العقائد الحقّة

السيد علي الحسيني الصدر

العقائد الحقّة

المؤلف:

السيد علي الحسيني الصدر


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الغدير
المطبعة: سرور
الطبعة: ١
ISBN: 964-8485-25-1
الصفحات: ٦٦٧

المقبورين فتسألهم عن أديانهم ، وألفاظ الأخبار بذلك متقاربة ، فمنها أنّ ملكين للّه تعالى يقال لهما : ناكر ونكير ينزلان على الميّت فيسألانه عن ربّه ونبيّه ودينه وإمامه. فإن أجاب بالحقّ سلّموه إلى ملائكته النعيم ، وإن اُرْتِجَ عليه (١) سلّموه إلى ملائكة العذاب ، كما أفاده المفيد في التصحيح (٢).

وفي بعض الأخبار أنّ اسم الملكين اللذين ينزلان على المؤمن مبشّر وبشير كما في بحار الأنوار (٣) ، وهو المستفاد من الدعاء المروي في أدعية شهر رجب في المصباح (٤) جاء فيه : «وأدرأ عنّي منكرا ونكيرا وأرِ عيني مبشّرا وبشيرا».

وقد ذكر العلاّمة المجلسي الكثير من أخبار هذه المساءلة في بحار الأنوار ، في أحوال البرزخ والقبر نختار منها ما يلي :

١ ـ حديث ابن أبي البلاد ، عن أبيه ، عن بعض أصحابه يرفعه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال لبعض أصحابه :

«كيف أنت إذا أتاك فتّانا القبر؟ فقال : يارسول اللّه! ما فتّانا القبر؟ قال : ملكان فظّان غليظان ، أصواتهما كالرعد القاصف ، وأبصارهما كالبرق الخاطف ، يطئان في أشعارهما ، ويحفران بأنيابهما ، فيسألانك ؛ قال : وأنا على مثل هذه الحال (٥)؟ قال : وأنت على مثل

__________________

(١) يقال : اُرتج على القارئ إذا لم يقدر على القراءة واستغلق عليه الكلام.

(٢) تصحيح إعتقادات الإمامية : (ص٩٩).

(٣) بحار الأنوار : (ج٦ ص٢٨٠).

(٤) المصباح لشيخ الطائفة : (ص٧٣٩).

(٥) لعلّه بمعنى حال الإيمان والمحبّة لكم.

٤٢١

حالك هذه ، قال : إذن أكفيهما» (١).

٢ ـ حديث تفسير الحافظ محمّد بن مؤمن الشيرازي بإسناده رفعه قال : أقبل صخر بن حرب حتّى جلس إلى رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يامحمّد! هذا الأمر لنا بعدك أم لمن؟ قال :

«ياصخر! الأمر بعدي لمن هو منّي بمنزلة هارون من موسى ، فأنزل اللّه تعالى : (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ) يعني يسألك أهل مكّة عن خلافة علي بن أبي طالب (عَنْ النَّبَإِ الْعَظِيمِ * الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ) منهم المصدّق بولايته وخلافته ، ومنهم المكذّب (كَلاَّ) ردّ عليهم (سَيَعْلَمُونَ) سيعرفون خلافته بعدك إنّها حقّ يكون (ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ) (٢) سيعرفون خلافته وولايته إذ يُسألون عنها في قبورهم ، فلا يبقى ميّت في شرق ولا غرب ولا في برّ ولا في بحر إلاّ ومنكر ونكير يسألانه عن ولاية أمير المؤمنين بعد الموت ، يقولان للميّت : من ربّك؟ وما دينك؟ ومن نبيّك؟ ومن إمامك؟» (٣).

٣ ـ ما كتب أمير المؤمنين عليه‌السلام لمحمّد بن أبي بكر :

«ياعباد اللّه! ما بعد الموت لمن لا يغفر له أشدّ من الموت ، القبر فاحذروا ضيقه وضنكه وظلمته وغربته ، إنّ القبر يقول كلّ يوم : أنا بيت الغربة ، أنا بيت التراب ، أنا بيت الوحشة ، أنا بيت الدود والهوامّ ؛ والقبر روضة من رياض الجنّة ، أو حفرة من حفر النار.

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٦ ص٢١٥ ب٨ ح٥).

(٢) سورة النبأ : (الآيات ١ ـ ٥).

(٣) بحار الأنوار : (ج٦ ص٢١٦ ب٨ ح٦).

٤٢٢

إنّ العبد المؤمن إذا دفن قالت له الأرض : مرحبا وأهلاً ، قد كنتَ ممّن أُحبّ أن تمشي على ظهري ، فإذا ولّيتك فستعلم كيف صنيعي بك ؛ فيتّسع له مدّ البصر ، وإنّ الكافر إذا دفن قالت له الأرض : لا مرحبا بك ولا أهلاً ، لقد كنتَ من أبغض من يمشي على ظهري ، فإذا ولّيتك فستعلم كيف صنيعي بك ، فتضمّه حتّى تلتقي أضلاعه ؛ وإنّ المعيشة الضنك التي حذّر اللّه منها عدوّه عذاب القبر ، إنّه يسلّط على الكافر في قبره تسعة وتسعين تنّينا (١) فينهشن لحمه ، ويكسرن عظمه ، يتردّدن عليه كذلك إلى يوم يبعث ؛ لو أنّ تنّينا منها نفخ في الأرض لم تنبت زرعا.

