العقائد الحقّة

السيد علي الحسيني الصدر

العقائد الحقّة

المؤلف:

السيد علي الحسيني الصدر


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الغدير
المطبعة: سرور
الطبعة: ١
ISBN: 964-8485-25-1
الصفحات: ٦٦٧

قائل فاعل.

قال : كيف ذلك؟

قال : كلام الخالق لمخلوق ليس ككلام المخلوق لمخلوق ، ولا يلفظ بشقّ فم ولسان ، ولكن يقول له : (كن) فكان بمشيئته ما خاطب به موسى من الأمر والنهي من غير تردّد في نفس» (١) الخبر.

٤ ـ وفي الخصال عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«أنّ اللّه ناجى موسى عليه‌السلام بمئة ألف كلمة وأربعة وعشرين ألف كلمة في ثلاثة أيّام ولياليهنّ ، ما طعم فيها موسى عليه‌السلام ولا شرب فيها ، فلمّا انصرف إلى بني إسرائيل وسمع كلامهم مقتهم لما كان وقع في مسامعه من حلاوة كلام اللّه عزوجل» (٢).

٥ ـ وفي التوحيد عن الإمام الكاظم عليه‌السلام في حديث :

«فخرج بهم إلى طور سيناء فأقامهم في سفح الجبل ، وصعد موسى إلى الطور وسأل اللّه تعالى أن يكلّمه ويُسمعهم كلامه ، فكلّمه اللّه تعالى ذكره وسمعوا كلامه من فوق وأسفل ويمين وشمال ووراء وأمام.

إنّ اللّه عزوجل أحدثه في الشجرة ثمّ جعله منبعثا منها حتّى يسمعوه من جميع الوجوه» (٣).

٦ ـ وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام :

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٤ ص١٥٢ ب٦ ح٤).

(٢) تفسير الصافي : (ج١ ص٥٢١).

(٣) تفسير الصافي : (ج١ ص٥٢٢).

١٦١

«كلّم اللّه موسى تكليما بلا جوارح وأدوات وشفة ولا لَهَوات ، سبحانه وتعالى عن الصفات» (١).

٧ ـ في حديث إحتجاج اليهود مع رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«... قالت اليهود : موسى خير منك. قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ولِمَ؟

قالوا : لأنّ اللّه عزوجل كلّمه بأربعة آلاف كلمة ولم يكلّمك بشيء.

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : لقد اُعطيتُ أنا أفضل من ذلك.

قالوا : وما ذاك؟

قال : هو قوله عزوجل : (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الاْءَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) (٢) وحُملت على جناح جبرئيل حتّى انتهيت إلى السماء السابعة ، فجاوزت سدرة المنتهى عندها جنّة المأوى ، حتّى تعلّقت بساق العرش فنوديت من ساق العرش : (إنّي أنا اللّه لا إله إلاّ أنا السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبّار المتكبّر الرؤوف الرحيم) ورأيته بقلبي وما رأيته بعيني فهذا أفضل من ذلك.

قالت اليهود : صدقت يامحمّد وهو مكتوب في التوراة» (٣).

وأمّا العقل :

فلأنّ الكتب الإلهيّة والصحف السماوية والأحاديث القدسية والتكلّم

__________________

(١) نفس المصدر.

(٢) سورة الإسراء : (الآية ١).

(٣) الإحتجاج للطبرسي : (ج١ ص٥٥).

١٦٢

والمناجات مع بعض المقامات النبوية ، كرسول اللّه أو كليم اللّه ، لا تتحقّق إلاّ بخطاب اللّه وكلامه وتكلّمه ، فهذه الاُمور من اللازم البيّن فيها أن يتكلّم بها اللّه تعالى.

فيكون العقل حاكما بكونه متكلّما .. له قدرة الكلام ، بل أحدث الكلام ، ومن كماله هذا التكلّم بهذه الاُمور القدسيّة ، فتكلّمه ثابت بالأدلّة الثلاثة الصريحة.

٨) أنّه تعالى صادق

الصدق لغةً ضدّ الكذب ، ويكون أصله في القول ، فيقال : قول صدق وكلام صدق ، وصاحبه صادق.

وذكر في المفردات : «أنّ الصدق والكذب لا يكونان في القول إلاّ في الكلام الخبري دون غيره من أصناف الكلام كالإنشاء» (١).

