العقائد الحقّة

السيد علي الحسيني الصدر

العقائد الحقّة

المؤلف:

السيد علي الحسيني الصدر


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الغدير
المطبعة: سرور
الطبعة: ١
ISBN: 964-8485-25-1
الصفحات: ٦٦٧

تعالى يعيد عند ظهور إمام الزمان المهدي عليه‌السلام قوما ممّن كان قد تقدّم موته من شيعته ، ليفوزوا بثواب نصرته ومعونته ومشاهدة دولته ويعيد أيضا قوما من أعدائه لينتقم منهم ، فيلتذّوا بما يشاهدون من ظهور الحقّ وعلوّ كلمة أهله» (١).

وقال العلاّمة المجلسي : «الإعتقاد بالرجعة واجب وهو من الإعتقادات الخاصّة بالشيعة وثبوتها من الأئمّة الطاهرين عليهم‌السلام مشهور بين الشيعة والسنّة» (٢).

وقال السيّد الشبّر : «إنّ ثبوت الرجعة ممّا إجتمعت عليه الشيعة الحقّة والفرقة المحقّة ، بل هي من ضروريات مذهبهم» (٣).

هذا ، وقد ثبتت الرجعة بالأدلّة القطعيّة والبراهين البيّنة من الكتاب العزيز والسنّة المتواترة والإجماع المحقّق.

فلا يُصغى إلى ما زعمه ابن الأثير في النهاية (٤) ، وتبعه ابن منظور في اللسان (٥) ، من نسبة الرجعة إلى قوم من عرب الجاهلية وفرقة من اُولي البدع والأهواء.

وزوّر الإستدلال لدعواه بقوله تعالى : (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِي * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحا) (٦).

ويردّه أنّ الرجعة لم تكن في عرب الجاهلية ولم يقل بها أهل الأهواء والبدع ، بل هي قول الطائفة الحقّة ومستندة إلى الأدلّة.

__________________

(١) كتاب الرسائل للسيّد المرتضى : (ج١ ص١٢٥).

(٢) كتاب الإعتقادات للمجلسي : (ص٤٠).

(٣) حقّ اليقين : (ج٢ ص٢).

(٤) النهاية لابن الأثير : (ج٢ ص٢٠٢).

(٥) لسان العرب : (ج٨ ص١١٤).

(٦) سورة المؤمنون : (الآيتان ٩٩ و ١٠٠).

٣٨١

وأمّا هذه الآية الشريفة فهي تحكي قول الكفّار المكذّبين بالبعث حين موتهم وعندما يشرفون على الموت ، كما جاء في التفسير ، وفسّره بهذا من العامّة ابن جريح.

كما فسّرت أيضا في أحاديثنا الشريفة بمانع الزكاة حين موته.

وتلاحظ بيانه في مجمع البيان (١) ، ممّا يستفاد منه أنّ الرجعة الواردة في هذه الآية الشريفة هي تمنّي رجعة الكافر والفاسق ، لا رجعة المؤمن إلى الدنيا في الدولة المحقّة التي وعدها اللّه سبحانه بقوله : (.. لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (٢).

وفيما يلي نذكر الأدلّة الثلاثة : الكتاب والسنّة والإجماع لإثبات الرجعة بالبيان التالي ، بل يمكن إثباتها بالحكم العقلي أيضا بالتقرير الآتي في هذه الأدلّة ثمّ الحكومة العقلية :

١ ـ دليل الكتاب :

دلّ الكتاب الكريم في آيات عديدة على الرجعة ، ومنها :

١ ـ قوله تعالى : (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ) (٣).

حيث دلّت الآية على أنّ الحشر خاصّ ببعض دون بعض وهو غير الحشر الأكبر يوم القيامة الذي هو عام للجميع حيث قال اللّه تعالى فيه : «وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ

__________________

(١) مجمع البيان : (ج٧ ص١١٧).

(٢) سورة التوبة : (الآية ٣٣) ، وسورة الصفّ : (الآية ٩).

(٣) سورة النمل : (الآية ٨٣).

٣٨٢

نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدا» (١).

٢ ـ قوله تعالى : (وَعَدَ اللّه الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الاْءَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (٢) ، وقد فُسّرت هذه الآية في أحاديث كثيرة بالرجعة الحقّة بل هي ظاهرة فيها.

٣ ـ قوله تعالى : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الاْءَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) (٣).

فقد فُسّرت في الأخبار الآتية بالرجعة بل لا مصداق كامل تامّ لها سوى الرجعة.

٤ ـ قوله تعالى : (رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ) (٤).

فقد وردت الأحاديث في تفسير إحدى الحياتين والموتين ، بالحياة والموت في الرجعة ، بل لا تنطبق الموتتان لشخص واحد إلاّ مع الرجعة.

