العقائد الحقّة

السيد علي الحسيني الصدر

العقائد الحقّة

المؤلف:

السيد علي الحسيني الصدر


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الغدير
المطبعة: سرور
الطبعة: ١
ISBN: 964-8485-25-1
الصفحات: ٦٦٧

كما أفاده في حقّ اليقين (١).

السادسة : إنّ صفاته المقدّسة الذاتية كالعلم والقدرة ليست زائدة على ذاته

كما زعمته الأشاعرة ، بل هي عين ذاته الشريفة كما دلّت عليه الأدلّة الشرعية ، والبراهين العقلية مثل :

ألف) الأحاديث المتظافرة التي تلاحظها في كتاب التوحيد ولنذكر نبذة منها فيما يلي

١ ـ حديث أبي بصير ، قال سمعت أبا عبداللّه عليه‌السلام يقول :

«لم يزل اللّه جلّ وعزّ ربّنا والعلم ذاته ولا معلوم ، والسمع ذاته ولا مسموع ، والبصر ذاته ولا مبصَر ، والقدرة ذاته ولا مقدور ، فلمّا أحدث الأشياء وكان المعلوم وقع العلم منه على المعلوم ، والسمع على المسموع ، والبصر على المبصَر ، والقدرة على المقدور ، قال : قلت : فلم يزل اللّه متكلّما؟ قال : إنّ الكلام صفة محدثة ليست بأزلية ، كان اللّه عزوجل ولا متكلّم» (٢).

٢ ـ حديث حمّاد بن عيسى ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه‌السلام فقلت :

«لم يزل اللّه يعلم؟ قال : أنّى يكون يعلم ولا معلوم ، قال : قلت : فلم يزل اللّه يسمع؟ قال : أنّى يكون ذلك ولا مسموع ، قال : قلت : فلم يزل يبصر؟ قال : أنّى يكون ذلك ولا مبصر ، قال : ثمّ قال : لم يزل اللّه عليما

__________________

(١) حقّ اليقين : (ج١ ص٣٧).

(٢) التوحيد للصدوق : (ص١٣٩ ب١١ ح١) ، ولعلّ الأصل فيه : ولا تكلّم.

١٨١

سميعا بصيرا ، ذات علامة سميعة بصيرة» (١).

٣ ـ حديث الحسين بن خالد ، قال : سمعت الرضا علي بن موسى عليهما‌السلام يقول :

«لم يزل اللّه تبارك وتعالى عليما قادرا حيّا قديما سميعا بصيرا ، فقلت له : يابن رسول اللّه! إنّ قوما يقولون : إنّه عزوجل لم يزل عالما بعلم ، وقادرا بقدرة ، وحيّا بحياة ، وقديما بقدم ، وسميعا بسمع ، وبصيرا ببصر. فقال عليه‌السلام : من قال ذلك ودان به فقد اتّخذ مع اللّه آلهة اُخرى ، وليس من ولايتنا على شيء.

ثمّ قال عليه‌السلام : لم يزل اللّه عزوجل عليما قادرا حيّا قديما سميعا بصيرا لذاته ، تعالى عمّا يقول المشركون والمشبّهون علوّا كبيرا» (٢).

ب) الحكم العقلي الجزمي بكون صفاته عين ذاته وخلاصة تقريره كما يلي :

إنّه لو كانت تلك الصفات زائدة على الذات لكانت أحد إثنين : إمّا قديمة وإمّا حادثة ، وكلاهما محالٌ.

أمّا إستحالة الأوّل ؛ فلأنّه يستلزم تعدّد القدماء ، وهو باطل مخالف للعقل بواسطة لزومه التسلسل ، ومخالف للإجماع أيضا ، ولهذا كفرت النصارى بقولهم بِقِدَم الأقانيم (٣).

__________________

(١) التوحيد للصدوق : (ص١٣٩ ب١١ ح٢).

(٢) التوحيد للصدوق : (ص١٤٠ ب١١ ح٣).

(٣) الأقانيم : جمع أقنوم وهو لفظ سرياني بمعنى الأصل ، كما في مجمع البحرين : (ص٥٣ مادّة ـ قنم ـ).

١٨٢

وأمّا إستحالة الثاني : فلأنّه يلزم منه كون اللّه تعالى محلاً للحوادث ، وهو باطل قطعا كما ثبت قبلاً (١).

فيستحيل بحكم العقل زيادة الصفات على الذات ، فيحكم العقل والعقلاء بكون تلك الصفات الذاتية عين ذاته القدسية.

السابعة : أنّه تعالى ليس بمحتاج إلى شيء ، لا في ذاته

ولا في صفاته بل هو الغني المغني

ومعنى الغِنى هو عدم الحاجة والإحتياج ، ولذا ذكر في الصفات السلبية.