لكن هذا غير صحيح ، فمقتضى التحقيق أنّه يطلق الصدق والكذب عرفا على الإنشاء أيضا إذا كان منبئا عن شيء إلزاما ، وكان ذلك المدلول الالتزامي مطابقا للواقع أو غير مطابق كما تلاحظه في طلب الفقير المال حيث ينبئ عن فقره فيوصف بأنّه صادق أو كاذب.

وكذلك من قال شيئا واعتقد خلافه ، فإنّه يكون كذبا ، كما أفاده في المجمع (٢) إستشهادا بقوله تعالى : (وَاللّه يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) (٣).

فيكون الصدق والكذب محقّقا نيّةً وقولاً وعملاً.

__________________

(١) المفردات للراغب : (ص٢٧٧).

(٢) مجمع البيان : (ج١٠ ص٢٩٠).

(٣) سورة المنافقون : (الآية ١).

١٦٣

وأضاف في مجمع البحرين : (إنّ الصدق يكون بالقول وغيره ، فقوله تعالى : (وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (١) معناه الذين صدقوا في دين اللّه نيّةً وعملاً وقولاً ، وكذا (صَادِقَ الْوَعْدِ) (٢) يعني إذا عمل بشيء وفى به. وقد جاء وصف الصدق في صفات اللّه العليا وأسمائه الحسنى» (٣).

قال الشيخ الصدوق : إنّ معنى كونه صادقا هو : «أنّه صادق في وعده ، ولا يبخس ثواب من يفي بعهده» (٤).

وقال الشيخ الكفعمي : «الصادق : الذي يصدق في وعده ، ولا يبخس ثواب من يفي بعهده ، والصدق خلاف الكذب» (٥).

وقد ثبتت هذه الصفة الكريمة للّه تعالى كتابا وسنّةً وعقلاً :

أمّا الكتاب : ففي مثل :

١ ـ قوله تعالى : (وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ) (٦).

٢ ـ قوله تعالى : (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللّه حَدِيثا) (٧).

٣ ـ قوله تعالى : (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللّه قِيلاً) (٨).

__________________

(١) سورة التوبة : (الآية ١١٩).

(٢) سورة مريم : (الآية ٥٤).

(٣) مجمع البحرين : (ص٤٣٧ مادّة ـ صدق ـ).

(٤) التوحيد : (ص٢٠٧).

(٥) المصباح : (ص٣٤٢).

(٦) سورة الحجر : (الآية ٦٤).

(٧) سورة النساء : (الآية ٨٧).

(٨) سورة النساء : (الآية ١٢٢).

١٦٤

وأمّا السنّة ؛ ففي أحاديث كثيرة منها :

١ ـ خطبة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، جاء فيها توصيف اللّه تعالى ، بقوله عليه‌السلام :

«الذي صدق في ميعاده ، وارتفع عن ظلم عباده» (١).

٢ ـ حديث سليمان بن مهران ، المتقدّم (٢) ، عدّ فيها «الصادق» من أسمائه الحسنى.

٣ ـ الأدعية المأثورة الشريفة ، كدعاء الجوشن الكبير ، المروي عن سيّد الساجدين عن آبائه الطاهرين ، وجاء فيه توصيف اللّه تبارك وتعالى بالصادق (٣).

وأمّا العقل :

فإنّه يقضي وبديهة العقل تحكم بقبح الكذب ، والقبيح لا يصدر من اللّه تعالى الحكيم الكامل الواجب المنزّه عن جميع القبائح والنقائص ، مع أنّه غير محتاجٍ إليه وغني عنه.

والعقل يحكم بقبح الكذب من البشر المخلوق الناقص ، فكيف بكونه من اللّه تعالى الغني الكامل؟

فهو تعالى صادق لا يكذب ولا يخلف أبدا ، وله الأسماء الحسنى وهو السميع البصير.

هذا تمام الكلام في ذكر ما تشرّفنا ببيانه من ذكر صفاته الكمالية الثبوتية.

__________________

(١) نهج البلاغة : (ص١٣٨ رقم الخطبة١٨٠ من الطبعة المصرية).

(٢) التوحيد : (ص١٩٤ ب٢٩ ح٨).

(٣) البلد الأمين : (ص٤٠٤).

١٦٥

٢ ـ الصفات السلبيّة

عرفت أنّ اللّه تعالى منزّه عن جميع صفات النقص ولوازم النقصان ، فهو الكامل الذي لا سبيل للنقص إليه ، وهو القادر الذي لا طريق للعجز فيه ، وهو الغني الذي لا حاجة إلى شيء له.

