العقائد الحقّة

السيد علي الحسيني الصدر

العقائد الحقّة

المؤلف:

السيد علي الحسيني الصدر


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الغدير
المطبعة: سرور
الطبعة: ١
ISBN: 964-8485-25-1
الصفحات: ٦٦٧

(٩) ـ الأعمال

بالإضافة إلى أنّ أعمال العباد برمّتها ورُمّتهم محفوظة عند اللّه تعالى الذي لا يغيب عنه مثقال ذرّة في السماوات والأرض ، وكفى باللّه شهيدا ..

ومضافا إلى أنّ جميع الأفعال مشهودة منظورة قامت عليها شهادة العدل المعصوم كما قال عزّ إسمه : (لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) (١).

ومضافا إلى رقابة الملائكة الموكّلين كما قال تعالى : (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (٢).

فضلاً عن هذا توفّى جميع أعمال وأقوال ونوايا الخلق ضمن أسناد موثوقة لا يتطرّق إليها خلل ولا زلل.

فتوفّى الأعمال بإحدى الطرق التالية :

١ ـ تطاير الكتب ؛

قال عزّ إسمه : «وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

__________________

(١) سورة الحجّ : (الآية ٧٨).

(٢) سورة ق : (الآية ١٨).

٤٦١

كِتَابا يَلْقَاهُ مَنشُورا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبا» (١).

٢ ـ إعطاء الصحف ؛

قال عزّ شأنه : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابا يَسِيرا * وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورا * وَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورا * وَيَصْلَى سَعِيرا) (٢).

٣ ـ إنطاق الجوارح ؛

قال جلّ وعلا : (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (٣).

فالكتاب العزيز صريح في بيان موافاة الأعمال ، كما وأنّ السنّة الشريفة أيضا ناطقة بذلك في أحاديث متعدّدة تلاحظها في بحار الأنوار وقد ذكر في بابه إثنين وعشرين حديثا ، منها ما يلي :

١ ـ رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام في قوله : (وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ) (٤) يقول :

«خيره وشرّه معه حيث كان لا يستطيع فراقه حتّى يعطى كتابه يوم

__________________

(١) سورة الإسراء : (الآيتان ١٣ و ١٤).

(٢) سورة الإنشقاق : (الآيات ٧ ـ ١٢).

(٣) سورة يس : (الآية ٦٥).

(٤) سورة الإسراء : (الآية ١٣).

٤٦٢

القيامة بما عمل» (١).

٢ ـ حديث القمّي في تفسير آية : (حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (٢) قال إنّها نزلت في قوم يعرض عليهم أعمالهم فينكرونها فيقولون : ما عملنا منها شيئا ، فيشهد عليهم الملائكة الذين كتبوا عليهم أعمالهم ، قال الإمام الصادق عليه‌السلام :

«فيقولون للّه : ياربّ هؤلاء ملائكتك يشهدون لك ، ثمّ يحلفون باللّه ما فعلوا من ذلك شيئا ، وهو قول اللّه : (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللّه جَمِيعا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ) (٣) وهم الذين غصبوا أمير المؤمنين ، فعند ذلك يختم اللّه على ألسنتهم وينطق جوارحهم فيشهد السمع بما سمع ممّا حرّم اللّه ، ويشهد البصر بما نظر به إلى ما حرّم اللّه ، وتشهد اليدان بما أخذتا ، وتشهد الرجلان بما سعَتا ممّا حرّم اللّه ، وتشهد الفرج بما ارتكبت ممّا حرّم اللّه ، ثمّ أنطق اللّه ألسنتهم فيقولون هم لجلودهم : (لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا) فيقولون : (أَنطَقَنَا اللّه الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ) (٤) أي من اللّه (أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ) والجلود والفروج (وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللّه لاَ يَعْلَمُ كَثِيرا مِمَّا تَعْمَلُونَ) (٥)» (٦).

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٧ ص٣١٢ ب١٦ ح١).

(٢) سورة فصلت : (الآية ٢٠).

