العقائد الحقّة

السيد علي الحسيني الصدر

العقائد الحقّة

المؤلف:

السيد علي الحسيني الصدر


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الغدير
المطبعة: سرور
الطبعة: ١
ISBN: 964-8485-25-1
الصفحات: ٦٦٧

غاية المرام (١).

فمن طرق الخاصّة ، مثل حديث ابن بابويه بسنده إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام : عن علي عليه‌السلام قال :

«دخلت على رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيت اُمّ سلمة وقد نزلت عليه هذه الآية : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللّه لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرا) ، فقال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ياعلي! هذه الآية فيك وفي سبطيّ والأئمّة من ولدك فقلت : يارسول اللّه! وكم الأئمّة بعدك؟ قال : أنت ياعلي ، ثمّ الحسن والحسين ، وبعد الحسين علي إبنه ، وبعد علي محمّد إبنه ، وبعد محمّد جعفر إبنه ، وبعد جعفر موسى إبنه ، وبعد موسى علي إبنه ، وبعد علي محمّد إبنه ، وبعد محمّد علي إبنه ، وبعد علي الحسن إبنه ، والحجّة من ولد الحسن هكذا أسماؤهم مكتوبة على ساق العرش فسألت اللّه تعالى عن ذلك فقال : يامحمّد! هذه الأئمّة بعدك مطهّرون معصومون وأعداؤهم ملعونون» (٢).

ومن طريق العامّة ، مثل حديث البخاري بسنده عن عائشة :

قالت عائشة : خرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله غداة غدٍ وعليه مَرَط مرجّل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله ثمّ جاء الحسين فدخل معه ثمّ جاءت فاطمة فأدخلها ثمّ جاء علي فأدخله ثمّ قال :

(إِنَّمَا يُرِيدُ اللّه لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرا) (٣).

مضافا إلى بيان شأن نزولها في حديث الكساء الشريف المتّصل بسند صحيح

__________________

(١) غاية المرام : (ص٢٨٧ ـ ٣٠٠ ب١ و ٢).

(٢) غاية المرام : (٢٨٨ ب١ ح١١ و ص٢٩٣ ب٢ ح٦).

(٣) سورة الأحزاب : (الآية٣٣).

٣٤١

إلى جابر بن عبداللّه الأنصاري ، كما تلاحظ السند في الإحقاق والعوالم (١).

وقد أفادت هذه الآية المباركة ، إرادة اللّه تعالى الذي إذا أراد شيئا فإنّما يقول له كن فيكون ، بالإرادة التكوينية التي لا يتخلّف مراده عنه ، إذهاب الرجس عنهم عليهم‌السلام أي مطلق الرجس : القذارات والمآثم والأعمال القبيحة والاُمور الشيطانية والشكّ والأخلاق الذميمة بتصريح أهل اللغة في معنى الرجس.

مع تفسيره في القاموس بكلّ ما استقذر من العمل (٢).

وتفسيره في العين بكلّ قَذَر (٣) ..

ومعلوم أنّ دفع جنس الرجس يكون بدفع جميع أفراده.

خصوصا مع التصريح بعد دفع الرجس بالطهارة في نفس الآية بقوله : (وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرا) فهذه الجملة تفيد دفع جميع الأرجاس عنهم .. وذلك ضرورة عدم حصول التطهير بدفع بعض الأقذار دون بعض.

فيلزم أن يكون الذاهب جميع الأرجاس خصوصا مع التأكيد بعد «يطهّركم» بقوله : (تَطْهِيرا) والتطهير هو التنزّه والخلوص عن لوث جميع الأرجاس والأنجاس والمعاصي والخبائث وغيرها من المعايب والنقائص الظاهرية والباطنية ، كما أفاده في المشكاة (٤).

وخصوصا مع الإتيان بصيغة المضارع التي تفيد الإستمرارية في عدم الرجس ووجود التطهير في جميع مدّة حياتهم.

__________________

(١) إحقاق الحقّ : (ج٢ ص٥٥٤) ، والعوالم : (ج١١ القسم الثاني ص٩٣٠).

(٢) القاموس المحيط : (ج٢ ص٢١٩).

(٣) ترتيب كتاب العين : (ج١ ص٦٥٧).

(٤) مشكاة الأنوار : (ص١٥٠).

٣٤٢

فتكون هذه الآية الشريفة صريحة في عصمتهم العظمى ، كما بيّنه في مصباح الهداية (١).

علما بأنّ إذهاب الرجس عنهم عليهم‌السلام إنّما هو بمعنى دفعه والنزاهة عن وجوده لا بمعنى رفعه بعد وجوده وذلك لما يلي :

أوّلاً : إنّ المناسب مع غاية التطهير المستفادة من (ويطهّركم تطهيرا) هي النزاهة عن الرجس أساسا ، لا وجوده ثمّ رفعه بعدا .. وهذه قرينة داخلية.

ثانيا : إنّ الثابت بالأدلّة العقلية ، والنصوص المتواترة النقلية هي عصمتهم من أوّل عمرهم وقد ثبت من طريق الفريقين أنّ الملكين حافظي علي عليه‌السلام ليفتخران على سائر الملائكة بأنّهما لم يصعدا إلى اللّه تعالى قطّ بشيء يسخطه (٢) وهذه قرينة خارجية.

