العقائد الحقّة

السيد علي الحسيني الصدر

العقائد الحقّة

المؤلف:

السيد علي الحسيني الصدر


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الغدير
المطبعة: سرور
الطبعة: ١
ISBN: 964-8485-25-1
الصفحات: ٦٦٧

ومعصية ، وإثم وقبيح ، وزلّة ورذيلة ، وشكّ وسهو ..

حتّى بالنسبة إلى الشكّ والسهو .. لا يشكّون ولا يسهون أبدا ، لمنافاتهما للعصمة وإستلزامهما المحاذير العقلية المتقدّمة ، ومنافاة السهو لعلم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والإمام عليه‌السلام ؛ لأنّ السهو في الشيء تركه عن غير علم كما فسّره في المجمع (١).

فلا يمكن الموافقة مع القول الشاذّ الضعيف القائل بسهو النبي الشريف صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إستنادا إلى بعض الأخبار الضعيفة التي لا يمكن العمل بها ، كما تلاحظه في كتاب الفقيه (٢).

وإنّما لا يمكن قبول هذا القول لإستناده إلى أخبار آحاد لا تثمر علما ولا توجب عملاً ، كما أفاده الشيخ المفيد في رسالة عدم سهو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣).

وكذا أبطله العلاّمة قدس‌سره ـ كما تلاحظه في هامش الفقيه ـ من حيث إنّ راوي خبر السهو هو ذو الشمالين الذي قُتل يوم بدر في السنة الثانية من الهجرة ، والراوي عنه هو أبو هريرة الذي لم يدركه ؛ لأنّه أسلم بعد الهجرة بسبع سنين فكيف يروي عنه؟

بل هذا الخبر مضافا إلى ضعف السند ضعيف متنا لأنّه يخالف الكتاب الكريم ، والسنّة الصحيحة ، والأدلّة العقلية المتقدّمة ، وضرورة المذهب ، وإجماع الشيعة المحقّة ، كما أفاده السيّد الشبّر قدس‌سره (٤).

وكيف يتلائم هذا القول مع الكتاب العزيز الذي قال في حقّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

__________________

(١) مجمع البحرين : (ص٤٨).

(٢) من لا يحضره الفقيه : (ج١ ص٣٥٩).

(٣) رسالة عدم سهو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (ص٢٠).

(٤) حقّ اليقين : (ج١ ص٩٣) ، ومصابيح الأنوار : (ج٢ ص١٣٣).

٣٦١

(وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْىٌ يُوحَى) (١) وقال في شخصه : (سَنُقْرِؤُكَ فَلاَ تَنسَى) (٢).

أم كيف يتلائم مع الأخبار الصحيحة والمعتبرة الصريحة التي دلّت على نفي السهو والشكّ والنسيان عنهم عليهم‌السلام مثل :

١ ـ حديث العيون :

«أنّ الإمام مؤيّد بروح القدس ... ولا ينسى ولا يسهو» (٣).

٢ ـ حديث الكافي :

«أنّ اللّه عزوجل أدّب نبيّه فأحسن أدبه ، فلمّا أكمل له الأدب قال : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (٤) ثمّ فوّض إليه أمر الدين والاُمّة ليسوس عباده ، فقال عزوجل : (وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (٥) وأنّ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان مسدّدا موفّقا مؤيّدا بروح القدس لا يزلّ ولا يخطئ في شيء ممّا يسوس به الخلق» (٦).

٣ ـ حديث تفسير النعماني في بيان صفات الإمام :

«... ولا يسهو ولا ينسى ولا يلهو بشيء من أمر الدنيا» (٧).

ثمّ إنّه يحسن التعرّض هنا بالمناسبة لوجه الإستغفار من الذنوب الذي تجده

__________________

(١) سورة النجم : (الآيتان ٣ و ٤).

(٢) سورة الأعلى : (الآية ٦).

(٣) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : (ج١ ص١٧٠ ب١٩ ح٢).

(٤) سورة القلم : (الآية ٤).

(٥) سورة الحشر : (الآية ٧).

(٦) اُصول الكافي : (ج١ ص٢٦٦ ح٤).

(٧) بحار الأنوار : (ج٢٥ ص٣٥١).

٣٦٢

في أدعية الأئمّة الطاهرين سلام اللّه عليهم مع أنّهم أصحاب العصمة الكبرى ، ولا يصدر منهم حتّى ترك الأولى ، ولا يعملون إلاّ بما يشاء اللّه ويرضاه ، فقد عصمهم اللّه من الزلل ، وحفظهم من المزالق حتّى أنّهم لا يتركون مستحبّا ولا يفعلون مكروها إلاّ لوجهٍ مبرّرٍ رافع للحزازة ..

فاستغفارهم هذا ليس لفعل الذنب إطلاقا ..

