده عن عليّ عليه‌السلام في حديث الأربعمائة ، قال : أتموا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حجكم إذا خرجتم إلى بيت الله ، فإنّ تركه جفاء ، وبذلك أُمرتم ، وأتموا بالقبور الّتي ألزمكم الله حقّها وزيارتها واطلبوا الرزق عندها (٢).

وقد كان الصحابة الأجلاّء يعرفون هذا الأمر ويخافون من الجفاء للرسول ، فجاء في تاريخ دمشق عن أبي الدرداء ، أنّه قال : إنّ بلالاً رأى في منامه

________________

١ ـ الكافي ٤ : ٥٤٨ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٥٦٥ / ٣١٥٧ ، وسائل الشيعة ١٤ : ٣٣٣ / ١٩٣٣٧.

٢ ـ الخصال : ٦١٦ ، وعنه في وسائل الشيعة ١٤ : ٣٢٤ / ١٩٣١٩.

١٤٩

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يقول له : ما هذه الجفوة يا بلال؟! أما آن لك أن تزورني يا بلال؟

فانتبه حزينا وجلاً خائفا ، فركب راحلته وقصد المدينة [من الشام] ، فأتى قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فجعل يبكي عنده ويُمرّغ وجهه عليه.

فأقبل الحسن والحسين فجعل يضمّهما ويقبِّلهما ، فقالا له : يا بلال ، نشتهي أن نسمع أذانك الّذي كنت تؤذّنه لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في السَّحَر ، ففعل ... (١).

هذا هو عن الجفاء لرسول الله وهو معنى آخر لمن يتساهل أو يستخف بزيارة أمير المؤمنين أيضاَ.

فعن أبي وهب القصري قال : دخلت المدينة فأتيت أبا عبد الله عليه‌السلام ، فقلت له : جعلت فداك أتيتك ولم أزر قبر أمير المؤمنين.

فقال عليه‌السلام : بئس ما صنعت ، لولا أنك من شيعتنا ما نظرت اليك ، ألا تزور من يزوره الله مع الملائكة ويزوره الأنبياء عليهم‌السلام ويزوره المؤمنون.

قلت : جعلت فداك ما علمت ذلك.

قال : فاعلم أن أميرالمؤمنين عند الله أفضل من الأئمّة كلّهم ، وله ثواب أعمالهم ، وعلى قدر أعمالهم فُضِّلُوا (٢).

اذا الجفاء لا يختصّ برسول الله فحسب ، بل يكون الجفاء للأئمّة أو للأبوين أو للصالحين أيضا ، وذلك لأنّ لهم علينا حقوقا ، كلّ ذلك بتفاوت.

فعن داوود بن عقبة أنّه قال : كان جار لي يُعرف بعليّ بن محمّد ، قال : كنت أزور الحسين عليه‌السلام في كلّ شهر ، ثمّ علت سنّي وضعف

________________

١ ـ تاريخ دمشق ٧ : ١٣٦ ، أُسد الغابة ١ : ٢٠٨. تاريخ الإسلام ١٧ : ٦٧.

٢ ـ الكافي ٤ : ٥٨٠ / ٣ ، كامل الزيارات : ٨٩ / ٩٠ ، وفيه عن يونس عن أبي وهب البصري ، وتهذيب الكمال ٦ : ٢٠ / ٤٥ ، وفيه عن يونس عن أبي وهب القصري.

١٥٠

جسمي فانقطعت عن الحسين عليه‌السلام مدّة ، ثمّ وقع إليّ أنّها آخر سنيّ عمري ، فحملت على نفسي وخرجت ماشيا ، فوصلت في أيّام ، فسلّمت وصلّيت ركعتي الزيارة ونمت ، فرأيت الحسين عليه‌السلام قد خرج من القبر وقال لي : يا عليّ ، لِمَ جفوتني وقد كنت بي بَرّا؟

فقلت : يا سيّدي ، ضعف جسمي وقصرت خطاي ووقع لي أنّها آخر سنيّ عمري ، فأتيتك في أيّام ، وقد روي عنك شيء أحبّ أن أسمعه منك.