ومعنى كونه غنيّا غير محتاج ، هو أنّه الغني بنفسه عن غيره وعن الإستعانة بالآلات والأدوات وغيرها ، كما فسّره الشيخ الصدوق (٢).

وهو الذي استغنى عن الخلق وهم إليه محتاجون ، فلا تعلّق له بغيره لا في ذاته ولا في شيء من صفاته ، بل هو منزّه عن العلاقة كما فسّره الشيخ الكفعمي (٣).

وهو الغني الذي لا يحتاج إلى أحد والكلّ محتاج إليه ، وهو الغني مطلقا لا يشاركه فيه غيره ، كما فسّره الشيخ الطريحي (٤).

وحاصل المعنى في هذه الصفة ، استغناؤه الذاتي المطلق وعدم إحتياجه إلى شيء ، وقد دلّ على غناه الكتاب والسنّة والعقل بالبيان التالي :

__________________

(١) إرشاد الطالبين للفاضل المقداد : (ص٢٢٣).

(٢) التوحيد : (ص٢٨٦).

(٣) المصباح : (ص٣٢٥).

(٤) مجمع البحرين : (ص٦٧ مادّة ـ غني ـ).

١٨٣

١ ـ دليل الكتاب :

في آيات كثيرة منها قوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللّه غَنِىٌّ حَمِيدٌ) (١).

٢ ـ دليل السنّة المباركة :

في أحاديث متعدّدة نظير أسماء اللّه الحسنى التي منها (الغنيّ) في حديث الإمام الصادق عليه‌السلام الذي تقدّم عن التوحيد (٢).

٣ ـ دليل العقل في حكمه بغنى اللّه تبارك وتعالى بوجوه عديدة :

الأوّل : أنّ الحاجة مختصّة بمن يجوز عليه الضرر والنفع ، واللّه سبحانه لا يصحّ عليه الضرر ولا النفع ، فلا تقع عليه الحاجة .. وإذا استحالت الحاجة ثبت كونه غنيّا كما إستدلّ به أبو الصلاح الحلبي (٣).

الثاني : أنّ الحاجة إمّا أن تكون في الذات أو في الصفات ، وكلا القسمان باطلان في حقّه تعالى لوجوب وجوده فلا يكون فيه نقص ، ولا يفتقر إلى غيره فهو الغني بذاته ، كما إستدلّ به العلاّمة الحلّي (٤).

الثالث : أنّه قد ثبت قِدَمه عزّ اسمه بالبراهين القطعية ، والقديم هو الذي يتقدّم على الكلّ فيكون غنيّا عن الكلّ كما إستدلّ به السيّد الشبّر (٥).

__________________

(١) سورة البقرة : (الآية ٢٦٧).

(٢) التوحيد : (ص١٩٤ ب٢٩ ح٨).

(٣) تقريب المعارف : (ص٨٧).

(٤) نهج المسترشدين : (ص٤٧).

(٥) حقّ اليقين : (ج١ ص٣٧).

١٨٤

الثامنة : أنّه تعالى لا يحلّ في غيره ، ولا يتّحد مع غيره

كما زعمته بعض الفرق الضالّة ، وعبّروا عنه بالحلول والإتّحاد.

فهما باطلان شرعا ، لما تقدّم من أحاديث تنزّه الخالق عن ذلك ، نظير حديث أبي المغرا عن أبي عبداللّه عليه‌السلام :

«إنّ اللّه تعالى خلوٌ من خَلقه وخلقه خلوٌ منه» (١).

وكذلك هما باطلان عقلاً لما يلي :

أمّا بطلان الحلول فلوجوه هي :

أوّلاً : لأنّ الحال يحتاج إلى محلٍّ يحلّ فيه ، والإحتياج من خواصّ الممكن ، وأمّا الواجب فهو أجلّ من الإحتياج فلا يمكن فيه الحلول.

ثانيا : إنّ الحلول في مكان يستلزم الخلوّ من مكان آخر ، واللّه تعالى موجود في كلّ مكان ومحيط بكلّ شيء.

ثالثا : إنّ حلول شيء في شيء ملازم للجسمية ، واللّه سبحانه منزّه عن الجسمية (٢).

وأمّا بطلان الإتّحاد فلوجهين :

الأوّل : قضاء الضرورة والوجدان والبداهة ، ببطلان الإتّحاد ، وإدراك المغايرة بين الخالق وبين المخلوق ، وكلّ يعرف أنّه غير ربّه ، كما بيّنه العلاّمة أعلى اللّه مقامه (٣).

الثاني : أنّه مع فرض الإتّحاد ، فالمتّحدان بعد اتّحادهما إن بقيا

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٣ ص٣٢٢ ب١٤ ح١٨).