٥ ـ قوله تعالى : (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنْ الاْءَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ) (٥).

وقد تظافر النقل في أخبارنا بتفسيرها بمورد رجعتهم سلام اللّه عليهم في

__________________

(١) سورة الكهف : (الآية ٤٧).

(٢) سورة النور : (الآية ٥٥).

(٣) سورة القصص : (الآية ٥).

(٤) سورة غافر : (الآية ١١).

(٥) سورة النمل : (الآية ٨٢).

٣٨٣

هذه الدنيا.

.. إلى غير ذلك من الآيات الشريفة التي فسّرت بالرجعة وتلاحظها بالتفصيل في كتاب الإيقاظ من الهجعة للمحدّث الحرّ العاملي قدس‌سره.

٢ ـ دليل السنّة :

أفاد شيخ الإسلام المجلسي قدس‌سره (١) أنّه تواترت أحاديث الرجعة بما يقرب من مائتي حديث صريح رواه نيف وأربعون من الثقات العظام وكبار العلماء الأعلام في أزيد من خمسين كتابا من تصانيفهم مثل : سليم بن قيس الهلالي ، والحسن بن محبوب ، والفضل بن شاذان ، ومحمّد بن الحسن الصفّار ، وسعد بن عبداللّه الأشعري ، وشاذان بن جبرئيل ، وعلي بن إبراهيم القمّي ، وفرات بن إبراهيم الكوفي ، ومحمّد بن مسعود العياشي ، وثقة الإسلام الكليني ، والشيخ الصدوق محمّد بن بابويه ، والشيخ ابن قولويه ، والشيخ المفيد ، والسيّد المرتضى ، والشيخ الطوسي ، والشيخ النعماني ، وإبراهيم بن محمّد الثقفي ، والشيخ الكراجكي ، والسيّد ابن طاووس ، والشيخ الطبرسي ، والعلاّمة الحلّي ، والقطب الراوندي ، والشيخ ابن شهر آشوب المازندراني ، والشهيد الأوّل ، وغيرهم من الأعاظم.

بل صُنّفت الكتب الخاصّة في إثباتها لعظماء الأصحاب وأكابر المحدّثين الأطياب ممّن ليس في جلالتهم شكّ ولا إرتياب.

بحيث قال العلاّمة المجلسي : «وظنّي أنّ من يشكّ في أمثالها فهو شاكّ في

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٥٣ ص١٢٢).

٣٨٤

أئمّة الدين» (١).

هذا والأحاديث الشريفة في المقام كثيرة وفيرة تلاحظ احصاءها مجموعةً في البحار منها :

١ ـ حديث محمّد بن مسلم قال : سمعت حمران بن أعين وأبا الخطاب يحدّثان جميعا قبل أن يُحدث أبو الخطّاب ما أحدث أنّهما سمعا أبا عبداللّه عليه‌السلام يقول :

«أوّل من تنشقّ الأرض عنه ويرجع إلى الدنيا ، الحسين بن علي عليه‌السلام وإنّ الرجعة ليست بعامّة ، وهي خاصّة لا يرجع إلاّ من محض الإيمان محضا أو محض الشرك محضا» (٢).

٢ ـ حديث أبي بصير قال : قال لي أبو جعفر [الباقر] عليه‌السلام :

«ينكر أهل العراق الرجعة؟ قلت : نعم ، قال : أما يقرؤون القرآن : (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجا) (٣)» (٤).

٣ ـ حديث سليمان الديلمي قال : سألت أبا عبداللّه عليه‌السلام عن قول اللّه عزوجل : (إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكا) (٥)؟ فقال :

«الأنبياء رسول اللّه وإبراهيم وإسماعيل وذرّيته ، والملوك الأئمّة عليهم‌السلام ... قال : فقلت : وأي مُلك اُعطيتم؟ فقال : ملك الجنّة وملك

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٥٣ ص١٢٣).

(٢) بحار الأنوار : (ج٥٣ ص٣٩ ب٢٩ ح١).

(٣) سورة النمل : (الآية ٨٣).

(٤) بحار الأنوار : (ج٥٣ ص٤٠ ب٢٩ ح٦).

(٥) سورة المائدة : (الآية ٢٠).

٣٨٥

الكرّة» (١).

٤ ـ حديث يونس بن ظبيان ، عن أبي عبداللّه عليه‌السلام قال :

«إنّ الذي يلي حساب الناس قبل يوم القيامة الحسين بن علي عليهما‌السلام ، فأمّا يوم القيامة فإنّما هو بعث إلى الجنّة وبعث إلى النار» (٢).