ياعباد اللّه! إنّ أنفسكم الضعيفة وأجسادكم الناعمة الرقيقة التي يكفيها اليسير تضعف عن هذا ، فإن استطعتم أن تجزعوا لأجسادكم وأنفسكم بما لا طاقة لكم به ولا صبر لكم عليه فاعملوا بما أحبّ اللّه واتركوا ما كره اللّه» (٢).

٤ ـ حديث سليمان بن خالد قال : سألت أبا عبداللّه عمّا يلقى صاحب القبر؟ فقال

«إنّ ملكين يقال لهما : منكر ونكير يأتيان صاحب القبر فيسألانه عن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله فيقولان : ما تقول في هذا الرجل الذي خرج فيكم؟ فيقول : من هو؟ فيقولان : الذي كان يقول : إنّه رسول اللّه ، أحقّ ذلك؟ قال : فإذا كان من أهل الشكّ قال : ما أدري ، قد سمعت الناس يقولون ،

__________________

(١) التنّين على وزن سكّين هي : الحيّة العظيمة.

(٢) بحار الأنوار : (ج٦ ص٢١٨ ـ ٢١٩ ب٨ ح١٣).

٤٢٣

فلست أدري أحقّ ذلك أم كذب؟ فيضربانه ضربةً يسمعها أهل السماوات وأهل الأرض إلاّ المشركين ، وإذا كان متيقّنا فإنّه لا يفزع فيقول : أعن رسول اللّه تسألاني؟ فيقولان : أتعلم أنّه رسول اللّه؟ فيقول : أشهد أنّه رسول اللّه حقّا ، جاء بالهدى ودين الحقّ ؛ قال : فيرى مقعده من الجنّة ويُفسح له عن قبره ، ثمّ يقولان له : نم نومة ليس فيها حلم في أطيب ما يكون النائم» (١).

٥ ـ حديث سليمان بن مقبل ، عن الإمام موسى بن جعفر ، عن أبيه عليهما‌السلام قال :

«إذا مات المؤمن شيّعه سبعون ألف ملك إلى قبره ، فإذا اُدخل قبره أتاه منكر ونكير فيُقعدانه ويقولان له : من ربّك؟ وما دينك؟ فيقول : ربّي اللّه ، ومحمّد نبيّي ، والإسلام ديني ، فيفسحان له في قبره مدّ بصره ، ويأتيانه بالطعام من الجنّة ، ويُدخلان عليه الروح والريحان ، وذلك قوله عزوجل : (فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ) يعني في قبره (وَجَنَّةُ نَعِيمٍ) (٢) يعني في الآخرة.

ثمّ قال عليه‌السلام : إذا مات الكافر شيّعه سبعون ألفا من الزبانية (٣) إلى قبره ، وإنّه ليناشد حامليه بصوت يسمعه كلّ شيء إلاّ الثقلان ويقول : لو أنّ لي كرّة فأكون من المؤمنين ، ويقول : ارجعونِ لعلّي

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٦ ص٢٢١ ـ ٢٢٢ ب٨ ح٢٠).

(٢ و ٣) سورة الواقعة : (الآيتان ٨٨ و ٨٩).

(٣) الزبانية عند العرب الشُرطة ، وسمّي به بعض الملائكة لدفعهم أهل النار إليها كما في مجمع البحرين : (ص٥٥٩).

٤٢٤

أعمل صالحا فيما تركت ، فتجيه الزبانية : كلاّ! إنّها كلمة أنت قائلها ، ويناديهم ملك : لو رُدّ لعاد لما نهي عنه.

فإذا اُدخل قبره وفارقه الناس أتاه منكر ونكير في أهول صورة فيقيمانه ثمّ يقولان له : من ربّك؟ وما دينك؟ ومن نبيّك؟ فيتلجلج لسانه (١) ولا يقدر على الجواب ، فيضربانه ضربة من عذاب اللّه يذعر لها كلّ شيء ثمّ يقولان له : من ربّك؟ وما دينك؟ ومن نبيّك؟ فيقول : لا أدري ، فيقولان له : لا دريت ولا هديت ولا أفلحت ؛ ثمّ يفتحان له بابا إلى النار وينزلان إليه من الحميم من جهنّم ، وذلك قول اللّه عزوجل : (وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ) يعني في القبر (وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ) (٢) يعني في الآخرة» (٣).

