عارفا بحقّكم

السيد علي الشهرستاني

عارفا بحقّكم

المؤلف:

السيد علي الشهرستاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة المؤمل الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٣٥

عليه‌السلام : يا أبا الصلت ، إنّما كلّمته من حيث هو ، ولقد سمعت أبي يحدّث عن آبائه ، عن عليّ عليه‌السلام أنّه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عليّ أنت قسيم الجنّة والنار يوم القيامة ، تقول للنار : هذا لي وهذا لك (١).

كما روى زاذان عن الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه قال : فينا في آل (حم) آية ، لا يحفظ مودّتنا إلاّ كل مؤمن ، ثمّ قرأ : (قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) (٢).

وإلى هذا أشار كميت الأسديّ في الهاشميّات بقوله :

وجدنا لكم في آل (حم) آية

تأوّلها منّا تقيٌّ ومعربُ (٣)

وفي الكافي عن إسماعيل بن عبدالخالق ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سمعته عليه‌السلام يقول لأبي جعفر الأحول : ما يقول أهل البصرة في هذه الآية (قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)؟ فقال : جعلت فداك ، إنّهم يقولون : إنّها لأقارب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

فقال : كذبوا إنّما نزلت فينا خاصّة ، في أهل البيت ، في عليّ وفاطمة والحسن والحسين أصحاب الكساء (٤).

فكيف لا يكون عليّ عليه‌السلام هو المصداق الأكمل (للّذين آمنوا) (٥) ومن

________________

١ ـ عيون أخبار الرضا ١ : ٩٢ / ٣٠ وهناك رواية اُخرى في علل الشرائع : ١٦٢ / ١ عن المفضّل بن عمر عن أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام.

٢ ـ تاريخ اصبهان ٢ : ١٣٤ / ١٣١٠ ، شواهد التنزيل ٢ : ٢٠٥ / ٨٣٨ ، الصواعق المحرقة ٢ : ٦٥١ ، نظم درر السمطين : ٢٤٠ ، مجمع البيان ٩ : ٤٩ ، وانظر مناقب ابن مردويه : ٣١٧ / ٥٢٤ وفيه وفينا في الرحم آية لا يحفظ وكذا عنه وعن ابن عساكر في كنز العمال ٢ : ١٢٦ / ٤٠٣٠.

٣ ـ القصائد الهاشميات : ٣٠.

٤ ـ الكافي ٨ : ٩٣ / ٦٦ ، قرب الإسناد : ١٢٨ / ٤٥٠.

٥ ـ انظر مثلاً التفسير الكبير ١٢ : ١٨ ، ٢٣ ، ٢٤ ، الدر المنثور ٣ : ١٠٤ ، ١٠٦ ، تفسير الطبري ٦ : ٢٨٨.

١٢١

(سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدّا) (١) ، وهو ورسول الله أبوا هذه الأُمّة (٢).

فلو كانت زيارة الأب لازمة ، فهي ألزم في زيارة الأب الهادي لنا ، فبعد أن ألزمنا الله بمودّتهم ومحبّتهم ، وبعد أن عرفنا بأنّ رسول الله ودّهم وأحبّهم ، فعلينا أن نودّهم ونُحبّهم.

وبتقريب آخر نقول : بما أنّ الله قال في كتابه : (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّه أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) وعرفنا بأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ودّهم وأمرنا الله بمودّتهم فتكون مودّتنا لهم هي مودّةً لله ولرسوله ، بل يجب أن تكون محبّتنا لهم أشدّ مودّة وحبّا من حُبِّنا لآبائنا وأبنائنا.

نسأل الله سبحانه أن لا نكون من مصاديق من قال فيهم الله تعالى : (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حتّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ) (٤).

ونحمده سبحانه على عدم وجود أحد من أجدادنا في الّذين عناهم الله في سورة الجمعة : (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِما) ، وندعو الله عزّ وجلّ أن يُعرِّف بيننا وبين الرجال الذين على الأعراف والذين يعرفون كُلاًّ بسيماهم.

________________

١ ـ قال سبحانه في سورة طه : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدّا). قال ابن الجوزي في زاد المسير ٥ : ٢٦٦ ، قال ابن عبّاس : نزلت في على رضي الله عنه وكذا في تفسير الواحدي ٢ : ٦٩٠ وكشف الغمّة ١ : ٣١٩ ، المعجم الكبير ١٢ : ١٢٢ / ١٢٦٥٥.

٢ ـ روح المعاني للآلوسي ٢٢ : ٣١ ، اتّفاق المباني : ٢٣٣ ، الأمالي للصدوق : ٦٥ / ٣٠ ، الغارات ٢ : ٧١٧.

٣ ـ الاحزاب : ٢١.

٤ ـ التوبة : ٢٤.

٥ ـ الجمعة : ١١.

١٢٢

ففي الكافي ، عن أبي عبد الله ، قال : جاء ابن الكوّاء إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال : يا أمير المؤمنين : (وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيَماهُمْ)؟ فقال : نحن على الأعراف ، نعرف أنصارنا بسيماهم ، ونحن الأعراف الّذي لا يُعرف الله عزّ وجلّ إلاّ بسبيل معرفتنا ، ونحن الأعراف يعرّفنا الله عزّ وجلّ يوم القيامة على الصراط ، فلا يدخل الجنّة إلاّ من عَرَفَنا وعرفْناه ، ولا يدخل النار إلاّ من أنكرنا وأنكرناه (١).

وقال ابن شهر آشوب : وروينا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال لعليّ عليه‌السلام : أنت يا عليّ والأوصياء من ولدك أعراف الله بين الجنّة والنار.