فهو عزّ شأنه أجلّ منها وأرفع من الإتّصاف بها .. وتلك هي الصفات السلبيّة التي عُبّر عنها بالجلالية ، ونذكر جملةً منها فيما يلي بعون اللّه الكريم :

الاُولى : إنّه تعالى لا شريك له ومنزّه عن الشركة

وقد تقدّم دليله من الكتاب والسنّة والعقل ، مضافا إلى الفطرة في بحث وحدانية اللّه حيث تقدّم أنّه واحد لا شريك له بالأدلّة المتقدّمة فراجع (١).

الثانية : أنّه تعالى ليس بمركّب ، ولا سبيل للتركيب إلى ذاته المقدّسة

فهو ليس ذا أجزاء خارجية ، كالمداد المتركّب من الماء والدواة ، ولا ذا أجزاء ذهنية كالإنسان المركّب من الحيوان والناطق ، وإلاّ لزم إحتياجه إلى تلك الأجزاء ، والإحتياج من صفات الممكنات لا من صفات الواجب الغني بالذات.

__________________

(١) ص٤٤ من الكتاب وبعدها.

١٦٦

فهو ليس بجسم حتّى يمكن فيه التركيب الخارجي ، ولا تحيط عقولنا به حتّى يمكن فيه التركيب الذهني.

وإستدلّ له العلاّمة أعلى اللّه مقامه ، بأنّه يستحيل أن يكون مركّبا ؛ لأنّ المركّب يحتاج إلى الأجزاء ، وهو تعالى غنيّ ، ويستحيل أن يتركّب منه غيره ؛ لأنّه يستلزم الإنفعال في وجوده وهو تعالى ذاتي الوجود.

قال قدس‌سره ما نصّه : «إنّه تعالى يستحيل أن يكون مركّبا ؛ لأنّ كلّ مركّب مفتقر إلى جزئه والجزء مغاير للكلّ فيكون ممكنا. ويستحيل أن يتركّب عنه غيره لإستحالة إنفعاله عن الغير فلا جزء له ، فلا جنس له ولا فصل له ، فلا حدّ له ولا يكون واجبا لذاته ولغيره معا ؛ لأنّ وجوبه بذاته يستدعي إستغناءه عن غيره ووجوبه لغيره يستدعي إفتقاره إليه ، فيكون واجبا مفتقرا» (١).

الثالثة : أنّه تعالى ليس بجسم

لأنّ الجسم هو ما يستلزم الأبعاد الثلاثة الطول ، والعرض ، والعمق ، وبهذا يحتاج إلى التحيّز ، وبالتحيّز يحتاج إلى المكان والمكان مخلوق ممكن ، وهذا مستحيل على اللّه تعالى لأنّه خالق المكان ، والمكان مخلوق له ومتأخّر عنه فلا يكون متحيّزا فيه.

ولا يمكن أن يكون المكان حيّزا للخالق تعالى ، لأنّه يستلزم قِدم المكان كقِدم اللّه تعالى ، وتعدّد القدماء مستحيل لقاعدة الفُرجة المتقدّمة (٢).

وعليه فلا يمكن التحيّز للّه تعالى ويستحيل عليه الجسميّة.

__________________

(١) نهج المسترشدين : (ص٤٥).

(٢) تقدّمت في الدليل العقلي الثالث من أدلّة التوحيد ووحدانيّة اللّه تعالى.

١٦٧

وباب المعرفة في نفي الجسميّة ، ومرجع الخليقة في بيان جميع الصفات التنزيهية هو باب العلم المبين أعني عترة النبي الأمين صلوات اللّه عليهم أجمعين في أحاديثهم الشافية وبياناتهم الوافية الآتية :

١ ـ حديث محمّد بن سماعة قال:سأل بعض أصحابنا الصادق عليه‌السلام فقال له :

«أخبرني أي الأعمال أفضل؟

قال : توحيدك لربّك.

قال : فما أعظم الذنوب؟ قال : تشبيهك لخالقك» (١).

٢ ـ حديث يونس بن ظبيان قال : دخلت على الصادق جعفر بن محمّد عليه‌السلام فقلت :

«يابن رسول اللّه! إنّي دخلت على مالك وأصحابه فسمعت بعضهم يقول : إنّ للّه وجها كالوجوه ، وبعضهم يقول : له يدان! واحتجّوا لذلك بقول اللّه تبارك وتعالى : (بِيَدَىَّ اسْتَكْبَرْتَ) (٢) وبعضهم يقول : هو كالشاب من أبناء ثلاثين سنة! فما عندك في هذا يابن رسول اللّه؟

قال : ـ وكان متّكئا فاستوى جالسا ـ وقال : اللهمّ عفوك عفوك.