بل إنّ إستغفاراتهم مضافا إلى كونها في مقام التضرّع الذي هو محبوب ذاتا وتكون للحياء والرجاء والإنابة والرغبة والرهبة والطاعة والإخلاص والتقوى والتوكّل ونحو ذلك من مقتضيات الإستغفار التي تلاحظها في دعاء الزيارة الرضوية المباركة .. مضافا إلى هذه الاُمور تكون إستغفاراتهم لوجوه حكيمة منها :

١ ـ إنّ الرسول وأهل البيت عليهم‌السلام هم الذين علّمونا التكلّم مع ملك الملوك وعظيم العظماء (اللّه جلّ جلاله) ، ولولاهم لم نعرف الطريقة المثلى والنهج الأفضل الذي ينبغي للعبد الإبتهال به إلى اللّه تعالى والسؤال منه عزّ إسمه وطلب المغفرة منه جلّ جلاله ..

فإحدى جهات أدعيتهم هو تعليمنا ذلك ، فجرى وجوه الإستغفار على لسانهم الطاهر حتّى يجري على لساننا نحن العصاة ؛ لنستقيل من ذنوبنا ونتوب من خطايانا ، وننال برد العفو وحلاوة الرحمة من المولى الغفور الرحيم ، كما إستفدنا هذا الوجه من شيخنا الاُستاذ قدس‌سره.

٢ ـ إنّ النبي والآل سلام اللّه عليهم أوقاتهم مشغولة باللّه تعالى ، وقلوبهم مملوءة بالتوبة إليه ، وخواطرهم متعلّقة بالملأ الأعلى ، ونفوسهم مقبلة بكلّها إليه ، كلّ منهم يرى نفسه حاضرا عند اللّه ويرى اللّه ناظرا إليه .. فيرون إشتغالهم بالمباحات المحلّلة كالمآكل والمشارب والمناكح إنحطاطا عن تلك المراتب

٣٦٣

العالية ، والمنازل الرفيعة ..

فيعدّونه ذنبا ويعتقدونه خطيئة فيستغفرون لأجل ذلك من كلّ ما جرى على لسانهم ، أو سمعوه بآذانهم ، أو رأوه بأبصارهم كما ترى في إستغفار الإمام الكاظم عليه‌السلام في سجدة الشكر .. ويستفاد هذا الوجه من الشيخ الإربلي في كشف الغمّة كما نقله في البحار (١).

٣ ـ إنّ رسول اللّه وآله صلوات اللّه عليهم لمّا كانوا في غاية المعرفة الإلهيّة لمعبودهم ، فكلّ ما أتوا به من الحسنات وعملوه من الصالحات رأوها قاصرة عن أن تليق بجناب ربّ العزّة .. فعدّوا طاعاتهم من المعاصي ، واستغفروا كما يستغفر المذنبون ، وعدّوا أنفسهم مقصّرين ، كما أفاده العلاّمة المجلسي قدس‌سره (٢).

فعصمة أهل البيت عليهم‌السلام ونزاهتهم وطهارتهم عن جميع الذنوب والعيوب لا يدانيها ريب ولا يداخلها عيب ، بعد ما عرفت ثبوتها بالأدلّة الأربعة.

بل لا ينبغي الشكّ في العصمة الثبوتية بمعنى عدم المفارقة عن طريق العدل والطاعة ، وعدم السلوك في طريق القبيح والمعصية في ذرّيتهم الطاهرة المنتجبة (٣) مثل سيّدنا أبي الفضل العبّاس ، وعقيلتنا زينب الكبرى ، وسيّدنا علي الأكبر وكريمة أهل البيت فاطمة المعصومة وأمثالهم سلام اللّه عليهم كسيّدنا حمزة ابن عبدالمطّلب ، بل بعض خُلّص الأصحاب مثل سلمان المحمّدي ممّن أدركوا الدرجة العليا في معرفة اللّه تعالى ولزموا طريق رضاه ومرضاته ..

غير أنّ العصمة في الحجج المعصومين عليهم‌السلام إستكفائية ، أي غير محتاجة إلى

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٢٥ ص٢٠٣).

(٢) بحار الأنوار : (ج٢٥ ص٢١٠).

(٣) غير خفي أنّ المراد بعصمتهم هو هذا المعنى لا العصمة الإثباتية أو العصمة الكبرى فتنبّه.

٣٦٤

الغير ، بينما العصمة في هؤلاء الكرام غير إستكفائية ، أي محتاجة إلى الحجّة كما سمّي بذلك.

ويشهد لعصمة سيّدنا العبّاس بن أمير المؤمنين بهذا المعنى يعني ملازمة الطاعة وعدم سلوك المعصية اُمور عديدة :

أوّلاً : قول الإمام الصادق عليه‌السلام في زيارته الشريفة :

«لعن اللّه اُمّة إستحلّت منك المحارم وإنتهكت في قتلك حرمة الإسلام» (١).