وسأل سفيانُ بن مُصعب العَبْديُّ الصادقَ عليه‌السلام عنها ، فقال : هم الأوصياء من آل محمّد الاثنا عشر صلوات الله عليهم ، لا يَعْرِف الله إلاّ من عرفهم. قال : فما الأعراف ، جُعلت فداك؟ قال : كتائبُ من المسك ، عليها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والأوصياء عليهم‌السلام ، يعرفون كلاًّ بسيماهم ، فأنشأ سفيان :

وأنـتم ولاة الحشر والنشـر والجـزا

وأنتُم لـيوم المَفْزَعِ الهَـوْلِ مَفْزَعُ

وأنتم على الأعرافِ ، وَهْيَ كتائبٌ

من المسكِ ، ريّاها بكُم يتضوّع

ثمانيةٌ بالـعـرشِ إذ يـحملونَهُ ومـن

بعدهمْ في الأرضِ هادونَ أربعُ

بهذا فقد عرفنا بعض الحقائق عن مقامات رسول الله والأئمّة من ولده ، وکان غالب بحثنا في اطار آية المودة ويمکننا أن نعضده بکلمات ثلاثة من أعلام أهل السُنّة هم : الزمخشر والراز والصياد.

________________

١ ـ الكافي ١ : ١٨٤ / ٩.

٢ ـ المناقب ٣ : ٣١.

١٢٣

كلام الزمخشريّ في آية المودّة

قال الزمخشريّ : فإن قلت : هلاّ قيل : إلاّ مودّة القربى ، أو إلاّ المودّة للقربى؟ وما معنى قوله : (الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)؟

قلت : جُعلوا مكانا للمودّة ومقرّا لها ، كقولك : لي في آل فلان مودّة ، ولي فيهم هوى وحبّ شديد ، تريد أُحبّهم وهم مكان حبّي ومحلّه.

قال : وليست (فِي) بصلة للمودّة كاللام ، إذا قلت : إلاّ المودّة للقربى ، إنّما هي متعلّقة بمحذوف تعلّق الظرف به في قولك : المال في الكيس ، وتقديره : إلاّ المودّة ثابتة في القربى ومتمكّنة فيها ...

وقال في تأييد ذلك : رُوي أنّها لمّـا نزلت قيل : يا رسول الله من قرابتك الّذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال : عليٌّ وفاطمة وابناهما.

ثمّ قال : ويدلّ عليه ما رُوي عن عليٍّ عليه‌السلام : شكوتُ إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حسد النّاس لي ، فقال : أما ترضى أن تكون رابع أربعة ، أوّل من يدخل الجنّة أنا وأنت والحسن والحسين ، وأزواجنا عن أيماننا وشمائلنا ، وذرّيّتنا خلف أزواجنا.

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : حُرّمت الجنّة على من ظلم أهل بيتي وآذاني في عترتي ....

وقال : رُوي أنّ الأنصار قالوا : فعلنا وفعلنا ، كأنّهم افتخروا ، فقال عبّاس أو ابن عبّاس : لنا الفضل عليكم ، فبلغ ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأتاهم في مجالسهم فقال : يا معشر الأنصار ألم تكونوا أذلّة فأعزّكم الله بي؟

قالوا : بلى يا رسول الله.

قال : ألم تكونوا ضُلاّلاً فهداكم الله بي.

قالوا : بلى يا رسول الله.

قال : أفلا تجيبونني؟

١٢٤

قالوا : ما نقول يا رسول الله؟

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : ألا تقولون : ألَم يخرجك قومك فآويناك؟ أوَ لم يكذّبوك فصدّقناك؟

أوَ لم يخذلوك فنصرناك؟ قال : فما زال يقول حتّى جثوا على الركب وقالوا : أموالنا وما في أيدينا لله ولرسوله ، فنزلت الآية.

ثمّ روى ما تواتر عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله في فضل حبّ أهل بيته عليهم‌السلام وذمّ بغضهم ، فقال : وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من مات على حبّ آل محمّد مات شهيدا (١) ...

كلام الفخر الرازيّ في آية المودّة

وقد استدلّ الفخر الرازيّ على اختصاص المودّة بهم عليهم‌السلام بثلاثة وجوه.

فإنّه بعد أن روى الحديث المتقدّم بتمامه عن الزمخشريّ ، قال :

«وأنا أقول : وآل محمّد هم الّذين يؤول أمرهم إليه ، فكلّ من كان أمرهم إليه أشدّ وأكمل كانوا هم الآل ، ولا شكّ أنّ فاطمة وعليّا والحسن والحسين كان التعلّق بينهم وبين رسول الله أشدّ التعلّق ، وهذا كالمعلوم بالنقل والتواتر ، فوجب أن يكونوا هم الآل ، وأيضا اختلف الناس في الآل ، وقيل هم الارقاب ، وقيل هم أمته ، فان حملناه على القرابة فهم الآل ، وإن حملناه على الأُمّة الّذين قبلوا دعوته ، فهم أيضا الآل.

فثبت أنّ على جميع التقديرات هم الآل ، وأمّا غيرهم ، فهل يدخلون تحت الآل؟ فمُختَلَفٌ فيه».

ثمّ نقل ما رواه الزمخشريّ : أنّه لمّـا نزلت الآية ، قيل : يا رسول الله ، من قرابتك ...؟ فقال : عليٌّ وفاطمة وابناهما ، وقال :

________________

١ ـ انظر تفسير الكشاف ٤ : ٢٢٣ ـ ٢٢٥.

١٢٥

فثبت أنّ هؤلاء الأربعة أقارب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإذا ثبت هذا وجب أن يكونوا مخصوصين بمزيدٍ من التعظيم ، ويدلّ عليه وجوه.

الأوّل : قوله تعالى : (إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى). ووجه الاستدلال به ما سبق.

الثاني : لا شكّ أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يحبّ فاطمة عليها‌السلام ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما يؤذيها» ، وثبت بالنقل المتواتر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه كان يحبّ عليّا والحسن والحسين ، وإذا ثبت ذلك وجب على كلّ الأُمّة مثله ، لقوله تعالى : (وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (١) ، ولقوله تعالى : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ) (٢) ، ولقوله : (قُلْ إِن كُنْتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله) (٣) ، ولقوله تعالى : (لَقَدْكَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّه أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (٤).

الثالث : إنّ الدعاء للآل منصبٌ عظيم ، ولذلك جعل هذا الدعاء خاتمة التشهّد في الصلاة ، وهو قوله : اللهمّ صلّ على محمّدٍ وآل محمّد ، وارحم محمّدا وآلَ محمّدٍ ، وهذا التعظيم لم يوجد في حقّ غير الآل ، فكلّ ذلك يدلّ على أنّ حبّ محمّد وآل محمّد واجب.