ثمّ قال : يايونس! من زعم أنّ للّه وجها كالوجوه فقد أشرك ، ومن زعم أنّ للّه جوارح كجوارح المخلوقين فهو كافر باللّه فلا تقبلوا شهادته ولا تأكلوا ذبيحته ، تعالى اللّه عمّا يصفه المشبهون بصفة المخلوقين.

فوجه اللّه أنبياؤه ، وقوله (خَلَقْتُ بِيَدَىَّ اسْتَكْبَرْتَ) فاليد القدرة

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٣ ص٢٨٧ الباب١٣ ح١).

(٢) سورة ص : (الآية ٧٥).

١٦٨

كقوله : (وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ) (١) فمن زعم أنّ اللّه في شيء أو على شيء أو تحوّل من شيء إلى شيء أو يخلو منه شيء أو يشغل به شيء فقد وصفه بصفة المخلوقين ، واللّه خالق كلّ شيء ، لا يقاس بالقياس ولا يشبه بالناس ، لا يخلو منه مكان ، ولا يشغل به مكان ، قريب في بعده ، بعيد في قربه ، ذلك اللّه ربّنا لا إله غيره ، فمن أراد اللّه بهذه الصفة فهو من الموحّدين ، ومن أحبّه بغير هذه الصفة فاللّه منه بريء ، ونحن منه براء ...» (٢).

٣ ـ ما عن الإمام الصادق عليه‌السلام أنّه قال لهشام :

«إنّ اللّه تعالى لا يشبه شيئا ولا يشبهه شيء ، وكلّ ما وقع في الوهم فهو بخلافه» (٣).

٤ ـ ما عن الإمام العسكري عليه‌السلام انّه :

«قام رجل إلى الرضا عليه‌السلام قال له : يابن رسول اللّه صف لنا ربّك ، فانّ من قبلنا قد اختلفوا علينا فقال الرضا عليه‌السلام : إنّه من يصف ربّه بالقياس لا يزال الدهر في الإلتباس ، مائلاً عن المنهاج ، ظاعنا في الإعوجاج ، ضالاًّ عن السبيل ، قائلاً غير الجميل ، اُعرّفه بما عرّف به نفسه من غير رويّة ، وأصفه بما وصف به نفسه من غير صورة ، لا يدرك بالحواسّ ، ولا يقاس بالناس ، معروف بغير تشبيه ، ومتدان في بعده لا بنظير ، لا يمثّل بخليقته ، ولا يجور في

__________________

(١) سورة الأنفال : (الآية ٢٦).

(٢) بحار الأنوار : (ج٣ ص٢٨٧ ب١٣ ح٢).

(٣) بحار الأنوار : (ج٣ ص٢٩٠ ب١٣ ح٤).

١٦٩

قضيّته ... فهو قريب غير ملتزق ، وبعيد غير متقصّ ، يحقّق ولا يمثّل ، ويوحّد ولا يبعّض ، يعرف بالآيات ويثبت بالعلامات ، فلا إله غيره الكبير المتعال.

ثمّ قال عليه‌السلام ـ بعد كلام آخر تكلّم به ـ : حدّثني أبي ، عن أبيه ، عن جدّه عن أبيه عليهم‌السلام ، عن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال :

ما عرف اللّه من شبّهه بخلقه ، ولا وصفه بالعدل من نسب إليه ذنوب عباده» (١).

٥ ـ حديث ابن عبّاس قال : قدم يهودي على رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ يقال له : نعثل ـ فقال : يامحمّد! إنّي سائلك عن أشياء تلجلج في صدري منذ حين ، فإن أنت أجبتني عنها أسلمت على يدك.

قال :

«سل ياأبا عمارة! فقال : يامحمّد! صف لي ربّك.

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ الخالق لا يوصف إلاّ بما وصف به نفسه ، وكيف يوصف الخالق الذي يعجز الحواسّ أن تدركه ، والأوهام أن تناله ، والخطرات أن تحدّه ، والأبصار عن الإحاطة به ، جلّ عمّا يصفه الواصفون ، نأى في قربه ، وقرب في نأيه ، كيّف الكيفية فلا يقال له : كيف ، وأيّن الأين فلا يقال له : أين ، هو منقطع الكيفوفية والأينونية ، فهو الأحد الصمد كما وصف نفسه ، والواصفون لا يبلغون نعته ، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد.

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٣ ص٢٩٧ ب١٣ ح٢٣).