ثالثا : إنّ باب الإفعال بل خصوص الإذهاب جاء لغة وشرعا بمعنى الدفع كقولهم : «أذهب اللّه عنك كلّ مرض وسقم» أي صرفه عنك .. لا بمعنى ذهاب الأمراض والأسقام بعد وجودها فيك.

والإستعمالات الشرعية للإذهاب بهذا المعنى في أحاديث الفريقين كثيرة وشايعة كما في مثل :

١ ـ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

«من أطعم أخاه حلاوةً أذهب اللّه عنه مرارة الموت».

٢ ـ قول أمير المؤمنين عليه‌السلام :

__________________

(١) مصباح الهداية : (ص١٧٢).

(٢) معالم الزلفى : (ص٣٢ ب٤٣ الأحاديث من الخاصّة) ، وإحقاق الحقّ : (ج٦ ص٩٧ الأحاديث من العامّة).

٣٤٣

«من بدأ بالملح أذهب اللّه عنه سبعين داءا ما يعلم العباد ما هو».

٣ ـ حديث الإمام الكاظم عليه‌السلام :

«إذا أصبحت فتصدّق بصدقة تُذهب عنك نحس ذلك اليوم ، وإذا أمسيت فتصدّق بصدقة تُذهب عنك نحس تلك الليلة».

.. إلى غير ذلك من الشواهد التي أحصاها بمصادرها كتاب آية التطهير (١).

ولنعم ما أفاده شيخنا المفيد قدس‌سره بقوله : «وليس يقتضي الإذهاب للرجس وجوده من قبل .. والإذهاب عبارة عن الصرف ، وقد يُصرف عن الإنسان ما لم يعتره كما يصرف عنه ما اعتراه .. ألا ترى أنّه يقال في الدعاء : «صَرَف اللّه عنك السوء» ، فيُقصد إلى المسألة منه تعالى عصمته من السوء ، دون أن يُراد بذلك الخبر عن سوء به».

كما وأنّ التطهير أيضا إنّما هو بمعنى الإبعاد والنزاهة عن الرجس لا الطهارة بعد النجاسة كما يشهد به نفس الإستعمال القرآني في مثل قوله تعالى : (رَسُولٌ مِنْ اللّه يَتْلُوا صُحُفا مُطَهَّرَةً) (٢) ، وقوله تعالى : (لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ) (٣).

وقد جاء التصريح بهذا المعنى في اللغة أيضا كما تلاحظه في مثل العين (٤) والقاموس (٥).

ثمّ إنّ هذه الآية الشريفة صريحة في إختصاصها بالأنوار الخمسة الطيّبة ،

__________________

(١) آية التطهير للسيّد الأبطحي : (ص٦٠).

(٢) سورة البيّنة : (الآية ٢).

(٣) سورة النساء : (الآية ٥٧).

(٤) ترتيب كتاب العين : (ج٢ ص١٠٩٧).

(٥) القاموس المحيط : (ج٢ ص٧٩).

٣٤٤

كما هو مقتضى حاصريّة كلمة «إنّما» ، وإختصاصية أهل البيت مضافا إلى شأن نزولها فيهم باتّفاق الاُمّة وبإجماع المفسّرين.

فهي مختصّة بهم صلوات اللّه عليهم ، كما اعترف به أبو سعيد الخدري ، وأنس بن مالك ، وواثلة بن الأسقع ، وعائشة ، واُمّ سلمة ، كما في مجمع البيان (١).

ثمّ تجري هذه الآية الشريفة في الأئمّة الطاهرين الإثني عشر ، كما صرّحت به أحاديث تفسيره التي تلاحظها من الفريقين في غاية المرام (٢) ، وتلاحظ إحصاءها عن الطرفين في كتاب آية التطهير (٣).

مثل حديث الصدوق بإسناده عن عبدالرحمن بن كثير قال : قلت لأبي عبداللّه عليه‌السلام : ما عنى اللّه بقوله : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللّه لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرا) (٤)؟

قال :

«نزلت في النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين والحسن والحسين وفاطمة عليهم‌السلام ، فلمّا قبض اللّه عزوجل نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان أمير المؤمنين إماما ثمّ الحسن ثمّ الحسين ثمّ وقع تأويل هذه الآية (وَأُوْلُوا الاْءَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّه) (٥) وكان علي بن الحسين عليه‌السلام إماما ثمّ جرت في الأئمّة من ولد الأوصياء عليهم‌السلام فطاعتهم طاعة اللّه

__________________

(١) مجمع البيان : (ج٨ ص٣٥٨).

(٢) غاية المرام : (ص٢٩٣).

(٣) آية التطهير : (ج٢ ص٢٥١ ـ ٢٧٦).

(٤) سورة الأحزاب : (الآية ٣٣).

(٥) سورة الأنفال : (الآية ٧٥) ، وسورة الأحزاب : (الآية ٦).

٣٤٥

ومعصيتهم معصية اللّه عزوجل» (١).