(٣) سورة المجادلة : (الآية ١٨).

(٤) سورة فصلت : (الآيتان ٢١ و ٢٢).

(٥) سورة فصلت : (الآية ٢٢).

(٦) بحار الأنوار : (ج٧ ص٣١٢ ـ ٣١٣ ب١٦ ح٤).

٤٦٣

٣ ـ حديث أبي معمّر السعدي قال : قال علي بن أبي طالب عليه‌السلام في صفة يوم القيامة :

(يجتمعون في موطن يستنطق فيه جميع الخلق فلا يتكلّم أحد إلاّ من أذن له الرحمن وقال صوابا ، فيقام الرُسل فيسأل فذلك قوله لمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله : (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيدا) (١) وهو الشهيد على الشهداء ، والشهداء هم الرسل عليهم‌السلام» (٢).

٤ ـ حديث خالد بن يحيى (نجيح ظ) ، عن أبي عبداللّه عليه‌السلام في قوله : (اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ) (٣).

قال :

«يذكّر العبد جميع ما عمل وما كتب عليه حتّى كأنّه فعله تلك الساعة ، فلذلك قوله : (يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا) (٤)» (٥).

٥ ـ حديث معاوية بن وهب قال : سمعت أبا عبداللّه عليه‌السلام يقول :

«إذا تاب العبد توبة نصوحا أحبّه اللّه فستر عليه في الدنيا والآخرة ، فقلت : كيف يستر عليه؟ قال : يُنسي ملكيه ما كتبا عليه من الذنوب ، ويوحي إلى جوارحه : اكتمي عليه ذنوبه ، ويوحي إلى بقاع الأرض :

__________________

(١) سورة النساء : (الآية ٤١).

(٢) بحار الأنوار : (ج٧ ص٣١٣ ب١٦ ح٥).

(٣) سورة الإسراء : (الآية ١٤).

(٤) سورة الكهف : (الآية ٤٩).

(٥) بحار الأنوار : (ج٧ ص٣١٤ ـ ٣١٥ ب١٦ ح٩).

٤٦٤

اكتمي عليه ما كان يعمل عليك من الذنوب ؛ فيلقى اللّه حين يلقاه وليس شيء يشهد عليه بشيء من الذنوب» (١).

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٧ ص٣١٧ ـ ٣١٨ ب١٦ ح١٢).

٤٦٥

(١٠) ـ الوسيلة

الوسيلة في أصل اللغة بمعنى ما يُتقرّب ويُتوصّل به إلى الشيء برغبة ، وهي أخصّ من الوصيلة ، لتضمّن الوسيلة معنى الرغبة كما يستفاد من المفردات (١).

قال اللّه تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّه وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) (٢) أي القربه إلى اللّه تعالى كما في المجمع (٣).

ورسول اللّه وأهل بيته سلام اللّه عليهم هم الوسيلة إلى اللّه والوُصلة إلى عفوه ، كما في المرآة (٤).

والوسيلة في الآخرة التي وعد اللّه تعالى بها نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، هو المقام المحمود .. أعلى درجة في الجنّة ، ونهاية غاية الاُمنيّة ، وذروة ذوائب الزلفة ، لها ألف مرقاة مُشرفة على الجنان كلّها ، ورسول اللّه قاعد يومئذٍ عليها وقد أشرق بنوره الموقف ، وأمير المؤمنين عليه‌السلام في الدرجة الرفيعة عنده ، والأنبياء والرسل على المراقي ، كما في حديث المرآة (٥).

__________________

(١) مفردات الراغب : (ص٥٢٥).

(٢) سورة المائدة : (الآية ٣٥).

(٣) مجمع البحرين : (ص٥٠٠).

(٤) مرآة الأنوار : (ص٢٢٠).

(٥) مرآة الأنوار : (ص٢٢٠).