(٢) حقّ اليقين : (ج١ ص٣٨).

(٣) نهج المسترشدين : (ص٤٧).

١٨٥

موجودين فهما إثنان لا واحد ، وإن صارا معدومين وصارا وجها ثالثا فلا إتّحاد في البين ، بل هو إعدام شيء وإيجاد شيء آخر ، وإن عدم أحدهما وبقي الآخر لم يتحقّق اتّحاد لأنّ المعدوم لا يتّحد مع الموجود ، كما بيّنه الفاضل المقداد (١).

فالإتّحاد محال في نفسه ، فكيف يمكن إثباته في الخالق؟

فيبطل ما إدّعاه النصارى في حقّه تعالى اتّحاد الأقانيم الثلاثة : الأب والإبن وروح القدس ، واتّحاد ناسوت المسيح باللاهوت (٢).

كما يبطل ما ادّعته جماعة من المتصوّفة ، من الإتّحاد وأنّه إذا وصل العارف نهاية مراتبه انتفت هويّته ، وصار الموجود هو اللّه تعالى وحده وسُمّي هذه المرتبة عندهم بالفناء في التوحيد.

وقد ردّ عليهم ابن سينا في أكثر كتبه كما يستفاد من الإرشاد (٣).

كما وأنّ العلاّمة المجلسي جعل الإعتقاد بأي واحد من الحلول والإتّحاد من الكفر ، كما تلاحظه في كتاب الإعتقادات (٤).

كما وأنّ السيّد الفقيه الطباطبائي في العروة الوثقى (٥) حكم بنجاسة القائلين بوحدة الوجود من الصوفية مع العلم بالتزامهم بلوازم مذاهبهم من المفاسد ، وقرّره الفقهاء المحشّون على العروة.

هذا تمام الكلام في بحث التوحيد ، والحمد للّه الربّ المجيد.

__________________

(١) إرشاد الطالبين : (ص٢٣٨).

(٢) يعبّرون باللاهوت عن الاُلوهية ، وبالناسوت عن الطبيعة البشرية كما في الرائد : (ص١٢٧٠ و ١٤٦٧).

(٣) إرشاد الطالبين : (ص٢٣٨).

(٤) إعتقادات العلاّمة المجلسي : (ص٢٦).

(٥) العروة الوثقى : (الثامن من النجاسات المسألة٢).

١٨٦

العـدل

سبق منّا الوعد بذكر العدل الذي هو من أسماء اللّه الحسنى ومن صفاته العليا ، والذي يعتبر الإعتقاد به من اُصول المذهب والدين ، ومن دعائم شريعة سيّد المرسلين صلوات اللّه عليه وآله الطاهرين.

وعدل اللّه تعالى وإن كان من جملة صفاته الكماليّة ، إلاّ أنّه اُفرد بالذكر لكثرة مباحثه ومتعلّقاته المذكورة في المفصّلات.

والعدل في أصل اللغة نقيض الجور كما في كتاب العين (١).

قال في التوحيد : «العدل معناه الحكم بالعدل والحقّ ، وسمّي به توسّعا لأنّه مصدر ، والمراد به العادل» (٢).

وقال في المصباح : «العدل أي ذو العدل وهو مصدر أُقيم مقام الأصل ، وصف به سبحانه للمبالغة لكثرة عدله ، والعدل هو الذي لا يجور في الحكم» (٣).

وقال في المجمع : «العدل من أسمائه تعالى وهو مصدر اُقيم مقام الإسم ، وحقيقة ذو العدل هو الذي لا يميل به الهوى فيجور في الحكم ... وعند المتكلّمين

__________________

(١) العين للخليل : (ج٢ ص٣٩).

(٢) توحيد الصدوق : (ص٢٠٨).

(٣) المصباح للكفعمي : (ص٣٢٢).

١٨٧

هي العلوم المتعلّقة بتنزيه ذات الباري عن فعل القبيح والإخلال بالواجب» (١) أي الإخلال بالوجوب العقلي ، وهو الحُسن.

وأفاد في حقّ اليقين : «إنّ العدل هو إعتقاد أنّ اللّه عادل في مخلوقاته ، غير ظالم لهم ، ولا يفعل قبيحا ، ولا يخل بواجب ، ولا يجور في قضائه ولا يحيف في حكمه وابتلائه ، وله أن يثيب المطيعين ويعاقب العاصين ، ولا يكلّف الخلق ما لا يطيقون ، ولا يعاقبهم زيادةً على ما يستحقّون ، ولا يقابل مستحقّ الأجر والثواب بأليم العذاب والعقاب ، ولم يجبر عباده على الأفعال خصوصا القبيحة ويعاقبهم عليها» (٢).