فقال عليه‌السلام : قل.

فقلت : روي عنك : من زارني في حياته زرته بعد وفاته.

قال : نعم.

قلت : فأرويه عنك؟

قال : نعم اروِ عنّي : من زارني في حياته زرته بعد وفاته ، وإن وجدته في النار أخرجته (١).

وعن حَنَّان ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : زوروا الحسين عليه‌السلام ولا تجفوه ، فإنّه سَيَّدُ شباب أهل الجنّة من الخلق وسيِّدُ الشهداء (٢).

وعن حنّان بن سدير أيضا ، عن أبيه ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : يا سدير تزور قبر الحسين عليه‌السلام في كلّ يوم؟

قلت : جعلت فداك ، لا.

قال : ما أجفاكم.

________________

١ ـ الدروع الواقية : ٧٥ ، بحار الأنوار ٩٨ : ١٦ / ١٩ ، مستدرك الوسائل ١٠ : ٤٠٣ / ١٢٢٦١.

٢ ـ كامل الزيارات : ٢١٦ / ٣١٦ ، وانظر ثواب الاعمال : ٩٧ ، وسائل الشيعة ١٤ : ٤٣١ / ١٩٥٢٩ ، بحار الأنوار ٩٨ : ١ / ٢.

١٥١

قال : فتزوره في كل جمعة؟

قلت : لا.

قال : فتزوره في كل شهر؟

قلت : لا.

قال : فتزوره في كلّ سنة؟

قلت : قد يكون ذلك.

قال : يا سدير ما أجفاكم للحسين عليه‌السلام!! أما علمت أنّ لله عزّ وجلّ ألفي ألف ملك شُعث غُبْر يبكون ويزورون ولا يفترون ... الحديث (١).

وعن سليمان بن خالد ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : عجبا لأقوام يزعمون أنّهم شيعة لنا ويقال أنّ أحدهم يمرّ به دهرُهُ ولا يأتي قبر الحسين عليه‌السلام جفاء منه وتهاونا وعجزا وكسلاً ، أما والله لو يعلم ما فيه من الفضل ما تهاون ولا كسل.

قلت : جعلت فداك ، وما فيه من الفضل؟ قال : فضلٌ وخيرٌ كثيرٌ ، أما أوّل ما يصيبه أن يغفر له ما مضى من ذنوبه ، ويقال له : استأنف العمل (٢).

وعن عليّ بن الحكم ، عن بعض أصحابه ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : كم بينكم وبين قبر الحسين عليه‌السلام؟ قلت : ستّة عشر فرسخا ، قال : أو ما تأتونه؟ قلت : لا ، قال : ما أجفاكم (٣).

________________

١ ـ كامل الزيارات : ٤٨١ / ٧٣٥ ، و ٤٨٧ / ٧٤٣ ، الكافي ٤ : ٥٨٩ / ٨ والمتن منه ، منلا يحضره الفقيه ٢ : ٥٩٩ / ٣٢٠٣.

٢ ـ كامل الزيارات : ٤٨٨ / ٧٤٧ ، و «استأنَفَ» أي أَخذَ فيه وابتدأ؛ كناية عن غفران ذنوبه ـ بحار الأنوار ٩٨ : ٧ / ٢٨ ، وسائل الشيعة ١٤ : ٤٣٥ ، جامع أحاديث الشيعة ١٢ : ٤٦٧ / ٤٧٧٤.

٣ ـ كامل الزيارات : ٤٨٥ / ٧٤٠ ، بحار الأنوار ٩٨ : ٥ / ٢٠.