٦ ـ حديث ابن عمارة ، عن أبيه قال : قال الصادق عليه‌السلام :

«من أنكر ثلاثة أشياء فليس من شيعتنا : المعراج ، والمساءلة في القبر ، والشفاعة» (٤).

٧ ـ حديث الفضائل والروضة أنّه : لمّا ماتت فاطمة بنت أسد اُمّ أمير المؤمنين عليه‌السلام أقبل علي بن أبي طالب عليه‌السلام باكيا فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله :

«ما يبكيك؟ لا أبكى اللّه عينك! قال : توفّت والدتي يارسول اللّه ، قال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : بل ووالدتي ياعلي فلقد كانت تُجوّع أولادها وتشبعني ،

__________________

(١) من التلجلج بمعنى التردّد ، أي : يثقل لسانه ويتردّد في كلامه.

(٢) سورة الواقعة : (الآيات ٩٢ ـ ٩٤).

(٣) بحار الأنوار : (ج٦ ص٢٢٢ ب٨ ح٢٢).

(٤) بحار الأنوار : (ج٦ ص٢٢٣ ب٨ ح٢٣).

٤٢٥

وتُشعث أولادها وتدهنني ، واللّه لقد كان في دار أبي طالب نخلة فكانت تسابق إليها من الغداة لتلتقط ، ثمّ تجنيه ـ رضي‌الله‌عنها ـ فإذا خرجوا بنو عمّي تناولني ذلك ؛ ثمّ نهض عليه‌السلام فأخذ في جهازها وكفّنها بقميصه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان في حال تشييع جنازتها يرفع قدما ويتأنّى في رفع الآخر ، وهو حافي القدم ، فلمّا صلّى عليها كبّر سبعين تكبيرة ، ثمّ لحّدها في قبرها بيده الكريمة بعد أن نام في قبرها ، ولقّنها الشهادة.

فلمّا اُهيل عليها التراب (١) وأراد الناس الإنصراف ، جعل رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لها : إبنكِ ، إبنكِ ، إبنكِ ، لا جعفر ، ولا عقيل ، إبنكِ ، إبنكِ : علي بن أبي طالب.

قالوا : يارسول اللّه! فعلت فعلاً ما رأينا مثله قطّ ، مشيك حافي القدم ، وكبّرت سبعين تكبيرة ، ونومك في لحدها ، وقميصك عليها ، وقولك لها : إبنكِ ، إبنكِ ، لا جعفر ، ولا عقيل.

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : أمّا التأنّي في وضع أقدامي ورفعها في حال التشييع للجنازة فلكثرة إزدحام الملائكة ، وأمّا تكبيري سبعين تكبيرة فإنّها صلّى عليها سبعون صفّا من الملائكة ، وأمّا نومي في لحدها فإنّي ذكرتُ في حال حياتها ضغطة القبر فقالت : واضعفاه! فنمت في لحدها لأجل ذلك حتّى كفيتها ذلك ، وأمّا تكفيني لها بقميصي فإنّي ذكرت لها في حياتها القيامة وحشر الناس عراةً فقالت : واسوأتاه! فكفّنتها به ، لتقوم يوم القيامة مستورة ، وأمّا قولي لها : إبنكِ ، إبنكِ ،

__________________

(١) إهالة التراب : صَبُّه.

٤٢٦

لا جعفر ، ولا عقيل فإنّها لمّا نزل عليها الملكان وسألاها عن ربّها فقالت : اللّه ربّي ، وقالا : من نبيّك؟ قالت : محمّد نبيّي ، فقالا : من وليّك وإمامك؟ فاستحيت أن تقول : ولدي ، فقلت لها : قولي : إبنك علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، فأقرّ اللّه بذلك عينها» (١).

فمسائلة القبر إذا من الاُمور الحقّة المسلّمة ، حتّى كان تلقين الميّت بجواب ما يسأل عنه من الاُمور المستحبّة.

ففي الجواهر (٢) : أنّه «يستحبّ تلقين الميّت بعد وضعه في لحده ، قبل تشريج اللبن بلا خلاف أعرفه فيه ، بل في الغنية الإجماع عليه ، والأخبار به كادت تكون متواترة كما في الذكرى وهو كذلك».

وقد جاءت أحاديثه مجموعةً في الوسائل (٣) ، فراجع.

ونقل المحدّث القمّي عن شيخنا العلاّمة المجلسي قدس‌سره تلقينا جامعا جاء فيه : «أنّه يُلقّن الميّت شهادة أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له وأنّ محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله عبده ورسوله وسيّد النبيّين وخاتم المرسلين ، وأنّ عليّا أمير المؤمنين وسيّد الوصيّين وإمام فَرَض اللّه طاعته على العالمين وأنّ الأئمّة من ولده أئمّة المؤمنين وحجج اللّه على الخلق أجمعين أئمّة هدىً أبرار.

