العقائد الحقّة

السيد علي الحسيني الصدر

العقائد الحقّة

المؤلف:

السيد علي الحسيني الصدر


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الغدير
المطبعة: سرور
الطبعة: ١
ISBN: 964-8485-25-1
الصفحات: ٦٦٧

ثمّ إنّه تلاحظ أخبار الغدير ونصوصه الجليلة المائة وخمسة بمسالك الإستدلال السبعة في بحار الأنوار (١) ممّا لا يبقى معها مجال لأدنى شكّ وأقلّ ريب في هذه الحقيقة التي هي أظهر من الشمس وأبين من الأمس .. بعد كلماتهم الدرّية ، وبعد إعتراف جميع البريّة من المؤالف والمخالف.

وهذا الحديث الشريف كافٍ في الإستدلال مع أنّ بجنبه الأحاديث القطعيّة المتواترة الاُخرى المتّفق عليها بين الفريقين كحديث الثقلين ، وحديث المنزلة ، وحديث المواساة ، وحديث السفينة ، وحديث الأمان ، وحديث العشيرة وغيرها ممّا تلاحظها من الطريقين في غاية المرام ، وإحقاق الحقّ ، ودلائل الصدق ومجلّدات الإمامة من بحار الأنوار.

ممّا يحصل معها القطع واليقين بإنحصار الإمامة في أهل البيت الطيّبين صلوات اللّه عليهم أجمعين.

مضافا إلى آية إطاعة اُولي الأمر النازلة في علي وأولاده المعصومين عليهم‌السلام في أحاديث الخاصّة والعامّة كما تلاحظها في غاية المرام (٢).

مع التنصيصات على إمامة الأئمّة الإثني عشر التي تلاحظها في الإرشاد للشيخ المفيد ، وإثبات الهداة للحرّ العاملي بل أسنده أحمد بن حنبل عن ابن عمر في أربعة وثلاثين طريقا (٣) وتلاحظ نصوصها في فرائد السمطين (٤).

هذا من جهةٍ .. ومن جهةٍ اُخرى لم يكن ولم يمكن لأحد من شيوخ

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٣٧).

(٢) غاية المرام : (ص٢٦٣ ـ ٢٦٨ ب٥٨ و ٥٩).

(٣) إثبات الهداة : (ج١ ص٧٠٦).

(٤) فرائد السمطين : (ج٢ ص٢١٣).

٣٢١

المخالفين إقامة نصّ واحد يذكر أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عيّنهم لإمامة أو خلافة أو وصاية .. وعمدة ما استدلّوا به على خلافة أبي بكر هو دعوى إجماع أهل الحلّ والعقد .. لكنّه باطل من وجوه ثمانية :

الأوّل : انّه لو كانت مشروعية الخلافة منوطة بهذا الدليل فلماذا لم يكن إجماع أهل الحلّ والعقد في خلافة عمر وعثمان أيضا.

الثاني : انّ الخلافة والإمامة والوصاية هي من الاُمور الإنتصابيّة كما عرفت ، لا من الاُمور الإنتخابية حتّى تتحقّق بانتخاب أهل الحلّ والعقد.

الثالث : انّ اللازم على دعواهم أن يكون أبو بكر خليفة الناس لا خليفة رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما يدّعونه ، فنسأل أنّه : أي حجّة للناس في اتّباع من اختاروه هم بأنفسهم خليفة؟ وهل يصير بانتخابهم خليفة للرسول؟!

الرابع : فرضنا حصول الإجماع بحسب دعواهم لكن نقول : إنّ من البديهي كون الإجماع على بيعة أبي بكر في كافّة بلاد المسلمين لم يحصل دفعةً واحدة .. بل لابدّ وأنّه بدأ بالآحاد الذين التفّوا حوله ثمّ تدرّج شيئا فشيئا إلى البلدان أطراف المدينة ، فنورد بأنّه أي شيء كان دليلاً ومجوّزا للطائفة الاُولى في إقدامهم على تلك البيعة قبل حصول إجماع مسلمي البلدان أو أهل الحلّ والعقد منهم؟! فأيّ كتاب وأيّة سنّةٍ جوّزت لهم ذلك؟!

الخامس : فرضنا تحقّق الإجماع على بيعة أبي بكر وإنتخابه .. لكن نطالب بالدليل على حجّية هذا الإجماع؟

لابدّ وأنّهم يدّعون كون دليل إعتباره هو ما نسبوه إلى رسول اللّه صلوات اللّه وسلامه عليه وآله من أنّه قال : «ما كان اللّه ليجمع اُمّتي على ضلال».

لكن غير خفيّ إنّ هذا القول موضوع مجعول مختلق ، ويشهد على ذلك ما

٣٢٢

يلي :

١ ـ إنّه قد دفع صحّته جماعة من أهل النظر والإعتبار من نفس المخالفين وأنكره إمام المعتزلة وشيخها إبراهيم بن سيّار النظام ، كما حكاه الشيخ المفيد قدس‌سره (١).