فإنّ حرمة دين الإسلام لا تنهتك بقتل أي مسلم مهما كان عظيما إلاّ أن يكون سيّدا للدين الإسلامي وإماما معصوما أو تاليا للمعصوم.

ثانيا : قول الإمام السجّاد عليه‌السلام في الحديث :

«وإنّ لعمّي العبّاس منزلة يغبطه عليها جميع الشهداء والصدّيقين يوم القيامة» (٢).

فإنّ قوله عليه‌السلام : جميع الشهداء والصدّيقين خصوصا بأداة التأكيد الجمعي يشمل كلّ شهيد وكلّ صدّيق حتّى المعصومين من الشهداء والصدّيقين كالأنبياء الكرام والشهداء من الأنبياء.

ولو لم يكن العبّاس معصوما لم يتمّ غبطة المعصوم لدرجته ، لأنّ المعصوم أعظم درجة من الجميع فلا يغبط غير المعصوم ، فلابدّ وأن يكون العبّاس معصوما حتّى يغبطه الشهداء والصدّيقون والمعصومون على درجاته العالية ومقاماته الرفيعة.

__________________

(١) المزار للشيخ المفيد : (ص١٢٤) ، وكذا في زيارته في يوم عرفة.

(٢) الخصال للشيخ الصدوق : (ص٦٨ ح١٠١).

٣٦٥

وثالثا : تصدّي دفنه من قِبل الإمام السجّاد عليه‌السلام كدفن الإمام الحسين عليه‌السلام وهو من خصوصيات المعصومين عليهم‌السلام ، فانّ المعصوم لا يدفنه إلاّ المعصوم ، مع قول الإمام السجّاد عليه‌السلام عند ذلك : «انّ معي من يُعينني» في حديث الإيقاد الذي نقله السيّد المقرّم قدس‌سره في كتاب العبّاس عليه‌السلام (١).

مضافا إلى قول الإمام الحسين عليه‌السلام له لمّا زَحَف الأعداء على مخيّمه عشيّة التاسع من المحرّم :

«اِركب بنفسي أنت ياأخي» (٢).

الذي يفيد تفدية نفسه المطهّرة له ، ولا يناسب تفدية المعصوم إلاّ للمعصوم.

مع ما ذكر في بعض المقاتل من تقبيل الإمام الحسين عليه‌السلام يديه الطاهرتين بعد إنقطاعهما.

بل تقبيل أمير المؤمنين عليه‌السلام لهما حين أجلس أبا الفضل على فخذه وشَمَّر عن ساعديه وقبّلهما (٣) ممّا يكشف عن نزاهة تلك الأيدي الطاهرة وترفّعها عن المعاصي والقبائح.

ولنعم ما أفاد الشيخ العلم الشيخ محمّد طه نجف قدس‌سره في رجاله حين ذكر العبّاس عليه‌السلام حيث قال : «هو أجلّ من أن يُذكر في المقام ، بل المناسب أن يذكر عند ذكر أهل بيته المعصومين عليه وعليهم أفضل التحيّة والسلام» (٤).

__________________

(١) العبّاس بن الإمام أمير المؤمنين عليهما‌السلام : (ص١٢٩).

(٢) العبّاس بن الإمام أمير المؤمنين عليهما‌السلام : (ص١٢٧).

(٣) كتاب قمر بني هاشم : (ص٢١).

(٤) إتقان المقال : (ص٧٥).

٣٦٦

كما وأنّه يشهد لعصمة سيّدتنا زينب الكبرى سلام اللّه عليها بالمعنى المتقدّم :

أوّلاً : أنّ الإمام الحسين عليه‌السلام حمّلها مقدارا من ثقل الإمامة أيّام مرض الإمام السجّاد عليه‌السلام ، وأوصى إليها بجملة من وصاياه ، وأنابها الإمام السجّاد عليه‌السلام نيابة خاصّة لبيان أحكام الدين وآثار الولاية ، كما تلاحظه في حديث إكمال الدين للصدوق (١) ، والغيبة للشيخ الطوسي (٢) ، الذي جاء فيه : «إنّ الحسين بن علي أوصى إلى اُخته زينب بنت علي بن أبي طالب عليه‌السلام في الظاهر وكان ما يخرج من علي بن الحسين يُنسب إلى زينب بنت علي تستّرا على علي بن الحسين عليهما‌السلام» (٣).

وثانيا : قول الإمام السجّاد عليه‌السلام لها بعد خطبة الكوفة في حديث حزيم بن شريك الأسدي في الإحتجاج :

«أنتِ بحمد اللّه عالمة غير معلّمة وفَهِمة غير مفهّمة».