١٥٢

وعن عمربن عبد الله بن طلحة النّهديّ ، عن أبيه ، قال : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام ، فقال : يا عبد الله بن طلحة ، أما تزور قَبْرَ أَبيِ ؛ الحسينِ عليه‌السلام؟ قلت : بلى إنّا لنأتيه ، قال : تأتونه في كلّ جمعة؟ قلت : لا ، قال : تأتونه في كلّ شهر؟ فقلت : لا ، فقال : ما أجفاكم ، إنّ زيارته تعدل حجّة وعمرة ـ الخبر (١).

وعن حنّان بن سدير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : قلت : له : ما تقول في زيارة الحسين عليه‌السلام؟ فقال : زره ولا تَجْفُهُ فإنّه سيّد الشّهداء وسيّد شباب أهل الجنّة وشبيه يحيى بن زكريّا ، وعليهما بكت السّماء والأرض (٢).

وعن الحارث الأعور ، قال : قال عليّ عليه‌السلام : بأبي وأمّي الحسين المقتول بظهر الكوفة ، والله لكأنّي أنظُرُ إلى الوحوش مادّةً أعناقها على قبره من أنواع الوحش يبكونه ويرثونه ليلا حتّى الصّباح ، فإذا كان ذلك فإيّاكم والجفاءَ (٣).

وعن الفضيل بن يسار ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : ما أجفاكم يا فضيل لا تزورون الحسين عليه‌السلام!! أما علمتم أنّ أربعة آلاف ملك شُعْثا غبرا يبكونه إلى يوم القيامة (٤).

وعن محمّد بن مسلم ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : كم بينكم وبين قبر الحسين عليه‌السلام؟ قلت : ستّة عشر فرسخا أو سبعة عشر فرسخا ، قال : ما تأتونه؟ قلت : لا ، قال : ما أجفاكم!! (٥)

وعن أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : قال لي : كم بينك وبين قبرالحسين عليه‌السلام؟ قلت : يومٌ للرّاكب ، ويومٌ وبعضُ يومٍ للماشي ، قال : أفتأتيه كلّ جمعة؟ قال : قلت : لا ما آتيه إلاّ في حين ، قال : ما أجفاكم!! أما لو كان

________________

١ ـ تهذيب الاحكام ٦ : ٢١ / ٤٧ ، وسائل الشيعة ١٤ : ٣٨١ / ١٩٤٣١.

٢ ـ كامل الزيارات : ٤٨٦ / ٧٤١ ، بحار الأنوار ٩٨ : ٥ / ٢٢.

٣ ـ كامل الزيارات : ١٦٥ / ٢١٤ ، و ٤٨٦ / ٧٤٢ ، بحار الأنوار ٩٨ : ٦ / ٢٣.

٤ ـ كامل الزيارات : ٤٨٨ / ٧٤٥ ، بحار الأنوار ٩٨ : ٧ / ٢٧.

٥ ـ كامل الزيارات : ٤٨٨ / ٧٤٦ ، بحار الأنوار ٩٨ : ٥ / ٢٠.

١٥٣

قريبا منّا لاتّخذناه هجرةً. أي نهاجر إليه (١).

وعن أبي طاهر أحمد بن عيسى ، قال : حدّثني أبي ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمّد عليه‌السلام ، قال : سأله إنسانٌ : ما تقول في قبر الحسين عليه‌السلام؟ فقال : جيئوه ولا تَجْفُوهُ ، فإنّه سيّد شباب أهل الجنّة ، وسبطُ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وابن عليّ وفاطمة عليها‌السلام ، ولمن جاءه من الخير هكذا هكذا (٢).

وعن عيينة بيّاع القصب ، عن جعفر بن محمّد عليها‌السلام ، قال : جاء رجل إلى أبي جعفر عليه‌السلام فذاكره قبر الحسين عليه‌السلام ، فقال : أما تأتونه؟ قال : بلى إنا نأتيه في السّنة مرّة ، فقال : ما أجفاكم يا أهل الكوفة!! لو كنتُ بمنزلتكم ما أخطأتني فيه صلاة (٣).

