العقائد الحقّة

السيد علي الحسيني الصدر

العقائد الحقّة

المؤلف:

السيد علي الحسيني الصدر


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الغدير
المطبعة: سرور
الطبعة: ١
ISBN: 964-8485-25-1
الصفحات: ٦٦٧

الخامس : طبقات الأنبياء عليهم‌السلام

اعلم أنّ للأنبياء والرسل سلام اللّه عليهم طبقات ومراتب ، كما أنّ بين الرسول والنبي فرقا من جوانب.

وقد اختلف القول في الفرق بينهما إلاّ أنّ المرجع المعوّل ، والحقّ الفيصل هي أحاديث أهل بيت العصمة عليهم‌السلام ، فقد بيّنت الأخبار الشريفة ما يلي من الاُمور الخمسة :

١ ـ إنّ الأنبياء على أربع طبقات ، نبيّ منبؤٌ في نفسه لا يعدو غيره ، ونبي عليه نبي آخر ، ونبي مرسل اُرسل إلى قوم ، ونبي هو إمام ، كما في حديث هشام ابن سالم ودرست بن أبي منصور (١).

٢ ـ إنّ الفرق بين النبي والرسول ، هو أنّ النبي يرى في منامه ويسمع صوت الملك لكن لا يعاينه ولا يراه ، بينما الرسول يسمع الصوت ويرى في المنام ويعاين الملك ، كما يستفاد من حديث زرارة في اُصول الكافي (٢) والبحار (٣).

٣ ـ إنّ مجموع الأنبياء المكرّمين يبلغ عددهم مئة وأربعة وعشرين ألف نبي ، ثلاث مئة وثلاثة عشر منهم مرسلون مع النبوّة ، وكتبهم المنزلة التي هي لبعض الأنبياء تبلغ مئة وأربعة كتاب ، وهي صحف شيث بن آدم خمسين صحيفة ، وصحف إدريس ثلاثين صحيفة ، وصحف إبراهيم عشرين صحيفة ، وتوراة موسى ، وزبور داود ، وانجيل عيسى ، وفرقان محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما يستفاد من

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج١١ ص٥٥ ب١ ح٥٢).

(٢) اُصول الكافي : (ج١ ص١٧٦ باب الفرق بين الرسول والنبي و ... ح١).

(٣) بحار الأنوار : (ج١ ص٥٤ ب١ ح٥١).

٢٤١

حديث أبي ذرّ الغفاري عن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١).

٤ـ إنّ سادة الأنبياء العظام ، هم اُولو العزم من الرسل ، نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمّد صلوات اللّه عليهم ، كانوا أصحاب شريعة ومنهاج وكتاب ، والشريعة الباقية منها إلى يوم القيامة هي شريعة رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما في حديث الحسن بن فضّال عن الإمام الرضا عليه‌السلام (٢) ـ (٣).

٥ ـ إنّ أفضل الأنبياء والمرسلين ، وأرفع الأولياء المقرّبين ، ومن هو الأشرف من الملائكة المكرّمين ومن الناس أجمعين ، هو نبيّنا الأمين مع آله المعصومين صلوات اللّه عليهم أجمعين ولعنة اللّه على أعدائهم إلى يوم الدين ، وذلك بدليل تظافر الأخبار بذلك ، بل تواترها فيما هنالك ، كما أحصاها وصرّح بها العلاّمة الشبّر في حقّ اليقين (٤) ـ (٥).

وقد تضمّنت المتواترات من النصوص ، أفضليّة النبي الأكرم وأشرفيته

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج١١ ص٣٣ ب١ ح٢٤).

(٢) بحار الأنوار (ج١١ ص٣٤ ب١ ح٢٨).

(٣) لا يخفى أنّ كتاب نوح في الحديث ، لعلّه بمعنى مواريث العلم التي دفعت إلى إبنه سام ووصلت إلى الأنبياء من بعده ، كما في حديث عبدالحميد بن أبي ديلم في البحار : (ج١١ ص٢٨٩ ب١ ح١١) ، أو أنّ الكتاب هنا بمعنى الفرض من قبيل «كتب عليكم الصيام» أي فُرض ، فتُفسر الرواية بالتبعيّة لفرائض نوح وواجباته إلى النبي صاحب العزم الذي جاء بعده.

(٤) حقّ اليقين : (ج١ ص١٠٥).

(٥) ومن ذلك ما رواه الصدوق في إكمال الدين بإسناده عن الإمام الرضا عليه‌السلام عن آبائه عن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «.. ياعلي! إنّ اللّه تبارك وتعالى فضّل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقرّبين وفضّلني على جميع النبيّين والمرسلين ، والفضل بعدي لك ياعلي وللأئمّة من بعدك ..». [حقّ اليقين : (ج١ ص١٠٦)].