٢ ـ إنّ عدم إجتماع الاُمّة على الضلال لا يصحّ إطلاقا ، بل يندفع قطعا بالأخبار الصحيحة المنقولة من الفريقين مثل :

أ) قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«لتتبعنّ سنن من كان قبلكم شبرا بشبر ، وذراعا بذراع ، حتّى لو دخلوا في جُحر ضبٍّ لاتّبعتموهم. فقالوا : يارسول اللّه! اليهود والنصارى؟! قال : فمن إذا؟» (٢).

ب) قوله صلوات اللّه وسلامه عليه وآله في حجّة الوداع لأصحابه :

«ألا لأعرفنّكم ترتدّون بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض ، ألا إنّي قد شهدت وغبتم» (٣).

ج) قوله عليه وآله الصلاة والسلام :

«إنّكم محشورون إلى اللّه تعالى يوم القيامة حفاة عراة ، وإنّه سيُجاء برجال من اُمّتي فيؤخذ بهم ذات الشمال ، فأقول : ياربّ! أصحابي فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، إنّهم لا يزالون مرتدّين على

__________________

(١) الإفصاح : (ص٤٧).

(٢) مسند أحمد بن حنبل : (ج٢ ص٥١١).

(٣) صحيح البخاري : (ج٧ ص١٨٢).

٣٢٣

أعقابهم منذ فارقتهم» (١).

وغيرها من الأخبار التي تصرّح بإرتداد الاُمّة وكفر بعضهم وضلالتهم ، فكيف لا يجتمعون على ضلال؟

وتلاحظها مفصّلة في أخبار الخاصّة الواردة في باب إفتراق الاُمّة وإرتدادهم عن الدين بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢).

وهذه الأخبار الحجّة عندهم تدفع أيضا ما افتري على رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّه قال :

«أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم».

فكيف يُهتدى بهم وفيهم مَن صار من أصحاب الشمال ، وارتدّ إرتداد كفر؟!

٣ ـ تدفعه أيضا إخبار اللّه تعالى عن ردّة الاُمّة بعد نبيّها في صريح قوله عزّ إسمه : (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللّه شَيْئا وَسَيَجْزِي اللّه الشَّاكِرِينَ) (٣).

أي إرتددتم كفّارا بعد إيمانكم ، فسمّي الإرتداد إنقلابا على العقب وهو الرجوع القهقري لأنّ الردّة خروج إلى أقبح الأديان كما أنّ الإنقلاب خروج إلى أقبح ما يكون من المشي (٤).

__________________

(١) صحيح مسلم : (ج٤ ص٥٨).

(٢) بحار الأنوار : (ج٢٨ ص٢ ب١ الأحاديث).

(٣) سورة آل عمران : (الآية ١٤٤).

(٤) مجمع البيان : (ج٢ ص٥١٤).

٣٢٤

ولا يخفى أنّ الإستفهام في المقام إنكاري متضمّن للإخبار كما صرّح به في مجمع البيان ، ويستفاد أيضا من حديث ابن أبي المقدام في البرهان (١).

السادس : أنّه كيف تحقّق الإجماع مع إنكار صفوة المسلمين وأرحام الرسول الأمين يعني بني هاشم ، ومخالفة الأنصار ، وخلاف وجوه الأصحاب كسلمان الفارسي ، وأبي ذرّ الغفاري ، والمقداد بن الأسود ، وعمّار بن ياسر ، وبريدة الأسلمي ، والزبير بن العوّام ، وخالد بن سعيد بن العاص ، وحذيفة بن اليمان ، واُبي بن كعب ، وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين ، وأبي الهيثم بن التيهان ، وسهل بن حنيف ، وأخيه عثمان بن حنيف ، وجابر بن عبداللّه الأنصاري ، وأبي أيّوب الأنصاري ، وقيس بن سعد بن عبادة ، وغيرهم ، مع عدم حضور الجمع الكثير والجمّ الغفير من المهاجرين والأنصار الذين كانوا قد خرجوا مع جيش اُسامة .. خصوصا مع قول ابن سعد في كتاب الطبقات أنّه لم يبق أحد من وجوه المهاجرين الأوّلين والأنصار إلاّ انتدب في تلك الغزوة (٢).

فكيف يتحقّق الإجماع مع مخالفة هؤلاء وإنكارهم أو عدم حضورهم ..

مع أنّ الإجماع عند أكثر متقدّميهم كالقاضي عبدالجبّار المعتزلي وإمام الحرمين الجويني وأبي حامد الغزالي ، هو اتّفاق اُمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما حكاه في حقّ اليقين (٣).

السابع : أنّه ليس فقط لم يتحقّق إجماع الاُمّة بل لم يتحقّق إختيار أهل الحلّ والعقد ، بل لم يكن التعيين إلاّ من الجماعة التي حضرت السقيفة ، ثمّ أخذت البيعة

__________________

(١) تفسير البرهان : (ج١ ص١٩٧).

(٢) أعيان الشيعة : (ج١ ص٣٤٦).

(٣) حقّ اليقين : (ج١ ص١٤٢).