ثمّ ذكر شعر الشافعيّ في حبّ آل محمّد عليهم‌السلام تأييدا لما ذهب إليه (٥).

________________

١ ـ الأعراف : ١٥٨.

٢ ـ النور : ٦٣.

٣ ـ آل عمران : ٣١.

٤ ـ الأحزاب : ٢١.

٥ ـ التفسير الكبير للرازي ٢٧ : ١٤٣.

١٢٦

كلام الصيّاديّ في آية المودّة

قال الصيّاديّ في كتابه «ضوء الشمس» :

لو تأمّلت قوله تعالى : (قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) عرفت : أنّ أقرب أقاربه صلى‌الله‌عليه‌وآله ذرّيّته الّذين هم بضعة من جسده الشريف ، حتّى نصّ القطب الشعرانيّ قدس سره على أنّه سرى في لحومهم ودمائهم لحم ودم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فظهر لك ظهورا لا خفاء معه : أنّ أحق النّاس بالتعظيم ذرّيّة الرسول الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا نرتاب في أنّ جميع ذرّيّة السّيدة فاطمة الزهراء عليها‌السلام هم ذرّيّة للحضرة المحمّديّة ، وقد جاءت بذلك الأدلّة الواضحة من الكتاب والسنّة (١).

عِظم محل المودّة

إذن فالمودّة في القربي هي أعظم من مودّة جبرئيل وميكائيل واسرافيل في المنظومة الإلهيّة ، لنزول آية فيهم ولم تنزل آية في مودّة الملائكة المقربين تجعلها أجرا لجهدهم وعملهم.

بل أن مودتهم هي أعظم من مودّة الأنبياء جميعا ، لأنّه تعالى جعل أجر الرسالة كلّ الرسالة مودّة هؤلاء النخبة الطاهرة والمطهّرة ، فهم أعظم من جبرئيل وميكائيل وعزرائيل ، وحتّى أنّهم أعظم من جميع الأنبياء والمرسلين ـ إلاّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ حسبما نصّت عليه الأخبار.

فنحن نخاطبهم في الزيارة الجامعة الكبيرة ونقول : «فبلغ الله بكم أشرف محلّ المكرمين ، وأعلى منازل المقرّبين ، وأرفع درجات المرسلين ، حيث لا

________________

١ ـ انظر كتاب ضوء الشمس : ٢٨١ طبعة حلب ، وعنه في ملحقات إحقاق الحقّ ٢٤ : ١٢٤.

١٢٧

يلحقه لاحق ، ولا يفوقه فائق ، ولا يسبقه سابق ، ولا يطمع في إدراكه طامع ، حتّى لا يبقى ملكٌ مقرّبٌ ، ولا نبيٌّ مرسلٌ ، ولا صدّيقٌ ولا شهيد ، ولا عالم ولا جاهل ، ولا دنيٌّ ولا فاضل ، ولا مؤمن صالح ، ولا فاجر طالح ، ولا جبّارٌ عنيد ، ولا شيطانٌ مريد ، ولا خلق بين ذلك شهيد ، إلاّ عرّفهم جلالة أمركم ، وعظم خطركم ، وكبر شأنكم ، وتمام نوركم ، وصدق مقاعدكم ...» فهذا هو اعتقادنا فيهم لا نحيد عنه.

* * *

من كلّ هذه المقدّمة الطويلة يتبيّن لنا أنّ آية المودّة هي معنىً آخر لقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ وَإِن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) (١) ، لأنّ آية المودّة مرتبطة كمال الارتباط بآية البلاغ ، بل إنّ آية البلاغ هي التطبيق العمليّ لآية المودّة ، فهما معا يرتبطان بأجر الرسالة ، فأحداهما إخبار وابلاغ من ربّ العالمين ، والأُخرى إلزام وتطبيق ، لأنّه لو لم يبلّغ ولاية الإمام عليّ عليه‌السلام يوم الغدير فما كان بلّغ رسالته حسب آية البلاغ ، أما آية المودة فه تلزم مودة القرب وتعتبره أجرا للرسالة المحمدية.

وعليه فالآيتان ـ آية التبليغ وآية المودّة ـ دالّتان على شيء واحد مرتبط بأجر الرسالة وتبليغها ، وهما أمران مَولَويّان من الباري جلّ شأنه : (قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) و (بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ وَإِن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ) ، وكلاهما يرتبط بأمر الولاية والخلافة الإلهيّة ، لأنّ من والاهم فقد والى الله ، ومن عاداهم فقد عادى الله ، ومن أحبّهم فقد

________________

١ ـ المائدة : ٦٧.

١٢٨

أحبّ الله ، ومن أبغضهم فقد أبغض الله ، فهم باب الله الّذي يُؤتى منه.

ويضاف ال ذلك أن رسول الله کان يذکر أمته في کل فرصة بأهل بيته ويقول : «اذکرکم بأهل بيت ، اذکرکم بأهل بيت ، اذکرکم بأهل بيت» ثمّ حدد الله ورسوله أهل بيت محمد بعل وفاطمة والحسن والحسين وهم الذين جاء ذکرهم في تفسير آية التطهير والمباهلة وحديث الثقلين وغيرها.

فمن هم هولاء ، وما ه مکانتهم؟

رابطة أصحاب الكساء بالقرآن والجنّة

فمن هو عليّ بن أبي طالب؟ ومن هي الصدّيقة فاطمة الزهراء؟ ومن هو الحسن؟ ومن هو الحسين؟ أليسوا هم المعنيّين في قوله تعالى : (أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ) (١) و (وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (٢) و (إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) (٣) و (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ الله وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) (٤) و (وَأَنَّ هذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيما فَاتَّبِعُوهُ وَلاَتَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ) (٥) و (أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ) (٦) إلى غيرها من الآيات.

________________

١ ـ آل عمران : ٢٣.

٢ ـ التوبة : ١١٩.

٣ ـ الرعد : ٧.

٤ ـ المائدة : ٥٦.

٥ ـ الأنعام : ١٥٢ ـ ١٥٣.