٤٦٦

ففي ذلك اليوم الرهيب والمشهد العجيب يظهر من منزلة النبي وأهل بيته صلوات اللّه عليهم ما يُبهر العقول ولا تدركه الأفكار من حيث كرامة اللّه لهم ، وتسليم لواء الحمد إليهم ، وبلوغ المقام المحمود منهم ، وإرتياد كوثرهم ، ونيل شفاعتهم وغيرها ..

قال في حقّ اليقين : «وقد تواترت بذلك الأخبار من طرق العامّة والخاصّة بل كاد أن يكون من ضروريات الدين ، فالإيمان بذلك واجب» (١).

والدليل على ذلك قطعي :

أوّلاً من الكتاب :

مثل قوله تعالى : (عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاما مَحْمُودا) (٢).

ومثل قوله تعالى : (وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنْ الاْءُولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) (٣).

ثانيا من السنّة :

كالأحاديث الكثيرة الواردة في بحار الأنوار بما يبلغ خمسة وثلاثين حديثا منها ما يلي

١ ـ حديث ابن سنان ، عن أبي عبداللّه عليه‌السلام قال :

«كان رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : إذا سألتم اللّه فاسألوا لي الوسيلة ،

__________________

(١) حقّ اليقين : (ج٢ ص١٢٥).

(٢) سورة الإسراء : (الآية ٧٩).

(٣) سورة الضحى : (الآيتان ٤ و ٥).

٤٦٧

فسألنا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الوسيلة؟

فقال : هي درجتي في الجنّة ، وهي ألف مرقاة جوهر ، إلى مرقاة زبرجد ، إلى مرقاة لؤلؤة ، إلى مرقاة ذهب ، إلى مرقاة فيؤتى بها يوم القيامة حتّى تنصب مع درجة النبيّين ، فهي في درجة النبيّين كالقمر بين الكواكب ، فلا يبقى يومئذ نبي ولا شهيد ولا صدّيق إلاّ قال : طوبى لمن كانت هذه درجته! فينادي المنادي ـ ويسمع النداء جميع النبيّين والصدّيقين والشهداء والمؤمنين ـ : هذه درجة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

فقال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : فأقبِلُ يومئذ مُتّزرا بريطة من نور (١) ، عليَّ تاج الملك وإكليل الكرامة وعلي بن أبي طالب أمامي وبيده لوائي وهو لواء الحمد ، مكتوب عليه : لا إله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه المفلحون هم الفائزون باللّه ؛ فإذا مررنا بالنبيّين قالوا : هذان ملكان لم نعرفهما ولم نرهما ، وإذا مررنا بالملائكة قالوا : هذان نبيّان مرسلان ؛ حتّى أعلوا الدرجة وعليٌّ يتبعني ، فإذا صرت في أعلى الدرجة منها وعليٌّ أسفل منّي بيده لوائي ، فلا يبقى يومئذ نبي ولا مؤمن إلاّ رفعوا رؤوسهم إليّ يقولون : طوبى لهذين العبدين! ما أكرمهما على اللّه!

فينادي المنادي ـ يسمع النبيّون وجميع الخلائق ـ : هذا حبيبي محمّد ، وهذا وليّي علي بن أبي طالب ، طوبى لمن أحبّه! وويل لمن أبغضه وكذب عليه!

ثمّ قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : ياعلي! فلا يبقى يومئذ في مشهد القيامة أحد

__________________

(١) الرّيطة هي المُلاءة إذا كانت قطعة واحدة كما يستفاد من مجمع البحرين : (ص٣٦٢).

٤٦٨

يحبّك إلاّ استروح إلى هذا الكلام ، وابيضّ وجهه ، وفرح قلبه ، ولا يبقى أحد ممّن عاداك ونصب لك حربا أو جحد لك حقّا إلاّ اسودّ وجهه ، واضطربت قدماه ، فبينا أنا كذلك إذا ملكان قد أقبلا إليّ ، أمّا أحدهما فرضوان خازن الجنّة ، وأمّا الآخر فمالك خازن النار.