وأنّ اللّه ربّي ومحمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله نبيّي ، والإسلام ديني ، والقرآن كتابي ، والكعبة قبلتي ، وأمير المؤمنين وأولاده المعصومين صلوات اللّه عليهم أجمعين أئمّتي وسادتي وقادتي وشفعائي بهم أتولّى ومن أعدائهم أتبرّأ في الدنيا والآخرة ..

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٦ ص٢٤١ ب٨ ح٦٠).

(٢) جواهر الكلام : (ج٤ ص٣٠٥).

(٣) وسائل الشيعة : (ج٢ ص٨٤٢ ب٢٠ الأحاديث).

٤٢٧

وأنّ اللّه تعالى نعم الربّ ، وأنّ محمّدا نعم الرسول ، وأنّ عليّا وأولاده المعصومين نعم الأئمّة ، وأنّ ما جاء به محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله حقّ ، والموت وسؤال منكر ونكير والبعث والنشور والصراط والميزان وتطاير الكتب والجنّة والنار حقّ ، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها ، وأنّ اللّه يبعث من في القبور». فلاحظ المفاتيح (١) لمعرفة نصّ التلقين.

ثمّ إنّ من أحداث القبر هي الضغطة وضمّة القبر التي أفادتها السنّة المتظافرة والأخبار المعتبرة واُفيد عليها الإجماع.

والذي استُظهر من الأخبار الشريفة هو أنّ ضغطة القبر تكون في البدن الأصلي ، وأنّها ليست بعامّة للجميع بل ترتفع عن بعض المؤمنين كمن لُقّنَ مثلاً ، أو مات في ليله الجمعة أو يوم الجمعة ، وأنّها تابعة للسؤال فمن لم يُسأل لم يُضغط.

والدليل الروائي في ضغطة القبر كثيرة منها ما يلي :

١ ـ قال أبو بصير : سمعت أبا عبداللّه عليه‌السلام يقول :

«إنّ رقيّة بنت رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا ماتت قام رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله على قبرها ، فرفع يده تلقاء السماء ودمعت عيناه ، فقالوا له : يارسول اللّه! إنّا قد رأيناك رفعت رأسك إلى السماء ودمعت عيناك؟ فقال : إنّي سألت ربّي أن يهب لي رقيّة من ضمّة القبر» (٢).

٢ ـ حديث ابن سنان ، عن أبي عبداللّه عليه‌السلام قال :

«اُتي رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله فقيل له : إنّ سعد بن معاذ قد مات ، فقام رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله وقام أصحابه معه ، فأمر بغسل سعد وهو قائم على عضادة

__________________

(١) مفاتيح الجنان المعرّب : (ص٨٤٨ طبع الأعلمي لبنان).

(٢) بحار الأنوار : (ج٦ ص٢١٧ ب٨ ح١٠).

٤٢٨

الباب ، فلمّا أن حنّط وكفّن وحمل على سريره تبعه رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله بلا حذاء ولا رداء ، ثمّ كان يأخذ يمنة السرير مرّة ويسرة السرير مرّة حتّى انتهى به إلى القبر ، فنزل رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى لحّده وسوّى اللّبن عليه ، وجعل يقول : ناولوني حجرا ، ناولوني ترابا رَطبا ؛ يسدّ به ما بين اللّبن.

فلمّا أن فرغ وحثا التراب عليه وسوّى قبره قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّي لأعلم أنّه سيبلى ويصل البلى إليه (١) ، ولكنّ اللّه يحبّ عبدا إذا عمل عملاً أحكمه ، فلمّا أن سوّى التربة عليه قالت اُمّ سعد : ياسعد! هنيئا لك الجنّة ، فقال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : يااُمّ سعد! مه! لا تجزمي على ربّك فإنّ سعدا قد أصابته ضمّة.

قال : فرجع رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ورجع الناس فقالوا له : يارسول اللّه! لقد رأيناك صنعت على سعد ما لم تصنعه على أحد ، إنّك تبعت جنازته بلا رداء ولا حذاء؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الملائكة كانت بلا رداء ولا حذاء فتأسّيت بها ، قالوا : وكنت تأخذ يمنة السرير مرّةً ، ويسرة السرير مرّةً؟ قال : كانت يدي في يد جبرئيل آخذ حيث يأخذ ، قالوا : أمرت بغسله وصلّيت على جنازته ولحّدته في قبره ثمّ قلت : إنّ سعدا قد أصابته ضمّة! قال : فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : نعم ، إنّه كان في خُلُقه مع أهله

__________________

(١) قال في مجمع البحرين : (ص١٣) : بَلَى الميّت : أفنته الأرض ، وفي حديث الصادق عليه‌السلام وقد سئل عن الميّت يُبلى جسده؟ قال : نعم حتّى لا يبقى له لحم ولا عظم إلاّ طينته التي خُلِق منها ، فإنّها لا تبلى بل تبقى في القبر مستديرة حتّى يخلق منها كما خلق منها أوّل مرّة».

٤٢٩

سوء» (١).

