العقائد الحقّة

السيد علي الحسيني الصدر

العقائد الحقّة

المؤلف:

السيد علي الحسيني الصدر


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الغدير
المطبعة: سرور
الطبعة: ١
ISBN: 964-8485-25-1
الصفحات: ٦٦٧

عن مسائل إلى أن قال : أيتلاشى الروح بعد خروجه عن قالبه أم هو باقٍ؟

قال عليه‌السلام :

(بل هو باقٍ إلى وقت ينفخ في الصور فعند ذلك تبطل الأشياء وتفنى ، فلا حسّ ولا محسوس ، ثمّ اُعيدت الأشياء كما بدأها مدبّرها ، وذلك أربعمائة سنة يسبت فيها الخلق وذلك بين النفختين) (١).

٤ ـ حديث النهج الشريف :

«هو المفني لها بعد وجودها حتّى يصير موجودها كمفقودها ، وليس فناء الدنيا بعد إبتداعها بأعجب من إنشائها وإختراعها ، وكيف [و] لو اجتمع جميع حيوانها من طيرها وبهائمها وما كان من مراحها وسائمها وأصناف أسناخها وأجناسها ومتبلّدة اُممها وأكياسها على إحداث بعوضة ما قدرت على إحداثها ، ولا عرفت كيف السبيل إلى إيجادها؟

ولتحيّرت عقولها في علم ذلك وتاهت وعجزت قواها ، وتناهت ورجعت خاسئة حسيرة عارفة بأنّها مقهورة ، مقرّة بالعجز عن إنشائها ، مذعنة بالضعف عن إفنائها.

وإنّ اللّه سبحانه يعود بعد فناء الدنيا وحده لا شيء معه كما كان قبل إبتدائها كذلك يكون بعد فنائها بلا وقت ولا مكان ولا حين ولا زمان ، عدمت عند ذلك الآجال والأوقات ، وزالت السنون والساعات.

فلا شيء إلاّ الواحد القهّار الذي إليه مصير جميع الاُمور ، بلا قدرة منها كان ابتداء خلقها ، وبغير إمتناع منها كان فناؤها ، ولو قدرت على

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٦ ص٣٣٠ ب٢ ح١٥).

٤٤١

الإمتناع لدام بقاؤها ، لم يتكأّده صنع شيء منها إذ صنعه ، ولم يؤده خلق ما خلقه وبرأه ، ولم يكوّنها لتشديد سلطان ، ولا لخوف من زوال ونقصان ، ولا للإستعانة بها على ندٍ مكاثر ، ولا للإحتراز بها من ضدّ مثاور ، ولا للإزدياد بها في ملكه ، ولا لمكاثرة شريك في شركه ، ولا لوحشة كانت منه فأراد أن يستأنس إليها.

ثمّ هو يفنيها بعد تكوينها لا لسأم دخل عليه في تصريفها وتدبيرها ، ولا لراحة واصلة إليه ، ولا لثقل شيء منها عليه ، لم يملّه طول بقائها فيدعوه إلى سرعة إفنائها ، لكنّه سبحانه دبّرها بلطفه وأمسكها بأمره ، وأتقنها بقدرته ، ثمّ يعيدها بعد الفناء من غير حاجة منه إليها ، ولا إستعانة بشيء منها عليها» (١).

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٦ ص٣٣٠ ـ ٣٣١ ب٢ ح١٦) ، وهي خطبة نهج البلاغة : (الرقم ١٨١ ص١٤٢ من الطبعة المصرية).

٤٤٢

(٦) ـ المحشر

الحشر في اللغة بمعنى الجمع .. يقال : حشرهم حشرا أي جمعهم.

وحشر الأجساد عبارة عن جمع أجزاء بدن الميّت وتأليفها بمثل ما كانت ، وإعادة روحه المدبّرة إليه كما كان ..

ولا شكّ في إمكانه ووقوعه ، واللّه قادر على كلّ ممكن ، وعالم بالجزئيات ، فيعيد الجزء المعيّن للشخص المعيّن (١).