كما فسّر الأهل بالأئمّة عليهم‌السلام في حديث الإمام الصادق عليه‌السلام في معاني الأخبار (٢).

وعليه فأهل البيت في آية التطهير هم الخمسة الطيّبة النازلة فيهم الآية ثمّ أولادهم المعصومون ، وقد نصبت على الإختصاص.

ولا تجري في غيرهم كالزوجات .. بل لا يمكن أن تجري في الزوجات ، وذلك لما يلي :

١ ـ لكلمة «إنّما» في صدر الآية التي تفيد الإختصاص ، ونفي الحكم عمّن عدا من تعلّقت الآية به ، كما أفاده السيّد المرتضى في الذخيرة (٣).

٢ ـ لعدول السياق عن خطاب الجمع المؤنث للزوجات إلى خطاب الجمع المذكر لأهل البيت ، ثمّ العود إلى الجمع المؤنث للزوجات أيضا ، ممّا يفيد أنّ المخاطب مختلف في الخطابين كما أفاده الشيخ الطوسي في التبيان (٤).

٣ ـ لتغيير اُسلوب الكلام في الآيات المتقاربة وتبدّل لحن الخطاب والفرق بين آيات الزوجات وبين آية أهل البيت .. فمخاطبة الزوجات مشوبة بالتهديد والتأنيب ، بينما مخاطبة أهل البيت مُحلاّة بالتلطّف والتكريم ، فهذه دقيقة تفيد أنّ أهل البيت في محلّ والزوجات في محلّ آخر ، كما أفاده السيّد القاضي نور اللّه

__________________

(١) غاية المرام : (ص٢٩٣ ب٢ ح٧).

(٢) معاني الأخبار : (ص٩٤ ح٣).

(٣) الذخيرة : (ص٤٧٩).

(٤) تفسير التبيان : (ج٨ ص٣٤٠).

٣٤٦

في إحقاق الحقّ (١).

٤ ـ لتنصيص النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله حين نزول الآية على خروج الزوجات في أحاديث الخاصّة بل العامّة أيضا كما في مسند أحمد بن حنبل (٢) ، وتفسير الطبري (٣) ، وقد نقل في تفسير الطبري أحاديث العامّة باختصاص الآية بالخمسة الطيّبة في خمسة عشر طريقا.

٥ ـ لأنّ نفس الرسول الأعظم فسّر العترة بأهل البيت في حديث الثقلين المتواتر بين الفريقين الذي تقدّم مع مصادره.

فقال : «عترتي أهل بيتي» ، ولم يجعل العترة بعض أهل البيت فيقول : عترتي من أهل بيتي ، ولو كان أهل البيت أعمّ من العترة لكان يلزم التبعيض ، فيكون أهل البيت بيانا وتفسيرا للعترة ومبيّنا لتمام معناه ، ومعلوم أنّ العترة منحصرة في آل الرسول دون زوجاته.

٦ ـ لعدم ثبوت عصمة الزوجات ، بل ثبوت عصيان عائشة وحفصة ببيان نفس القرآن الكريم الذي بيّن مخالفتهما للنبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قوله تعالى : (إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللّه فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللّه هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ) (٤).

حيث بيّنت الآية الشريفة أنّهما صغت قلوبهما أي زاغت ومالت إلى الإثم ، وتظاهرا على النبي وتعاونا عليه بالإيذاء له .. كما اعترف بنزول الآية فيهما أكابر

__________________

(١) إحقاق الحقّ : (ج٢ ص٥٦٦).

(٢) مسند أحمد بن حنبل : (ج١ ص٣٣١).

(٣) تفسير الطبري : (ج٢ ص٥).

(٤) سورة التحريم : (الآية ٤).

٣٤٧

العامّة في أحاديثهم المتظافرة الواردة في صحيح البخاري (١) ، وصحيح مسلم (٢) ، وسنن الترمذي (٣) ، ومسند أحمد بن حنبل (٤) ، وتفسير الطبري (٥) ، والطبقات الكبرى لابن سعد (٦) ، وكنز العمّال للمتّقي الهندي (٧) ، وسنن النسائي (٨) ، وسنن البيهقي (٩) ، وسنن الدارقطني (١٠) ، كما تلاحظ تفصيل الآيات والأسناد المتعلّقة بذلك في السبعة من السلف للسيّد الفيروزآبادي قدس‌سره (١١).

فلا يمكن أن تشمل آية التطهير عائشة وحفصة للزوم التهافت في كتاب اللّه الذي لا يأتيه الباطل من بينه ولا من خلفه وحاشاه عن ذلك.

وما ظنّك بحكم مَن صدر منها إيذاء رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ هل تكون معصومة؟ وهل تكون من أصحاب آية التطهير؟ أم تندرج تحت قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّه لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (١٢).

وعليه فآية التطهير المباركة دالّة بالصراحة على عصمة أهل البيت خاصّة ..

__________________

(١) صحيح البخاري : (ج٦ ص٣٧٧ كتاب التفسير ب٢ ح٤٩١٣).

(٢) صحيح مسلم : (كتاب الرضاع باب الإيلاء).

(٣) سنن الترمذي : (ج٢ ص٢٣١).

(٤) مسند أحمد بن حنبل : (ج١ ص٣٣).