٥ ـ حديث حمران ، عن أبي جعفر [الباقر] عليه‌السلام قال :

«إنّ أوّل من يرجع لجاركم الحسين عليه‌السلام فيملك حتّى تقع حاجباه على عينيه من الكِبَر» (٣).

٦ ـ حديث تفسير علي بن إبراهيم : (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدا) (٤) فإنّه روى أنّ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا رجع آمن به الناس كلّهم.

قال : وحدّثني أبي ، عن القاسم بن محمّد ، عن سليمان بن داود المنقري ، عن أبي حمزة ، عن شهر بن حوشب قال : قال لي الحجّاج : ياشهر! آية في كتاب اللّه قد أعيتني ، فقلت : أيّها الأمير! أيّة آية هي؟ فقال : قوله : (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) واللّه لأنّي لآمر باليهودي والنصراني فتضرب عنقه ، ثمّ أرمقه بعيني فما أراه يحرّك شفتيه حتّى يحمل ، فقلت : أصلح اللّه الأمير! ليس على ما تأوّلت ، قال : كيف هو؟ قلت : إنّ عيسى ينزل قبل يوم القيامة إلى الدنيا فلا يبقى أهل ملّة يهودي ولا غيره إلاّ آمن به قبل موته ، ويصلّي

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٥٣ ص٤٥ ب٢٩ ح١٨).

(٢) بحار الأنوار : (ج٥٣ ص٤٣ ب٢٩ ح١٣).

(٣) بحار الأنوار : (ج٥٣ ص٤٣ ب٢٩ ح١٤).

(٤) سورة النساء : (الآية ١٥٩).

٣٨٦

خلف المهدي. قال : ويحك! أنّى لك هذا؟ ومن أين جئت به؟ فقلت : حدّثني به محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام ، فقال : جئت واللّه بها من عين صافية (١).

٧ ـ حديث معاوية بن عمّار قال : قلت لأبي عبداللّه عليه‌السلام : قول اللّه : (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكا) (٢)؟ قال :

«هي واللّه للنُصّاب ، قال : جعلت فداك! قد رأيناهم دهرهم الأطول في كفاية حتّى ماتوا؟ قال : ذاك واللّه في الرجعة ، يأكلون العذرة» (٣).

٨ ـ حديث الحسن بن الجهم ، قال : قال المأمون للرضا عليه‌السلام : ياأبا الحسن! ما تقول في الرجعة؟

فقال عليه‌السلام :

«إنّها الحقّ ، قد كانت في الاُمم السالفة ونطق بها القرآن (٤) ، وقد قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : يكون في هذه الاُمّة كلّ ما كان في الاُمم السالفة حذو النعل بالنعل ، والقذّة بالقذّة ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا خرج المهدي من ولدي نزل عيسى بن مريم عليهما‌السلام فصلّى خلفه ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا فطوبى للغرباء ، قيل : يارسول اللّه ثمّ ماذا

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٥٣ ص٥٠ ب٢٩ ح٢٤).

(٢) سورة طه : (الآية ١٢٤).

(٣) بحار الأنوار : (ج٥٣ ص٥١ ب٢٩ ح٢٨).

(٤) كما تلاحظه فيما اقتصّه اللّه تعالى في سورة البقرة : (الآيتان ٥٥ و ٥٦) من خبر قوم موسى عليه‌السلام : (فَأَخَذَتْكُمْ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ * ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).

٣٨٧

يكون؟ قال : ثمّ يرجع الحقّ إلى أهله ...» (١).

٩ ـ ما جاء في الزيارة الجامعة المباركة التي رواها الشيخ الصدوق بسنده المعتبر عن موسى بن عبداللّه النخعي ، عن أبي الحسن الثالث الإمام الهادي عليه‌السلام :

«وجعلني ممّن يقتصّ آثاركم ، ويسلك سبيلكم ، ويهتدي بهداكم ، ويحشر في زمرتكم ، ويكرّ في رجعتكم ، ويملّك في دولتكم ، ويشرّف في عافيتكم ، ويمكّن في أيّامكم ، وتقرّ عينه غدا برؤيتكم».

وفي زيارة الوداع :

«ومكّنني في دولتكم وأحياني في رجعتكم» (٢).

١٠ ـ حديث أحمد بن عقبة ، عن أبيه ، عن أبي عبداللّه عليه‌السلام ، سئل عن الرجعة أحقّ هي؟ قال :

«نعم ، فقيل له : من أوّل من يخرج؟ قال : الحسين عليه‌السلام يخرج على أثر القائم عليه‌السلام ، قلت : ومعه الناس كلّهم؟ قال : لا بل كما ذكر اللّه تعالى في كتابه : (يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجا) (٣) قوم بعد قوم».