وقد دلّ النقل والعقل ، كتابا وسنّةً على عدله تعالى وأنّه لا يظلم أبدا :

أمّا دليل الكتاب :

ففي أكثر من ثلاثين آية أحصاها العلاّمة المجلسي (٣) منها ما يلي :

١ ـ قوله تعالى : (ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّه لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ) (٤).

٢ ـ قوله تعالى : (إِنَّ اللّه لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُنْ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرا عَظِيما) (٥).

٣ ـ قوله تعالى : (وَلاَ نُكَلِّفُ نَفْسا إِلاَّ وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ

__________________

(١) مجمع البحرين : (ص٤٨٤).

(٢) حقّ اليقين : (ج١ ص٥٥).

(٣) بحار الأنوار : (ج٥ ص٢ الباب الأوّل من أبواب العدل).

(٤) سورة آل عمران : (الآية ١٨٢).

(٥) سورة النساء : (الآية ٤٠).

١٨٨

لاَ يُظْلَمُونَ) (١).

وأمّا دليل السنّة :

وهي المنهل العذب للحكمة والمعدن الصفو للعلم ، وقد حكمت وجعلت العدل أساسا للدين كما في حديث التوحيد (٢).

والمعارف الحقّة مركّزة على أساس العدل ، فكانت عدالة اللّه من اُصول المذهب والدين ومن صفات اللّه باليقين كما تلاحظها في الأحاديث الشريفة التالية :

١ ـ حديث سيّدنا عبدالعظيم الحسني ، عن الإمام علي بن محمّد ، عن أبيه الإمام محمّد بن علي ، عن أبيه الإمام الرضا علي بن موسى عليهم‌السلام قال :

«خرج أبو حنيفة ذات يوم من عند الصادق عليه‌السلام فاستقبله موسى بن جعفر عليه‌السلام فقال له : ياغلام! ممّن المعصية؟

فقال عليه‌السلام : لا تخلو من ثلاثة : إمّا أن تكون من اللّه عزوجل وليست منه فلا ينبغي للكريم أن يعذّب عبده بما لم يكتسبه ، وإمّا أن تكون من اللّه عزوجل ومن العبد فلا ينبغي للشريك القوي أن يظلم الشريك الضعيف ، وإمّا أن تكون من العبد وهي منه فإن عاقبه اللّه فبذنبه وإن عفا عنه فبكرمه وجودِه» (٣).

٢ ـ ما روي عن الإمام موسى بن جعفر عليهما‌السلام حين قيل له :

__________________

(١) سورة المؤمنون : (الآية ٦٢).

(٢) التوحيد : (ص٩٦ ب٥ ح١).

(٣) بحار الأنوار : (ج٥ ص٤ ب١ ح٢).

١٨٩

«أيكون العبد مستطيعا؟

قال : نعم بعد أربع خصال : أن يكون مخلّى السرب ، صحيح الجسم ، سليم الجوارح ، له سبب وارد من اللّه عزوجل ، فإذا تمّت هذه فهو مستطيع.

فقيل له : مثل أي شيء؟

فقال : يكون الرجل مخلّى السرب ، صحيح الجسم ، سليم الجوارح لا يقدر أن يزني إلاّ أن يرى امرأة فإذا وجد المرأة فإمّا أن يعصم فيمتنع كما امتنع يوسف ، وإمّا أن يخلي بينه وبينها فيزني وهو زانٍ ولم يطع اللّه بإكراه ، ولم يعص بغلبة» (١).

٣ ـ حديث العقائد أنّه قال أبو جعفر عليه‌السلام :

«في التوراة مكتوب مسطور : ياموسى! إنّي خلقتك واصطفيتك وقوّيتك وأمرتك بطاعتي ، ونهيتك عن معصيتي ، فإن أطعتني أعنتك على طاعتي ، وإن عصيتني لم أعنك على معصيتي ، ولي المنّة عليك في طاعتك ، ولي الحجّة عليك في معصيتك» (٢).

٤ ـ حديث حريز ، عن أبي عبداللّه عليه‌السلام قال :

«الناس في القَدَر على ثلاثة أوجه : رجل زعم أنّ اللّه عزوجل أجبر الناس على المعاصي فهذا قد ظلم اللّه عزوجل في حكمه وهو كافر ، ورجل يزعم أنّ الأمر مفوّض إليهم فهذا وهن اللّه في سلطانه فهو كافر ، ورجل يقول : إنّ اللّه عزوجل كلّف العباد ما يطيقون ، ولم يكلّفهم ما لا

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٥ ص٨ ب١ ح١٠).

(٢) بحار الأنوار : (ج٥ ص٩ ب١ ح١٢).