فيدنو رضوان ويسلّم عليّ ويقول : السلام عليك يارسول اللّه! فأردّ عليه وأقول : أيّها الملك الطيّب الريح ، الحسن الوجه ، الكريم على ربّه ، من أنت؟ فيقول : أنا رضوان خازن الجنّة ، أمرني ربّي أن آتيك بمفاتيح الجنّة فخذها يامحمّد ، فأقول : قد قبلت ذلك من ربّي ، فله الحمد على ما أنعم به عليّ ، إدفعها إلى أخي علي بن أبي طالب ، فيدفعها إلى علي ويرجع رضوان.

ثمّ يدنو مالك خازن النار فيسلّم ويقول : السلام عليك ياحبيب اللّه! فأقول له : وعليك السلام أيّها الملك ما أنكر رؤيتك وأقبح وجهك! من أنت؟ فيقول : أنا مالك خازن النار ، أمرني ربّي أن آتيك بمفاتيح النار ، فأقول : قد قبلت ذلك من ربّي ، فله الحمد على ما أنعم به عليّ وفضّلني به ، إدفعها إلى أخي علي بن أبي طالب ، فيدفعها إليه ، ثمّ يرجع مالك.

فيقبل علي ومعه مفاتيح الجنّة ومقاليد النار حتّى يقعد على عجزة جهنّم ويأخذ زمامها بيده وقد علا زفيرها ، واشتدّ حرّها ، وكثر تطاير شررها ، فينادي جهنّم : ياعلي! جُزني قد أطفأ نورك لهبي ، فيقول علي لها : ذري هذا وليّي ، وخذ هذا عدوّي ، فلَجهنّم يومئذ أشدّ مطاوعة لعلي من غلام أحدكم لصاحبه ، فإن شاء يذهب بها يمنة وإن

٤٦٩

شاء يذهب بها يسرة ، ولجهنّم يومئذ أشدّ مطاوعة لعلي من جميع الخلائق ، وذلك أنّ عليا عليه‌السلام يومئذ قسيم الجنّة والنار» (١).

٢ ـ حديث سماعة بن مهران قال : قال أبو عبداللّه عليه‌السلام :

«إذا كان يوم القيامة وُضع منبر يراه جميع الخلائق ، فيصعد عليه رجل فيقوم عن يمينه ملك ، وعن يساره ملك ، ينادي الذي عن يمينه : يامعشر الخلائق! هذا علي بن أبي طالب يُدخل الجنّة من يشاء ؛ وينادي الذي عن يساره : يامعشر الخلائق! هذا علي بن أبي طالب يُدخل النار من يشاء» (٢).

٣ ـ حديث الحسين بن سعيد مسندا عن الإمام جعفر الصادق ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله :

«إنّ اللّه تبارك وتعالى إذا جمع الناس يوم القيامة وعدني المقام المحمود وهو وافٍ لي به ، إذا كان يوم القيامة نصب لي منبر له ألف درجة فأصعد حتّى أعلوا فوقه فيأتيني جبرئيل عليه‌السلام بلواء الحمد فيضعه في يدي ، ويقول : يامحمّد! هذا المقام المحمود الذي وعدك اللّه تعالى ، فأقول لعلي : إصعد ، فيكون أسفل منّي بدرجة ، فأضع لواء الحمد في يده.

ثمّ يأتي رضوان بمفاتيح الجنّة فيقول : يامحمّد! هذا المقام المحمود الذي وعدك اللّه تعالى ، فيضعها في يدي فأضعها في حِجر علي بن أبي طالب.

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٧ ص٣٢٦ ـ ٣٢٧ ب١٧ ح٢).

(٢) بحار الأنوار : (ج٧ ص٣٢٩ ب١٧ ح٤).

٤٧٠

ثمّ يأتي مالك ، خازن النار ، فيقول : يامحمّد! هذا المقام المحمود الذي وعدك اللّه تعالى ، هذه مفاتيح النار أدخل عدوّك وعدوّ اُمّتك النار ، فآخذها وأضعها في حِجر علي بن أبي طالب ، فالنار والجنّة يومئذ أسمع لي ولعلي من العروس لزوجها ، فهي قول اللّه تعالى : (أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ) (١) ألق يامحمّد ياعلي عدوّكما في النار.

