العقائد الحقّة

السيد علي الحسيني الصدر

العقائد الحقّة

المؤلف:

السيد علي الحسيني الصدر


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الغدير
المطبعة: سرور
الطبعة: ١
ISBN: 964-8485-25-1
الصفحات: ٦٦٧

والشفاعة من الحقائق الناصعة والأنوار الساطعة في الكتاب والسنّة ، فقد ثبتت بقطعي الكتاب وتواتر الأحاديث.

وهي من العقائد الحقّة والإعتقادات الصادقة النزيهة عن كلّ ريب والمتعالية عن كلّ عيب ، فلا يمكن إنكارها أو استبعادها.

قال الشيخ الصدوق : «إعتقادنا في الشفاعة أنّها لمن ارتضى اللّه دينه من أهل الكبائر والصغائر ، فأمّا التائبون من الذنوب فغير محتاجين إلى الشفاعة ... والشفاعة لا تكون لأهل الشكّ والشرك ، ولا لأهل الكفر والجحود ، بل تكون للمذنبين من أهل التوحيد» (١).

وأفاد العلاّمة المجلسي : «يلزم الإعتقاد بشفاعة النبي الأكرم وأهل بيته الطاهرين ، وهي مختصّة بالمؤمنين» (٢).

وقال الشيخ الطبرسي : «وهي ـ يعني الشفاعة ـ ثابتة عندنا للنبي ولأصحابه المنتجبين والأئمّة من أهل بيته الطاهرين ولصالح المؤمنين وينجّي اللّه تعالى بشفاعتهم كثيرا من الخاطئين» (٣).

وقال السيّد الشبّر : «لا خلاف بين المسلمين في ثبوت الشفاعة لسيّد المرسلين في اُمّته بل في سائر الاُمم الماضية ، بل ذلك من ضروريات الدين» (٤).

وتعرف من عبارة السيّد أنّ الشفاعة ثابتة لا عند الخاصّة فحسب بل حتّى عند العامّة .. وهو كذلك.

__________________

(١) إعتقادات الصدوق : (ص٦٦).

(٢) إعتقادات المجلسي : (ص٤٢).

(٣) مجمع البيان : (ج١ ص١٠٣).

(٤) حقّ اليقين : (ج٢ ص١٣٤).

٤٨١

فقد قال النووي في شرح صحيح مسلم : «قال القاضي عياض : مذهب أهل السنّة جواز الشفاعة عقلاً ، ووجوبها سمعا بصريح الآيات ، وبخبر الصادق ، وقد جاءت الاثار التي بلغت بمجموعها التواتر بصحّة الشفاعة في الآخرة لمذنبي المؤمنين ، وأجمع السلف الصالح من بعدهم من أهل السنّة عليها» (١).

ثمّ إنّ الدليل على الشفاعة ثابت بالأدلّة العلميّة من الكتاب الكريم والسنّة المتواترة.

أمّا الكتاب فمثل :

١ ـ قوله تعالى : (لاَ يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدا) (٢).

٢ ـ قوله تعالى : (يَوْمَئِذٍ لاَ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِىَ لَهُ قَوْلاً) (٣).

٣ ـ قوله تعالى : (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) (٤).

إلى غير ذلك من آي الكتاب الكريم.

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٨ ص٦٢).

(٢) سورة مريم : (الآية ٨٧).

(٣) سورة طه : (الآية ١٠٩).

(٤) سورة الأنبياء : (الآية ٢٨).

٤٨٢

وأمّا السنّة :

فالأحاديث المتظافرة المتواترة التي تفوق على مئة حديث قد وردت في المصادر المعتمدة وجمعت في بحار الأنوار في بابين ، أحدهما : باب الشفاعة من كتاب العدل والمعاد ، ويشتمل على ستّة وثمانين حديثا ، وثانيهما : باب الصفح عن الشيعة وشفاعة أئمّتهم من كتاب الإيمان والكفر ، ويشتمل على سبعة وتسعين حديثا.

فلاحظ من هذه الأحاديث المباركة التي تفيد العلم بثبوت الشفاعة للنبي وآله الطاهرين سلام اللّه عليهم أجمعين ما يلي :

١ ـ حديث الحسين بن خالد ، عن الإمام الرضا ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين عليهم‌السلام قال : قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله :

«من لم يؤمن بحوضي فلا أورده اللّه حوضي ، ومن لم يؤمن بشفاعتي فلا أناله اللّه شفاعتي.

ثمّ قال عليه‌السلام : إنّما شفاعتي لأهل الكبائر من اُمّتي ، فأمّا المحسنون فما عليهم من سبيل.