٢٤٢

وأولويته وأقدميّته على جميع الأنبياء والمرسلين لما ورد فيها ، من أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سيّد ولد آدم وأوّل من تنشقّ عنه الأرض ، وأوّل شافع وأوّل مشفّع ، والخطيب المبشّر ، وصاحب لواء الحمد والمقام المحمود ، والأسبق من الأنبياء ، والمفضّل على جميع الأوصياء ، والمقدّم على الملائكة المقرّبين ، والأعلم من جميع الأنبياء والمرسلين ، ونور اللّه الذي خلقه قبل آدم ، وسيّد أهل البيت الذين هم سادة الخلق أجمعين من الأوّلين والآخرين .. والأحاديث في ذلك كثيرة جزيلة.

ويكفيك ملاحظة ما أعطاها اللّه تعالى لنبيّه ولأهل بيته من الخصوصيّات والدرجات والفضائل والمكرمات وجمع فيه كلّ خير أضعافا مضاعفة ممّا لم يجمعه لأي رسول أو نبي أو وصي ، كما تلاحظه في حديث الإرشاد المروي عن مولانا الإمام الحسين عليه‌السلام (١) ، والحديث مفصّل يستوعب صفحات كثيرة لاحظه في الأصل.

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج١٦ ص٣٤١ ب١١ ح٣٣).

٢٤٣

الثاني :

النبوّة الخاصّة

يقع البحث الثاني من أصل النبوّة ، في إثبات النبوّة لنبيّنا الأكرم الرسول الأعظم ، وأفضليّته وخاتميته ومعجزاته ومختصّاته صلوات اللّه عليه وعلى آله.

فإنّ هذا من الأركان الدعائم والاُصول القوائم في العقائد الحقّة ، والمعتقدات الصادقة.

قال الشيخ الصدوق فيما يجب الإعتقاد به : (وأنّ محمّدا سيّدهم وأفضلهم ، وأنّه جاء بالحقّ وصدّق المرسلين ، وأنّ الذين كذبوا لذائقوا العذاب الأليم ، وأنّ الذين (آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) (١) الفائزون.

ويجب أن نعتقد أنّ اللّه تعالى لم يخلق خلقا أفضل من محمّد والأئمّة ، وأنّهم أحبّ الخلق إلى اللّه ، وأكرمهم عليه ، وأوّلهم إقرارا به لمّا أخذ اللّه ميثاق النبيّين (وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى) (٢)» (٣).

__________________

(١) سورة الأعراف : (الآية ١٥٧).

(٢) سورة الأعراف : (الآية ١٧٢).

(٣) إعتقادات الصدوق : (ص٩٢).

٢٤٤

وقد عرفت ذلك من الأحاديث المتواترة المتقدّمة المفيدة للعلم ، فتثبت أفضليّته وأشرفيّته من جميع الجهات على جميع الخلق بالأدلّة العلميّة.

ولاحظ لمزيد علمك بذلك وأهليّتهم لذلك ، الأحاديث التالية :

١ ـ حديث داود الرقي عن أبي عبداللّه عليه‌السلام قال :

«لمّا أراد اللّه عزوجل أن يخلق الخلق خلقهم ونشرهم بين يديه ثمّ قال لهم : مَن ربّكم؟ فأوّل من نطق رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنين والأئمّة صلوات اللّه عليهم أجمعين فقالوا : أنت ربّنا ، فحمّلهم العلم والدين ، ثمّ قال للملائكة : هؤلاء حملة ديني وعلمي واُمنائي على خلقي ...» (١).

٢ ـ حديث صالح بن سهل ، عن أبي عبداللّه عليه‌السلام قال :

«سئل رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بأي شيء سبقتَ وُلد آدم؟

قال : إنّي أوّل من أقرّ ببَلى ، إنّ اللّه أخذ ميثاق النبيّين وأشهدهم على أنفسهم : ألست بربّكم؟ قالوا : بلى ، فكنت أوّل من أجاب» (٢).

هذا ، ويقع بحث النبوّة الخاصّة في بيان الفوائد الخمسة التالية بعون اللّه تعالى :

الاُولى : شخصية الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

الثانية : نبوّة الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

الثالثة : سيرة الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج١٥ ص١٦ ب١ ح٢٢).

(٢) بحار الأنوار : (ج١٥ ص١٦ ب١ ح٢٣).

٢٤٥

الرابعة : عصمة الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

الخامسة : خاتمية الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

الاُولى : شخصية الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

ينتمي نسب الرسول الأعظم ، وينتهي أبا واُمّا إلى أشرف الأنساب ، وأعلاها وأطهرها وأفخرها ، فهو أعظم شخصيّة في عالم الوجود.