٦ ـ النساء : ٥٩.

١٢٩

وأليس موضع قبر الحسين هو روضة من رياض الجنّة کما في الاخبار؟

ففي الكافي وكامل الزيارات بسنده عن إسحاق بن عمّـار ، قال : سمعته يقول : «إنّ لموضع قبر الحسين عليه‌السلام حرمة معلومة ، من عرفها واستجار بها أُجير ... وموضع قبره من يوم دُفِنَ روضةٌ من رياض الجنّة ، ومنه معراج يُعرَجُ منه بأعمال زوّاره إلى السماء ، فليس مِنْ مَلَكٍ ولا نبيّ في السماوات إلاّ وهم يسألون الله أن يأذن لهم في زيارة قبر الحسين عليه‌السلام ؛ ففوجٌ ينزل وفوجٌ يعرج».

وإذا كان قيمص يوسف عليه‌السلام من حرير الجنّة ، فإنّ تربة الحسين عليه‌السلام من أرض الجنّة ، کما في الحديث الشريف المرو عن الإمام السجاد عليه‌السلام :

اتّخذ الله أرض كربلا حرما أمنا مباركا ... وإنّه إذا زلزل الله تبارك وتعالى الأرض وسيّرها رُفِعت كما هي بتربتها ـ أو بِرُمّتها ـ نورانيّة صافية ، فجُعلت أفضل روضة من رياض الجنّة ، وأفضل مسكن في الجنة ... (٢)

وقد مرّ عليك قبل قليل رواية زائدة عن الإمام السجاد عليه‌السلام عن رسول الله أنّ جبرئيل الامين أخبره عن أرض كربلا بأنها «أطيب بقاع الأرض واعظمها حرمة وأنها من بطحاء الجنة ...».

بلى ، إنّ خصائص قبر الحسين عليه‌السلام تشارك خصائص الجنّة بعدّة أشياء مقدّسة وإن فارقتها بأشياء اُخرى ، ومن تلك الخصائص :

كثرة الملائكة الموكّلين بقبره الشريف للصلاة عنده وعليه ، كما هو حال

________________

١ ـ الكافي ٤ : ٥٨٨ / ٦ ، وكامل الزيارات : ٤٥٨ / ٦٩٤. تهذيب الأحكام ٦ : ٧١ / ٢ ، بحار الأنوار ٥٧ : ٣٧ ، مزار المفيد : ٢٤ / ٢ و ١٤١ / ٣.

٢ ـ كامل الزيارات : ٤٥١ ، كتاب أبي سعيد العصفري : ١٧.

١٣٠

الجنّة.

ومنها : قداسة تربة القبر ، كما هو حال تربة الجنّة.

ومنها : استجابة الدعاء عنده ، كما هو حال دعاء أهل الجنّة فيها.

ومنها : تواجد كلّ الأنبياء والمرسلين حول قبره الشريف وزيارتهم له كما هو حال تواجدهم في الجنّة ، وعلى هذا المنوال بقيّة الخصائص المقدّسة.

كما يصحّ القول أيضاً بأنّ مجرى نهر الفرات هو من الجنّة ، فقد أخرج الكلينيّ بسنده عن أبي عبد الله ، قال : «يدفق في الفرات كل يوم دفقات من الجنّة» (١).

وفي آخر عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «تقطر في الفرات كلّ يوم قطرات من الجنّة» (٢).

وفي ثالث : عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «ما أخال أحدا يحنّك بماء الفرات إلاّ أحبّنا أهل البيت» ، وقال عليه‌السلام : «ما سُقي أهلُ الكوفة ماء الفرات إلاّ لأمرٍ ما؟!»

وقال عليه‌السلام : «يصبّ فيه ميزابان من الجنّة» (٣).

كما أن إطلاق لفظ «الحوراء» على مولاتنا فاطمة مع أنّها إنسان ، جاء لان مادّتها جاءت من الجنّة ، فصارت ماءً في صلب النبيّ ، وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله يُكثر من شمّها وتقبيلها تذكّرا بالجنّة.

وقد يكون في ما رواه ابن شهرآشوب عن الحسن البصري وأمّ سلمة إشارة إلى ذلك ، فقالا :

________________

١ ـ الكافي ٦ : ٣٨٨ / ٢ ، بحار الأنوار ٥٧ : ٣٧.

٢ ـ كامل الزيارات : ١٠٨ / ١٠٦.

٣ ـ الكافي ٦ : ٣٨٨ / ١.

١٣١

أنّ الحسن والحسين عليها‌السلام دخلا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبين يديه جبرئيل عليه‌السلام ، فجعلا يدوران حوله يشبّهانه بدحية الكلبيّ ، فجعل جبرئيل عليه‌السلام يومئُ بيده كالمتناول شيئا ، فإذا في يده تفّاحة وسفرجلة ورمّانة ، فناولهما وتهلّل وجهاهما وسعيا إلى جدّهما ، فأخذ منهما فَشَمَّهُما ، ثمّ قال : صيرا إلى أُمّكما بما معكما ، ابدءا بأبيكما ، فصارا كما أمرهما ، فلم يأكلوا حتّى صار النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إليهم فأكلوا جميعا ، فلم يزل كلّما أكل منه عاد إلى ما كان حتّى قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

قال الحسين عليه‌السلام : فلم يلحقه التغيير والنقصان أيّام فاطمة عليها‌السلام بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى توفّيت ، فلمّـا توفّيت فَقَدْنا الرمّان وبقي التفّاح والسفرجل أيّام أبي ، فلمّـا استشهد أميرالمؤمنين عليه‌السلام فُقِدَ السفرجل وبقي التّفاح على هيئته عند الحسن عليه‌السلام حتّى مات في سمّه.

وبقيت التفّاحة إلى الوقت الّذي حوصرت عن الماء ، فكنت أشمّها إذا عطشت فيسكن لهب عطشي ، فلمّـا اشتدّ عَلَيَّ العطش عضضتها وأيقنت بالفناء.