قال الحسين بن خالد : فقلت للرضا عليه‌السلام : يابن رسول اللّه! فما معنى قول اللّه عزوجل : (وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى) (١)؟

قال : لا يشفعون إلاّ لمن ارتضى اللّه دينه» (٢).

٢ ـ حديث سماعة ، عن أبي عبداللّه عليه‌السلام قال :

«سألته عن شفاعة النبي يوم القيامة؟

__________________

(١) سورة الأنبياء : (الآية ٢٨).

(٢) بحار الأنوار : (ج٨ ص٣٤ ب٢١ ح٤).

٤٨٣

قال : يلجم الناس يوم القيامة العرق (١) ، فيقولون : انطلقوا بنا إلى آدم يشفع لنا (عند ربّه ـ خ ل) ، فيأتون آدم فيقولون : اشفع لنا عند ربّك ، فيقول : إنّ لي ذنبا وخطيئة فعليكم بنوح ، فيأتون نوحا فيردّهم إلى من يليه ، ويردّهم كلّ نبي إلى من يليه حتّى ينتهون إلى عيسى فيقول : عليكم بمحمّد رسول اللّه ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى جميع الأنبياء ـ فيعرضون أنفسهم عليهم ويسألونه فيقول : انطلقوا ، فينطلق بهم إلى باب الجنّة ويستقبل باب الرحمن ويخرّ ساجدا فيمكث ما شاء اللّه.

فيقول اللّه عزوجل : ارفع رأسك واشفع تُشفّع وسَل تُعطَ ، وذلك قوله : (عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاما مَحْمُودا) (٢)» (٣).

٣ ـ حديث القلانسي ، عن الإمام الصادق جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله :

«إذا قمتُ المقام المحمود تشفّعت في أصحاب الكبائر من اُمّتي فيشفّعني اللّه فيهم ، واللّه لا تشفّعت فيمن آذى ذرّيتي» (٤).

٤ ـ حديث محمّد بن عمارة المتقدّم ، عن أبيه قال : قال الصادق جعفر بن محمّد عليهما‌السلام :

__________________

(١) قال في مجمع البحرين : (ص٥٣٧) : ألجمهم العرق أي سال منهم إلى أن يصل إلى قرب أفواههم فكأنّما ألجمهم.

(٢) سورة الإسراء : (الآية ٧٩).

(٣) بحار الأنوار : (ج٨ ص٣٥ ـ ٣٦ ب٢١ ح٧).

(٤) بحار الأنوار : (ج٨ ص٣٧ ب٢١ ح١٢).

٤٨٤

«من أنكر ثلاثة أشياء فليس من شيعتنا : المعراج ، والمساءلة في القبر ، والشفاعة» (١).

٥ ـ حديث تفسير القمّي عند قوله تعالى : (وَلاَ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) (٢) ، قال : لا يشفع أحد من أنبياء اللّه ورسله يوم القيامة حتّى يأذن اللّه له إلاّ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإنّ اللّه قد أذن له في الشفاعة من قبل يوم القيامة.

والشفاعة له وللأئمّة من ولده ، ثمّ بعد ذلك للأنبياء صلوات اللّه وعلى محمّد وآله وعليهم.

قال : حدّثني أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمّار ، عن أبي العبّاس المكبّر قال : دخل مولى لامرأة علي بن الحسين صلوات اللّه عليهما على أبي جعفر عليه‌السلام يقال له : أبو أيمن ، فقال : ياأبا جعفر! تغرّون الناس وتقولون : شفاعة محمّد ، شفاعة محمّد! فغضب أبو جعفر عليه‌السلام حتّى تربّد وجهه (٣) ، ثمّ قال :

«ويحك ياأبا أيمن! أغرّك أن عفّ بطنك وفرجك؟

أما لو قد رأيت أفزاع القيامة لقد احتجت إلى شفاعة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويلك! فهل يشفع إلاّ لمن وجبت له النار؟

ثمّ قال : ما أحد من الأوّلين والآخرين إلاّ وهو محتاج إلى شفاعة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم القيامة.

ثمّ قال أبو جعفر عليه‌السلام : إنّ لرسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله الشفاعة في اُمّته ، ولنا شفاعة في شيعتنا ، ولشيعتنا شفاعة في أهاليهم.

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٨ ص٣٧ ب٢١ ح١٣).

(٢) سورة سبأ : (الآية ٢٣).

(٣) تربّد وجهه : أي تغيّر من الغضب.

٤٨٥

ثمّ قال : وإنّ المؤمن ليشفع في مثل ربيعة ومضر ، وإنّ المؤمن ليشفع حتّى لخادمه ، ويقول : ياربّ! حقّ خدمتي كان يقيني الحرّ والبرد» (١).