الإصرار على زيارة الحسين عليه‌السلام مع الخوف والضرب والحبس

عن مسمع بن عبدالملك كردين البصريّ ، قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : يا مسمع أنت من أهل العراق ؛ أما تأتي قبر الحسين عليه‌السلام؟

قلت : لا ؛ أنا رجلٌ مشهورٌ عند أهل البصرة ، وعندنا مَن يتّبع هوى هذا الخليفة ، وعدوّنا كثير مِن أهل القبائل مِن النُّصَّاب وغيرهم ، ولستُ آمنهم أنْ يرفعوا حالي عند ولد سليمان (٤) فيُمثّلون بي (٥).

قال لي : أفما تذكر ما صنع به؟ (٦)

قلت : نعم.

________________

١ ـ كامل الزيارات : ٤٨٩ / ٧٤٩ ، بحار الأنوار ٩٨ : ١٦ / ٢٠.

٢ ـ فضل زيارة الحسين عليه‌السلام : ٥٢ / ٣١.

٣ ـ فضل زيارة الحسين عليه‌السلام : ٤٨ / ٢٤.

٤ ـ يعني سليمان بن عبد الملك ، والمراد بولده حاكم الكوفة.

٥ ـ مثّل بفلان أي نكل به ، وصنع به صنيعا يحذّر غيره.

٦ ـ أي بالحسين عليه‌السلام.

١٥٤

قال : فتجزع؟

قلت : إي والله وأستعبر لذلك حتّى يرى أهلي أثر ذلك عليَّ فأمتنع مِن الطّعام حتّى يستبين ذلك في وجهي.

قال عليه‌السلام : رحم الله دمعتك ، أما إنّك من الّذين يُعَدُّون من أهل الجزع لنا ، والّذين يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا ويخافون لخوفنا ويأمنون إذا أمنّا ، أما إنّك سترى عند موتك حضور آبائي لك ووصيّتهم ملك الموت بك ، وما يلقّونك به مِن البشارة أفضل ، ولَمَلَكُ الموت أرقُّ عليك وأشدُّ رحمةً لك من الاُمّ الشفيقة على ولدها ... (١).

وعن محمّد بن مسلم : قال لي أبو جعفر عليه‌السلام : هل تأتي قبر الحسين عليه‌السلام؟ قلت : نعم ؛ على خوف ووَجَل ، فقال : ما كان في هذا أشدُّ فالثوابُ فيه على قدرِ الخوف ، ومن خاف في إتيانه آمَنَ الله روعته يوم القيامة يوم يقوم النّاس لربّ العالمين ، وانصرف بالمغفرة ، وسلّمت عليه الملائكة ، وزاره النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ودعا له ، وانقلب بنعمةٍ من الله وفَضلٍ لم يَمْسسه سوءٌ وأُتّْبِعَ رضوان الله (٢).

وعن عبد الله بن حمّـاد البصريّ : عن أبي عبد الله عليه‌السلام ... قال : فقلت له : جعلتُ فداك قد كنتُ آتيه حتّى بليتُ بالسلطان وفي حفظ أموالهم وأنا عندهم مشهورٌ ، فتركتُ للتقيّة إتيانه ، وأنا أعرف ما في إتيانه من الخير.

فقال عليه‌السلام : هل تدري ما فضل من أتاه وما له عندنا من جزيل الخير؟ فقلت : لا ، فقال : أمّا الفضل فيباهيه ملائكةُ السماء ، وأمّا ما له عندنا فالترّحم عليه كلّ صباحٍ ومساءٍ.

ولقد حدَّثني أبي أنّه لم يخلُ مكانه منذ قُتِل من مُصَلّ يصلّي عليه من

________________

١ ـ كامل الزيارات : ٢٠٣ ـ ٢٠٤ / ٢٩١.