٣٢٥

من الناس لأبي بكر بالقهر والغلبة ، والسوط والسيف .. مع تهديد «من لم يبايع ضربت عنقه» فهل هذا هو الإجماع؟!

الثامن : أنّه حتّى نفس شيخ السقيفة الذي حمل السيف وأخذ البيعة إعترف بعدم الإجماع في بيعة أبي بكر ووقوعها فلتة (١) ، في قوله : «كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى اللّه المسلمين شرّها ، فمن عاد لمثلها فاقتلوه» ، كما اعترف به جمع من أكابرهم كالبخاري في صحيحه ، وأحمد في مسنده ، والطبري في تاريخه ، وابن الأثير في كامله ، وابن هشام في سيرته ، وابن أبي الحديد في شرحه (٢).

فالحقيقة المكشوفة أنّ شيخ السقيفة وأعوانه هم الذين عيّنوا في مقابل اللّه خليفةً لرسول اللّه وجعلوا الخلافة فيمن اعترف هو بنفسه بعدم لياقته في قوله : «أقيلوني ، أقيلوني لست بخيركم وعليّ فيكم» كما صرّح بكلامه هذا ابن حجر في الصواعق ، وابن قتيبة في الإمامة والسياسة ، والطبري في الرياض ، والمتّقي في الكنز (٣).

وعلى الجملة ؛ لم يكن أي دليل ولو بعنوان جزئي على أدنى إستحقاق في تصدّي الخلافة ممّن تصدّاها ظلما.

مضافا إلى أنّه لا مجال لها أساسا بصريح قوله تعالى : «لاَ يَنَالُ عَهْدِي

__________________

(١) الفلتة : هي الأمر الفجأة من غير تدبّر ولا رويّة.

(٢) صحيح البخاري : (ج١٠ ص٤٤) ، ومسند أحمد : (ج١ ص٥٥) ، وتاريخ الطبري : (ج٣ ص٢٠٠) ، وتاريخ ابن الأثير : (ج٢ ص١٣٥) ، وسيرة ابن هشام : (ج٤ ص٣٣٨) ، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : (ج٢ ص٢٦).

(٣) الصواعق المحرقة : (ص٣٠) ، والإمامة والسياسة : (ص١٤) ، والرياض النضرة : (ج١ ص١٧٥) ، وكنز العمّال : (ج٣ ص١٣٢).

٣٢٦

الظَّالِمِينَ» (١) فليست هذه الخلافة من اللّه في شيء .. ولا من رسول اللّه في موضع .. ولم يرض بها الخليفة الحقّ ، وأهل بيت العصمة ، بل استنكروها أبلغ إنكار عند وفاة الرسول وبعد الوفاة ويوم الشورى وأيّام عثمان ويوم الرُحبة ويوم صفّين ويوم الجمل وغيرها ممّا تلاحظها مع إحتجاج بني علي وبني هاشم والأصحاب ، بأحاديث الفريقين في كتاب الغدير (٢) ، وبأحاديثنا في كتاب الإحتجاج (٣) ، ويكفيك في ذلك خطبته الشقشقية المعروفة (٤).

٣ ـ دليل العقل

العقل يحكم بقبح تقديم المفضول ، ولزوم تقديم الأفضل ، حتّى لا يلزم خفض وإنحطاط لمرتبة الفضل والفضيلة والسداد.

ومن الواضح عدم استواء مرتبة من يعلم ومن لا يعلم ، وأنّ العقل حاكم بتقديم الأعلم ..

ومعلوم أنّ الأفضل والأعلم واللائق للإمامة بحكم العقل والعقلاء وباعتراف الخصماء هو علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

سُئل الخليل بن أحمد الفراهيدي : ما الدليل على أنّ عليّا إمام الكلّ في الكلّ؟

__________________

(١) سورة البقرة : (الآية ١٢٤).

(٢) الغدير : (ج١ ص١٥٩).

(٣) الإحتجاج : (ج١ ص١٥٧).

(٤) نهج البلاغة : (ص٢٥ من الطبعة المصرية الخطبة٣).

٣٢٧

فأجاب : لإحتياج الكلّ إليه ، واستغنائه عن الكلّ (١).

وهذه الأفضليّة ثابتة لجميع الأئمّة من أهل البيت فإنّهم ورثوا العلم من رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يأخذوا العلم من أحد ، ولم يحتاجوا إلى أحد ، وفاقوا جميع الخلق وكانوا أفضل الخليقة فيحكم العقل بتقديمهم ولزوم إمامتهم .. بالإضافة إلى النصوص المستفيضة في إمامتهم.

وقد استقصى العلم العلاّمة أعلى اللّه مقامه ، الأدلّة العقليّة على إمامة أمير المؤمنين في كتاب الألفين ، فلاحظ.

٤ ـ دليل الإعجاز

كما كانت المعاجز من أدلّة صدق النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن قبله من الأنبياء والمرسلين ، كذلك تكون من أدلّة إمامة الأئمّة المعصومين عليهم‌السلام.