٦ ـ حديث داود بن سليمان ، عن الإمام الرضا ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين عليهم‌السلام قال : قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله :

«إذا كان يوم القيامة وُلّينا حساب شيعتنا ، فمن كانت مظلمته فيما بينه وبين اللّه عزوجل حكمنا فيها فأجابنا ، ومن كانت مظلمته بينه وفيما بين الناس استوهبناها فوهبت لنا ، ومن كانت مظلمته فيما بينه وبيننا كنّا أحقّ من عفا وصفح» (٢).

٧ ـ حديث علي بن أبي حمزة قال : قال رجل لأبي عبداللّه عليه‌السلام :

«إنّ لنا جارا من الخوارج يقول : إنّ محمّدا يوم القيامة همّه نفسه فكيف يشفع؟

فقال أبو عبداللّه عليه‌السلام : ما أحد من الأوّلين والآخرين إلاّ وهو يحتاج إلى شفاعة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم القيامة» (٣).

٨ ـ حديث تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام في قول اللّه عزوجل : (وَاتَّقُوا يَوْما لاَ تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئا) (٤).

«لا يدفع عنها عذاب قد استحقّته عند النزع (وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٨ ص٣٨ ب٢١ ح١٦).

(٢) بحار الأنوار : (ج٨ ص٤٠ ب٢١ ح٢٤).

(٣) بحار الأنوار : (ج٨ ص٤٢ ب٢١ ح٣١).

(٤) سورة البقرة : (الآية ٤٨).

٤٨٦

شَفَاعَةٌ) (١) يشفع لها بتأخير الموت عنها (وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ) (٢) لا يقبل فداء مكانه يمات ويترك هو.

قال الصادق عليه‌السلام : وهذا يوم الموت ، فإنّ الشفاعة والفداء لا يغني فيه (عنه ـ خ ل) فأمّا في يوم القيامة فإنّا وأهلنا نجزي عن شيعتنا كلّ جزاء ليكوننّ على الأعراف بين الجنّة محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام ، والطيّبون من آلهم ، فنرى بعض شيعتنا في تلك العرصات فمن كان منهم مقصّرا في بعض شدائدها فنبعث عليهم خيار شيعتنا كسلمان والمقداد وأبي ذرّ وعمّار ونظرائهم في العصر الذي يليهم وفي كلّ عصر إلى يوم القيامة ، فينقضّون عليهم كالبزاة والصقور ويتناولونهم كما يتناول البزاة والصقور صيدها فيزفّونهم إلى الجنّة زفّا.

وإنّا لنبعث على آخرين (من ـ خ ل) محبّينا من خيار شيعتنا كالحمام فيلتقطونهم من العرصات كما يلتقط الطير الحبّ وينقلونهم إلى الجنان بحضرتنا.

وسيؤتى بالواحد من مقصّري شيعتنا في أعماله بعد أن صان (قد حاز ـ خ ل) الولاية والتقيّة وحقوق إخوانه ويوقف بإزائه ما بين مئة وأكثر من ذلك إلى مئة ألف من النصّاب فيقال له : هؤلاء فداؤك من النار ، فيدخل هؤلاء المؤمنون الجنّة واُولئك النصّاب النار ، وذلك ما قال اللّه تعالى : (رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) يعني بالولاية (لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ) (٣) في الدنيا منقادين للإمامة ليجعل مخالفوهم من النار

__________________

(١ ـ ٢) سورة البقرة : (الآية ٤٨).

(٢) سورة الحجر : (الآية ٢).

٤٨٧

فداؤهم» (١).

٩ ـ حديث محمّد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر [الباقر] عليه‌السلام يقول :

«لفاطمة وقفة على باب جهنّم ، فإذا كان يوم القيامة كُتب بين عيني كلّ رجل مؤمن أو كافر ، فيؤمر بمحبّ قد كثرت ذنوبه إلى النار فتقرأ بين عينيه محبّا ، فتقول : إلهي وسيّدي! سمّيتني فاطمة وفطمت بي من تولاّني وتولّى ذرّيتي من النار ، ووعدك الحقّ وأنت لا تخلف الميعاد.

فيقول اللّه عزوجل : صدقت يافاطمة! إنّي سمّيتك فاطمة وفطمت بك من أحبّك وتولاّك وأحبّ ذرّيتك وتولاّهم من النار ، ووعدي الحقّ وأنا لا اُخلف الميعاد ، وإنّما اُمرت بعبدي هذا إلى النار لتشفعي فيه فاُشفّعك ليتبيّن لملائكتي وأنبيائي ورسلي وأهل الموقف موقفك منّي ومكانتك عندي. فمن قرأت بين عينه مؤمنا فجذبت بيده وأدخلته الجنّة» (٢).