١٧٠

قال : صدقت يامحمّد! أخبرني عن قولك : إنّه واحد لا شبيه له ، أليس اللّه واحد والإنسان واحد؟ فوحدانيته أشبهت وحدانيّة الإنسان.

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللّه واحد وأحديّ المعنى ، والإنسان واحد ثنويّ المعنى ، جسم وعرض ، وبدن وروح ، فإنّما التشبيه في المعاني لا غير.

قال : صدقت يامحمّد» (١).

٦ ـ حديث أبي بصير ، عن أبي عبداللّه الصادق عليه‌السلام قال :

«إنّ اللّه تبارك وتعالى لا يوصف بزمان ولا مكان ولا حركة ولا إنتقال ولا سكون ؛ بل هو خالق الزمان والمكان والحركة والسكون والإنتقال ، تعالى عمّا يقول الظالمون علوّا كبيرا» (٢).

٧ ـ حديث إبراهيم بن أبي محمود قال : قلت للرضا عليه‌السلام : يابن رسول اللّه! ما تقول في الحديث الذي يرويه الناس عن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ أنّه قال :

«إنّ اللّه تبارك وتعالى ينزل كلّ ليلة إلى السماء الدنيا؟

فقال عليه‌السلام : لعن اللّه المحرّفين للكلم عن مواضعه ، واللّه ما قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله كذلك ، إنّما قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ اللّه تبارك وتعالى يُنزل ملكا إلى السماء الدنيا كلّ ليلة في الثلث الأخير ، وليلة الجمعة في أوّل الليل فيأمره فينادي : هل من سائل فاُعطيه؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ ياطالب الخير أقبل ، ياطالب الشرّ أقصر ؛ فلا يزال ينادي بهذا إلى أن يطلع الفجر ، فإذا طلع الفجر عاد إلى محلّه من ملكوت السماء. حدّثني بذلك أبي ، عن جدّي ، عن آبائه ، عن رسول

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٣ ص٣٠٣ ب١٣ ح٤٠).

(٢) بحار الأنوار : (ج٣ ص٣٠٩ ب١٤ ح١).

١٧١

اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله» (١).

٨ ـ حديث ثابت بن دينار قال : سألت زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام عن «اللّه جلّ جلاله هل يوصف بمكان؟

فقال :

تعالى اللّه عن ذلك.

قلت : فلِمَ أسرى نبيّه محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى السماء؟

قال : ليريه ملكوت السماء وما فيها من عجائب صنعه وبدائع خلقه.

قلت : فقول اللّه عزوجل : (ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى) (٢)؟

قال : ذاك رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله دنا من حجب النور فرأى ملكوت السماوات ، ثمّ تدلّى صلى‌الله‌عليه‌وآله فنظر من تحته إلى ملكوت الأرض حتّى ظنّ أنّه في القرب من الأرض كقاب قوسين أو أدنى» (٣).

٩ ـ حديث يونس بن عبدالرحمن قال : قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر عليهما‌السلام : لأي علّة عرج اللّه بنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى السماء ، ومنها إلى سدرة المنتهى ، ومنها إلى حجب النور ، وخاطبه وناجاه هناك واللّه لا يوصف بمكان؟

فقال عليه‌السلام :

«إنّ اللّه لا يوصف بمكان ، ولا يجري عليه زمان ، لكنّه عزوجل أراد أن يشرّف به ملائكته وسكّان سماواته ويكرمهم بمشاهدته ، ويريه من عجائب عظمته ما يخبر به بعد هبوطه ، وليس ذلك على ما يقوله

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٣ ص٣١٤ ب١٤ ح٧).

(٢) سورة النجم : (الآيتان ٨ و ٩).

(٣) بحار الأنوار : (ج٣ ص٣١٤ ب١٤ ح٨).

١٧٢

المشبهون ، سبحان اللّه وتعالى عمّا يصفون» (١).

١٠ ـ حديث عبدالرحمن بن أسود ، عن الإمام جعفر بن محمّد ، عن أبيه عليهما‌السلام قال :

«كان لرسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله صديقان يهوديان قد آمنا بموسى رسول اللّه وأتيا محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله وسمعا منه ، وقد كانا قرءا التوراة وصحف إبراهيم عليه‌السلام ، وعلما علم الكتب الاُولى ، فلمّا قبض اللّه تبارك وتعالى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله أقبلا يسألان عن صاحب الأمر بعده وقالا : إنّه لم يمت نبي قطّ إلاّ وله خليفة يقوم بالأمر في اُمّته من بعده ، قريب القرابة إليه من أهل بيته ، عظيم القدر ، جليل الشأن. فقال أحدهما لصاحبه : هل تعرف صاحب الأمر من بعد هذا النبي؟ قال الآخر : لا أعلمه إلاّ بالصفة التي أجدها في التوراة هو الأصلع المصفّر فإنّه كان أقرب القوم من رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله.