وفسّره في المفردات : باخراج الجماعة عن مقرّهم وسمّي يوم القيامة يوم الحشر كما سمّي يوم البعث ويوم النشر (٢).

والحشر ممّا ثبت بالدليل العلمي كتابا وسنّةً ، وهو من عقائدنا الحقّة (٣).

بل إنّ إنكاره كفر كما في إعتقادات العلاّمة المجلسي (٤).

__________________

(١) مجمع البحرين : (ص٢٥٢).

(٢) مفردات الراغب : (ص١١٩).

(٣) إعتقادات الصدوق : (ص٦٤).

(٤) إعتقادات العلاّمة المجلسي : (ص٤١).

٤٤٣

أمّا دليل الكتاب عليه :

فالآيات الكثيرة التي أحصاها في البحار (١) ، منها :

قوله تعالى : (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الاْءَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدا * وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدا) (٢).

وأمّا دليل السنّة على الحشر :

فالأخبار المتواترة المفيدة للعلم واليقين منها ما يلي :

١ ـ حديث هشام بن الحكم المتقدّم أنّه قال الزنديق للإمام الصادق عليه‌السلام : أنّى للروح بالبعث والبدن قد بلي والأعضاء قد تفرّقت؟ فعضو في بلدة تأكلها سباعها ، وعضو باُخرى تمزّقه هوامّها ، وعضو قد صار ترابا بني به مع الطين حائط؟

قال عليه‌السلام :

«إنّ الذي أنشأه من غير شيء وصوّره على غير مثال كان سبق إليه ، قادر أن يعيده كما بدأه.

قال : أوضح لي ذلك.

قال : إنّ الروح مقيمة في مكانها ، روح المحسن في ضياء وفسحة ، وروح المسيء في ضيق وظلمة ، والبدن يصير ترابا منه خلق ، وما تقذف به السباع والهوامّ من أجوافها فما أكلته ومزّقته ، كلّ ذلك في التراب محفوظ عند من لا يعزب عنه مثقال ذرّة في ظلمات الأرض

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٧ ص١ ب٣).

(٢) سورة الكهف : (الآيتان ٤٧ و ٤٨).

٤٤٤

ويعلم عدد الأشياء ووزنها ، وإنّ تراب الروحانيين بمنزلة الذهب في التراب ، فإذا كان حين البعث مطرت الأرض فتربو الأرض ثمّ تمخض مخض (١) السقاء فيصير تراب البشر كمصير الذهب من التراب إذا غسل بالماء ، والزبد من اللّبن إذا مخض فيجتمع تراب كلّ قالب فينقل بإذن اللّه تعالى إلى حيث الروح ، فتعود الصور بإذن المصوّر كهيأتها وتلج الروح فيها ، فإذا قد استوى لا ينكر من نفسه شيئا ..» (٢). الخبر.

٢ ـ حديث جميل بن درّاج ، عن أبي عبداللّه عليه‌السلام قال :

«إذا أراد اللّه أن يبعث أمطر السماء على الأرض أربعين صباحا فاجتمعت الأوصال ونبتت اللحوم.

وقال : أتى جبرئيل رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله فأخذه فأخرجه إلى البقيع فانتهى به إلى قبر فصوّت بصاحبه فقال : قم بإذن اللّه ، فخرج منه رجل أبيض الرأس واللحية يمسح التراب عن وجهه وهو يقول : الحمد للّه واللّه أكبر ، فقال جبرئيل : عُد بإذن اللّه ؛ ثمّ انتهى به إلى قبر آخر فقال : قم بإذن اللّه ، فخرج منه رجل مسودّ الوجه وهو يقول : ياحسرتاه! ياثبوراه! ثمّ قال له جبرئيل : عُد إلى ما كنت بإذن اللّه ؛ فقال : يامحمّد! هكذا يحشرون يوم القيامة ، والمؤمنون يقولون هذا القول ، وهؤلاء يقولون ما ترى» (٣).

__________________

(١) المخض هي الحركة الشديدة.