٢ ـ كامل الزيارات : ٢٤٤ / ٣٦٣ ، و ٤٦٢ / ٧٠٥.

١٥٥

الملائكة ، أو من الجنّ ، أو من الإنس ، أو من الوحش ، وما من شيءٍ إلاّ وهو يغبط زائره ويتمسّح به ويرجو في النظر إليه الخير لنظره إلى قبره عليه‌السلام.

ثمّ قال : بلغني أنّ قوما يأتونه من نواحي الكوفة وأُناسا من غيرهم ونساءً يندبنَه ، وذلك في النصف من شعبان ، فمن بين قارئ يقرأ ، وقاصٍّ يقصّ ، ونادبٍ يندب ، وقائل يقول المراثي.

فقلت له : نَعَم جُعلت فداك قد شهدتُ بعض ما تصف ، فقال : الحمد لله الّذي جعل في النّاس من يفد إلينا ويمدحنا ويرثي لنا ، وجعل عدوّنا من يطعن عليهم من قرابتنا ، وغيرهم يهدرونهم ويقبّحون ما يصنعون (١).

وعن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ـ في حديث طويل ـ قال : أتاه رجل فقال له : يابن رسول الله هل يزار والدك؟ قال : فقال : نعم ، ... إلى أن قال : قلت : فما لمن حُبِسَ في إتيانه؟ قال : له بكلّ يوم يحبس ويغتمّ فرحة إلى يوم القيامة ـ الحديث (٢).

وعن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ـ في حديث طويل ـ قال : أتاه رجل فقال له : يابن رسول الله هل يزار والدك؟ قال : فقال : نعم ، ... إلى أن قال عليه‌السلام : فإن ضرب بعد الحبس في إتيانه كان له بكلّ ضربة حوراء ، وبكلّ وجع يدخل على بدنه ألف ألف حسنة ، ويمحى بها عنه ألف ألف سيّئة ، ويرفع له بها ألف ألف درجة ، ويكون من محدّثي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى يفرغ من الحساب ، فيصافحه حملة العرش ، ويقال : سل ما أحببت. ويؤتى بضاربه

________________

١ ـ كامل الزيارات : ٥٣٩ / ٨٢٩.

٢ ـ كامل الزيارات : ٢٣٩ ـ ٢٤١ / ٣٥٧ ، بحار الأنوار ٩٩ : ٧٨ ـ ٧٩ / ٣٩ ، مستدرك الوسائل ١٠ : ٢٧٩ / ١٢٠١٣.

١٥٦

للحساب فلا يسأل عن شيء ولا يحتسب بشيء ويؤخذ بضبعيه حتّى ينتهى به إلى ملك يحبوه [فيحيزه ـ خ ل (١)] ويتحفه بشربة من الحميم ، وشربة من الغسلين ، ويوضع على مقالٍ (٢) في النّار ، فيقال له : ذق بما قدّمت يداك فيما أتيت إلى هذا الّذي ضربته ، وهو وفد الله ووفد رسوله ، ويؤتى بالمضروب إلى باب جهنّم ، ويقال له : انظر إلى ضاربك وإلى ما قد لقي ، فهل شفيت صدرك وقد اقتصّ لك منه؟ فيقول : الحمد لله الّذي انتصر لي ولولد رسوله منه (٣).

إذن زيارة المعصوم هي من الوفاء له ومن الأجر الّذي أمرنا الله بتسديده ، «بل ربّما يدّعى أنّه من ضروريّات الدين بناءً على دخول الصلاة على محمّدٍ وآله والسلام على النبيّ وعلينا وعلى عباد الله الصالحين في الصلاة» (٤).

ومن هنا اعتبرت زيارة الأربعين إحدى علائم المؤمن الخمس (٥) ، أي أنّها صارت شعارا يُعرف به المؤمن عن غيره.