(٥) تفسير الطبري : (ج٢٨ ص١٠٤).

(٦) الطبقات الكبرى : (ج٨ ص١٣٨).

(٧) كنز العمّال : (ج١ ص٢٠٩).

(٨) سنن النسائي : (ج٢ ص١٤٠).

(٩) سنن البيهقي : (ج٧ ص٣٥٣).

(١٠) سنن الدارقطني : (كتاب الطلاق ص٤٤٢).

(١١) كتاب السبعة من السلف : (ص١٣٥).

(١٢) سورة التوبة : (الآية ٦١).

٣٤٨

مضافا إلى ما تقدّم من دلالتها بالإلتزام على إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام لأنّه ذكر الخلافة لنفسه وصدّقته فاطمة الزهراء والحسنان ، وهم معصومون ولا يكونون كاذبين أبدا ؛ لأنّ الكذب من الرجس الذي أذهبه اللّه تعالى عنهم وطهّرهم تطهيرا ، فيصدق قولهم في إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، كما أفاده السيّد شرف الدين قدس‌سره في الكلمة الغرّاء (١).

هذا من الإستدلال القرآني لعصمة أهل البيت عليهم‌السلام مضافا إلى الآيات الاُخرى التي تستفاد منها العصمة بالملازمة كآية الإطاعة والكون مع الصادقين ؛ فإنّ الأمر بإطاعة اُولي الأمر يلازم عصمة المطاع ، كما وأنّ الأمر بالكون مع الصادقين ملازم لعصمة المتَّبع وإلاّ كان إغراء بإطاعة ومتابعة العاصي وهو قبيح.

دليل السنّة :

وأمّا دليل السنّة على عصمة أهل البيت عليهم‌السلام ، فمئات الأحاديث ومستفيض الآثار ومتواتر الأخبار التي تدلّ على عصمتهم وطهارتهم ونزاهتهم ، ممّا تلاحظها في مثل اُصول الكافي (٢) ، وتفسير البرهان (٣) ، وبحار الأنوار (٤) ، وغاية المرام (٥) ، وأبواب فضائل الرسول والآل الطاهرين التي هي غنيّة بأحاديث العصمة والطهارة ، وموجبة لحصول القطع واليقين بعصمة الهداة الطاهرين الأئمّة

__________________

(١) الكلمة الغراء : (ص٢١٧).

(٢) اُصول الكافي : (ج١ ص٢٠٢).

(٣) تفسير البرهان : (ج٢ ص٨٤٣).

(٤) بحار الأنوار : (ج٢٥ ص١٩١ ب٥ الأحاديث ، وج٣٥ ص٢٠٦ ب٥ الأحاديث ، وج٣٨ ص٦٢ ب٥٩ الأحاديث).

(٥) غاية المرام : (ص٢٨٧ ـ ٣٠٠).

٣٤٩

الإثنى عشر ، والصدّيقة الزهراء اُمّ الأئمّة الغرر ، وسيّدهم رسول اللّه النبي الأكبر صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ونحن نتبرّك بذكر حديث واحد إختصارا ، وهو ما رواه الفريقان بأسانيدهما المتّصلة عن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال :

«أنا وعلي والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهَّرون معصومون» (١).

.. إلى غير ذلك من الأحاديث التي جاء فيها تصريح الرسول الأعظم بعصمة الأئمّة الإثني عشر التي تلاحظها في المصادر المتقدّمة والتي رواها جمع من الصحابة فيهم عبداللّه بن عبّاس ، وأبو ذرّ الغفاري ، وعمّار بن ياسر ، وجابر بن عبداللّه الأنصاري ، واُمّ سلمة ، وأبو سعيد الخدري ، وزيد بن أرقم ، وأبو أيّوب الأنصاري ، وسعد بن مالك ، وأنس بن مالك ، وواثلة بن الأسقع ، وعمران بن حصين ..

كما وأنّ عصمة سيّدة النساء فاطمة الزهراء عليها‌السلام أيضا ثابتة بالكتاب والسنّة مضافا إلى دليل الإجماع والعقل الآتيين والدالّين على عصمة أهل البيت جميعا عليهم‌السلام نذكرهما ثمّ نستمرّ في الإستدلال :

__________________

(١) جاء في إكمال الدين وعيون أخبار الرضا عليه‌السلام ورواه عنهما في البحار : (ج٢٥ ص٢٠١ ب٥ في عصمة الأئمّة عليهم‌السلام ح١٣) ، وذكره في إحقاق الحقّ : (ج١٣ ص٦٠) نقلاً عن الحمويني في فرائد السمطين ، والقندوزي في ينابيع المودّة ، والهمداني في مودّة القربى .. ونحوه في الإحقاق : (ج٢٠ ص٥٣٠) عن المردي الحنفي في «آل محمّد».

٣٥٠

أمّا الكتاب :

فيكفيك منه آية التطهير (١) المتقدّمة التي عرفت اتّفاق الخاصّة والعامّة بأحاديثهم المتواترة على شمولها لفاطمة الزهراء عليها‌السلام ، وتصريحها بإذهاب الرجس عنها ، ونزولها في أهل البيت التي هي سيّدتهم .. سلام اللّه عليها ، فتدلّ الآية على عصمتها الكبرى.