١٠ ـ حديث تفسيرالإمام العسكري عليه‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال :

«أما إنّ من شيعة علي عليه‌السلام لمن يأتي يوم القيامه وقد وضع له في كفّة سيّئاته من الآثام ما هو أعظم من الجبال الرواسي والبحار السيّارة ، تقول الخلائق : هلك هذا العبد ، فلا يشكّون أنّه من الهالكين وفي عذاب اللّه من الخالدين ، فيأتيه النداء من قبل اللّه تعالى : ياأيّها العبد الجاني! هذه الذنوب الموبقات فهل بإزائها حسنة تكافئها وتدخل الجنّة برحمة اللّه ، أو تزيد عليها فتدخلها بوعد اللّه؟ يقول العبد : لا

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٨ ص٤٤ ـ ٤٥ ب٢١ ح٤٥).

(٢) بحار الأنوار : (ج٨ ص٥١ ب٢١ ح٥٨).

٤٨٨

أدري.

فيقول منادي ربّنا عزوجل : إنّ ربّي يقول : نادِ في عرصات القيامة : ألا إنّ فلان بن فلان من بلد كذا وكذا وقرية كذا وكذا قد رهن بسيّئاته كأمثال الجبال والبحار ولا حسنة بإزائها ، فأي أهل هذا المحشر كانت لي عنده يد أو عارفة (١) فليغثني بمجازاتي عنها ، فهذا أوان شدّة حاجتي إليها ، فينادي الرجل بذلك ، فأوّل من يجيبه علي بن أبي طالب : لبّيك لبّيك لبّيك أيّها الممتحن في محبّتي ، المظلوم بعداوتي.

ثمّ يأتي هو ومن معه عدد كثير وجمّ غفير وإن كانوا أقلّ عددا من خصمائه الذين لهم قبله الظلامات فيقول ذلك العدد : ياأمير المؤمنين! نحن إخوانه المؤمنون ، كان بنا بارّا ولنا مكرما ، وفي معاشرته إيّانا مع كثرة إحسانه إلينا متواضعا ، وقد نزلنا له عن جميع طاعاتنا وبذلناها له.

فيقول علي عليه‌السلام : فبماذا تدخلون جنّة ربّكم؟ فيقولون : برحمة اللّه الواسعة التي لا يعدمها من والاك ووالى آلك ياأخا رسول اللّه!

فيأتي النداء من قبل اللّه تعالى : ياأخا رسول اللّه! هؤلاء إخوانه المؤمنون قد بذلوا له فأنت ماذا تبذل له؟ فإنّي أنا الحكم ، ما بيني وبينه من الذنوب قد غفرتها له بموالاته إيّاك ، وما بينه وبين عبادي من الظلامات فلابدّ من فصلي بينه وبينهم ، فيقول علي عليه‌السلام : ياربّ! أفعل ما تأمرني.

فيقول اللّه : ياعلي! اضمن لخصمائه تعويضهم عن ظلاماتهم قبله ؛

__________________

(١) العارفة هو : المعروف.

٤٨٩

فيضمن لهم علي عليه‌السلام ذلك ويقول لهم : اقترحوا عليَّ (١) ما شئتم اُعطكم عوضا عن ظلاماتكم قبله ، فيقولون : ياأخا رسول اللّه! تجعل لنا بإزاء ظلامتنا قبله ثواب نَفَس من أنفاسك ليلة بيتوتتك على فراش محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيقول علي عليه‌السلام : قد وهبت ذلك لكم.

فيقول اللّه عزوجل : فانظروا ياعبادي الآن إلى ما نلتموه من علي ، فداءً لصاحبه من ظلاماتكم ؛ ويظهر لهم ثواب نَفَس واحد في الجنان من عجائب قصورها وخيراتها فيكون ذلك ما يرضي اللّه به خصماء اُولئك المؤمنين ، ثمّ يريهم بعد ذلك من الدرجات والمنازل ما لا عين رأت ، ولا اُذن سمعت ، ولا خطر على بال بشر ؛ يقولون : ياربّنا! هل بقي من جنانك شيء؟ إذا كان هذا كلّه لنا فأين تحلّ سائر عبادك المؤمنين والأنبياء والصدّيقين والشهداء والصالحين؟ ويخيّل إليهم عند ذلك أنّ الجنّة بأسرها قد جعلت لهم.