٣ ـ حديث السكوني ، عن الإمام الصادق ، عن آبائه عليهم‌السلام قال :

«قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : ضغطة القبر للمؤمن كفّارة لما كان منه من تضييع النعم» (٢).

٤ ـ حديث أبان بن تغلب ، عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال :

«من مات ما بين زوال الشمس يوم الخميس إلى زوال الشمس من يوم الجمعة من المؤمنين أعاذه اللّه من ضغطة القبر» (٣).

٥ ـ حديث بشير النبّال قال : سمعت أبا عبداللّه عليه‌السلام يقول :

«خاطب رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله قبر سعد فمسحه بيده واختُلج بين كتفيه (٤) ، فقيل له : يارسول اللّه! رأيناك خاطبت واختُلج بين كتفيك وقلت : سعد يفعل به هذا؟ فقال له : إنّه ليس من مؤمن إلاّ وله ضمّة» (٥).

٦ ـ حديث أبي بصير قال : قلت لأبي عبداللّه عليه‌السلام :

«أيفلت من ضغطة القبر أحد؟ قال : فقال : نعوذ باللّه منها ، ما أقلّ من يفلت من ضغطة القبر! إنّ رقيّة لمّا قتلها عثمان وقف رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله على قبرها فرفع رأسه إلى السماء فدمعت عيناه وقال للناس : إنّي ذكرت هذه وما لقيت ، فرققت لها واستوهبتها من ضغطة القبر ، قال :

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٦ ص٢٢٠ ب٨ ح١٤).

(٢) بحار الأنوار : (ج٦ ص٢٢١ ب٨ ح١٦).

(٣) بحار الأنوار : (ج٦ ص٢٢١ ب٨ ح١٧).

(٤) اختلاج العضو هو إضطرابه.

(٥) بحار الأنوار : (ج٦ ص٢٢١ ب٨ ح١٩).

٤٣٠

فقال : اللهمّ هب لي رقيّة من ضغطة القبر فوهبها اللّه له.

قال : وإنّ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله خرج في جنازة سعد وقد شيّعه سبعون ألف ملك فرفع رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله رأسه إلى السماء ثمّ قال : مثل سعد يضمّ؟ قال : قلت : جعلت فداك! إنّا نحدّث أنّه كان يستخفّ بالبول ، فقال : معاذ اللّه! إنّما كان من زعارة (١) في خلقه على أهله ، قال : فقالت اُمّ سعد : هنيئا لك ياسعد ، قال : فقال لها رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : يااُمّ سعد! لا تحتّمي على اللّه» (٢).

٧ ـ حديث يونس قال : سألته عن المصلوب : يعذّب عذاب القبر؟

قال : فقال :

«نعم إنّ اللّه عزوجل يأمر الهواء أن يضغطه».

وفي رواية اُخرى : سئل أبو عبداللّه عليه‌السلام عن المصلوب يصيبه عذاب القبر؟ فقال :

«إنّ ربّ الأرض هو ربّ الهواء ، فيوحي اللّه عزوجل إلى الهواء فيضغطه ضغطة أشدّ من ضغطة القبر» (٣).

وتعرف من بعض هذه الروايات المباركة أنّ المؤمنين أو بعضهم لا تصيبهم ضغطة القبر وأنّ الأرض ترفق بهم وأنّهم يُفتح لهم من قبرهم باب إلى الجنّة.

وأمّا ما في مقابلها من الأحاديث الشريفة الاُخر من أنّ ضغطة القبر لا يفلت منها أحد فيمكن الجمع بين الطائفتين بإحدى الوجوه الثلاثة التي جاءت في حقّ

__________________

(١) الزعارة : سوء الخُلُق.

(٢) بحار الأنوار : (ج٦ ص٢٦١ ب٨ ح١٠٢).

(٣) بحار الأنوار : (ج٦ ص٢٦٦ ب٨ ح١١٢).

٤٣١

اليقين (١) وهي :

١ ـ أن تحمل أخبار رفع الضغطة عن المؤمن على من يقربون من رتبة المعصومين كسلمان وأبي ذرّ والمقداد ، وتكون ضغطات غيرهم من المؤمنين ضغطات خفيفة.

٢ ـ أن تحمل ضغطة المؤمن على الضغطة بنحو اللطف تنقيةً للذنوب كالحجامة مثلاً التي هي مؤلمة لكنّها مطلوبة لحسن عاقبتها ، وضغطة الكافر بعكس ذلك تكون بنحو العنف.

٣ ـ أن يقال : إنّ الضغطة كانت في صدر الإسلام للعموم ثمّ ببركة المعصومين عليهم‌السلام وشفاعتهم إرتفعت عن شيعتهم ، واللّه العالم.

ثمّ إنّ من أحداث القبر أيضا نعيم المؤمن وعذاب الكافر فيه ، فهو روضة من رياض الجنّة أو حفرة من حفر النيران كما عرفت.