ثمّ أقوم واُثني على اللّه ثناءا لم يثن عليه أحد قبلي ، ثمّ اُثني على الملائكة المقرّبين ، ثمّ اُثني على الأنبياء والمرسلين ، ثمّ اُثني على الاُمم الصالحين ، ثمّ أجلس فيثني اللّه عليّ ، ويثني عليّ أنبياؤه ورسله ، ويثني عليّ ملائكته ، ويثني عليّ الاُمم الصالحة.

ثمّ ينادي منادٍ من بطنان العرش : يامعشر الخلائق! غضّوا أبصاركم حتّى تمرّ بنت حبيب اللّه إلى قصرها فتمرّ فاطمة بنتي ، عليها ريطتان خضراوان ، وحولها سبعون ألف حوراء ، فإذا بلغت إلى باب قصرها وجدَت الحسن قائما والحسين قائما مقطوع الرأس ، فتقول للحسن : من هذا؟ يقول : هذا أخي ، إنّ اُمّة أبيك قتلوه وقطعوا رأسه ، فيأتيها النداء من عند اللّه : يابنت حبيب اللّه! إنّي إنّما أريتك ما فعلت به اُمّة أبيك لأنّي ذخرت لك عندي تعزية بمصيبتك فيه ، إنّي جعلت لتعزيتك بمصيبتك أنّي لا أنظر في محاسبة العباد حتّى تدخلي الجنّة أنت وذرّيتك وشيعتك ومن أولاكم معروفا ممّن ليس هو من شيعتك قبل أن أنظر في محاسبة العباد. فتدخل فاطمة إبنتي الجنّة وذرّيتها وشيعتها ومن أولاها معروفا ممّن ليس هو من

__________________

(١) سورة ق : (الآية ٢٤).

٤٧١

شيعتنا ، فهو قول اللّه تعالى في كتابه : (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ) (١) قال : هو يوم القيامة (وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ) (٢) هي واللّه فاطمة وذرّيتها وشيعتها ومن أولاهم معروفا ممّن ليس هو من شيعتها» (٣).

٤ ـ حديث ابن البطائني ، عن أبيه ، عن الإمام الصادق ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله :

«إذا كان يوم القيامة يؤتى بك ياعلي على ناقة من نور ، وعلى رأسك تاج له أربعة أركان ، على كلّ ركن ثلاثة أسطر : لا إله إلاّ اللّه ، محمّد رسول اللّه ، علي مفتاح الجنّة. ثمّ يوضع لك كرسي يعرف بكرسي الكرامة فتقعد عليه ، يجمع لك الأوّلون والآخرون في صعيد واحد ، فتأمر بشيعتك إلى الجنّة وبأعدائك إلى النار ، فأنت قسيم الجنّة وأنت قسيم النار.

لقد فاز من تولاّك وخاب وخسر من عاداك ، فأنت في ذلك اليوم أمين اللّه وحجّته الواضحة» (٤).

٥ ـ حديث ابن عبّاس قال : قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله :

«أتاني جبرئيل وهو فرح مستبشر ، فقلت : حبيبي جبرئيل! ـ مع ما أنت فيه من الفرح ـ ما منزلة أخي وابن عمّي علي بن أبي طالب عند

__________________

(١) سورة الأنبياء : (الآية ١٠٣).

(٢) سورة الأنبياء : (الآية ١٠٢).

(٣) بحار الأنوار : (ج٧ ص٣٣٥ ـ ٣٣٦ ب١٧ ح٢١).

(٤) بحار الأنوار : (ج٧ ص٣٢٩ ب١٧ ح٣٠).