فإنّ هذا العلم غير المحتاج إلى التعليم هو من شأن المعصوم فيكشف علمها عن عصمتها (٤).

كما وأنّه يشهد لعصمة سيّدتنا فاطمة المعصومة سلام اللّه عليها بالمعنى المتقدّم أيضا

أوّلاً : الحديث الوارد في ناسخ التواريخ عن الإمام الرضا عليه‌السلام أنّه قال :

__________________

(١) إكمال الدين : (ص٤٥ ح٢٧).

(٢) الغيبة : (ص١٣٨).

(٣) تنقيح المقال : (ج٣ ص٧٩).

(٤) الخصائص الزينبية : (ص٢٥).

٣٦٧

«من زار المعصومة بقم [كان] كمن زارني» (١).

ومن المعلوم أنّ إسمها سلام اللّه عليها هي فاطمة فتوصيفها بالمعصومة على لسان المعصوم في هذا الحديث يدلّ على عصمتها .. بناءً على هذه النسخة في الحديث.

وثانيا : علمها في صغر سنّها مع تصديق أبيها وتفدّيه إيّاها ، كما تلاحظه في القضيّة المنقولة عن كشف اللئالي لابن العرندس أعلى اللّه مقامه على التفصيل الذي جاء في كتاب كريمه اهل بيت عليهم‌السلام (٢) فراجع للإطّلاع.

كما وأنّه يشهد لمقام سيّدنا حمزة في العصمة خلقته من الطينة المرحومة التي خلق منها رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّه سيّد الشهداء في الجنّة كما في حديثي الخصال (٣).

كما يشهد لرفيع مقام سلمان المحمّدي كونه من أهل البيت عليهم‌السلام ومن الأبواب إلى اللّه تعالى كما في حديثي الرجال (٤) فلاحظ.

__________________

(١) ناسخ التواريخ : (ج٧ الإمام الكاظم عليه‌السلام ص٣٣٧).

(٢) كريمه اهل بيت عليهم‌السلام : (ص٦٣) ، ولاحظ ترجمة ابن العرندس وجلالة قدره في الغدير : (ج٧ ص١٣).

(٣) الخصال : (ص٢٠٤ ح٢٠ ، وص٥٧٥ ح١).

(٤) رجال الكشي : (ص١٨ و ٢٠).

٣٦٨

الفصل الخامس

وظائف الاُمّة تجاه أهل بيت العصمة عليهم‌السلام

هناك وظائف شرعيّة وحقوق دينية يلزم على الرعيّة أداؤها لرعاتها ومواليها وأئمّتها دلّت عليها النصوص والأدلّة ، كما نوّه بها شيخنا الاُستاذ أعلى اللّه مقامه وجاء أيضا في ميزان المطالب (١).

فإنّ أعظم حقّ بعد حقّ اللّه تعالى هو حقّ رسوله والأئمّة المعصومين من بعده ، حيث إنّه بهم أخرجنا اللّه من ذلّ الكفر وببركتهم هدانا اللّه إلى نور الإيمان.

وحقّهم على الاُمّة كحقّ الوالد على ولده ، بل أعظم من ذلك ، وبهم فسّر قوله تعالى : (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ) (٢) ، وتلاحظ تفصيل أحاديث تفسيره في غاية المرام (٣).

ومن حقوقهم بالنسبة إلينا ، ووظائفنا بالنسبة إليهم ما يلي :

١ ـ معرفة الأئمّة الطاهرين سلام اللّه عليهم أجمعين ، كما دلّ عليها حديث زرارة ، قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : أخبرني عن معرفة الإمام منكم واجبة على جميع

__________________

(١) ميزان المطالب : (ص١٩٥).

(٢) سورة لقمان : (الآية ١٤).

(٣) غاية المرام : (ص٥٤٤ ـ ٥٤٩ ب٥٠ ـ ٥٣) ، خصوصا حديث الإمام العسكري عليه‌السلام.

٣٦٩

الخلق؟

فقال :

«إنّ اللّه عزوجل بعث محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الناس أجمعين رسولاً وحجّةً للّه على جميع خلقه في أرضه ، فمن آمن باللّه وبمحمّد رسول اللّه واتّبعه وصدّقه فانّ معرفة الإمام منّا واجبة عليه ...» (١).

٢ ـ الإقرار بإمامتهم وولايتهم ، كما يستفاد من حديث الصدوق الذي رواه عن الإمام الصادق عليه‌السلام :

«إنّ أوّل ما يُسأل عنه العبد إذا وقف بين يدي اللّه جلّ جلاله الصلوات المفروضات وعن الزكاة المفروضة وعن الصيام المفروض وعن ولايتنا أهل البيت ، فمن أقرّ بولايتنا ثمّ مات عليها قُبلت منه صلاته وصومه وزكاته وحجّه ، وإن لم يقرّ بولايتنا بين يدي اللّه جلّ جلاله لم يقبل اللّه جلّ وعزّ شيئا من أعماله» (٢).