وعنه عليه‌السلام :

«ويقبل الحسين عليه‌السلام في أصحابه الذين قتلوا معه ، ومعه سبعون نبيّا كما بعثوا مع موسى بن عمران ، فيدفع إليه القائم عليه‌السلام الخاتم ، فيكون الحسين عليه‌السلام هو الذي يلي غسله وكفنه وحنوطه ، ويواريه في

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٥٣ ص٥٩ ب٢٩ ح٤٥).

(٢) بحار الأنوار : (ج٥٣ ص٩٢ ب٢٩ ح٩٩).

(٣) سورة النبأ : (الآية ١٨).

٣٨٨

حفرته» (١).

.. إلى غير ذلك من الأحاديث الشريفة الفائقة على حدّ التواتر ، والموجبة للقطع واليقين بذلك الرجوع الزاهر ، فيلزم الإعتقاد به ، والتديّن بحقّانيته.

وقد ورد في زيارة صاحب الأمر أرواحنا فداه : «اللهمّ إنّي أدين لك بالرجعة بين يدي صاحب هذه البقعة» (٢).

٣ ـ دليل الإجماع :

قد تظافر نقل الإجماع من الإماميّة الحقّة على الرجعة بل صُرّح بكونها من ضروريات مذهبهم كما تلاحظه فيما أفاده الأعلام العظام.

فقد أفاد الشيخ المفيد : (قد قالت الإماميّة إنّ اللّه تعالى ينجز الوعد بالنصر للأولياء قبل الآخرة عند قيام القائم ، والكرّة التي وعد بها المؤمنين) (٣).

وقال السيّد المرتضى في المسائل الرازيّة : «اعلم أنّ الذي تذهب الشيعة الإمامية إليه أنّ اللّه تعالى يعيد عند ظهور إمام الزمان المهدي عليه‌السلام قوما ممّن كان قد تقدّم موته من شيعته ليفوزوا بثواب نصرته ومعونته ومشاهدة دولته ..» (٤).

وقال أمين الإسلام الطبرسي في مجمع البيان : «المعوّل في ذلك ـ الرجعة ـ على إجماع الشيعة الإماميّة» (٥).

وقال العلاّمة المجلسي : «أجمعت الشيعة عليها ـ الرجعة ـ في جميع

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٥٣ ص١٠٣ ب٢٩ ح١٣٠).

(٢) مفاتيح الجنان المعرّب : (ص٥٢٩).

(٣) المسائل العكبرية : (ص٧٤).

(٤) المسائل الرازيّة : (ج١ ص١٢٥).

(٥) مجمع البيان : (ج٧ ص٢٣٥).

٣٨٩

الأعصار وإشتهرت بينهم كالشمس في رابعة النهار» (١).

وقال المحدّث الحرّ العاملي : «الرجعة من ضروريات مذهب الإمامية عند جميع العلماء المعروفين والمصنّفين المشهورين» (٢).

وقال السيّد الشبّر : «إنّ أصل الرجعة حقّ لا ريب فيه ولا شبهة تعتريه ، ومنكرها خارج عن ربقة المؤمنين ؛ فإنّها من ضروريات مذهب الأئمّة الطاهرين» (٣).

فالأدلّة الثلاثة المعتبرة إذا متطابقة ، والأقوال متوافقة ، والآراء متّفقة على كون الرجعة من العقائد الحقّة والوقائع الصادقة.

هذا ، مضافا إلى إمكان الرجعة عقلاً لوقوعها في الاُمم سابقا ، والوقوع دليل الإمكان ..

ولا شكّ أنّ من المحاسن العقليّة تَحقّق حكومة العدل الإلهي والدولة الكريمة وإنتشار الدين في رجعة الأئمّة المعصومين مع إحياء الصفوة الذين تقرّ عيونهم بها ، والطائفة من الكافرين الذين ترغم اُنوفهم بمشاهدتها ، وهو من إستمرار العدل ومحو الظلم الذي يحكم العقل بحسنه ..

والرجعة تحقّق هذا المعنى فتكون موردا للحسن العقلي مضافا إلى الإمكان الوقوعي ..

أنعم اللّه تعالى علينا وأقرّ عيوننا بفيض سرور تلك الرجعة الحقّة والدولة المحقّة إن شاء اللّه تعالى.

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٥٣ ص١٢٣).

(٢) إيقاظ الهجعة : (ص٦٠).

(٣) حقّ اليقين : (ج٢ ص٣٥).