فلمّا دخلا المدينة وسألا عن الخليفة اُرشدا إلى أبي بكر ، فلمّا نظرا إليه قالا : ليس هذا صاحبنا ، ثمّ قالا له : ما قرابتك من رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله؟

قال : إنّي رجل من عشيرته ، وهو زوج إبنتي عائشة. قالا : هل غير هذا؟ قال : لا ، قالا : ليست هذه بقرابة فأخبرنا أين ربّك؟ قال : فوق سبع سماوات! قالا : هل غير هذا؟ قال : لا. قالا : دلّنا على من أعلم منك ، فإنّك أنت لست بالرجل الذي نجد في التوراة أنّه وصي هذا النبي وخليفته. قال : فتغيّظ من قولهما ، وهمّ بهما ، ثمّ أرشدهما إلى عمر ، وذلك أنّه عرف من عمر أنّهما إن استقبلاه بشيء بطش بهما ،

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٣ ص٣١٥ ب١٤ ح١٠).

١٧٣

فلمّا أتياه قالا : ما قرابتك من هذا النبي ؛ قال : أنا من عشيرته ، وهو زوج إبنتي حفصة. قالا : هل غير هذا؟ قال : لا. قالا : ليست هذه بقرابة وليست هذه الصفة التي نجدها في التوراة ، ثمّ قالا له : فأين ربّك؟ قال : فوق سبع سماوات! قالا : هل غير هذا؟ قال : لا. قالا : دلّنا على من هو أعلم منك ، فأرشدهما إلى علي عليه‌السلام.

فلمّا جاءاه فنظرا إليه قال أحدهما لصاحبه : إنّه الرجل الذي صفته في التوراة ، انّه وصيّ هذا النبي ، وخليفته وزوج إبنته ، وأبو السبطين والقائم بالحقّ من بعده.

ثمّ قالا لعلي عليه‌السلام : أيّها الرجل! ما قرابتك من رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله؟

قال : هو أخي وأنا وارثه ووصيّه ، وأوّل من آمن به ، وأنا زوج إبنته.

قالا : هذه القرابة الفاخرة والمنزلة القريبة ، وهذه الصفة التي نجدها في التوراة فأين ربّك عزوجل؟

قال لهما علي عليه‌السلام : إن شئتما أنبأتكما بالذي كان على عهد نبيّكما موسى عليه‌السلام ، وإن شئتما أنبأتكما بالذي على عهد نبيّنا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

قالا : أنبئنا بالذي كان على عهد نبيّنا موسى عليه‌السلام.

قال علي عليه‌السلام : أقبل أربعة أملاك : ملك من المشرق ، وملك من المغرب ، وملك من السماء ، وملك من الأرض. فقال صاحب المشرق لصاحب المغرب : من أين أقبلت؟ قال : أقبلت من عند ربّي ؛ وقال صاحب المغرب لصاحب المشرق : من أين أقبلت؟ قال : أقبلت من عند ربّي ؛ وقال النازل من السماء للخارج من الأرض : من أين أقبلت؟ قال : أقبلت من عند ربّي ؛ وقال الخارج من الأرض للنازل من السماء : من

١٧٤

أين أقبلت؟ قال : أقبلت من عند ربّي ، فهذا ما كان على عهد نبيّكما موسى عليه‌السلام.

وأمّا ما كان على عهد نبيّنا فذلك قوله في محكم كتابه : «مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا» (١) الآية.

قال اليهوديّان : فما منع صاحبيك أن يكونا جعلاك في موضعك الذي أنت أهله؟ فوالذي أنزل التوراة على موسى إنّك لأنت الخليفة حقّا ، نجد صفتك في كتبنا ونقرؤه في كنائسنا ، وإنّك لأنت أحقّ بهذا الأمر وأولى به ممّن قد غلبك عليه.

فقال علي عليه‌السلام : قدّما وأخّرا وحسابهما على اللّه عزوجل يوقفان ويسألان» (٢).