فيأتي النداء من قبل اللّه تعالى : ياعبادي! هذا ثواب نَفَس من أنفاس علي بن أبي طالب الذي إقترحتموه عليه ، قد جعله لكم فخذوه وانظروا ، فيصيرون هم وهذا المؤمن الذي عوّضه علي عليه‌السلام في تلك الجنان ، ثمّ يرون ما يضيفه اللّه عزوجل إلى ممالك علي عليه‌السلام في الجنان ما هو أضعاف ما بذله عن وليّه الموالي له ممّا شاء من الأضعاف التي لا يعرفها غيره.

ثمّ قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : أذلك خير نُزلاً أم شجرة الزقّوم المعدّة لمخالفي أخي ووصيّي علي بن أبي طالب عليه‌السلام؟» (٢).

__________________

(١) يقال : اقترح عليه كذا أي اشتهى أن يصنعه له.

٤٩٠

١١ ـ حديث التميمي ، عن الإمام الرضا ، عن آبائه ، عن الإمام الحسين بن علي عليهم‌السلام قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام :

«بشّر شيعتك أنّي الشفيع لهم يوم القيامه وقت لا تنفع فيه إلاّ شفاعتي» (١).

١٢ ـ حديث العلاء ، عن محمّد قال : سألت أبا جعفر [الباقر] عليه‌السلام عن قول اللّه عزوجل : (فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللّه سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللّه غَفُورا رَحِيما) (٢)؟

فقال عليه‌السلام :

«يؤتى بالمؤمن المذنب يوم القيامة حتّى يقام بموقف الحساب ، فيكون اللّه تعالى هو الذي يتولّى حسابه لا يُطلع على حسابه أحدا من الناس فيعرّفه ذنوبه ، حتّى إذا أقرّ بسيّئاته قال اللّه عزوجل للكتَبة : بدّلوها حسنات ، وأظهروها للناس ، فيقول الناس حينئذ : ما كان لهذا العبد سيّئة واحدة ، ثمّ يأمر اللّه به إلى الجنّة ، فهذا تأويل الآية ، فهي في المذنبين من شيعتنا خاصّة» (٣).

١٣ ـ حديث مسعدة بن صدقة قال : سمعت أبا عبداللّه عليه‌السلام يقول :

«واللّه لا يهلك هالك على حبّ علي إلاّ رآه في أحبّ المواطن إليه [واللّه لا يهلك هالك على بغض علي إلاّ رآه في أبغض المواطن إليه]» (٤).

١٤ ـ حديث المنصوري عن عمّ أبيه ، عن أبي الحسن الثالث [الإمام الهادي] ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله :

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٨ ص٦١ ب٢١ ح٨٢).

(٢) بحار الأنوار : (ج٦٨ ب٩٨ ب١٨ ح٢).

(٣) سورة الفرقان : (الآية ٧٠).

(٤) بحار الأنوار : (ج٦٨ ص١٠٠ ب١٨ ح٤).

(٥) بحار الأنوار : (ج٦٨ ص١٠٠ ب١٨ ح٦).

٤٩١

«ياعلي! إنّ اللّه عزوجل قد غفر لك ولشيعتك ولمحبّي شيعتك ومحبّي محبّي شيعتك ، فأبشر ، فانّك الأنزع البطين : منزوع من الشرك بطين من العلم» (١).

١٥ ـ حديث صفوان الجمّال قال : دخلت على أبي عبداللّه عليه‌السلام فقلت : جعلت فداك! سمعتك تقول : شيعتنا في الجنّة ، وفيهم أقوام مذنبون ، يركبون الفواحش ، ويأكلون أموال الناس ، ويشربون الخمور ، ويتمتّعون في دنياهم.

فقال عليه‌السلام :

«هم في الجنّة ، اعلم أنّ المؤمن من شيعتنا لا يخرج من الدنيا حتّى يبتلى بدَين أو بسقم أو بفقر ، فإن عفي عن هذا كلّه شدّد اللّه عليه في النزع عند خروج روحه حتّى يخرج من الدنيا ولا ذنب عليه.

قلت : فداك أبي واُمّي فمن يردّ المظالم؟

قال : اللّه عزوجل يجعل حساب الخلق إلى محمّد وعلي عليهما‌السلام فكلّ ما كان على شيعتنا حاسبناهم ممّا كان لنا من الحقّ في أموالهم ، وكلّ ما بينه وبين خالقه استوهبناه منه ، ولم نزل به حتّى ندخله الجنّة برحمة من اللّه ، وشفاعة من محمّد وعلي عليهما‌السلام» (٢).

هذا كلّه مضافا إلى أحاديث العامّة في الشفاعة ممّا أخرجها أئمّة المذاهب الأربعة وحفّاظها في الصحاح والمسانيد ممّا جمعها وجمعهم شيخنا العلاّمة الأميني في باب الحثّ على زيارة قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كتاب الغدير (٣) فلاحظ.