قال عليّ بن الحسين عليها‌السلام : سمعت أبي يقول ذلك قبل قتله بساعة ، فلمّـا قضى نحبه وجد ريحها في مصرعه ، فالُتمِسَت فلم يُرَلها أثرٌ ، فبقي ريحها بعد الحسين عليه‌السلام ، ولقد زرت قبره فوجدت ريحها تفوح من قبره ، فمن أراد ذلك من شيعتنا الزائرين للقبر فليلتمس ذلك في أوقات السحر فإنّه يجده إذا كان مخلِصاً (١).

* * *

وبهذا فقد اتضح لنا بشكل جلي معنى قول الصادق عليه‌السلام : «وموضع قبره منذ يوم دفن روضة من رياض الجنّة» لأنّه أضحى مختلف الملائكة ، وما من

________________

١ ـ مناقب ابن شهر آشوب ٣ : ١٦٠ ـ ١٦١ ، مستدرك الوسائل ١٠ : ٤١١ ـ ٤١٢ / ١٢٢٧٢ ، جامع أحاديث الشيعة ١٢ : ٥٢١ / ٣٨٣٤.

١٣٢

ليلة تمضى إلاّ وجبرئيل وميكائيل يزورانه (١).

وفي بعض الأخبار أنّ فطرس يبلّغ سلام زائر الحسين وصلاته إلى الحسين (٢).

وأنّ قبر الحسين مقصد الأنبياء والمرسلين (٣) ، ومستجاب عنده الدعوة إلى غيرها الكثير من الأخبار.

إنّ فاطمة وأباها جوهرٌ واحدٌ ، وعليّ والرسول نفسٌ واحدة (٤) ، وقد زوّج رسول الله عليّا بفاطمة ، لأنّه كفؤها وليس لها كفؤ غيره ، وذلك بأمر من الربّ الجليل ، فرزقهم الله أولادا طاهرين مطهّرين معصومين هم أئمّة المسلمين.

إذن المودّة تُوازي نفس الرسالة ، وعليّ بن أبي طالب هو نفس الرسول ، والزهراء أُمّ أبيها ، فالثمن يعادل المثمّن في هذه المفردات حقّا بخلاف غيرها.

وذلك لأنّة ليس هناك من هو أفضل من الإمام عليّ ؛ فهو وليد الكعبة (٥) ،

________________

١ ـ كامل الزيارات : ٤٥٢ / ٦٨٤ ، بحار الأنوار ٩٨ : ١٠٩ / ١٦ ، مستدرك الوسائل ١٠ : ٢٦١ / ١١٩٧٢.

٢ ـ كامل الزيارات : ١٤٠ / ١٦٥ ، أمالى الصدوق : ٢٠٠ / ٢١٥.

٣ ـ انظر كامل الزيارات : ٢٢٠ حيث أفرد بابا كاملاً لذلك.

٤ ـ روى أحمد في فضائل الصحابة ٢ : ٦٦٢ / ١١٣٠ ، عن النبي يقول : كنت أنا وعلي نورا بين يدي الله عزّوجلّ قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام ، فلمّـا خلق الله آدم قسم ذلك النور جزءين ، فجزء أنا وجزء علي.

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله فلمّـا خلق الله آدم ركب ذلك النور في صلبه فلم يزل في شيء واحد حتى افترقا في صلب عبد المطلب ففيّ النبوّة ، وفي عليّ الخلافة. الفردوس بمأثور الخطاب ٢ : ١٩١ / ٢٩٥٢.

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : نُقلتُ من كرام الأصلاب إلى مطهّرات الأرحام ، وخرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح ، وما مسّني عرق سفاح قطّ ، وما زلت أُنقل من الأصلاب السليمة من الوصوم ، والأرحام البريئة من العيوب ، شرح نهج البلاغة ١١ : ٧٠.

٥ ـ المستدرك على الصحيحين ٣ : ٥٥٠ / ٦٠٤٤ ، مروج الذهب ٢ : ٣٤٩ ، السيرة الحلبيّة ٣ : ٤٩٨ ، خصائص الأئمّة : ٣٩ ، نهج الإيمان : ٦٦٠ / الفصل ٤٣.

١٣٣

والّذي استُشهد في محراب العبادة (١) ، وهو الّذي لم يسجد لصنمٍ قطّ (٢) ، وهو المطهّر الّذي سكن مسجد رسول الله (٣) ، وهو الصدّيق الّذي آمن بالله وآدم بين الروح والجسد (٤) ، وهو أوّل القوم إسلاما (٥) ، وأسبقهم إيمانا (٦) ؛ لم يسبقه إلى الصلاة إلاّ رسول الله (٧) ، وهو أخو الرسول (٨) بل نفسه (٩) ، وزوج البتول (١٠) ، وأبو السبطين الحسن والحسين ، وهو الّذي بذل مهجته في نصرة دين الله

________________

١ ـ طبقات ابن سعد ٣٣ : ٣ ، مشاهير علماء الأمصار : ٦ ، المعجم الكبير ٩٧ : ١ / ١٦٨.

٢ ـ تاريخ اربل ١ : ١٠١ ، إيضاح الفوائد ١ : ٦ ، بحار الأنوار ٤٢ : ٢٨٣ ، فتح المغيث ١٨٤ : ٢.

٣ ـ مسند أحمد ١ : ١٧٥ / ١٥١١ ، تاريخ دمشق ٤٢ : ٢٣٨ / ١٦٥ ، القول المسدّد : ١٨ ، ذخائر العقبى : ٧٦ ، مناقب ابن شهرآشوب ٢ : ٣٧ ، العمدة : ١٨٠.

٤ ـ الأمالي للمفيد : ٦ / ٣ ، الأمالي للطوسيّ : ٦٦٦ / ١٢٩٢ ، بحار الأنوار ٢٤٠ : ٣٩.

٥ ـ مسند أحمد ١ : ٣٣٠ / ٣٠٦٢ ، ٤ : ٣٦٨ / ١٩٣٠٠ ، مسند البزّار ٩ : ٣٢٢ / ٣٨٧٢ ، الأوائل للطبرانيّ : ٧٨ / ٥١ و ٥٣ ، الأوائل لابن أبي عاصم : ٧٩ / ٧٠ و ٧٤ و ١٠٧ ، طبقات ابن سعد ٣ : ٢١.