(٢) بحار الأنوار : (ج٧ ص٣٧ و ٣٨ ب٣ ح٥).

(٣) بحار الأنوار : (ج٧ ص٣٩ ب٣ ح٨).

٤٤٥

٣ ـ حديث جابر ، عن أبي جعفر [الباقر] صلوات اللّه عليه قال :

«كان فيما وعظ به لقمان عليه‌السلام إبنه أن قال : يابني! إن تك في شكّ من الموت فارفع عن نفسك النوم ولن تستطيع ذلك ، وإن كنت في شكّ من البعث فارفع عن نفسك الإنتباه ولن تستطيع ذلك.

فإنّك إذا فكّرت في هذا علمت أنّ نفسك بيد غيرك ، وإنّما النوم بمنزلة الموت ، وإنّما اليقظة بعد النوم بمنزلة البعث بعد الموت» (١).

٤ ـ حديث عمّار بن موسى ، عن أبي عبداللّه عليه‌السلام قال :

«وسئل عن الميّت يبلى جسده؟

قال : نعم حتّى لا يبقى لحم ولا عظم إلاّ طينته التي خلق منها ، فإنّها لا تبلى ، تبقى في القبر مستديرة حتّى يخلق منها كما خلق أوّل مرّة» (٢).

٥ ـ قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله :

«يابني عبدالمطلّب! إنّ الرائد لا يكذب أهله ، والذي بعثني بالحقّ لتموتنّ كما تنامون ، ولتبعثنّ كما تستيقظون ، وما بعد الموت دار إلاّ جنّة أو نار ، وخَلْقُ جميع الخلق وبعثهم على اللّه عزوجل كخلق نفس واحدة وبعثها ؛ قال اللّه تعالى : (مَا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ) (٣)» (٤).

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٧ ص٤٢ ب٣ ح١٣).

(٢) بحار الأنوار : (ج٧ ص٤٣ ب٣ ح٢١).

(٣) سورة لقمان : (الآية ٢٨).

(٤) بحار الأنوار : (ج٧ ص٤٧ ب٣ ح٣١).

٤٤٦

٦ ـ حديث شيخ الطائفة في الأمالي بسنده عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في خطبة طويلة قال :

«اسمع ياذا الغفلة والتصريف من ذي الوعظ والتعريف ، جُعل يوم الحشر يوم العرض والسؤال والحباء والنكال ، يوم تقلّب إليه أعمال الأنام ، وتحصى فيه جميع الآثام ، يوم تذوب من النفوس أحداق عيونها ، وتضع الحوامل ما في بطونها ، ويفرّق بين كلّ نفس وحبيبها ، ويحار في تلك الأهوال عقل لبيبها ، إذ نكرت الأرض بعد حسن عمارتها ، وتبدّلت بالخلق بعد أنيق زهرتها ، أخرجت من معادن الغيب أثقالها ، ونفضت إلى اللّه أحمالها ، يوم لا ينفع الحذر إذ عاينوا الهول الشديد فاستكانوا ، وعُرف المجرمون بسيماهم فاستبانوا ، فانشقّت القبور بعد طول إنطباقها ، وإستسلمت النفوس إلى اللّه بأسبابها ، كشف عن الآخرة غطاؤها ، فظهر للخلق أنباؤها ، فدكّت الأرض (١) دكّا دكّا ، ومدّت لأمر يُراد بها مدّا مدّا ، واشتدّ المبادرون إلى اللّه شدّا شدّا ، وتزاحفت الخلائق إلى المحشر زحفا زحفا ، وردّ المجرمون على الأعقاب ردّا ردّا ، وجدّ الأمر ويحك ياإنسان جدّا جدّا ، وقرّبوا للحساب فردا فردا ، وجاء ربّك والملك صفّا صفّا ، يسألهم عمّا عملوا حرفا حرفا ، وجى ء بهم عراة الأبدان ، خشّعا أبصارهم ، أمامهم الحساب ، ومن ورائهم جهنّم يسمعون زفيرها ويرون سعيرها ، فلم يجدوا ناصرا ولا وليّا يجيرهم من الذلّ ، فهم

__________________

(١) أي كُسر كلّ شيء على ظهر الأرض من جبل أو شجر أو بناء حين زلزلت فلم يبق عليها شيء.