١٩٠

يطيقون ، فإذا أحسن حمد اللّه ، وإذا أساء استغفر اللّه فهذا مسلم بالغ» (١).

٥ ـ حديث إبراهيم بن أبي محمود قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن قول اللّه عزوجل : (وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَ يُبْصِرُونَ) (٢)؟

فقال :

«إنّ اللّه تبارك وتعالى لا يوصف بالترك كما يوصف خلقه ، ولكنّه متى علم أنّهم لا يرجعون عن الكفر والضلال منعهم المعاونة واللطف ، وخلّى بينهم وبين اختيارهم.

قال : وسألته عن قول اللّه عزوجل : (خَتَمَ اللّه عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ) (٣)؟

قال : الختم هو الطبع على قلوب الكفّار عقوبة على كفرهم كما قال تعالى : (بَلْ طَبَعَ اللّه عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً) (٤).

قال : وسألته عن اللّه عزوجل هل يجبر عباده على المعاصي؟

فقال : بل يخيّرهم ويمهلهم حتّى يتوبوا.

قلت : فهل يكلّف عباده ما لا يطيقون؟ فقال : كيف يفعل ذلك وهو يقول : (وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ) (٥)؟

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٥ ص٩ ب١ ح١٤).

(٢) سورة البقرة : (الآية ١٧).

(٣) سورة البقرة : (الآية ٧).

(٤) سورة النساء : (الآية ١٥٥).

(٥) سورة فصلت : (الآية ٤٦).

١٩١

ثمّ قال عليه‌السلام : حدّثني أبي موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمّد عليهم‌السلام أنّه قال : من زعم أنّ اللّه يجبر عباده على المعاصي أو يكلّفهم ما لا يطيقون فلا تأكلوا ذبيحته ، ولا تقبلوا شهادته ، ولا تصلّوا وراءه ، ولا تعطوه من الزكاة شيئا» (١).

٦ ـ حديث يزيد بن عمير بن معاوية الشامي قال : دخلت على علي بن موسى الرضا عليه‌السلام بمرو فقلت له : يابن رسول اللّه! روي لنا عن الصادق جعفر بن محمّد عليه‌السلام أنّه قال :

«لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين ، فما معناه؟

فقال : من زعم أنّ اللّه يفعل أفعالنا ثمّ يعذّبنا عليها فقد قال : بالجبر ، ومن زعم أنّ اللّه عزوجل فوّض أمر الخلق والرزق إلى حججه عليهم‌السلام فقد قال بالتفويض ، فالقائل بالجبر كافر والقائل بالتفويض مشرك.

فقلت له : يابن رسول اللّه! فما أمر بين أمرين؟

فقال : وجود السبيل إلى إتيان ما اُمروا به وترك ما نهوا عنه. فقلت له : فهل للّه عزوجل مشيّة وإرادة في ذلك؟

فقال : أمّا الطاعات فإرادة اللّه ومشيّته فيها الأمر بها ، والرضا لها ، والمعاونة عليها ؛ وإرادته ومشيّته في المعاصي النهي عنها ، والسخط لها ، والخذلان عليها.

قلت : فللّه عزوجل فيها القضاء؟

قال : نعم ما من فعل يفعله العباد من خير وشرّ إلاّ وللّه فيه قضاء.

قلت : فما معنى هذا القضاء؟

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٥ ص١١ ب١ ح١٧).

١٩٢

قال : الحكم عليهم بما يستحقّونه على أفعالهم من الثواب والعقاب في الدنيا والآخرة» (١).

٧ ـ حديث الإمام الرضا عن آبائه ، عن الحسين بن علي عليهم‌السلام : دخل رجل من أهل العراق على أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال : أخبرنا عن خروجنا إلى أهل الشام أبقضاء من اللّه وقدر؟

فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام :

«أجل ياشيخ! فواللّه ما علوتم تلعة ولا هبطتم بطن واد إلاّ بقضاء من اللّه وقدر.

فقال الشيخ : عند اللّه أحتسب عنائي ياأمير المؤمنين!

فقال : مهلاً ياشيخ! لعلّك تظنّ قضاءا حتما وقدرا لازما ، لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب ، والأمر والنهي والزجر ، ولسقط معنى الوعد والوعيد ، ولم تكن على مسيء لائمة ، ولا لمحسن محمدة ، ولكان المحسن أولى باللائمة من المذنب ، والمذنب أولى بالإحسان من المحسن ، تلك مقالة عبدة الأوثان وخصماء الرحمن ، وقدريّة هذه الاُمّة ومجوسها ، ياشيخ! إنّ اللّه عزوجل كلّف تخييرا ، ونهى تحذيرا ، وأعطى على القليل كثيرا ، ولم يُعص مغلوبا ، ولم يُطع مكرها ، ولم يخلق السماوات والأرض وما بينهما باطلاً ، ذلك ظنّ الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار.