فإنّهم سلام اللّه عليهم أخبروا بإمامتهم ووصايتهم عن اللّه تعالى مقرونا بمعاجزهم الساطعة وآياتهم اللامعة التي هي شواهد قطعيّة ، ودلائل وجدانية على صدق كلامهم ، وصحّة إمامتهم ، وحقيقة إنتصابهم من قبل ربّهم .. وإلاّ لم يكونوا قادرين على إتيان ما لم يقدر عليه إلاّ ربّ العالمين .. ولمّا كانوا مؤيّدين بالآيات التي تكشف عن كونها من آيات الحقّ المبين.

وقد جُمعت تلك المعجزات الباهرات في الأجزاء الثلاثة من كتاب إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات للمحدّث الحرّ العاملي ، وكتاب مدينة المعاجز للسيّد البحراني ، وكتاب الثاقب في المناقب للفقيه ابن حمزة الطوسي ، والمجلّد الحادي والأربعين والثاني والأربعين من بحار الأنوار لشيخ الإسلام المجلسي ..

__________________

(١) تنقيح المقال : (ج١ ص٤٠٣).

٣٢٨

ونحن نختار منها ونتشرّف عندها بالإشارة الموجزة إلى بعض معجزات سيّد العترة وأبي الأئمّة سيّد الوصيّين وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب سلام اللّه عليه وعلى أبنائه الكرام ..

من ذلك ما ظهرحين ولادته في الكعبة المعظّمة حيث سجد على الأرض وهو يقول :

«أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وأنّ محمّدا رسول اللّه وأشهد أنّ عليّا وصي محمّد رسول اللّه وبمحمّد يختم اللّه النبوّة ، وبي يُتِمُّ الوصيّة وأنا أمير المؤمنين».

ثمّ حينما خرج من الكعبة المشرّفة وأخذه والده أبو طالب عليه‌السلام ثمّ أخذ بيد اُمّه فاطمة بنت أسد عليها‌السلام وخرج إلى الأبطح اُلقي إلى أبي طالب عليه‌السلام لوح أخضر مكتوب فيه هذان البيتان :

خُصّصتُما بالوَلَد الزكيِّ

والطاهر المنتجب الوصيِّ

فاسمُهُ من شامخٍ عليِّ

عليٌّ اشتُقَّ مِنَ العليِّ

ومن ذلك مظهر الإعجاز في نفس بدنه المقدّس بما منحه اللّه تعالى من القوّة الإلهيّة والقدرة الربّانية .. ويكفي في ذلك ما ظهر منه في يوم خيبر حيث ضَرَب عليه‌السلام بسيفه مرحَب على رأسه بما فيها العمامة والخوذة وما عليه من الجوشن والحِلَق من قُدّام وخلف حتّى قدّها بنصفين تماما ..

ثمّ حمل بعده على اليهود فانهزموا إلى حصن قموص ، وأغلقوا على أنفسهم الباب ، فتقدّم علي عليه‌السلام إلى باب الحصن وهزّ الباب فارتعد الحصن حتّى ظنّوا وقوع زلزلة ، ثمّ هزّه اُخرى فقَلَعه ورمى به في الهواء أربعين ذراعا ، ثمّ حمله واقتحم الحصن ، وتترّس بالباب وضارَبَ الأقران حتّى غلب عليهم .. ثمّ جعله جسرا على الخندق الذي كان قد حفره اليهود فعبر عليه عسكر المسلمين وكانوا

٣٢٩

ثمانية آلاف وسبع مئة رجل ، وحيث كان طول ذلك الباب أقلّ من عَرض الخندق جَعَل علي عليه‌السلام أحد جانبي الباب على حافّة الخندق والجانب الآخر على يده ليعبر عليه المسلمون إلى الحصن ..

فقال أحد الصحابة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما عجبنا يارسول اللّه من قوّته في حمله ورميه وإتراسه وإنّما عجبنا من جعله جسرا وإحدى طرفيه على يده. فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ياهذا! نظرتَ إلى يده ، فانظُر إلى رجليه .. فوجدهما معلّقتين في الهواء.

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ليستا على الهواء ، وإنّما هما على جناحي جبرئيل.

علما بأنّ ذلك الباب كان أربعة أذرع في خمسة أشبار في أربع أصابع عمقا حَجَرا صلدا ، وكان لا يقدر على غلقه إلاّ عشرون رجلاً منهم.

ومن ذلك ما ظهر من إعجازه في الأشياء مثل :

آيته في إحياء الموتى كشمعون بن حمّون وصي عيسى بن مريم وتسليمه على الإمام علي عليه‌السلام في صفّين بقوله الذي سمعه الأصحاب : «السلام عليك ياأمير المؤمنين ورحمة اللّه وبركاته ، مرحبا بوصي خاتم النبيّين ، وقائد الغرّ المحجّلين ، والعالم المؤمن ، والفاضل الفائق ، ميراث الصدّيقين ، وسيّد الوصيّين».