٣٩٠

يوم المعاد

المعاد بمعنى المصير والمرجع ، وهو في الأصل اللغوي مَفْعَل أي مَعْوَد .. مأخوذ من العَود ، ويطلق لغة على المعنى المصدري يعني العَود والرجوع ، وعلى زمان العود فيكون إسم زمان ، كما يطلق على مكان العود فيكون إسم مكان.

هذا إشتقاقا وإطلاقا ، وأمّا تعريفا فقد عرّفه الشيخ الطريحي بأنّه هو : «بعث الأجسام البشرية وتعلّق أنفسها بها للنفع والإنتصاف والجزاء» (١).

وعرّفه الفاضل المقداد بأنّه هو : «الوجود الثاني للأشخاص الإنسانية بعد موتها لأخذ الحقّ منها أو إيفائه» (٢).

فالمعاد إذا هو إعادة جسد الإنسان بروحه وبعثه في القيامة ـ ذلك اليوم الرهيب ـ يوم الحساب العدل والخلود الفصل.

والإعتقاد بهذا اليوم الأعظم من العقائد الحقّة الأصيلة المهذِّبة للنفوس البشرية ، قال شيخنا الصدوق : «إعتقادنا في البعث أنّه حقّ» (٣).

وقال العلاّمة الحلّي في محكي كتاب أنوار الملكوت الذي هو شرح كتاب الياقوت لأبي إسحاق إبراهيم النوبختي الذي هو من قدماء المتكلّمين ، كما حكاه

__________________

(١) مجمع البحرين : (ص٣١٩).

(٢) الإرشاد : (ص٣٨٥).

(٣) إعتقادات الصدوق : (ص٦٤).

٣٩١

في حقّ اليقين : «اتّفق المسلمون على إعادة الأجساد خلافا للفلاسفة» (١).

وقال المحقّق الدواني في محكي شرح العقائد العضدية كما حكاه في حقّ اليقين : «والمعاد ـ أي المعاد الجسماني ـ فإنّه المتبادر من إطلاق أهل الشرع إذ هو الذي يجب الإعتقاد به ويكفر من أنكره .. حقّ بإجماع أهل الملل الثلاثة» (٢).

وقال شيخ الإسلام المجلسي رضوان اللّه تعالى عليه :

«اعلم أنّ القول بالمعاد الجسماني ممّا اتّفق عليه جميع الملّيين وهو من ضروريات الدين ، ومنكره خارج عن عداد المسلمين ، والآيات الكريمة في ذلك ناصّة لا يعقل تأويلها ، والأخبار فيه متواترة لا يمكن ردّها ولا الطعن فيها ، وقد نفاه أكثر ملاحدة الفلاسفة تمسّكا بامتناع إعادة المعدوم ، ولم يقيموا دليلاً عليه ، بل تمسّكوا تارةً بادّعاء البداهة ، واُخرى بشبهات واهية لا يخفى ضعفها على من نظر فيها بعين البصيرة واليقين وترك تقليد الملحدين من المتفلسفين» (٣).

وقال السيّد الشبّر : «القول بالمعاد الجسماني والروحاني معا أقوى المذاهب ، وهو الذي دلّت عليه الآيات القرآنية والأحاديث المعصومية وأيّدته المؤيّدات العقلية حيث إنّ الكاسب للطاعات والمعاصي البدن والروح معا فينبغي عودهما معا» (٤).

هذا ، والأدلّة القطعيّة والبراهين الجليّة متّفقة في إثبات هذا الأصل الأصيل والأمر الجليل بالكتاب والسنّة والإجماع والعقل ممّا يوجب العلم واليقين لكلّ

__________________

(١) حقّ اليقين : (ج٢ ص٣٦).

(٢) حقّ اليقين : (ج٢ ص٣٧).

(٣) بحار الأنوار : (ج٧ ص٤٧).

(٤) حقّ اليقين : (ج٢ ص٣٨).

٣٩٢

عاقل مستبين .. بل وضوح معناه العرفي وتطابق الأدلّة على عود الروح والبدن يقتضي ضروريته ، والأدلّة هي :

١ ـ دليل الكتاب :

ما أكثر الآيات القرآنية والحكم الربّانية في بيان يوم القيامة وشؤون يوم الطامّة حتّى قال بعض أهل المعرفة : إنّها تقارب ألف آية كريمة وإشارة قيّمة.

وقد أحصاها العلاّمة المجلسي قدس‌سره في أبواب متعدّدة من كتاب العدل والمعاد في المجلّد السابع من بحار الأنوار ، فلاحظ.

ويكفيك تصديقا وتأكيدا وتهويلاً من الآيات الشريفة المبيّنة للمعاد الآيتان الأوّلتان من سورة الحجّ المباركة ، قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْ ءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللّه شَدِيدٌ) (١).