٦ ـ المعجم الكبير ١ : ٩٥ / ١٦٣ ، ٦ : ٢٦٩ / ٦١٨٤ ، مسند البزّار ٩ : ٣٤٢ / ٣٨٩٨ / ١٩٣٠٣ ، مجمع الزوائد ٩ : ١٠٢ ، عن الطبرانيّ ورجاله رجال الصحيح ، الاستيعاب ٣ : ١٠٩١ ، ١٠٩٥ ، ٤ : ١٨٢٠.

٧ ـ نهج البلاغة ٢ : ١٣ / الخطبة ١٣١ ، الطبقات الكبرى ٣ : ٢١ ، مسند أحمد ٤ : ٣٦٨ ، سنن الترمذيّ ٥ : ٣٠٥ ، المستدرك على الصحيحين ٣ : ٥٠٠ ، قال : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، مجمع الزوائد ٩ : ١٠٣ ، قال : رجاله رجال الصحيح عدا حبّة العرنيّ وقد وثّقاه ، مصنّف ابن أبي شيبة ٨ : ٤٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٤ / ١٢٠.

٨ ـ سنن الترمذي ٥ : ٥٣٦ / ٣٧٢٠ ، مسند أبي يعلى ١ : ٤٣٧ / ٤٤٥ ، ١ : ٤٠١ / ٥٢٨ ، ٤ : ٢٦٦ / ٢٣٧٩ ، مسند أحمد ١ : ٢٣٠ / ٤٢٨٨ ، المعجم الكبير ١٢ : ٤٢٠ / ١٣٥٤٩ ، الإصابة ٤ : ٥٦٥ ، تاريخ بغداد ٧ : ٣٨٧.

٩ ـ تفسير السمعانيّ ١ : ٣٢٧ ، تفسير ابن كثير ١ : ٣٧٢ ، تفسير البغويّ ١ : ٣١٠ ، المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٦٣ / ٤٧١٩ ، قال : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

١٠ ـ سنن أبي داوود ٢ : ٢٤٠ ، سنن النسائيّ ٦ : ١٢٩ ، ١٣٠ ، مسند أحمد ١ : ٨٠ ، مسند البزّار ٢ : ١١٠ ، تاريخ دمشق ٤٢ : ١٢٤ ، البداية والنهاية ٧ : ٣٤٢.

١٣٤

وحماية رسول ربّ العالمين (١) ، ونام على فراشه صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) واقياً له بنفسه ، وكان صاحب رايته في الحروب (٣) وصاحب عِلمِهِ (٤) ، وأحبّ الخلق إليه (٥) ، وأمينه (٦) ، ووزيره (٧) ، ووصيّه (٨) ، المؤدّي عنه دينه (٩) ، والمؤمن الّذي لم ينقلب على

________________

١ ـ انظر : كلام أمير المؤمنين عليه‌السلام في نهج البلاغة ١ : ١٠٥ ، الخطبة ٥٦ ، و ١ : ٢٠٠ ، الخطبة ١٠٤ ، وتاريخ الطبريّ ٢ : ٦٥ ، والأغاني ١٥ : ١٨٧.

٢ ـ تفسير الطبريّ ٩ : ٢٢٨ ، الدرّ المنثور ٤ : ٥١ ، ٥٣ ، مصنّف عبدالرزاق ٥ : ٣٨٩ ، المعجم الكبير ١١ : ٤٠٧.

٣ ـ انظر : تاريخ الطبريّ ٢ : ٢٠ و ٢ : ٥٠ و ٢ : ١١٣ ، وتاريخ خليفة : ٦٧.

٤ ـ انظر : المعجم الكبير ١١ : ٦٥ / ١١٠٦١ ، والمستدرك على الصحيحين ٣ : ١٣٧ / ٤٦٣٧ ـ ٤٦٣٨ ، ١٣٨ / ٤٦٣٩ ، والتفسير الكبير ٣ : ١٣٧ ، ١٣٨ ، ٨ : ٢٠ ، وشرح المقاصد ٢ : ٣٠٠ ، وينابيع المودّة ١ : ١٣٧ ، ٢٠٥٢ ، ٢٢٠ ، ٢٢٢ ، وغيره.

٥ ـ اُنظر : سنن الترمذيّ ٥ : ٦٣٦ / ٣٧٢١ ، والمعجم الكبير ١ : ٢٥٣ / ٧٣٠ ، و ٧ : ٨٢ / ٦٤٣٧ ، و ١٠ : ٢٨٢ / ١٠٦٦٦٧ ، سنن النسائيّ الكبرى ٥ : ١٠٧ / ٨٣٩٨ ، المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٤١ / ٤٦٥٠ ، و ٣ : ١٤٢ / ٤٦٥١ ، علل الشرائع ١ : ٦١ ، الفصول المختارة : ٩٦ ، كنز الفوائد : ٢٢٨ ، الأمالي للطوسيّ : ٣٥٣ ، و ٣٣٢ ، و ٥٥٨ ، الاحتجاج للطبرسيّ ١ : ١٧٣ ، و ١٧٤ و ١٩٠.

٦ ـ مسند البزّار ٣ : ١٠٥ / ٨٩١ ، السنّة لابن أبي عاصم ٢ : ٥٩٩ / ١٣٣٠ ، المطالب العالية ٨ : ٣٨٤ / ١٦٨٥ ، مجمع الزوائد ٩ : ١٥٦ ، خصائص عليّ للنسائيّ ١ : ٩٠ / ٧٣.

٧ ـ السنن الكبرى للنسائيّ ٥ : ١٢٦ / ٨٤٥١ ، المعجم الكبير ١٢ : ٣٢١ ، الذيل على جزء بقي بن مخلّد : ١٢٦ ، عيون أخبار الرضا ١ : ١٦ / ٣٠ ، وسائل الشيعة ٢٧ : ١٨٦ / ٣٣٥٦٠ ، شرح الأخبار ١ : ١٢١ / ٤٨.

٨ ـ بصائر الدرجات : ١٨٦ / ١٩ ، علل الشرائع ١ : ١٧٠ / ١ ، ٢ ، كنز الفوائد : ١٨٥ ، أمالي الطوسيّ : ٥٨ / ٨٣ ، المعجم الكبير ٣ : ٥٧ / ٢٦٧٥ ، شرح النهج ١٣ : ٢١١ ، تاريخ الطبريّ ٢ : ٦٣ ، جواهر المطالب ١ : ٨٠.