هذا وإنّي وان كنت قد وضّحت اصول الفكرة ، في المقدمة وفي النقاط الأولى من الکتاب لکني أحببت أن أشير اليها أيضا من خلال آيتي الشعائر والحرمات أيضاً ، لأنّها زاوية غير مبحوثه بالشكل المطلوب. ومن خلاله أريد أن أجيب عن بعض الشبهات المطروحة حول الزيارة وما يتعلق بمشاهد الأئمة.

________________

١ ـ الحيز : السَّوقُ الشديد : وفي بعض النسخ : فيحبوه ، من الحبوة بمعنى العطيّة على سبيل التهكّم ؛ كقوله : ويُتْحِفُهُ ، بحار الأنوار ٩٨ : ٨٠.

٢ ـ والمقالي جمع المِقْلاةِ والمِقْلَى ، هو الشيء الّذي يُقْلَى عليه. انظر لسان العرب ١٥ : ١٩٨.

٣ ـ كامل الزيارات : ٢٣٩ ـ ٢٤١ / ٣٥٧ ، بحار الأنوار ٩٨ : ٧٨ ـ ٨٠ / ٣٩ ، مستدرك الوسائل ١٠ : ٢٧٩ / ١٢٠١٣.

٤ ـ هذا ما قاله الشيخ خضر شلال في أبواب الجنان : ١١٧.

٥ ـ تهذيب الأحكام ٦٢ : ٥٢ / ١٢٢ ، روضة الواعظين : ١٩٥.

١٥٧

(١٤)

زيارة المعصومين من الشعائر والحرمات

الشعائر في اللّغة هي العلامات ، وهي ترادف كلمة الحرمات أيضا ، وهي ممّـا يجب تعظيمه ولا يجوز انتهاكه في الشرع ، إذ جاء في سورة الحجّ قوله تعالى : (وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللّه فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) (١) ، وفي سورة الحجّ أيضا : (وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللّه فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ) (٢) ، و (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِن شَعَائِرِ اللّه لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ) (٣).

والشعائر مأخوذة من الإشعار ، أي الإعلام. والحرمات ، من حفظ الحرمة لا اجتناب المحرّمات فقط (٤) ، كما قاله الآخرون ، أي أنها لا يجوز انتهاكها أبدا (٥).

والشعائر الإلهيّة تارة تكون مذكورة صراحة في القرآن الكريم مثل : الصفا ، والمروة ، والبدن.

واُخرى غير مذكورة فيها صراحة ، بل وُكِلَتْ معرفتها وبيانها وتفسيرها إلى العرف والفقهاء ، ومعنى كلامنا هو وجود شعائر لم يُبيّنها الله في كتابه ، بل هي متروكة للفقهاء والعرف لتوضيحها.

________________

١ ـ الحجّ : ٣٢.

٢ ـ الحجّ : ٣٠.

٣ ـ الحجّ : ٣٦.

٤ ـ انظر في ذلك التبيان للشيخ الطوسيّ ٧ : ٣١٢. وفيه : (وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ الله) بأن يترك ما حرمهالله.

٥ ـ النهاية لابن الأثير ١ : ٣٧٣ ، مادة : حرم.

١٥٨

وقد عدّ ابن تيميّة إمامة الصلاة في المسجد والأذان (١) ، وجمع النّاس للطعام في العيدين وأيّام التشريق (٢) ، وصلاة الجماعة (٣) من شعائر الإسلام ، من الشعائر مع أنها غير مذكورة في القرآن الكريم.

كما اعتبر الشهيد الثاني ـ من علماء الإماميّة ـ بأنّ المراد بشعائر الإسلام ما يختصّ بشرعه كالأذان والصلاة وصوم رمضان (٤).