وتلاحظ لمزيد البيان تفسير القرآن بالنسبة إلى هاتين الآيتين في البرهان (٢) ، والصافي (٣) ، وكنز الدقائق (٤).

وحسبك دليلاً من القرآن الكريم على المعاد بالجسم بالإضافة إلى الروح :

١ ـ قوله تعالى : (وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللّه الَّذِي

__________________

(١) سورة الحجّ : (الآيتان ١ و ٢).

(٢) تفسير البرهان : (ج٢ ص٦٩٨).

(٣) تفسير الصافي : (ج٣ ص٣٦١).

(٤) تفسير كنز الدقائق : (ج٩ ص٤١).

٣٩٣

أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ) (١) ، والآية صريحة في بعثة الجلود.

٢ ـ قوله عزّ إسمه : (قَالَ مَنْ يُحْىِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) (٢) ، وهي صريحة في إحياء العظام.

٣ ـ قوله جلّ وعلا : (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (٣) ، وهي صريحة في بعثة الأبدان بألسنتهم والأيدي والأرجل.

٤ ـ قوله جلّ شأنه : (أَيَحْسَبُ الاْءِنسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّىَ بَنَانَهُ) (٤) حيث يستفاد إعادة جزئيات الإنسان كالبنان ، وهي الأنامل.

فليس المعاد بالروح فقط بل بالروح والجسد.

٢ ـ دليل السنّة :

السنّة المحمّدية غنيّة بالأخبار المعصومية ومتواترة بالأحاديث العلمية التي تفيد اليقين بيوم الدين وتبيّن تفاصيل حشر العالمين ، بل تبيّن مصير الإنسان من يوم موته إلى غاية عاقبته من الجنّة أو النار.

كما تلاحظ ذلك في الإحتجاج (٥) ، والبحار (٦) ، ومعالم الزلفى (٧).

وتلاحظ دراسة نموذج من تلك الدرر الغوالي في أحاديث النبي وأهل

__________________

(١) سورة فصلت : (الآية ٢١).

(٢) سورة يس : (الآيتان ٧٨ و ٧٩).

(٣) سورة النور : (الآية ٢٤).

(٤) سورة القيامة : (الآية ٣ و ٤).

(٥) الإحتجاج : (ج٢ ص٩٧).

(٦) بحار الأنوار : (ج٧ أبواب المعاد).

(٧) معالم الزلفى : (ص١٣٤ الجملة الرابعة).

٣٩٤

البيت عليهم‌السلام فيما يلي :

١ ـ خطبة أمير المؤمنين عليه‌السلام المعروفة بالغرّاء وقد ورد فيها :

«حتّى إذا تصرّمت الاُمور ، وتقضّت الدهور ، وأزف النشور أخرجهم من ضرائح القبور ، وأوكار الطيور ، وأوجرة السباع ، ومطارح المهالك سراعا إلى أمره ، مهطعين إلى معاده» (١).

٢ ـ حديث الإحتجاج عن الإمام الصادق عليه‌السلام في جواب المسائل :

«... قال : أفتتلاشى الروح بعد خروجه عن قالبه أم هو باقٍ؟

قال عليه‌السلام : بل هو باقٍ إلى وقت ينفخ في الصور ، فعند ذلك تبطل الأشياء ، وتفنى فلا حسّ ولا محسوس ، ثمّ اُعيدت الأشياء ، كما بدأها مدبّرها ، وذلك أربعمائة سنة يسبُت (٢) فيها الخلق ، وذلك بين النفختين.

قال : وأنّى له بالبعث والبدن قد بلى ، والأعضاء قد تفرّقت! فعضو ببلدة يأكلها سباعها ، وعضو باُخرى تمزّقه هوامها ، وعضو قد صار ترابا بُني به مع الطين حائط؟

قال عليه‌السلام : إنّ الذي أنشأه من غير شيء ، وصوّره على غير مثالٍ كان سبق إليه ، قادر أن يعيده كما بدأه.

قال : أوضح لي ذلك؟

قال عليه‌السلام : إنّ الروح مقيمة في مكانها ، روح المحسن في ضياء وفسحة ، وروح المسيء في ضيق وظلمة ، والبدن يصير ترابا كما منه خُلق ،

__________________

(١) نهج البلاغة : (الخطبة ٨٣).

(٢) من السُبات ، وهو النوم.