٤٤٧

يَعْدون سراعا إلى مواقف الحشر يساقون سوقا ، فالسماوات مطويّات بيمينه كطيّ السجلّ للكتب ، والعباد على الصراط وَجِلت قلوبهم يظنّون أنّهم لا يسلمون ، ولا يؤذن لهم فيتكلّمون ، ولا يقبل منهم فيعتذرون ، قد ختم على أفواههم ، واستنطقت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون.

يا لها من ساعة! ما أشجى مواقعها من القلوب حين ميّز بين الفريقين : فريق في الجنّة ، وفريق في السعير ، من مثل هذا فليهرب الهاربون ، إذا كانت الدار الآخرة لها فليعمل العاملون» (١).

٧ ـ حديث أبي الورد ، عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام قال :

«إذا كان يوم القيامة جمع اللّه الناس في صعيد واحد فهم حفاة عراة فيوقفون في المحشر حتّى يعرقوا عرقا شديدا فتشتدّ أنفاسهم فيمكثون في ذلك مقدار خمسين عاما وهو قول اللّه : (وَخَشَعَتْ الاْءَصْوَاتُ لِلرَّحْمنِ فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْسا) (٢).

قال : ثمّ ينادي منادٍ من تلقاء العرش : أين النبي الاُمّي؟ فيقول الناس : قد أسمعت فسمّ باسمه ، فينادي : أين نبي الرحمة محمّد بن عبداللّه الاُمّي (٣) صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ فيتقدّم رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أمام الناس كلّهم حتّى ينتهي إلى حوض طوله ما بين أيلة إلى صنعاء فيقف عليه.

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٧ ص٩٨ و ٩٩ ب٥ ح٢).

(٢) سورة طه : (الآية ١٠٨).

(٣) يأتي بيانه عند ذكر الحوض.

٤٤٨

ثمّ ينادي بصاحبكم (١) فيتقدّم أمام الناس فيقف معه ، ثمّ يؤذن للناس فيمرّون ، فبين وارد الحوض يومئذ وبين مصروف عنه ، فإذا رأى رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله من يصرف عنه من محبّينا يبكي فيقول : ياربّ! شيعة علي ، قال : فيبعث اللّه إليه ملكا فيقول : ما يبكيك يامحمّد؟ فيقول : أبكي لاُناس من شيعة علي أراهم قد صرفوا تلقاء النار ومنعوا ورود الحوض ، قال : فيقول له المَلَك : إنّ اللّه يقول : قد وهبتهم لك يامحمّد وصفحت لهم عن ذنوبهم وألحقتهم بك وبمن كانوا يقولون به وجعلناهم في زمرتك فأوردهم حوضك.

فقال أبو جعفر عليه‌السلام : فكم من باك يومئذ وباكية ينادون : يامحمّداه! إذا رأوا ذلك ، ولا يبقى أحد يومئذ يتولاّنا ويحبّنا ويتبرّأ من عدوّنا ويبغضهم إلاّ كانوا في حزبنا ومعنا ويرد حوضنا» (٢).

٨ ـ ما في كتاب كتبه أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه إلى أهل مصر مع محمّد بن أبي بكر :

«ياعباد اللّه! إنّ بعد البعث ما هو أشدّ من القبر ، يوم يشيب فيه الصغير ، ويسكر فيه الكبير ، ويسقط فيه الجنين ، وتذهل كلّ مرضعة عمّا أرضعت ، يوم عبوس قمطرير ، يوم كان شرّه مستطيرا ، إنّ فزع ذلك اليوم ليرهب الملائكة الذين لا ذنب لهم ، وترعد منه السبع الشداد ، والجبال الأوتاد ، والأرض المهاد ، وتنشقّ

__________________

(١) أي أمير المؤمنين وسيّدهم وزعيمهم علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

(٢) بحار الأنوار : (ج٧ ص١٠١ ـ ١٠٢ ب٥ ح٩).