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٦٨ ص١٠١ ب١٨ ح٩).

(٢) بحار الأنوار : (ج٦٨ ص١١٤ ب١٨ ح٣٣).

(٣) الغدير : (ج٥ ص٩٣ ـ ١٢٥).

٤٩٢

(١٣) ـ الصراط

الصراط في اللغة هو الطريق ، ولذلك سمّي الدين صراطا لأنّه طريق إلى الصواب ، وبه سمّي الولاء لأمير المؤمنين والأئمّة من ذرّيته عليهم‌السلام صراطا ، ومن معناه قول أمير المؤمنين عليه‌السلام : «أنا صراط اللّه المستقيم والعروة الوثقى التي لا انفصام لها ..» يعني أنّ معرفته والتمسّك به طريق إلى اللّه سبحانه كما أفاده الشيخ المفيد (١).

وإعتقادنا في الصراط أنّه حقّ ، وأنّه جسر على جهنّم وأنّ عليه ممرّ جميع الخلق قال تعالى : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْما مَقْضِيّا) (٢).

والصراط في وجه آخر : اسم حجج اللّه فمن عرفهم في الدنيا وأطاعهم أعطاه اللّه جوازا على الصراط الذي هو جسر جهنّم يوم القيامة ، كما أفاده الشيخ الصدوق (٣).

وهو من ضروريات الدين ولا خلاف فيه بين أحد من المسلمين ، والآيات فيه متظافرة ، والأخبار به متواترة ، كما بيّنه السيّد الشبّر (٤).

وقد دلّ على الصراط كتاب اللّه الكريم في الآيات الصادعة ، وسنّة الرسول والآل عليهم‌السلام في رواياتهم الرائعة.

__________________

(١) تصحيح إعتقادات الإمامية : (ص١٠٨).

(٢) سورة مريم : (الآية ٧١).

(٣) الإعتقادات : (ص٧٠).

(٤) حقّ اليقين : (ج٢ ص١٤٠).

٤٩٣

فمن الكتاب :

١ ـ قوله تعالى : (وَإِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالاْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ) (١).

٢ ـ قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) (٢).

ومن السنّة :

الروايات الكثيرة الواردة في المقام ، من الأحاديث التسعة عشر (٣) مثل :

١ ـ حديث أبي بصير ، عن الإمام أبي عبداللّه الصادق عليه‌السلام قال :

«الناس يمرّون على الصراط طبقات ، والصراط أدقّ من الشعر ومن حدّ السيف ، فمنهم من يمرّ مثل البرق ، ومنهم من يمرّ مثل عدْو الفرس ، ومنهم من يمرّ حبوا ، ومنهم من يمرّ مشيا ، ومنهم من يمرّ متعلّقا قد تأخذ النار منه شيئا وتترك شيئا» (٤).

٢ ـ حديث المفضّل بن عمر قال : سألت أبا عبداللّه عليه‌السلام عن الصراط؟

فقال :

«هو الطريق إلى معرفة اللّه عزوجل ، وهما صراطان : صراط في الدنيا ، وصراط في الآخرة.

فأمّا الصراط الذي في الدنيا فهو الإمام المفروض الطاعة ، من عرفه في الدنيا واقتدى بهداه مرّ على الصراط الذي هو جسر جهنّم في الآخرة ، ومن لم يعرفه في الدنيا زلّت قدمه عن الصراط في الآخرة

__________________

(١) سورة المؤمنون : (الآية ٧٤).

(٢) سورة الفجر : (الآية ١٤).

(٣) بحار الأنوار : (ج٨ ص٦٤ ب٢٢).

(٤) بحار الأنوار : (ج٨ ص٦٤ ـ ٦٥ ب٢٢ ح١).

٤٩٤

فتردّى في نار جهنّم» (١).

٣ ـ حديث سعد بن طريف ، عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه‌السلام قال : قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله :

«ياعلي إذا كان يوم القيامة أقعد أنا وأنت وجبرئيل على الصراط فلم يجز أحد إلاّ من كان معه كتاب فيه براة (٢) بولايتك» (٣).

٤ ـ محمّد بن الفضيل الرزقي ، عن الإمام الصادق ، عن آبائه ، عن الإمام علي عليهم‌السلام ـ وساق الحديث إلى أن قال:

«فلا أزال واقفا على الصراط أدعو وأقول : ربّ! سلّم شيعتي ومحبّي وأنصاري ومن تولاّني في دار الدنيا ..» (٤). إلى آخر ما مرّ في باب الشفاعة.