٣٩٥

وما تقذف به السباع والهوام من أجوافها ، ممّا أكلته ومزّقته ، كلّ ذلك في التراب ، محفوظ عند من لا يعزب عنه مثقال ذرّة في ظلمات الأرض ، ويعلم عدد الأشياء ووزنها ، وإنّ تراب الروحانيين بمنزلة الذهب في التراب ، فإذا كان حين البعث مطرت الأرض مطر النشور ، فتربو الأرض ثمّ تمخّضوا مخض السقاء ، فيصير تراب البشر كمصير الذهب من التراب إذا غسل بالماء ، والزبد من اللبن إذا مخض ، فيجتمع تراب كلّ قالب إلى قالبه ، فينتقل بإذن اللّه القادر إلى حيث الروح ، فتعود الصور بإذن المصوّر كهيئتها ، وتلج الروح فيها ، فإذا قد استوى لا ينكر من نفسه شيئا ...» (١).

٣ ـ حديث جامع الأخبار : إنّ فاطمة صلوات اللّه عليها قالت لأبيها : ياأبت أخبرني كيف يكون الناس يوم القيامة؟

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«يافاطمة! يشغلون فلا ينظر أحد إلى أحد ، ولا والد إلى الولد ولا ولد إلى اُمّه ؛ قالت : هل يكون عليهم أكفان إذا خرجوا من القبور؟

قال : يافاطمة؟ تبلى الأكفان وتبقى الأبدان ، تستر عورة المؤمن ، وتبدى عورة الكافرين.

قالت : ياأبت! ما يستر المؤمنين؟

قال : نور يتلألأ لا يبصرون أجسادهم من النور ، قالت : ياأبت! فأين ألقاك يوم القيامة ، قال : انظري عند الميزان وأنا اُنادي : ربّ أرجح من شهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وانظري عند الدواوين إذا نشرت الصحف وأنا

__________________

(١) الإحتجاج : (ج٢ ص٩٧ ـ ٩٨).

٣٩٦

اُنادي : ربّ! حاسب اُمّتي حسابا يسيرا ، وانظري عند مقام شفاعتي على جسر جهنّم ، كلّ إنسان يشتغل بنفسه وأنا مشتغل باُمّتي اُنادي : ياربّ! سلّم اُمّتي ، والنبيّون عليهم‌السلام حولي ينادون : ربّ! سلّم اُمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وقال عليه‌السلام : إنّ اللّه يحاسب كلّ خلق إلاّ من أشرك باللّه فإنّه لا يحاسب ويؤمر به إلى النار» (١).

٤ ـ حديث ابن مسعود قال : كنت جالسا عند أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال : «إنّ في القيامة لخمسين موقفا كلّ موقف ألف سنة ، فأوّل موقف خرج (٢) من قبره حبسوا ألف سنة عراة حفاة جياعا عطاشا ، فمن خرج من قبره مؤمنا بربّه ومؤمنا بجنّته وناره ومؤمنا بالبعث والحساب والقيامة مقرّا باللّه مصدّقا بنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله وبما جاء من عند اللّه عزوجل نجا من الجوع والعطش ، قال اللّه تعالى : (فَتَأْتُونَ أَفْوَاجا) (٣) من القبور إلى الموقف اُمما ، كلّ اُمّة مع إمامهم» إلى آخر الحديث الشريف (٤).

٥ ـ حديث حفص بن غياث قال : قال أبو عبداللّه جعفر بن محمّد عليهما‌السلام : «ألا فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسَبوا ، فإنّ في القيامة خمسين

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٧ ص١١٠ ب٥ ح٤١).

(٢) هكذا ورد في البحار وفي مصدر الحديث وهو جامع الأخبار ولعلّ الأصل خرجوا من قبورهم.

(٣) سورة النبأ : (الآية ١٨).

(٤) بحار الأنوار : (ج٧ ص١١١ ب٥ ح٤٢).

٣٩٧

موقفا كلّ موقف مثل ألف سنة ممّا تعدّون ، ثمّ تلا هذه الآية : (فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) (١)» (٢).

٦ ـ حديث ثوير بن أبي فاخته ، عن علي بن الحسين عليهما‌السلام قال : سئل عن النفختين : كم بينهما؟ قال : ما شاء اللّه ، فقيل له : فأخبرني يابن رسول اللّه كيف ينفخ فيه؟ فقال :

«أمّا النفخة الاُولى فإنّ اللّه يأمر اسرافيل فيهبط إلى الدنيا ومعه الصور ، والصور رأس واحد وطرفان وبين طرف كلّ رأس منهما ما بين السماء والأرض ، فإذا رأت الملائكة إسرافيل هبط إلى الدنيا ومعه الصور ، قالت : قد أذن اللّه في موت أهل الأرض وفي موت أهل السماء ، قال : فيهبط إسرافيل بحظيرة بيت المقدس ويستقبل الكعبة فإذا رأوه أهل الأرض قالوا : قد أذن اللّه في موت أهل الأرض ، قال : فينفخ فيه نفخة فيخرج الصوت من الطرف الذي يلي الأرض فلا يبقى في الأرض ذو روح إلاّ صعق ومات ، ويخرج الصوت من الطرف الذي يلي السماء فلا يبقى ذو روح في السماوات إلاّ صعق ومات إلاّ إسرافيل ، قال : فيقول اللّه لإسرافيل : ياإسرافيل! مُت ، فيموت إسرافيل ، فيمكثون في ذلك ما شاء اللّه ، ثمّ يأمر اللّه السماوات أن تمور ويأمر الجبال فتسير وهو قوله : (يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرا * وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرا) (٣) يعني تنبسط وتبدّل الأرض غير الأرض يعني