٣ ـ التسليم لهم وعدم الإعتراض عليهم ، حيث إنّ الإعتراض عليهم يكون ناشئا من الجهل. ويدلّ على هذه الوظيفة حديث الثمالي عن الإمام علي بن الحسين عليه‌السلام :

«إنّ دين اللّه لا يصاب بالعقول الناقصة والآراء الباطلة والمقاييس الفاسدة ، ولا يصاب إلاّ بالتسليم ، فمن سلّم لنا سَلِم ، ومن اهتدى بنا هُدي ، ومن دان بالقياس والرأي هلك ، ومن وجد في نفسه شيئا ممّا نقوله أو نقضي به حرجا كفر بالذي أنزل السبع المثاني والقرآن

__________________

(١) اُصول الكافي : (ج١ ص١٨٠ باب معرفة الإمام والردّ عليه ح٣).

(٢) غاية المرام : (ص٢٥٧ ب٤٧ ح٢٨).

٣٧٠

العظيم وهو لا يعلم» (١).

٤ ـ التولّي لهم والتبرّي من أعدائهم كما يستفاد من حديثي الأعمش حيث جاء في الأوّل ، عن الصادق عليه‌السلام قال :

«حبّ أولياء اللّه واجب والولاية لهم واجبة ، والبراءة من أعدائهم واجبة ومن الذين ظلموا آل محمّد صلّى اللّه عليهم وهتكوا حجابه وأخذوا من فاطمة عليها‌السلام فدك ومنعوها ميراثها وغصبوها وزوجها حقوقهما» .. إلى آخر الحديث.

وجاء في الثاني ، قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله :

«... ياعلي! والذي بعثني بالنبوّة ، واصطفاني على جميع البريّة لو أنّ عبدا عَبَدَ اللّه ألف عام ما قَبِلَ اللّه ذلك منه إلاّ بولايتك وولاية الأئمّة من وُلدِك ، وانّ ولايتك لا تُقبل إلاّ بالبراءة من أعدائك وأعداء الأئمّة من ولدك ، بذلك أخبرني جبرئيل عليه‌السلام ، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» (٢).

٥ ـ إطاعتهم وامتثال أوامرهم ونواهيهم كما دلّ عليه حديث أبي حمزة (٣) ، سألت أبا جعفر [الباقر] عليه‌السلام : ما حقّ الإمام على الناس؟

قال :

«حقّه عليهم أن يسمعوا له ويطيعوا ..» (٤).

__________________

(١) بحار الأنوار : ج٢ ص٣٠٣ ب٣٤ ح٤١).

(٢) بحار الأنوار : (ج٢٧ ص٥٢ ح٣ ، وص١٩٩ ح٦٦ ، وص٢١٩ ح٤).

(٣) بحار الأنوار : (ج٢٧ ص٥٣ ح٣ ، وص١٩٩ ح٦٦ ، وص٢١٩ ح٤).

(٤) بحار الأنوار : (ج٢٧ ص٢٤٤ ب١١ ح٤).

٣٧١

٦ ـ الرجوع إليهم والتحاكم إليهم في جميع الاُمور الدينية والدنيوية والاُخروية ، والمنازعات الشخصية ، والإختلافات الإجتماعية ، والشبهات الواردة ، كما يستفاد من حديث سدير الصيرفي ، عن أبي جعفر [الباقر] عليه‌السلام قال في حديث :

«إنّما كُلّف الناس ثلاثة : معرفة الأئمّة ، والتسليم لهم فيما ورد عليهم ، والردّ إليهم فيما اختلفوا فيه» (١).

٧ ـ تعلّم جميع العلوم والمعارف والأحكام منهم لا من غيرهم ؛ لأنّ الصحيح منها هو ما كان عندهم وهم باب علم النبي وطريق حكمته ، كما يستفاد من حديث رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله.

«أنا مدينة العلم وعلي بابها ، وهل تؤتى المدينة إلاّ من بابها».

المتّفق عليه بين الخاصّة والعامّة ، المروي من طريق العامّة في ستّة عشر حديثا ومن طريق الخاصّة في سبعة أحاديث جاءت في غاية المرام (٢).

وتلاحظها في باب وجوب الرجوع في جميع الأحكام إلى المعصومين عليهم‌السلام في أحاديث الوسائل (٣).

ومنها حديث فضيل قال : سمعت أبا جعفر [الباقر] عليه‌السلام يقول :

«كلّ ما لم يخرج من هذا البيت فهو باطل».