قال : فنهض الشيخ وهو يقول :

أنت الإمام الذي نرجو بطاعته

يوم النجاة من الرحمن غفرانا

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٥ ص١١ ب١ ح١٨).

١٩٣

أوضحت من ديننا ما كان ملتبساً

جزاك ربّك عنّا فيه إحسانا

 ...» (١) إلى آخر الأبيات.

٨ ـ حديث الجعفري ، عن الإمام أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال :

«ذكر عنده الجبر والتفويض فقال : ألا اُعطيكم في هذا أصلاً لا تختلفون فيه ولا يخاصمكم عليه أحد إلاّ كسرتموه؟

قلنا : إن رأيت ذلك.

فقال : إنّ اللّه عزوجل لم يُطع بإكراه ، ولم يُعص بغلبة ، ولم يهمل العباد في ملكه ، هو المالك لما ملّكهم ، والقادر على ما أقدرهم عليه ، فإن ائتمر العباد بطاعته لم يكن اللّه عنها صادّا ، ولا منها مانعا ، وإن ائتمروا بمعصيته فشاء أن يحول بينهم وبين ذلك فعل ، وإن لم يحل وفعلوه فليس هو الذي أدخلهم فيه.

ثمّ قال عليه‌السلام : من يضبط حدود هذا الكلام فقد خصم من خالفه» (٢).

٩ ـ حديث هشام بن الحكم قال : سأل الزنديق أبا عبداللّه عليه‌السلام فقال :

«أخبرني عن اللّه عزوجل كيف لم يخلق الخلق كلّهم مطيعين موحّدين وكان على ذلك قادرا؟

قال عليه‌السلام : لو خلقهم مطيعين لم يكن لهم ثواب لأنّ الطاعة إذا ما كانت فعلهم لم تكن جنّة ولا نار ، ولكن خلق خلقه فأمرهم بطاعته ، ونهاهم عن معصيته واحتجّ عليهم برسله ، وقطع عذرهم بكتبه ليكونوا هم الذين يطيعون ويعصون ، ويستوجبون بطاعتهم له الثواب ،

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٥ ص١٣ ب١ ح١٩).

(٢) بحار الأنوار : (ج٥ ص١٦ ب١ ح٢٢).

١٩٤

وبمعصيتهم إيّاه العقاب.

قال : فالعمل الصالح من العبد هو فعله ، والعمل الشرّ من العبد هو فعله؟

قال : العمل الصالح العبد يفعله واللّه به أمره ، والعمل الشرّ العبد يفعله واللّه عنه نهاه.

قال : أليس فعله بالآلة التي ركّبها فيه؟

قال : نعم ، ولكن بالآلة التي عمل بها الخير قدر بها على الشرّ الذي نهاه عنه.

قال : فإلى العبد من الأمر شيء؟

قال : ما نهاه اللّه عن شيء إلاّ وقد علم أنّه يطيق تركه ، ولا أمره بشيء إلاّ وقد علم أنّه يستطيع فعله لأنّه ليس من صفته الجور والعبث والظلم وتكليف العباد ما لا يطيقون.

قال : فمن خلقه اللّه كافرا يستطيع الإيمان وله عليه بتركه الإيمان حجّة؟

قال عليه‌السلام : إنّ اللّه خلق خلقه جميعا مسلمين ، أمرهم ونهاهم ، والكفر اسم يلحق الفعل حين يفعله العبد ، ولم يخلق اللّه العبد حين خلقه كافرا ، إنّه إنّما كفر من بعد أن بلغ وقتا لزمته الحجّة من اللّه فعرض عليه الحقّ فجحده ، فبإنكاره الحقّ صار كافرا.

قال : فيجوز أن يقدّر على العبد الشرّ ويأمره بالخير وهو لا يستطيع الخير أن يعمله ويعذّبه عليه؟

قال : إنّه لا يليق بعدل اللّه ورأفته أن يقدّر على العبد الشرّ ويريده

١٩٥

منه ، ثمّ يأمره بما يعلم أنّه لا يستطيع أخذه ، والإنزاع عمّا لا يقدر على تركه ، ثمّ يعذّبه على تركه أمره الذي علم أنّه لا يستطيع أخذه» (١) الخبر.