وكذلك إحياؤه بإذن اللّه تعالى امرأةً قتلت في محبّته تسمّى اُمّ فروة ، فذهب عليه‌السلام إلى قبرها وقال : «ياأمة اللّه! قومي بإذن اللّه تعالى» فخرجت اُمّ فروة من القبر ورُدّت إلى زوجها ووَلدت بعد ذلك غلامين ، وعاشت إلى ما بعد شهادة أمير المؤمنين عليه‌السلام بستّة أشهر ..

وكذلك تكلّمه مع جُمجمة ميّت في أرض بابل وسؤاله منها : من أنت؟ فأجابت : أنا فلان بن فلان ملك بلد فلان .. وقصّت خبرها.

٣٣٠

ثمّ إعجازه في الثمار والأشجار حيث مدّ يده إلى اسطوانة المسجد ، ودعا ربّه ، فخرج منها غصن فيها أربع رمّانات ، فدفع إلى الحسن عليه‌السلام إثنتين ، وإلى الحسين عليه‌السلام إثنتين وقال : هذه من ثمار الجنّة ، فقال بعض الأصحاب : ياأمير المؤمنين! أوَ تقدر عليها؟

فقال عليه‌السلام : أولستُ قسيم الجنّة والنار بين اُمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله؟

ومرّة اُخرى ضرب بيده الشريفة إلى أصل شجرة يابسة وقع لحاؤها ، وبقي عودها ، وقال : «ارجعي بإذن اللّه خضراء ذات ثمر» فإذا هي تهتزّ بأغصانها وأخرجت حمل الكمثرى ، فقطع منها الأصحاب وأكلوا منها ، وحملوا معهم ثمرها.

وأقبل إليه وهو يخطب يوم الجمعة على منبر مسجد الكوفة ثعبان عظيم من باب المسجد يهوي نحو المنبر ، حتّى صعد المنبر وتطاوَلَ إلى اُذُنِ أمير المؤمنين عليه‌السلام فأصغى عليه‌السلام إليه ثمّ أقبل عليه يُسارّه مليّا في جواب سؤال الثعبان ثمّ مضى.

وفي جبّانة بني أسد أقبل أسد يهوي إلى علي عليه‌السلام حتّى قام بين يديه ، فوضع علي عليه‌السلام يده بين اُذني الأسد وقال : «إرجع بإذن اللّه تعالى ، ولا تدخل في دار هجرة بعد اليوم وبلّغ ذلك السباع عنّي» ، فرجع.

وقد رُدّت له الشمس مرّتين في حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مرّة ، وبعد وفاته اُخرى.

ومن إعجازه أنّه لمّا دخل إلى صفّين ونزل بقرية صندوداء ثمّ سار عنها إلى أرض بلقع ، قال له مالك الأشتر : ياأمير المؤمنين! أَتُنزِل الناس على غير ماء؟ فقال عليه‌السلام : يامالك! إنّ اللّه عزوجل سيسقينا في هذا المكان ماءً أعذب من الشَهد ، وألين من الزبد ، وأبرد من الثلج ، وأصفى من الياقوت .. ثمّ وقف على أرض وأمر بحفرها فخرجت صخرة سوداء عظيمة ، فيها حلقة تبرق كاللجين .. فقال لهم :

٣٣١

روموها ، فراموها بأجمعهم وهم مئة رجل فلم يستطيعوا أن يزيلوها عن موضعها ..

فدنا هو عليه‌السلام ودعا اللّه تعالى ثمّ إجتذبها ورماها أربعين ذراعا فظهر لهم ماء بالوصف الذي وصفه ، فشربوا وسقوا ، ثمّ ردّ الصخرة وأمر بحثِّ التراب عليها ، وكانت (عين راحوما) من عيون الجنّة كما فصّل حديثه في ثاقب المناقب.

ومنها إخباراته عن الغيب في مواضع كثيرة كإخباره حبيب بن جمّاز بحمله رأس الإمام الحسين عليه‌السلام ودخوله إلى مسجد الكوفة من باب الفيل.

وكذا إخباره بحديث رشيد الهجري ، وكيفية شهادة ميثم التمّار ، وواقعة كربلاء ، وموضع القتال ، ومصارع الرجال ، فكان كما أخبر.

ومنها أنّه هتف به يوما هاتف غيبي : ياأمير المؤمنين! خذ ما عن يمينك ، فإذا منديل فيه قميص ملفوف ، فأخذ عليه‌السلام القميص ولبسه ، فسقطت من جيبه رقعة مكتوب فيها : بسم اللّه الرحمن الرحيم هديّة من اللّه العزيز الحكيم إلى علي بن أبي طالب ، هذا قميص هارون بن عمران (كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْما آخَرِينَ) (١).

وأصاب البقيع بعد رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجفة تعدّت إلى حيطان المدينة وعزم أهل المدينة على الخروج منها ، فتوسّط عليه‌السلام البقيع ، وضَرَبَ برجله الأرض فسكنت.