ينتسب إلى سيّدنا آدم بسلسلة الأجداد الأنبياء ، والآباء الأزكياء ، والاُمّهات الطاهرات والأرحام المطهّرات.

قال شيخنا المفيد قدس‌سره : «آباء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى آدم عليه‌السلام كانوا موحّدين على الإيمان باللّه ... وعليه إجماع عصابة الحقّ. قال اللّه تعالى : (الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) (١) يريد به : تنقّله في أصلاب الموحّدين.

وقال نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«ما زلت أتنقّل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام المطهّرات ، حتّى أخرجني اللّه تعالى في عالمكم هذا».

فدلّ على أنّ آباءه كلّهم كانوا مؤمنين ، إذ لو كان فيهم كافر لما استحقّ الوصف بالطهارة ، لقول اللّه تعالى : (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) (٢) فحكم على الكفّار بالنجاسة ، فلمّا قضى رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بطهارة آبائه كلّهم ووصفهم بذلك ، دلّ على أنّهم كانوا مؤمنين» (٣).

__________________

(١) سورة الشعراء : (الآيتان ٢١٨ و ٢١٩).

(٢) سورة التوبة : (الآية ٢٨).

(٣) تصحيح إعتقادات الإماميّة : (ص١٣٩).

٢٤٦

فلقد كان والده عبداللّه سيّد الحرم الأزهر ، وصاحب الوجه الأغر ، وحليف الإيمان الأكبر ، كما تلاحظ شرح حاله الزكي في البحار (١).

وقد كان جدّه عبدالمطّلب من أوصياء إبراهيم عليه‌السلام ، وكذلك سائر آبائه إلى إسماعيل كلّهم كانوا أوصياء.

كما كان عمّه وكفيله أبو طالب عليه‌السلام وصيّا بعد أبيه عبدالمطّلب ، عاش حليف الإيمان ولم يسجد لصنم قطّ ، ولذا ورد عنهم عليهم‌السلام : «ليس مِن شيعتنا مَن لم يقل بإسلام أبي طالب» (٢) ـ (٣).

وقد أفاد العلاّمة المجلسي (٤) : «إجماع الشيعة على إسلام أبي طالب وأنّه قد آمن بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أوّل الأمر ولم يعبد صنما قطّ ، بل كان من أوصياء إبراهيم عليه‌السلام ... وتواترت الأخبار من طرق الخاصّة والعامّة بذلك ، وصنّف كثير من علمائنا ومحدّثينا كتابا مفردا في ذلك كما لا يخفى على من تتبّع كتب الرجال ...».

ثمّ ذكر أنّه قال الطبرسي رحمه‌الله : «قد ثبت إجماع أهل البيت عليهم‌السلام على إيمان أبي طالب ، وإجماعهم حجّة لأنّهم أحد الثقلين اللذين أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالتمسّك بهما».

وقد ذكر العلاّمة الأميني في الغدير (٥) أربعين حديثا في ذلك ، فلاحظ.

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج١٥ ص١٠٨).

(٢) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : (ج١ ص٣١١).

(٣) حقّ اليقين : (ج١ ص١٣٤).

(٤) بحار الأنوار : (ج٣٥ ص١٣٨).

(٥) الغدير : (ج٧ ص٣٨٥).

٢٤٧

وكفى لأبي طالب فخرا أنّه والد الأمير وذريّة إبراهيم الخليل وشيخ الأبطح وكفيل الرسول وسيّد القوم ، عاش النبي في كفالته وترعرع في بيته واستقام الإسلام بسيف إبنه.

ونعود إلى النسب السامي لنبيّنا الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو : محمّد بن عبداللّه بن عبدالمطّلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر ابن نزار بن معد بن عدنان ... والمشهور أنّ عدنان هو ان أدّ بن أدد بن اليسع بن الهميسع بن سلامان بن حَمَل بن قيدار بن إسماعيل عليه‌السلام بن إبراهيم الخليل عليه‌السلام بن تارخ بن ناخور بن شروع بن أرغو ـ وهو النبي هود عليه‌السلام ـ ابن قالع بن عابر بن شالح بن أرفخشد بن سام بن النبي نوح عليه‌السلام ابن مالك بن متوشلح بن أخنوخ ـ وهو النبي إدريس عليه‌السلام ـ ابن البارز بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث ـ وهو هبة اللّه عليه‌السلام ـ ابن النبي آدم عليه‌السلام.

واُمّه السيّدة آمنة بنت وهب بن عبد مناف أخي هاشم عليه‌السلام جدّ النبي صلوات اللّه عليه وآله.