وقد بيّنت أخبارنا الشريفة ذلك في مثل أحاديث البحار ، كالأحاديث التالية :

١ ـ حديث التفسير (٢) ، وقد مضى ذكر هذه الرواية في ص٤١٤ من الكتاب.

٢ ـ حديث زرارة قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : أرأيت الميّت إذا مات لِمَ تُجعل معه الجريدة؟

قال :

«يتجافى (٣) عنه العذاب والحساب ما دام العود رطبا ، قال : والعذاب

__________________

(١) حقّ اليقين : (ج٢ ص٨٤).

(٢) بحار الأنوار : (ج٦ ص٢١٤ ب٨ ح٢).

(٣) التجافي هو : التباعد والإرتفاع.

٤٣٢

كلّه في يوم واحد ، في ساعة واحدة ، قدر ما يدخل القبر ويرجع القوم ، وإنّما جعلت السعفتان لذلك ، فلا يصيبه عذاب ولا حساب بعد جَفوفهما إن شاء اللّه» (١).

٣ ـ حديث التفسير (٢) ، وقد جاء ذكره آنفا في ص٤٢٢ ، فراجع.

٤ ـ حديث ابن سنان ، عن أبي عبداللّه عليه‌السلام (٣) وقد تقدّم في ص٤٢٨.

٥ ـ حديث إبراهيم بن محمّد ، عن الصادق ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : «قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : مرّ عيسى بن مريم عليه‌السلام بقبر يعذّب صاحبه ، ثمّ مرّ به من قابل فإذا هو ليس يعذّب ، فقال : ياربّ! مررت بهذا القبر عام أوّل فكان صاحبه يعذّب ، ثمّ مررت به العام فإذا هو ليس يعذّب؟ فأوحى اللّه عزوجل إليه : ياروح اللّه! إنّه أدرك له ولد صالح فأصلح طريقا وآوى يتيما فغفرت له بما عمل إبنه» (٤).

٦ ـ حديث الأصبغ بن نباتة قال : توجّهت إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام لاُسلّم عليه فلم ألبث أن خرج فقمت قائما على رجلي فاستقبلته فضرب بكفّه إلى كفّي فشبّك أصابعه في أصابعي ثمّ قال لي :

«ياأصبغ بن نباتة! قلت : لبّيك وسعديك ياأمير المؤمنين! فقال : إنّ وليّنا وليّ اللّه ، فإذا مات كان في الرفيق الأعلى ، وسقاه اللّه من نهر أبرد من الثلج ، وأحلى من الشهد ، فقلت : جعلت فداك! وإن كان مذنبا؟

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٦ ص٢١٥ ب٨ ح٣).

(٢) بحار الأنوار : (ج٦ ص٢١٦ ب٨ ح٦).

(٣) بحار الأنوار : (ج٦ ص٢٢٠ ب٨ ح١٤).

(٤) بحار الأنوار : (ج٦ ص٢٢٠ ب٨ ح١٥).

٤٣٣

قال : نعم ألم تقرأ كتاب اللّه : «فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللّه سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللّه غَفُورا رَحِيما» (١)» (٢).

٧ ـ حديث عمرو بن يزيد قال : قلت لأبي عبداللّه عليه‌السلام :

«إنّي سمعتك وأنت تقول : كلّ شيعتنا في الجنّة على ما كان فيهم؟ قال : صدّقتك ، كلّهم واللّه في الجنّة ؛ قال : قلت : جعلت فداك! إنّ الذنوب كثيرة كبائر [كبار] ، فقال : أمّا في القيامة فكلّكم في الجنّة بشفاعة النبي المطاع أو وصي النبي ، ولكنّي واللّه أتخوّف عليكم في البرزخ ، قلت : وما البرزخ؟ قال : القبر منذ حين موته إلى يوم القيامة» (٣).

٨ ـ حديث أبي بصير قال : قال أبو عبداللّه عليه‌السلام :

«إنّ أرواح المؤمنين لفي شجرة من الجنّة يأكلون من طعامها ، ويشربون من شرابها ، ويقولون : ربّنا أقم لنا الساعة ، وأنجز لنا ما وعدتنا ، وألحق آخرنا بأوّلنا» (٤).

إلى غير ذلك من الأحاديث الاُخرى التي تقدّم بعضها (٥).

وقانا اللّه من عذاب القبر وفتنته ، وهي ترتفع بحبّ أهل البيت عليهم‌السلام ، وببركة تلاوة القرآن الكريم ، خصوصا آية الكرسي ، وسورة الملك ، وسورة التكاثر ، كما تلاحظه في المعالم الزلفى (٦).

__________________

(١) سورة الفرقان : (الآية ٧٠).

(٢) بحار الأنوار : (ج٦ ص٢٤٦ ب٨ ح٧٨).

(٣) بحار الأنوار : (ج٦ ص٢٦٧ ب٨ ح١١٦).