٤٧٢

ربّه؟ فقال : والذي بعثك بالنبوّة واصطفاك بالرسالة ما هبطت في وقتي هذا إلاّ لهذا ، يامحمّد اللّه (العلي خ ل) الأعلى يقرأ عليكما السلام وقال : محمّد نبي رحمتي ، وعلي مقيم حجّتي ، لا اُعذّب من والاه وإن عصاني ، ولا أرحم من عاداه وإن أطاعني.

قال : ثمّ قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا كان يوم القيامة يأتيني جبرئيل ومعه لواء الحمد وهو سبعون شقّة ـ الشقّة منه أوسع من الشمس والقمر ـ وأنا على كرسي من كراسي الرضوان ، فوق منبر من منابر القدس ، فآخذه وأدفعه إلى علي بن أبي طالب.

فوثب عمر بن الخطاب فقال : يارسول اللّه! وكيف يطيق علي حمل اللواء وقد ذكرت أنّه سبعون شقّة ، الشقّة منه أوسع من الشمس والقمر؟!

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا كان يوم القيامة يعطي اللّه عليّا من القوّة مثل قوّة جبرئيل ، ومن النور مثل نور آدم ، ومن الحلم مثل حلم رضوان ، ومن الجمال مثل جمال يوسف ، ومن الصوت ما يداني صوت داود ، ولولا أن يكون داود خطيبا لعلي في الجنان لاُعطي مثل صوته ، وإنّ عليّا أوّل من يشرب من السلسبيل والزنجبيل ، لا تجوز لعلي قدم على الصراط إلاّ وثبتت له مكانها اُخرى ، وإنّ لعلي وشيعته من اللّه مكانا يغبطه به الأوّلون والآخرون» (١).

٦ ـ حديث أبان عن الإمام أبي عبداللّه جعفر بن محمّد عليهما‌السلام قال :

«إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ من بطنان العرش : أين خليفة اللّه في

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٨ ص٣ ب١٨ ح٣).

٤٧٣

أرضه؟ فيقوم داود النبي عليه‌السلام ، فيأتي النداء من عند اللّه عزوجل : لسنا إيّاك أردنا وإن كنت للّه تعالى خليفة ؛ ثمّ ينادي ثانية : أين خليفة اللّه في أرضه؟ فيقوم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

فيأتي النداء من قِبَل اللّه عزوجل : يامعشر الخلائق! هذا علي بن أبي طالب خليفة اللّه في أرضه ، وحجّته على عباده ، فمن تعلّق بحبله في دار الدنيا فليتعلّق بحبله في هذا اليوم يستضيء بنوره وليتبعه إلى الدرجات العلى من الجنّات.

قال : فيقوم الناس الذين قد تعلّقوا بحبله في الدنيا فيتّبعونه إلى الجنّة. ثمّ يأتي النداء من عند اللّه جلّ جلاله :

ألا من ائتمّ بإمام في دار الدنيا فليتّبعه إلى حيث يذهب به ، فحينئذ (تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنْ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوْا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمْ الاْءَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمْ اللّه أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْ النَّارِ) (١)» (٢).

__________________

(١) سورة البقرة : (الآيتان ١٦٦ و ١٦٧).

(٢) بحار الأنوار : (ج٨ ص١٠ ب١٩ ح٣).

٤٧٤

(١١) ـ الحوض

من مكارم النبي والوصي وأهل البيت عليهم‌السلام في يوم القيامة ، ومن مفاخر شيعتهم ومحبّيهم حوض الكوثر الذي يسقون منه أولياءهم ويُروون منه شيعتهم في يوم الظمأ الأكبر.

قال الشيخ الصدوق : «إعتقادنا في الحوض أنّه حقّ ، وأنّ عرضه ما بين أيلة (١) وصنعاء (٢) ، وهو حوض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنّ فيه من الأباريق عدد نجوم السماء وأنّ الوالي عليه يوم القيامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، يَسقي منه أولياءه ، ويذود عنه أعداءه ، ومن شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا» (٣).

وقد دلّ عليه الكتاب والسنّة :

أمّا الكتاب :

فقوله تعالى : (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) (٤).