الثانية : نبوّة الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

ثبتت نبوّة الرسول الأكرم صلوات اللّه عليه وآله وسلّم بجميع الطرق الثلاثة المتقدّمة لمعرفة الأنبياء وإثبات نبوّتهم ، وذلك :

أوّلاً : الإعجاز ، فقد تحقّق إعجازه الباهر بالنقل المتواتر لجميع الملل ، وبعيان البيان في نصّ القرآن.

ثانياً : تنصيص النبي السابق الثابتة نبوّته عليه ، حيث بَشّر به كليم اللّه موسى

٢٤٨

ونبي اللّه عيسى عليهما‌السلام ، وجاء في كتبهم المقدّسة أعني التوراة والإنجيل ، كما تلاحظ نصوصها المترجمة بالعربية في أنوار الهدى والرحلة المدرسية للشيخ العلم البلاغي قدس‌سره ، وبالفارسية في ميزان المطالب (١).

ثالثاً : حقيقة رسالته ، وعلوّ أحكامه ، وجامعيّة شريعته ، ونزاهة شخصيته ، وصدق لسانه وبيانه وأخباره وأنبائه وأعماله وفعاله ومواعيده .. فدراسة كلّها شاهد قطعيّ على صدقه في إظهار نبوّته.

وجميع الطرق المتقدّمة تسلك بنا وتوضّح لنا نبوّة خاتم الأنبياء من قبل ربّ السماء ، إلاّ أنّا نتابع للإختصارا المسلك الأوّل فقط في الإستدلال ، يعني طريق الإعجاز الذي هو أوضح الطرق ، ونقول :

إنّه صلوات اللّه عليه وآله أخبر بنبوّة نفسه وعقّبه بمعجزة ربّه ، فكان كاشفا عن صدقه في نبوّته ، وطريقا إلى العلم برسالته ، وموجبا لليقين بكونه مؤيّدا من قبل مُرسِله ..

وقد ثبتت نبوّته بالإعجاز من طريقين :

الف ـ طريق القرآن الكريم ، وهي المعجزة الخالدة التي ليست لأحد من الأنبياء معجزة مثلها ، باقية سواها.

ب ـ طريق الخوارق الإلهيّة الاُخرى ، وهي المعجزات الثابتة المتواترة التي كانت من الآيات الباهرات والدلائل الواضحات الدالّة على صدقه وصحّة نبوّته.

فلنشرح هذين الطريقين بعونه تعالى :

__________________

(١) ميزان المطالب : (الطبعة الرابعة ص١٣٦) ، نقلها عن التوراة : (السفر الأوّل الباب١٧ الآية٢٠ ، والسفر الخامس الباب١٨ الآية١٧ ، ١٨ ، ١٩ ، والباب٣٣ الآية١ ـ ٢).

وعن انجيل برنابا : (الفصل٤٢ ، ٤٣ ، ٤٤ ، ٧٢ ، ٩٦ ، ٩٧ ، ١١٢ ، ١٦٣) فلاحظ.

٢٤٩

الطريق الأوّل : القرآن الكريم

وكفى به معجزا عظيما مدى الدهر ، ودليلاً على نبوّة الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كلّ عصر.

قال الشيخ الصدوق : «إعتقادنا في القرآن أنّه كلام اللّه ، ووحيه وتنزيله ، وقوله ، وكتابه.

وأنّه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

وأنّه القصص الحقّ ، وأنّه قول فصل ، وما هو بالهزل.

وأنّ اللّه تعالى مُحدثه ، ومنزله ، وحافظه ، وربّه» (١).

وإعجاز القرآن ثبت لكلّ العلماء وجميع العقلاء وكافّة البشرية جمعاء ، في كلّ زمان ومكان وبكلّ لغة للإنسان.

فالقرآن الكريم تحدّى العرب العرباء ومصاقع الخطباء ، وقَرَع بالعجز أهل البلاغة والفصاحة على أن يأتوا بمثله ، بل بعشر سور مثله ، بل إتيان سورة واحدة مثله ، فلم يستطيعوا إلى ذلك سبيلاً ولن يستطيعوا على الإتيان به أبدا إلى زماننا هذا والأزمنة الآتية تلوا ، بالرغم من أنّ جزيرة العرب وبلدانهم كانت مملوءةً بالفصحاء ومشحونة بالبلغاء وواجدةً لأرفع الشعراء ، ممّن امتاز بالكلمات المليحة ، والأشعار الفصيحة إلى حدّ إنشاد الأشعار المعلّقة والخطب البليغة.

وبالرغم من ذلك عجزوا عن الإتيان بمثله ، وهم الآن ناكصون عن معارضته ومعترفون بالعجز عن مماثلته ، كما أخبر به مُنزله الكريم في آيات الذكر الحكيم :

١ ـ قال عزّ اسمه : (قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الاْءِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا

__________________

(١) إعتقادات الصدوق : (ص٨٣).