٤٤٩

السماء فهي يومئذ واهية ، وتتغيّر فكأنّها وردة كالدهان (١) ، وتكون الجبال سرابا مهيلاً بعد ما كانت صمّا صلابا ، وينفخ في الصور فيفزع من في السماوات والأرض إلاّ من شاء اللّه ، فكيف من عصى بالسمع والبصر واللسان واليد والرجل والفرج والبطن إن لم يغفر اللّه له ويرحمه من ذلك اليوم؟ لأنّه يصير إلى غيره إلى نار قعرها بعيد ، وحرّها شديد ، وشرابها صديد ، وعذابها جديد ، ومقامها حديد ، لا يغيّر عذابها ولا يموت ساكنها ، دار ليس فيها رحمة ، ولا تسمع لأهلها دعوة» (٢). الخبر.

٩ ـ حديث ياسر الخادم قال : سمعت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام يقول :

«إنّ أوحش ما يكون هذا الخلق في ثلاثة مواطن : يوم يولد ويخرج من بطن اُمّه فيرى الدنيا ، ويوم يموت فيعاين الآخرة وأهلها ، ويوم يبعث فيرى أحكاما لم يرها في دار الدنيا.

وقد سلّم اللّه عزوجل على يحيى عليه‌السلام في هذه الثلاثة المواطن وآمن روعته فقال : (وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّا) (٣).

وقد سلّم عيسى بن مريم عليه‌السلام على نفسه في هذه الثلاثة المواطن فقال : (وَالسَّلاَمُ عَلَىَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّا) (٤)» (٥).

__________________

(١) قال في مجمع البحرين : (ص٥٥٧) : أي كدهن الزيت أي تمور كالدهن ، وقيل الدهان : الأديم الأحمر أي صارت حمراء كالأديم.

(٢) بحار الأنوار : (ج٧ ص١٠٣ و ١٠٤ ب٥ ح١٦).

(٣) سورة مريم : (الآية ١٥).

(٤) سورة مريم : (الآية ٣٣).

(٥) بحار الأنوار : (ج٧ ص١٠٤ ب٥ ح١٨).

٤٥٠

١٠ ـ حديث شريك ، يرفعه قال : قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله :

«إذا كان يوم القيامة جاءت فاطمة في لمّة من نسائها ، فيقال لها : ادخلي الجنّة.

فتقول : لا أدخل حتّى أعلم ما صنع بولدي من بعدي.

فيقال لها : انظري في قلب القيامة ، فتنظر إلى الحسين صلوات اللّه عليه قائما ليس عليه رأس ، فتصرخ صرخة ، فأصرخ لصراخها ، وتصرخ الملائكة لصراخنا ، فيغضب اللّه عزوجل لنا عند ذلك ، فيأمر نارا يقال لها : هبهب قد اُوقد عليها ألف عام حتّى اسودّت ، لا يدخلها رَوح أبدا ، ولا يخرج منها غمّ أبدا ، فيقال : التقطي قتلة الحسين عليه‌السلام ، فتلتقطهم.

فإذا صاروا في حوصلتها صهلت وصهلوا بها ، وشهقت وشهقوا بها ، وزفرت وزفروا بها ، فينطقون بألسنة ذلقة (١) طلقة : ياربّنا! لِمَ أوجبت لنا النار قبل عبدة الأوثان؟ فيأتيهم الجواب عن اللّه عزوجل : إنّ من علم ليس كمن لم يعلم» (٢).

فالحشر حقّ في الجميع حتّى أنّه يكون في الحيوانات كما يستفاد ذلك من قوله تعالى : (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الاْءَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) (٣) فيُحشر جميع الحيوانات حتّى الوحوش وينتصف لها ولبعضها من بعض كما تلاحظ تفصيل بيانه وأحاديثه في

__________________

(١) الذلقة : الفصيحة.