وقال له بعض أصحابه في مسجد الكوفة : بأبي أنت واُمّي! إنّي لأتعجّب من هذه الدنيا التي في أيدي هؤلاء القوم وليست عندكم ، فقال عليه‌السلام : أترى أنّا نريد الدنيا ولا نُعطاها؟ ثمّ قبض قبضة من الحصى فقال : ما هذا؟ قال صاحبه : هذا من أجود الجواهر. فقال عليه‌السلام : لو أردنا هذا لكان ، لكنّا لم نُرد ، ثمّ رمى الحصى فعاد

__________________

(١) سورة الدخان : (الآية ٢٨).

٣٣٢

كما كان.

ومنها تسليم الذئب عليه وشهادته بإمارته حينما لاقاه في بعض طرق المدينة ، فجعل الذئب خدّيه على الأرض أمامه ويؤمي بيده إلى علي عليه‌السلام ثمّ قال علي عليه‌السلام : اللهمّ أطلِق لسان الذئب فيكلّمني ، فأطلق اللّه لسان الذئب فإذا هو بلسان طلق ذلق يقول : السلام عليك ياأمير المؤمنين .. إلى آخر الكلام.

ومنها إعجازه حين شكاية أهل الكوفة زيادة الفرات وفيضان الماء ، فضرب عليه‌السلام الماء بقضيبه وهو قضيب رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنزل الماء.

ومنها أنّه تكلّم في اُذن زاذان بكلام وألقى ماء فمه المبارك في فيه ، فما زالت قدم زاذان من عنده إلاّ وهو حافظ للقرآن بإعرابه.

ومنها أنّه نزل عليه في عهد رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيت فاطمة عليها‌السلام ماء وضوئه في إبريق من الجنّة يقطر ماؤه كالجُمان .. وهاتف يهتف به : ياعلي! دونك الماء .. فقال له رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ياعلي! تدري مَن الهاتف ، ومن أين كان الإبريق؟

فقال علي عليه‌السلام : اللّه ورسوله أعلم.

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أمّا الهاتف فحبيبي جبرئيل عليه‌السلام ، وأمّا الإبريق فمن الجنّة ، وأمّا الماء فثلث من المشرق ، وثلث من المغرب ، وثلث من الجنّة. فهبط جبرئيل عليه‌السلام وقال : يارسول اللّه! اللّه يقرؤك السلام ، ويقول لك : أقرئ عليّا السلام منّي.

.. إلى غير ذلك من الآيات الباهرات والمعجزات الظاهرات التي هي أكثر من أن تحصى في هذا الكتاب ، وكذلك معاجز سائر المعصومين التي لا يحصرها هذا الخطاب ، وقد إقتصرنا على هذا القليل مخافة التطويل.

وعلى الجملة ؛ فأدلّة الكتاب والسنّة والعقل والإعجاز واضحة الدلالة على إمامة الحجج الطاهرة سلام اللّه عليهم أجمعين.

٣٣٣

الفصل الرابع :

شرائط وخصوصيات الإمام والإمامة

درجة عالية كإمامة الدين ، ومنصب ربّاني كخلافة رسول ربّ العالمين ، بديهي أن تكون لها شرائط وقيود وخصوصيّات ، يلزم توفّرها لتحرّز اللياقة معها .. وإلاّ لكان كلّ أحد نائلاً لكلّ منصب ، وهو خلاف السداد بل معقّب للفساد ..

وقد دلّ الشرع المبين أنّ عهد اللّه لا ينال الظالمين وبيّن أنّه (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّه فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ) (١) فخليفة اللّه والإمام المعهود من اللّه لابدّ وأن يكون من المعصومين ، كما عرفت ذلك من الكتاب والسنّة والعقل في مبحث عصمة الأنبياء عليهم‌السلام.

فالعصمة والأعلمية والأفضلية ونحوها من الشرائط الآتية لابدّ وأن تكون شرطا في الإمامة كما يأتي في دليل العصمة في هذا الفصل ، ودلّ عليها برهان الأفضلية المتقدّم في الفصل الأوّل ، بل يدعو إليها وحي الفطرة القاضية بتقدّم الأفضل وتقديمه.

ومعلوم أنّ تلك الخصوصيات والشرائط إنّما هي متوفّرة بالنحو الأعلى في

__________________

(١) سورة البقرة : (الآية ٢٢٩).

٣٣٤

أئمّة الهدى عليهم‌السلام ، بنحو قطعي ، معترف به عند صديقهم وعدوّهم ، لم ينكر ذلك فيهم ألدّ أعدائهم بشكل صار من الاُمور الواضحة التي لا تحتاج إلى إقامة الأدلّة.

ثمّ أنّه قد ذكر في حقّ اليقين (١) انّ مجموع ما يشترط في الإمام اُمور هي :

أوّلاً : العصمة .. لأنّ الإمام حافظ للشرع فحاله حال النبي ويلزم عصمته.

ثانياً : الأفضلية من جميع الاُمّة في جميع الجهات خصوصا العلم حتّى لا يلزم تقديم المفضول على الفاضل المحكوم بالقبح العقلي.

ثالثاً : أن يكون منصوصا على إمامته لما عرفت من كون تعيين الإمام بيد اللّه تعالى.