١٠ ـ حديث داود بن قبيصة قال : سمعت الرضا عليه‌السلام يقول :

«سئل أبي عليه‌السلام : هل منع اللّه عمّا أمر به؟ وهل نهى عمّا أراد؟ وهل أعان على ما لم يرد؟

فقال عليه‌السلام : أمّا ما سألت : هل منع اللّه عمّا أمر به؟ فلا يجوز ذلك ، ولو جاز ذلك لكان قد منع إبليس عن السجود لآدم ، ولو منع إبليس لعذره ولم يلعنه.

وأمّا ما سألت : هل نهى عمّا أراد؟ فلا يجوز ذلك ، ولو جاز ذلك لكان حيث نهى آدم عن أكل الشجرة أراد منه أكلها ، ولو أراد منه أكلها ما نادى عليه صبيان الكتاتيب (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى) (٢) واللّه تعالى لا يجوز عليه أن يأمر بشيء ويريد غيره.

وأمّا ما سألت عنه من قولك : هل أعان على ما لم يرد؟ فلا يجوز ذلك ، وجلّ اللّه تعالى عن أن يعين على قتل الأنبياء وتكذيبهم ، وقتل الحسين بن علي والفضلاء من ولده ، وكيف يعين على ما لم يرد وقد أعدّ جهنّم لمخالفيه ، ولعنهم على تكذيبهم لطاعته ، وإرتكابهم لمخالفته ؛ ولو جاز أن يعين على ما لم يرد لكان أعان فرعون على كفره وادّعائه أنّه ربّ العالمين! أفترى أراد اللّه من فرعون أن يدّعي

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٥ ص١٨ ب١ ح٢٩).

(٢) سورة طه : (الآية ١٢١).

١٩٦

الربوبية؟ يستتاب قائل هذا فإن تاب من كذبه على اللّه ؛ وإلاّ ضربت عنقه» (١).

١١ ـ روي أنّه دخل أبو حنيفة المدينة ومعه عبداللّه بن مسلم فقال له : ياأبا حنيفة! إنّ هاهنا جعفر بن محمّد من علماء آل محمّد عليهم‌السلام فاذهب بنا إليه نقتبس منه علما. فلمّا أتيا إذا هما بجماعة من شيعته ينتظرون خروجه أو دخولهم عليه ، فبينما هم كذلك إذ خرج غلام حدث فقام الناس هيبةً له ، فالتفت أبو حنيفة فقال : يابن مسلم! من هذا؟ قال : هذا موسى إبنه ، قال : واللّه لاُجبّهنّه بين يدي شيعته. قال : مه! لن تقدر على ذلك ، قال : واللّه لأفعلنّه.

ثمّ التفت إلى موسى عليه‌السلام فقال :

«ياغلام! أين يضع الغريب حاجته في بلدتكم هذه؟

قال : يتوارى خلف الجدار ، ويتوقّى أعين الجار ، وشطوط الأنهار ، ومسقط الثمار ، ولا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ، فحينئذ يضع حيث شاء ، ثمّ قال : ياغلام! ممّن المعصية؟

قال : ياشيخ! لا تخلو من ثلاث إمّا أن تكون من اللّه وليس من العبد شيء فليس للحكيم أن يأخذ عبده بما لم يفعله ، وإمّا أن تكون من العبد ومن اللّه ، واللّه أقوى الشريكين فليس للشريك الأكبر أن يأخذ الشريك الأصغر بذنبه ، وإمّا أن تكون من العبد وليس من اللّه شيء فإن شاء عفا وإن شاء عاقب.

قال : فأصابت أبا حنيفة سكتة كأنّما اُلقم فوه الحجر.

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٥ ص٢٥ ب١ ح٣١).

١٩٧

قال : فقلت له : ألم أقل لك لا تتعرّض لأولاد رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله؟» (١).

١٢ ـ حديث محمّد الحلبي ، عن أبي عبداللّه عليه‌السلام قال :

«ما أُمر العباد إلاّ بدون سعتهم ، فكلّ شيء أمر الناس بأخذه فهم متّسعون له ، وما لا يتّسعون له فهو موضوع عنهم ، ولكنّ الناس لا خير فيهم» (٢).

١٣ ـ حديث الهروي قال : سأل المأمون الرضا عليه‌السلام عن قول اللّه عزوجل : (الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعا) (٣)؟

فقال :

«إنّ غطاء العين لا يمنع من الذكر ، والذكر لا يرى بالعيون ، ولكنّ اللّه شبّه الكافرينَ بولاية علي بن أبي طالب عليه‌السلام بالعميان ؛ لأنّهم كانوا يستثقلون قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فيه ، وكانوا لا يستطيعون سمعا.

فقال المأمون : فرّجت عنّي فرّج اللّه عنك» (٤).