(٢) بحار الأنوار : (ج٧ ص١٢٧ ب٦ ح٦).

(٣) سورة الأنعام : (الآية ٣٨).

٤٥١

تفسير الكنز (١) من ذلك :

ما رواه عن النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه أبصر ناقةً معقولة وعليها جهازها ، فقال : أين صاحبها؟ [مُروه] فليستعد غدا للخصومة.

وما رواه عن أبي ذرّ أنّه قال : بينا أنا عند رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا انتطحت عنزان.

فقال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : أتدرون فيما إنتطحا؟

فقالوا : لا ندري.

قال : ولكن اللّه يدري وسيقضي بينهما.

__________________

(١) تفسير كنز الدقائق : (ج٤ ص٣٢٣).

٤٥٢

(٧) ـ الميزان

إذا كان يوم القيامة وتحقّق الحشر في يوم الطامّة دُعي الناس للحساب ، فيتمّ وزن أعمالهم ويُبدأ بأمر حسابهم.

والميزان في اللغة مفسّر بما يُوزن به الأشياء وتُعرف به مقاديرها ليتوصّل به إلى الإنصاف والإنتصاف كما أفاده في مرآة الأنوار (١).

ولا خلاف بين المسلمين في حقّانيّة الميزان كما اُفيد في حقّ اليقين (٢).

وإعتقاد الإمامية أنّه حقّ كما في إعتقادات الشيخ الصدوق (٣).

وقد دلّ الكتاب الكريم على الميزان في آيات عديدة منها :

قوله تعالى : (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) (٤).

كما دلّت السنّة المتظافرة عليه في روايات كثيرة يستفاد من مجموعها وجود أصل الميزان وحقّانيته وإن اختلف في معناه وكيفيّته فلاحظ :

١ ـ ما روى هشام بن الحكم أنّه سأل الزنديق أبا عبداللّه عليه‌السلام فقال :

__________________

(١) مرآة الأنوار : (ص٢٢١).

(٢) حقّ اليقين : (ج٢ ص١٠٩).

(٣) إعتقادات الصدوق : (ص٧٣).

(٤) سورة الأنبياء : (الآية ٤٧).

٤٥٣

(أو ليس توزن الأعمال؟

قال : لا إنّ الأعمال ليست بأجسام ، وإنّما هي صفة ما عملوا ، وإنّما يحتاج إلى وزن الشيء من جهل عدد الأشياء ولا يعرف ثقلها وخفّتها ، وإنّ اللّه لا يخفى عليه شيء.

قال : فما معنى الميزان؟ قال : العدل ، قال : فما معناه في كتابه : (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ) (١)؟ قال : فمن رجّح عمله» (٢). الخبر.

٢ ـ ما كتب الإمام الرضا عليه‌السلام للمأمون :

«وتؤمن بعذاب القبر ومنكر ونكير والبعث بعد الموت والميزان والصراط» (٣). الخبر.

٣ ـ حديث هشام بن سالم قال : سألت أبا عبداللّه عليه‌السلام عن قول اللّه عزوجل : (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئا) (٤)؟

قال :

«هم الأنبياء والأوصياء عليهم‌السلام» (٥).

فالميزان أساسا حقّ يلزم الإعتقاد به ، وإن كان وقع الإختلاف في معناه وكيفيته كما تلاحظ بيانه في حقّ اليقين (٦).

لذلك أفاد العلاّمة المجلسي : «فنحن نؤمن بالميزان ، ونردّ علمه إلى حملة

__________________

(١) سورة الأعراف : (الآية ٨) ، وسورة المؤمنون : (الآية ١٠٢).

(٢) بحار الأنوار : (ج٧ ص٢٤٨ ب١٠ ح٣).

(٣) بحار الأنوار : (ج٧ ص٢٤٩ ب١٠ ح٥).

(٤) سورة الأنبياء : (الآية ٤٧).