رابعاً : أن يكون هاشميا لما ثبت من كون الأئمّة منهم.

خامساً : العلم بجميع ما تحتاج إليه الاُمّة من اُمور الدين والدنيا لأنّ الغرض من وجود الإمام لا يحصل بدون وجود ذلك.

سادساً : كونه أشجع الاُمّة لدفع الفتن وإستئصال أهل الباطل ، ونصرة الحقّ ، ولأنّ جبن الرئيس يستلزم ضررا جسيما ووهنا عظيما للرعيّة.

سابعاً : أن يكون مبرّءا من جميع العيوب الخَلقِيَّة الموجبة للنفرة ، كالعمى والجذام والبرص ، ومن جميع العيوب الخُلُقية كالبُخل والحرص وسوء الخُلُق ، ومن دناءة النسب والتولّد من الزنا .. وذلك لمنافاتها مع اللطف ، بل منافاة بعضها مع العصمة.

ثامناً : أن يكون أزهد الناس وأورعهم وأطوعهم للّه تعالى وأقربهم منه ، وأفضلهم في صفات الكمال لئلاّ يلزم من تقديمه تقديم المفضول القبيح عقلاً.

تاسعاً : أن يكون صاحب المعاجز التي يعجز عنها البريّة وتكون آية للمنزلة

__________________

(١) حقّ اليقين : (ج١ ص١٤٠).

٣٣٥

الربّانية ودليلاً على إمامته وشاهدا على منصبه ومميّزا لشخصيّته .. فيحكم العقل بعد معجزته بصحّة إمامته.

عاشراً : أن تكون إمامته عامّة للجميع لا خاصّة بفئة لئلاّ يظهر الفساد في سائر الفئات.

وتلاحظ الجامع من صفات الإمام وشرائط الإمام في المجلّد الخامس والعشرين من بحار الأنوار على مؤلّفها رحمة اللّه الغفّار ، في أبواب علامات الإمام وصفاته وشرائطه ، صفحة ١١٥ إلى ١٧٥ ، ذكر فيها إشتراط كون الإمام أعلم الناس وأتقاهم وأعرفهم بكتاب اللّه ، منصوصا عليه معصوما ، له المعجز والدليل .. إلى غير ذلك من الخصوصيات.

ونحن قد ذكرنا هذه الخصوصيات مع مناقب الأئمّة الهداة ، مبرهنةً بالدلائل الظاهرات في شرح نصوص زيارتهم الجامعة لفضائلهم ، ونكتفي هنا رعاية للإختصار بذكر الخصوصية والشرط الأوّل فقط للإمامة وهي العصمة ، وبها كمال الميزة ، وأتمّ الإمتياز لمنصب الإمامة عن غيرها ، ولشخص الإمام عن غيره ، ومنه نطلب العون والإعانة.

٣٣٦

العصمة

من أهمّ الشروط والمميّزات التي يلزم وجودها في الإمام والخليفة ، كما كان يلزم توفّرها في النبي والرسول ، هي ملكة العصمة.

وهي الصفة الأساسيّة الضرورية التي يحكم بلزومها البرهان ، ويؤكّدها الوجدان ..

فلنذكر دليل إعتبارها كبرويّا ، ثمّ دليل وجودها في أئمّتنا الهداة عليهم‌السلام صغرويّا بعد بيان معناها وحقيقتها تفصيلاً ، فنقول :

العصمة في أصل اللغة بمعنى الوقاية والمنع والدفع والحفظ والحماية.

قال في العين : «العصمة : أن يعصمك اللّه من الشرّ ، أي يدفع عنك» (١).

وقال في المجمع : «عصمة اللّه للعبد ، منعه عن المعصية ، وعَصَمه اللّه من المكروه : حفظه ووقاه .. والمعصوم : الممتنع عن محارم اللّه» (٢).

وقال في المفردات : «عصمة الأنبياء : حفظه ـ أي حفظ اللّه ـ إيّاهم بما خصّهم به» (٣).

وقال في اللسان : «العصمة في كلام العرب : المنع ، وعصمة اللّه عبده : أن

__________________

(١) العين : (ج١ ص٣١٣).

(٢) مجمع البحرين : (مادّة ـ عصم ـ).

(٣) المفردات للراغب : (ص٣٣٧).

٣٣٧

يعصمه ممّا يوبقه .. عصمه يعصمه عصما : منعه ووقاه» (١).

وقال في النهاية : «العصمة : المَنْعَة ، والعاصِم : المانع الحامي» (٢).

وقال في القاموس : «عَصَم يَعْصِمُ : مَنَع ووقى» (٣).

وقال في التاج : «العصمة بالكسر : المنع .. وقال الزجّاج : أصل العصمة الحبل ، وكلّ ما أمسك شيئا فقد عصمه .. وقال المناوي : العصمة ملكة اجتناب المعاصي مع التمكّن منها» (٤).

وقال في المصباح : «عصمه اللّه من المكروه يعصمه من باب ضرب : حفظه ووقاه ، واعتصمت باللّه : امتنعت به» (٥).