٢٥٠

الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرا) (١).

٢ ـ وقال تبارك وتعالى : (قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنْ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللّه إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ) (٢).

٣ ـ وقال تعالى شأنه : (وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ...) (٣).

ومع توفّر دواعيهم وكثرة مساعيهم على المعارضة ، عجزوا عن الإتيان بمثله واعترفوا بعدم إمكان معارضته ، كما تلاحظه في الحديث التالي :

روي أنّ ابن أبي العوجاء وثلاثة نفر من الدهرية اتّفقوا على أن يعارض كلّ واحد منهم ربع القرآن. وكانوا بمكّة عاهدوا على أن يجيؤوا بمعارضته في العام القابل ، فلمّا حال الحول واجتمعوا في مقام إبراهيم عليه‌السلام قال أحدهم : إنّي لمّا رأيت قوله : (وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ) (٤) كففت عن المعارضة ، وقال الآخر : وكذا أنا لمّا وجدت قوله : (فَلَمَّا اسْتَيْئَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيّا) (٥) أيست من المعارضة ، وكانوا يسرّون بذلك إذ مرّ عليهم الصادق عليه‌السلام فالتفت إليهم وقرأ عليهم : (قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الاْءِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ) (٦) فبهتوا (٧).

__________________

(١) سورة الإسراء : (الآية ٨٨).

(٢) سورة هود : (الآية ١٣).

(٣) سورة البقرة : (الآية ٢٣).

(٤) سورة هود : (الآية ٤٤).

(٥) سورة يوسف : (الآية ٨٠).

(٦) سورة الإسراء : (الآية ٨٨).

(٧) بحار الأنوار : (ج٩٢ ص ب١ ح١٥).

٢٥١

وقد تمّت الحجّة وثبتت المحجّة في الإعجاز على غير العرب أيضا بألفاظ القرآن الكريم من حيث نقل لهم إعجاز القرآن في ألفاظه تواترا ، مضافا إلى أنّه ثبت الإعجاز في معاني القرآن الحكيم أيضا في ترجمته عيانا ، بما اشتمل عليه من عوالي المعاني ورفيع المباني ، وإخباراته الغيبيّة ومداليله الزكيّة.

ومن لم يقبل الإسلام بعده فإنّما أنكره لعنادٍ فيه ، وعصبيّة منه ، وقد جحدوا بها وإستيقنتها أنفسهم.

ولذلك عدل المعاندون والمشركون إلى الحرب والمشاقّة مع النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين أبوا من قبول الحقّ منه.

ونفس حربهم كان دليلاً على عجزهم ، وإلاّ فالإنسان لا يختار في المقابلة مع خصمه الطريق الأصعب مع وجود الطريق الأسهل الأرغب.

ولو كان يسعهم ويمكنهم مماثلة القرآن والإتيان بسورة مثله ، لكانوا يقابلوه بالقرآن المماثل بدل أن يختاروا الحرب القاتل الذي أفناهم وأخزاهم ، وقد ظهر الحقّ على كلّ حال والحمد للّه.

وحين ثبت العجز في جميع القرون الطويلة بعد التحدّي الواضح المبين ثبت أنّه ليس كلام الآدميّين والمخلوقين ، بل هو كلام اللّه تعالى ، وإعجاز نبيّه ، وتنزيل اللّه الخالق العظيم الذي أنزله على وليّه ..

وثبوت نبوّة نبيّه ورسوله يكون بنصّ كلام خالقه ومُنزله.

فقد شهد القرآن صريحا برسالته ونصّ على نبوّته ودلّ على خاتميته في آيات عديدة من الذكر الحكيم مثل :

١ ـ قوله تعالى : (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللّه وَخَاتَمَ

٢٥٢

النَّبِيِّينَ) (١).

٢ ـ قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدا وَمُبَشِّرا وَنَذِيرا وَدَاعِيا إِلَى اللّه بِإِذْنِهِ وَسِرَاجا مُنِيرا) (٢).

٣ ـ قوله تعالى : «مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللّه وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ...» (٣).

هذا ، والإعجاز القرآني باقٍ ببقاء الدهور وخالد على مرّ العصور ..

كما يستفاد خلوده مضافا إلى الحسّ الوجداني من الدليل الروائي بل القرآني.

فمن الكتاب الكريم :

نفي الإستقبال المفيد للإستمرار في قوله تعالى : (لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرا) (٤) بل اللام في (لئن) في أوّل الآية موطّئة للقسم ودالّة عليه ، والتقدير : فواللّه لا يأتون بمثله .. كما أفاده المفسّرون.

ومن الروايات الشريفة :

أحاديث عديدة مثل :

١ ـ ما رواه محمّد بن موسى الرازي ، عن أبيه قال : ذكر الرضا عليه‌السلام يوما

__________________

(١) سورة الأحزاب : (الآية ٤٠).