(٥) بحار الأنوار : (ج٧ ص٢٤٩ ب١٠ ح٦).

(٦) حقّ اليقين : (ج٢ ص١٠٩).

٤٥٤

القرآن ولا نتكلّف علم ما لم يوضّح لنا بصريح البيان ، واللّه الموفّق وعليه التكلان» (١).

ولعلّ من الصحيح أن نقول في مقام الجمع بتعدّد الموازين : فكلّ ما يوزن به العمل ، ويُقدّر به الفعل ، ويُميّز به الحقّ عن الباطل والمقبول عن المردود ، ويكون محكّا للعمل يكون ميزانا ..

ومن الموازين نفس أمير المؤمنين عليه‌السلام كما تلاحظه في التسليم عليه بميزان الأعمال في زيارته المطلقة الرابعة المرويّة عن الإمام الباقر عليه‌السلام (٢).

بل جميع الأئمّة المعصومين عليهم‌السلام موازين لأعمال العباد كما في بعض الأخبار (٣).

وكذلك الأنبياء وأوصياؤهم كما في حديث هشام بن سالم المتقدّم.

بل قد يكون نفس عمل كالصلاة ميزانا من حيث كونها إن قُبلت قُبل ما سواها من الأعمال وإن رُدّت رُدّ ما سواها كما يستفاد ذلك من بعض الأحاديث الشريفة (٤).

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٧ ص٢٥٣).

(٢) مستدرك الوسائل : (ج١٠ ص٢٢٢).

(٣) مرآة الأنوار : (ص٢٢١).

(٤) وسائل الشيعة : (ج٣ ص٢٢ ب٨ ح١٠).

٤٥٥

(٨) ـ محاسبة العباد

الحساب هي المقابلة بين الأعمال والجزاء عليها ، والموافقة للعبد على ما فرّط منه ، والتوبيخ له على سيّئاته ، والحمد له على حسناته ، ومعاملته في ذلك باستحقاقه ، كما أفاده الشيخ المفيد (١).

وهو من عقائدنا الحقّة كما أفاده الشيخ الصدوق (٢).

وقد جاء بحقّانيّته وثبوته دليل الكتاب والسنّة القطعيّة :

فمن الكتاب آيات كثيرة منها :

١ ـ قوله تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْما تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّه ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) (٣).

٢ ـ قوله تعالى : (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللّه فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٤).

__________________

(١) تصحيح الإعتقادات الإمامية : (ص١١٤).

(٢) إعتقادات الصدوق : (ص٧٣).

(٣) سورة البقرة : (الآية ٢٨١).

(٤) سورة البقرة : (الآية ٢٨٤).

٤٥٦

٣ ـ قوله تعالى : (إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ) (١).

ومن السنّة الشريفة :

الأحاديث المتواترة الواردة في البحار بما يبلغ إحدى وخمسين حديثا منها :

١ ـ حديث رقيّة بنت إسحاق بن الإمام موسى بن جعفر ، عن أبيها ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله :

«لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتّى يسأل عن أربع : عن عمره فيما أفناه؟ وشبابه فيما أبلاه؟ وعن ماله من أين كسبه وفيما أنفقه؟ وعن حبّنا أهل البيت» (٢).

٢ ـ حديث عبداللّه بن سنان ، عن أبي عبداللّه عليه‌السلام قال :

«إذا كان يوم القيامة وكّلنا اللّه بحساب شيعتنا ، فما كان للّه سألنا اللّه أن يهبه لنا فهو لهم ، وما كان لنا فهو لهم ، ثمّ قرأ أبو عبداللّه عليه‌السلام : (إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ) (٣)» (٤).

٣ ـ حديث أبي شعيب الحدّاد ، عن أبي عبداللّه عليه‌السلام قال : قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله :

«أنا أوّل قادم على اللّه ، ثمّ يقدم عليَّ كتاب اللّه ثمّ يقدم عليَّ أهل بيتي ،

__________________

(١) سورة الغاشية : (الآيتان ٢٥ و ٢٦).