قال السيّد البجنورديّ ـ وهو من علماء الإماميّة أيضا ـ عن الشعائر والحرمات بأنّها مطلقة وتشمل كلّ ما هو محترم في الدين ، وله شأن عند الله تعالى ، على اختلاف مراتبها ؛ كالكعبة المعظّمة ، والمسجد الحرام ، وسائر المساجد ، والقرآن ، والنبيّ ، والأئمّة المعصومين ، والأضرحة المقدّسة ، وقبور الشهداء والصالحين ، والعلماء والفقهاء العاملين ، أحياءً وأمواتا (٥).

إذن شعائر الله وحرماته هي كلّ ما حكم الله ورسوله بلزوم تعظيمه وحفظ حرمته.

فزيارة قبر رسول الله والأئمّة من ولده من أعظم الشعائر ، لأنّها بيوت أذن الله أن تُرفع ويُذكر فيها اسمُه.

وهناك فارق بين الشعائر والحرمات ، إذ ترى في الشعائر لزوم الفعل والامتثال ، وفي الحرمات لزوم الاجتناب والترك.

فالمسجد الحرام يجب تعظيمه من جهة ، ويحرم تنجيسه من جهة اُخرى.

وهكذا الحال بالنسبة إلى أهل البيت عليهم‌السلام ، فلازم تعظيمهم ومودّتهم هو

________________

١ ـ منهاج السنّة النبوية ٦ : ٢٩٥.

٢ ـ الفتاوى الكبرى ١ : ٣٢٧.

٣ ـ الفتاوى الكبرى ١ : ١١٣ ، ١٢٥.

٤ ـ انظر مسالك الإفهام ٣ : ١٦ ، مختار الصحاح : ١٨٠.

٥ ـ القواعد الفقهيّة ٥ : ٢٩٣.

١٥٩

مبغوضيّة انتهاك حرمتهم وإهانتهم.

فعدم المبالاة بالحجر الأسود مثلاً يعني عدم تعظيمه ، وهكذا الحال بالنسبة إلى ترك الحاجّ زيارة النبيّ ، يعني عدم المبالاة برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وترك السلام عليه ، وهو من الجفاء الّذي حذّر النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله المسلمين منه. ومن هذا الباب يأتي ترك زيارة من يقدر على زيارة المعصوم فيتهاون في زيارته ولا يزوره.

حفظ حرمة أهل البيت ملحوظة في القرآن الكريم

إنّ حرمة أهل البيت وفي طليعتهم عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام هي من جنس حرمة الأنبياء عليهم‌السلام ، وكلا الحرمتين ممّـا يجب تعظيمهما ، فقد مر في مقدمة الکتاب أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قرا هذه الآية : (في بُيُوتٍ أَذِنَ اللّه أَن تُرْفَعَ وَيَذْكَرَ فِيها اسمُه) ، فقام إليه رجل فقال : أيّ بيوتٍ هذه يا رسول الله؟ قال : بيوت الأنبياء ، فقام إليه أبو بكر فقال : يا رسول الله ، هذا البيت منها ـ وأشار إلى بيت عليّ وفاطمة ـ؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : نعم من أفاضلها (١).

والامام عل عليه‌السلام أشار إل عظيم حقّ آل البيت في قوله : «لا يُقاس بآل محمّدٍ من هذه الأُمّة أحَدٌ» (٢).

ومثله ورد عن الإمامين الباقر (٣) والصادق عليها‌السلام (٤).

إذا المعيار في الشعاريّة هو «ما كَانَ عِندَ الله عَظِيما» ، وآياتُ المودّة ، والتطهير ، والمباهلة ، والبلاغ ، و (إِنَّ الله وَمَلائكَتَهُ يُصَلّونَ عَلَى النَبِيّ).

________________

١ ـ الدرّ المنثور ٦ : ٢٠٣ ، تفسير الثعلبيّ ٧ : ١٠٧.

٢ ـ نهج البلاغة ١ : ٣٠ / خ ٢.

٣ ـ نوادر المعجزات : ١٢٤.

٤ ـ معاني الأخبار : ١٧٩ / ٢.

١٦٠