٥ ـ الثمالي ، عن أبي جعفر الباقر ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام :

«ما ثبت حبّك في قلب امرئ مؤمن فزلّت به قدم على الصراط إلاّ ثبتت له قدم حتّى أدخله اللّه بحبّك الجنّة» (٥).

هذا وتلاحظ أحاديث تُصرّح أنّ أهل البيت عليهم‌السلام هم الصراط إلى اللّه تعالى بما يبلغ خمسة وعشرين حديثا فراجع (٦).

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٨ ص٦٦ ب٢٢ ح٣).

(٢) أي صكّ البراءة والأمان من النار.

(٣) بحار الأنوار : (ج٨ ص٦٦ ب٢٢ ح٤).

(٤) بحار الأنوار : (ج٨ ص٦٩ ب٢٢ ح١٥).

(٥) بحار الأنوار : (ج٨ ص٦٩ ب٢٢ ح١٧).

(٦) بحار الأنوار : (ج٣٥ ص٣٦٣ ب١٦ الأحاديث).

٤٩٥

(١٤) ـ الجنّة والنّار

الغاية القصوى والنهاية الخالدة للمؤمنين هي الجنّة ونعيمها.

كما أنّ الخزي المستمرّ والهوان الدائم لغير المؤمنين هي النار وجحيمها.

أفاد العلاّمة المجلسي : أن الإيمان بالجنّة والنار ـ على ما وردتا في الآيات والأخبار من غير تأويل ـ من ضروريات الدين ، ومنكرهما أو مؤوّلهما بما أوّل به بعض الفلاسفة خارج من الدين ، وأمّا كونهما مخلوقتان الآن فقد ذهب إليه جمهور المسلمين إلاّ شرذمة من المعتزلة فإنّهم يقولون ستخلقان في القيامة .. والآيات والأخبار المتواترة دافعة لقولهم ، مزيّفة لمذهبهم (١).

وأفاد السيّد الشبّر : يجب الإيمان بالجنّة والنار الجسمانيتين على نحو ما تكاثرت به الآيات المتظافرة والأخبار المتواترة ..

وذلك من ضروريات الدين الذي لم يخالف فيه أحد من المسلمين ..

ومن أنكر وجودهما مطلقا كالملاحدة ، أو أوّلهما بعالم المثال كالرؤيا في المنام وهم الإشراقيون ، أو أوّلهما باللذات والآلام العقليّة لكون النفوس البشرية أزلية كما عليه المشّائيون ، فلا ريب في كفرهم (٢).

وقال الشيخ الصدوق : «إعتقادنا في الجنّة أنّها دار البقاء ودار السلامة. لا

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٨ ص٢٠٥).

(٢) حقّ اليقين : (ج٢ ص١٤٥).

٤٩٦

موت فيها ، ولا هرم ، ولا سقم ، ولا مرض ، ولا آفة ، ولا زوال ، ولا زمانة ، ولا غمّ ، ولا همّ ، ولا حاجة ، ولا فقر.

وأنّها دار الغنى والسعادة ، ودار المقامة والكرامة ، لا يمسّ أهلها فيها نصب ، ولا يمسّهم فيها لغوب ، لهم فيها ما تشتهي الأنفس وتلذّ الأعين ، وهم فيها خالدون ...

واعتقادنا في النار أنّها دار الهوان ، ودار الإنتقام من أهل الكفر والعصيان ، لا يخلّد فيها إلاّ أهل الكفر والشرك. وأمّا المذنبون من أهل التوحيد ، فإنّهم يخرجون منها بالرحمة التي تدركهم ، والشفاعة التي تنالهم ...

وإعتقادنا في الجنّة والنار أنّهما مخلوقتان ...

وإعتقادنا أنّه لا يخرج أحد من الدنيا حتّى يرى مكانه من الجنّة أو من النار ...

وأمّا جنّة آدم ، فهي جنّة من جنان الدنيا ، تطلع الشمس فيها وتغيب ، وليست بجنّة الخلد ، ولو كانت جنّة الخلد ما خرج منها أبدا.

واعتقادنا أنّ بالثواب يخلّد أهل الجنّة في الجنّة وبالعقاب يخلّد أهل النار في النار ، وما من أحد يدخل الجنّة حتّى يعرض عليه مكانه من النار ، فيقال له : هذا مكانك الذي لو عصيت اللّه لكنت فيه. وما من أحد يدخل النار حتّى يعرض عليه مكانه من الجنّة ، فيقال له : هذا مكانك الذي لو أطعت اللّه لكنت فيه. فيُورّث هؤلاء مكان هؤلاء ، وهؤلاء مكان هؤلاء ، وذلك قوله تعالى : (أُوْلَئِكَ هُمْ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (١)» (٢).