__________________

(١) أيلة : بالفتح ، مدينة على ساحل بحر قلزم ممّا يلي الشام ، وقيل : هي آخر الحجاز وأوّل الشام كما في معجم البلدان : (ج١ ص٢٩٢).

(٢) صنعاء : هي المدينة المعروفة في اليمن ، وصنعاء اُخرى قرية بالغوطة من دمشق كما في معجم البلدان : (ج٣ ص٤٢٦).

(٣) إعتقادات الصدوق : (ص٦٥).

(٤) سورة الكوثر : (الآية ١).

٤٧٥

ففي مجمع البيان (١) تفسيره بحوض النبي الذي يكثر الناس عليه يوم القيامة ، وبمعنى نهر الجنّة ، وبمعنى كثرة النسل والذرّية التي ظهرت في نسله من ولد فاطمة الزهراء عليها‌السلام حتّى لا يحصى عددهم واتّصل إلى يوم القيامة مددهم .. إلى سائر المعاني الثمانية التي تلاحظها في التفسير ، وقد كان منها المعنى المقصود بالبحث.

وأمّا السنّة :

فالأحاديث المتظافرة الثلاثة والثلاثون ، منها ما يلي :

١ ـ ما تقدّم من حديث أبي الورد قال : سمعت أبا جعفر محمّد بن علي الباقر عليهما‌السلام جاء فيه :

«إذا كان يوم القيامة جمع اللّه الناس في صعيد واحد من الأوّلين والآخرين ... فيقوم رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله فيتقدّم أمام الناس كلّهم حتّى ينتهي إلى حوض طوله ما بين أيلة وصنعاء ؛ فيقف عليه ثمّ ينادي بصاحبكم ، فيقوم أمام الناس فيقف معه ثمّ ، يؤذن للناس فيمرّون.

ثمّ قال أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين عليهم‌السلام : فكم من باكٍ يومئذ وباكية ينادون : يامحمّداه! إذا رأوا ذلك ؛ قال : فلا يبقى أحد يومئذ كان يتولاّنا ويحبّنا إلاّ كان في حزبنا ومعنا وورد حوضنا» (٢).

٢ ـ حديث عبداللّه بن عبّاس قال : لمّا نزل على رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله «إِنَّا

__________________

(١) مجمع البيان : (ج١٠ ص٥٤٩).

(٢) بحار الأنوار : (ج٨ ص١٧ و ١٨ ب٢٠ ح١).

٤٧٦

أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ» (١) قال له علي بن أبي طالب : ما هو الكوثر يارسول اللّه؟

قال :

«نهر أكرمني اللّه به ، قال علي : إنّ هذا النهر شريف فانعته لنا يارسول اللّه! قال : نعم ياعلي! الكوثر نهر يجري تحت عرش اللّه تعالى ، ماؤه أشدّ بياضا من اللّبن ، وأحلى من العسل ، وألين من الزبد. وحصاه (حصباؤه خ ل) الزبرجد والياقوت والمرجان ، حشيشه الزعفران ، ترابه المسك الأذفر (٢) ، قواعده تحت عرش اللّه عزوجل.

ثمّ ضرب رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله يده في جنب علي أمير المؤمنين عليه‌السلام وقال : ياعلي! إنّ هذا النهر لي ولك ولمحبّيك من بعدي» (٣).

٣ ـ حديث الحسين بن خالد ، عن الإمام علي بن موسى الرضا ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين عليهم‌السلام قال :

«قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : من لم يؤمن بحوضي فلا أورده اللّه حوضي» (٤) .. الخبر.

٤ ـ حديث المفضّل ، عن الإمام الصادق ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله :

«من أراد أن يتخلّص من هول القيامة فليتولّ وليّي ، وليتّبع وصيّي

__________________

(١) سورة الكوثر : (الآية ١).

(٢) الأذفر : بمعنى الجيّد ، من ذفر المسك إذا اشتدّ طيبه.