وأمّا السنّة :

فمن وجوه عديدة نكتفي منها بعشرة كاملة هي :

١ ـ نصّ حديث الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«منّا خمسة معصومون ، قيل : يارسول اللّه! من هم؟

قال : أنا وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام».

ومثله حديث الإمام الباقر عليه‌السلام وقد روى كليهما القاضي في المناقب (٢).

٢ ـ وجوب إطاعة جميع الخلق لها حتّى المعصومين المستلزم لعصمتها كما في حديث الإمام أبي جعفر الباقر عليه‌السلام.

«ولقد كانت عليها‌السلام مفروضة الطاعة على جميع من خلق اللّه من الجنّ والإنس والطير والوحوش والأنبياء والملائكة» (٣).

٣ ـ أفضليتها وسيادتها على نساء الأوّلين والآخرين ونساء الجنّة حتّى مريم عليها‌السلام وهو يستلزم عصمتها وإلاّ لم تكن غير المعصومة أفضل من المعصومة ..

__________________

(١) سورة الأحزاب : (الآية ٣٣).

(٢) العوالم : (ج١١ القسم الأوّل ص٨٦ ب٧ ح١ و ٢).

(٣) دلائل الإمام للطبري : (ص٢٨) ، عنه فاطمة الزهراء بهجة قلب المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله : (ص٨٧).

٣٥١

ففي حديث الإمام الصادق عليه‌السلام :

«... وإنّ اللّه عزوجل جعلكِ سيّدة نساء عالمك وعالمها وسيّدة نساء الأوّلين والآخرين» (١).

وفي حديث الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله :

«... وابنتي فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة من الخلق أجمعين» (٢).

٤ ـ عدم تكافؤ أحد معها إلاّ أمير المؤمنين عليه‌السلام ولم يكن لها كفؤ غيره حتّى من الأنبياء المعصومين.

ففي حديث المفضّل ، عن أبي عبداللّه عليه‌السلام قال :

«لولا أنّ اللّه تعالى خلق أمير المؤمنين لم يكن لفاطمة كفو على وجه الأرض آدم فمن دونه» (٣).

وفي حديث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«... ولولا علي ما كان لفاطمة كفو أبدا» (٤).

٥ ـ كونها حجّة على الأئمّة المعصومين عليهم‌السلام المفيدة لمعصوميتها بل كبرى عصمتها كما في حديث الإمام العسكري عليه‌السلام :

«إنّ فاطمة حجّة علينا» (٥).

__________________

(١) علل الشرائع : (ص١٨٢ ب١٤٦ ح١).

(٢) إحقاق الحقّ : (ج٥ ص٤١ ح٦٥) نقلاً عن ابن حسنويه الحنفي في بحر المناقب.

(٣) بحار الأنوار : (ج٤٣ ص١٠٧ ب٥ ح٢٢).

(٤) إحقاق الحقّ : (ج١٩ ص١١٧) نقلاً عن كتاب أهل البيت لتوفيق أبو علم ، ونحوه في أحاديث العامّة الاُخرى المنقولة في الإحقاق : (ج١ ص١) عن ابن شيرويه في الفردوس ، والخوارزمي في المقتل ، والترمذي في المناقب ، والقندوزي في الينابيع ، والمناوي في الكنوز.

(٥) تفسير أطيب البيان : (ج٣ ص٢٣٥).

٣٥٢

٦ ـ كونها بضعة لرسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المقتضي لأن تكون كالأصل معصومة،بل هي مهجة قلب النبي وروحه التي بين جنبيه في الأحاديث الواردة عن الفريقين :

«فاطمة بضعة منّي ، وهي مهجة قلبي ، وهي روحي التي بين جنبيَّ» (١).

٧ ـ كونها اُسوة لحجّة اللّه الإمام المهدي أرواحنا فداه ، ومعلوم أنّ اُسوة المعصوم لابدّ أن يكون معصوما كما تلاحظ ذلك في حديث توقيع الشيخ الجليل العمري :

«وفي إبنة رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لي اُسوة حسنة» (٢).

٨ ـ لزوم معرفتها على القرون الاُولى والأنبياء السلف المستلزم لأفضليتها من جميع الجهات ومنها جهة العصمة ، وإلاّ فلا معنى للزوم معرفة غير المعصوم على المعصوم ، ففي حديث أبي بصير ، عن أبي عبداللّه عليه‌السلام :

«... هي الصدّيقة الكبرى ، وعلى معرفتها دارت القرون الاُولى» (٣).

٩ ـ أنّ اللّه تعالى يرضى لرضاها ويغضب لغضبها ، ولا يكون ذلك إلاّ فيمن عصمه اللّه تعالى لا من كان عاصيا أو ساهيا أو مخطئا ، ففي الحديث المتّفق عليه بين الفريقين عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«إنّ اللّه يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها» (٤).

__________________

(١) تلاحظ أحاديثه من طرق الخاصّة في بحار الأنوار : ج٤٣ ص٣٩ ـ ٨٠ ب٣) ، ومن طرق العامّة في إحقاق الحقّ : (ج٩ ص١٩٨ ، وج١٠ ص١٨٤ ، وج١٣ ص٧٧).