٨ ـ الرجوع إليهم في جميع ما يعود إلى القرآن الكريم من تفسيره وتأويله ، ومحكمه ومتشابهه ، وناسخه ومنسوخه ، وخاصّه وعامّه ، ومورده ومعناه .. فهم

__________________

(١) وسائل الشيعة : (ج١٨ ص٤٥ ب٧ ح١٤).

(٢) غاية المرام : (ص٥٢٠ ب٢٩ و ٣٠ الأحاديث).

(٣) وسائل الشيعة : (ج١٨ ص٤٨ ب٧ ح٢٩ و ٣٤ و ٤٠).

٣٧٢

العالمون بحقائقه ، والوارثون لمهبط وحيه ، والعين الصافية من معدنه ، كما تستفيده من أحاديث اُصول الكافي (١) ، ومنها : حديث جابر قال : سمعت أبا جعفر [الباقر] عليه‌السلام يقول :

«ما ادّعى أحد من الناس أنّه جمع القرآن كلّه كما اُنزل إلاّ كذّاب ، وما جمعه وحفظه كما نزّله اللّه تعالى إلاّ علي بن أبي طالب عليه‌السلام والأئمّة من بعده عليهم‌السلام».

٩ ـ الفزع إليهم في الدواهي ، والإستغاثة بهم في الحوائج كما استفيد من حديث عبدالعزيز بن مسلم المتقدّم الذي جاء فيه :

«الإمام الأنيس الرفيق والوالد الشفيق ... ومفزع العباد في الداهية النآد» (٢).

وحديث البحار في خطاب اللّه تعالى لآدم عليه‌السلام :

«هؤلاء خيار خليقتي ، وكرام بريّتي ، بهم آخذ ، وبهم اُعطي ، وبهم اُعاقب ، وبهم اُثيب ، فتوسّل إليّ بهم ياآدم ، وإذا دهتك داهية فاجعلهم إليّ شفعاءك ، فإنّي آليت على نفسي قَسَما حقّا لا اُخيّب بهم آملاً ، ولا أردّ بهم سائلاً ..» (٣).

١٠ ـ مودّتهم وحبّهم ونصرتهم وصلتهم وعرض النصرة عليهم ، كما أفادته آية المودّة في قوله تعالى : (قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) (٤)

__________________

(١) اُصول الكافي : (ج١ ص٢٢٨).

(٢) اُصول الكافي : (ج١ ص١٩٨ ح١).

(٣) بحار الأنوار : (ج٢٦ ص٣٢٨ ب٧ ح١٠).

(٤) سورة الشورى : (الآية ٢٣).

٣٧٣

وأحاديث اُصول الكافي (١) ، وبحار الأنوار (٢) مثل حديث الفضيل ، عن أبي جعفر [الباقر] عليه‌السلام :

«... إنّما اُمروا أن يطوفوا بها .. ـ أي الكعبة ـ ثمّ ينفروا إلينا فيُعلمونا ولايتهم ومودّتهم ويُعرضوا علينا نصرتهم ..».

وعن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله :

«من أحبّ عليّا في حياته وبعد موته كتب اللّه عزوجل له من الأمن والإيمان ما طلعت عليه شمس وغربت ، ومن أبغضه في حياته وبعد موته مات موتةً جاهلية وحوسب بما عمل».

فيلزم علينا مودّة أهل البيت عليهم‌السلام وإبراز المحبّة لهم ، والولاء إليهم بجميع أنحائها ومعانيها ، ومن أظهرها أن نفرح لفرحهم ، ونحزن لحزنهم ، ونقيم شعائرهم وذكرياتهم.

وفّقنا اللّه تعالى لذلك ، ونفعنا بحبّهم وولايتهم فإنّه هو النافع في الأهوال والشدائد في الدنيا والآخرة ، كما تلاحظ أحاديثه في معالم الزلفى (٣) مثل حديث صاحب الكشّاف والثعلبي في تفسيره بإسناده إلى جرير بن عبداللّه البجلي قال : قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله :

«... ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مغفورا له.

ومن مات على حبّ آل محمّد مات تائبا.

ومن مات على حبّ آل محمّد مات مؤمنا مستكمل الإيمان.

__________________

(١) اُصول الكافي : (ج١ ص٣٩٢ الأحاديث).

(٢) بحار الأنوار : (ج٢٧ ص٧٣ ب٤ ح١ و ٧ و ٨ و ٩ ، وص١٦٢ ب٦ ح١٠).

(٣) معالم الزلفى : (ص١٩٠).

٣٧٤

ومن مات على حبّ آل محمّد بشّره ملك الموت بالجنّة ثمّ منكر ونكير.

ألا ومن مات على حبّ آل محمّد يُزفّ إلى الجنّة كما تُزفّ العروس إلى بيت زوجها.

ألا ومن مات على حبّ آل محمّد جعل اللّه زوّار قبره الملائكة بالرحمة.

ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات على السُنّة والجماعة ...

ألا ومن مات على بغض آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه : آيس من رحمة اللّه.

ألا ومن مات على بغض آل محمّد لم يشمّ رائحة الجنّة».

ثمّ اعلم أنّه تزيد على هذه الوظائف وظيفتنا في زمان الغيبة بالنسبة إلى سيّدنا ومولانا وإمام زماننا حجّة اللّه الإمام المهدي أرواحنا فداه بوظائف اُخرى مثل : إنتظار فرجه الشريف ، وظهوره المبارك ، والتهيّؤ لنصرته ، والتصدّق لسلامته ، والدعاء له ولفرجه وللثُبات على معرفته ، والقيام والإحترام للقبه الخاص ، ونُدبته الشريفة ، والصلاة الخاصّة عليه خصوصا الصلوات المروية عن يعقوب بن يوسف الغسّاني المروية في البحار (١).

كما تلاحظ هذه الوظائف مع أدلّتها من السيّد التقي الاصفهاني في مكيال المكارم ، ووظيفة الأنام ، والمحدّث النوري في النجم الثاقب ، والمحقّق اليزدي في إلزام الناصب ، فراجع.

هذا تمام البحث فيما تيسّر من أصل الإمامة ويتلوه بحث المعاد ونبدؤه بذكر الرجعة ثمّ المعاد ثمّ مراحل القيامة.

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٥٢ ص١٧ ب١٨ ح١٤).

٣٧٥

على أعتاب المعاد

عرفت في أوّل الكتاب أنّ من تمام التوحيد وأصل الإعتقاد ، التصديق بكلّ ما جاء به رسول اللّه وآله الطاهرون صلوات اللّه عليهم أجمعين ، الناطقون عنه في جميع ما أخبروا به عن اللّه تعالى من الاُصول والفروع ، والتصديق بجميع ما جاءوا به من اُمور الدنيا والآخرة ، والتصديق بكلّ ما اُخبروا به عن اللّه تعالى من حقائق النشأتين الاُولى والاُخرى ؛ فإنّ من دعائم الإسلام الإقرار بما جاء به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو أصل أساسي في المقام ثبت بالأحاديث المتظافرة التالية :

١ ـ حديث عجلان أبي صالح قال : قلت لأبي عبداللّه عليه‌السلام :

«أوقفني على حدود الإيمان.

فقال : شهادة أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمّدا رسول اللّه ، والإقرار بما جاء به من عند اللّه ، وصلوات الخمس ، وأداء الزكاة ، وصوم شهر رمضان ، وحجّ البيت ، وولاية وليّنا ، وعداوة عدوّنا ، والدخول مع الصادقين» (١).

٢ ـ حديث عيسى بن السريّ أبي اليسع المتقدّم قال : قلت لأبي عبداللّه عليه‌السلام : أخبرني بدعائم الإسلام التي لا يسع أحد التقصير عن معرفة شيء منها ، الذي من قصّر عن معرفة شيء منها فسد عليه دينه ، ولم يقبل [اللّه] منه

__________________

(١) اُصول الكافي : (ج٢ ص١٨ باب دعائم الإسلام ح٢).

٣٧٦

عمله ومن عرفها وعمل بها صلح له دينه وقبل منه عمله ولم يضق به ممّا هو فيه (١) لجهل شيء من الاُمور جهله؟ فقال :

«شهادة أن لا إله إلاّ اللّه والإيمان بأنّ محمّدا رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والإقرار بما جاء به من عند اللّه ، وحقّ في الأموال الزكاة ؛ والولاية التي أمر اللّه عزوجل بها : ولاية آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ...» (٢).

٣ ـ حديث عيسى بن السري الآخر قال : قلت لأبي عبداللّه عليه‌السلام : حدّثني عمّا بنيت عليه دعائم الإسلام إذا أنا أخذت بها زكى عملي ولم يضرّني جهل ما جهلت بعده ، فقال :

«شهادة أن لا إله إلاّ اللّه وأنّ محمّدا رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله والإقرار بما جاء به من عند اللّه وحقّ في الأموال من الزكاة ؛ والولاية التي أمر اللّه عزوجل بها ولاية آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإنّ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من مات ولا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية ، قال اللّه عزوجل : (أَطِيعُوا اللّه وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الاْءَمْرِ مِنْكُمْ) (٣) فكان علي عليه‌السلام ، ثمّ صار من بعده حسن ، ثمّ من بعده الحسين ، ثمّ من بعده علي بن الحسين ، ثمّ من بعده محمّد بن علي ، ثمّ هكذا يكون الأمر ، إنّ الأرض لا تصلح إلاّ بإمام ، ومن مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية ، وأحوج ما يكون أحدكم إلى معرفته إذا بلغت نفسه هاهنا ـ قال : وأهوى بيده إلى صدره ـ يقول حينئذ :

__________________

(١) أي لم يضق عليه شيء ممّا هو فيه.