__________________

(١) سورة المؤمنون : (الآيتان ١٠ و ١١).

(٢) الإعتقادات : (ص٧٦ ـ ٨٠).

٤٩٧

والخلود لأهل الجنّة والنار ممّا هو ثابت قطعي بالكتاب العلمي والحديث المعصومي والإجماع الكلّي.

قال العلاّمة الحلّي في شرح التجريد : «أجمع المسلمون على أنّ عذاب الكافر مؤبّد لا ينقطع» (١).

وقال العلاّمة المجلسي : «اعلم أنّ خلود أهل الجنّة في الجنّة ممّا أجمع عليه المسلمون ، وكذا خلود الكفّار في النار ودوام تعذيبهم ، قال شارح المقاصد : أجمع المسلمون على خلود أهل الجنّة ، وخلود الكفّار في النار» (٢).

وقال العلاّمة الشبّر : «اعلم أنّه لا خلاف بين كافّة المسلمين في أنّ الكفّار الذين تمّت عليهم الحجّة مخلّدون في النار وفي العذاب ... وقد تظافرت بذلك الآيات وتواترت به الروايات عن النبي والأئمّة الهداة ، بل هو ضروري الدين لا خلاف فيه بين أحد من المسلمين ...» (٣).

والدليل على الجنّة والنار من الكتاب والسنّة متظافر متكاثر ، بالغ حدّ العلم ومفيد لليقين.

أمّا الكتاب :

فآيات كثيرة تربو على مائتين منها :

١ ـ قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ

__________________

(١) شرح التجريد : (ص٢٥٠).

(٢) بحار الأنوار : (ج٨ ص٣٥٠).

(٣) حقّ اليقين : (ج٢ ص١٧٨).

٤٩٨

هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (١).

٢ ـ قوله تعالى : (وَمَنْ يُطِعِ اللّه وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الاْءَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (٢).

٣ ـ قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (٣).

وأمّا السنّة :

فالروايات الواردة البالغة فوق حدّ التواتر ، المنقولة عن أهل بيت الوحي المتّصلين بربّ الجنّة والنار.

وتلاحظ هذه الروايات مجموعة في بحار الأنوار ، باب الجنّة ونعيمها المشتمل على٢١٥حديثا (٤) ، ثمّ باب النار وجحيمها المشتمل على١٠٢حديثا (٥) ، ونحن نختار منها ما تكفي للتذكرة والذكرى ، فنقدّم أوّلاً ما يخصّ الجنّة مثل :

١ ـ حديث عبداللّه بن علي أنّه لقي بلال ، مؤذّن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فسأله عن وصف بناء الجنّة؟

قال : اكتب : بسم اللّه الرحمن الرحيم سمعت رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول :

«إنّ سور الجنّة لبنة من ذهب ، ولبنة من فضّة ، ولبنة من ياقوت ،

__________________

(١) سورة البقرة : (الآية ٨٢).

(٢) سورة النساء : (الآية ١٣).

(٣) سورة البقرة : (الآية ٣٩).

(٤) بحار الأنوار : (ج٨ ص١١٦ ـ ٢٢٢ باب الجنّة ونعيمها).

(٥) بحار الأنوار : (ج٨ ص٢٢٢ ـ ٣٢٩).

٤٩٩

وملاطها (١) المسك الأذفر ، وشُرُفها (٢) الياقوت الأحمر والأخضر والأصفر.

قلت : فما أبوابها؟

قال : أبوابها مختلفة ، باب الرحمة من ياقوتة حمراء.

قلت : فما حلقته؟

قال : ويحك! كفّ عنّي فقد كلّفتني شططا (٣).

قلت : ما أنا بكافٍّ عنك حتّى تؤدّي إليّ ما سمعت من رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله في ذلك.

قال : اكتب : بسم اللّه الرحمن الرحيم ، أمّا باب الصبر فباب صغير مصراع واحد من ياقوتة حمراء لا حلق له.

وأمّا باب الشكر فإنّه من ياقوتة بيضاء لها مصراعان مسيرة ما بينهما خمسمائة عام ، له ضجيج وحنين يقول : اللهمّ جئني بأهلي.

قلت : هل يتكلّم الباب؟!

قال : نعم يُنطقه ذو الجلال والإكرام.

وأمّا باب البلاء.

قلت : أليس باب البلاء هو باب الصبر؟

قال : لا.

قلت : فما البلاء؟

__________________

(١) الملاط هو الطين الذي يجعل بين سافَي البناء كما في مجمع البحرين : (ص٣٦٦).

(٢) الشُرُف : جمع شرفة وهو من القصر ما أشرف من بنائه.

(٣) أي أمرا شاقّا.

٥٠٠