(٢) سورة الأحزاب : (الآيتان ٤٥ و ٤٦).

(٣) سورة الفتح : (الآية ٢٩).

(٤) سورة الإسراء : (الآية ٨٨).

٢٥٣

القرآن فعظّم الحجّة فيه والآية المعجزة في نظمه ، فقال :

«هو حبل اللّه المتين ، وعروته الوثقى ، وطريقته المثلى ، المؤدّي إلى الجنّة ، والمنجي من النار ، لا يخلق من الأزمنة ، ولا يغثّ على الألسنة ، لأنّه لم يجعل لزمان دون زمان ، بل جعل دليل البرهان ، وحجّة على كلّ إنسان ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ، ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد» (١).

٢ ـ حديث إبراهيم بن العبّاس عن الإمام الرضا ، عن أبيه عليهما‌السلام أنّ رجلاً سأل أبا عبداللّه عليه‌السلام:ما بال القرآن لا يزداد على النشر والدرس إلاّ غضاضة؟ فقال :

«لأنّ اللّه تبارك وتعالى لم يجعله لزمان دون زمان ، ولا لناس دون ناس ، فهو في كلّ زمان جديد ، وعند كلّ قوم غضّ إلى يوم القيامة» (٢).

ثمّ إنّ إعجاز القرآن الكريم محقّق من جهات عديدة كثيرة ، نذكر منها عشرة كاملة وهي :

الاُولى : إنّ القرآن الكريم معجزٌ من حيث إختصاصه بمرتبة عليا في الفصاحة والبلاغة خارقة للعادة ، لا يمكن لأحد من البشر أن يأتي بمثلها ، أو أن يدانيها.

الثانية : من حيث كونه مركّبا من نفس الحروف الهجائية التي يَقْدر على تأليفها كلّ أحد ، ومع ذلك عجز الخلق عن تركيب مثله بهذا التركيب العجيب والنمط الغريب.

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٩٢ ص١٤ ب١ ح٦).

(٢) بحار الأنوار : (ج٩٢ ص١٥ ب١ ح٨).

٢٥٤

الثالثة : من حيث إمتيازه عن غيره من الكلام العربي بإمتياز مليح ، فإنّ أيّ كلام في هذه اللغة مهما كان فصيحا وبليغا إذا زيّن بالقرآن الكريم ، تجد القرآن ممتازا عنه ، متفوّقا عليه.

الرابعة : من حيث اتّصافه بنظم فريد ، واُسلوب وحيد ، غير معهود في جميع الأزمنة لا شعرا ولا نثرا ، لذلك نسبه اُدباء الكفّار إلى السحر وذلك لأخذه بمجامع القلوب ، واتّصافه بالجاذبية الخاصّة.

الخامسة : من حيث إنّه مع طوله ووفرة آياته ، وكثرة سوره ، خالٍ عن الإختلال والتناقض والتهافت (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللّه لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافا كَثِيرا) (١).

فلا تجد فيه كلمة خالية عن الفصاحة ، ولا آية مخالفة لآية اُخرى ، بل جميعه موصوف بغاية الجودة ، ومتّصف بما لم تجر بمثله العادة.

السادسة : من حيث إشتمال القرآن الكريم على أحسن الآداب ، وأمتن الحِكَم وأكمل المواعظ ، وأصوب القوانين ، وأتمّ الأحكام في العبادات والمعاملات والمعاشرات ، في اُمور الحياة في الاُسره والإجتماع ، وفي جميع الحدود والأقضية في السفر والحضر ، والأمن والخوف ، والحرب والسلم ، والعُسرة والغلبة ، وكلّ ما يحتاجه الإنسان في اُصوله وفروعه ، بشكل ليس فيها أدنى خلل ، ولا يحتاج إلى أقلّ تصحيح ، علما بأنّ ما كان فيه من النسخ فهو مفيد لموقّتيّة الحكم المنسوخ لا تصحيحا لأصل الحكم.

فجعل اللّه تعالى هذا القرآن مشتملاً على كلّ ما يحتاج إليه الاُمم ، وهاديا إلى التي هي أقوم ، كما جعل بيانه وتبيانه عند مهابط وحيه وخزّان علمه ،

__________________

(١) سورة النساء : (الآية ٨٢).

٢٥٥

وترجمانه في خلقه النبي الأمين وآله الطاهرين صلوات اللّه وسلامه عليهم أجمعين.