والعصمة في الإصطلاح العلمي هي : «قوّة العقل بحيث لا يُغلب مع كونه قادرا على المعاصي كلّها».

وليس معنى العصمة أنّ اللّه تعالى يجبره على ترك المعصية ، بل يفعل به ألطافا يترك المعصوم معها المعصية باختياره .. بواسطة قوّة عقله وكمال فطنته وذكائه ونهاية صفاء نفسه ، وشدّة اعتنائه بطاعة اللّه تعالى كما أفاده السيّد الشبّر قدس‌سره (٦).

وبتعبير آخر في تعريف العصمة أنّها هي : «روحية قدسيّة مانعة عن مخالفة

__________________

(١) لسان العرب : (ج١٢ ص٤٠٣).

(٢) النهاية الأثيرية : (ج٣ ص٢٤٩).

(٣) القاموس المحيط : (ج٤ ص١٥١).

(٤) تاج العروس : (ج٨ ص٣٩٩).

(٥) المصباح المنير : (مادّة ـ عصم ـ).

(٦) حقّ اليقين : (ج١ ص٩٠).

٣٣٨

التكاليف اللزومية شرعية وعقليّة مع القدرة عليها» (١).

وبالتعبير المنصوص عليه في حديث هشام قال : قلت لأبي عبداللّه عليه‌السلام : ما معنى قولكم إنّ الإمام لا يكون إلاّ معصوما؟ فقال عليه‌السلام :

«المعصوم هو الممتنع باللّه عن جميع محارم اللّه» (٢).

هذا معنى العصمة .. وأمّا برهان إشتراطها في الإمامة وإعتبارها في الأئمّة فهو ما يأتي في الدليل العقلي.

فانّ العقل حاكم بأنّ أهل البيت عليهم‌السلام معصومون مطهّرون ، وقد ثبتت عصمتهم الكبرى بالأدلّة الأربعة : الكتاب والسنّة والإجماع والعقل.

ولعلّ من المستحسن أن نقول بدوا أنّ العصمة ملكة لها مراتبها العالية الثلاثة كما يستفاد من مجموع أدلّة العصمة والمعصومين وهي :

١ ـ العصمة الثبوتية : وهي ترك المعاصي وفعل الواجبات إستمرارا وعدم مفارقة طريق العدل والطاعة أبدا ، وعدم السلوك في طريق القبيح والمعصية إطلاقا ، كما هي موجودة في الذرّية الخاصّة للمعصومين عليهم‌السلام .. ويأتي ذكرها في آخر البحث.

٢ ـ العصمة الإثباتية : وهي الروحية القدسية الموجودة في الممتنع باللّه عن جميع محارم اللّه .. مع إمكان ترك الأولى في غير اُولي العزم منهم ، لعدم منافاته للعصمة ، وتكون هذه العصمة في الأنبياء الكرام ، وقد مرّ بحثها في النبوّة.

٣ ـ العصمة الكبرى : وهي نفس العصمة الإثباتية .. مضافا إلى عدم ترك الأولى وعدم السهو ، وعدم الخطأ فيها .. وتكون في المعصومين الأربعة

__________________

(١) أنوار الهداية : (ص٥٦).

(٢) معاني الأخبار : (ص١٣٢ ح٢) ، ومشكاة الأنوار : (ص١٦٣).

٣٣٩

عشر عليهم‌السلام ..

وهذه العصمة هي عنوان بحثنا هنا في مبحث الإمامة ..

وعصمتهم كما قلنا ثابتة بدليل الكتاب والسنّة والإجماع والعقل بالبيان التالي :

دليل الكتاب :

أمّا دليل الكتاب على عصمة أهل البيت عليهم‌السلام ، فآيات كثيرة نختار منها آية واحدة وهي آية التطهير أي قوله تعالى :

(إِنَّمَا يُرِيدُ اللّه لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرا) (١).

ولا شبهة في نزول هذه الآية الكريمة في أهل بيت النبي الخمسة الطيّبين باتّفاق جميع الاُمّة المسلمين كما في مجمع البيان (٢).

وقد أجمع عليه المفسّرون ، كما في دلائل الصدق (٣).

وأمّا نزولها وإختصاصها بأهل البيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والصدّيقة الزهراء والإمامين الحسن والحسين عليهم‌السلام ، فقد نقله من علماء العامّة فقط تسعون عالما في مئة كتاب ، كما تلاحظ التفصيل في إحقاق الحقّ (٤).

وقد تواترت فيها روايات الفريقين بطرق عديدة في أحاديث كثيرة ، فمن الخاصّة بأربعة وثلاثين طريقا ، ومن العامّة بواحد وأربعين طريقا تلاحظها في

__________________

(١) سورة الأحزاب : (الآية ٣٣).

(٢) مجمع البيان : (ج٨ ص٣٥٦).

(٣) دلائل الصدق : (ج٢ ص٩٤).

(٤) إحقاق الحقّ : (ج٢ ص٥٠٢) ، ثمّ أفاد المحشّي أنّ الأحاديث في ذلك تربو على الألف.

٣٤٠