(٢) اُصول الكافي : (ج٢ ص١٩ باب دعائم الإسلام ح٦).

(٣) سورة النساء : (الآية ٥٩).

٣٧٧

لقد كنت على أمر حسن (١).

٤ ـ حديث أبي الجارود المتقدّم قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : يابن رسول اللّه! هل تعرف مودّتي لكم وإنقطاعي إليكم وموالاتي إيّاكم؟ قال : فقال :

«نعم ، قال : فقلت : فإنّي أسألك مسألة تجيبني فيها فإنّي مكفوف البصر قليل المشي ولا أستطيع زيارتكم كلّ حين ، قال : هات حاجتك.

قلت : أخبرني بدينك الذي تدين اللّه عزوجل به أنت وأهل بيتك لاُدين اللّه عزوجل به.

قال : إن كنت أقصرت الخطبة فقد أعظمت المسألة ، واللّه لاُعطينّك ديني ودين آبائي الذي ندين اللّه عزوجل به : شهادة أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمّدا رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والإقرار بما جاء به من عند اللّه ، والولاية لوليّنا ، والبراءة من عدوّنا ، والتسليم لأمرنا ، وانتظار قائمنا ، والإجتهاد والورع» (٢).

٥ ـ حديث إسماعيل الجعفي قال : دخل رجل على أبي جعفر [الباقر] عليه‌السلام ومعه صحيفة فقال له أبو جعفر عليه‌السلام :

«هذه صحيفة مخاصم يسأل عن الدين الذي يقبل فيه العمل فقال : رحمك اللّه! هذا الذي اُريد ، فقال أبو جعفر عليه‌السلام : شهادة أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له وأنّ محمّدا عبده ورسوله وتقرّ بما جاء من عند اللّه والولاية لنا أهل البيت والبراءة من عدوّنا والتسليم لأمرنا والورع

__________________

(١) اُصول الكافي : (ج٢ ص٢١ باب دعائم الإسلام ح٩).

(٢) اُصول الكافي : (ج٢ ص٢١ ـ ٢٢ باب دعائم الإسلام ح١٠).

٣٧٨

والتواضع وانتظار قائمنا ؛ فإنّ لنا دولة إذا شاء اللّه جاء بها» (١).

فتلاحظ أنّ هذه الأحاديث الشريفة التي كرّرناها لمزيد الإستفادة صريحة في لزوم الإقرار بما جاء به النبي من دعائم الإسلام.

واعلم أنّ ممّا جاؤوا به صلوات اللّه عليهم ـ وأثبتوا حقّانيته في الدنيا فيلزم الإقرار به ـ رجعتهم صلوات اللّه عليهم.

فلنبدأ بذكر مبحث الرجعة ثمّ مباحث المعاد ، ومن اللّه تعالى التوفيق والسداد.

__________________

(١) اُصول الكافي : (ج٢ ص٢٢ ـ ٢٣ باب دعائم الإسلام ح١٣).

٣٧٩

الرجعة

الرجعة هي الرجوع إلى الدنيا بعد الموت ، والحياة قبل يوم القيامة .. عند ظهور الإمام المهدي عليه‌السلام ، ويطلق عليها الكرّة أيضا من الكرّ بمعنى الرجوع ، كما يستفاد من كتاب العين (١) ، ومجمع البحرين (٢) ، والقاموس المحيط (٣).

وهي من الحقائق الثابتة بالأدلّة ، والمحقّقة بالبراهين ، كما سيأتي ذكرها.

قال الشيخ الصدوق : «إعتقادنا في الرجعة انّها حقّ» (٤).

وقال الشيخ المفيد : «وأمّا قوله عليه‌السلام : من لم يقل برجعتنا فليس منّا ، فإنّما أراد بذلك ما يختصّه من القول به في أنّ اللّه تعالى يحيي قوما من اُمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد موتهم قبل يوم القيامة ، وهذا مذهب يختصّ به آل محمّد صلّى اللّه عليه وعليهم ... والرجعة عندنا تختصّ بمن محض الإيمان ومحض الكفر دون ما سوى هذين الفريقين» (٥).

وقال السيّد المرتضى : «إعلم أنّ الذي تذهب الشيعة الإمامية إليه أنّ اللّه

__________________

(١) كتاب العين للخليل : (ج١ ص٦٥٨).

(٢) مجمع البحرين للطريحي : (ص٣٧٨).

(٣) القاموس المحيط : (ج٣ ص٢٨).

(٤) كتاب الإعتقادات للصدوق : (ص٦٠).

(٥) المسائل السرويّة : (ص٣٢).

٣٨٠