السابعة : من حيث ما تضمّنه من الأخبار والآثار في قضايا الاُمم السالفة ، وخفايا القصص الماضية ، ودقائق القرون الخالية ، مثل نبأ النبي آدم ومسائل نوح واُمور إبراهيم وقصّة أصحاب الكهف وقضايا موسى وأسرار الخضر ومسائل ذي القرنين وحياة يوسف عليهم‌السلام ممّا لم يطّلع عليها أحد إلاّ خواصّ الأحبار والرهبان الذين لم يكن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معاشرا معهم ، بل كان بعيدا عن مخالطتهم.

فكتاب كهذا من هذا النبي الكريم الذي لم يتعلّم عند أحد ، يكشف قطعا عن كونه من اللّه بجميع الاُمور.

علما بأنّ ما بيّنه النبي ، من أخبار القرآن لم يكن إقتباسا من كتبهم ، بل نقلاً لحقيقة الأمر ، وواقعه الموجود عندهم ، وإلاّ لكانوا يرمونه بالسرقة من كتبهم وهم غير آبين عن توجيه التهمة فكيف بافشاء العائبة.

الثامنة : من حيث إشتماله على الإخبار عن ضمائر المنافقين ، وبواطن الكافرين ونوايا المشركين الخفيّة التي لم يطلع عليها أحد .. حتّى أنّهم كانوا يحذرون من أن تنزل فيهم آية تفضحهم وتكشف نواياهم.

بل أخبر عن الاُمور المستقبلة والحوادث المقبلة ، والغيب الصادق ، والنبأ المطابق ، ممّا لم يطّلع عليه إلاّ علاّم الغيوب ، مع كمال المطابقة والصدق ، كما في قوله تعالى : (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) (١) وقوله تعالى : (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللّه آمِنِينَ) (٢) وقوله تعالى : (وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ)

__________________

(١) سورة القمر : (الآية ٤٥).

(٢) سورة الفتح : (الآية ٢٧).

(٣) سورة الروم : (الآية ٣).

٢٥٦

وقوله عزّ اسمه : (وَاللّه يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ) (١) وقوله عزّ شأنه : (لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرا) (٢) وقوله تعالى : (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الاْءَبْتَرُ) (٣) وغير ذلك من الآيات الكثيرة.

هذا ، مضافا إلى إخباراته عن الاُمور العلميّة التي لم تنكشف إلاّ في الآونة الأخيرة والقرون المتأخّرة ممّا كانت آنذاك غيبا لم يطّلع عليها أحد ، وهي كثيرة تجدها في الكتب المؤلّفة لبيانها.

التاسعة : من حيث خواصّه المعنوية ، وخصائصه الذاتيّة ، وشفائه للأرواح ، وعلاجه للأجسام ، وإطمئنانه للقلوب ، وبركاته في النفوس.

العاشرة : من حيث طراوته وحلاوته وعدم الملل منه عند تلاوته وقراءته مهما زادت وتكرّرت.

ولا يخلق على طول الأزمان ، ولا يبلى في طول الدهر ، بل يستفاد منه في كلّ قراءة جديدة ، نكتة جديدة.

فهو كلام اللّه البالغ ، وحكمه الساطع ، وهو نور لا يطفأ ، وسراج لا يخبو ، كما تلاحظه في خطبة أمير المؤمنين عليه‌السلام في نهج البلاغة (٤).

__________________

(١) سورة المائدة : (الآية ٦٧).

(٢) سورة الإسراء : (الآية ٨٨).

(٣) سورة الكوثر : (الآية ٣).

(٤) نهج البلاغة : (ص٢٠٢ رقم الخطبة١٩٣ من الطبعة المصرية).

٢٥٧

الطريق الثاني : الخوارق الإلهية الاُخرى ...

وهي الخوارق الإلهية والمعجزات الربّانية ، الجارية على يد النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ممّا كانت في أفعاله وأقواله وشمائله وأحواله ونعوته وأوصافه وشخصيّته وشأنه وما كان يختصّ به منذ بداية ولادته إلى نهاية شهادته.

وقد كانت شاهدة على حقيقة نبوّته ، وصدق مبعوثيّته ، ومصدّقةً لرسالته ، وكاشفةً عن اتّصاله بالقوّة الإلهيّة والتأييدات السماوية.

وقد ذكر الشيخ الجليل ابن شهر آشوب السروي المازندراني في المناقب : «أنّه كانت له أربعة آلاف وأربعمائة وأربع وأربعون معجزة ، ذكرت منها ثلاثة آلاف ، والمشهور منها التي ذكرها المؤرخّون ألف معجزة ، وقد تواتر منها الكثير الوفير» (١).

وقد اُحصيت هذه المعجزات الشريفة في مدينة المعاجز للسيّد البحراني ، والجزء السابع عشر من البحار للعلاّمة المجلسي ، والمجلّد الأوّل من إثبات الهداة للمحدّث الحرّ العاملي ، ناقلاً إيّاها من ثمانية وخمسين كتابا ، والمجلّد الأوّل من كشف الغمّة للشيخ الإربلي ، وباب النبوّة الخاصّة من حقّ اليقين للسيّد الشبّر.