١٤ ـ حديث هشام بن سالم ، عن أبي عبداللّه عليه‌السلام قال :

«ما كلّف اللّه العباد إلاّ ما يطيقون ، وإنّما كلّفهم في اليوم والليلة خمس صلوات ، وكلّفهم من كلّ مئتي درهم خمسة دراهم ، وكلّفهم صيام شهر رمضان في السنة ، وكلّفهم حجّة واحدة وهم يطيقون

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٥ ص٢٧ ب١ ح٣٣).

(٢) بحار الأنوار : (ج٥ ص٣٦ ب١ ح٥).

(٣) سورة الكهف : (الآية ١٠١).

(٤) بحار الأنوار : (ج٥ ص٤٠ ب١ ح٦٢).

١٩٨

أكثر من ذلك ، وإنّما كلّفهم دون ما يطيقون ونحو هذا» (١).

١٥ ـ حديث محمّد بن علي المكّي بإسناده قال : إنّ رجلاً قدم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : أخبرني بأعجب شيء رأيت ، قال : رأيت قوما ينكحون اُمّهاتهم وبناتهم وأخواتهم فإذا قيل لهم : لِمَ تفعلون ذلك؟ قالوا : قضاء اللّه تعالى علينا وقدره.

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله :

«سيكون من اُمّتي أقوام يقولون مثل مقالتهم ، اُولئك مجوس اُمّتي» (٢).

١٦ ـ روي أنّ رجلاً سأل جعفر بن محمّد الصادق عليه‌السلام عن القضاء والقدر؟

فقال :

«ما استطعت أن تلوم العبد عليه فهو منه ، وما لم تستطع أن تلوم العبد عليه فهو من فعل اللّه.

يقول اللّه تعالى للعبد : لِمَ عصيت؟ لِمَ فسقت؟ لِمَ شربت الخمر؟ لِمَ زنيت؟ فهذا فعل العبد ؛ ولا يقول له : لِمَ مرضت؟ لِمَ قَصُرت؟ لِمَ ابيضضت؟ لِمَ اسوددت؟ لأنّه من فعل اللّه» (٣).

وأمّا دليل العقل على عدله تعالى :

فهو حكم العقل بالضرورة والبداهة بعدله وعدالته بالتقريب التالي :

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٥ ص٤١ ب١ ح٦٦).

(٢) بحار الأنوار : (ج٥ ص٤٧ ب١ ح٧٤).

(٣) بحار الأنوار : (ج٥ ص٥٩ ب١ ح١٠٩).

١٩٩

إنّ الظلم ، والجور ، وفعل القبيح ، وترك الحسن ، يكون ناشئا إمّا من العجز ، أو النقص ، أو الحقد ، أو البخل ، أو الحسد ، أو الجهل ، أو السفاهة ، أو الإحتياج .. وكلّها محال على اللّه تعالى لأنّه الغني بالذات ، الرؤوف في الصفات ، والعالم القدير ، والحكيم القويّ.

فهو مستغن عن الظلم ، منزّه عن القبيح ، وجليل عن النقص.

وقد ثبت في المنقول ، ودلّت العقول على عدالة اللّه تعالى في جميع أفعاله وأقواله وحكمه وصنعه ومخلوقاته كما ذهبت إليه الإمامية الحقّة.

فهو الغني عن ظلمهم والمتفضّل باللطف إليهم.

كما أنّ جميع أفعاله معلّلة بالحكمة والمصلحة وليست لعبا وعبثا حتّى تخرج عن مسلك العدل ، لأنّه هو الحكيم العليم.

على أنّ المصالح والمنافع في أفعاله راجعة إلى عباده ، وعائدة إلى خلقه فلا تقارن الظلم ، وهو المحسن الجواد ، والرحيم بالعباد ، والعادل في قضيّته وبريّته.

واعلم أنّه في قبال عدالة اللّه تعالى ، الثابتة بالبراهين الجليّة والمعلومة بالأدلّة العقلية ، خالفت الأشاعرة وتجاوزت هذه الحقيقة الهامّة ونسبت إليه إمكان فعل القبيح والظلم الصريح .. أو التكليف بما لا يطاق ، وإتيان العبث والجبر في الأفعال ، وعدم العدل في المآل .. تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا وجميع مفترياتهم هذه تعود إلى أنّه لا يقبح الظلم حتّى يتنزّه عنه اللّه تعالى ، ولا يحسن العدل حتّى يفعله اللّه عزّ اسمه ..

وهذا منهم على أساس إنكار الحسن والقبح العقلي ذاتا ، يعني إنكار أنّ للأشياء في حدّ ذاتها حسنا أو قبحا في نظر العقل .. فلا حسن إلاّ بعد أمر الشارع به ، ولا قبيح إلاّ بعد نهي الشارع عنه ، لذلك لو أمر الشارع بالظلم صار حسنا ولو

٢٠٠