٩ ـ عيون أخبار الرضا ١ : ١٣ / ٢٣ ، الخصال : ٤١٥ / ٥ ، أمالي الصدوق : ٢٥٠ ، كفاية الأثر : ١٢١ ، كتاب السنّة لابن أبي عاصم : ٥٥١ / ١١٨٩ ، السنن الكبرى للنسائيّ ٥ : ١٠٧ / ٨٣٩٧ ، ٥ : ١٣٤ / ٨٤٧٩ ، وخصائصه : ١٠١ ، تاريخ دمشق ٤٢ : ٤٩.

١٣٥

عقبيه (١) ، والمنتظِر الّذي لم يبدّل تبديلاً (٢).

إنّ شخصا كعليّ بن أبي طالب عليه‌السلام اختصّه الله بأُمورٍ لم تكن عند الآخرين لحريٌّ أن يكون القدوة والأُسوة للمؤمنين ووصيّا لرسول ربّ العالمين. وأن کون الاجير ومعيار الحق والباطل وقسيم الجنة والنار.

(١١)

الشفاعة والصلاة هما من الأجر للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

لقد عرفت مما سبق بأنّ الله لا يضيع أجر المؤمنين (٣) والمصلحين (٤) والمحسنين (٥) ، وقد وعد رسوله الصادق الأمين بأنّه سوف يعطيه من الأجر حتّى يرضى ، وكان من عطائه وفضله له أن رفع ذكره في التشهّد والأذان ، وصلّى عليه هو وملائكته ، وأعطاه الشفاعة في أُمّته حتّى طمع فيه إبليس (٦).

وقد مر عليك ما قاله رسول الله للصديقة فاطمة الزهراء بأنها ستنال مقام

________________

١ ـ المعجم الكبير ١ : ١٠٧ / ١٧٦ ، مجمع الزوائد ٩ : ١٣٤ ، سنن النسائي الكبرى ٥ : ١٢٥ / ٨٤٥٠ ، المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٣٦ / ٤٦٣٥ ، مناقب الكوفيّ ١ : ٣٣٩ / ٢٦٥ ، العمدة : ٤٤٤ / ٩٢٧.

٢ ـ الخصال : ٣٧٦ ، الاختصاص : ١٧٤ ، بحار الأنوار ٣١ : ٣٤٩ ، و ٣٥ : ٤٥٠ ، و ٣٨ : ١٧٨ ، و ٦٤ : ١٩٠ ، ينابيع المودّة ١ : ٢٨٥.

٣ ـ آل عمران : ١٧١.

٤ ـ سورة الأعراف : ١٧٠.

٥ ـ التوبة : ١٢٠ ، وهود : ١١٥ ، ويوسف : ٥٦ ، ٩٠.

٦ ـ المعجم الاوسط ٥ : ٢٠٢ ـ ٢٠٣ / ٥٠٨٢ ، ذخائر العقبى : ٧.

١٣٦

الشفاعة ، والإمام علي الذود عن الحوض ، فيسقي أولياءه ويذود عنه أعداءه ويكون قسيم الجنّة والنار ، والزهراء عليها‌السلام تلتقط شيعتها كما يلتقت الطير الحبّ الجيد من الحبّ الردي ، کلّ ذلك رضاهما بشهادة ولدهما الحسين بن علي.

والحسين تبكيه الملائكة ويكون زائره كمن زار الله في عرشه ... ال غير ذلك من الاخبار.

ومقام الشفاعة مقام کبير أعطيه النبي والأئمّة عليهم‌السلام ، وذلك في قوله تعالى (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) (١) فهو مقام فوق كلّ المقامات.

لکن أهل العراق کانوا يقولون بأن هناك مقام آخر وهو قوله تعالى : (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَحْمَةِ اللّه إِنَّ اللّه يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (٢).

فقد أخرج السيوطيّ في الدرّ المنثور عن ابن المنذر وابن مردويه وأبي نعيم في الحلية من طريق حرب بن شريح ، قال : قلت لأبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين عليهم‌السلام : أرأيت هذه الشفاعة الّتي يتحدّث بها أهل العراق أحقّ هي؟

قال : إي والله ، حدّثني عمّي محمّد بن الحنفيّة ، عن عليّ عليه‌السلام أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : أشفع لأُمّتي حتّى يناديني ربّي : أرضيتَ يا محمّد؟ فأقول : نعم يا ربّ رضيتُ.

ثمّ أقبل عَلَيَّ فقال : إنّكم تقولون يا معشر أهل العراق إنّ أرجى آية في كتاب الله : (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن

________________

١ ـ الضحى : ٥.

٢ ـ الزمر : ٥٣.

١٣٧

رَحْمَةِ اللّه إِنَّ اللّه يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) ، قلت : إنّا لنقول ذلك ، قال : فكلّنا أهل البيت نقول : إنّ أرجى آية في كتاب الله : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) وهي الشفاعة.

بلى ، إنّ الإمام كان يرى أنّ آية : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) أدلّ على الرحمة لأن فيها مقام الشفاعة لرسول الله وأنّ الله قد أعطاه هذه المنزلة مضافا إلى رفع ذكره في التشهّد والأذان ، والصلاة عليه هو وملائکته إلى قيام يوم القيامة ، بقوله تعالى : (إِنَّ اللّه وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيما) (٢).

فالله سبحانه لم يخبرنا عن ماضي فعله وأنّه قد صلّى على نبيّه محمد في الزمن الغابر ، بل أخبرنا عمّـا هو وملائكته فيه الآن وبعد الآن إل يوم القيامة.

فهم يصلّون عل محمد بن عبد الله في الحال والمستقبل إلى قيام يوم الدين ، ولم يکتف سبحانه بذلك حتّ أمر المؤمنين بالصلاة عليه تعظيما له صلى‌الله‌عليه‌وآله وأجراً لما فعله.