(٤) بحار الأنوار : (ج٦ ص٢٦٨ ب٨ ح١٢٠).

(٥) لاحظ بحار الأنوار : (ج٦ ب٨ ح١٥ و ١٦ و ١٩ و ٢٠ و ٢٢ و ٢٣ و ٥٥ و ٦٠ و ٦١ و ٩١).

(٦) المعالم الزلفى : (ص١٢٢ و ٢٩٠).

٤٣٤

(٤) ـ أشراط الساعة

الأشراط جمع شَرَط ـ بفتحتين ـ بمعنى العلامة.

والساعة يعبّر بها عن يوم القيامة لوقوعها بغتةً أو لأنّها على طولها عند اللّه تعالى كساعة من ساعات الخلق.

وأشراط الساعة هي علامات يوم القيامة التي تدلّ على قربها كما أفاده في مجمع البحرين (١) ، أشار اللّه تعالى إليها بقوله عزّ إسمه : (.. فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ) (٢).

وهذه الأشراط كثيرة ويلزم الإيمان بها ولو إجمالاً ، وقد بيّنتها أحاديث العترة الطاهرة عليهم‌السلام نظير حديث الخصال الآتي :

وهو ما رواه حذيفة بن أسيد الغفاري قال : كنّا جلوسا في المدينة في ظلّ حائط ، قال : وكان رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله في غرفة فاطّلع علينا فقال :

«فيمَ أنتم؟ فقلنا : نتحدّث ، قال : عمّ ذا؟ قلنا : عن الساعة ، فقال : إنّكم لا ترون الساعة حتّى ترون قبلها عشر آيات : طلوع الشمس من مغربها ، والدجّال ، ودابة الأرض ، وثلاثة خسوف في الأرض : خسف بالمشرق ، وخسف بالمغرب ، وخسف بجزيرة العرب ، وخروج

__________________

(١) مجمع البحرين : (ص٣٦٣ و ٣٨٢).

(٢) سورة محمّد : (الآية ١٨).

٤٣٥

عيسى بن مريم عليه‌السلام ، وخروج يأجوج ومأجوج ، وتكون في آخر الزمان نار تخرج من اليمن من قعر الأرض لا تدع خلفها أحدا ، تسوق الناس إلى المحشر ، كلّما قاموا قامت لهم تسوقهم إلى المحشر» (١).

فهذه العلائم تكون في آخر الدنيا وتؤذن بقرب يوم القيامة.

ولعلّ عاشر العلامات سقط من هذا الحديث الشريف عند النقل .. ويحتمل أن يكون هو الدخّان الذي يأتي به السماء حيث قال تعالى : (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ) (٢).

فالدخان آية من أشراط الساعة (٣).

وقد ورد ذكر هذه العلائم بعضها في الملاحم ، وبعضها في علائم الظهور ، وبعضها في أحاديث الأشراط وتلاحظ لمزيد المعرفة أحاديث بحار الأنوار (٤) ، فراجع.

__________________

(١) الخصال : (ج٢ ص٤٤٩ باب العشرة ح٥٢).

(٢) سورة الدخان : (الآية ١٠).

(٣) بحار الأنوار : (ج٦ ص٣٠١).

(٤) بحار الأنوار : (ج٦ ص٢٩٥ ب١ الأحاديث).

٤٣٦

(٥) ـ نفخ الصور وفناء الدنيا

الصُوْر في اللغة هو القرن ينفخ فيه (١).

وسمّي به الصور الذي ينفخ فيه للفناء والإحياء.

ويُفسّر بصور إسرافيل الذي ينفخ فيه بإذن اللّه فيموت الجميع ، ثمّ ينفخ فيه اُخرى فيكون البعث.

وأفاد العلاّمة المجلسي (٢) : أنّه يجب الإيمان بالصور على النحو الذي ورد في النصوص الصريحة ، وتأويله بأنّه جمع الصورة ليكون بمعنى نفخ الروح في صُوَر الأشخاص خروج عن ظواهر الآيات بل صريحها ..

لأنّه لا يتأتّى ذلك في النفخة الاُولى التي هي للإماتة لا الإحياء ، ويأبى عنه توحيد الضمير الذي يدلّ على كون الصور شيئا واحدا لا صُوَر الإنسان المتعدّدة ، وتعرف ذلك يعني وجود النفختين من مثل قوله تعالى : (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى) (٣).

كماأنّه يلزم بهذا المعنى المأوّل طرح النصوص الصحيحة الصريحة ، فلا يتمّ تفسير نفخ الصور بنفخ الروح في الصُوَر كما ادّعاه بعض.

والصحيح هو معناه المعهود يعني صُور اسرافيل.

__________________

(١) مرآة الأنوار : (ص١٤٢).

(٢) بحار الأنوار : (ج٦ ص٣٣٦).

(٣) سورة الزمر : (الآية ٦٨).