(٢) بحار الأنوار : (ج٧ ص٢٥٨ ب١١ ح١).

(٣) سورة الغاشية : (الآيتان ٢٥ و ٢٦).

(٤) بحار الأنوار : (ج٧ ص٢٦٤ ب١١ ح١٩).

٤٥٧

ثمّ يقدم عليَّ اُمّتي ، فيقفون فيسألهم : ما فعلتم في كتابي وأهل بيت نبيّكم؟» (١).

٤ ـ حديث الحسن بن هارون ، عن أبي عبداللّه عليه‌السلام في قول اللّه : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً) (٢).

قال :

«يُسأل السمع عمّا يسمع ، والبصر عمّا يطرف ، والفؤاد عمّا عقد عليه» (٣).

٥ ـ حديث ابن يزيد رفعه ، عن أحدهما [أي الإمام الباقر والإمام الصادق] عليهما‌السلام قال :

«يؤتى يوم القيامة بصاحب الدَّين يشكو الوحشة ، فإن كانت له حسنات اُخذ منه لصاحب الدَّين ، وقال : وإن لم تكن له حسنات اُلقي عليه من سيّئات صاحب الدَّين» (٤).

رزقنا اللّه الخلاص من أهوال الحساب ببركة النبي والأئمّة الأطياب من حيث ولايتهم ومحبّتهم وزيارتهم وتلاوة وحيهم ، وبمثوبة قضاء حوائج المؤمنين كما ورد.

وتلاحظ أحاديث الخصال التي توجب التخلّص من شدائد القيامة وأهوالها المذكورة منها ما يلي بيانه :

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٧ ص٢٦٥ ب١١ ح٢٢).

(٢) سورة الإسراء : (الآية ٣٦).

(٣) بحار الأنوار : (ج٧ ص٢٦٧ ب١١ ح٣٠).

(٤) بحار الأنوار : (ج٧ ص٢٧٤ ب١١ ح٤٦).

٤٥٨

١ ـ حديث أيّوب بن نوح قال : سمعت أبا جعفر [الجواد] عليه‌السلام يقول :

«من زار قبر أبي بطوس غفر اللّه له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ، فإذا كان يوم القيامة نصب له منبر بحذاء منبر رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى يفرغ اللّه تعالى من حساب عباده» (١).

٢ ـ حديث سليمان بن حفص المروزي ، عن الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام قال :

«إذا كان يوم القيامة كان على عرش اللّه جلّ جلاله أربعة من الأوّلين وأربعة من الآخرين ، فأمّا الأوّلون فنوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، وأمّا الأربعة الآخرون فمحمّد ، وعلي ، والحسن ، والحسين ، ثمّ يمدّ المطمر (٢) فيقعد معنا زوّار قبور الأئمّة ، ألا إنّ أعلاها درجة وأقربهم حبوة زوّار ولدي علي» (٣).

٣ ـ حديث الشيخ الصدوق ، عن أبي عبداللّه عليه‌السلام قال :

«من قرأ سورة الأعراف في كلّ شهر كان يوم القيامة من الآمنين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، فإن قرأها في كلّ جمعة كان ممّن لا يحاسب يوم القيامة ، أما إنّ فيها محكما فلا تَدَعوا قراءتها فإنّها تشهد يوم القيامة لمن قرأها» (٤).

٤ ـ عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام :

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٧ ص٢٩١ و ٢٩٢ ب١٥ ح٣).

(٢) المِطمَر : هو الخيط الذي يقدّر به البناء ويُعرف به إستقامته.

(٣) بحار الأنوار : (ج٧ ص٢٩٢ ب١٥ ح٤).

(٤) بحار الأنوار : (ج٧ ص٢٩٣ ب١٥ ح٦).

٤٥٩

«من قرأ سورة هود في كلّ جمعة بعثه اللّه يوم القيامة في زمرة النبيّين ، ولم تعرف له خطيئة عملها يوم القيامة» (١).

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٧ ص٢٩٣ ب١٥ ح٨).

٤٦٠