(٢) الغيبة للشيخ الطوسي : (ص١٨٤) ، والإحتجاج للطبرسي : (ج٢ ص٢٧٩).

(٣) بحار الأنوار : (ج٤٣ ص١٠٥ ب٥ ح١٩).

(٤) لاحظ الحديث من الخاصّة في البحار : (ج٤٣ ص٥٣) ، ومن العامّة فيما حكاه في إحقاق الحقّ : (ج١٠ ص١١٦ و ١٢٢ ، وج١٩ ص٥٤ و ٥٦).

٣٥٣

١٠ ـ شأنها العالي ومقامها الرفيع المستفاد من محوريتها للمعصومين أبيها وبعلها وبنيها في حديث الكساء الشريف (١).

وتستفاد العصمة أيضا من أسمائها عند اللّه تعالى مثل الطاهرة ، وكذا ألقابها المنصوصة مثل المطهّرة والحوراء (٢).

ومن بدء خلقها وكيفية خلقتها وتكوّنها من ثمرة الجنّة (٣).

ومن سدّ الأبواب كلّها عن مسجد الرسول إلاّ باب بيتها (٤).

.. وغير ذلك من آيات طهارتها ونزاهتها الكاشفة عن عصمتها ، والدالّة على كونها في أعلى مراتب عصمة اللّه تعالى.

دليل الإجماع :

وأمّا دليل الإجماع على عصمة أهل البيت عليهم‌السلام فهو قائم على وجوب عصمة النبي وخليفته صلوات اللّه عليهما وآلهما ، وتحقّق عصمة أهل البيت عليهم‌السلام ، ونزول آية التطهير فيهم بلا خلاف بينهم ، بل باتّفاقهم وقيام الإجماع عندهم ، بل هو من معتقدات الإماميّة الحقّة كما تستفيد ذلك من الشيخ الصدوق في الإعتقادات (٥) ، والشيخ المفيد في الفصول المختارة (٦) ، والسيّد المرتضى في

__________________

(١) العوالم : (ج١١ القسم الثاني ص٩٣٣).

(٢) بحار الأنوار : (ج٤٣ ص١٠ ب٢ الأحاديث).

(٣) بحار الأنوار : (ج٤٣ ص١٨ ب٢ ح١٧).

(٤) إحقاق الحقّ : (ج٤ ص٤٠٨) ، وغاية المرام : (ص٦٣٩ ـ ٦٤٢).

(٥) إعتقادات الشيخ الصدوق : (ص٩٨).

(٦) الفصول المختارة : (ص٥٣).

٣٥٤

الذخيرة (١) ، والشيخ الطوسي في التلخيص (٢) متنا وهامشا ، والعلاّمة الحلّي في كشف الحقّ (٣) ، والحرّ العاملي في إثبات الهداة (٤) ، والعلاّمة المجلسي في بحار الأنوار (٥) ، والسيّد الشبّر في حقّ اليقين (٦).

فالإجماع على عصمة أهل البيت عليهم‌السلام ثابت محقّق بلا كلام ، وفاطمة الزهراء عليها‌السلام منهم بلا خصام.

دليل العقل :

وأمّا دليل العقل على عصمتهم فإنّه حاكم بعصمة أهل البيت عليهم‌السلام وطهارتهم بعد استقراء أحوالهم واستقصاء حالاتهم وتتبّع شؤونهم وملاحظة أنّه لم يأخذ العقلاء عليهم زلّةً قطّ مدّة حياتهم وفي حياة جميعهم ، ولم يسجّل عليهم صديق ولا عدوّ خطيئة أبدا في جميع أعمارهم ، ولم يَرَ منهم معاشروهم الأقارب والأباعد قبيحا واحدا في مدى وجودهم ..

حتّى أنّ عدوّهم اللدود معاوية الذي شهر عليهم سيف البغي وشرع عليهم السبّ واللعن لم يستطع أن يحصي عليهم صغيرةً ولا أدنى من صغيرة ، وإلاّ لكان ينادي بها على المنابر ، بل على العكس اعترف بغاية الفضل والتقوى في أمير المؤمنين بعد توصيف عدي بن حاتم عليّا ، حيث قال معاوية : يرحم اللّه أبا

__________________

(١) الذخيرة : (ص٤٧٩).

(٢) التلخيص : (ج١ ص١٩٤).

(٣) كشف الحقّ المطبوع مع دلائل الصدق : (ج٢ ص٣٠).

(٤) إثبات الهداة : (ج١ ص١٤).

(٥) بحار الأنوار : (ج٢٥ ص٢٠٩).

(٦) حقّ اليقين : (ج١ ص٩١).

٣٥٥

الحسن كان كذلك (١).

واعترف أعداؤهم بعصمتهم ونزاهتهم وورعهم مضافا إلى سائر فضائلهم كما تلاحظه في كلمات ابن أبي الحديد المعتزلي حيث قال في شرح نهج البلاغة : «نصّ أبو محمّد بن متويه في كتاب الكفاية على أنّ عليا عليه‌السلام معصوم ... أدلّة النصوص دلّت على عصمته ، والقطع على باطنه ومغيبه» (٢).