__________________

(١) سورة المعارج : (الآية ٤).

(٢) بحار الأنوار : (ج٧ ص١٢٦ ب٦ ح٣).

(٣) سورة الطور : (الآيتان ٩ و ١٠).

٣٩٨

بأرض لم تكتسب عليها الذنوب ، بارزة ليس عليها جبال ولا نبات كما دحاها أوّل مرّة ، ويعيد عرشه على الماء كما كان أوّل مرّة ، مستقلاً بعظمته وقدرته.

قال : فعند ذلك ينادي الجبّار جلّ جلاله بصوت من قبله جهوري يُسمع أقطار السماوات والأرضين : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ) (١) فلا يجيبه مجيب فعند ذلك يجيب الجبّار ـ وفي نسخة : يقول الجبّار ـ لنفسه (للّه الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) (٢) وأنا قهرت الخلائق كلّهم إنّى أنا اللّه لا إله إلاّ أنا وحدي لا شريك لي ولا وزير وأنا خلقت خلقي بيدي وأنا أمتّهم بمشيتي وأنا اُحييهم بقدرتي ، قال : فينفخ الجبّار نفخة في الصور فيخرج الصوت من أحد طرفيه الذي يلي السماوات فلا يبقى أحد في السماوات إلاّ حَيي وقام كما كان ، ويعود حملة العرش وتحضر الجنّة والنار وتحشر الخلائق للحساب. قال : فرأيت علي ابن الحسين عليهما‌السلام يبكي عند ذلك بكاءا شديدا» (٣).

٣ ـ دليل الإجماع :

مضافا إلى دليل الكتاب القطعي والحديث العلمي دلّت الإجماعات الجليّة بل إجماع جميع الفرق المِليّة على تحقّق يوم المعاد وجزاء جميع العباد.

بل هو ضروري من ضروريات الدين وبديهيات الشرع المبين بحيث

__________________

(١) سورة غافر : (الآية ١٦).

(٢) سورة غافر : (الآية ١٦).

(٣) معالم الزلفى : (ص١٣٥ ب٦ ح١) ، عن تفسير القمّي : (ج٢ ص٢٥٢).

٣٩٩

يوجب العلم واليقين كما عرفت ذلك من كلمات العلاّمة الحلّي في محكي أنوار الملكوت ، وشيخ الإسلام المجلسي في سابع البحار ، والمحقّق الدواني في شرح العقائد.

٤ ـ دليل العقل :

بالإضافة إلى الأدلّة المتقدّمة يحكم العقل السليم والنظر المستقيم بتحقّق يوم المعاد لحساب العباد ، وذلك لوجوه عديدة :

أوّلاً : أنّ الكون كما نراه ونجده مبني على أساس العدل ونظام العدالة ، وبالعدل قامت السماوات والأرض ، وما من خلل يخالف العدل إذا وقع في الكون إلاّ وظهرت مساويه وبدت مفاسده.

على هذا النظام يُلزم العقل باستقرار العدل بمعاقبة المجرم ، وإثابة المحسن.

ولا تحصل هذه الحقيقة ولا يتحقّق هذا الحقّ في هذا العالم بالبداهة .. فلابدّ وأن يتشكّل عالم يُقضى فيه بالعدل ويُحكم فيه بالإنصاف ، فينتصف من الظالم وينتصر للمظلوم ، ولولاه لذهبت حقوق العباد ولضاعت الدماء بالفساد ، وهو ظلم لا يقبله العقل في جزء حقير وزمان يسير في هذا الكون ـ فكيف بمرّ الأجيال في الأزمنة الطوال ـ على ظهر جميع الأرض البسيطة وبالنسبة إلى جميع الخلق والخليقة.

لذلك يحكم العقل على أساس العدل بتحقّق يوم الفصل.

ثانيا : إنّ الحكمة الإلهية البالغة تقضي بيوم المعاد ومجازاة العباد ، وإلاّ لكان التكليف عبثا وكان إرسال الأنبياء لغوا وكان الوعد والوعيد باطلاً.

٤٠٠