(٣) بحار الأنوار : (ج٨ ص١٨ ب٢٠ ح٢).

(٤) بحار الأنوار : (ج٨ ص١٩ ب٢٠ ح٤).

٤٧٧

وخليفتي من بعدي علي بن أبي طالب ، فإنّه صاحب حوضي ؛ يذود عنه أعداءه ، يسقي أولياءه ، فمن لم يُسق منه لم يزل عطشانا ولم يرو أبدا ، ومن سقى منه شربة لم يشقّ ولم يظمأ أبدا» (١) .. الخبر.

٥ ـ حديث القمّي في التفسير ، قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله في حجّة الوداع في مسجد الخيف :

«إنّي فرَطكم وأنتم واردون عليّ الحوض ؛ حوض عرضه ما بين بصرى وصنعاء ، فيه قدحان من فضّة عدد النجوم» (٢) .. الخبر.

٦ ـ ما في حديث الأربعمائة.

قال أمير المؤمنين عليه‌السلام :

«أنا مع رسول اللّه ومعي عترته على الحوض ، فمن أرادنا فليأخذ بقولنا وليعمل بعلمنا ، فإنّ لكلّ أهل بيت نجيب (نجيبا ـ خ ل) ولنا شفاعة ، ولأهل مودّتنا شفاعة ، فتنافسوا في لقائنا على الحوض فإنّا نذود عنه أعداءنا ونسقي منه أحبّاءنا وأولياءنا ، ومن شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا ؛ حوضنا متّرع (٣) فيه مثعبان (مثقبان ـ خ ل) (٤) ينصبّان من الجنّة ، أحدهما من تسنيم والآخر من مَعين ، على حافتيه الزعفران ، وحصاه اللؤلؤ والياقوت ، وهو الكوثر» (٥) .. الخبر.

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٨ ص١٩ ب٢٠ ح٦).

(٢) بحار الأنوار : (ج٨ ص١٩ ب٢٠ ح٧).

(٣) من الإتّراع بمعنى الإمتلاء.

(٤) المثعب هو مسيل الماء .. وفي الخصال : شِعبان.

(٥) بحار الأنوار : (ج٨ ص١٩ ب٢٠ ح٩).

٤٧٨

وتلاحظ وصف الكوثر في حديث مسمع كردين مفصّلاً (١) رزقنا اللّه تعالى الارتواء من ذلك الحوض المبارك .. الذي هو الملتقى لورود الكتاب والعترة على النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما في حديث الثقلين ، وهو المنهل العذب لورود الجنّة ونعيم الآخرة.

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٤٤ ص٢٨٩ ب٣٤ ح٣١).

٤٧٩

(١٢) ـ الشفاعة

من المقامات الحميدة والدرجات المزيدة ، الزاهية في علوّ شأن النبي وآله الطاهرين يوم القيامة ، هي شفاعتهم إلى اللّه تعالى.

والشفاعة في اللغة ، هي السؤال في التجاوز عن الذنوب والجرائم ، كما في المجمع (١).

والشفاعة تنبئ عن كرامة أهل البيت عليهم‌السلام وتكريم اللّه لهم في ذلك اليوم بعد مجهوليّة حقّهم في الدنيا ، وقد أعطاهم اللّه المقام المحمود والعطاء المسعود ، كما عرفته في آيات الذكر الحكيم.

وتبتني الشفاعة على عفو اللّه تعالى وهو حَسَن ، إذ أنّ كلّ إحسان حَسَن ، والعقاب حقّه تعالى فجاز إسقاطه ، وقد قال اللّه تعالى : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ) (٢). وقال تعالى : (إِنَّ اللّه لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ) (٣).

كما أفاده به العلاّمة أعلى اللّه مقامه (٤).

__________________

(١) مجمع البحرين : (ص٣٨٣).

(٢) سورة الرعد : (الآية ٦).

(٣) سورة النساء : (الآية ٤٨).

(٤) نهج المسترشدين : (ص٨٢).

٤٨٠