ومن ذلك قول عمر بن عبدالعزيز : «ما علمنا أحدا كان في هذه الاُمّة أزهد من علي بن أبي طالب بعد النبي».

وقال ابن عيينة : «أزهد الصحابة علي بن أبي طالب».

وروى سفيان بن عيينة : ((وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ) (٣) علي بن أبي طالب عليه‌السلام خاف فانتهى عن المعصية ونهى عن الهوى نفسه».

وروى قتادة : «علي بن أبي طالب عليه‌السلام سيّد من اتّقى عن إرتكاب الفواحش».

وروى أبو يوسف : «من اتّقى الذنوب علي بن أبي طالب والحسن والحسين».

ممّا يحكم العقل ويقطع العقلاء ويجزم كلّ ذي مسكة بعد ملاحظة هذا أنّهم معصومون طاهرون ، وعن الذنوب والخطايا بعيدون.

وحيث كان هذا جاريا في جميعهم ومستمرّا في جميع حياتهم ينكشف كون العصمة ملكة فيهم.

__________________

(١) سفينة البحار : (ج٦ ص١٨٥).

(٢) نقلاً عن بحار الأنوار : (ج٤٠ ص٣١٨ ب٩٨ الأحاديث).

(٣) سورة النازعات : (الآية ٤٠).

٣٥٦

وكيف يصدر الذنب ممّن أمر اللّه بطاعتهم ودعى إلى مودّتهم ، وعبّر عنهم بالصادقين ، وجعلهم من المطهّرين؟!

وكيف يمكن الخطأ ممّن جُعلوا على لسان الشارع الأعظم مع الحقّ وجُعل الحقّ معهم ، يدور معهم الحقّ حيثما داروا ، وكانوا محور الحقّ إلى يوم القيامة؟!

وهل يخالف حكم العقل حكم الشرع؟

وكيف يقع الظلم والعصيان ممّن يُقسم باللّه وهو الصادق الصدّيق ويقول إنّه :

«لو اُعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي اللّه في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت» (١).

وعلى الجملة ؛ فإنّ العقل حاكم بلزوم عصمة الإمام وكذا النبي ، والعقلاء يقضون بحتميّة عصمة النبي وخلفائه الأئمّة ، والبرهان يفضي إلى تأكّد وجود العصمة في خلفاء الرسول ..

هذا ، والأدلّة العقليّة على لزوم عصمتهم ـ التي تجري في البابين ، النبوّة والإمامة ـ كثيرة جدّا نوّهنا عنها سابقا ، ونختار منها ما يلي :

١ ـ أنّه لو لم يكن النبي أو الإمام معصوما لانتفى الوثوق بقوله ، والإعتماد على وعده ووعيده فلا يطاع ولا تثمر أقواله .. ويصير نصبه عبثا.

٢ ـ أنّه يلزم علينا شرعا وعقلاً اتّباعهما للأمر بالإطاعة والإمتثال ، فلو جاز عليهم الكذب والخطأ والسهو للزم متابعتهم فيها ، ومن المعلوم أنّ الأمر باتّباع الخطأ والكذب والإشتباه قبيح بفطرة العقل.

٣ ـ أنّ من الوجوه العقلية للإحتياج إليهما هو اللطف وتسديد الخلق .. فلو جاز عليهما الخطأ لاحتاجا إلى من يسدّدهما ويمنعهما من الخطأ ، وذلك المسدّد

__________________

(١) نهج البلاغة : (ص٢٤٣ الخطبة ٢٢٤ من الطبعة المصرية).

٣٥٧

إمّا أن يكون معصوما فيثبت المطلوب ، أو لا يكون معصوما فيتسلسل إلى ما لا نهاية وهو باطل عقلاً.

٤ ـ أنّ من أغراض النبوّة والإمامة ومن فوائد النبي والإمام إقامة العدل ومنع الظلم ، وإحقاق الحقّ وإبطال الباطل ، وحسم مادّة الفتن ، وحمل الناس على الطاعة ، ومنعهم عن المعصية ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ..

فلو جاز صدور المعصية منهما لانتفت تلك الفوائد ، وإرتفعت تلك العوائد وناقضت أفعالهما مع أغراضهما .. وبالتالي سقطت وفاتت المصالح الأساسية المقتضية لنصب النبي أو الإمام بعد النبي.

٥ ـ أنّه لو عصى النبي أو الإمام لاُقيمت عليهما الحدود ، ووجب إستنكار الرعيّة إيّاهما وسقط محلّهما من القلوب .. فلا ينقاد الناس لهما في الاُمور وتسقط فائدة البعثة والوصاية.

٦ ـ أنّ الأنبياء والأئمّة حفظة للشرع الأقدس والدين المقدّس ، وخلفاء اللّه في أرضه ، وحجج اللّه تعالى على خلقه بأقوالهم وأفعالهم .. فلو جاز عليهم الخطأ والخطيئة والسهو لأدّى ذلك إلى التضليل والتبديل والإغراء بالجهل وهو قبيح قطعا .. لا يفعله حكيم أبدا ، فلا ينصبهم اللّه يقينا.