وقد ذكرت الأحاديث المتظافره شرح معجزاته الكريمة وبيان مختصّاته العظيمة ، نشير إلى بعضها ، والتفسير والتفصيل في محلّها ممّا تقدّم ذكرها آنفا ، علما بأنّ كثيرا ممّا نذكرها من المتواترات ...

وسنبيّن إن شاء اللّه تعالى ما ذكر منها في القرآن الكريم وكلام ربّ العالمين الذي لا يأتيه الباطل أبدا.

فمن المعجزات ما ظهر حين ولادته ، وظهور نوره المبارك ، حيث ولد حينما ولد

__________________

(١) مناقب ابن شهر آشوب : (ج١ ص١٠٦ ـ ١٤٤ باب معجزات رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم).

٢٥٨

طاهرا من الدم ، نقيّا من القذارات ، ساقطا على رجليه ، ساجدا إلى الكعبة ، ثمّ رفع رأسه الشريف إلى السماء شاهدا بتوحيد اللّه ، ونبوّة نفسه ، فأضاء بنوره المشرق والمغرب.

فنوديت اُمّه المعظّمة سيّدتنا آمنة بنت وهب : «وَلَدتِ خير الناس فسمّيه محمّدا» صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ومُنعت الشياطين ليلة ولادته من الصعود إلى السماء.

وبطل عمل الكهانة وسحر السحرة.

وانكبّ كلّ صنم في العالم على وجهه.

وانفطر سقف ايوان كسرى مع نهاية إستحكامه ، وأثره باقٍ إلى اليوم.

وجفّ بحر ساوه الذي كان يُعبد فانقلب ملحا.

وخمدت نيران فارس التي لم تنطفئ منذ ألف سنة.

ونُكس سرير كلّ سلطان ، وخرسوا ولم يقدروا على الكلام في ذلك اليوم.

وظهر نور ساطع من طرف الحجاز وانتشر في العالم.

وجرى الماء في نهر سماوة وكان يابسا منذ أعوام كثيرة فكان بركةً للناس.

ومن ذلك ما كان في بدنه المبارك من المعجزات الباهرات والآيات الكريمات : فقد كان جبينه الشريف يضيء كالقمر المنير.

وكان يرفع يديه في بعض الأحيان فتضيء أصابعه كالشموع.

وكان عَرَقه الشريف أطيب عطر وله أزكى رائحة.

وكان إذا قام في إشراق الشمس أو القمر لم يظهر له ظلّ.

وكان إذا مشى مع أحد لم يظهر لأحد عليه علوّ قامة.

وكانت الطيور لا تعلوه ولا تطير على رأسه.

٢٥٩

وكان لا يقع على بدنه الشريف بَقّ ولا ذباب.

وكان حين النوم غير معطّل الحواسّ ، بل نومه ويقظته سواء.

وكان خاتم النبوّة منقوشا على كتفه الشريفة ، له ضوء ونور ، كلّما أبداه علا نوره.

وكان في لحيته الشريفة سبعة عشرة شعرة بيضاء تلمع كالشمس.

وكان له مع حسن أخلاقه وبشاشته وتواضعه ومحبوبيته ، مهابة عظيمة في القلوب ، وأثرخاصّ في النفوس بحيث لم يقدر أحد من إمعان النظر في وجهه المنير.

ومن ذلك ما أجرى اللّه من المعجزات على يديه ، كرّات ومرّات في حياته فشقّ اللّه له القمر حينما سألته قريش آية.

وسُخّر له الشمس في التوقّف عن الغروب مرّةً ، والطلوع بعد الغروب مرّة اُخرى.

وأطعم النَفَر الكثير من طعام قليل في منزل جابر ، ودار أبي طلحة.

ونَبَع الماء من بين أصابعه فشرب أهل العسكر كلّهم وهم عطاشى.

وتوضّأ من قدح صغير ضاق أن يبسط فيه يده ، ثمّ أهرق في عين تبوك ولم يكن فيها ماء فجرت بماء كثير شرب منه الجيش وهم اُلوف.

وأهرق ماء وضوئه مرّة اُخرى في بئر الحديبية فجاشت بالماء وشرب منها ألف وخمس مئة.

وكان في إجتماعه مرّةً كومة (١) تمرّ فأمر أن يزوّدوا منها أربع مئة راكب فزوّدوهم وبقي بحسبه لم ينقص منه شيء.

ورمى جمعا من الأعداء يوم بدر بقبضة تراب فعميت عيونهم.

__________________

(١) الكومة بضمّ الكاف هي القطعة والمجموعة من الشيء.

٢٦٠