١١ ـ ما رواه سلمان الفارسي في حديث طويل يذكر فيه قدوم الجاثليق إلى المدينة مع مئة من النصارى بعد وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وسؤاله أبا بكر عن مسائل لم يجبه عنها ثمّ أُرشد إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام فسأله عنها فأجابه ، فكان فيما سأله أن قال له :

«أخبرني عن وجه الربّ تبارك وتعالى ، فدعا علي عليه‌السلام بنار وحطب فأضرمه فلمّا إشتعلت قال علي عليه‌السلام : أين وجه هذه النار؟

قال النصراني : هي وجه من جميع حدودها.

قال علي عليه‌السلام : هذه النار مدبّرة مصنوعة لا تعرف وجهها ، وخالقها لا

__________________

(١) سورة المجادلة : (الآية ٧).

(٢) بحار الأنوار : (ج٣ ص٣٢٤ ب١٤ ح٢٢).

١٧٥

يشبهها؟ وللّه المشرق والمغرب فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه ، لا يخفى على ربّنا خافية» (١). والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

١٢ ـ حديث جابر قال : قال الباقر عليه‌السلام :

«ياجابر! ما أعظم فرية أهل الشام على اللّه عزوجل ، يزعمون أنّ اللّه تبارك وتعالى حيث صعد إلى السماء وضع قدمه على صخرة بيت المقدّس ، ولقد وضع عبد من عباد اللّه قدمه على حجر فأمر اللّه تبارك وتعالى أن نتّخذه مصلّى.

ياجابر! إنّ اللّه تبارك وتعالى لا نظير له ولا شبيه ، تعالى عن صفة الواصفين ، وجلّ عن أوهام المتوهّمين ، واحتجب عن أعين الناظرين ، لا يزول مع الزائلين ، ولا يأفل مع الآفلين ، ليس كمثله شيء ، وهو السميع العليم» (٢).

الرابعة : أنّه تعالى ليس بمرئيّ

ولا تراه العيون ولا تدركه الحواس لا في الدنيا ولا في الآخرة.

وقد اتّفقت على ذلك الإماميّة الحقّة ، وخالف في ذلك فرقة الكرامية ، فذهبوا إلى جواز رؤيته مطلقا ، وخالفت الأشاعرة أيضا فذهبوا إلى جواز رؤيته في الآخرة ، وتمسّكوا لذلك باُمور واهية تلاحظها مع الجواب عليها في إرشاد الطالبين (٣).

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٣ ص٣٢٨ ب١٤ ح٢٨).

(٢) بحار الأنوار : (ج٣ ص٣٢٩ ب١٤ ح٣١).

(٣) إرشاد الطالبين للفاضل المقداد : (ص٢٤٤).

١٧٦

والدليل البرهاني قائم على امتناع الرؤية بنحو مطلق دائما وأبدا ، كتابا وسنّةً وعقلاً :

فمن الكتاب :

١ ـ قوله تعالى : (لاَ تُدْرِكُهُ الاْءَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الاْءَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (١).

٢ ـ قوله تعالى : (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي) (٢) و «لن» لنفي التأبيد.

ومن السنّة :

الأحاديث الكثيرة التي مرّ بعضها ممّا صرّح بعدم إدراكه بالحواس.

وللمثال لاحظ بيان أمير المؤمنين عليه‌السلام في حديث ذعلب الوارد في الكافي جاء فيه :

«لم تره العيون بمشاهدة الأبصار ، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان» (٣).

ولاحظ خطبة سيّدة النساء فاطمة عليها‌السلام في مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي هي بيان كامل للمعارف الكاملة جاء فيها توصيف اللّه تعالى بما يلي :

«الممتنع من الأبصار رؤيته ، ومن الألسن صفته ، ومن الأوهام

__________________

(١) سورة الأنعام : (الآية ١٠٣).

(٢) سورة الأعراف : (الآية ١٤٣).

(٣) اُصول الكافي : (ج١ ص١٣٨ ح٤).

١٧٧

كيفيته» (١).

والوهم على سعته لا يمكنه درك خالقه ، فكيف بالعين الصغيرة؟

كما تلاحظ في الحديثين التاليين :

١ ـ حديث الأشعث بن حاتم أنّه سأل الرضا عليه‌السلام عن شيء من التوحيد؟

فقال :

«ألا تقرأ القرآن؟ قلت : نعم ، قال : اقرأ : (لاَ تُدْرِكُهُ الاْءَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الاْءَبْصَارَ) (٢) ، فقرأت ، فقال : وما الأبصار؟ قلت : أبصار العين ، قال : لا إنّما عنى الأوهام ، لا تدرك الأوهام كيفيّته وهو يدرك كلّ فهم» (٣).