لذلك أفاد شيخنا الصدوق في الإكمال : «أنّه يجب عصمة الإمام عليه‌السلام لقوله عزوجل : (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الاْءَرْضِ خَلِيفَةً) (١) واللّه تعالى لا يستخلف إلاّ من له نقاء السريرة ليبعد عن الخيانة ؛ لأنّه لو إختار من لا نقاء له في السريرة كان قد خان خلقه .. وحاشاه عن ذلك! وهو الذي لا يهدي كيد الخائنين» (٢).

__________________

(١) سورة البقرة : (الآية ٣٠).

(٢) إكمال الدين : (ص١٠).

٣٥٨

٧ ـ أنّه إذا جاز صدور المعصية منهم أمكن صدور أي معصية كانت حتّى القتل والنهب والغصب ، وذلك فساد عظيم يردّه العقل ، ويأباه العقلاء فيمن يكون خليفة اللّه أو وصيّا لخليفة اللّه.

٨ ـ أنّ صدور الذنب من الراعي أفحش من صدور الذنب من الرعية ، وزلّة العالِم زلّة العالَم ، فيلزم من عصيانه أن يكون الراعي أسوء حالاً من الرعيّة وأدون مرتبة من آحاد الاُمّة وهو مستهجن جدّا .. لا يمكن أن يكون في مقام النبوّة والإمامة.

٩ ـ أنّه لو صار النبي أو الإمام عاصيا صار ظالما ، ولو صار ظالما لبطلت نبوّته أو إمامته اللتين هما من عهد اللّه .. لصريح قوله عزّ إسمه : (لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (١).

١٠ـ لو كان النبي أو الإمام مثل الاُمّة يمكن عليهما الخطأ والنسيان والسهو والعصيان لكانت رئاستهما وترجيحهما على الاُمّة من هذه الجهة ترجيحا بلا مرجّح وهو قبيح .. بل الأنبياء والأئمّة أفضل من الاُمم من جميع الجهات .. العلم والحلم ، والنزاهة والتقوى ، والفضل والفضيلة ، والعدل والمروءة ..

فيلزم رجحانهم على الاُمّة من جميع الجهات ومنها النزاهة والعصمة حتّى يكونوا أولياءهم وحجج اللّه على سائر الطبقات منهم ..

فيكون وصف العصمة في النبي والإمام حتميّا إلزاميا ..

هذا فيما يخصّ شرط العصمة في الإمامة كبرويّا ، مع ما عرفت من وجودها في أئمّتنا الطاهرين وأهل البيت صغرويا بالأدلّة الأربعة المتقدّمة.

وهنا إستدلال عقلي آخر جامع أيضا في عصمة الإمام عليه‌السلام يحسن بيانه ،

__________________

(١) سورة البقرة : (الآية ١٢٤).

٣٥٩

وقد نقله الصدوق في العلل والعيون والمعاني والأمالي بسنده عن ابن أبي عمير أنّه قال : ما إستفدت من هشام بن الحكم في طول صحبتي إيّاه شيئا أحسن من هذا الكلام في صفة عصمة الإمام ، فإنّي سألته يوما عن الإمام أهو معصوم؟ قال : نعم ، قلت له : فما صفة العصمة فيه؟ وبأي شيء تُعرف؟

قال : إنّ جميع الذنوب لها أربعة أوجه : الحرص ، والحسد ، والغضب ، والشهوة ، فهذه منتفية عنه ..

لا يجوز أن يكون ـ الإمام ـ حريصا على هذه الدنيا وهي تحت خاتمه ؛ لأنّه خازن المسلمين فعلى ماذا يحرص؟

ولا يجوز أن يكون حسودا ؛ لأنّ الإنسان إنّما يحسد من هو فوقه ، وليس فوقه أحد فكيف يحسد من هو دونه؟

ولا يجوز أن يغضب لشيء من اُمور الدنيا إلاّ أن يكون غضبه للّه عزوجل فإنّ اللّه قد فرض عليه إقامة الحدود ، وأن لا تأخذه في اللّه لومة لائم ، ولا رأفة في دينه حتّى يقيم حدود اللّه عزوجل.

ولا يجوز أن يتّبع الشهوات ويؤثر الدنيا على الآخرة ؛ لأنّ اللّه عزوجل حبّب إليه الآخرة كما حبّب إلينا الدنيا ، فهو ينظر إلى الآخرة كما ننظر إلى الدنيا .. فهل رأيت أحدا ترك وجها حسنا لوجه قبيح؟ وطعاما طيّبا لطعام مرّ؟ وثوبا ليّنا لثوب خشن أو نعمة دائمة باقية لدنيا زائلة فانية (١)؟

وعلى الجملة ؛ فبالأدلّة الأربعة نستنتج بنحو القطع واليقين عصمة أهل البيت الطاهرين وسيّدهم الرسول الأمين وأولادهم الأئمّة المهديين صلوات اللّه عليهم أجمعين ، وأنّهم معصومون مطهّرون مبرّؤون من كلّ ذنب وقذارة ، وخطأ

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٢٥ ص١٩٢ ب٥ ح١).

٣٦٠