وبما أنّ النّاس كانوا يعرفون السلام على الرسول ، فسألوه صلى‌الله‌عليه‌وآله : كيف نصلّي عليك؟ فصمت الرسول ، ثمّ قال : إذا أنتم صلّيتم عليَّ فقولوا : اللهمّ صلّ على محمّد النبيّ الأمّي وعلى آل محمّدٍ كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم ، وبارك على محمّد النبيّ الأُمّيّ كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد (٣).

________________

١ ـ الدرّ المنثور ٨ : ٥٤٣ ، ورواه الثعلبيّ في تفسيره ١٠ : ٢٢٤ ، حلية الأولياء ٣ : ١٧٩ ، روح المعاني ٣٠ : ١٦٠.

٢ ـ الاحزاب : ٥٦.

٣ ـ انظر : مسند أحمد ٤ : ١١٩ / ١٧١١٣ ، المستدرك على الصحيحين ١ : ٤٠١ / ٩٨٨ ، وقال : حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ، معرفة السنن والآثار ٢ : ٤٠ / ٩٠٢.

١٣٨

ثمّ نهاهم عن الصلاة عليه بالصلاة البتراء ؛ بأن يذكروه ولا يذكروا آله معه (١).

كلّ هذه الأُمور لو جُمعت مع آية التطهير وحديث الثقلين وآية المودّة وآية المباهلة ، وآية كونوا مع الصادقين وأمثالها ، لأعطتنا معرفةً إجماليّة بقيمة ومنزلة الرسول وأهل بيته عند الله ، ولزوم التوجّه بهم ال الله في حوائجنا ، وزيارتهم أحياءً كانوا أو أمواتا ، لأنّ لهم في أعناقنا بيعة ، ولهم علينا فضلاً ، وفي زيارتهم نجاتنا.

لأنّ صلواتنا وصيامنا لا يمكن التعويل عليها لوحدها ، وأن نجاتنا تأت من طريق شفاعة رسول الله ، وهي أرجى ما يامله المومن لعقباه.

فعن عبد الله بن يحيى الكاهليّ ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : من أراد أن يكون في كرامة الله يوم القيامة وفي شفاعة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله فليكن للحسين عليه‌السلام زائراً ، ينال من الله الفضل والكرامة [أفضل الكرامة ـ خ ل] وحسن الثّواب ، ولا يسأله عن ذنب عمله في الحياة الدّنيا ولو كانت ذنوبه عدد رمل عالج وجبال تهامة وزبد البحر ، إنّ الحسين عليه‌السلام قتل مظلوما ، مضطهدا نفسه ، عطشانا هو وأهل بيته وأصحابُهُ (٢).

وعن سيف الّتمّـار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : زائر الحسين عليه‌السلام مشفَّعٌ يوم القيامة لمائة رجل كلّهم قد وجبت لهم النّار ممّن كان في الدّنيا من المسرفين (٣).

________________

١ ـ حاشية الطحاوي على مراقي الفلاح ١ : ٨ ، الصواعق المحرقة ٢ : ٤٣٠.

٢ ـ كامل الزيارات : ٢٨٨ ـ ٢٨٩ ، بحار الأنوار ١٠١ : ٢٧ ، مستدرك الوسائل ١٠ : ٢٣٧ ، جامع أحاديث الشيعة ١٢ : ٣٥٩.

٣ ـ كامل الزيارات : ٣٠٩ ، بحار الأنوار ١٠١ : ٧٧ ، مستدرك الوسائل ١٠ : ٢٥٣ ، جامع أحاديث الشيعة ١٢ : ٣٧٨.

١٣٩

وعن عبد الله بن شعيب الّتميميّ ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : ينادي مناد يوم القيامة : أين شيعة آل محمّدٍ؟ فيقوم عنُقٌ من النّاس لا يحصيهم إلاّ الله تعالى فيقومون ناحية من النّاس ، ثمّ ينادي مناد : أين زوّار قبر الحسين عليه‌السلام؟ فيقوم أناس كثير فيقال لهم : خذوا بيد من أحببتم انطلقوا بهم إلى الجنّة ، فيأخذُ الرّجل من أحبّ ؛ حتّى أنّ الرّجل من النّاس يقول لرجل : يا فلان أما تعرفني؟ أنا الّذي قمتُ لك يوم كذا وكذا ، فيدخله الجنّة لا يدفع ولايمنع (١).

وعن عبد الله بن الفضل الهاشميّ ، قال : كنت عند أبي عبد الله جعفر بن محمّد الصادق عليها‌السلام فدخل عليه رجل من أهل طوس ، فقال له : يابن رسول الله ما لمن زار قبر أبي عبد الله الحسين بن عليٍّ عليها‌السلام؟ فقال له : يا طوسيّ من زار قبر أبي عبد الله الحسين بن عليّ عليها‌السلام وهو يعلم أنّه إمام من الله مفترض الطاعة على العباد غفرالله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ، وقَبِل شفاعته في سبعين مذنبا ، ولم يَسألِ الله عزّ وجل عند قبره حاجةً إلاّ قضاها له ـ الحديث (٢).

وعليه فإن هذا البحث قد وضح لنا مکانة العترة وقرب النب وخصوصاَ مکانة الامام الحسين ، وأن الانسان لو أراد کرامة الله يوم القيامة ، وشفاعة النب محمد ، وأن يکون ممن يشفع لمائة رجل کلهم وجبت له النار فليکن زائراً الحسين.

________________

١ ـ كامل الزيارات : ٣١١ ، بحار الأنوار ١٠١ : ٢٧ ، مستدرك الوسائل ١٠ : ٢٣٧ ـ ٢٣٨ ، جامع أحاديث الشيعة ١٢ : ٣٧٩.

٢ ـ أمالي الصدوق : ٤٧٠ ـ ٤٧١ ، بحار الأنوار ١٠١ : ٢٣ و ١٠٢ : ٤٢ ، تهذيب الأحكام ٦ : ١٠٨ وفيه «قبل شفاعته في خمسين مذنبا» ، وسائل الشيعة ١٤ : ٤١٥ ، جامع أحاديث الشيعة ١٢ : ٥٩٧ ، الوافي ١٤ : ١٤٤٧ ـ ١٤٤٨.

١٤٠