٢ ـ حديث أبي هاشم ، عن الإمام أبي جعفر الجواد عليه‌السلام نحوه ، إلاّ أنّه قال :

«الأبصار هاهنا أوهام العباد ، والأوهام أكثر من الأبصار ، وهو يدرك الأوهام ولا تدركه الأوهام» (٤).

ومن العقل :

قضاء البداهة بأنّ كلّ مرئيٍ في سُنّة النظر ، وفي جميع الكون يكون جسما وفي جهة وذا مكان وصورة ، واللّه تعالى منزّه عن جميع ذلك.

مع أنّ الوجدان يحكم بكون المرئي محاطا بالنظر ، واللّه تعالى محيط هو بكلّ شيء ، فلا يكون محاطا ، لذلك لا يكون مرئيا ، وهو في مرتبة الخالقية فلا

__________________

(١) العوالم : (١١ / ٢ ص٦٥٥).

(٢) سورة الأنعام : (الآية ١٠٣).

(٣) بحار الأنوار : (ج٣ ص٣٠٨ ب١٣ ح٤٦).

(٤) بحار الأنوار : (ج٣ ص٣٠٨ ب١٣ الحديث المنقول عن المحاسن).

١٧٨

يحيط به المخلوق.

مضافا إلى أنّه لو صحّ أن يكون مرئيا لرأيناه ، والتالي باطل فالمقدّم مثله.

فيستفاد أنّ اللّه تعالى لا يمكن رؤيته وليس بمرئي إطلاقا.

الخامسة : أنّه تعالى ليس محلاً للحوادث

فلا يصحّ عليه النوم واليقظة ، والحركة والسكون ، والقيام والقعود ، والطفولة والكهولة ، والشباب والشيب ، والضعف والكلال ونحو ذلك.

كما دلّ عليه أوّلاً الكتاب الكريم :

في مثل قوله تعالى : (لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ) (١).

ودلّت عليه ثانيا السنّة الشريفة :

في مثل حديث أبي المغرا عن أبي جعفر عليه‌السلام قال :

«إنّ اللّه تعالى خلوٌ من خلقه ، وخلقه خلوٌ منه» (٢).

ودلّ عليه ثالثا حكم العقل :

من حيث إنّ هذه الاُمور الحادثة توجب الإنفعال والتأثّر ، والإنفعال ممتنع عليه ؛ لأنّه من صفة المادّيات ، واللّه تعالى ليس مادّيا فلا يكون منفعلاً أو متغيّرا ولا يكون محلاً للحوادث.

__________________

(١) سورة البقرة : (الآية ٢٥٥).

(٢) بحار الأنوار : (ج٣ ص٣٢٢ ب١٤ ح١٨).

١٧٩

مضافا إلى أنّ تلك الحوادث هي من لوازم الجسم واللّه تعالى منزّه عن الجسمية.

بالإضافة إلى أنّ تلك الاُمور عوارض مخلوقة حادثة ، والخالق القديم يستحيل عليه أن يتّصف ذاتا بالصفات المخلوقة الحادثة ، فلا تكون الحوادث عارضة عليه.

ثمّ إنّ ما ورد في القرآن الكريم من وصفه تعالى بشيء من تلك الصفات كقوله عزّ إسمه : (رَضِىَ اللّه عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (١) ، وقوله تعالى : (وَغَضِبَ اللّه عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ ...) (٢) ، وقوله تعالى : (فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ) (٣) ونحو ذلك ، فهي مؤوّلة بأنّ المراد في جملة منها غاياتها ونتائجها دون مباديها ونفس حالاتها ، فغاية الرضا مثلاً الإكرام والإحسان ، وغاية الغضب مثلاً العقاب والعذاب ، فيكون رضاه تعالى بمعنى إكرامه ، وغضبه بمعنى معاقبته ، ولذا قيل في حقّه تعالى : (خذ الغايات واترك المبادي).

كما يكون «آسفونا» بمثل معنى «آسفوا أولياءنا» ، فإنّ للّه تعالى أولياء منتسبين إليه من حاربهم فكأنّما حارب اللّه ، ومن آذاهم فكأنّما آذى اللّه ، كما في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «فاطمة بضعة منّي مَن آذاها فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى اللّه» (٤).

__________________

(١) سورة المائدة : (الآية ١١٩).

(٢) سورة الفتح : (الآية ٦).

(٣) سورة الزخرف : (الآية ٥٥).

(٤) إحقاق الحقّ : (ج١٠ ص٢٠٦).

١٨٠