٤٣٧

هذا ، ونفخ الصور ثابت بدليل الكتاب والسنّة :

أمّا الكتاب :

ففي آيات كثيرة منها قوله تعالى : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الاْءَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللّه ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ) (١).

وتلاحظ آيات النفخ مجموعة في أوّل باب نفخ الصور من البحار الذي سيأتي ذكره.

وأمّا السنّة :

ففي أحاديث متظافرة منها :

١ ـ ما في تفسير القمّي في قوله : (وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ).

قال : ذلك في آخر الزمان يصاح فيهم صيحة وهم في أسواقهم يتخاصمون فيموتون كلّهم في مكانهم لا يرجع أحد منهم إلى منزله ، ولا يوصى بوصيّة ، وذلك قوله : (فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلاَ إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ) (٢).

قال علي بن إبراهيم : ثمّ ذكر النفخة الثانية فقال : (إِنْ كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ) (٣) ـ (٤).

__________________

(١) سورة الزمر : (الآية ٦٨).

(٢) سورة يس : (الآيات ٤٨ ـ ٥٠).

(٣) سورة يس : (الآية ٥٣).

(٤) بحار الأنوار : (ج٦ ص٣٢٣ ب٢ ح١).

٤٣٨

٢ ـ حديث التفسير أيضا في قوله : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الاْءَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللّه ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ) (١).

وهو حديث ثوير بن أبي فاختة المتقدّم ، عن الإمام علي بن الحسين عليهما‌السلام قال :

«سئل عن النفختين : كم بينهما؟

قال : ما شاء اللّه ، فقيل له : فأخبرني يابن رسول اللّه كيف ينفخ فيه؟

فقال : أمّا النفخة الاُولى فإنّ اللّه يأمر إسرافيل فيهبط إلى الدنيا ومعه صور ، وللصور رأس واحد وطرفان ، وبين طرف كلّ رأس منهما ما بين السماء والأرض ، قال : فإذا رأت الملائكة إسرافيل وقد هبط إلى الدنيا ومعه الصور قالوا : قد أذن اللّه في موت أهل الأرض وفي موت أهل السماء ، قال : فيهبط إسرافيل بحظيرة بيت المقدس ويستقبل الكعبة ، فإذا رأوه أهل الأرض قالوا : أذن اللّه في موت أهل الأرض ، قال : فينفخ فيه نفخة فيخرج الصوت من الطرف الذي يلي الأرض فلا يبقى في الأرض ذو روح إلاّ صعق ومات ، ويخرج الصوت من الطرف الذي يلي السماوات فلا يبقى في السماوات ذو روح إلاّ صعق ومات إلاّ إسرافيل ؛ قال : فيقول اللّه لإسرافيل : ياإسرافيل! مُت ؛ فيموت إسرافيل ، فيمكثون في ذلك ما شاء اللّه.

ثمّ يأمر اللّه السموات فتمور ، ويأمر الجبال فتسير ، وهو قوله : (يَوْمَ

__________________

(١) سورة الزمر : (الآية ٦٨).

٤٣٩

تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرا (١) * وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرا) (٢) يعني تبسط ، و (تُبَدَّلُ الاْءَرْضُ غَيْرَ الاْءَرْضِ) يعني بأرض لم يكتسب عليها الذنوب ، بارزة ليس عليها الجبال ولا نبات ، كما دحاها أوّل مرّة ، ويعيد عرشه على الماء كما كان أوّل مرّة مستقلاً بعظمته وقدرته.

قال : فعند ذلك ينادي الجبّار جلّ جلاله بصوت جهوريّ يسمع أقطار السماوات والأرضين : (لِمَنْ الْمُلْكُ الْيَوْمَ) ، فلا يجيبه مجيب.

فعند ذلك ينادي الجبّار جلّ جلاله مجيبا لنفسه : (للّه الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) (٣) وأنا قهرت الخلائق كلّهم وأمتّهم ، إنّي أنا اللّه لا إله إلاّ أنا وحدي ، لا شريك لي ولا وزير ، وأنا خلقت بيدي وأنا أمتّهم بمشيّتي ، وأنا اُحييهم بقدرتي.

قال : فنفخ الجبّار نفخة في الصور يخرج الصوت من أحد الطرفين الذي يلي السماوات ، فلا يبقى في السماوات أحد إلاّ حيّ وقام كما كان ، ويعود حملة العرش ، ويحضر الجنّة والنار ، ويحشر الخلائق للحساب.

قال : فرأيت علي بن الحسين (صلوات اللّه عليهما) يبكي عند ذلك بكاءا شديدا» (٤).

٣ ـ حديث هشام بن الحكم في خبر الزنديق الذي سأل الإمام الصادق عليه‌السلام

__________________

(١) فُسّر المور بالدوران والإضطراب والتموّج والتحرّك.

(٢) سورة الطور : (الآية ١٠).

(٣) سورة غافر : (الآية ١٦).

(٤) بحار الأنوار : (ج٦ ص٣٢٤ ب٢ ح٢).

٤٤٠